چهارشنبه 5 ارديبهشت 1403  
 
 
المبحث الخامس ــ الحكمة
تعد الحكمة دليلاً على رقي عقلية الشاعر وتفكيره, وتأمله في قضايا الناس والحياة, وهي ثمرة تجارب طويلة، ونظر ثاقب، وبصيرة نافذة في الناس وأخلاقهم والماضين ومصائرهم، وتأمل في سعي الانسان وغايته ونهايته، ومحاولة لنصح الناس وإرشادهم في حياتهم وسلوكهم([1]).
وقد جاءت الحكمة في شعر الشيخ بعد ان بلغ هذه المرحلة من حياته، وبعد ان خبر الناس وعاشرهم, وشهد حياة طويلة حافلة بالاحداث, وأصاب من خيرها وشرها، وذاق من حلوها ومرها, فقد فرح بما حبته من مسرّات، وحزن بما اصابته به من فقد ولد أو خيانة صديق، أو تخاذل قوم وتآمر آخرين.
فهو الذي يحذر الناس من الاغترار بالدنيا وخداعها إياهم، عندما يقول في إحدى خماسياته ــ من الطويل ــ([2]):
 
إلى كم على الدنيا  الدنية تحرصُ

 
وظلك منها لم يزل يتقلصُ

تكد لكي تزداد بالمال ثروة

 
وفي كل يوم حبل عمرك ينقصُ

بني المال قد اخلصتم لحسابه

 
وأنّى لكم يوم الحسابِ التخلّصُ

تفحصت عن سر القضاء تيقناً

 
فما زادني غير ألشكوك التفحصُ

ودنياكم ما متعتني بغيرها

 
وياليتني من شرها اتخلص

 
فهو ينظر الى حرص الناس على الدنيا وجمع المال، متناسين عمرهم الذي يركض سريعاً في هذه الحياة, ويوم حسابهم الذي سيطول وقوفهم عنده. ومهما تأمل الانسان في حقيقة الحياة والوجود لم يزدد إلا تحيراً واضطراباً ولم يجن من الحياة إلا الآلام والمصائب التي لا يتمنى الا الخلاص منها ومن شرورها.
وقد تأخذ الحكمة شكلاً آخر في شعره, وتتجه نحو الناس وأخلاقهم, والتحذير من طباعهم وأذاهم, وما جبلوا عليه من غدر وخديعة وطمع ونفاق. فيقول ــ من السريع([3]):
تمت علينا الحجة البالغة

 
فبيننا شمس الهدى بازغة

حوادث الكون واطوارها

 
للنفس فيها عظة بالغة

لكنها الأنفس في طبعها

 
الشر ونهج السبل الزائغة

فتعبد الله باقوالها

 
وعنه في اعمالها نازغة

للعدل ما ساغت بها شرعة

 
وشرعة الجور بها سابغة

 
وفي بعض الاحيان يتجه الى التفكر في الحياة والطبيعة ووجود الانسان, ويأخذ بالتساؤل عن كل ذلك, على الرغم من ان ذلك التساؤل ينتهي في أغلب الأحيان الى العجز واليأس, فهو يريد ان يمارس ذلك التساؤل كأنه غاية في حد ذاته, وان يتذوق اليأس والعجز كانهما ثمرة فلسفية وحقيقية صريحة. وهذا ما نجده أيضاً في خماسيات الشيخ. فهو الذي يقول في احداها ــ من السريع([4]):
 
أنفسنا تخدع ألبابنا

 
أم هذه الدنيا لنا خادعة؟

نخطوا الى الموت بانفاسنا

 
فهي لنا واصلة قاطعة

من خشب المهد إلى لوحة
 ج
 
التابوت زفت روحَك الوادعة
ج
من ظلمة الرحم إلى ظلمة
ج
 
القبر تصير الجنة النازعة

من عدمٍ صرنا الى مثله

 
فهل لنا من كرّة راجعة؟

 
وبعد ذلك يمكن ان نلاحظ في مجمل شواهد الحكمة في شعر الشيخ بانها كانت تلخص تجربة الشاعر ونظرته الى الحياة والناس, مع غلبة مشاعر الألم واليأس عليها, وهي تعكس بصورة واضحة أثر تلك المصائب والنكبات التي أصابته في هذه المرحلة من حياته.
 


([1]) ينظر: الشعر الجاهلي/خصائصه وفنونه: 287.
([2]) خماسيات روضة الحزين: 13.
([3]) خماسيات روضة الحزين: 16.
([4]) خماسيات روضة الحزين: 16.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما