جمعه 7 ارديبهشت 1403  
 
 
الفصل الاول المرحلة الاولي

المرحلة الاولى وأغراضها الشعرية
وهي المرحلة التي تشمل الأشعار التي نظمها الشيخ أيام شبابه في النجف الأشرف, والتي استغرقت أكثر من عشر سنوات من عمره, بدأها بتلك القصائد والمقطعات التي نظمها وهو في سن الثانية عشرة([1]). وأنهاها ببعض مطولاته في رثاء أهل البيتu بعد أن تعدى العشرين بقليل, ليترك بعدها تعاطي الشعر ويتجه إلى الدراسة الدينية والبحث العلمي([2]).
وفي تلك المرحلة (نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين) كان العراق لا يزال يرزح تحت الحكم العثماني الذي حكمه لأكثر من خمسة قرون, اتسم أكثرها بالتسلط والتخلف وتردي الأوضاع. «فقد كان العصر العثماني من أشد العصور وبالاً على العلم والأدب, لا في العراق وحده، بل في جميع أنحاء الدولة العثمانية»([3]) ولعبت سياسة التتريك الدور الفاعل في التخلف والجمود الأدبي الذي اتسمت به الحياة الأدبية في ذلك العصر([4]). زيادة على فقدان أي دعم أو رعاية للأدباء والشعراء من قبل حكام ذلك العصر وولاته «الذين قذفت بهم مسارب الظلام من آفاق بعيدة فجاؤا لا يعرفون غير الرطانة الأعجمية وليس في أدمغتهم خميرة من علم أو معرفة»([5]). وينظم إليهم أكثر الوجهاء والأمراء والأعيان الذين وصفهم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء بان «جلهم لا يفرقون في العربية الفصحى بين الهرة والهرير, بل ولا بين البعرة والبعير»([6]).
فقد كان إهتمام الحكومة العثمانية منصباً على السياسة الخارجية تاركة الأوضاع الداخلية في العراق ترزح تحت الظلم والتخلف والأمراض والكوارث([7]). زيادة على ما شاع وقتها من عمليات غزو ونهب من قبل بعض قبائل الأعراب لمدن العراق وقراه([8]). مما دعا المجتمع العراقي إلى أن يتقوقع داخل أسوار مدنه ليزداد عزلة عن العالم الخارجي وليظل أشبه ما يكون بنظر العثمانين «بقرة حلوب لدر المال وجباية الضرائب»([9]).
ولا تختلف ناحية التعليم في العراق عن نواحي الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية من حيث التأخر والجمود: فقد انكمش العلم في المساجد والمدن الدينية كالنجف وكربلاء وبغداد, التي كان لها الأثر المهم في الحفاظ على اللغة العربية والبقية الباقية من آدابها وعلومها, على الرغم مما كانت تعانيه تلك المدارس من مناهج قديمة وتأخر في طرق التدريس وضيق الأفق الذي انصب على شرح نتاجات القدماء وشرح شروحهم بما أفقد العلم والأدب سمة الأصالة والتفاعل والتجديد([10]).
وكان من الطبيعي أن تلقي تلك الظروف المتردية بظلالها على شاعر ذلك العصر وتقيده بقيودها؛ حتى أصبح لا يجد أمامه في تلك البيئة التي ضاقت فيها منابع الثقافة مثالاً يحتذيه إلا دواوين الشعراء القدامى التي إنكبَّ على تقليدها وتشطيرها وتضمينها. معتمداً في ذلك على ما كان يمتلكه من قابلية في النظم, فجاء أكثر نتاجه ضعيفاً مقلداً وظاهر العيوب([11]).
فقد كانت موضوعات شعره تقليدية, لم يخرج فيها عن أغراض الشعر التي طرقها السابقون, والمتمثلة بالمديح والرثاء والغزل والفخر وشيئاً من الشعر الديني والكثير من الأخوانيات والمراسلات التي شاعت في ذلك العصر([12]). والتي أعتمد فيها الشعراء على عقلية شعراء الماضي ونظرتهم للحياة والوجود([13]).
وكان للشعر في ذلك العصر روافد عدة يتصدرها (الدين) الذي يظهر أثره في المديح النبوي ورثاء الإمام الحسين داخل البيتE, وبعض الشعر الصوفي, ويأتي بعده رافد (المديح) الذي تمرغ فيه الشعراء على أعتاب الولاة والأعيان, لينظموا شعراً طافحاً بالذل ومملوءاً بالتملق والمبالغات, ومن ثم يأتي رافد (المناسبات) التي كان أغلبها مناسبات اجتماعية تتصل بحياة الناس البسيطة وبعض المناسبات العامة([14]).
إلا أنه في نهاية القرن التاسع عشر ظهرت طبقة من الشعراء ابتعدت عن التملق وذل السؤال وحاولت غرس بذرة التصحيح وذلك بالعودة إلى الشعر العربي في عهوده الزاهرة. وعدم قول الشعر إلا في من يستحقه ويقدره, من غير جائزة أو طلب أجر([15]).
وكان من أبرز شعراء هذه الطبقة بعض شعراء النجف. أمثال السيد محمد سعيد الحبوبي والشيخ جواد الشبيبي. وعبد الحسين الجواهري والشيخ هادي كاشف الغطاء وعلي العلاّق([16]). وغيرهم من الذين تأثر بهم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وتبادل معهم الكثير من الرسائل الشعرية والمساجلات([17]), التي كانت تمثل أحد أهم الأغراض الشعرية تداولاً في هذه المرحلة الشعرية من حياته فضلاً عن الرثاء والغزل وبعض الموضوعات الشعرية الأخرى التي سنشير إليها في هذا الكتاب.


([1]) ينظر: عقود حياتي: 3.
([2]) ينظر: شعراء الغري: 8/127.
([3]) الشعر السياسي العراقي في القرن التاسع عشر. ابراهيم الوائلي, مطبعة المعارف ــ بغداد. 1398م ــ 1978م: 16.
([4]) ينظر: المصدر نفسه: 16.
([5]) المصدر نفسه: 16.
([6]) سحر بابل وسجع البلابل (المقدمة): 7.
([7]) وذلك مثل الطاعون الذي أصاب بغداد سنة 1246هـ . والذي مات فيه في اليوم الحادي عشر من نيسان ألف ومأتين شخص. ومن ذلك اليوم وحتى اليوم السابع والعشرين كان الحاصل اليومي للموتى من ألف وخمسائة إلى ثلاثة ألاف شخص. ولم يشف مريض واحد من كل عشرين حتى تركت الأمهات أطفالهن تموت في الشوارع, ينظر: تطور الفكرة والأسلوب في الأدب العراقي في القرنين التاسع عشر والعشرين. د. داود سلوم:: 13 ــ 14.
([8]) ينظر: المصدر نفسه: 12.
([9]) تطور الشعر العربي الحديث في العراق: 16.
([10]) ينظر: الشعر العراقي أهدافه وخصائصه في القرن التاسع عشر, يوسف عز الدين. الدار القومية للطباعة والنشر ــ القاهرة ــ 1960م: 21.
([11]) ينظر: حركة التطور والتجديد في الشعر العراقي الحديث/منذ عام 1870 حتى قيام الحرب العالمية الثانية, عربية توفيق, ط 1, مطبعة الإيمان بغداد, 1971م: 29.
([12]) ينظر: تطور الشعر العربي الحديث في العراق: 30.
([13]) ينظر: محاضرات من الشعر العراقي الحديث, عبد الكريم الدجيلي, طبع جامعة الدول العربية. معهد الدراسات العربية العالية. 1959م: 4.
([14]) ينظر: التيارات الأدبية في العراق/بحوث ومقالات, د. يوسف عز الدين, مطبعة دار البحتري ــ بغداد ــ 1967م: 11.
([15]) ينظر: سحر بابل وسجع البلابل (المقدمة): 8.
([16]) ينظر: الشبيبي الكبير, الشيخ محمد جواد الشبيبي حياته وادبه, حمود الحمادي, مطبعة النعمان, النجف الأشرف 1392هـ . 1972م: 133.
([17]) ينظر: عقود حياتي: 5.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما