شنبه 8 ارديبهشت 1403  
 
 
الفصل الثالث الصورة الفنية
    تشكل الصورة أحد أهم عناصر البناء الفني للقصيدة, وهي وسيلة من الوسائل التي يعتمدها الشاعر في التنفيس عن عواطفه وأحاسيسه وانفعالاته.
وقد ألتفت النقاد إلى أهمية الصورة الشعرية في النص الإبداعي, وتباروا في توضيحها ودرسها وبيان أنواعها ووظائفها, منطلقين من حقيقة أن «الوسيلة الفنية الجوهرية لنقل التجربة هي في معناها الجزئي والكلي, فما التجربة الشعرية كلها إلا صورة كبيرة ذات أجزاء»([1]), فليس ثمة شعر يخلو من صورة فنية فهي في الشعر كالشمس في الحياة([2]).
والصورة الشعرية «في أبسط معانيها رسم قوامه الكلمات»([3]), وبتعبير آخر هي صورة مكونة من الكلمات وإلى حد ما مجازية, مع خط خفي من العاطفة الإنسانية في سياقها, مع كونها مشحونة بإحساس وعاطفة شعرية خاصة تنساب نحو القارئ([4]), فالشاعر وهو ينظم قصيدته يجمع فيها مختلف الحقائق المتباينة, ويوحدها في ذهنه ويعيد خلقها على وصف رؤيا نفسية فنية تعبر عن أحاسيسه الفكرية والوجدانية جاعلا من قصيدته تلك مفعمة بالحياة والحركة والإبداع وقادرة في الوقت نفسه على نقل رؤياه وتجربته النفسية للآخرين.
ولا يزال مصطلح (الصورة) غامضاً غموضاً شديداً نظراً إلى اختلاف المحاور التي درس من خلالها النقاد هذا الركن الأساسي من البناء الشعري([5]). وكذلك إلى اختلاف رؤية كل مذهب من المذاهب الأدبية للصورة, ومكانتها من بقيت وسائل التعبير الفنية([6]), إلا ان التعريف الاكثر شمولية للصورة الفنية يذهب إلى إلى أنها «تشكيل جمالي تستحضر فيه لغة الإبداع الهيئة الحسية أو الشعورية للأجسام أو المعاني بصياغة جديدة تمليها قدرة الشاعر وتجربته وفق تعادلية فنية بين طرفين هما المجاز والحقيقة دون ان يستبد طرف بآخر»([7]).
ومن المعلوم أن الشعر عملية معقدة يشترك فيها الخيال الوقاد والثقافة العميقة والقدرة على الإبداع في استثارة المعاني وتشكيل الصور, وأفضل الشعر ما كانت النسب بين معانيه وصوره متعادلة([8]). فالخيال هو «العنصر الذي يساعد على تشكيل الواقع الخارجي تشكيلا جديدا في العمل الأدبي»([9]), ويشترك مع العاطفة في رسم ملامح الصورة الإبداعية التي تحقق غاية الشاعر في التعبير عن تجربته الشعرية.
ويستطيع الشاعر المبدع الذي يملك خيالا خصبا أن يسمو بصورة ويمدها ببواعث الإثارة التي توقظ في المتلقي عواطفه, وتجعله يشارك الشاعر في انفعالاته, وذلك بالاعتماد «على ما في قوة التعبير من إيحاء بالمعاني في لغته التصويرية الخاصة به, وفي لغة الشعر يوضح التعبير لقوانين اللغة العامة, ولكنه يفيد مع ذلك من اعتماد على دلالات القرائن وما يمكن أن تضفية هذه الدلالات على التصوير عن طريق موسيقية التعبير وموقعه وتآزر كلماته وأثر ذلك كله في التصوير»([10]).
وفي هذا يتضح بأن كل من العاطفة والخيال والملكات اللغوية البيانية للشاعر تشترك في عملية رسم الصورة المبدعة في النص الشعري, تلك الصورة التي تعد ميزان الحكم بين الشعراء ومقياس البراعة فيما بينهم([11]).
وقد ضم شعر الشيخ كاشف الغطاء صورا فنية كثيرة تكشف لنا بوضوح عن خيال واسع وقدرة متميزة على إقامة علاقات جديدة بين الألفاظ, وهو في هذا يستوعب تراث أسلافه الذين تأثر بهم ويضيف إليه ما تجود موهبتهه وذوقه وتجربته.
 
 
 
 


([1]) النقد الأدبي الحديث: 442.
([2]) ينظر: الشعر كيف نفهمه ونتذوقه: 59.
([3]) الصورة الشعرية, سيسل دي لويس. ترجمة, د. أحمد نصيف الجنابي ومالك ميري وسلمان حسن ابراهيم. ومراجعة د. عناد غزوان اسماعيل. مؤسسة الخليج للطباعة والنشر ــ الكويت. 1982: 21.
([4]) ينظر: المصدر نفسه: 26.
([5]) ينظر: الصورة في التشكيل الشعري (تفسير بنيوي), د. سمير علي سمير الدليمي, ط1, وزارة الثقافة والإعلام, دار الشؤون الثقافية العامة بغداد ــ 1991م: 45.
([6]) ينظر: النقد الأدبي الحديث: 10, وما بعدها.
([7]) الصورة الفنية معياراً نقدياً, د. عبد الاله الصائغ. ط 1، وزارة الثقافة والاعلام. دار الشؤون الثقافية العامة ــ 1987م: 159.
([8]) ينظر: معجم النقد العربي القديم: 2/ 97.
([9]) في النقد الدبي/ دراسة وتطبيق. د. كمال نشأت. مطبعة النعمان ــ النجف ــ 1970م: 27.
([10]) النقد الأدبي الحديث: 408.
([11]) ينظر: في النقد الأدبي: 26.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما