پنجشنبه 6 ارديبهشت 1403  
 
 
2 ــ القافية
ركن مهم من أركان الشعر العربي, وعنصر أساس في بناء موسيقاه, فهي تمثل الارتكاز النغمي الأخير للبيت الشعري والفاصلة الموسيقية التي يتوقع السامع ترددها على طول القصيدة([1])
(والقافية في الشعر العربي ذات سلطان يفوق مالنظائرها في اللغات الأخرى)([2]), فهي السمة المميزة للقصيدة العربية التي لم تتخل عنها في أية مرحلة تاريخية([3]).
وقد أهتم بها النقاد العرب, ووضعوا لها عدة شروط ألزموا بها الشاعر الذي إذا أراد إنشاء قصيدة وجب عليه «أن يتخير من القوافي أسلسها لفظاً وأوضحها معنىً, وينفي الجافي عنها ويميز القلق منها, ويسوق البيت إلى القافية سوقاً لطيفاً... فإنه إذا اعتمد ذلك وقعت القافية مستقرة غير قلقة ولا نافرة, حتى لو أراد مريد أن يبدلها بغيرها لم يستطع ذلك»([4]).
وظل للقافية والوزن سلطانهما في الشعر العربي لدى الكثرة الغالبة من الشعراء حتى العصر الحديث([5])؛ فقارئ الشعر العراقي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين يلحظ حرص شعرائه على إيراد القافية والتمسك بها([6]).
وهذا ما نلحظه في شعر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء الذي كان موفقاً في اختيار قوافيه بما يلائم أغراض شعره وموسيقاه.
ومن الشائع أن القافية تسمى باسم حروف رويها, وهي تسمية أطلقت الجزء على الكل, فإذا كانت القافية وبحسب تعريف الخليل: «هي من آخر ساكن في البيت إلى أقرب ساكن يليه مع المتحرك الذي قبله»([7]), يكون الروي «هو الحرف الذي تُبنى عليه القصيدة فتنسب إليه فيقال قصيدة لامية أو ميمية أو نونية, إن كان حرفها الأخير لاماً أو ميماً أو نوناً»([8]).
 
ويمكن أن نجد أبرز القوافي التي اعتمدها الشيخ في شعره من الجدول الأتي:
ت
القافية
عدد القصائد والمقطوعات
عدد الأبيات
1
الراء
16
659
2
اللام
12
584
3
الباء
13
402
4
الهمزة
14
365
5
الحاء
5
276
6
النون
11
271
7
التاء
5
227
8
الميم
6
205
9
الدال
7
185
10
الجيم
4
115
11
الضاد
2
64
12
القاف
2
64
13
الثاء
1
48
14
الالف
1
41
15
العين
1
37
16
الخاء
3
35
17
السين
3
35
18
الشين
1
15
19
الذال
1
14
20
الصاد
1
14
21
الغاء
2
12
22
الكاف
1
10
23
الغين
1
3
24
الياء
1
3
 
 
104
3684
 
وعند مقارنة حروف الروي التي أستعملها الشيخ في شعره مع بعض الدراسات الحديثة([9])التي سلطت الضوء على حروف الروي وشيوعها في أشعار العرب, نجد بأن الشيخ قد حافظ على تلك النسبة ــ تقريباً ــ في مجموع شعره.
فنجد أن قافية (الراء واللام والباء) كان لها الصدارة في شعر الشيخ, وهي من القوافي التي تأتي بكثرة في أشعار العرب([10]), وأحرف الروي (ر, ل, ب) من أحرف الذلاقة (ل, م, ن, ف, ر, ب). والذلاقة انفلات الكلام في العربية دون تعثر([11]), فقد أختار الشيخ ما يقارب نصف شعره على ثلاثة من هذه الأحرف, كما ان قافية (الراء والباء) من القوافي الذلل([12]), والتي يركبها أغلب الشعراء.
وتأتي في المرتبة الثانية كل من (الهمزة, والحاء, والنون, والتاء, والميم). فالشيخ قد حافظ على نسبة (الهمزة والحاء) وكونها من أحرف الروي المتوسطة الشيوع في الشعر العربي. إلا أنه قد خالف تلك النسبة بالتقليل من إستعمال (النون والميم) التي كانت نسبتها أكبر في الشعر العربي, أما قافية (التاء) فقد أزاد نسبة إستعمالها في شعره, على الرغم من كونها أحدى القوافي القليلة الشيوع([13])في الشعر العربي.
وفي المرتبة الثالثة جاءت كل من (الدال والجيم) اللتين جاءت نسبتهما أقل هما هو موجود في الشعر العربي, أما بقية حروف الروي في قوافي قصائد الشيخ. فهي من الحروف القليلة الشيوع([14]), أو النادرة([15]). ما عدا ما نراه في قافية (السين والعين والفاء) التي قلت نسبتهما عن تلك الموجودة في الشعر العربي.
فقد يتراوح استعماله لهذه الحروف بين القصيدة أو المقطوعة الواحدة والثلاث لأن أغلبها من القوافي النفر([16])أو الحوش([17])(التي ركبها الشعراء فلم يجيئوا إلا بالغث)([18]) من أشعارهم.
فقد نظم الشيخ قصيدة ثائية في رثاء الإمام الحسينu, تعد الأطول من بين القصائد المنتهية بمثل هكذا قوافي. فقد بلغت (48) بيتاً. على غير عادة الشعراء إذا استعملوا هذا الحرف في قصائدهم لقلة ورود الروي في نهاية الكلمات التي ان اضطر الشاعر لإستخدامها جاء بالغريب المتعسف.
ومن تلك القصيدة قوله ــمن الطويل ــ([19]):
لك الله من قلبٍ بايدي الحوادثِ

 
لعبن به الأشجان لعبة عابثِ

تمر به الأفراح مرة مسرعٍ

 
وتوقفه الأفراح وقفة ماكثِ

 
ويستمر الشاعر إلى نهاية القصيدة التي تعد طويلة نسبياً مع حرف رويها (الثاء), لتدلل على مقدرة الشاعر اللغوية في اختيار هذا العدد من الكلمات المنتهية بهذا الحرف, وتعكس في الوقت نفسه محاولة الشاعر ــ كغيره من شعراء عصره ــ النظم على مثل هذا الروي استظهاراً للبراعة والمقدرة الشعرية بين الأقران.وعادة ما يتحاشى الشعراء مثل هذه القوافي خوفاً من الضعف الذي ستصاب به القصيدة, الأمر الذي وقع به الشيخ عندما استخدم قافية (الخاء) في إحدى قصائده التي بعثها لأحد محبيه فقال ــ من الطويل([20]):
صبا الكوت أصبا لا الرصافة والكرخُ

 
وشوقي أورى لا العفار و لا المرخ([21])

وأحباب قلبي لا الحياة وطيبها

 
وطيب لقاهم لا الشباب ولا الشرخ([22])

............................................................
 
............................................................
فؤادي أسير في يديهم فقل لهم

 
إذا لم يحلوا أسرهم عنه فليرخوا

فلا يحسبوا جسما بثوبي وإنما

 
عظيم شجون لا عظامْ ولا مخُّ

 
والتي نجد فيها أن القافية قد أجبرت الشاعر على استعمال الغريب (المرخ) و(الشرخ) من جهة, والوقوع تحت سلطان اللغة البسيطة الدارجة من جهة أخرى. كـ(فليرخوا), و(لا عظام ولا مخُّ). لتظهر القصيدة بادية الضعف والاضطراب.
ولكن ليس هذا بالقاعدة الكلية فقد ذكرنا قصيدته (التائية) في رثاء الإمام الحسينu, وكيف أطال وأجاد في الكثير منها, وكذلك له قصيدة في مدح الإمام عليu, جاءت على قافية الخاء أيضاً حيث قال ــ من الطويل ــ([23]):
أمام الهدى هل أبدع الله آية

 
لمعناه أسمى منك شأناً وأشمخا

كم استصرخ الإسلام يدعو فلم يجد

 
لصرخته إلا حسامك مصرخا

وكم شاد للتوحيد عرشاً من الهدى

 
وهَدَّ عروش المشركين ودوخا

وهل فاح للأصحاب نشر ولم يكن

 
بديع مزاياك العبير المضمخا

ولو وجد المختار مثلك فيهم

 
لما أختار أن تغدوا له دونهم أخا

فمن ذا الذي قد ذب عنه بسيفه

 
ومن ذا الذي بالنفس من دونه سخا

لذا أختصه يوم الغدير برتبة

 
ذوو الغدر فيها كيدهم قد تفسخا

بها عقد الباري على الخلق بيعة

 
إلى الحشر لا تزداد إلا ترسخا
ج
فأصبح مولى المؤمنين وعندها

 
أتى نحوه الثاني (فحيا وبخبخا)

 
فقد جاءت كل هذه القصيدة خالية من أية قافية غريبة أو ضعيفة, بل إن كل بيت من أبياتها قد استلزم هذه القافية وكأنه محتاج إليها ولا يكتمل إلا بها, وبصورة سلسة غير متصنعة, كأفضل ما تكون من قصيدة حملت مثل هذا الروي, الذي لا أجد مسوغاً لإختيار الشيخ له إلا توثيقاً وترسيخاً لتلك المقالة (فحيا وبخبخا) التي بنيت عليها كل القصيدة.
فضلاً عن كون (الخاء) من الأصوات الإحتكاكية التي تصدر من احتكاك تيار النفس بجدران الممر الصوتي, فمثل هكذا اصوات هي المهيأة لنقل انفعالات الشاعر الشديدة في مدح الإمام علي أو رثاء الإمام الحسينH.
وقد أختلف النقاد في مسألة علاقة القافية بالموضوع وتأثير كل منهما في الآخر. إلا أن الرأي الأقرب إلى الصواب بأن «ليس من قاعدة تربط حروف القوافي بموضوع الشعر, والأمر في ذلك يشبه علاقة البحور بموضوعات القصائد»([24]), لأن حروف الروي مهما كان نوعها تختلف من قصيدة وأخرى بالحركات أو ما يضيفه الشاعر إليها من حروف الوصل أو الإطلاق, التي تلعب العامل المؤثر في تغير جرس القافية ونغمتها.
ولكن على الرغم من ذلك فإن الشاعر يهتم كثيراً باختيار القوافي التي يتناسب صوتها ودلالتها مع تجربته الشعرية. والتي تخلق له توازناً في الأفكار وقدرةً فائقة على التأثير في الخيال([25]).
فمن ذلك اختيار الشيخ لقافية (الحاء) في قصيدة طويلة يرثي فيها الإمام الحسينu فيقول ــ من الطويل ــ([26]):
هو الوجد يذكيه الجوى في الجوانحِ

 
فيجري بمنهلِّ الدموع السوافحِ

لآل عليٍ يومَ سيموا بفادحٍ
 
 
له عُقمت أمُّ الرزايا الفوادحِ

 
فقد عمد الشاعر إلى استعمال ألف التأسيس في قافيته. وهو الحرف الممتد المناسب لاستيعاب معاناته وآهاته, وكذلك استعمل حركة (الإشباع) المكسورة تمهيدا لحركة الروى (الحاء), الصوت الذي ينسجم مع الألم والحرقة, التي تتناسب مع أحساس الشاعر أمام مصاب الحسينu, وتجدد ذكراه, ولتكون القافية نغم طويل حزين مشترك بين الشاعر ومستمعيه الذين يرددون معه مقطعها الأخير ساعة الإنشاد ليزداد جو المحفل الحسيني حزنا ولوعة, فاعتماد الشيخ على انشاد شعره في المحافل دفعه إلى اختيار الاصوات التي تستوعب آهاته فضلاً عما يريد ايضاحه من معانٍ ودلالات.
 وكذلك قوله في مطلع قصيدة في رثاء الامام الحسينu ــ من الكامل ــ([27]):
نفس اذابتها أسى حسراتها

 
فجرت بها محمرة عَبَراتُها

 
حيث ركز الشاعر في قافيته على جمع الف الردف مع الف الإطلاق فضلاً عن هاء الوصل التي بينهما. ليستوعب الجميع عملية إفراغ العاطفة, واستفراغ الآهات المكبوتة التي تمثلت واقعياً عندما انتهت قافية كل قصيدة بصوت (ها) وما تحمله من صوت البكاء والنحيب.
وكذلك نجد الشيخ قد أختار لقصيدته التي جسد من خلالها عقيدته في الإمام المنتظر# حرف الراء. المناسب بذلاقته وتكراره أجواء الجدال والمحاججة. حيث قال ــ من الطويل ــ([28]):
بنفسي بعيد الدار قربه الفكرُ

 
وأدناه من عشاقه الشوق والذكرُ

تستر لكن قد تجلى بنوره

 
فلا حجب تخفيه عنهم و لاسترُ

ولاح لهم في كل شيءٍ تجلياً

 
فلا يشتكي منه البعاد ولا البحرُ

............................................................
 
............................................................الخ

 
وقد كان لحركة الضمة ــ المجرى ــ في روي القصيدة أثرها في اضفاء القافية بالابهة والعظمة التي أطرتموسيقى القصيدة بالشدة والفخامة.


([1]) ينظر: موسيقى الشعر: 246.
([2]) النقد الأدبي الحديث: 468.
([3]) دير الملاك, د. محسن أطيمش. منشورات وزارة الثقافة والإعلام ــ الجمهورية العراقية, 1982م: 331.
([4]) حلية المحاضرة في صناعة الشعر, أبو علي محمد الحاتمي, تحقيق د. جعفر الكتابي. دار الحرية, بغداد. 1979م: 1/ 236.
([5]) ينظر: النقد الأدبي الحديث: 470.
([6]) دير الهلاك: 331.
([7]) ميزان الذهب في صناعة شعر العرب: أحمد الهاشمي ــ مطابع دار الثورة للصحافة والنشر بغداد ــ 1982م: 113.
([8]) المصدر نفسه: 114.
([9]) ينظر: موسيقى الشعر: 248.
([10]) وهي (ر, ل, م,ن, ب, ر, س, ع). ينظر المصدر نفسه: 248.
([11]) ينظر: لسان العرب مادة (ذلف).
([12]) وهي (ب, ت, د, ر, ع, م, ن, والياء المتبوعة بالف الإطلاق). ينظر: المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها: 1/ 44.
([13]) وهي (الضاد, الطاء, الهاء, التاء, الصاد, التاء). ينظر: موسيقى الشعر: 248.
([14]) وهي: الضاء, الطاء، الهاء, التاء, الصاد, الثاء. موسيقى الشعر: 248.
([15]) وهي: الذال, الغين, الخاء, السين, الزاي, الظاء. الواو. المصدر نفسه: 248.
([16]) وهي: الصاد, الزاي, الضاد, الطاء, الهاء, الأصلية, الواو. المرشد: 1/ 59.
([17]) وهي: الثاء, والخاء, والذال, والشين, والظاء والغين. المصدر نفسه: 1/ 63.
([18]) المصدر نفسه: 1 / 63.
([19]) الحسن من شعر الحسين: 60.
([20]) المصدر نفسه: 231.
([21]) (المرخُ والعفار): هما شجرتان فيهما نار ليس في غيرهما من الشجر, ويسوى من أغصانها الزناد فيقدح بها: لسان العرب. مادة (عفر).
([22]) (شرخُ الامر والشباب): أوله: لسان العرب, مادة (شرخ).
([23]) جنة المأوى: 169.
([24]) النقد الأدبي الحديث: 470.
([25]) ينظر: بناء القصيدة في النقد العربي القديم: 179.
([26]) الحسن من شعر الحسين: 70.
([27]) المصدر نفسه: 47.
([28]) الزام الناصب: 366.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما