پنجشنبه 6 ارديبهشت 1403  
 
 
المبحث الثالث ــ الهجاء
وهو احد الاغراض الشعرية الذي يعبر من خلاله الشعراء عن عواطف السخط والغضب تجاه شخص يبغضونه, او جماعة يريدون الانتقام منها, زيادةً على انهم ينفسون من خلاله عما يعتلج في صدورهم من ضغائن واحقاد([1]).
«وقد نظر النقاد القدامى في الهجاء, فرأوا ان أشده وقعاً في النفوس وأكثره إيلاماً ما كان صادقاً عفيفاً لا فحش فيه ولا إقذاع»([2])وأجوده ما كان يسلب الانسان فضائله النفسية, وما تركب من بعضها البعض من دون التطرق الى المعايب الجسمية التي يكون الهجاء فيها دون ذلك([3]).
وقد كان للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء مشاركة في هذا الغرض, ولاسيما في الخماسيات التي هجا فيها بعض زعماء العشائر العراقية, الذين خذلوه بعد حركة العشائر وإعلان الميثاق الوطني سنة 1935م([4]).
ففي إحدى خماسيات الشيخ التي يهجو بها أولئك المتخاذلين, يذكر ايضاً الاسباب والمقدمات التي ادت الى ذلك الموقف, فيقول ــ من الطويل([5]):
سأمت حياتي بين هذي العوالم

 
وان لم تكن إلا كأحلام نائم

وناشدني إلا صلاح قوم تكشفت

 
بواطنهم عن قصد أخبث غاشم

هم القوم ما قامت بهم قط دعوة

 
لحقٍ ولم تربح بهم كف قائم

تساووا جميعاً بالمساوي فكلهم

 
على نمط من باهلي وهاشمي

إذا سُحقوا بالظلم ذُلاً فسل بهم

 
أهل فيهم من قائم أو مقاوم

 
فان الذي يحز في قلب الشيخ انهم هم الذين طلبوا منه التدخل في احداث 1935م. وطلبوا المشورة منه فاستجاب لهم واصدر الميثاق الوطني, ودخل في صراع مع الحكومة, إلا انهم تخلوا عن تعهداتهم والتزاماتهم, ومن ثم خانوه وتفرقوا عنه([6]).
وفي خماسية أخرى يستخدم الشيخ في هجائهم اسلوب المقارنة بين موقفه وموقفهم، ف ــ «من اخبث الهجاء ذلك الذي يتخذ شكل المقارنة والمخابرة, فيوازن الشاعر بين من يريد هجاءه وبين من يريد مدحه, فيجعله أقل شأناً, فيشعره بالضعة والحقارة والانحطاط»([7]), كما جاء ذلك في قول الشيخ ــ من السريع([8]):
 
نهجت لقومي سبيل الرشاد

 
وأبرمت للفوز أقوى سبب

وحاولت انهضهم للعلا

 
وطبع السفالة فيهم غلب

أزجك للرأس يا أمتي

 
وتأبى رؤوسك إلا الذنب

أضاعوا الجهود وخانوا العهود

 
وداسوا على حظهم فانقلب

وما أسفي هونكم بل أسفت

 
لمن قال منكم بانّا عرب

 
ولعل أسفه في كونهم من العرب يعد من أقوى الهجاء, وأشده وقعاً على أولئك المشايخ والزعماء, فليس من شيم العرب التخاذل والهوان والخيانة وإنكار العهود.
وقد اعتمد الشيخ أسلوب المفارقة والاستهانة بالمهجو والتندر عليه, وذلك لان من الهجاء الجيد ايضا ان «تنال من المهجو باسلوب ذكي طريف, كأ ن يتخذ طريقة الاستهانة بالخصم او تجاهله او التشكيك به»([9]). وهذا ما نجده في قول الشيخ ــ من السريع([10]):
قومي رجال الحرب لكنما

 
عقولهم كالريح وسط القصب

عشائرٌ عشرةُ آلافها

 
اثبت منهم وتدٌ أو طنب

يا رؤساء رأسها فارغٌ

 
ما أنتِ إلا بعرة في الذنب

نقضتم العهد وأخربتُمُ

 
بيوت عزٍ من جدود وأب

ما أنتُمُ عُرْبَُ ولكنكم

 
سوَّءتُمُ بالخزي وجه العرب

 
وعلى الرغم من ترفع أكثر الشعراء عن الهجاء المقذع، وعدّه مجرد سب وشتيمة([11])، نجد الشيخ قد استخدمه في هجائه وضمنه خماسياته متأثراً في ذلك بانفعاله الشديد وألمه الكبير, فهو
الذي يقول من ــ الوافر ــ([12]):
بني جُعلٍ وكلكم مآسي

 
لقد سحرت عقولكم الكراسي

نفشتم من نعومتها سموطاً

 
فهل أبقى برأسك من عطاس

يمثل لي مثولكم عليها

 
بهائم تكتسي صور الاناسي

فكم لكم بدت فيها مساوٍ

 
بها حلقت ذقونكم المواسي

لا متكم غرستم شر غرسٍ

 
وهذا السم من ذاك الغراس

 
وبعد هذا نجد بان من الملاحظ ان الشيخ اقتصر في هجائه على المقطعات (الخماسية) دون القصائد الطوال. واعتمد المعاني الواضحة البسيطة التي يسهل حفظها عند الناس, زيادةً على استخدامه أسلوب الاستهانة والتندر على من يهجوه. وهو ما ذهب إليه النقاد في الهجاء الجيد الذي «ابلغه ما جرى مجرى الهزل والتهافت, وما اعترض بين التصريح والتعريض, وما قربت معانيه وسهل حفظه وأسرع علوقه بالقلب ولصوقه بالنفس»([13])، وما قصرت قصائده, فأكثر الهجاء في الشعر الجاهلي كان مقطوعات وأبيات([14]).


([1]) نظر: الشعر الجاهلي/خصائصه وفنونه: 223.
([2]) المصدر نفسه: 234.
([3]) العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده: 2/174.
([4]) نظر: تفصيل ذلك صفحة (17) من التمهيد في هذا الكتاب.
([5]) خماسيات روضة الحزين: 16.
([6]) ينظر: صفحة من (17) التمهيد في هذا الكتاب.
([7]) لشعر الجاهلي/خصائصه وفنونه: 239.
([8]) خماسيات روضة الحزين:7.
([9]) الشعر الجاهلي/خصائصه وفنونه: 232.
([10]) خماسيات روضة الحزين: 7.
([11]) ينظر: العمدة في محاسن الشعر وأدابه ونقده.2/172, وينظر: الشعر الجاهلي/خصائصه وفنونه: 242.
([12]) خماسيات روضة الحزين:12.
([13]) الوساطة بين المتنبي وخصومه, القاضي على بن عبد العزيز الجرجاني (ت 366هـ ). ط دار احياء الكتب العربية 1945م: 23.
([14]) الشعر الجاهلي/خصائصه وفنونه: 242.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما