جمعه 7 ارديبهشت 1403  
 
 
4 ــ الخروج على الوزن والقافية
على الرغم من ذلك التجديد الذي طرأ على الجانب الموضوعي للشعر إبان عصر النهضة العربية, إلا أن التجديد بالأوزان والقوافي ظل متأخراً بعض الشيء, نظراً لغلبة التراث المحفوظ, وحرص أبناء العروبة على ما حفظوه من دواوين كبار الشعراء, وكذلك خوفهم من الانطلاق نحو أشكال جديدة قد تؤدي بهم إلى الفوضى الموسيقية([1]).
وهذا ما نجده في شعر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء, الذي كان على الرغم من التجديد الكبير الذي طرأ على شعره في صعيد الموضوع أو البناء ولا سيما في المرحلة الثانية والثالثة من مراحله الشعرية؛ إلا أن التجديد في الجانب الموسيقي ظل خجولاً ومتواضعاً.
فقد نظم الموشحات التي ساير فيها القدماء ومحاولاتهم الخروج عن قيد الوزن والقافية في القصيدة الواحدة, فمن موشحة للشيخ جاءت كلها على بحر الرمل. يقول في مطلعها([2]):
غردي بالبشر يا ورق الهنا

 
وارتقي منبر أغصان الكثيب

وأخطبي فيه بانواع الغِنا

 
وأخرسي كل مُغنٍ وخطيب

 
 
 
وادر ياساقي الخمر الكؤوس

 
للندامى من عصير الطرب

في مغان رقصت فيها النفوس

 
بنعيم ليس بالمستلب

أشرقت فيهن للأنس شموس

 
وبدت أقداحها كالشهب

 
 
 
سلبت عنهن ابراد العنا

 
واكتست برداً من الزهر قشيب

وبها مُذ صدحت طير الهنا

 
جاوب القمري فيها العندليب

 
وللشيخ موشحة أخرى جاءت على (مجزوء الوافر). اعتمد فيها الشطر الواحد بدل الشطرين, جاء منها قوله([3]):
خَيالُكُمُ يُؤَرِّقُنيِ
وطيفُكُمُ يُسَهِّدُني   
وبُعدكُمُ يُعلِّمُنيِ                بكاء شجنٍ ومُفتتنِ
كأن الله سخَّر لي
من الآلام والعللِ
بذا تسطوعلى أملي          فتذهبه وتحزنني
وهو اسلوب اعتمده الشاعر يصلح للغناء والترديد ليكون شكلاً من أشكال التجديد والخروج على قيد الوزن والقافية الموحدة, ولكن الخروج الأكثر وضوحاً عند الشيخ هو ما نظمه على طريقة المربع, وهو «ذلك الشعر الذي يُقسَّم فيه الشاعر إلى اقسام يتضمن كل قسم منها اربعة أشطر. ويراعي الشاعر في هذه الأسطر الأربعة نظاماً ما للقافية»([4]), كأن تتوحد الأشطر الثلاث بقافية موحدة تاركاً قافية الشطر الرابع لتتكرر مع كل قسم من أقسام المربعات, فليست الأقسام اذن مستقلة تمام الإستقلال ولكنها جميعاً تشترك في أمر واحد وهو تكرار قافية الشطر الرابع.
ومن ذلك ما كتبه الشيخ إلى بعض أخلائه ــ فقال ــ([5]):
يانائِمَ الخطو والألحاظِ

 
وناعِمَ الخدَّ والألفاظِ

حتى متى في الهوى استيقاظي

 
بجفنك الناعسِ الوسنانْ

^^^
أيا ابن من ذِكْرُهُ قد طارا

 
ونيلُهُ بَلَّغَ الأوطارا

وعلمه مهدَّ الأقطارا

 
بمستبينٍ من التبيان

* * * * * *
سله أيرضى بقتل الصَّبِّ

 
من غير جُرْمٍ جنى أو ذَنْبِ

سوى افتضاحي بكم في الحُبِّ

 
يوم اذاعت به أجفاني

 
غير أن الشاعر قد خالف الشعراء في هذا الفن من الشعر. وذلك بعدم اعتماده على أوزان الخليل التي اعتمدها أصحاب هذا الفن, فقد وحدوا الوزن ونوعوا القوافي عدا قافية الشطر الرابع, ولكن الشاعر آثر الخروج في قصيدته هذه على الوزن والقافية معاً فجاء وزن كل قسم من مربعاته: ــ
مُسْتَفْعِلُنْ / فاعِلن / مُستْعلنْ

 
مُستفعِلُن / فَاعِلُنْ / مُسْتَعْلنْ

مُستفْعِلُنْ / فاعِلن / مُسْتَعْلِنْ

 
مُسْتِفْعِلُنْ / فَاعِلُنْ / فَعْلانْ

 
ووزن هذه المربعات قريب من أوزان بعض الفنون الشعرية المستحدثة([6])التي نالت إستحسان العديد من الشعراء منذ العصر العباسي وإلى نهاية القرن التاسع عشر؛ ولاسيما هذا النوع من المربعات الذي أغرمَ به العباسيون وأكثروا من نظمه؛ حتى عده بعض الدارسين الحجر الأول في بناء الموشحات التي ازدهرت فيما بعد([7]).
ومن الممكن أن نضيف إلى محاولات الشيخ للخروج على قيد الوزن والقافية؛ ما نظمه في خماسيات روضة الحزين. وكيف أعتمد فيها الأوزان المتعددة والقوافي المختلفة التي استوعب فيها جميع حروف المعجم.
 


([1]) حركة التطور والتجديد في الشعر العراقي الحديث: 241.
([2]) الحسن من شعر الحسين: 30.
([3]) وجدت في مقدمة كشكول مخطوط في مكتبة كاشف الغطاء العامة في النجف الأشرف ذكر الشاعر بخطة انها جاءت على الطريقة الأندلسية.
([4]) موسيقى الشعر: 205.
([5]) الحسن من شعر الحسين: 198.
([6]) كالزجل والقوما. والكان والكان والموشح والدوبيت وغيرها. ينظر تفصيل هذه الفنون: فن التقطيع الشعري والقافية, د. صفاء خلوصي, ط4، بيروت 1974 م: 34 وما بعدها.
([7]) ينظر: موسيقى الشعر: 305.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما