چهارشنبه 19 ارديبهشت 1403  
 
 
المبحث الاول وسائل الصوره
تعد أساليب البيان العربي من أهم الوسائل التي يعتمدها الشعراء في رسم صورهم, وذلك لما تعطيه من دلالات مجازية تضفي على النص شيئاً من الإثارة والخيال, وتمنح الأداء الشعري ألوانا جديدة من التعبير, لتكون قادرة على ترجمة عواطف الشعراء وأحاسيسهم.
وللعاطفة أثر كبير في نوع الأداء الفني الذي يختاره الشاعر, وكلما كانت العاطفة قوية أعتمد الشاعر على الاستعمال المجازي للألفاظ للتعبير عنها.
ومن أبرز الوسائل البيانية التي اعتمدها الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في شعره هي: التشبيه والاستعارة والكناية.
 
وهو أحد وسائل التصوير البياني الذي يقرب الشاعر بواستطه الصورة للمتلقي, ويجسدها تجسيدا حيا بحيث يرسم الشاعر من خلاله لوحة فنية تتمثل بعقد مقارنة بين أمرين يوضح الثاني منهما الأول, وذك لأن التشبيه فيه «دلالة على مشاركة أمر لأخر في معنى»([1]),وهو عند النقاد معيار نقدي فاضلو على أساسه بين الشعراء, إذ كانت العرب تسلم السبق في الشعر «لمن وصف فأصاب وشبه فقارب»([2]).
 وتبرز قدرة الشاعر في اختيار ماهية المشبه به الذي يروم من خلاله إضفاء شيء على المشبه وتوضيحه؛ والمهارة في ذلك تكمن في دقة اقتناص وجه الشبه الذي يشترط فيه أن يكون مبتكرا نادرا عالي التأثير؛ فمن المعروف «أن التشبيه مبني على ما تلمحه النفوس من اشتراك بعض الأشياء في وصف خاص يربط بينهما»([3]). وهذا هو الذي يميز الفنان من غيره, فاللمحة المبتكرة في العلاقة بين الشيئين تزيد من إيحائية النص وتؤطره بإطار فني خلاق.
وقد أظهر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء مقدرة واضحة في استعماله للتشبيه بوصفه وسيلة من وسائل التصوير؛ مستفيدا في ذلك من إمكاناته المختلفة. ولا بد من الإشارة إلى أن ذائقة الشيخ الشعرية قد تفتحت على الشعر العربي القديم, الأمر الذي دفعه إلى العودة إلى ذلك الشعر, متمسكا به، فكان أن شاعت في شعره التشبيهات الحسية تقليدا للقدماء, ولكن براعة الشاعر غالبا ما كانت تظهر في طريقة عرضه للتشبيه المأخوذ من التراث.
فقد كانت هناك تشبيهات كثيرة في شعره؛ واضحة التقليد والاتكاء على نظرة القدماء وصورهم؛ من أمثال تشبيه (قوام محبوبته بالغصن)([4])و(خدها بالعقيق)([5])و(ريقها بالخمر)([6])وكذلك تشبيه (الممدوح بالليث في الشجاعة)([7])و(كرمه بالغيث) ([8]), و(وجهة بالبدر)([9]). و(خلقه بعبير الرياض وبالمسك)([10]). وغيرها من التشبيهات المنتزعة من التراث الشعري القديم.
إلا أن ذلك لا يلغي ما للشيخ من قدرة في توظيف مخزونه التراثي, والاستفادة منه في رسم لوحاته الخاصة, فمن ذلك تشبيهه لفتيان بني هاشمt يوم كربلاء. عندما قال ــ من الكامل ــ([11]):
يتضا حكون إلى المنون كأن في

 
راحاتها قد اترعت راحتها

وكان سمر الرماح معاطف

 
فتما يلت لعناتها قامتها

 
ففي البيت الأول شبه حال هؤلاء الشجعان في المعركة وكأنهم في مجلس انس وراح, لا يبالون بالموت, يتضاحكون إلى لقاءه, وما ذلك إلا لشجاعتهم وقوة إيمانهم, أما في البيت الثاني؛ فيرسم الشاعر صورة تشبيهية أخرى تتكامل مع الأولى في توضيح حال أولئك الشجعان, إلا أن تمركز أداة التشبيه في صدر البيت تجعلنا ننشغل بمتابعة المشبه به أكثر من المشبه الذي يكون حضوره جزئيا, وقد جاء عجز البيت ليضفي تفاصيل أخرى على المشبه به حيت تمايلت قامات الرجال لعناق تلك المعاطف أو سمر القنا.
وعندما يرثي الشاعر علي بن الحسينH نجده يقول ــ في الطويل ــ([12]):
تقاصرت عمراً وأستطلت مفاخراً

 
فكنت كلمع السقط من زند قادح

 
حيث شبه الشاعر ذلك الشاب وعمره القصير بتلك الشرارة وذلك النور المتساقط من زناد القادح الذي سرعان ما ينطفئ ويختفي؛ فقد أخذ الشاعر سرعة انطفائه ليشبه به عمر ذلك الشاب؛ ونور جذوته لشخصيته وعزته, وتساقط تلك الجذوات إلى ألاسفل إيحاءً من الشاعر لحالة سقوطه على الأرض عند استشهاده, ليكون الشاعر في ذلك قد نجح في اختيار المشبه به ووجه الشبه الذي جاء متعددا وفي أكثر من زاوية.
ومن قوله في المديح ــ من البسيط ــ([13]):
 كالبيت بيتك تنهال الوفد له

 
في الجدب كالرمل في ناءٍ ومقتربِ

 
فقد شبه الشاعر بيت ممدوحه بالبيت الحرام مع ما يحمله المشبه به من معان العظمة والجلال والتقدير, إلا أنه أختار من تلك المعاني صورة إقبال الحجيج, وقصدهم البيت الحرام ليقارن بذلك صورة إقبال الناس على بيت الممدوح عند الجدب والحاجة طلبا لعطائه وكرمه.
وعلى الرغم من جهد الشاعر في هذه الصورة إلا أنها ظلت صورة فاترة غير جميلة, فتشبيه كثرة الوفاد بالرمل صورة غير مألوفة وهي لم تضف جمالا للتشبيه, فإذا كان التشبيه الأول فيه مبالغة قد تكون مقبولة ــ ولو على مضض ــ فالتشبيه الثاني ليس كذلك.
ولعل التشبيه المرسل هو الأكثر في شعر الشيخ. وكذلك أدوات التشبيه (الكاف وكأن) هما الأكثر استعمالا من بين أدوات التشبيه الأخرى.
فقد أستعمل (مثل) ــ وهي أداة قليلة الورود في شعره في قوله من ــ البسيط ــ([14]):
فكم قرائح لي فيه مريشة

 
مثل السهام متى أرمي بها أصبِ

 
حيث شبه الشاعر قصائده بالسهام التي تكون دقيقة في إصابة الهدف. فقد ذكر المشبه به (قرائح) ووصفها بصفة غريبة عنها (مريشة) تتعلق بالمشبه به (السهام), وقبل ذكر أداة التشبيه والمشبه به, ليزداد تعلق المتلقي وإنشداده إلى الشاعر.
وقد أفاد الشيخ من الامكانات التي يتيحها التشبيه البليغ ــ وهو أجود أنواع التشبيه ــ في خلق حالة من الاندماج والتوحد بين المشبه والمشبه به؛ لأن إسقاط أداة التشبيه يعني تجاوز المقارنة بين المشبه والمشبه به في حالة وجودها, فضلا عما يحققه حذف وجه الشبه من متعة للمتلقي, حيث يحلق بخياله لمتابعة إبعاد الصورة([15]).
فمن ذلك قوله ــ من الرمل ــ([16]):
أنت بدرٌ والثريا رعاثٌ

 
لك والجوزاء أمست وشاحا([17])

 
فعلى الرغم من تقريريه تشبيه الوجه بالبدر. إلا أنها قد اختفت من خلال ما ألحق بها الشاعر من صورة الثريا التي تبدو للناظر كالقرط للبدر, وصورة الجوزاء التي صارت وشاحا له, ليضعنا الشاعر أما لوحة أشترك البدر والثريا والجوزاء في تجسيدها.
وإذا كان الشيخ قد نجح في جعل هذه الصورة صورة تكاملية تتعاضد عدة مكونات في رسم أبعادها, فإنه كان غير موفق في رسم الصورة محبوبته. عندما قال ــ من الخفيف ــ([18]):
وارنو ريما ولح هلالا وعاط جؤذراً وانثي قضيباً رطيبا
وتورد شقائقاً وتبسم اقحواناً وغننا عندليبا
 
فقد حاول فيها حشد تشبيهات أقتبسها من التراث الشعري الثر الذي  يمتلكه, واصفا بها جمال محبوبته, إلا أنه من غير الممكن تصور تلك الفتاة مع كل ما تحمله من تلك الصفات بصورة واحدة ووقت واحد. فقد ظلت صورة الفتاة هذه صورة تجزيئية متكلفة.
ومن استعمالات الشيخ لأنواع التشبيه الأخرى. إستعماله (للتشبيه المقلوب) الذي يكون فيه المشبه أتم وأظهر من المشبه به في وجه الشبه([19]), كنوع من أنواع المبالغة كما في قوله ــ فمن البسيط ــ([20]):
 
والصبح وجهك لكن فاقه واضحاً

 
والبرق تغرك لكن فاتهُ الشَّنَبُ

 
فالشاعر هنا لم يكتف بالقبول أن الصبح يشبه وجه الممدوح على الرغم مما هذا من دلالة على أن الصفة في وجهه أظهر منها في الصبح؛ بل جعلنا نشعر بأنه يمتلك من هذه الصفة ما يفوق الصبح من خلال استدراكه بقوله (لكن فاقه واضحا), وكذلك الحال في التشبيه الثاني حيث كان البرق يشبه ثغر الممدوح, ولكن يقل عنه بفقدان جمال الثغر (الشنب). وهذه المبالغة في التشبيه وما أضافه الشاعر من مبالغة أخرى. أبعدت التشبيه عن الابتذال.
ومن التشبيهات التي يمكن أن توصف بالجدة, ما جاء في معرض كلام الشيخ عن حكومات الشرق وكيف يسيرها الاستعمار حسب مصالحه, فقد قال ــ من الطويل ــ([21]):
حكومات هذا الشرق مثل روايةٍ

 
تمثل دوراً في الألاعيب هائلا

 
فقد حاول الشاعر أن يوظف صورة اقتباسها من حياته المعاصرة في التعبير عما يريد توضيحه, إلا أنه على الرغم من موضوع التشبيه الجديد ظلت صورته فاترة فاقدة للإيحاء.
ومن ذلك يظهر بأن أغلب تشبيهات الشيخ كانت متأثرة بالتراث وصور القدماء, حاول الشاعر توظيفها من خلال ما أضافه أليها من إمكانات وأبعاد, ونجح في إضفاء شيء من الإيحاء على بعضها, وأخفقت في البعض الأخر.
 
وهي وسيلة أخرى من وسائل تشكيل الصورة, تخرج فيها الألفاظ عن دلالاتها المعجمية أو الوضعية إلى دلالات إيحائية جديدة, تكسب النص قوة وفعالية.
وتُعرَّف الاستعارة بأن «تذكر أحد طرفي التشبيه وتريد به طرف الأخر مدعيا دخول المشبه في جنس المشبه به»([22]), وهي أبلغ من التشبيه لأنها تدل على الاتحاد والامتزاج بين المشبه والمشبه به, حيث يُحَّلِق الشاعر في عوالم جديدة بعيدة عن الاجواء المألوفة, ويرسم صور إيحائية ترتبط بما يملكه الشاعر من خيال وقدرة على تفجير الطاقات الكامنة في اللغة.
وعند إستقراء شعر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء؛ نجد أن الاستعارة قد اتخذت لها مساحة واسعة من شعره تأتي بعد التشبيهه من حيث الوفرة و الاستعمال, وبمختلف الأنواع والموضوعات, وعلى الرغم من الإطار التقليدي لأغلب استعارات الشيخ, فقد حاول احياءها من جديد عن طريق ما أضافه أليها من مرتكزات لغوية وإيحائية, تعطي الصورة شيئا من الجدة والإثارة.
فمن ذلك قوله مادحاً ــ من الطويل ــ([23]):
حسامٌ به ألقى العدو وأتقى

 
بشفرته كيد الزمان المحاربِ

 
فإنَّ استعارة الحسام للمدوح معروفة في التراث الشعري, ولكن الشاعر حاول أن يسمو بهذه الاستعارة من خلال الاستعارة الثانية التي عاضدتها في البيت, حيث يتقي بشفرة هذا الحسام كيد الزمان المحارب, فأبعدها بهذه عن قيود الاستعمال المألوف في الاستعارة الأولى, وبعث فيها الحياة من جديد بعد أن استهلكها الاستعمال المكرر عند غيره من الشعراء.
وكذلك قوله ــ في الطويل ــ([24]):
إذا أظلمت سود الخطوب أجابها

 
بوقاد رايٍِ في الدجنة ثاقبِ

 
حيث نجد أن حذف المستعار فيه وذكر المستعار (الخطوب) في الاستعارة الأولى في هذا البيت, أتاح للشاعر مجالا واسعا في وصفه وتقريبه من الذهن, فضلا عما أضافته الاستعارة الثانية في عجز البيت من إيحاءات جديدة, حيث الرأي المتوقد الذي يُغلي الظلام, وهذا ما غطى على تقريريه الاستعارة الأولى التي أرهقها الاستعمال الكثير ففقدت جذوة بريقها.
وفي معرض الشكوى من الدهر نراه يقول ــ من البسيط ــ([25]:)
إليك شكواى من دهر يناهشني

 
في كل يومٍ بأثيابٍ من النوبِ

 
حيث استعار الشاعر للدهر صفة الحيوان المفترس الذي تركه محذوفا, فاتحاً المجال للملتقى لتصوره ورسم حقيقته, وهي إستعارة مكنية غايتها المبالغة والتهويل لما يتعرض له الشاعر من مصائب وويلات.
وقال في رثاء أهل البيتE ــ من البسيط ــ([26]):
فيا لأرزائكم سدت على جزعي

 
باباً من الصبر لا ينفك مرتجه

فقد حرص الشاعر هنا على إظهار عظيم رزية أهل البيتE. التي هونت عليه كل خطب؛ حينما جعل الصبر باباً أحكم رتاجه على جزعه, فكان التجسيم وسيلته إلى رسم هذه الصورة.
وفي معرض الفرح والسرور يحاول الشاعر إشراك الطبيعة له في الغناء والطرب. ويستعير لبعض مظاهرها خصلة من خصال الإنسان فيقول ــ من الرجز ــ([27]):
صفقت الانهار فارقص طرباً

 
والطير بين لاحنٍ وهازجِ

 
فقد إستعار للأنهار والطير صفات إنسانية صيرتها ندماء للشاعر في فرحه وسروره, فاستعار له (الانهار) و(الطير), والقرائن الدالة على المستعار منه (الانسان) هي (الرقص) و(اللحن والهزج).
وقوله متغزلا ــ من الطويل ــ([28]):
إلى بردٍ أرنو بثغرك جامدٍ

 
جرى فيه شهدٌ من رضابك ذائبِ

 
فنجد أن إستعارة البرد للإنسان من الاستعارات المألوفة عند الشاعر القديم؛ إلا أن الشاعر حاول أن يبعث فيها شيئا من الحياة بإدخاله الفعل أرنو وسط التركيب الاستعاري فضلا عن جريان الشهد الذائب من الرضاب, كل هذا حقق للشاعر شيئا مما يريد إذ صرف ذهن المتلقي إلى صورته هو وهو يرنو إلى الصورة الاستعارية التي رسمها لثغر حبيبته.
وللشاعر صورة إستعارية جاءت في معرض شكواه من واقع الشعب العربي المزري الذي دعا الشاعر الى تذكيره بماضيه البعيد فيقول ــ من الرجز ــ ([29]):
أسألها عن باسق المجد الذي

 
قطوفه دانية العثاكل

 
حيث صورة مجد أمة العرب كالنخلة الباسقة التي عرفت بخيرها الوفير وقطوفها الدانية, فالمستعار له (المجد) والمستعار منه المحذوف (النخل), والقرينه الدالة عليه (العثاكل), وقد كان اختيار الشاعر صورة النخلة الباسقة للمجد صورة موفقة, وذلك للعلاقة التراثية الاصيلة بيت هذه الشجرة وأرض العرب وتراثهم.
ومن ذلك تتضح كيفية رسم الصورة الاستعارية في شعر الشيخ, ومحاولاته الاستفادة من تراث أسلافه في رسم هذه الصورة, وما أضافه من تراكيب أخرجتها من دائرة التقليد؛ ومنحتها شيئا من الإيحاء والجدة.
 
تعرف الكناية بأنها «ترك التصريح بذكر الشيء إلى ذكر ما يلزمه ليُنتقل من المذكور إلى المتروك»([30])مع الأخذ بنظر الاعتبار «جواز إرادة المعنى الأصلي لعدم وجود قرينه مانعة من إرادته»([31]), وهي بذلك تختلف عن المجاز الذي لا تجوز فيه أرادة المعنى الأصلي لوجود القرينة المانعة من ذلك.
والكناية تفيد تأكيداً لإثبات الصفة للموصوف([32])وذلك لأن ذكر ما يلزم المعنى المقصود يكون بمثابة الدليل والشاهد الذي يؤكد قصد الشاعر ومراده ويكسب الكناية فضل مزية تجعلها أبلغ من التصريح([33]).
وتعد عملية الإيحاء والتلويح والغوص في أعماق الذهن والخيال تطوراً في لغة الشعر وتجردا عن المباشرة وتحليقا مع الخيال, مع ترك المجال مفتوحا لذهن المتلقي وهو يسبر غور قصد الشاعر ويستكشف مكنونه.
وعند استقراء شعر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء نجده قد استعمل الكناية في مختلف موضعاته الشعرية التي وظف فيها الكناية ــ فضلا عن وسائل التصوير الأخرى ــ لرسم صورة أضفت على شعره مزيدا من الايحاء والجمال.
فمن ذلك قوله في رثاء الامام الحسينu وذكر حال أصحابه ليلة العاشر من محرم ــ في الكامل ــ([34]):
ومطوحين ولا غناء لهم سوى

 
هزج التلاوة رتلت آياتها

 
حيث كنى بهذه الصورة عن مقدار أيمانهم وشدة تقواهم وهم يحيون الليل بالعبادة التهجد, أستعدادا منهم للشهادة في نهار غدهم القريب.
وقوله واصفا شجاعتهم ــ من الكامل ــ([35]):
باكفها عوج الاسنة ركعٌ

 
ولها الفوارس سجدٌ هاماتها

 
فالصورة الكنائية رسمت لنا تلك الأسنة المعوجة من كثرة الطعن والقتال التي لم يترك أصحابها فرصة لانفسهم لاصلاحها وتقويمها كناية عن شجاعتهم وقوة بأسهم التي جعلت من هامات الفوارس تسجد لهم خوفا وتسليما.
وفي معرض الفخر نراه يقول ــ في الطويل ــ([36]):
وإني إذا دار نبت بحي عن العلا

 
ترابي إلى الخير الرياء أدورُ

 
فهو يكني برفضه في الحياة مواطن الذل والهوان عن عزة نفسه وإبائها التي لا يستقر لها قرار إلا تحت ظلال الكرامة وعلى طريق العلياء.
وقال يمدح والده ــ من الرجز ــ([37]):
كفاه للتقبيل والتنويل أن

 
جدبٌ عرى وأستفتيت مسائل

 
حيث كَنَّى بتقبيل كفي والده عن زعامته الدينية, وبتنويلهما عن كرمة, وقد أشار إلى هاتين الخصلتين وعززهما في الشطر الثاني من البيت؛ مما أضفى عليهما تأكيد ورسوخاً في شخصية والده.
وقال أيضا ــ من الرجز ــ ([38]):
لو نضحت على الثرى راحته

 
لما أتت سنينه المواحِل

 
فقد رسم الشاعر صور لراحة الممدوح, وهي تنضح بالكرم. فتمنع القحط والحاجة, فكيف إذا أعطيت ملء كفها كرما وخيرا؟ في مبالغة محمودة كنى بها الشاعر عن كرم والده وعطائه.
وله في مدح أحد أصدقائه ــ من الطويل ــ([39]):
ولله عف الذيل يسحب مطرفاً

 
لغير المعالي والتقى غير مسحوب

 
فقد كنى بــ (عف الذيل) عن الذكر الحسن والسمعة الطيبة, ورسم صورة لذلك الذيل أو المطرف الذى لا يسحبه إلا إلى المعالي والتقى في محاولة لافراج هذه الصورة الكنائية من أسر التقليد وبرودة التكرار.
وقال أيضا يمدح أحدهم ــ من الطويل ــ([40]):
رحيب القنا طلق المحُياء وكيف لا

 
ومازال في تاهيل وفدٍ و ترحيب

 
حيث كنى بــ (رحيب القنا) و(طلق المُهيَّا) عن كون ممدوحه مضيافاً كريماً, يأنس بالوفود ويرحب بهم, وهي من الكنايات التراثية التي كثيرا ما ترددت في قصائد السابقين, لم يضف الشاعر إليها شيئا جديداً, فجاءت فاترة قليلة التأثير.
 
 


([1]) الإيضاح في علوم البلاغة, الخطيب القزويني, تحقيق, د. عبد المنعم خفاجي. الشركة العالمية ــ بيروت. 1989م: 328.
([2]) الوساطة, 33.
([3]) دراسات في علم النفس الأدبي, حامد عبد القادر, د. ط, 1949م: 41.
([4]) الحسن من شعر الحسين: 97, 177, 268.
([5]) المصدر نفسه: 181.
([6]) المصدر نفسه: 235.
([7]) المصدر نفسه: 34, 187.
([8]) المصدر نفسه:34, 187.
([9]) المصدر نفسه: 24.
([10]) المصدر نفسه: 226.
([11]) مقتل الحسينu، المقرم: 381.
([12]) الحسن من شعر الحسين: 59.
([13]) المصدر نفسه: 34.
([14]) المصدر نفسه: 25.
([15]) ينظر: جواهر البلاغة: 270.
([16]) الحسن منة شعر الحسين: 94.
([17]) (رعاثٌ): جمع (رعثة) وهي ما علق بالأذن في قرط أو نحوه, لسان العرب مادة (رَعَث).
([18]) الحسن من شعر الحسين: 40.
([19]) ينظر: جواهر البلاغة: 275.
([20]) الحسن من شعر الحسين: 225.
([21]) شعراء الغري: 8/ 174.
([22]) مفتاح العلوم السكاكي. ط1, مطبعة مصطفى البابي الحلبي. مصر 1927: 174.
([23]) الحسن من شعر الحسين: 25.
([24]) الحسن من شعر الحسين: 26.
[25]) المصدر نفسه: 34.
([26]) المصدر نفسه: 70.
([27]) المصدر نفسه: 64.
([28]) الحسن من شعر الحسين: 27.
([29]) الحسن من شعر الحسين (العصريات والمصريات): 245.
([30]) مفتاح العلوم: 189.
([31]) جواهر البلاغة: 346.
([32]) ينظر: الإيضاح في علوم البلاغة: 468.
([33]) ينظر: دلائل الإعجاز: 57.
([34]) مقتل الحسينu, المقرم: 380.
([35]) المصدر نفسه:381.
([36]) الحسن من شعر الحسين: 108.
([37]) المصدر نفسه: 159.
([38]) الحسن من شعر الحسين: 161.
([39]) المصد نفسه:219.
([40]) المصدر نفسه: 220.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما