جمعه 7 ارديبهشت 1403  
 
 
5 ــ الضرورة الشعرية
لقد أباح النقاد لشعراء العربية الخروج على بعض الضوابط اللغوية وهم ينظمون قصائدهم حرصاً على ضابط الموسيقى الثابت الذي تميز بها الشعر العربي والمتمثل بالوزن والقافية([1]).
ولكن على الرغم من هذه الإباحة اختلف النقاد في توجيه استعمال الشعراء للضرورة الشعرية, فمنهم من ذهب إلى أن الشاعر له الحق في كيفية استعمال اللغة والتصرف في استعمال مفرداتها,«فالشعراء أمراء الكلام يصرفونه أنى شاءوا ويجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده, ومد المقصور وقصر الممدود... فيقربون البعيد ويبعدون القريب ويحتج بهم ولا يحتج عليهم»([2]), وسواء أكان الشاعر ــ ولاسيما الجاهلي ــ له الحق في التصرف باللغة وفقاً لسليقته ولسان قومه أم لا, فأنه يعمد إلى الخروج على قوانين لغته وقواعدها طلباً لإيجاد نوعٍ من المفاجأة وعدم التوقع لدى المتلقى, فيحدث بذلك تنظيماً جديداً يخرج المتلقي من حالة الرتابة التي قد تسيطر عليه وهو يستمع إلى القصيدة, فيبقى في حالة تيقظ وشوق لمتابعة تلك الأنغام.
وذهب آخرون إلى أن أستعمال الشعراء للضرورة الشعرية انما جاء بسبب الإجبار والاضطرار ومحاولة التقيد وعدم الخروج على الوزن الشعري للقصيدة, فهم يبيحون لأنفسهم بعض الخروجات على قواعد اللغويين والنحاة. ولكن يجب أن لا يصل الأمر إلى حد التعسف والشطط في الإستعمال اللغوي الذي يخرج عن حد الإجازة والإعتدال.
وهذا ما وجدناه في شعر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء الذي اضطر إلى بعض الضرورات الشعرية طلباً لاستقامة الإيقاع والنغم الموسيقي.
فقد عمد إلى قصر الممدود وهو يمدح أهل البيتu في أحدى قصائده حيث قال ــ من الطويل ــ([3]):
سقيمات صوغ اللفظ لكن عقودها

 
أتت عن نوايا في ولاكم صحائحِِ

 
والصحيح (ولاءكم). وكذلك قوله ــ من الوافر ــ([4]):
أضا بأبي شهاب شهابُ أنسي

 
وعاد فساد عيشي للصلاحِ

 
والصحيح (أضاء).
وفي مكان آخر أضطر إلى زيادة حرف وقلب آخر في نهاية البيت طلباً لمدّ الصوت وانسجامه مع قافية القصيدة. فقال مادحاً أحدهم ــ من المتقارب ــ([5]):
لأنت الغياث لراجٍ رجاك

 
وحثَّ إلى ساحتيك الركابا

ووعدك ما انفرد النجح عنه

 
ولا شاب صدقك زوراً وكِذبا

ونعلم أن بخُلف الوعود

 
يكتسب المرءُ ذاماً وعابا

 
وكما هو واضح ان الصحيح قوله (ذماً وعيباً). فقد زاد الألف في الأولى وقلب الياء ألفاً في الثانية. في ضرورة لجأ إليها الشاعر لحرصه على مد الصوت بما يحقق له إيقاعاً متجانساً بين اللفظتين في آخر البيت ومتابعة للقافية.
وكذلك اشباع علامة الجمع الساكنة (الميم) بحركة الضم لتصبح وكأنها حرف مد. ويستقيم الوزن كقوله مفتخراً ــ من الطويل ــ([6]):
وكيف وإنِّا من معاشر أمسكت

 
حلومَهُمُ شَمَّ الجبال الأهاضبِ

 
فقد حرص على مد صوت الواو في (حلومهُمُو) ليحقق ايقاعاً منسجماً مع الوزن داخل البيت والقصيدة.
وكذلك إضطرار الشاعر إلى تسكين نون (أنَّ)في قوله ــ من الطويل ــ([7]):
أغرك أنَّ الحَسنَ انت نقيبُهُ

 
وأنْ لَكُمُ الحسُنى بِهِ والمناقبُ

 
ولكن على الرغم من ذلك كان اضطرار الشيخ للضرورات الشعرية قليلاً جداً في شعره مما يعكس تمكنه من صياغة شعره وفق الضوابط اللغوية والصوتية الصحيحة.
 


([1]) ينظر: العمدة: 2/ 169.
([2]) منهاج البلغاء وسراج الأدباء: 143 ــ 144.
([3]) الحسن من شعر الحسين: 73.
([4]) المصدر نفسه: 79.
([5]) الحسن من شعر الحسين: 39.
([6]) الحسن من شعر الحسين: 26.
([7]) المصدر نفسه:27.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما