شنبه 1 ارديبهشت 1403  
 
 
المبحث الخامس/ الفخر:

هو التمدُّح بالخصال والإفتخار وعَدَّ القد تفاخر القوم: فخر بعضهم على بعض([1]). وهو يجري «مجرى المديح ولا يكاد يكون بينهما فرق إلا ان الإفتخار مدح يعيده المتكلم على نفسه أو قبيلته»([2]).
ومن أصول الفخر التفخيم([3])حيث كانت العرب تبالغ في ذلك فهلك منهم خلق كثير([4]). فقد كان الفخر من أشهر أغراض الشعر العربي, ولا سيما في العصر الجاهلي حيث حياة الصحراء والحروب. فقد نظم فيه الصعلوك والفارس والأمير و مختلف طبقات الشعراء([5]).
أما في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين فقد انتشر هذا الغرض عند طبقة من الشعراء, من ذوي النفوس الكبيرة, التي كانت تعتز بأصلها وقوميتها وتراثها, ولا سيما أولئك الذين نشأوا في كنف الأسر العربية، المعروفة بخدمة العلم والأدب, وتقلدت الرياسة والزعامة([6]).
وكان من ضمن أولئك الشعراء الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء, الذي شكل الفخر ظاهرة بارزة في شعر، فقد كان الشيخ معروفاً باعتداده بنفسه «فهو لا يجد كفؤاً له في الناحية العلمية كما لم يجد له كفؤاً من الناحية القبلية»([7]). فقد «بلغت هذه الظاهرة عنده حداً بعيداً فكان يرى انه المرجع الأول للدين والمنبع الفياض للعلوم»([8]).
و بما أن الناس تكره الحديث عن النفس والتباهي بالخصال ويعدونه غروراً أو ادعاءاً, إلا في الشعر فإنه مقبول مستساغ([9]). نجد بأن الشيخ قد ضمن شعره الكثير من ذلك الإعتداد بالنفس والتمدح بالخصال والفعال. ولا سيما تلك الفضائل النفسية والخصال الخلقية التي يحسن الفخر بها([10])، بعيداً عن التباهي بالأمور المادية والقوة الجسدية.
فقد عيب على المفتخر بالحسن والجمال([11]). وترك «الطهارة والعفاف والحلم والعلم وما يجري مجرى ذلك»([12]). فمن ذلك فخر الشيخ بهمته وعفته قولهـ من الطويل ــ ([13]):
ولي همة لو ناطحت قبة السما

 
لخر على وجه الصعيد عمودها

اذا عنت الفحشا فإني عفيفها

 
وان لاحت العليا فإني عميدها

 
فقد كان الشيخ أهلاً للافتخار بهمته، وكان معدوداً من«الأفذاذ الذين يواصلون الليل بالنهار في خدمة مجتمعهم، وقد مليء قوة ونشاطاً، وشعوراً بالحياة»([14])، أما عفته فهو العفيف عن الذنوب والدنيات، قد صوب وجهه نحو العلياء والمجد.
وفي مكان آخر يترجم الشاعر موقفه من الحياة. ويستعرض فضائله الكريمة على الرغم مما يقاسيه من المحيط من أذى وألم([15]). فيقول في ذلك ــ من الكامل ــ([16]):
لؤمت إساءتها فهانت وأستوى

 
نبح الكلاب عليَّ أو أصواتها

وتكرماً عنها صددت وإنني

 
لولا خساستها عليَّ خساتها

ولقد دنت شأناً فلولا عفتي

 
عن وطئ كل دنيةٍ لوطأتها

وانا الشجى في حلقها فلو أنها

 
تجد المساغ قذفن بي لهواتها

وتهش بشراً إن حضرت فإن أغب

 
قذفت بجمرة غيظها حصياتها

كم صانعتني بالدهاء وإنما

 
أدهي الورى شراً عليَّ دهاتها

لكن جبلت على الوفاء فلو جنت

 
يدها على عيني العمى لدرأتُها

 
وهذه نغمة من الفخر تتسم بالجدة حيث يفخر الشاعر بنفسه من خلال مواجهته الدنيا,إِذ اخذ يذكر صفاته التي تعينه على مقاومة قسوة الدنيا، فهو يتكرم عنها بالصدود وعدم الإندفاع وراء مغرياتها لعفته وطيب أخلاقه.
ولا ينسى الشيخ وهو يفخر بنفسه أن يفخر بقومه وبحسبه كما في قوله ــ من الوافرــ([17]):
يخاصمني زماني في المعالي

 
ولكني ألدُّ [ من ] الخصومِ

وما بالي وأهلي خير أصلٍ

 
وخيمي من قديمٍ خير خيمِ

ذوائب جعفرٍ آل المعالي

 
وآل العز والشرف القديمِ

 
ولكن هذا لا يعني أنه يعتمد على فخر الأجداد في طلب العلا من دون الاعتماد على النفس والجد والاجتهاد فيقول([18]):
ولكني بجِدي لا بجَدِّي

 
وطأت بأخمصي هام النجومِ

 
فهو يعتقد أنه لا يصل إلى المجد والعلياء إلا بجده واجتهاده. فهما اللذان يزجرانه إذا توانى أو تكاسل. أو وصل إلى مرتبة دون مستواه. فيقول ــ من البسيط ــ([19]):
وإن تكاسلت عنه قُمن بي هِمَمُ

 
تقول لي بلسان الصارم الذَربِ

بعزمك أسبق مسير الأنجم الشهب

 
فمن يَجدَّ له حظكَُ من الطلبِ

وارتق معالي قد وفى أبوك بها

 
فكم تناولها قومٌ بغير أبِ

 
وكثيراً ما يمزج الشيخ بين الفخر والمديح. عندما يتحول مدح الشيخ لقوم الممدوح إلى الفخر بالأسرة والعشيرة، ولا سيما إذا كان ذلك الممدوح أحد افراد اسرته أو قريباً من أقربائه، فمن ذلك قوله وهو يمدح أحد بني عمه(1) ــ من الطويل ــ([20]):
ملكنا البرايا شيبها وشبابها

 
بفيض العطايا وابتذال الرغائبِ

لقد سار في الآفاق ذكري وذكره

 
مسير الدراري النيرات الثواقبِ

فما دنت الفحشاء نحو خبائنا

 
ولا جاذبت أعراضنا كف جاذبِ

وكيف وإنا من معاشر أمسكت

 
حلومَهُمُ شمَّ الجبال الأهاضبِ

هم القوم ينسابون في الروع مثلما

 
تسيب الأفاعي في بطون السباسبِ

مغاوير خَّواضونَ كلَّ عظيمةٍ

 
بكل رهين الحد ماضي المغاربِ

اسود مصاحير اذا مادعتهُمُ

 
دواعي المنايا في عظيم المواكب

وخاضوا غمار الموت في حومة الوغى

 
وعادوا عن الفرسان حمر المخالبِ

لقد وسعوا الدنيا علاءً وسؤدداً

 
ونالوا المعالي باقتحام المعاطبِ
ج
 
فقد فخر بفضائل آل كاشف الغطاء وتغنى بخصالهم وأمجادهم، وذكر لهم: الكرم. والذكر الحسن, والعفة, والشرف, والحلم, والشجاعة، وغيرها من الخصال والفعال، حتى بلغوا اعلى مراتب العلياء والمجد.
 
ومن الملاحظ على فخر الشيخ هذا أنه جاء عاماً تقليدياً قد ألف الشعراء تكرار طرقه ومعانيه. ولا سيما تلك التي تتناول الشجاعة وخوض المعارك والتغلب على الفرسان, واستعمال السيف و ركوب ظهور الخيل, التي كانت بعيدة كل البعد عن آل كاشف الغطاء وزمنهم وطبيعة حياتهم التي امتلأت بخدمة العلم والأدب، حتى شاب صغيرهم على ذلك. كما قد أشار الشيخ إلى ذلك فقال ــ من البسيط ــ ([21]):
أني من القوم ما شبوا وما نشأوا

 
إلا على در ثدي العلم والأدبِ

شابت ببحر العُلا أطفالهم هرماً

 
ومجدهم قط لم يهرم ولم يَشِبِ



([1]) ينظر: معجم النقد العربي القديم: 2/159.
([2]) منهاج البلغاء وسراج الأدباء: 352.
([3]) ينظر: معجم النقد العربي القديم: 2/159.
([4]) ينظر: جوهر الكنـز/ تلخيص كنـز البراعة في أدوات ذوي البراعة، لنجم الدين بن أسماعيل بن الأثير الحلبي (ت737هـ ):515.
([5]) ينظر: المطلع التقليدي في القصيدة العربية, عدنان عبد النبي البلداوي, مطبعة الشعب ــ بغداد 1974: 92.
([6]) ينظر: الشعر العراقي أهدافه وخصائصه في القرن التاسع عشر: 131.
([7]) شعراء الغري: 8/102.
([8]) المصدر نفسه: 8/118.
([9]) ينظر: الشعر الجاهلي/خصائصه وفنونه: 185.
([10]) ينظر: المصدر نفسه: 185.
([11]) ينظر: منهاج البلغاء وسراج الأدباء: 352.
([12]) كتاب الصناعتين/الكتابة والشعر, أبي هلال الحسن بن عبد الملك بن سهل العسكري, تحقيق: علي محمد البيجاوي ومحمد أبو الفضل ابراهيم, ط1, دار احياء الكتب العربية, عيسى الحلبي وشركاؤه, 1371 ــ 1952: 131.
([13]) الحسن من شعر الحسين: 97.
([14]) شعراء الغري: 8/117.
([15]) ينظر: المصدر نفسه: 8 /102.
([16]) مقتل الحسينu, المقرم: 379.
([17]) ينظر: الحسن من شعر الحسين: 171.
([18]) الحسن من شعر الحسين:171.
([19]) المصدر نفسه: 33.
(1) لم يشر الشيخ إلى اسم الممدوح لافي القصيدة ولا في أعلاها.
([20]) الحسن من شعر الحسين:25.
([21]) الحسن من شعر الحسين: 33.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما