جمعه 10 فروردين 1403  
 
 
المبحث الأول ــ الدفاع عن الإسلام دفاع عن معتقدات
على الرغم من المعاناة التي كان يرزح تحتها الشعب العراقي إبان التسلط العثماني عليه. إلا انه وقف مع الدولة العثمانية (الإسلامية). ضد مختلف الاعتداءات التي شنها الغرب عليها.
فقد بقي التيار الديني قوي التأثير واضح المعالم، يستقي أصوله من الدين الإسلامي. فالشاعر العربي في ذلك العصر كان قد تبنى «الإصلاح للأمة العربية والإسلامية في إطار إسلامي خوفاً من تشتت الدولة العثمانية وسيطرة الدولة الأوربية الغربية عليها»([1]).
وقد تبلور موقفه ذاك في محورين أساسيين هما:
أ ــ  الدفاع عن الدولة الإسلامية في حروبها.
ب ــ الدفاع عن المعتقدات الإسلامية.
 
كان للحروب التي خاضتها الدولة العثمانية ضد الغرب صدى واسع في قريحة الشعراء. فقد عدت تلك الحروب أو الحوادث من أهم الدواعي العامة التي تخص الإسلام والمسلمين والسياسة والسياسيين, فقد كانت تعقد جرائها المجالس والاحتفالات, التي كان الشعر فيها هو المحور الذي تدور حوله الآراء والمواقف([2]).
فقد كانت تلك المجالس بمثابة الأسواق الشعرية التي يجد فيها الشعراء الفرصة المناسبة لإظهار قابلياتهم الشعرية ومواهبهم الأدبية([3]). التي تتفاعل مع الأحداث السياسية التي كانت لها الدور المهم في النهضة الأدبية الحديثة و لاسيما في العراق الذي كانت النهضة الأدبية فيه «نتاج نهضة سياسية بخلاف سوريا ومصر»([4]).
ومن أهم تلك الحوادث والحروب التي كان لها صدى في شعر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء. هي حرب طرابلس والبلقان([5]) والحرب العالمية الأولى.
فقد نظم الشيخ أثر حرب (طرابلس والبلقان) قصيدة قال عنها الدكتور يوسف عز الدين: تجلت فيها «روح العالم القائد الذي يشعر بالمسؤولية الملقاة على كاهله، وتجلت روح إسلامية أصيلة عميقة تطالب بالكفاح والنضال والمساعدة السريعة للمسلمين، وصور الحادث تصويراً يدفع كل مسلم إلى المشاركة العاجلة لما فيها من تأنيب واستفزاز ونداء لإغاثة الإسلام الذي صم المسلمون آذانهم عن سماعه»([6]).
فقال ــ من الخفيف ــ ([7]):
أيها المسلمون هبوا فليس الــ

~
موت إلا حياتكم بهوانِ

قد دهاكم ويل فماذا التمادي

 
وأتاكم سيل فماذا التواني

جاءكم جارفٌ من الغرب تيا

~
ـر يهد البنا والمبانيِ

يستغيث الإسلام فيكم فيلقي

 
عنه منكم تصامم الأذانِ

صارخاً فيكم فهل من سميع

 
صرخات الإسلام والقرآنِ
ج
أفيرجو الإسلام لقيان سلمٍ

 
بعد حرب الطليان والبلقانِ

 
ويعلو في هذا الشعر نداء الوحدة الإسلامية بين مختلف دول المسلمين، بعد أن أخذت تتعرض جميعاً لاعتداءات دول الغرب ومخططاتها, فقال([8]):
أظهر الغرب ما أجن من الغد

~
ر وأبدى كوامن الأضغانِ

وأحاطت بالمسلمين علوج الـ

~
بغي من كل جانب ومكانِ

يشتكى (المراكشي) اغتصاباً

 
وكشكواه يشتكي (العثماني)

واذا ولولت (طرابلس) في الغر

~
ب أتاها العويل من (ايرانِ)

 
ولا ينسى الشاعر وهو يدافع عن الإسلام ودولته. أن يشخص السبب الحقيقي الذي أتاح للغرب فرصة العدوان على المسلمين.
فيقول([9]):
إن عز الملوك في حفظها الامـ

~
لاك لا في العروش والتيجان

............................................................................
 
............................................................................
غير أن (الإسلام) ضلّوا عن الحز

 
م وناموا على غرور الأماني

أنذرتهم وقائع الدهر منهم

 
ناطقات لهم بكل لسانِ

أصليبية على حوزة التو

~
حيد أم جاهلية على الإيمانِ

ان تكن هذه مسيحية القو

~
م فخيرٌ عبادة الأوثانِ

فتعاموا عن العضاة وهاموا

 
بزخاريف نعمة وكيانِ
ج
واستلانوا نعومة الغرب حتى

 
راعهم منه نهشة الأفعوانِ
ج
تركوا دينهم لدنيا سواهم

 
رُبَّ ربحٍ يكون من خسرانِ
ج
 
فالسبب يكمن في ضعف المسلمين أنفسهم؛ وانشغال ملوكهم في الحفاظ على العروش والتيجان، تاركين بلادهم يتناهبها الأعداء. فقد غفلوا عن آيات الأنذار وعلائم التهديد، التي كانت أشبه ما تكون بتلك الحملات الصليبية التي شنها الغرب على المسلمين باسم المسيحية التي كانت منهم براء.
وعند إندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914م. نظم الشيخ قصيدة جاء في مطلعها من الخفيف ــ ([10]):
 خلياها تشب في الأرض نارا

 
تستحيل الأكوان فيها اوارا

يتوقى الجماد لفح لظاها

 
ويخوض الإنسان منها غمارا

خلياها تبيد قوماً فقوماً

 
وتدك العمران داراً فدارا

 
ثم ينتقل إلى أثر تلك الحرب في المسلمين فيقول([11]):
كم على المسلمين دارت رحاها

 
وعسى الدهر في رحاه استدارا

ولعل الموتور ينتهز الفر

 
صة فيها ويدرك الأوتارا

كم لنا فيك يا زمان دماء

 
ذهبت في يد الطلاب جُبارا

كم حقوق لنا عليك أضاع

~
الضعف فيها الأوطان والأوطارا

 
وفي الوقت الذي يذكر الويلات التي أصابت دول المسلمين في هذه الحرب، يحاول أن يبث فيهم روح المقاومة وأخذ الثأر، فكم قد أضاع الضعف من المسلمين الكثير من المنجزات والفتوح، فقد كانت هالة (دولة الحق) تضي له كيانه وأحلامه فيقول([12]):
 
دولة الحق لاعد مناك إنا

 
لا نرى عنك غنيةً واصطبارا

دول الشرك قد نشبن للتو

~
حيد حتى أدمت به اظفارا

وظلام الضلال قد طبق الأر

~
ض فيا بدرها البدار البدارا

حي يوم الاسلام يرفع للسلـ

~
مِ على هذه البسيط منارا

 
فالإسلام هو الحق الذي يجب ان يعم الأرض. ويملأها بالسلام مهما فعلت دول الشرك دون ذلك. ومهما كان الضعف الذي أصاب بدن كيان المسلمين ودولتهم. فالشاعر يبقى ينادي ويقاتل من أجل تحقيق ذلك الهدف.
لم تكتف الدول الغربية بشن الحملات العسكرية على الدولة العثمانية وبعض الدول الإسلامية الأخرى، بل أخذت تشن حملات اعلامية ضد الإسلام والمسلمين كجزء من مخطط الغزو الفكري للنظام الرأسمالي الذي تتبناه.
فقد «كان شعارها في الغزو الفكري هو الهجوم على المسلمين, فهو في زعمها دين جامد, كان يصلح للقرون الأولى. وأخذ يدفع المسلمين إلى العصبية، ويملأ عقولهم بالأوهام؛ وقد أثار ذلك الزعم فريقاً من الشعراء, دعوا إلى التمسك بقيمهم الإسلامية والحفاظ عليها, وإلى الوقوف في وجه الهجوم الأوربي ورده»([13]).
وكان من ضمن أولئك الشعراء، الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء الذي أخذ يدافع عن الدين الإسلامي ومعتقداته. ويفضح زيف ادعاء الملحدين وما يتهمون الإسلام به.
فيقول ــ من الطويل ــ ([14]):
يقولون أن الدين فرق بيننا

 
فيالك افكاً زوروه وباطلا

ألا انما الأديان افنان دوحة

 
تساوت أصولاً وأختلفن فواصلا

فما نزلت إلا سلاماً ورحمة

 
ولا شرَّعت إلا الإخا والتساهلا

ولكنه ضعف النفوس وجهلها

 
وما زال جهل النفس للنفس قاتلا

 
فليس سبب التخلف وتردي الأوضاع في بلاد المسلمين يرجع إلى الدين وإنه يفرق الناس إلى طوائف وجماعات متنازعة. بل إن أسس جميع الأديان السماوية الحقه تبتني على السلام والرحمة والإخاء والتساهل بين الناس جميعاً. ولكنه ضعف النفوس والجهل الذي عم الشعوب الإسلامية.
فيقول أيضاً ــ من الخفيف ــ ([15]):
أس ادياننا عفاف وطهرٌ

 
والتآخي والصدق والتهذيبُ

إن أدياننا الفضيلة والأخلا

~
ق لا العهر لا الخنا لا العيوبُ

فهي الطب والنفوس مراضٌ

 
وهي الخصب والعقول جدوبُ

وهي النور والليالي ظلامُ

 
وهي الطور والدهور سهوبُ

ما عليها لومٌ وإن كان شيءٌ

 
فعلى بعض أهلها التأنيبُ

اهملوها حتى تلاعب فيها

 
ذو الجهالات والجهول لعوبُ

 
ومن جانب أخر يتصدى الشيخ لمزاعم الملحدين وشبهاتهم التي اذاعوها ضد التوحيد والإسلام. مثل ما أشاعوه حول كيفية خلق الإنسان من الوهم، وكيف يتلاشى وينتهي بعد الموت، فقد ذكر ذلك بقوله([16]):
 زعموا اننا خواطر وهم

 
تتلاشى وللفناء نؤوبُ

زعموا هذه الحياة اتصالٌ

 
مالها في البقاء قط نصيبُ

زعموا هذه الجواهر مناَّ

 
عَرَضٌ زائلٌ وبرقُ خلوبُ

حركات ظواهر خافياتٌ

 
تتجلى طوراً وطوراً تغيبُ

 
ومن ثم اجاب عن ذلك فقال([17]):
ما المنايا إلا تبدل دارٍ

 
ليوفى الجزاء فيها المثيبُ

أيضيع الاحسان في شرعة العد

~
ل وتحبى للظالمين الذنوب؟

أفسيان محسنٌ ومسئ

 
وسواءُ منعمٌ وحريبُ

حاشا لله ما بذا يحكم العقـ

~
لُ ولم تستقم عليه شعوبُ

 
فهو يشير إلى عقيدة المسلمين في المعاد وعدل الله سبحانه وتعالى في الخلق. وكيف يثيب المحُسن على قدر عمله، ويحاسب المسيئ على ما أقترف من آثام. ويشير الشيخ كذلك إلى ان هذا أيضاً هو حكم العقل الصحيح الذي لا يحيد عنه عاقل.
ومن الجدير بالذكر أن الشيخ في رحلته تلك ألف كتاب (التوضيح في بيان ما هو الإنجيل ومن هو المسيح) بجزأين طبع الجزء الأول في مصر عام 1912م. وطبع الجزء الثاني في بغداد سنة 1926م, والكتاب جاء رداً على الحملات التبشيرية وما رآه الشيخ من انتشار للمبشرين في أثناء زيارته لمصر([18]). ليكون بذلك قد دافع عن الإسلام ورد الشبهات عنه ليس عن طريق الشعر فقط بل عن طريق المناظرات والمؤلفات أيضاً.
 


([1]) الشعر العراقي الحديث وأثر التيارات السياسية والإجتماعية فيه: 48.
([2]) ينظر: العوامل التي جعلت من النجف بيئة شعرية: 32.
([3]) ينظر: المصدر نفسه: 33.
([4]) محاضرات عن الشعر العراقي الحديث: 16.
([5]) هاجمت ايطاليا طرابلس. عندما سحبت الدولة العثمانية جل قواتها هناك. لمحاربة إمام اليمن والإدريسي في عسير. فدخلت ايطاليا طرابلس مستغلة ذلك الظرف. وقد حاولت الدولة العثمانية اعادة ما استولى عليه الطليان. فسيرت جيشاً لمحاربتهم. إلا أن إعلان دولة البلقان الحرب على الدولة العثمانية عام 1912. جعلت الأخيرة مضطرة لعقد هدنة مع الطليان راحت ضحيتها طرابلس بعد أن دافع عنها أهلها من العرب دفاعاً مستميتاً. ينظر: الشعر العراقي الحديث وأثر التيارات السياسية والإجتماعية فيه (الهوامش): 48 ــ 49.
([6]) الشعر العراقي الحديث وأثر التيارات السياسية والإجتماعية فيه: 47.
([7]) الحسن من شعر الحسين (العصريات والمصريات): 250.
([8]) المصدر نفسه: 250 ــ 251.
([9]) الحسن من شعر الحسين (العصريات والمصريات): 250 ــ 251.
([10]) الحسن من شعر الحسين (العصريات والمصريات): 241.
([11]) المصدر نفسه: 242.
([12]) المصدر نفسه: 243.
([13]) في الأدب العربي الحديث/ بحوث ومقالات:30.
([14]) قصيدة مخطوطة للشيخ توجد في مكتبة نجله الشيخ محمد شريف كاشف الغطاء في النجف الأشر ف. ينظر الملحق رقم (4) آخر الكتاب.
([15]) قصيدة مخطوطة للشيخ توجد في مكتبة نجله الشيخ محمد شريف كاشف الغطاء في النجف الأشر ف. ينظر الملحق رقم (4) آخر الكتاب.
([16]) المصدر نفسه.
([17]) المصدر نفسه.
([18]) ينظر: التوضيح في بيان ماهو الإنجيل ومن هو المسيح. الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء. ط. مصر 1912.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما