جمعه 7 ارديبهشت 1403  
 
 
المبحث الرابع ــ الدعوة إلى العلم.
وهو احد ألوان الشعر الاجتماعي الذي ظهر في الشعر العربي الحديث بوصفه غرضاً مستقلاً في بداية القرن العشرين.
فقد كان جل شعراء القرن التاسع عشر يوجهون نتاجاتهم الشعرية لشريحة معينة من الناس، تنحصر في طبقة من الشعراء والأدباء وبعض الأمراء والولاة. الذين لهم ذوق أدبي معين، ويتبادلون قصائده فيما بينهم, تاركين الشريحة الواسعة من الناس في معزل عن أدبهم وشعرهم بل وحتى اهتماهم([1]).
إلا أن ذلك لم يستمر إلى القرن العشرين، حيث بدأ الاتصال الثقافي بالنهضة الأوربية واطلع العرب على نتاجات الشعوب المتقدمة, وتبلورت أمامهم سبل النهوض بالمجتمع العربي, واللحاق بركب النهضة الأدبية والعلمية الحديثة. فقد أخذ بعض الشعراء يوجهون شعرهم لخدمة المجتمع ويعالجون ابرز مشاكله, التي يقف الجهل والتخلف أمامها جميعاً([2]).
وقد كان من ضمن أولئك الشعراء الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، الذي أولى العلم والتعلم عناية كبيرة واهتماماً واسعاً، وصرح بذلك في شعره عندما قال ــ من الخفيف ــ ([3]):
طبت يا علم مُذ تضوعت نشرا

 
فملأت الصدور طيباً وبشرا

بك تحيى النفوس فلتحيى إنيّ

 
لا ارى للحياة غيرك سرا

 
فكيف لا يحيى النفوس وقد ملأ الآفاق والأكوان بمختلف المخترعات والمنجزات. فهذه السفن التي تمخر البحار، والكهرباء الذي أنار الظلام، والكثير من المخترعات الأخرى ما هي إلا مظاهر وشواهد على أهمية العلم في حياة الإنسان، فيقول:
قد أنرت الافاق شرقاً وغربا

 
وسبرت الأكوان براً وبحرا

من جبال الحديد سيَّرت فُلكا

 
في عباب البحار تمخر مخرا

لك بالكهرباء آية ليلٍ

 
اطلعت للأنام شمساً وبدرا

كم كشفت الأستار عن كل معنى

 
كتَّمته الغيوب بالستر سترا

وبهذي الأجسام طرت إلى ان

 
حلقت كالطيور في الجو تترى

أنت تغدو بالريح عاماً وكانت

 
لسليمان غدوة الريح شهرا
ج
 
وليس أهمية العلم في تطور المخترعات والتقدم العلمي، بل هو الإرادة والوسيلة التي سيطرت بها دول الغرب على العالم مستغلة جهل الشعوب وتخلفها.فيقول([4]):
ملكَ الانكليز بالعلم ملك الـ

~
هند هوناً واستُعمرت بعد مصرا

واستغلت كل الكنوز فاضحت

 
وهي أغنى الملوك مالاً وأثرى

إلا أن الشيخ في الوقت نفسه يحذر من توجيه العلم وجهة غير انسانية هدفها السيطرة والإستعمار والقتل وابادة الشعوب فيقول ــ من الكامل ــ ([5]):
أرى امماً تدعو العلوم لها أباً

 
وفي درس علم النفس اكثرها أُميَّ

وما كل علمٍ يجلب السعد للفتى

 
ويرقى به من وهده النقص للتمَّ

 
ولأهمية العلم ودوره في التقدم وتحرر الشعوب يدعو الشيخ ابناء مجتمعه إلى العلم والتعلم، فيقول ــ من الخفيف ــ ([6]):
انت والعلم أيها الطالب المجُـ

~
د وإلا خسرت دنيا وأخرى

ليس غير العلوم مالاً وجُنداً

 
ليس غير العلوم عزاً ونصرا

ليس غير العلوم ماضي سلاح

 
يقطع الماضين بيضاً وسُمرا

ليس غير العلوم جداً ومجدا

 
ليس غير العلوم ذخراً وفخرا

ايها الناشؤون حيَّ على العلـ

 
م وإلا فالموت اهون امرا
 
ان ميت الأوطان بالعلم يحيى

 
وسقام الشعوب بالعلم يبرى

..............................................................

 
..............................................................
نحن كنا بالعلم امس ملوكاً

 
واندحرنا للذل بالجهل دحرا
ج
ايها العرب اين انتم عن العلـ
ج
 
م وقديماً فجرتم العلم فجرا

 
فهو ينظر إلى العلم نظرة واعية مدركة لأثره في حياة الشعوب وتحررها واستقلالها. فالعلم هو سلاح العصر الذي تعتز به الشعوب وتنتصر, وهو المجد الذي يستحق ان يفخر به, ويحيا من أجله, فهو الأداة الكبرى للتقدم والحياة الحرة الكريمة. ويذكر الشباب العربي كيف ملك أجدادهم العرب العالم بالعلوم. وكيف اندحروا وذلوا بعد أن تخلوا عنه.
فهي دعوة صادقة ونظرة واعية, وإدراك مستنير لكيفية النهوض بالمجتمع العربي وانتشاله من هوة الجهل والتخلف.
 


([1]) ينظر: حركة التطور والتجديد في الشعر العراقي الحديث: 174.
([2]) ينظر: الشبيبي شاعراً: 237.
([3]) الحسن من شعر الحسين (العصريات والمصريات): 264.
([4]) الحسن من شعر الحسين: 264.
([5]) الدين والإسلام: مقدمة الجزء الثاني. 3.
([6]) الحسن من شعر الحسين (العصريات والمصريات): 265.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما