پنجشنبه 6 ارديبهشت 1403  
 
 
المبحث الثاني انواع صور 1- صور حسيه
وهي تلك الصورة التي ندركها عن طريق الحواس فتنبهر عيوننا بالألوان وأنوفنا بالعطور وأصابعنا بالناعم وأسماعنا بحلو النغم ولساننا بالمذاق العذب.
فالحواس هي المنبع الأول الذي تستمد منه الصورة أبعادها «والنافذة التي يستقبل بها الذهن رياح الحياة»([1]), والمنظار الذي يلتقط الشاعر من خلاله صور العالم الخارجي, لتشكيل المادة الأساس التي يعبر من خلالها الشاعر عن عواطفه وأحاسيسه.
وتعد الصورة الحسية صورة أولية يحاكي بها الشاعر عالمه الخارجي, فيختار منه ما ينسجم مع تجربته, بخلاف التي يعمل الذهن في بناء مرتكزاتها, وتشكيل أبعادها, لتنقلنا إلى عالم الخيال, «فالحواس هي الوسائل التي تغذي ملكة التصوير والخيال وتنقل إليها مجتمعة أو منفردة الصورة بشتى مصادرها وطبائعها»([2]).
وهذا لا يعني أن الصور المعتمدة على الحواس في رسم أبعادها وألوانها صور بسيطة أو تقريرية, فالدقة في اختيار مكونات الصور المميزة والقدرة على استشعار مواطن الجمال, وتفاعل كل ذلك مع الشعور والعاطفة, تنقل تلك الصورة إلى مصاف الصور الفنية الموحية, «فكلما كانت الصور أكثر أرتباطا بذلك الشعور كانت أقوى صدقا وأعلى فناً»([3]).
وإذا أستقرانا شعر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء, نجد بأن أغلب صوره كانت صور حسية شأنها شأن باقي شعراء ذلك العصر, فقد كان جل أهتمامهم منصباً على الصور الحسية المقتبسة من التراث, والمفتقرة إلى إقامة العلاقات الجديدة التي ينسجها الخيال ويرسم أبعادها التصور الخلاق([4]).
وتقسم الصور الحسية إلى صور بصرية وسمعية ولمسية وذوقية وشمية, وقد كان لكل واحد منها مساحة مختلفة عن الاخريات في شعر الشيخ.
 
وهي تلك الصور التي ندرك أبعداها بواسطة حاسة البصر والتي «ترتبط ارتباطاً وثيقا بالرؤية الوصفية الخارجية للأشياء فهي أقرب إلى السطح منها إلى أعماق الشاعر ذاته»([5]).
فحاسة البصر من أكثر الحواس التي أدرك الشاعر من خلالها جمال الموجودات, ووظف صورها في شعره, واستثمر مختلف المشاهد والحركات والألوان في أثناء محاولة نقل تجربته, ورسم أُطرها وأبعادها.
فمن ذلك قوله مصورا حال أصحاب الامام الحسينE في المعركة ــ من الكامل ــ([6]):
وكأنما حمر النصول أناملٌ

 
قد خضبتها عندما كاساتها

 
حيث نجد صورة النصال الحمراء المقرونة بمشهد الدم الذي غالبا ما تنفر النفس منه, أضفى عليها الشاعر جمالا من خلال تشبيه تلك النصال بالانامل المخضبة بالعندم, ليبين من خلالها فرح أصحاب الامام الحسينu بهذه المشاهد, فتتراءى لهم في صورة أخرى تميل إليها النفس وتطرب. ليظهر شدة شوقهم للشهادة.
وفي المقابل نجده يصور حال أعداء الإمام الحسينu فيقول ــ من الكامل ــ([7]):
فغدت رؤوسهم تخر أمامهم

 
فوق الثرى وجسومهُنَّ وراءُ

 
في مشهد يوضح شجاعة الإمامu وفتكه بالاعداء الذين لم يدع لهم مجالا للمقاومه او القتال, فما ان يقترب منهم حتى تتطاير روؤسهم امامهم, تاركة الأجساد تهوي سريعا الى الخلف0
وفي لوحة أخرى يرسم الشاعر أبعاد مشهد الامام الحسينu بعد استشهاد أخيه العباسu، فيقول ــ من الطويل ــ([8] : )
فما زال ينعاه ويندب عنده

 
الى أن أفاض البقعة الدمع والدمُ

وأقبل محني الضلوع الى النسا
 ج
 
يكفكف عنها الدمع والدمع يَسجُمُ

ولاحت عليه للرزايا دلائلٌ

 
تبيت لها لكنه يتكتم

حيث اعتمد الشاعر هنا على حاسة البصر لرسم صورة الإمامu في هذا الموقف, وقد تآزرت الأبيات الثلاثة فيما بينها بروح يسري فيها السرد القصصي لتجسيد تلك الصورة, ومن هنا ابتعدت الصورة عن التقريرية وجنحت الى الايحاء الذي أراده الشاعر منها.
وفي شعر الشيخ صور اخرى يرتبط بعضها مع الماضي بشدة منها ما قاله في احدى مقدمات الظعن التي تصدرت احدى قصائده ــ من الطويل ــ([9]).
ولما وقفنا للوداع وقد بدا

 
هنالك للواشين كل مصون

دعوني وجاؤ بالمطايا رواحلاً
 ج
 
فقلت اصيحابي ارحلوا ودعوني

ضعوني ولو ملقى على الأرض عندهم
 
ولا ترفعوا عنهم قطين ظعوني

 
فالمشهد يصور موقف وداع ورحيل, كثيرا ما تكرر على السنة الشعراء، مستوعبا مشاعرهم وآلامهم, رسمه الشاعر بما أضاف إليه من أبعاد وظلال، أخرجته من حيز الرتابة والتقليد, فقد عمد إلى تكوين بؤرتين متداخلتين للصورة، خارجية تشمل المشهد بأكمله, وداخلية تنطلق من عين الوشاة وهي تتقصد في نظراتها لمن يخضعهن الهوى من الفتيات, فضلا عن حركية الصورة التي أبعدت الصورة عن الجمود والتقريرية ومنحتها كثيرا من الحيوية والتاثير.
ولعل اللون الأحمر هو أكثر الألوان تداولا في الصور البصرية عند الشاعر, فنجد أنه جمع عن طريق منظر البؤس المتمثل بلون الدم ومنظر الجَمال المتمثل باحمرار الخدود والوجنات, فقال متغزلا بجمال محبوبته ــ من الوافر ــ([10]):
أرى وجناته حمراً ولكن

 
فؤادي واجدا لمّ الجراحِ

وقد خط الجمال بهنَّ خطا
 ج
 
غدا لتصبري بالدمع ماحي

 
فقد كان اللون الأحمر مثار إعجاب الشاعر, واللون الذي أضفى جمالا على تلك الوجنات, التي تركت لها أثارا واضحة على فواد الشاعر وتصبره.
وللشيخ لوحة بصرية صوّر فيها ما التقطته عدستا عينيه من جمال (تدمر) عندما مرّ بها في رحلته إلى الشام ومصر فقال ــ من الخفيف ــ([11]):
وسوار تناطح الفلك الأعلى

 
وتعلو منها له أسوارُ

لو بشمّ الجبال قد وزنوها
 ج
 
رجحت كفة وخفّ العيارُ

بنقوش كأنما هندسـي
 ج
 
خطها في يمينه الفرجــارُ

تتلقاك في صفا الصخر منها

 
صور قد تمثلت أو صوارُ([12])

وطيور قد سُرِّّيَ الريش منها

 
باعتدال وعوّج المنقارُ

ناشرات قوادما وخوافي

 
طايرات تضمها الأوكارُ

 
فقد صور ما رأته عيناه من أسوار ونقوش ورسوم وتماثيل فاسحا لعينيه المجال لترسما بدقة أشكال تلك المجسمات من الطيور وكيف أبدع الفنان في نحتها.
 
وهي تلك الصورة التي تعتمد على السماع اساسا, وما يلتقطه الأذن من أنغام وأصوات تشترك في تكوين ملامحها وأبعادها.
استعملها الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في شعره, ولاسيما في معرض الرثاء ووصف الطبيعة والغزل.
فنراه يقول ــ من الكامل ــ([13]):
وترى الصهيل مع الصليل كأنه
 ج
 
فيهم قيانٌ رجَّعَت نغماتها

 
حيث أراد الشاعر أن يظهر استبشار أصحاب الإمام الحسينu بالموت, لذلك فهم لا يعبأون بصهيل الخيل وصليل السيوف, فهم يسمعون هذه الأصوات وكأنها أصوات قيان ترجع بنغماتها ترجيعا, فهو قد ابتعد عن التقريرية من خلال ما توحيه صورة عزف القيان وانغامها.
وفي مجال آخر. يقول الشيخ ــ من السريع ــ([14]):
وهلهل القمري في الدوح مُذْ
 ج
 
وعى من القيان رجع الغِنا

 
فقد حاول أن يرسم صورة البهجة والسعادة, إلا أن صورته ظلت تقريرية, تكشف عن شدة ارتباط الشاعر بالواقع وظواهره الخارجية, ومن هنا تكون إثارة هذه الصورة إثارة يسيرة سرعان ما تتلاشى. وبذلك تتناقض مع ما يراد من الشعر بوصفه يعتمد على الايحاء, والتعبير غير المباشر عما يريده الشاعر.
وفي معرض الغزل. يقول الشاعر ــ من الرجز ــ([15]):
ترقص عند مشيها قوامها
 ج
 
حتى يغني الطوق والخلال

 
وكررها في مكان آخر فقال ــ من الرجز([16]):
عليه ورق الحلي غنت فأغتدت
 ج
 
تجيبها بلحنها الخلاخل

 
صورة رسمها الشاعر لصوت حلي محبوبته أثناء المشي. إلا أن هذه الصورة السمعية أو هذا البيت يزخر بالخيال الذي زوقه الشاعر, فقيد البيت بقيود افتعلها, وبهذا لم تحدث هذه الصورة الأثر الذي يسعى إليه الشاعر, فضلا على أن الصورة استهلكها التكرار عند الشعراء الآخرين بوصفها من الصور المكررة في التراث.
وبذلك تكون أغلب صور الشيخ السمعية تقريرية لم يستطع الشيخ منحها شيئا من الحيوية والإثارة. فقد ظلت فاترة قليلة الإيحاء.
 
وهي الصور الأقل حضورا في شعر الشيخ, ومنها الصور اللمسية.
فقد قال الشيخ في معرض الغزل ــ من السريع ــ([17]):
فعاطني جيدك يا فاضح ال

 
ريم أعانق عطفك اللينا

 
وكذلك قوله ــ من الطويل ــ([18]):
منعمةٌ للبان لينٌ قوامها
 ج
 
وللضبي عيناها وللريم جيدها

وهي صورة لمسية متواضعة تظهر نعومة جسد الحبيبة, خالية من الإثارة والتشويق.
 
أما الصور الحسية الأخرى التي وردت في شعر الشيخ فهي الصورة الذوقية, التي جاءت في معرض الغزل أيضاً, حيث دأب الشاعر على تكرار تشبيه ريق محبو بته بالخمر. فقد قال: ــ من الكامل ــ([19]):
لاثت على شهدية بخمارها
 ج
 
والخمر يشهد أنه للثاتها

 
وقوله أيضا ــ من الكامل ــ([20]):
ورشفت من فيه البرود سلافة
 ج
 
أروت بنشوتها غليل عطا شي

 
وتشبيه ريق المحبوبة بالخمر, ورسم صورة الشاعر وهو يرتشف منه ويروي ظمأه وعطشه, صورة أجهدها كثرة التداول والتكرار, فبدت خالية من الإثارة والإيحاء ايضاً.
ومن الصور الحسية الأخرى التي وجدت لها مكانا في شعر الشيخ, هي الصورة الشمية التي كانت أقل الصور حضورا في شعره, والتي جاءت في معرض وصف الشاعر لأصحاب الإمام الحسينu وهم يزحفون إلى المعركة فقال ــ من الكامل ــ([21]):
عطري الثياب سروا فقل في روضةٍ
 ج
 
غبَّ السحاب سرت بها نسماتُها([22])

 
فقد شبه عطر ثيابهم بــ أريج الروضة الغناء, وهي كذلك صورة تراثية كثيرة التداول عند الشعراء, منحها الشاعر حيوية وإثارة, بإدخال عامل الوقت المتفاعل مع المكان, فقد أختار لتلك الروضة وقت انقطاع المطر وتكشف الغيوم, حيث تعبق الأجواء بالنسمات والعبير, وقد كنى الشاعر برسمه لهذه الصورة عن طهارة أولئك الأصحاب وايمانهم.
ومن ذلك يظهر بأن الصورة البصرية كانت الصورة الأكثر استعمالا من بين الصور الحسية الأخرى في شعر الشيخ, تلك الصور التي كانت في مجملها صورا بسيطة مباشرة فاترة الإيحاء والتأثير, أضعفها كثرة التداول بين الشعراء


([1]) الصورة الفنية معياراً نقدياً: 406.
([2]) بناء الصورة الفنية في البيان العربي, د. كامل حسن البصير, مطبعة المجمع العلمي العراقي. 1987م: 124.
([3]) النقد الأدبي الحديث: 444.
([4]) ينظر: تطور الشعر العربي الحديث في العراق: 47.
([5]) تطور الشعر العربي الحديث في العراق: 47.
([6]) مقتل الحسينu, المقرم: 381.
([7]) الحسن من شعر الحسين:20.
[8] ) ديوان شعراء الحسينu: 23.
([9]) المصدر نفسه: 23.
([10]) الحسن من شعر الحسين: 78.
([11]) الحسن من شعر الحسين (العصريات والمصريات): 271.
[12] ) (صوار) يقال الجماعة البقر. لسان العرب مادة (صور).
([13]) مقتل الحسينu, المقرم: 381.
([14]) الحسن من شعر الحسين: 181.
([15]) المصدر نفسه: 156.
([16]) المصدر نفسه: 157.
([17]) الحسن من شعر الحسين: 181.
([18]) المصدر نفسه: 96.
([19]) مقتل الحسينu, المقرم: 378.
([20]) الحسن من شعر الحسين: 132.
([21]) مقتل الحسينu, المقرم: 38.
([22]) (غبَّ الأمر): صار الى آخره, لسان العرب. مادة (غبب).
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما