پنجشنبه 6 ارديبهشت 1403  
 
 
المبحث الثاني ــ بناء الموشحات
الموشح ضرب من الشعر ينظم على أدوار وقواف معلومة, وقد سمي بذلك لأنه يشبه الوشاح بنسجه الجميل, فالوشاح: شبه قلادة من نسيج عريض يرصع بالجوهر تشده المرأة بين عاتقها وكشحها([1]).
وقد ظهر الموشح في الأندلس أواخر القرن الثالث الهجري. فقد قال ابن خلدون (808 هـ) في مقدمته: «وأما اهل الأندلس, فلما كثر الشعر في قطرهم, وتهذبت مناحيه وفنونه, وبلغ التنميق فيه غايته, استحدث المتأخرون منهم فناً سموه بالموشح, ينظمونه اسماطاً أسماطا وأغصانا أغصانا»([2])وقد ذهب إلى هذا الرأي الكثير من الدارسين([3]).
وبعد ذلك أنتقل الموشح من الأندلس إلى المشرق في مطلع القرن السادس الهجري([4]), وكانت مصر السابقة اليه([5]), ولعل ابن سناء الملك (ت 608هـ) أحد أشهر المعنيين به, فقد صنف كتابه «دار الطراز في عمل الموشحات» الذي أورد فيه موشحات أندلسية لشعراء مشهوريين, ووضع إلى جوارها العديد من موشحاته التي أراد فيها اثبات مقدرته وتفوقه على أقرانه المغاربة([6]).
وجاء بعده صفي الدين الحلي (ت 750هـ), الذي كان خاتمة الوشاحين في القرن الثامن الهجري, فلم يظهر بعد ذلك وشاح معروف إلى أواسط القرن الثالث عشر تقريباً (القرن التاسع عشر ميلادي). حيث شهدت الموشحات ولادة جديدة في العراق على يد الشاعر الكبير السيد محمد سعيد الحبوبي الذي فاق جميع معاصريه في هذا الفن وبلغ فيه شأناً بعيداً([7]).
وقد كانت أكثر موشحات ذلك العصر جزءاً من (شعر المناسبات) الذي نظمه الشعراء في مناسبات زواج أو ختان أو بناء دار أو عودة من حج أو غيرها من المناسبات السعيدة([8]).
إلا ان الموشحات شهدت تطوراً ملحوظاً في الجانب الموضوعي بعد ذلك, حيث أخذ بعض الشعراء يطرقون في الموشحات أغراضاً جديدة. يقف في مقدمتها الأغراض القومية والسياسية والإنسانية([9]).
وكذلك شهد البناء الفني للموشحة بعض التغيير, بحيث حاول الشعراء التحرر من بعض أجزاء الموشحة فقد ألغى هؤلاء (الخرجة) التي تعد أهم جزء في الموشحة الأندلسية([10]),وتظهر موشحات جديدة لها اشكال وأنواع مختلفة, «فلكل من يريد أن يبتكر نوعاً جديداً من الموشح مطلق الحرية في أن يفعل ذلك»([11]).
 
وقد كان للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء مشاركة في هذا الفن, حيث نظم الموشحات في الأغراض التقليدية الشائعة في ذلك العصر من تهنئه وغزل ومناسبات, والتزم فيها طريقة البناء الفني المتعدد الأجزاء الذي مهد فيه الدخول إلى الغرض بالمقدمات, زيادة على البناء الفني في الموضوع الواحد, الذي يدخل فيه الشاعر إلى غرضة مباشرة, مع محاولات للتحرر والخروج على ما سنه الأندلسيون في موشحاتهم.
فللشيخ موشحة يهنئ فيها أحد اخوانه في مناسبة زواج نظمها على طريقة الموشح([12])التام([13])قال في مطلعها ــ من الرمل([14]):
غردي بالبشر ياورق الهنا

 
وارتقى منبر أغصان الكثيب

وأخطبي فيه بأنواع الغِنا

 
واخرسي كل مغنٍ وخطيب

 
حيث ابتدأها بمطلع تفوح من بين كلماته نسمات الفرح والسرور, ويملأ جوانحه الطرب والغناء, في مضمون يتناسب كثيراً مع غرض الموشحة الرئيس المتمثل بالتهنئة.
وقد مهد الشيخ لغرضه بعد ذلك بعدة مقدمات, ابتدأها بتصوير مظاهر الفرح والغبطة وجلسة الأنس التي اشتركت في تأطير زوايا لوحاتها الطيور والرياحين وغناء القيان الذين اداروا كؤوس الراح بين الجالسين في مقدمة خمرية تعد الأكثر تفصيلاً من بين كل مجموع شعره, فقد وصف الساقي والخمرة واثرها في الشاربين. فقال ــ من الرمل([15]):
هب يسقي ونجوم السحر

 
بعضها غابت وبعضَُ بازغة

خمرة ترمي لنا بالشرر

 
وهي مرت بلهانا سائغة

حسبومذلم تبن بالنظر

 
ان تروّوا بكؤوس فارغة

............................................................
 
............................................................
وبها أذهب عنا الحزنا

 
بعد ان عامت به منا القلوب

رَفعتنا لاقاليم الغنا

 
بعد أن كنا لها دهراً نجوب

 
ومنتقلاً بعد ذلك إلى الغزل الذي بث فيه حبه وشكواه. فقال([16]):
واعذابي بثناياه العذاب

 
وانحولي فيه من خصر نحيل

ريقه والثغر خمر وحباب

 
وهما برءَُ من الداء الدخيل

ما دعا داعي الهوى إلا أجاب

 
لي بقلب في الهوى اضحى قتيل

............................................................
 
............................................................
لابساً للحب ابراد العنا

 
ولأبراد العزا أضحى سليب
 
ان تباعدت دنا منه الغنا

 
او تقاربت فواشٍ ورقيب

ويستمر الشاعر بعد ذلك بهذه المقدمة الطويلة إلى أن يصل إلى البيت الثالث عشر من ابيات الموشحة. حيث دخل إلى الغرض. وقال([17]):
فهو كاليوم الذي شمس الضحى

 
فيه زفت لاعتناق القمر

وبأفلاك سعودٍ سبحا

 
ابداً كلتاهما في مئزر

وهما كانا قديماً شبحا

 
للمعالي قبل بدء الصور

 
 
 
فهما الأن ببرج قرنا

 
مستطيل ومن الفكر غروب

وهو منها قد تدلى ودنا

 
مثلما التف قضيب بقضيب

واستعمال الشيخ لهذه المقدمات المركبة قبل الدخول إلى غرضه يشبه إلى حد بعيد طريقته في الكثير من قصائده التي مهد لها بعدد من المقدمات قبل الدخول إلى الغرض([18]).
وكذلك نجد أن الشيخ قد حاول الخروج في هذه الموشحة على العدد الذي حدده الأندلسيون لأبيات الموشحة, الذي كان خمسة أبيات وستة أقفال([19]), حيث بلغت هذه الموشحة أربعة عشر بيتاً توشيحياً, وهو ما يعادل اثنين وسبعين بيتاً اعتيادياً.
وفي موشحة أخرى. نظمها الشيخ في الغزل اعتمد فيها الدخول المباشر إلى الغرض, وعلى طريقة المخمس. فقال ــ من البسيط ــ([20]):
من عاشق قد شفه هواه

 
وانهملت كالسحب مقلتاه

واتقدت تسعراً حشاه

 
اهلكه من خله جفاه

ولي ــ س يحيه سوى لق ــ اه
 
إلى كحيل من بني الفرس أغر

 
قطفتُ ورد وجنتيه بالنظر

وعندما زودني منه نفر

 
فأطلق الدمع وللقلب أسر

وذاع ما كتمتُ من هواه
 
وبهذا يمكن القول إن الشيخ قد نظم موشحاته في الأغراض التقليدية, ولم يتوسع في اغراضها مثل بعض معاصريه([21]), لكنه نوّع من البناء والطريقة, حيث نظم على طريقة البناء المتعدد الأجزاء, والبناء ذي الغرض الواحد. معتمداً في ذلك طريقة الموشح المعشر([22])والمخمس([23])والمربع([24])والمقطوعات الثنائية([25])التي كانت نموذجاً لمحاولات الشيخ في التحرر والتنويع في شعره.
 


([1]) ينظر: لسان العرب. ابن منظور. مادة (وشح).
([2]) مقدمة ابن خلدون. عبد الرحمن بن حلدون (808هـ ). تحقيق. د. علي عبد الواحد وافي ــ مطبعة لجنة البيان العربي. القاهرة 1388هـ ــ 1968م: 4/1448.
([3]) ينظر: الموشح في الأندلس وفي المشرق: د. محمد مهدي البصير, ط1 ــ مطبعة المعارف بغداد, ط1. 1949: 4.
([4]) ينظر: الأدب العربي في العصر الوسيط: 145.
([5]) ينظر: دراسات في الشعر في عصر الأيوبيين, محمد كامل حسين, مطبعة دار الكتاب, مصر, 1957م: 104.
([6]) ينظر: الأدب العربي في العصر الوسيط: 145.
([7]) ينظر: نهضة العراق الأدبية فيي القرن التاسع عشر, د. محمد مهدي البصير مطبعة المعارف بغداد, 1365هـ ــ 1946م: 21.
([8]) ينظر: الموشح في الأندلس وفي المشرق: 63.
([9]) ينظر: الشبيبي الكبير: 376.
([10]) ينظر: دار الطراز في عمل الموشحات. للقاضي السعيد ابي القاسم هبة الله بن جعفر بن سناء الملك (ت 608 هـ ). تحقيق د. جودت الركابي, ط2, دار الفكر. دمشق 1988م: 26.
([11]) الموشح في الأندلس وفي المشرق: 82.
([12]) وهو الذي يبدأ بقفل يتكرر في ادوار المعشر إلا ان البيت فيه يتألف من ستة أشطر يتفق الأول والثاني منها وزناً ويختلفان قافية. وتصاغ الأشطر الباقية على غراره. ينظر: الموشح في الأندلس وفي المشرق: 44 ــ 45.
([13]) وهو الموشح يبدأ بالقفل الذي يسميه البعض (المطلع). بخلاف الذي يبدأ مباشرة بالبيت فيسمى (الأقرع). ينظر: المصدر نفسه: 42.
([14]) الحسن من شعر الحسين: 30
([15]) المصدر نفسه: 30
([16]) الحسن من شعر الحسين: 31.
([17]) المصدر نفسه: 32.
([18]) ينظر: صفحة (132) من هذا الكتاب.
([19]) ينظر: دار الطراز: 32.
([20]) الحسن من شعر الحسين: 206.
([21]) ينظر: الشبيبي الكبير: 378.
([22]) ينظر:الحسن من شعر الحسين: 30.
([23]) ينظر: المصدر نفسه: 206.
([24]) ينظر: مخطوطة في مكتبة محمد شريف نجل الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء. في النجف الأشرف.
([25]) الحسن من شعر الحسين: 197 ــ 198.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما