جمعه 10 فروردين 1403  
 
 
المبحث الرابع ــ بناء الخماسيات
تعد الخماسيات أحد مظاهر التحرر من الهيكل التقليدي للقصيدة العربية, فهي عبارة عن قطع شعرية تتألف الواحدة منها من خمسة ابيات متفقة الوزن والقافية, تتناول موضوعاً محدداً وتعكس تجربة شعرية خاصة.
و(خماسيات روضة الحزين), التي نظمها الشيخ في حدود سنة 1936م([1])ترتبط بعلاقات شبه واتصال بنمطين شعريين كثر تداولهما بين الشعراء في ذلك العصر.
وقد كان اول هذين النمطين, هو (الرباعيات) التي لقيت انتشاراً واسعاً بين ادباء العراق في النصف الأول من القرن العشرين, فبعد ان ترجم الصافي النجفي رباعيات الخيام شعراً, وتبعه كل من الجواهري والزهاوي ايضاً([2]), جاء على الشرقي وصدر ديوانه بأكثر من (228) رباعية أطلق عليها اسم (الشرقيات)([3])وتبعه في ذلك آخرون.
وقد كان من الطبيعي أن يطلع الشيخ محمد حسين على نتاجات الشعراء في هذا الفن, زيادة على ما سبق الإشارة إليه من كون الشيخ احد ابرز المتضلعين بالأدب الفارسي, و من الذين كان لهم قصب السبق في ترجمة روائعه إلى العربية([4]).
أما النمط الشعري الثاني الذي كان له وجه شبه وعلاقة بالخماسيات فهو (الروضة) وهو في اصطلاح الادباء «ما اشتمل النظم فيه على جميع حروف الهجاء»([5])حيث رتب الشيخ خماسياته على تمام حروف المعجم. وعلى كل روي مجموعة من المقاطيع التي ناهزت في مجموعها السبعين خماسية, متبعاً في ذلك جملة من الشعراء الذين رتبوا قصائد دواوينهم على وفق هذا النمط من الترتيب, ولا سيما شعراء المراثي الحسينية منهم([6]).
فله من خماسية يشكو فيها علل الحياة ويتبرم من الموت وتكالب الناس بعضهم على بعضهم الآخر. قولهـ من المتقارب([7]):
معادك حقاً هو المبدأ

 
وذا البذر من مثله ينشأ

ومن أسف ان هذا السراج

 
ولم ينته زيته يُطفأ

وقد برء المرء من علة

 
ومن علة الموت لا يبرأ

إذا لم تكن غير هذي الحياة

 
فأي لبيب بها يهدأ

يسيئ الزمان لابنائه

 
وبعض على بعضهم اسوأ

 
فنلاحظ أن الشاعر في هذه الخماسية يحاول معالجة جدلية الموت والحياة منطلقاً من نظرة مأساوية لرحلة الانسان والوجود, بحيث لا يجد المرء بداً من انتظار الحياة الأخرى ليبدأ رحلته من جديد, وعلى الرغم من ادراكه لهذه الحقيقة واساءة الزمان عليه. يبقى الإنسان يتكالب على الدنيا وينهش في بني جنسه, فالمقطوعة عبارة عن نفس مصدور متألم يحاول التنفيس عن آلامه بالأمل والبدء من جديد, بعد ان أحسّ جور الزمان واكتشف حقيقة الحياة.
وليكون الشيخ في خماسياته قد ارتسم لنفسه نمطاً جديداً في الآداء, وشكلاً متطوراً عن الموروث, حاول فيه الشاعر ان يمزج أنماطاً عدّة في نمط واحد جديد ومتميز, يواكب فيه العصر. ويتناغم مع دعوات التجديد في الشعر العربي في ذلك العصر.
وعلى الرغم من عدم خلو مجموع شعر الشيخ من بعض المقطعات في مختلف مراحله الشعرية, إلا ان الخماسيات كانت الظاهرة الابرز والاوضح من بين كل تلك المقطعات.
 
 
 


([1]) ينظر: عقود حياتي: 104.
([2]) ينظر: تطور الشعر العربي الحديث في العراق: 405.
([3]) ينظر: ديوان الشرقي جمع وتحقيق إبراهيم الوائلي وموسى إبراهيم الكرباسي, دار الحرية للطباعة بغداد 1989م: 336 ــ 426.
([4]) يراجع صفحة (15) من هذا الكتاب.
([5]) عقود حياتي: 104.
([6])ينظر مثلاً: الروضة الخضرية في رثاء العترة الفاطمية. الشيخ خلف الجنابي, ط4, المطبعة العلمية في النجف الأشرف 1369. و روضة الزاهد في مدح ورثاء العترة الاماجد. الشيخ علي شحاته. ط1. مطبعة القضاء في النجف، 1390هـ ــ 1970م.و الروضة العنبرية في مراثي العترة النبوية, الشيخ كاظم الشيخ عباس الطائي, ط1, مطبعة الغري الحديثة النجف: 1375هـ ــ 1955. وغيرها.
([7]) خماسيات روضة الحزين:6
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما