جمعه 10 فروردين 1403  
 
 
و ــ الخاتمة
وهي الجزء الأخير من أجزاء القصيدة, وآخر ما يتبقى منها في الإسماع, «فإذا كان أول الشعر مفتاحاً وجب أن يكون الآخر قفلاً عليه»([1]).
وقد أوجب النقاد على الشاعر «أن يكون الاختتام في كل غرض بما يناسبه, ساراً في المديح والتهاني, وحزيناً في الرثاء والتعازي»([2]) وإن يكون لفظه مستعذباً, وتأليفه جزلاً مناسباً, فالإساءة فيه معفية على كثير من تأثير الإحسان المتقدم عليه, وذلك لأنه منقطع الكلام وخاتمته([3]).
وكذلك اشترطوا في الخاتمة ــ فضلاً عما سبق ــ أن تكون أجود بيت في القصيدة وأن تتضمن حكمة أو مثلاًً أو تشبيهاً حسناً أو غيرها من مستحبات الاختتام([4]).
وهذا ما نجده في خواتيم قصائد الشيخ التي أولاها عناية كبيرة واهتمام واضح, وبشكل يظهر براعته الشعرية ومقدرته الفنية.
ففي ختام مرثيته في الإمام الحسينu قال ــ من الكامل([5]):
فلرزئكم ان لم أمت حزناً فلي

 
نفس اذابتها اسىً زفراتها

ولقد نشرت رثاً لكم وكأن في

 
طي الجوانح للقنا وخزاتها

واليكم من بكر فكري ثاكلٌ

 
تنعى فتهتف بالنفوس نعاتها

ولنشأتي أنشأتها ذخراً لكم

 
أفهل أخيب وفيكم أنشاتها؟

واليكم شكواي من نفس غدت

 
تقتادني للسوء أمّاراتها

وأنا الغريق بها فهل إلا بكم

 
للنفس يا (سفن النجاة) نجاتها

وعليكم يا رحمة الباري من

 
التسليم ما ساءت به صلواتها

 
فمن الملاحظ أن الشيخ قد اختتم قصيدته بخاتمة متعددة المضامين وكان اولها العودة إلى المطلع, فقد كان افتتاح الشاعر قصيدته بقوله([6]):
نفس أذابتها أسىً زفراتها

 
وجرت بها محمرة عبراتها

 
ومن ثم أعاد ذكر الشطر الأول من المطلع في الخاتمة, وما ذلك إلا ليضفي شيئاً من الوحدة والتجانس في المشاعر والمضامين فقد ابتدأ بالشكوى والأحزان وختمها بهما أيضاً, مع التصريح في خاتمة القصيدة بأن ذلك الحزن وتلك الشكوى ما كانت إلا لمصاب أهل البيتE في كربلاء, وليست بسبب الوقوف على الطلل وتذكر أهله الظاعنين كما قد يتصور عند قراءة مطلع القصيدة.
ومن المضامين الأخرى التي احتوتها هذه الخاتمة هو طلب الشفاعة والتسليم على أهل البيتE, فهي ذخره عندهم ورجاؤه الذي سار به, فهم رحمة الباري الذي يختتم قصيدته بذكرهم والدعاء لهم.
 
وفي خاتمة مرثية أخرى يقول ــ من الكامل([7]):
فلأنتم ياأيها الشفعاء في

~
يوم الجزاء وأنتم الخصماءُ

واليكم من بكر فكري ثاكلُ

 
تنعى وقد أودت بها البرحاءُ

حسناء جاءت للعزاء ولم تعد

 
إلا بحسْنٍ منكم الحسناءُ

 
فهو يصرح أيضاً بأن هذه المراثي ما هي إلا ذخره في طلب شفاعة أهل البيتE, ولكنه يضيف أيضاً فخره واعجابه بهذه القصيدة. فهي الحسناء التي جاءت مُعزِّية فلم يفقدها الحزن والمصاب بهاءها وحسنها, وما ذلك إلا لأنه مقتبس من جمال نور أهل البيتE.
ومن المضامين الأخرى التي اختتم بها الشاعر قصائده, هو الدعاء لقبر المرثي بالسقيا. كما في ختام مرثيته لعمه الشيخ عباس كاشف الغطاء. عندما قال ــ من الكامل([8]):
فسقى ضريح ابيك كل سحابة

 
تهمي بوكاف العشي هطولِ

يجري بها ساري النسيم فينثني

 
باريج زهر الروضة المطلولِ

 
وكذلك اختتم بعض مدائحه بالدعاء للممدوح. كما نجد ذلك في اختتام قصيدته التي مدح فيها والده. عندما قال ــ من البسيط([9]):
فدم ودامت لك العلياء يانعة

 
الاقنان عباقة بالمندل([10]) يبالرطبِ

حللت منها محل الرأس من جسدٍ

 
وحل غيرك منها موضع الذنبِ

 
فعلى الرغم من كره النقاد بأن تختم قصائد المديح بالدعاء إلا للملوك كما هو في قول ابن رشيق: «قد كره الحذاق من الشعراء ختم القصيدة بالدعاء؛ لانه من عمل أهل الضعف إلا للملوك؛ فانهم يشتهون ذلك»([11]), نجد الشيخ قد عمد إلى ذلك في مدح والده. وذلك لانه يجد ذلك الدعاء نمطاً من العبادة والوفاء والبر بوالده الذي أنزله منزلة الملوك لعلمه وفضله وطلباً للفوز برضا الله ورضوانه.
وكذلك تضمنت هذه الخاتمة اشارة إلى بيت مديح قديم. طار صيته في الآفاق والأزمان. وهو بيت الحطيئة في بني انف الناقة عندما قال([12]: ــ )
قومَُ هم الأنف والأذناب غيرهم

 
ومن يسوّي بأنف الناقة الذنبا؟

 
ليكون الشاعر في ذلك قد أجاد كل الإجادة في خاتمة قصيدته التي مدح فيها والده وفخر بها بآل كاشف الغطاء, عندما ختمها بمضمون هذا البيت.
ولكن تبقى ظاهرة العودة إلى المطلع هي السمة الواضحة في شعر الشيخ, والتي لم تقتصر على قصائد الرثاء بل استعملها في الأغراض الأخرى ايضاً, كما جاء في ختام قصيدة مدح فيها أحد الأصدقاء عندما قال ــ من السريع([13]):
مازج لحمي ودمي فاغتدى

 
ينبئ عنه ودي المحضُ

امرض قلبي عندما صح لا

 
(امُرض قلبي شادن بضُ)

بعد أن قال في مطلع القصيدة متغزلاً([14]):
امرض قلبي شادن بض

 
فتكن بي الحاظه المرضُ

ريمَُ له اسلمت نفسي وانِ

 
حارب جفني بعده الغمضُ

 
وقد عرف هذا الأسلوب عند النقاد ب ــ (البناء الدائري). الذي شاع عند المحدثين, حيث يبتدأ الشاعر بموقف معين أو لحظة نفسية معينة. ثم يعود اليها وإلى الموقف نفسه ليختم به القصيدة في اطار بنائي محكم يجعل القصيدة كأنها دائرة مغلقة تنتهي حيث تبدأ. وربما يلجأ الشاعر لتحقيق ذلك إلى تكرار الأبيات التي ابتدأ بها([15]).
وبذلك يكون الشيخ قد أعتنى بخواتيم قصائده, وحاول تطبيق ما استحسنه النقاد فيها, مستلهماً في ذلك ذخيرة التراث, والإنسجام مع القصيدة بالعاطفة والموضوع, مع شيوع ظاهرة التدوير التي تميز أكثر خواتيم قصائده التي جسد من خلالها قدرته على الخلق والإبداع.
 


([1]) العمدة: 1/239.
([2]) منهاج البلغاء: 306.
([3]) ينظر: المصدر نفسه: 285.
([4]) ينظر: بناء القصيدة في النقد العربي القديم: 229 ــ 230.
([5]) مقتل الحسينu، المقرم: 383 ــ 384.
([6]) مقتل الحسينu، المقرم: 378.
([7]) الحسن من شعر الحسين: 23.
([8]) المصدر نفسه: 165.
([9]) المصدر نفسه: 33.
([10]) (المندل): عطر ينسب إلى (المندل) وهي من بلاد الهند: لسان العرب مادة (مندل).
([11]) العمدة, 1/240.
[12] ) ديوان الحطيئة: 1/50.
([13]) الحسن من شعر الحسين: 135.
([14]) المصدر نفسه: 134.
([15])ينظر: بناء القصيدة الفني في النقد العربي القديم والمعاصر مرشد الزبيدي, دار الشؤون الثقافية العامة ــ بغداد 1994م: 115 ــ 116.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما