جمعه 7 ارديبهشت 1403  
 
 
5 ــ التمني والترجي
التمني: طلب الشيء المحبوب الذي لا يتوقع حصوله([1]), استعمله الشعراء في التعبير عن رغباتهم المكبوتة وتحقيق أمانيهم المتخيلة, فقد كان في كثير من الأحيان وسيلتهم للتنفيس عن المعاناة والآلام.
أما الترجي فهو طلب الشيء المحبوب الذي يرجى حصوله([2]), فقد اختص استعماله من لدن الشعراء للأمور التي يستقربون حدوثها ويتفاءلون باحتمال تحققها.
وقد تركز استعمال هذين الأسلوبين في شعر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في إطار الدعوة إلى الإصلاح والنهوض العربي ومقاومة الاستعمار, فقد كان يتمنى ويرجو الحرية والاستقلال وأخذ الثأر ممن أهان أمته وشعبه, فهو لم يتمن وصل محبوب بعد, أو نوال عطاء ممدوح, بل كان توظيفه لهذين الأسلوبين يرتبط مع المعاناة والتضحية.
 فمن ذلك قوله في رثاء الإمام الحسينu. وكيف قتل عطشاناً على شاطئ الفرات ــ من الكامل ــ([3]):
يا ليت لأعذب الفرات لواردٍ

 
وقلوب أبناء النبي ظماءُ

 
حيث تمنى الشاعر لو غص أعداء الحسينu بماء الفرات بعد أن تركوا أبناء النبي5 تتفطر أكبادهم عطشاً في رمضاء كربلاء, وقد أعتمد الشاعر في تمنيه صيغة الجملة الاسمية موظفاً دلالاتها على الاستمرار والثبوت في إعطاء تمنيه بعداً زمنياً يصل إلى الحاضر والمستقبل.
وفي معرض الصراع الفكري والحضاري بين الشرق والغرب في بداية القرن العشرين, نجد الشيخ يقول ــ من الخفيف ــ([4]):
يا حماة الانسان فيما زعمتم

 
ليت لو عنه شركم يتوارى

كم زعمتم له إنتصاراً ولكن

 
ليت لو منكم استطاع انتصارا

 
فهو يفضح زيف دعاة السلام, ويكشف مقاصدهم الحقيقية, ويتمنى خلاص الإنسان من شرهم وانتصاره على مكائدهم, ولكن تبقى هذه التصورات مجرد أمنيات وأحلام صعبة الوقوع.
وفي مجال الدعوة إلى التحرر واستنهاض الشعوب, نجده يقول ــ من الرمل ــ ([5]):
كم على المسلمين دارت رحاها

 
وعسى الدهر في رحاه استدارا

ولعل الموتور ينتهز الفر

 
صة فيها ويدرك الأوتارا

 
فهو يرجو من العرب والمسلمين أخذ ثأرهم ممن ظلمهم واستعمرهم وأن يستغلوا فرصة اندلاع الحرب العالمية الأولى وانشغال الدول العظمى بحروبها. ويحرروا شعبهم وبلادهم.
لكنه بعد كل الجهد الذي بذله في الدعوة إلى الإصلاح والجهاد, وبعد أن تخاذل عنه من ناصره. وتركوه وحيداً في الميدان أخذ يعبر عن يأسه ويرجوا الخلاص من غدرهم ليعرفوا قدره ويفتقدوا منهجه, فيقول ــ من الوافر ــ([6]):
واني بعد مجهدةٍ وقومي

 
كضاربةٍ وقد برد الحديدُ

وحيد بينهم ولعل يوماً

 
عصيباً فيه يُفتقدُ الوحيدُ

 
فضلا عما تركه فقد ولديه الصغيرين من أحزان وآلام في قلبه ومشاعره, جعلته يقول ــ من الطويل ــ([7]):
فليت االقضا يقضي علي بحكمه
 بحكمه
 
فاقضي بنحبي ساعةً أتنحبُّ

وليت المنايا صك وجهي عضبها

 
ولم أر فيها ساعدي وهو اعضبُ

وليت وريدي صافحته صفاحها

 
ولم لا وقلبي في الصفيح مغيبُ

 
فمن جراء الألم والحزن العميقين أخذ الشاعر يتمنى الموت والخلاص الذي وجد فيه الراحة الأخيرة من المعاناة, والحزن الذي يقاسيه بعد فقد أولاده وفاجعته بوفاتهم.
ومن ذلك يظهر أن استعمال هذين الأسلوبين في شعر الشيخ جاء في معرض المعاناة والألم واليأس من تغيير الواقع المر, الامر الذي دعا الشاعر إلى تصور التحرر والاستقلال مجرد أمنيات صعبة التحقق والوقوع, حتى أخذ يرجو موته سريعاً طلباً للراحة من جهة, وخلاصاً من واقعه المتردي من جهة أخرى.
 


([1]) ينظر: جواهر البلاغة: 103.
([2]) ينظر: المصدر نفسه.103.
([3]) شعراء الغري: 8/ 143.
([4]) الحسن من شعر الحسين (العصريات والمصريات): 242.
([5]) المصدر نفسه: 242.
([6]) ينظر جنة المأوى (المقدمة): 44. وكذلك في ما في النجف وحاضرها, جعفر محبوبة: 3/ 189.
([7]) الحسن من شعر الحسين: 215.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما