سه‌شنبه 28 فروردين 1403  
 
 
ثانياً ــ المقدمات الثانوية
وهي تلك المقدمات الأقل وروداً في شعر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء, والمتمثلة بمقدمات الشكوى والحكمة, فضلاً عن المقدمة الخمرية.
فمن ذلك قول الشيخ ــ من الكامل([1]):
ماذا يذم المرء من اخلاقها

 
دنيا ذعاف السم درّ فواقها

بينا تريك بشاشة واذابها

 
حشرت عليك الرزء من آفاقها

ما راق منها مشرب إلا وقد

 
سُلّت عليه بارقات رقاقها

معشوقه لم ترتضِ في مهرها

 
إلا ببذل العمر من عشاقها

ماتم بدرٌ مشرقٌ في جوها

 
إلا رمته بخسفها ومحاقها

كم من وفي العهد قد غدرت به

 
والغدر خير سجية بخلاقها

 
فقد قدم الشيخ قصيدته التي أرسلها إلى أحد بني عمه بعد طول سفر ومعاناة([2]), بهذه المقدمة التي حملت في طياتها شكوى الشاعر من الدنيا, وخداعها لأهلها, وغدرها بالمخلصين الأوفياء, لتتناسب في ذلك مع الغرض, وتكون خير تمهيد للدخول في الموضوع, ودعوة من الشاعر لابن عمه للعودة إلى الوطن, والتخلص من كل الأرزاء والأوجاع التي صادفته في سفره.
ولعل من المناسب أن يمزج الشاعر مقدمات مراثيه بالألم والحكمة والتبصر بعواقب الدنيا([3]). كما نجد ذلك في مقدمة إحدى مراثي الشيخ في الإمام الحسينu حيث يقول ــ من الوافر([4]):
دع الدنيا فما دار الفناء

 
بأهل للمودة والصفاءِ

متى تصفو وتصفيك الليالي

 
وقد كوِّنْتَ من طينٍ وماءِ

تروقك في مسرتها صباحاً

 
وتطرق بالمساءة في المساءِ

تناهي كل ذي أهل فهلا

 
لعينك يا شباب من الشقاءِ

وفازت في سعادتها نفوسٌ

 
وليتك لو قصرت من الشقاءِ

فويلي ما أشد اليوم ضعفي

 
وأعصاني لجبار السماءِ

وياخجلي ولم اعبأ بذنبٍ

 
وأهل مودتي أهل العباءِ

 
حيث حذر الشاعر من الإغترار بالدنيا الفانية, المتقلبة على أبنائها, فقد هلك أصحاب الآمال, وفاز أهل التضحية والعطاء, ويستشفع الشاعر بعد ذلك بأهل بيت النبوةE ليخلصوه من عذابه.
 
ومن المقدمات الثانوية الأخرى في شعر الشيخ هي المقدمة الخمرية؛ والتي قدم بها الشاعر بعض قصائده.
التي قال في إحداها ــ من الوافر ــ([5]):
اذا نفحتك انفاس الرياح

 
فخذ قدحيك من ريقٍ وراح

ولا تبرح عن الندما فما للـ

 
بيبٍ عن الندامى من براحِ

ورح لغبوق شربك مع صباحٍ

 
اذا برزن غُنيتَ عن الصباحِ

 
ونحن نجد بأن الشيخ وعلى الرغم من تطرقه لذكر الخمر في مقدمة قصيدته إلا انه جاء ذكراً مختزلاً, ومقتصراً على ذكر الخمر, وعلاقته بريق المحبوب, وفي معرض الحديث عن جلسة السمر والغزل, وهي عادة الشاعر في مثل هذه المقدمات([6]), التي عكست بصورة واضحة. شخصية الشاعر الملتزمة, وشخصية رجل الدين التي طغت على شعره.
 


([1]) قصيدة مخطوطة في مكتبة الشيخ محمد شريف نجل الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في النجف الأشرف. ينظر الملحق رقم (3).
([2]) هو احد بني عمه الذي عانى في سفره إلى ايران الكثير من المحن والمعاناة وغدر الناس والأصدقاء. كما ذكر ذلك الشيخ محمد شريف كاشف الغطاء في لقاء مع الباحث في مكتبته في النجف الأشرف في تاريخ 20/ 1/2003.
([3]) ينظر: الشعر الجاهلي, خصائصه وفتنونه: 208.
([4]) شعراء الغري: 8/138.
([5]) الحسن من شعر الحسين:77.
([6]) المصدر نفسه:64, 181, 224.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما