هو تضمين النظم أو النثر بعض القرآن الكريم, لا على أنه منه بأن يقال فيه: قال الله أو نحوه, فإن ذلك حينئذٍ لا يكون اقتباساً([1]).
والاقتباس ليس بقرآن حقيقة بل كلام يماثله, يستعمله الشاعر أو الناثر بمعناه الأصلي أو بغيره, وبزيادة اونقصان, طلباً لتوظيف الصياغة القرآنية, وتبركاً بنظمه المعجز.
فقد كان من الطبيعي أن يكون للقرآن الكريم أثر بارز في شعر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء, وهو العالم الفقيه المتمعن في كتاب الله العزيز من جهة, والذي عاش في بيئة دينية يتردد فيها صوت القرآن الكريم في كل زمان ومكان من جهة أخرى.
فمن ذلك قوله مادحاً والده ــ من السريع ــ([2]):
|
على التقى اسس بنيان ما
|
|
أقام من عزٍ له اوبنى
|
الذي أقتبس فيه قوله تعالى: )أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هارٍ فانهار به في نار جهنم(([3]) الذي ورد في سياق بيان شرعية الصلاة في مساجد التقوى عن تلك المؤسسة على الريبة والنفاق, فقد نزل من عمل والده وجهاده في دنياه منزلة بناء ذلك المسجد الممتلئ بالتقى والرضوان الذي أباح الله تعالى لنبيه الكريمr القيام فيه, وفي دلالة واضحة على صدق منهج والده وصلاح سيرة حياته.
وكذلك في قوله ــ من الرجز ــ([4]):
|
وتغتدي الصيد له كأنها
بحكمه
|
|
ذئابه وهو الهزبر الباسل
|
|
خاشعة أبصارها خاضعة
|
|
رقابها ترتعش المفاصل
|
فقد اقتبس ذلك من قوله تعالى: )قلوب يومئذٍ واجفة أبصارها خاشعة(([5]).
فقد شبه قلوب الصيد من والده كقلوب الراجفين من هول يوم القيامة بعد أن تأكدوا من الموت والهلاك, في دلالة على سطوة والده ومقدار قوته وشجاعته.
وفي إحدى لوحات الغزل في شعر الشيخ نراه يقول ــ من الرجز ــ([6]):
|
وزفرتي برق وانفاسي بها
بحكمه
|
|
رعدٌ وعبرتي سحاب هاطل
|
|
تطوي بها طي السجل السحب إن
|
|
غدت لسحب عبرتي تساجل
|
حيث عبر الشيخ عن معاناة فؤاده من لهيب الزفرات, وحرقة العبرات وكيف تعتصر وتنطوي داخل قلبه ومهجته. فقد مثل كيفية ذلك الانطواء بما اقتبسه من قوله تعالى: )يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب(([7]).
وكذلك في احدى قصائده التي جاءت جواباً لطلب تقدم به صديقه السيد جعفر الحلي. قال ــ من الكامل ــ([8]):
|
ولكم ابنت لك الحقيقة في
|
|
قولي وإلا خذه من شعري
|
|
والعصر انك حين تسالني
|
|
ما ليس لي سفهاً لفي خسر
|
والمقتبس من قوله تعالى )والعصر * ان الإنسان لفي خسر(([9]).
وقد توسع بعضهم في الإقتباس ولم يقتصره على القرآن الكريم, فقد أضاف اليه الحديث النبوي الشريف. الذي اقتبس منه الشيخ أيضاً في شعره.
ففي معرض مدحه لوالده والدفاع عنه ضد حسادهـ قال ــ من السريع ــ([10]):
|
صح بك النص بان الذي
|
|
عادى علياً فهو ابن الزنا
|
المقتبس من قول الرسول الأكرم5 للإمام علي u «لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق أو ولد زانية أو حملته امه وهي طامث»([11]) ملتفتا لمشابهة اسم والده لاسم الإمام. ومحاولاً ان يرفع من شانه ويسوغ فحوى الحديث في حقه.
وفي مدحه لأحد الأشراف قال ــ من الوافر([12]):
|
فيا ابن السابقين بكل فضلٍ
|
|
تدكدك دونه شم الهضاب
|
|
أبوك من المدينة باب علمٍ
|
|
وأنت لعلمه مفتاح باب
|
حيث اقتبس بعضه من حديث الرسول الأكرم5 في حق الإمام عليu قوله: «انا مدينة العلم وعلي بابها»([13]).
ليتضح من ذلك كله ما أفاده الشيخ من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف, وما أقتبسه وضمنه في شعره, اثراءً للغته, وتوظيفاً لإيحاءاته ومعانيه.
([1]) ينظر: أنوار الربيع في علم البديع السيد علي صدر الدين بن معصوم المدني, تحقيق شاكر هادي شكر. مطبعة النعمان. النجف الأشرف 1968م: 2/217.
([2]) الحسن من شعر الحسين: 181.
([4]) الحسن من شعر الحسين: 159.
([6]) الحسن من شعر الحسين: 158.
([8])الحسن من شعر الحسين: 123.
([10]) الحسن من شعر الحسين: 184.
([11]) علل الشرايع, الشيخ الصدوق, المطبعة الحيدرية ــ النجف 1966: 1/145. وقول الرسول5 أيضا: «يا علي لا يحبك إلا من طابت ولادته ولا يبغضك إلا من خبثت ولادته ولا يواليك إلا مؤمن ولا يعاديك إلا كافر». ينظر: الاحتجاج, ابي منصور احمد بن علي بن ابي طالب الطبرسي, تحقيق الشيخ ابراهيم البهادري والشيخ محمد هادي: قسم التحقيقات في منظمة الأوقاف والشؤون الخيرية قم ــ ايران 1424: 1 /57.
([12]) الحسن من شعر الحسين: 24.
([13]) ينظر: تفصيل وسائل الشيعة على تحصيل مسائل الشريعة الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي, تحقيق مؤسسة آل البيتE لإحياء التراث, ط3, طبع مؤسسة آل البيتu, بقم ــ ايران 1416هـ : 27/34.