چهارشنبه 5 ارديبهشت 1403  
 
 
الفصل الثاني :المرحلة الثانية وأغراضها الشعرية:
وهي تلك المرحلة الزمنية التي قضاها الشيخ في الحجاز والشام ومصر. بعد أن ترك موطنه عام 1911م جراء منع السلطات العثمانية طبع كتابه (الدين والإسلام) في بغداد، ومصادرة ما كان الشيخ قد طبعه منه([1]). فآثر طبعه في لبنان وعقد العزم على مغادرة العراق, والبحث عن موطن جديد.
فقد قال في تلك الرحلة في أثناء مروره على آثار (تدمر) في الأردن ــ من الخفيف ــ ([2]):
خلِّ عني يا خل ذكرك للأو

~
طان أين الأوطانُ والأوطارُ

وطني ما أصير بعدُ اليه

 
واليه المأوى وفيه القرارُ

لا الذي قد خرجت منه وكلي

~
فيه جهلٌ وخسةٌ وخسارُ

لوثت جوهري الشريف به الا



 
قذار منه وزادت الأكدارُ

 
فالشاعر لم يرحل طلباً للشهرة أو الرزق أو غيرها من الأغراض والمقاصد؛ بل كان يسعى إلى إيجاد وطن جديد، يجد فيه من يقدره من الناس، ويتقبل علمه ويساعده في نشر الوعي والإصلاح؛ بعد أن لم يجد ذلك في وطنه ومجتمعه.
وبعد أن أدى الشيخ فريضة الحج في بداية تلك الرحلة, توجه إلى دمشق ومنها إلى بيروت ومكث في ربوع سوريا ومصر ثلاث سنوات([3])، شارك فيها أحرار سوريا جهادهم. وتبادل الآراء مع أدبائهم، ودَرَّس الفقه وعلوم البلاغة في الجامع الأزهر([4]). وأشترك في مناظرات حادة مع المبشرين في كنائسهم([5])، ونشر العديد من المقالات والقصائد في الصحف والمجلات. حملت في مضامينها وأبعادها أفكار النهضة الأدبية الحديثة التي اطلع عليها الشيخ في كل من سوريا ومصر في ذلك الحين.
فقد كان العراق في ذلك الوقت يرزح تحت التسلط العثماني ويعيش عزلة ثقافية وعلمية شبه كاملة عن العالم الخارجي. حتى اعلن الدستور سنة 1908م وأنتشرت الجرائد, فبدأت اليقضة الفكرية في العراق, اذ استفاد العراقيون من جميع تجارب مصر الفكرية بعد الحملة الفرنسية عليها([6]).
فلم يصل أثر مصر. وما تحمله من تيارات فكرية جديدة إلى العراق إلا متأخراً. وذلك عن طريق ما كان يرد إليه في المقتطف والهلال والمقتبس والمؤيد, فأخذ الأديب والشاعر العراقي ينفعل مع التيارات الجديدة. وأخذ بتغيير بعض المعايير والمفاهيم التي كان ملتزماً بها.
ومن جانب آخر كان سفر بعض أدباء وشعراء العراق إلى كل من سوريا ومصر، سبيل آخر من سبل الاتصال بالنهضة الأدبية الحديثة، فقد كانت تمثل تلك الرحلات عملية كسر لطوق العزلة وصورة من صور التخلص من المعاناة وتردي الأوضاع السائدة في المجتمع، «وفي الحقيقة أن تلك الهجرة أفادت كثيراً في تنوير اذهان الشعراء. كما ساعدتهم على الإطلاع الواسع الذي كانوا يجدونه في آثار أخوانهم أدباء مصر وسوريا»([7]).
فقد كان شعراء العراق في ذلك العصر «قل منهم من يحتفظ بروح المغامرة والذهاب إلى خارج العراق يومذاك ليقف على ألوان تبعث فيه روح الوصف أو التوسع الذهني، كما جرى لبعضهم في أسفارهم إلى ايران والهند وسوريا ومصر»([8]).
وقد كان من أبرز أولئك الشعراء ــ ولا سيما النجفيون منهم ــ في تلك المرحلة هو الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، الذي اطلع في رحلته تلك ولمدة ثلاث سنوات على نتاجات النهضة الأدبية الحديثة، التي تركت اثارها الواضحة في مختلف نتاجاته الأدبية والشعرية بعد ذلك. ولا سيما في الجوانب الموضوعية منها فقد كان «الشاعر النجفي يبرز ويقوى وينبغ متى ترك النجف وأتصل بعوالم جديدة»([9]) وذلك لأنه «مسلح بالثقافة العربية الأصيلة ومتى هضم الجديد فلا بد أن يبز أقرانه»([10]).
فقد تطورت المرتكزات الموضوعية والفكرية في شعر الشيخ في هذه المرحلة من تلك المفاهيم والرؤى والموضوعات في المرحلة الأولى, إلى مرتكزات وأبعاد جديدة تتمحور حول الدفاع عن الإسلام ورد شبهات الملحدين, ورفع الصوت العربي بوجه الإستعمار. ومشاركات في الشعر الإنساني الجديد، والدعوة إلى العلم ونبذ الجهل, ونظرات تأملية في الوجود, وغيرها من الموضوعات الأخرى, التي عبر الشاعر فيها عن افكاره ومعتقداته وسعيه إلى الإصلاح في المجتمع طيلة تلك المرحلة من حياته.


([1]) ينظر: جنة المأوى (المقدمة): 53.
([2]) الحسن من شعر الحسين: 271.
([3]) ينظر: جنة المأوى (المقدمة): 46.
([4]) ينظر: المصدر نفسه (المقدمة): 47. شعراء الغري: 8/120.
([5]) ينظر: جنة المأوى (المقدمة): 47.
([6]) ينظر: التيارات الأدبية في العراق/ الزهاوي الشاعر القلق, د. يوسف عز الدين, مطبعة المعارف. بغداد ــ 1381 ــ 1962: 9.
([7]) حركة التطور والتجديد في الشعر العراقي الحديث: 43.
([8]) شعراء الغري: 1/16.
([9]) في الأدب العربي الحديث/بحوث ومقالات: 156.
([10]) المصدر نفسه: 156.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما