شنبه 1 ارديبهشت 1403  
 
 
10 ــ التدوير:
وهو عملية الربط بين شطري البيت الشعري في القصيدة العمودية, الذي أطلق عليه ابن رشيق في العمدة (المُدَاخَل من الأبيات). فهو عنده. «ما كان قسيمهُ متصلاً بالآخر, غير منفصل منه, قد جمعتهما كلمة واحدة, وهو المدمج ايضاً»([1]).
وفي التدوير يبقى كل شطر محتفظاً بقيمته الوزنية نظرياً من حيث عدد التفعيلات, إلا أن الشاعر يخرق فيه استقلالية الشطرين دلالياً وصوتياً.
وقد كان للتدوير حضور واسع في شعر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء, فقلما خلت منه قصيدة أو مقطوعة, ولاسيما في قصائده الطوال التي استعمل فيها التدوير ليكسر من خلاله رتابة الأداء الموسيقي للقصيدة. وليثير لدى المتلقي شيئاً من التغير فيشده اليه.
فمثلاً في مقطوعته التي رثى فيها الإمام الحسينu والتي قال في مطلعها ــ من الكامل ــ([2]):
نفسٌ اذابتها أسى حسراتها

 
فجرت بها محمرة عبراتهاَ

 
إستعمل الشاعر التدوير في البيت الثامن والأربعين حيث قال ــ من الكامل ــ([3]):
يا كعبةً لله إن حجَّت لها الـ

 
أملاكُ منه فعرشُه ميقاتُها

 
والذي ترك فيه الشاعر عملية الفصل بين شطري البيت الشعري, منشغلاً في استيعاب اركان لوحة الأملاك, وهي تطوف حول الكعبة التي استعارها للحسينu, فضلاً عن التنويع الإيقاعي لموسيقى القصيدة التي استغرقت سبعاً وأربعين بيتاً.
وفي مطولة الشيخ التي ارسلها إلى والده, متشوقاً اليه ومادحاً, والتي بلغت (177) بيتاً. نجد بأن الشاعر قد حاول التغيير في نغم القصيدة الثابت من خلال توزيع بعض الأبيات المدورة التي منحت موسيقى القصيدة شيئاً من التغير والتنوع.
فبعد ان افتتح الشيخ قصيدته بقوله ــ من المتقارب ــ ([4]):
إلى كم ارود رياض الأمل

 
ولا اجتني غير حر الغِلل

 
استعمل التدوير في البيت (الخامس عشر) مخاطباً احبته الراحلين. فقال:
حللتم عهودي وحرمتم الر

 
قاد على عاشقٍ ما أحل

 
فضلاً عن الأبيات (91), (130), (140), (167) التي توزعت على طول القصيدة.
 إلا أن الملاحظة الأهم في استعمال الشاعر للتدوير في قصائده؛ انه لم ينظم قصيدة كل ابياتها مدورة. ولم يكرر التدوير في أبيات متلاصقة في قصيدة. إلا ما جاء في رثاء عمه الشيخ عباس كاشف الغطاء عندما قال متفجعاً ــ من الكامل ــ([5]):
ميلي قواعد جعفرٍ بل زولي

 
فلقد فُجعتِ بمحكم التنـزيلِ

بالنعمة العظمى, بنور الأية

~
الكبرى, بمهبط وحي جبرائيلِ

بالمصعب الهدار, بل بمصروف

~
 الأقدار, بل بحسامها المسلولِ

بغنى المؤمل بل ببدر سنا

~
التأمل, بل بنوء سحابة التأملِ

بمشاعر الحجاج بل بسراجها

~
الوهاج, بل برواقها المسدولِ

بالمستطيل على الرعان بمرتقى

 
يومٍ عريضٍ في الفخار طويلِ

 
حيث اعتمد الشاعر على التقسيم الذي أعطى ايقاع البيت أو القصيدة انغاماً مضاعفة عوضته عن ذلك المفقود بسبب عدم فصل مصراعي البيت الشعري في التدوير.
وكذلك ما جاء في مدح الشيخ هادي كاشف الغطاء قوله ــ من الوافر ــ([6]):
إذا نفحتك انفاس الرياح

 
فخذ قدحيك من ريقٍ وراحِ

ولا تبرح عن النُدما فما للبيبٍ

~
عن الندامى من براحِ

ورح لغبوق شربك مع صباحٍ

 
اذا برزت غُنيتَ عن الصباحِ

وحلي مليح عيشك يوم تبدو

~
العواطل منه بالغيد الملاحِ

وقل عني لسارحة الغواني

 
أما لا سير هجرك من سراحِ

يهون عليك أن يمسي قريح

~
جفون يغضُّ بالماء القراحِ

 
ويستمر الشاعر في استعمال التدوير, الذي جاء بصورة متناوبة مع الأبيات المشطرة ليخلق إيقاعاً خاصاً في هذه القصيدة, وشكلاً مقصوداً من أشكال التنغيم الموسيقي الذي يظهر براعة الشاعر, ومقدرته الواضحة في توظيف الدلالة الموسيقية ومزجها مع الأفكار والإيحاءات التي تشترك في التعبير عن تجربة الشاعر الشعورية. واقتران التدوير في شعر الشيخ جاء مقترناً بقوة الانفعالات التي سيطرت عليه في بعض أجزاء شعره.
 


([1]) العمدة: 1 / 177.
([2]) الحسن من شعر الحسين: 47.
([3]) الحسن من شعر الحسين: 50.
([4]) الحسن من شعر الحسين: 144.
([5]) المصدر نفسه: 162.
([6]) الحسن من شعر الحسين: 77.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما