جمعه 7 ارديبهشت 1403  
 
 
7 ــ التضمين
وهو نوع من الإقتباس مختص بالشعر. ويعرف عند أهل البديع([1]) بأن يضمن الشاعر كلامه شيئاً من مشهور شعر الغير مع التنبيه عليه ان لم يكن مشهوراً. وذلك ليزداد شعره حُسناً ورونقاً([2]).
والتضمين من الأساليب الشعرية التي شاع استعمالها عند الشعراء في عصر الشيخ (نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين), ولا سيما أن طبيعة ثقافة أولئك الشعراء كانت تتمثل بثقافة التقليد, وتقديس التراث, والحرص على محاكاة نماذج الفحول من الشعراء, التي كان أكثرها لشعراء العصر العباسي, لما في أشعارهم من ابتعاد عن الوحشي والغريب والجنوح نحو السهولة والسلاسة وجزالة التراكيب([3]).
فنحن نجد الكثير من أمثلة (التضمين) في شعر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء, والتي جاءت دليلاً يعكس سعة إطلاعه على الموروث العربي, وقدرته على انتخاب الجيد منه, فمن ذلك قوله مفتخراً بنفسه وهمتهـ من الطويل([4]):
وجشمتها أخطار كل مهولةٍ

 
تماوت فيها الموت وانذعر الذعرُ

 
المأخوذ من قول المتنبي ــ من الطويل([5]):
تمرسَّت بالآفات حتى تركتها

 
تقول أمات الموت أم ذُعِرَ الذُعْرُ

 
الا ان الشيخ قد جعل (تماوت الموت وانذعار الذعر) حقيقة ثابتة لتلك الأخطار المتصاغرة أمام همته وباسه, بعد أن جاءت في بيت المتنبي على لسان الافات نفسها التي أخذت تسأل وتتعجب من هذا الفارس الذي لم تستطع التغلب عليه.وكذلك قوله ــ من البسيط ــ([6]):
حاشا مزاياك مجداً ان يشين بها
 بحكمه
 
قول الأعادي من التزوير والكذبِ

............................................................
 
............................................................
فلا تنالك أقوال ملفقةٌ

 
ليست بنبعٍ اذا عُدت ولا غَربِ

 
والمأخوذ من قول ابي تمام ــ من البسيط ــ([7]):
اين الراوية ُ بل اين النجوم وما

 
صاغوه من زخرفٍ فيها ومن كَذِبِ

تخرصاً واحاديثاً ملفقة
ج
 
ليست بنبع إذا عدت ولا غربِ
ج
 
وليس هذا المستوى من التضمين هو الموجود فقط في شعر الشيخ محمد حسين بل جاء التضمين كذلك على صعيد البيت كله أو القصيدة بأجمعها.
فمن أمثلة التضمين على صعيد البيت, ما جاء خاتمة لقصيدة,(أفانين السياسة والتعاسة) التي نظمها عام 1936م. والتي جسدت معاناة الشاعر من واقعه السياسي الأليم. فقد قال ــ من الطويل ــ([8]):
(فيا موت زر إنَّ الحياة ذميمة

 
ويا نفس جدي عاد دهرك هازلا)

 
وهو قول المعري ــ من الطويل ــ([9]):
فيا موت زر إنَّ الحياة ذميمة

 
ويا نفس جدي ان دهرك هازلُ

 
حيث وظف الشاعر هذا البيت المشهور ليكون آخر آهة يطلقها في القصيدة, وآخر أمنية تعبر عن الجزع والانكسار, بعد أن قام بتغير بسيط في نهاية البيت فجاءت القافية منصوبة بعد أن كانت مرفوعة في قصيدة المعري.
أما ما جاء على صعيد المعارضة العامة لقصيدة بعينها, ما نظمه الشيخ عند خروجه من مصر, وهو محبط الآمال كسير النفس عاتباً على أهل مصر الذين لم يناصروه. فقال قصيدة مطلعها ــ من الطويل ــ([10]):
إلى كم ترامى بي المنى والمنازلُ

 
وتقذف بي لج المنايا المناهلُ

ومالي لا أنفك إلا مقسماً

 
مقيم لباناتٍ وجسمي راحلُ

 
والتي نسمع فيها روح المعري وأجواء قصيدته التي مطلعها ــ من الطويل([11]):
الا في سبيل المجد ما أنا فاعلُ

 
عفافُ وإقدامُ وحزمُ ونائلُ

 
فقد عبر الشيخ عن موقفه إزاء الحياة والوجود, ويأسه من إمكانية تغيير واقعه المر, فأخذ ينفث أحاسيسه وزفراته وآهاته من خلال الشعر.
فقد انتقد مصرَ التي لم يجد فيها من يسمع صوته فقال ــ من الطويل ــ([12]):
أمصر ربوع العيش فيك زواهرُ

 
ولكن ربوع الفضل فيك قواحِلُ

تناهيت في طول التمدن فاقصري

 
(فعند التناهي يَقصرُ المتطاول)

 
والذي أخذه من قول المعري ــ من الطويل ــ([13]):
فإن كنت تبغي العز فابغ توسعاً

 
فعند التناهي يقصر المتطاولُ

 
وكذلك قول الشيخ ــ من الطويل ــ([14]):
علمت ولما عاد علمي ضايري

 
(تجاهلت حتى قيل أني جاهل)

 
والمأخوذ أيضاً من قول المعري ــ من الطويل ــ([15]):
ولما رأيت الجهل في الناس فاشياً

 
تجاهلت حتى ظُنَّ أني جاهلُ

 
ومن القصائد الأخرى التي عارض فيها إحدى قصائد التراث المشهورات, تلك القصيدة التي مُدحَ فيها بعض أصدقائه والتي مطلعها قوله ــ من الطويل ــ([16]):
عَداك عَنَا قلبٌ من الشوق مشبوب

 
وصَيِّبَ أجفان كصوب الشآبيب

 
والتي نسمع منها أنغام المتنبي ومحاكاة أوزانه وقوافيه. عندما يقول ــ من الطويل ــ([17]):
من الجآذر في زي الأعاريب

 
حمر الحلي والمطايا والجلابيب

 
والتي تغزل فيها بالعربيات مفضلاً إياهن على بنات الحضر فقال([18]):
افدي ظِباء فلاة ما عرفن بها

 
مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب

 
ومدح فيها العرب ووصفهم بقوله([19]):
قد وافقوا الوحش في سكنى مرابعها

 
وخالفوها بتقويضٍ وتطنيب

 
الأمر الذي سار عليه الشيخ في مقدمة قصيدته. فقال متغزلاً([20]):
وان اكسب الصبغ الحواجبزينة

 
سللن الضبا بيضاً بسود الحواجيب

 
ووصف أهل فتياته العربيات بقوله([21]):
فمن لي بقربٍ مسعفٍ من خيامهم

 
وهم بين تقويضٍ لهنَّ وتطنيب

 
وبعد ذلك يظهر بان الشيخ قد ضمن بعض قصائده شيئاً من مشهور الشعر العربي الخالد, ابرازاً لثقافته وسعة إطلاعه من جهة, وقصداً للبعد الجمالي من جهة أخرى.
 


([1]) وهذا التضمين أحد فنون علم البديع. وهو يختلف عن (التضمين) الذي يعده النقاد أحد عيوب القافية. الممثل بتعلق القافية او ما قبلها يالبيت الذي بعدها(*). والذي لم اجد له مثالاً في شعر الشيخ. إلا ما جاء البيت الثاني فيه مقول القول. مثل قوله (**)
وان من أعجب ما لاقيتهُ           من الهوى ما قالت الع ــ واذلُ
ياشيخ ماأنت وحب طفلةٍ          يعجز عن حمل هواها الكاهل
وهو من التضمين المقبول عند أكثر الشعراء
(*) ينظر: العمدة: 1/171.
(**) الحسن من شعر الحسين: 157.
([2]) جواهر البلاغة: 416.
([3]) ينظر: تطور الشعر العربي الحديث في العراق: 163, 164.
([4]) الحسن من شعر الحسين: 255.
([5]) شرح ديوان المتنبي, عبد الرحمن البرقوقي, مطبعة الرحمانية بمصر, 1930م: 1/ 352.
([6]) الحسن من شعر الحسين: 34.
([7]) شرح الصولي لديوان ابي تمام (دراسة وتحقيق). الطبعة الأولى. وزارة الإعلام د. ت: 1/ 190.
([8]) شعراء الغري: 8/177.
([9]) سقط الزند. أبو العلا المعري. دار صادر بيروت 1963: 195.
([10]) الحسن من شعر الحسين (العصريات والمصريات): 261.
([11]) سقط الزند: 193.
([12]) الحسن من شعر الحسين: 263.
([13]) سقط الزند: 196.
([14]) الحسن من شعر الحسين: 262.
([15]) سقط الزند: 194.
([16]) الحسن من شعر الحسين: 216.
([17]) شرح ديوان المتنبي: 1/ 114.
([18]) المصدر نفسه: 1/ 116.
([19]) المصدر نفسه: 8/ 115.
([20]) الحسن من شعر الحسين: 218.
([21]) المصدر نفسه: 217.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما