شنبه 1 ارديبهشت 1403  
 
 
مقدمه

 

  


 

المقدمــة

الحمد لله حمداً دائماً أبداً لا انقطاع له ولا أمد, والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وسفينة نجاة العالمين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد...

فقد آثرت أن أتناول نتاج أحد أدباء أوشعراء مدينة النجف الأشرف، وذلك كجزء من الوفاء لهم ولمدينتهم المقدسة, التي لا تزال ترفد العراق والعالم بالأفذاذ من العلماء والأدباء.

ولم تزل العشرات إذا لم تكن المئات من قرائح شعراء النجف مطمورة تحت ركام غبار السنين وصخور الاضطهاد, منتظرة من يكسر عنها حبسها ويخرجها إلى النور والحياة, وأولى من يقوم بذلك أبناؤها وجامعاتها ومراكز بحثها.

وزيادة على ما سبق فقد حاولت اختيار نتاج أدبي فريد ومميز, يستحق الدرس والعناية, وهذا ما وجدته في شعر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء, وهو ذلك العالم الجليل والفقيه المجتهد والأديب الشاعر والزعيم المصلح.

وقد كان العزم في البداية دراسة أدبه بصورة عامة, ولكن بعد الإطلاع على ما حرره قلمه وجادت به قريحته من نتاجات مختلفة ومواهب متعددة, وجدت نفسي عاجزاً عن ستيعاب كل هذا الكم من النتاج الأدبي المبدع، شهدت له المنابر بالخطابة والأقلام بحسن الديباجة والمحافل الشعرية بالسبق والريادة والمعارك الأدبية بالفوز والغلبة.

فقد وجدت ان من الحق والإنصاف, ان كل موهبة من مواهب الشيخ تستحق أن يفرد لها رسالة مستقلة أو دراسة مستفيضة قادرة على استيعاب تلك الإمكانات الفريدة. وتكون مناسبة للإيفاء بحق هذا الرجل العظيم.

 

وبعد أن أطلعت على بعض ما جادت به قريحة الشيخ من قصائد نظمها في رثاء الإمام الحسينu أعجبني شعره, وأشجاني نغمه وحزنه, مما دعاني إلى البحث عن مجموع شعره أو ديوانه, فأخذت أسأل عن ذلك أهل الخبرة والمقربين من أهله. حتى وجدت نسخة مخطوطة من مجموع شعره كتبها بخط يده في أواخر أيامه, جمع فيها ما أختاره من نظم أيام صباه وشبابه, وأسماه ب ــ (الحسن من شعر الحسين).

إلا ان ما ذكره بعض من ترجم حياة الشيخ عن كثرة شعره جعلني لا أكتفي بما وقع بين يدي, فأخذت أبحث عن المزيد ولا سيما ذلك الشعر المفقود الذي نظمه الشيخ في أواخر أيامه.

وطوال أكثر من اربعة اشهر اطلعت فيها على مؤلفات الشيخ المطبوعة والمخطوطة التي تجاوزت أكثر من ستين مؤلفاً، وقلبت مذكراته الشخصية وبعض الأوراق والقصاصات التي سطر فيها الشيخ بيتاً أو بيتين من شعره، فضلاً عن البحث في المجاميع الشعرية المختلفة والمؤلفات الأدبية المتنوعة والعديد من الدوريات الصادرة في زمن الشيخ, وفي مختلف المكتبات العامة والخاصة, حتى أصبح في متناول يدي أكبر مجموعة شعرية ضمت شعر الشيخ محمد حسن كاشف الغطاء في مختلف أدوار حياته, ولا أظن ان احداًً من الباحثين قد سبقني إلى جمع هذا الكم من شعر الشيخ في ديوان واحد.

وبعد أن نسخت ما وقع بين يدي من الشعر الذي كان أغلبه مكتوباً بخط غير واضح وبصورة سريعة ومضطربة في بعض الأحيان أخذت بترتيب ذلك الشعر في ديوان متكامل اعتمدت في تبويبه الأغراض الشعرية التي طرقها الشيخ في شعره. ولشد ما كنت أعاني من معرفة غرض القصائد ولا سيما الإخوانية منها, التي لا يفرق بين أنواعها من تهنئة أو مساجلة أو مراسلة أو غيرها إلا بكلمة واحدة أو إشارة خفية في بعض الأحيان. وغني عن القول ما يستتبع مثل ذلك الكم الكبير من القصائد والمقطوعات من جهد في الجمع والتنظيم والتصحيح والدراسة في وقت واحد.

ومما زاد من صعوبة مسيرة البحث, أنني لم أجد أحداً قد سبقني إلى تناول شيئ من شعر الشيخ بالعرض والتحليل.اللهم إلا تلك النتف اليسيرة والآراء العامة التي جاءت على لسان بعض من ترجم لحياته أو درس أدب عصره.

ولكن هذا لا يعني عدم استفادتي مما كتبه بعض الدارسين الذين اعتنوا بدراسة الشعر العراقي الحديث, فقد كان من أبرز تلك الدراسات (تطور الشعر العربي الحديث في العراق) للدكتور علي عباس علوان, و (لغة الشعر الحديث في العراق) للدكتور عدنان حسين العوادي, و(حركة التطور التجديد في الشعر العراقي الحديث) للدكتورة عربية توفيق, فضلاً عما كتبه كل من يوسف عز الدين وعبد الكريم الدجيلي وابراهيم السامرائي وغيرهم ممن تناولوا الأدب العراقي الحديث وعرضوا لنتاجات أبرز أدبائه وشعرائه, وكذلك العديد من المصادر والمراجع التي ساعدتني على كشف السمات الموضوعية والفنية التي تميز بها شعر الشيخ وانفرد بها عن أقرانه من شعراء عصره.

ومع الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة حياة الشيخ ونشأته المميزة والعصر الذي عاش فيه وكيف انعكس ذلك كله على قريحته ونتاجاته, كان من المناسب تقسيم البحث على بابين يختصان بالدراسة الموضوعية والفنية ويسبقهما تمهيد وتعقبهما خاتمة.

فقد آثرت في التمهيد أن أشير إلى نشأة الشيخ ودراستِهِ وشيوخه والعوامل المؤثرة في علمه وأدبه وثقافته, مع الإشارة إلى مكانته العلمية والأدبية ومواهبه المختلفة المتعددة وآراء الأدباء والدارسين بأدبه وفنه ودوره الوطني والقومي. ومع الإشارة إلى مؤلفاته الكثيرة التي تجاوزت الستين مؤلفاً في مختلف مجالات الأدب وبالمعرفة وبصورة توضح بجلاء مكانة هذا الشيخ الجليل وأثره في الفكر والأدب في العراق والعالم العربي والإسلامي في العصر الحديث.

أما في الباب الأول الذي عُنِيَ بالجوانب الموضوعية من شعره فقد كان من المناسب أن يقسم على وفق المراحل الشعرية الثلاث من حياة الشيخ الأدبية, والتي تميزت كل واحدة منها بخصائص موضوعية وفنية محددة ومختلفة عن الأخريات.

فقد تناولت في الفصل الأول تلك الأغراض التي تناولها الشاعر في مرحلته الشعرية الأولى أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

وتناولت في الفصل الثاني تلك الأغراض التي تناولها الشاعر في شعره الذي نظمه في رحلته إلى كل من الحجاز والشام ومصر بين عامي 1911م ــ و1914م. أما في الفصل الثالث فقد تناولت فيه الأغراض الشعرية التي طرقها الشيخ في أخريات سنين حياته.

وكنت قبل الدخول إلى تناول موضوعات كل مرحلة شعرية أمهد لطبيعة ذلك العصر والحياة الأدبية فيه, وتلك الأحداث العامة والخاصة التي تركت آثاراً واضحة على شعر الشيخ ونتاجه, مستفيداً من ذلك كله في فهم الدوافع الحقيقية والبواعث الرئيسة التي كانت وراء اختيار الشاعر لغرض معين أو سمة خاصة, ساير بها شعراء عصره أو حاول فيها التجديد.

أما الباب الثاني الذي عُنِيَ بالجوانب الفنية من شعر الشيخ فقد قسم على ثلاثة فصول ايضاً. تناول الأول منها البناء الفني لشعر الشيخ. وتناول الثاني لغة شعره وما تتضمنه من الفاظٍ وصياغة وإيقاع, بينما تناول الفصل الثالث الصورة الفنية من حيث وسائلها وأنواعها وعضويتها داخل السياق الكلي للقصيدة. ومحاولاًَ من ذلك كله بيان التغير والتطور في شعر الشيخ في مراحل حياته الشعرية الثلاث. ولا سيما وهو قد عاصر مرحلة إرهاصات النهضة الأدبية الحديثة في العراق والعالم العربي.

وحيث أن هذا الكتاب كان في الأصل رسالتي لنيل درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها وجدت أن من أبسط الوفاء والعرفان بالجميل أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى أستاذي المشرف الدكتور علي كاطع خلف الذي لم يبخل علي بنصحه وتوجيهه, وإلى والدي الأستاذ عبد الأمير السلامي الذي كان له الفضل الأول في إرشادي إلى موهبة الشيخ وأدبه. وإلى الدكتور حاكم حبيب الكريطي وأساتذة قسم اللغة العربية في كلية الآداب جامعة الكوفة, وإلى الشيخ محمد شريف نجل الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء الذي لم يبخل بكل ما حفظه من نتاج والده. وإلى أخوة اعزة وأصحاب كرام ساعدوني كثيراً في بحثي ودراستي وفي مقدمتهم أخي وزميلي الدكتور عبد علي حسن ناعور.

وأخيراً فلا أدعي أني قدمت جهداً مميزاً, ولكني أقول أني قد بذلت جهدي وغاية وسعي. فإن أصبت فلله الفضل والحمد, وإن أخطأت فمن نفسي وتقصيري, والحمد لله رب العالمين.

 

                                                                عمار السلامي

 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما