شنبه 1 ارديبهشت 1403  
 
 
الخاتمة
 
 
يمكن لنا ايجاز اهم النتائج التي توصلنا اليها عندما درسنا شعر الشيخ فيما يأتي: ــ
ــ لم يكن الشيخ محمد حسين شاعراً فقط, بل كان انساناً متعدد المواهب والامكانات, فقد كان فقيهاً اصولياً مجتهداً, وكان اديباً شاعراً وخطيباً مفوهاً. فضلاً عن كونه زعيماً وطنياً وقومياً, شهدت له مؤلفاته التي قاربت السبعين ومواقفه الوطنية والقومية على ذلك.
ــ كانت مدة حياته الشعرية قصيرة نوعاً ما, فلم تتجاوز في مجموعها اربعة عشر عاماً. بدأها عندما كان في سن الثالثة عشر.
ــ إلا انه عد من المكثرين في الشعر, فقد قارب مجموع ما نظمه الاربعة آلاف بيت.
ــ كان الشيخ في جميع ادوار حياته يفضل العلم والفقه والاجتهاد على الشعر.
ــ مرَّ شعر الشيخ بثلاث مراحل شعرية. تميزت الواحدة منها من الاخريات بسمات موضوعية وفنية واضحة. تمثل في مجملها مسار حياة الشيخ من جمعه ومراحل تطور النهضة الأدبية الحديثة في العراق من جهة أخرى.
ــ ففي الباب الأول الخاص بالدراسة الموضوعية إنتهينا لإلى النتائج التالية:
ــ في مرحلته الشعرية الأولى تناول الشيخ في شعره تلك الأغراض السائدة في عصره. فقد نظم في الرثاء والمديح والاخوانيات والغزل والفخر والعقيدة. وتميز بعدم النظم في المناسبات والأغراض التي لا تتناسب مع موقعه العلمي والاجتماعي خلافاً لما فعله الكثير من شعراء عصره.
كان الرثاء من أبرز أغراض هذه المرحلة. ولا سيما رثاء الإمام الحسين وأهل بيتهE. وتميز فيه بعتر ض احداث فاجعة كربلاء, والتأكيد على الجانب المأساوي منها. والعناية بالبكاء واستدرار الدموع بصورة تنسسجم مع الجو العام في الملحافل والمآتم الحسينية التي كانت تلقى فيها مثل هذه القصائد.
ورثى كذلك بعض العلماء من معاصريه واكد على فقدان العلم والدب لفقد ذلك الشخص. مع بعض المبالغة في تحويل وقع المصيبة او الفاجعة على الناس.
له قصائد كثيرة في المديح. إلا ان المميز فيها. هو دقة الشاعر في اختيار من يمدحهم. فقد آثر ألا يمدح إلا من يستحق المدح ويقدر الشعر واهله. فلم يمدح والياً أو اميراً أو صاحب جاه او مال. لذا جاء مديحه استجابة صادقة لمشاعره. وتجربة خالية من الطمع او غيره. وكان كثيراً ما يمزج الفخر بالمديح اذا كان الممدوح احد افراد آل كاشف الغطاء.
 
له شعر إخواني خص به الكثير من أدباء النجف وشعرائها من أصدقائه ومقربيه. ولم تختلف قصائده الاخوانية عموماً عن قصائد المديح إلا بتلك الإشارة إلى التهنئة او المناسبة. عن طريق كلمة واحدة او عبارة مختزلة داخل القصيدة. وقد كان جل هم تلك القصائد الترويح عن النفس وقضاء الوقت واظهار المقدرة الشعرية والتعبير عن بعض التجارب الشعرية الصادقة.
له شعر كثير في الغزل. جاء في قصائد مستقلة تارة وفي مقدمات القصائد تارة أخرى. وتميز في غزله بانه كان ينظر إلى المرأة كتمثال جمال. مقتصراً على التغزل بالجوانب المادية من جمال المرأة دون المعنوية منها. مما يعني أن اغلب غزله كان تقليدياً. لا يعبر عن تجربة صادقة مر بها في حياته.
تقيد كثيراً في وصف مواطن الأنوثة في جسد المرأة وكان حذراً بذركر ما يدور بين المحبين في خلواتهم. وبصورة تظهر عفته وتقيده بمكانته الدينية والاجتماعية.
وعلى الرغم من وجود ما يدعو إلى الشكوى في حياة الشا عر الخاصة في تلك المرحلة بشكل عام. إلا انه نظم شعراً في الشكوى. اظهر فيه تبرمه من الدهر والمجتمع الذي يسود فيه الضعف وتردي الأوضاع. الأمر الذي تجاوز هموم النشاعر الشخصية وشارك المجتمع في آلامه وآماله وهو ما غفل عنه معظم شعراء العراق في تلك المرحلة.
وله شعر عقائدي. نظمه بوصفه عالم دين وصاحب عقيدة راسخة. إلا انه تميز في الأخرين بالملة الشعرية الفنية التي نظم فيها ذلك الشعر.
ــ أما الأغراض الشعرية التي طرقها في المرحلة الثانية من حياته الشعرية (1911 ــ 1914). فقد كانت تختلف تماماً عن تلك التي طرقها في المرحلة الأولى. وذلك لتغير فهم الشاعر لدور الشعر في الحياة. فقد تحول من مجرد اظهار المقدرة الشعرية والتسلية وبعض التجارب العاطفية إلى كون الشعر احد أهم وسائل نشر الدعوة إلى الإصلاح والنهوض والثورة.
فقد تجلت في قصائده التي دافع فيها عن الإسلام دولة وعقيدة روح العالم القائد الذي يشعر بالمسؤولية الملقاة على كاهله. وتجلت في شعره أيضاً روح إسلامية أصيلة تطالب بالكفاح والجهاد.
وبعد كشف ادعاءات الاتراك ووعودهم نظم الشاعر شعراً قومياً بدأه بالتغني بالعروبة وأمجادها وانهاء بالدعوة إلى ثورة عربية قومية ضد الاستعمار.
عد الشيخ رائداً من رواد الشعر الانساني في الأدب العراقي الحديث. فقد تناول في الشعر الدعوة إلى الاخاء الانساني والتسامح الديني وذم الحروب.
ونتيجة لاضطراب الفكري الذي عانى منه العرب والشرق عموماً في بداية القرن العشرين.
نتيجة الغزو الفكري والاستعماري الاجنبي عليه. اتجه في بعض شعره إلى التامل في الحياة الروحية والدخول إلى خبايا النفس الانسانية والتجرد. كمحاولة للهروب من الواقع المر وذلك الاضطراب.
اما الأغراض الشعرية التي طرقها في المرحلة الثالثة من حياته الشعرية. فقد كانت تجارب ذاتية خالصة نفس من خلالها الشيخ بعض آلامه ومعاناته جراء ما اصابه من محن وويلات في آخر عمره.
فقد جاء شعره السياسي ثورة في فضح كيد الاستعمار والحكومات العملية في الشرق. وعبر من خلاله عن موقف اسلامي قومي ثابت ضد مخططات الاعداء.
كان رثاء ولديه الصغيرين طافحاً بالآهات والدموع والمشاعر الجياشة.
كان هجاؤه لبعض شيوخ العشائر ممن نقضوا عهودهم معه بعد الميثاق الوطني سنة 1935م. هجاءاً مراً وقاسياً يعكس مقدار الم الشيخ وسخطه عليهم.
ونتيجة لتلك المحن والمصائب, كثر تبرم الشيخ من الحياة وضعف الشيخوخة في بعض من (خماسيات), فضلاً من الالتجاء إلى النباري عز وجل يناجيه. طلباً للنجاة من ذلك العذاب.
ــ وفي الباب الثاني من الدراسة الذي عني بالناحية الفنية من شعر الشيخ. فقد خلصنا إلى التنتائج الآتية:
ــ لم يختلف بناء القصيدة في شعر المرحلة الأولى من بنائها عند الشعراء القدماء, فقد كانت تتكون من مقدمة ورحلة وتخلص وعرض وخاتمة.
ــ قدم الشيخ أكثر قصائده بتلك المقدمات التراثية كمقدمات الطلل والغزل والظعن والشكوى والخمر وغيرها. وبصورة مفردة تارة ومركبة تارة اخرى إلا ان المميز في ذلك كله ان الشيخ كان يبتعد عن الخوض في بعض نكونات تلك المقدمات الوغلة في البداوة والصحراء. ويختار تلك العناصر والمكونات المنسجمة مع عصره وطبيعة حياته. مع الأخذ بنظر الإعتبار اختيار بعض العناصر من كل مقدمة بما ينسجم مع الغرض العام للقصيدة.
ــ تميز الشيخ في مقطع الرحلة فيس جميع قصائده. يفقد تحولت الرحلة عنده من قصد الممدوح طلباً لنواله إلى رحلة نحو المجد والعليا ء.
ــ ابتعد الشيخ من تخلصاته عن تلك الصيغ القديمة التي دأب على تكرارها الشعراء. فقد كانت تخلصاته مبتكرة سلسة خالية من التكلف والتعقيد.
ــ كانت العودة على المطلع في الخاتمة ابرز ظاهرة في خواتيم قصائده.
تميزت أغلب قصائد الشيخ بالطول فقد تجاوزت الكثير منها المائة بيت ــ وبخلت أطول قصيدة عنده (238 بيتاً).
ــ ونتيجة لتأثره بالدعوة إلى الوحدة الموضوعية في القصيدة العربية في بداية القرن العشرين جاءت جميع قصائد المرحلة الثانية من شعره قصائد مباشرة ذات غرض واحد تتمتع بوحدة موضوعية كاملة وكذلك كان بناء قصائده في المرحلة الشعرية الثالثة، إلا أن الخماسيات كانت الظاهرة الأوضح في شعر تلك المرحلة فضلاً عن نظم بعض الموشحات والمربعات والمقطعات التي تخللت مراحل شعره المختلفة.
ــ أما من ناحية اللغة التي اعتمدها الشاعر في شعره فقد ظهر التميز واضحاً في لغة الشاعر في مراحله الشعرية الثلاثة.
ــ فقد كثرت في المرحلة الأولى من شعره ألفاظ البداوة والصحراء سواء كانت أسماء مكان أو حيوان أو نبات أو غيرها مما اعتاد عليه الشاعر القديم مع استخدام الغريب في بعض الأحيان. في حين اعتمد في المرحلة الثانية اللغة السهلة القريبة من لغة الصحاف. فقد ساير في ذلك الأتجاه العام السائد في عصره الذي ركز عنايته بالمعنى وإيصاله أكثر من الألفاظ والتراكيب.
ــ إلا أن لغة الشعر في المرحلة الثالثة انحدرت إلى الضعف والركاكة ــ ولا سيما في بعض الخماسيات ــ فقد كانت لا ترتفع كثيراً عن اللغة الدارجة والحديث الاعتادي. وكان من أهم أسباب ذلك تلك الفطيعة الطويلة بين الشيخ والشعر ومناسبة مثل هذه اللغة مع بعض الأغرض، وقلة عناية الشيخ بشعره وتهذيبه.
ــ أما من نحاية الصياغة فلم تختلف صياغة شعره عن تلك المعروفة في صياغة الشعر العربي من أستثمار ما كان يمتلكه الشيخ من مخزون لغة التراث في شعره.
 ــ حافظ الشيخ في شعره على موسيقى الشعر العربي القديم بشكل عام مع بعض محاوات الخروج على قيد الوزن والقافية فيه.
ــ تميز شعر الشيخ بندرة وجود عيوب القافية والضرورات الشعرية، مما يعكس أن الشاعر يتمتع بأذن موسيقية صافية قادرة على هضم موسيقى اللغة العربية وتوظيفها مع استعمال بعض المحسنات اللفظية في شعره كالجناس ورد الأعجاز على الصدور والتكرار والتصريع والتدوير التي شكلت ظاهرة مميزة في شعره.
ــ في الصورة الفنية استوعب الشيخ تراث أسلافه وأضاف إليه ما جادت به موهبته، يسانده في ذلك خيال واسع متمثل في الكثير من الصور الفنية التي ضمن بها شعره.
ــ وبذلك يكون الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء أحد شعراء العراق المبرزين الذين كان لهم الأثر في تطوير الشعر العراقي الحديث، بما كان يمتلكه من موهبة شعرية كبيرة ومخزون ثقافي واسع، ومقدرة واضحة على مواكبة تطور مستجدات النهضة الأدبية الحديثة في الأدب العربي الحديث.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما