چهارشنبه 5 ارديبهشت 1403  
 
 
المبحث الاول ــ الشعر السياسي
السياسة عند العرب تعني: تدبير شؤون الناس, وتولي أمورهم, والرياسة عليهم, ونفاذ الأمر فيهم([1]), وهي عند المحدثين: حكم الأمم او فن هذا الحكم, سواء اتصلت بنظم الدولة في الداخل او اتصالها بنظمها والتزاماتها مع الدول الأخرى في الخارج([2]).
لذلك سمي الشعر الذي يلامس هذا المفهوم ب ــ (الشعر السياسي), الذي كان من اشهر أغراض الشعر العربي الحديث في العراق طيلة النصف الأول من القرن العشرين, وطغى على غيره من الأغراض الأخرى في مجمل نتاجات شعراء ذلك العصر([3]).
وكان من ضمن أولئك الشعراء الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء, الذي تصدى لسياسة المستعمرين في العراق, بل في الشرق كله وفضح حكوماتهم العميلة فيه.
 ومن ذلك ما نجده في قوله ــ من الرجز([4]):
كم نكبة تحطم

~
الاسلام فيها والعرب
ج
الانكليز أصلها

 
فتش تجدهم السبب

بل كل ما في الأرض

~
من ويلاتِ حربٍ أو حرب

هم أشعلوا نيرانها

 
وصيروا الناس حطب

واستخدموا ملوكنا

 
لضربنا ولا عجب

فملكهم بغر فهم

 
كان وإلا لانقلب

هم نصبوا عرشاً لهم

 
في كل شعبٍ فانشعب

واسوأتا ان حدّث

 
التاريخ عنهم وكتب

 
فجولات الشيخ مع المستعمرين كثيرة ومشهورة, وما محاورته مع السفيرين البريطاني والامريكي اللذين زاراه في مكتبته في النجف الأشرف إلا دليل على موقف الزعيم الوطني الصادق المدافع عن بلده وحقوقه([5]). وقد كان شعره في هذه المرحلة يعكس موقفه وصراعه مع الاستعمار منذ احتلال العراق 1914م, والى حين نظم هذه القصائد والمقطعات.
فهو الذي يقول ــ من الطويل([6]):
حكومات هذا الشرق مثل رواية رواية

 
تمثل دوراً في الالاعيب هائلا

فمصر وانحاء الجزيرة كلها

 
بمختلف الاشكال تبدي التشاكلا التشاكلا

دروس ولكن المعلم واحدٌ

 
يبث بها للامة السُمُّ قاتلا

فيا لأفانين السياسة كم الى

 
تعاسة شعب صيروها حبائلا

فتعقد تيجان لقومٍ تعيدها

 
باعناق قومٍ آخرين سلاسلا

 
فحكومات الشرق ما هي إلا لعبة في يد الحاكم الفعلي للبلاد, والمتمثل بالمستعمر الذي نصب تلك الحكومات العميلة ليمرر مخططاته ويحقق اهدافه, ولكن اللعبة اصبحت مكشوفة لدى الشعوب, ومتكررة ومفضوحة في نظر الاحرار الشرفاء.
وفي مكان آخر يُرجع الشيخ أسباب تدهور الأوضاع في بلاد المسلمين الى سياسة الدول الغربية, وعلى رأسها بريطانيا التي يخاطبها من خلال نهرها المشهور نهر (التايمز) فيقول في إحدى خماسياتهـ من السريع([7]):
ماذا حوى ماؤك يا (تمس)

 
من سياسةٍ للأمة المسلمة

أُقْلِعَ هذا الدين من اصله

 
كيداً بايدي اهله المجرمة

عواصم الاسلام قد اظلمت

 
ولم تكن لولاهم مظلمة

 
وكذلك لا ينسى الشيخ قضية العرب الأولى, وحقهم المغتصب في فلسطين, وموقف بريطانيا منها ومن باقي الدول العربية, ويندد بالصهاينة المجرمين, ويفضح حقيقتهم.
كما يظهر ذلك في إحدى خماسياته عندما يقول من السريع([8]):
(لندن) غنت وافلسطين لم

 
تبرح على جمر الأسى راقصة

(صهيون) إشراك وإحبولةٌ

 
وأنت تدري ما هي القانصة

كم جاهدت مصر وكما اعدلت أعولت

 
فهل من البلوى غدت خالصة

كل بلاد العرب كالطائر المذ

~
بوح في أرجلها فاحصة

لا تكمل استقلالها أمةٌ

 
وحدتها واهنة ناقصة

 
فهو بذلك يُرجع ضياع فلسطين وضعف حال الأمة العربية الى فرقتهم وتشتت أمرهم, الذي يحرص عليه الاستعمار اشد الحرص, لأنه السبيل لبقاء اسرائيل والهيمنة على المنطقة.
ومن ذلك يظهر بان الشعر السياسي عند الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء كان يمثل انعكاساً واضحاً لمواقفه الثابتة ضد الاستعمار والاحتلال, والمدافعة عن حقوق الامة العربية والاسلامية, والصادرة عن إدراك واعٍ وموقف مسؤول في معرفة مصالح الأمة وسبل تقدمها.
 


([1]) نظر: لسان العرب: مادة (سوس).
([2]) نظر: تاريخ الشعر السياسي, أحمد الشايب, ط4, مطبعة السعادة ــ مصر 1966م: 4, 3.
([3]) ينظر: محاضرات عن الشعر العراقي الحديث: 16.
([4]) نة المأوى (المقدمة): 44.
([5]) راجع صفحة (18) من هذا الكتاب.
([6]) شعراء الغري: 8/174.
([7]) خماسيات روضة الحزين: 20.
([8]) خماسيات روضة الحزين: 13.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما