پنجشنبه 6 ارديبهشت 1403  
 
 
3 ــ عيوب القافية
يعد القيد الصارم بالالتزام بقافية واحدة على طول القصيدة, السبب في اضطرار بعض الشعراء إلى خرق هذا القيد واستخدام قوافٍ تختلف قليلاً عما يجاورها في القصيدة الواحدة.
وقد كانت هذه الاختلافات والخروقات مثار عناية النقاد الذين أطلقوا عليها (عيوب القافية), والتي تختلف من شاعر إلى آخر نتيجة لطول القصائد من جهة, أو إلى الحصيلة اللغوية للشاعر من جهة أخرى.
ولم يخل شعر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء من بعض هذه العيوب, التي وجدت في مجموع شعره, مع الأخذ بعين الاعتبار إنها (عيوب) وقع فيها أغلب الشعراء, وأطلق عليها بعض النقاد تسمية (الضرائر) التي يجوز للشاعر خرقها عند الاضطرار, أو ارتجال الشعر والانفعال الشديد مع التجربة الشعرية.
ومن هذه العيوب:
وهو إعادة اللفظة ذاتها بلفظها ومعناها([1])من غير أن تتجاوز السبعة أبيات أو العشرة في القصيدة اعتماداً على أقل عدد من الأبيات يمكن أن تسمى عندها قصيدة([2]).
ومن ذلك قوله في إحدى مقدماته الطللية ــ من الوافر ــ ([3]):
فلا عَدِمت رُباها من سحاب

~
المدامع لا من السحبِ الرَواءا

 
التي كرر فيها (رواءا) بنفس اللفظ والمعنى وبعد خمسة ابيات. فقال:
فَسَلْهُ عن مباسمه وخدٍ

 
بماءِ الحسن قد وجد الرواءا

 
وكذلك قوله في رسالة شوق لأحد أصدقائهـ من الطويل([4]):
أحباي ما انصفتُمُ ذا مروة

 
تزول الرواسي وهي ارسى وأرسخُ

أحبتنا هل ترفقون بذي هوى

 
وفاه من الأطواد أرسى وأرسخُ

تفسخ من شوقي اليك فؤاده

 
وودك ثبتَُ فيه لا يتفسخُ

لكم في منايا القلب ودَّ محكمَُ

 
تفسخ قلبي وهو لا يتفسخُ

 
حيث تجاوز تكرار القافية إلى تكرار كلمتين في البيتين الأول والثاني (ارسى وارسخ). وحَرفٌ وكلمة في البيتين الثالث والرابع (لا يتفسخ), وهذا عيب ظاهر يتجاوز اضطرار الشاعر له بسبب وحشية القافية.
ونجد تكراره للفظة نفسها في بعض القصائد ولكن بعد أكثر من عشرة أبيات. فيكون ضمن المسموح به عند الشعراء والنقاد. كما في قوله مهنئاً ومادحاً والده ــ من الرجز ــ([5]):
بارك فيها الله من قبيلةٍ

 
مدَّت لها اعناقها القبائِلُ

حيث كرر (القبائل) بعد (14) بيت فقال:
سرى إلى الأمصار لما غبطت

 
محله الشعوب والقبائِلُ

 
وهو نوع من عيوب القافية ــ قبل الروي ــ يكون باختلاف حركة الحرف الذي قبل الروي المطلق مباشرة([6]).
فمن ذلك قولهـ من البسيط([7]):
يا حبذا نزوات الأنْيق النُجبِ

 
وحبذا السير من وخدٍ ومن خَبَبِ

وحبذا البيد والوجناء خائضة

 
فينا ببحر طمى من مائها الكَذِبِ

 
حيث أختلفت الحركة من الفتحة الثابتة في كل القوافي إلى الكسرة التي جاءت متجانسة لما قبلها (مائِها) ليستقيم النغم الموسيقي في آخر البيت.
وكذلك قوله ــ من السريع ــ([8]):
أو لَمْ تكن خداه روضاً زهى

 
ما جُعلت من فوقِها أعيُنا

وذا بلال الخال مُذراعَهُ

 
صبح السنا الغرّةِ ما أذَّنا

فاحرقوه بلظى وجنةٍ

 
تُعذِّبُ الكافِر والمؤمِنا

 
فنلاحظ اختلاف حركة ما قبل الروي بالحركات الثلاث. وإذا كان الانتقال من الضمة إلى الكسرة مقبولاً عند الشعراء؛ فان الانتقال من الضمة إلى الفتحة أو من الفتحة إلى الكسرة ليس كذلك([9]), وما اضطر الشاعر إلى ذلك إلا مراعاة ما قبل القافية (الغُرَّة أذنَّا) وكذلك (الكافِر المؤمِنا) طلباً للتجانس الموسيقي وانسجام القافية.
 
وهو نوع آخر من أنواع السناد, يتمثل باختلاف حركة الحرف الذي قبل الروي المقيد([10]). كقول الشيخ شاكيا حرقة فراق والده. وشوقه للقائه ــ من المتقارب ــ([11]):
فاجج ذكراكُمُ في حشاي

~
ناراً لها عزماتي شُعَلْ

فكدت أبِلَّ صداها بأن

 
أقيمُ اليهم صدور الإبِلْ

فحتى متى انا طوع الخطوب

 
يقلبني الدهر عِزاً وذُلْ

 
الذي أختلفت فيه حركة ما قبل الروي من الفتحة إلى الكسرة ومن ثم إلى الضمة, فالفتحة هي الحركة الثابتة في قافية القصيدة. وما أضطر الشاعر إلى تغييرها في البيت الثاني إلا لطلب المعنى وبيان عزمه على اللحوق بوالده والإستمرار وتجهيز الرواحل للمسير, أمَّا في البيت الثالث والإنتقال من الفتحة إلى الضمة. فقد جاء بفعل استخدام الطباق (عِزاً وذُل) الذي قصده الشاعر لتحسين الكلام.
 
وهو اختلاف حركة الدخيل([12]) في القافية. كقول الشاعر ــ من الطويل ــ([13]):
 
فقال الجوى للقلب عُدْ نحو صبوةٍ

 
وللعين جودي بالدموع السواكِبِ

ألا هل لايامٍ تقضَّت بقُربهم

 
رجوعٌ وهل بعد النوى من تقارُبِ؟

 
حيث أختلفت الحركة من الكسرة الثابتة في القافية إلى الضمة التي جاءت مجانسة لصوت الواو في (رجوع) و (النوى) في عجز البيت.
ولم أجد مثالاً لسناد الردف([14])أو التأسيس([15]) أو حتى الإقواء([16])والتضمين([17])في شعر الشيخ الذي جاءت قوافيه خالية تقريباً من العيوب. وبصورة تعكس الأذن الموسيقية المرهفة للشاعر وعنايته بالجرس الموسيقي في شعره.


([1]) ينظر: المرشد: 1/ 28, ميزان الذهب: 124.
([2]) ينظر: العمدة 1/ 188 ــ 189.
([3]) الحسن من شعر الحسين: 9.
([4]) الحسن من شعر الحسين: 232.
([5]) المصدر نفسه: 209.
([6]) ينظر: المرشد: 1/ 35, ميزان الذهب: 124 ــ 125.
([7]) الحسن من شعر الحسين: 33.
([8]) المصدر نفسه: 182 ــ 183.
([9]) ميزان الذهب: 125.
([10]) المرشد: 1/ 35. ميزان الذهب: 125.
([11]) الحسن من شعر الحسين: 145.
([12]) وهو الحرف المتحرك الفاصل بين التأسيس والروي.
([13]) الحسن من شعر الحسين: 25.
([14]) وهو أن يكون بيتٌ مردناً وآخر غير مُردف. ميزان الذهب: 124.
([15]) وهو ان يكون بيتٌ مؤسساً وآخر غير مؤسس. المصدر نفسه: 125.
([16]) هو تحريك المجرى بحركتين مختلفتين: المصدر نفسه: 123.
([17]) هو تعليق قافية البيت على ما بعدها. المرشد: 1/ 21. ميزان الذهب: 124.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما