جمعه 7 ارديبهشت 1403  
 
 
النداء
هو طلب المتكلم إقبال المخاطب عليه, أو الالتفات إليه وذلك عن طريق (حرف) نائب مناب «أنادي» المنقول من الخبر إلى الإنشاء([1]).
والنداء في أصل اللغة مد الصوت. فــ (نادى) فلاناً: دعاه وصاح بأرفع الأصوات([2]). اسثمره الشعراء في قصائدهم وجعلوه وسيلة لجلب انتباه المتلقي وطلب الحاجة منه.
وقد تخرج ألفاظ النداء عن معناها الأصلي إلى معان أخرى تفهم من السياق وبمعونة القرائن, وكذلك قد يستخدم الشاعر ألفاظ النداء المختص لمناداة القريب([3]). في معرض مناداة البعيد, وذلك إشارة منه لعلو المرتبة أو إنحطاطها أو إشارة لغفلة السامع وشرود ذهنه([4]).
وأستعمل الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء هذا الأسلوب في معظم أغراضه الشعرية, وتفنن في استثمار دلالاته وألفاظه. فقد أستعمل الشاعر أسلوب النداء في مطالع العديد من قصائده ومقطعاته([5]). فمن ذلك قوله في رثاء الإمام الحسنu ــ من المنسرح ــ([6]):
يالك من صب يخال من شجنه

 
مغترب الدار وهو في وطنه

كالبرق منه الضلوع في ضرم

 
وجفنه كالسحاب في هتنه

 
فنجد أن الشيخ قد وظف أسلوب النداء في مطلع هذه القصيدة متعجباً من الحال الذي قاساه الإمامu. فقد أصبح وحيداً غريباً بين قومه. يعاني غصص الخذلان وخيانة الأصحاب.
وقال في أخرى ــ من السريع ــ([7]):
يا هل يجيب الربع تسآلي

 
عن رسمه المنطمس البالي

كم موقفٍ لي يثنايا الحمى

 
بين ظلال السمر والضالِ([8])

 
حيث تعمد الشاعر حذف المنادى تاركاً مجال تقديره للسامع, الذي قد يضن بان النداء موجه إليه من دون الخليل أو الرفيق الذي عادة ما يسأله الشاعر أثناء وقوفه على الطلل. وهذا ما يجعله منشداً للشاعر من أول القصيدة وملتفتاً إليه.
ومثلما أستعمل الشاعر النداء في مطالع قصائده, أستعمله أيضاً في داخلها, ولاسيما عندما تطول القصائد أو يستغرق الشاعر بالخيال والتصوير, الأمر الذي يجعله بحاجة إلى استعمال النداء ليواصل شدَّ المتلقي إليه.
ومنها الإلتفات في توجيه الكلام من الغائب إلى المخاطب الموجود, مثلما ورد في إحدى مقدماته الغزلية حيث قال ــ من الكامل ــ([9]):
وبمهجتي الرشا الذي في مهجتي

 
يرتاد لا في سوسن وبشامِ
ج
اهوى مقبلة واخشى عقرب

 
الصدغ الذي يرمي الحشا بسهامِ
ج
عذب اللمى استعذبت فيه تعذبي

 
وغدوت فيه مغرماً بغرامي
ج
يا ريم كم لك في القلوب مراتع

 
من هدب لحظك اثخنت بسهام

تبدو فترنو عن نواظر جـؤذر

 
في دل غانيةٍ وقد غلام

 
فالذي تقدم على النداء وسبقه, وصف الشاعر لمحبوبته, وتغزله بجمالها بأسلوب الغائب الذي ربما يوحي للمتلقي بعدم صدق التجربة وحقيقة المشاعر مما جعل الشاعر يلتفت إلى هذه الناحية فيستخدم أسلوب النداء المباشر الموجه للحاضر الموجود, كمحاولة منه لإضفاء بعض الواقعية على هذا المحبوب, و يزيد من تفاعل المستمع معه.
وربما استعمل الشاعر أسلوب النداء في داخل القصيدة أيضاً, ليتخلص بواسطته من غرض إلى آخر, كما في أحدى قصائده في رثاء الإمام الحسينu الذي أستعرض فيها واقعة كربلاء, ووقف طويلاً أمام مشاهدها المؤلمة, التي استنـزفت دموعه وصبره, وجعلته يتحسر ويتوجع بل يطلب العون والفرج بخروج قآئم آل محمدu حيث قال ــ من الكامل ــ([10]):
يا لوعة فقدت وقامت في الحشا

 
خرساء تنطق بالشجى نفثاتها

قعدت ولا تنفك او أرزاؤكم

 
بقيام (قائمكم) تصاب تراثها

 
ومن استعمالات الشيخ التي تشكل ظاهرة واضحة في شعره. هو استعماله للنداء بصورة متكررة في أكثر من بيت في القصيدة الواحدة, ولاسيما إذا كانت في مجال تعداد صفات المرثي أو الممدوح أو الحبيبة([11]). فلا يكون النداء حينئذٍ مجرد تنبيه للسامع, بل ياتي لأجل استيعاب المعاني التي تليق بالمنادى.
ومن ذلك ما جاء في إحدى رسائل الشيخ الشعرية, التي أرسلها إلى أحد أصدقائه حيث قال ــ من البسيط ــ([12]):
يا نبعة الشرف العالي بظلك هل

 
تضفو على ساحتي تلك الشُرفات

يا مصحف الفضل لا لُفت ولا طويت
 
عني بأسفاره للسعد آيات

ويا عليا تعالى بالوفاء عُلاً

 
أفنت تصبرنا منك التِّعلات

وياربيعي ومذ فارقت غرته

 
تواصلت عبراتي المستهلات

يالمة الظفر الميمون طالعة

 
هل تنجلي بك عن قلبي الملمات

 
ولا يخفى ما لتكرار أداة النداء من قيمة معنوية وموسيقية وظفها الشاعر لاستيعاب أوصاف ممدوحه وساعدت في زيادة شد المتلقي إليه.
ونجد لأسلوب النداء حضوراً في شعر الشيخ الذي عبر من خلاله عن معاناته السياسية والاجتماعية وما ألم به وبوطنه وأمته من أحداث ومحن, فغالبا ما يقترن النداء بالوظيفة الطلبية, التي تتلائم مع طبيعة الدعوى للنهوض والإصلاح, فقد تصدر النداء مطلع إحدى قصائده.
التي أراد من خلالها شحذ همة العرب ونفض غبار الخذلان عنهم فقال ــ من الرجز ــ([13]):
يا عزمات العرب البواسل

 
هبي لحل هذه المشاكل

قومي فلا موضع للقعود أو

 
يسكن غلي هذه المراجل

أنت رعيت الملك في شبابه

 
حتى احتملتيه على الكواهل

............................................................
 
............................................................
فيا قريش الحمى آل غالب

 
ويا ليوث تغلب ووائل

أين الحميات التي تسعرت

 
منكم بتلك الأعصر الأوائل

 
حيث نلاحظ في مطلع القصيدة أن الشاعر قد نادى (عزائم) العرب, دون العرب أنفسهم, في دلالة واضحة على تردي أوضاع العرب وقت نظم القصيدة, وكذلك قصد الشاعر الاستغاثة والإسراع في النصرة ومخاطبة المنقذ الحقيقي من دون واسطة قد تعطل المسير.
ومثلما استخدم الشاعر النداء بوجود أداته, استخدمه ايضاً بحذفها, ولاسيما عندما يكون في معرض حديث عاطفي مع المحبوب؛ كما في قوله ــ من المتقارب ــ([14]):
 
ألكني([15]) اليك خفير الهوى

 
فهل من حديث وهل من خبر

حبيبي رمت بك عني النوى
ج
 
فأين الثواء وأين المفر

وفي لوحة شكوى مشوبة بالبحث عن الخلاص والسعادة. وبعد أن أخذ التعب والجهد بالشاعر وهو يقارع الاستعمار ويدافع عن الحقوق, لم يجد أمامه إلا أن يقول ــ من الطويل ــ([16]):
أدار العنا ما فيك للحر راحة

 
ولو شاد فوق الفرقدين منازلا

وقد حان لي عنك الترحل بعدما

 
طويت من العمر القصير مراحلا

............................................................
 
............................................................
نزيلة قلبي فتشيه. أتبصري؟

 
بأحنائه إلا غرامك نازلا

ويا دوحة الفردوس هل لي ساعة

 
بظلك أغدو من لظى الهجر قائلاً

ويا سرحة الحيين كم فيك بأنه

 
بلابلها تشدو تهيج البلابلا

ويا نسمة الأسحار هبي لعلني

 
أشم شمولاً أو اضم شمائلا

ويا قلب حدثني بما صنع الهوى

 
و لا تملي إلا من دموعي الرسائلا

 
فنجد بأن الشاعر قد تفنن في استخدامه لأسلوب النداء بصور و دلالات مختلفة, فبعد أن اثبت اداة النداء (الهمزة) في نداء (دار العنا) نراه قد حذفها في نداء (نزيلة القلب), محاولة منه لزيادة حرارة الموقف, و دلالة على كون محبوبته أقرب شيء إليه.
وكذلك نجد بأن الشاعر مثلما نادى العاقل (الفتاة, القلب) نجده قد نادى غير العاقل ايضاً (دوحة الفردوس), (سرحة الحيين), (نسمة الأسحار) تنـزيلاً لها منـزلة العاقل الذي يسمعه ويجيبه, فضلاً عما يمنحه تكرار اداة النداء من تركيز للمعنى وتاكيد للموضوع.
 


([1]) ينظر: جواهر البلاغة: 105.
([2]) ينظر: لسان العرب مادة (ندا).
([3]) وهما (أ, أي)
([4]) ينظر: جواهر البلاغة: 105, 106.
([5]) الحسن من شعر الحسين: 33, 106, 161, 271. ديوان شعراء الحسين (4): 21.خماسيات روضة الحزين: 14, 15, 18.
([6]) الحسن من شعر الحسين: 271.
([7])الحسن من شعر الحسين: 166.
[8] ) (الضال): هو السدر البري, وقوس الضال, المصنوعة من هذه الشجرة, لسان العرب مادة (ضيل).
([9]) المصدر نفسه: 175.
([10]) الحسن من شعر الحسين: 62.
([11]) المصدر نفسه: 48, 67, 102, 181,214.
([12]) المصدر نفسه: 314.
([13]) الحسن من شعر الحسين (العصريات والمصريات): 243.
([14]) شعراء الغري: 8/162.
([15]) الكني: ارسلني: لسان العرب: (ألكَ).
([16]) شعراء الغري: 8/176.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما