جمعه 10 فروردين 1403  
 
 
7 ــ التكرار
وهو أحد أهم وسائل التنغيم التي يتبعها الشاعر بعد الوزن والقافية, فيعمد إلى «تناوب الألفاظ وإعادتها في سياق التعبير, بحيث تشكل نغما موسيقياً يتقصده الناظم في شعره»([1]). فضلاً عن القيمة الدلالية التي يوفرها التكرار للشاعر.
فقيمة التكرار تنبع من كونه يعيد إنتاج القيمة الدلالية والصوتية التي نظمها الشاعر من قبل؛ فهو إلحاح من الشاعر على هاتين القيمتين؛ فقد كانت القيمة الصوتية للتكرار وسيلة الشاعر العربي لجلب انتباه المتلقين إلى مضامينه الانفعالية المختلفة, فالتكرار يعطي للشاعر فرصة لتوليد كلام جديد, ويمنع السأم والملل, ويكون حافزاً لاندفاع الشاعر إلى مضامين جديدة في قصيدته, وهو رابط موسيقي أو إيقاعي مميز يشد إيقاع البيت والقصيدة.
والتكرار ينشأ عن ثبات لحظة شعورية عند الشاعر تتنامى وتتكرر مكونة تموجات موسيقية ودلالية في النص الشعري. ولتحقق تركيزاً شعورياً في لحظة زمنية ثابتة. وكذلك محاولة لتحقيق قدر من التآلف والتناغم الموسيقي مع مختلف مكونات النص الشعري([2]).
وقد نال التكرار اهتمام شعراء العربية. واستعملوه في قصائدهم مستثمرين دلالاته الموسيقية المتناغمة مع طبيعة الشعر العربي القائم على الإنشاد في أغلب الأحيان, بحيث يؤدي إلى تكثيف الإيقاع وتقويته, ويعمل على لفت انتباه المتلقي إلى إطار فكري يرغب الشاعر بتركيزه وتوكيده.
وقد أستعمل الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء التكرار في قصائده, وأعطاه مساحات واسعة في شعره. فمن ذلك قوله في رثاء الإمام الحسينu ــ من الطويل ــ([3]):
أننسى بأطراف الرماح رؤوسكم

 
تُطلع كالأقمار في الأنجم الشهبِ

أننسى طراد الخيل فوق جسومكم

 
وما وطأت في موضع الطعن والضربِ

أننسى دماءً قد سفكن وادمعاً

 
سكبن وأحراراً هتكن من الحجبِ

أننسى بيوتاً قد نهبن ونسوة

 
سلبن وأكباداً أذبن من الرعبِ

 
حيث يستمر الشاعر مردداً (أننسى) في بداية ثمانية أبيات متوالية يستوعب في كل واحد منها جانباً من مصائب الإمام الحسين وآلهE في كربلاء, فقد وظف التكرار ليعرض مجمل ما جرى عليهم في تلك الواقعة فضلاً عن قصد الشاعر إلى إثارة عواطف المتلقين واستدرار دموعهم بتوجيه هذا السؤال الإنكاري المتكرر في محفل العزاء الذي تُلقى فيه مثل هذه القصائد.
وكذلك قوله ــ من الوافر ــ ([4]):
فوالهفي خضيب الشيب يُمسي

 
على ظمأٍ غريقاً بالدماءِ

ويا لهفي عليك وانت ملقى

 
على الغبرا ثلاثاً بالعراءِ

ويا لهفي لجسمك والعوادي

 
تجول عليه مسلوب الرداءِ

ويا لهفي تشع على العوالي

 
رؤوسكم بأوجهها الوضاءِ

 
فقد أكثر الشاعر من تلهفه وحزنه وأساه على الإمام الحسينu, وكرره في صدر أربعة أبيات متوالية في قصيدته, تناول في كل واحد منها جانباً حزيناً من جوانب استشهادهu.
وليس التلهف هو الأسى والحزن فقط, بل هو الأسى على شيءٍ يفوتك, وقولهم: يا لهف فلان كلمة يتحسر بها على ما فات([5]). ولعل هذا ما جعل الشيخ يردد تلهفه في القصيدة الواحدة فضلاً عن القصائد المختلفة يدفعه إلى ذلك حزنه العميق على ما جرى في كربلاء, وعقيدته الإيمانية التي تدعوه لنصرة الحسينu بعد استشهاده فقد قال ايضاً ــ من الطويل ــ([6]):
 
فلهفي له فرداً عليه تزاحمت

 
جموع العدى تزداد جهلاً فيحلمُ

ولهفي له ظام يجود وحوله الـ

~
ـفرات جرى طامٍ وعنه يُحرَّمُ

ولهفي له ملقى وللخيل حافر

 
يجول على تلك الضلوع وينسمُ

ولهفي على اعضاك يا ابن محمدٍ

 
تُوُزَّعُ في أسيافهم وتُسهَّمُ

 
وشبيه بذلك ما جاء في رثاء الشيخ لعمه الشيخ عباس آل كاشف الغطاء. فقد كرر (ابكيك) في بداية سبعة أبيات متوالية فقال ــ من الكامل ــ([7]):
أبكيك يا مُحيي الشريعة والهدى

 
ومميت حي الشرك والتضليلِ

أبكيك للراجي وقد خاب الرجا

 
فأقام يأساً بعد طول قفولِ

أبكيك للنعماء توليها وما

 
من منعمٍ من بعد يومك موليِ

أبكيك للأيام كنت كفيلها

 
واليوم بَعْدك لم تكن لكفيلِ

 
فقد وظف التكرار ليعبر عن حزنه وألمه من جهة, وليستوعب فضائل المرثي من جهة اخرى, فضلاً عما لدلالة جملة (ابكيك) من إثارة مباشرة للبكاء وذرف الدموع على الفقيد.
ولعل التكرار وما فيه من تركيز على بعض العبارات التي تستطع أكثر من سواها, يتجلى في تلك القصائد التي نظمها الشيخ في مجال السياسة وحث الأمة على التحرر والنهوض([8]), والتي اصطبغت بالصبغة الخطابية التي يعد التكرار فيها من اهم عناصر الكلام والتأثير.
فقد قال في احداها ــ من الطويل ــ([9]):
فما العمر إلا ان نعيش أعزةٍ

 
كراماً وإلا ما الحياة وما العمرُ
 
هو الحسبُ الوضاح لا البيض والسمرُ

 
وتلك المساعي الغر لا الأ نجم الزهرُ

هو المجد حتى يشرفُ المجدُ بالفتى

 
وتعلو به العليا ويفتخر الفخرُ

هو المجد حتى يبلغ النسر طائراً

 
بآفاقه أو واقفاً عنده النسرُ([10])

هي العزمة القعساء والهمة التي

 
بسمع الليالي من هماهمها وقرُ

هي الثورة اللائي بها الشعب يرتمي

 
إلى الموت أو يحيي بها هو والذكرُ

هي الثورة البكر العوان وإنما
ج
 
تدك عروش الظلم طعنتها البكرُ

 
فقد أكد عن طريق التكرار دعوته إلى النهوض والثورة والتحرر. التي جاءت بشكل جمل خبرية تعطي دلالة الإنشاء والطلب, وتمثل صيحات بل صرخات عالية في ضمير الشعوب.
وبعد ذلك يمكننا أن نستنتج بأن التكرار في شعر الشيخ كاشف الغطاء, جاء متساوقاً مع الألم والإحساس باللوعة, والدعوة إلى التحرر والثورة فقد استثمر الشيخ جميع الدلالات الإيقاعية والنفسية والموضوعية التي يوفرها التكرار في صياغة النص الشعري.


([1]) جرس الألفاظ ودلالتها الإيقاعية في البحث البلاغي والنقدي عند العرب, د. ماهر مهدي هلال, سلسلة دراسات 195, دار الرشيد دار الحرية ــ بغداد 1980م: 239.
([2]) ينظر: دلالات لغة التكرار في القصيدة المعاصرة: د. رحمن غركان. بحث في مجلة اللغة العربية وادبها. الكلية الأداب ــ جامعة الكوفة. العدد الأول. السنة الأولى 2001: 167.
([3]) الحسن من شعر الحسين:41.
([4]) الحسن من شعر الحسين: 16.
([5]) لسان العرب, مادة (لهف).
([6]) ديوان شعراء الحسينu: 24.
([7]) الحسن من شعر الحسين: 163.
([8]) المصدر نفسه (العصريات والمصريات): 257, 258, 249.
([9]) المصدر نفسه: 257.
([10]) النسر الأول ذلك الطائر المعروف والنسر الثاني نجم معروف في السماء. ويدخل أسلوب الشاعر هذا في باب الجناس.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما