جمعه 7 ارديبهشت 1403  
 
 
9 ــ التصريع
هو عبارة عن استواء آخر للمصراع الأول من البيت الأول من القصيدة مع آخره في القافية([1]), فقد قال قدامة بن جعفر (337هـ) في نعت القوافي «أن تكون عذبة الحرف سلسة المخرج, وأن يقصد لتصيير مقطع المصراع الأول في البيت الأول من القصيدة مثل قافيتها, فان الفحول المجيدين من الشعراء القدماء والمحدثين يتوخون ذلك ولا يكادون يعدلون عنه»([2]).
والتصريع ظاهرة بارزة في موسيقى الشعر العربي, يذهب الشعراء المجيدون إليه «لأن بنية الشعر إنما هو التسجيع والتقفية, فكلما كان الشعر أكثر اشتمالاً عليه كان ادخل له في باب الشعر وأخرج له من مذهب النثر»([3]), ولهذا كانت مبادرة الشاعر إلى التصريع ليعلم في أول وهلة أنه أخذ في كلام موزون غير منثور([4]).
وكذلك «فإن للتصريع في أوائل القصائد طلاوة وموقعاً في النفس, لاستدلالها به على قافية القصيدة قبل الإنتهاء إليها»([5]), مما يخلق ايقاعاً قصيراً يهيُ الإسماع ويشدها إلى القافية ونغم القصيدة.
وقد عُدَّ التصريع أحد أركان التنغيم الموسيقي في شعر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء, ولاسيما في مرحلته الشعرية الأولى, التي تقيد فيها بأساليب القدماء, وسار على منهاجهم, فقد جاءت أغلب قصائده ومقطوعاته مصرعة, ومستثمرة لما لهذا الأسلوب من طاقات, وأواصر موسيقية, تضاعف التنغيم الإيقاعي للقصيدة, وتزيد من جلب انتباه المتلقي, وانشداده مع الشاعر.
فمن ذلك قوله متغزلاً ــ من الكامل ــ ([6]):
لَعبير ذِكرَكَ سوسني وبشامي

 
ورضاب ثغرك خمرتي ومدامي

أنحلتني بنحول خصرك ظالماً

 
وسقام لحظك قد ازاد سقامي

 
فنجد بأن الشاعر قد وظف التصريع في مطلع القصيدة ليزيد من التلون الإيقاعي الذي زودَّ المطلع بأنغامه وموسيقاه, ويستمر الشاعر في مقدمته الغزلية ليصل إلى البيت الثالث عشر فيأتي به مصرعاً فيقول:
بِعُلاكَ زاد تولعي وهيامي

 
وبِكَ افتتاحي في الثنا وختامي

 
ليتخلص من لوحة الغزل, ويدخل إلى المديح أو الغرض الرئيس من القصيدة, فيكون التصريع في هذا البيت فيه دلالة على غرض جديد وإشارة إلى بداية جديدة, كما هو دأب الشعراء في استعمال التصريع في غير الابتداء. «وذلك إذا خرج من قصة إلى قصة او من وصف شيء إلى وصف شيء آخر فيأتي حينئذٍ بالتصريع أخباراً بذلك وتنبيهاً عليه»([7]).
وقد كان استثمار التنظيم الموسيقي للتصريع واضحاً في أغلب تلك القصائد, ماعدا القليل منها([8])التي خرج فيها عن هذا الالتزام.
فمن ذلك قوله في إحدى قصائد الغزل ــ من الطويل ــ([9]):
وأرعى ظباء السرب ساعة سربت

 
جآذره والدمع في الخد ساربُ

ويطلبك القلبُ المُعنى ضلالة

 
وهيهات منهُ اليوم من هو طالبُ

 
وكذلك قوله في مقطوعة ــ من الطويل ــ([10]):
ألا ان اشجاني اليك تهزني

 
فاعتل كي لا يعرف الشجو جلاسي

واشتاقكم والياس ملا جوانحي

 
وابرح شوق ما يكون مع اليأسِ

 
والتي نلاحظ فيها بان الشيخ, وعلى الرغم من عدم تصريع هذه المطالع الشعرية لم يصرع الأبيات القريبة التي تليها. كما هو معروف عند الشعراء المجيدين في أثناء محاولاتهم أستدراك النغم الموسيقي المفقود في أول القصيدة([11]).
وكأنه قد أكتفى بأنغام التجنيس بين (سربت) و(سارب) في مطلع القصيدة. وجعل حرف (الوصل) الياء رديفاً لجرس حرف الروي (السين) في أول المقطوعة الثانية. وعوض النغم المفقود في البيت الثاني منها بالإيقاع الفاعل لاسلوب رد العجز على الصدر. بين (أشتاقكم) و(شوق) و(الياس) الأولى و (الياس) الثانية. بحيث خلق تنغيماً موسيقياً عالياً عوض ذلك النغم المفقود في أول المقطوعة.
إلا أن الظاهرة الأكثر وضوحاً لإستخدام التصريع في شعر الشيخ. تتمثل في زيادة القصائد غير المصرعة في قصائد المرحلة الثانية والثالثة من حياته الشعرية.
فمن قصيدة له عنوانها ــ حقيقة الجمال ــ قال ــ من المتقارب ــ([12]):
الكني اليك خفير الهوى

 
فهل من حديث وهل من خبر

حبيبي رمت بك عني النوى

 
فاين الثواء واين المفر

 
وكذلك جاءت آخر قصيدة للشاعر غير مصرعة أيضاً حيث قال في وصف قرية (كرند) ــ من الخفيف ــ ([13]):
يدهش اللب من (كرند) رجالٌ

 
مثل قلب البخيل جلمودَ صَخْره

غير ان العيون منها جوارٍ

 
وعيون البخيل لم تند قطره

 
ويظهر من ذلك كله ان الشاعر تقيد في مرحلته الشعرية الولى باستعمال التصريع في أغلب قصائده, واهتمامه بما وضعه القدماء من قيود ايقاعية وموسيقية للقصائد, في حين أخذ اهتمامه هذا يقل في المراحل الشعرية التالية, كنوع من محاولات التحرر من تلك القيود, وازدياد الإهتمام بالمعنى الذي يعبر بوضوح في خلجات الشاعر في شعره


([1]) ينظر: معجم النقد العربي القديم: 1/ 346. أنوار الربيع: 5/ 271.
([2]) نقد الشعر: 51.
([3]) المصدر نفسه: 60.
([4]) ينظر: العمدة: 271.
([5]) منهاج البلغاء: 283.
([6]) الحسن من شعر الحسين: 174.
([7]) العمدة: 1/ 174.
([8]) الحسن من شعر الحسين: 27, 39, 125, 13, 131.
([9]) المصدر نفسه: 27.
([10]) المصدر نفسه: 131.
([11]) ينظر: نقد الشعر: 56, 57.
([12]) شعراء الغري: 8/ 163.
([13]) شعراء الغري: 8/ 126.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما