شنبه 1 ارديبهشت 1403  
 
 
المبحث الثالث ــ الشعر الإنساني. الف
وهو من الأغراض الشعرية الجديدة التي ظهرت في الشعر العربي الحديث. فقد كان للإضطرابات السياسية والإجتماعية وما حاق بالعرب من خيبة أمل بالوعود والإصلاحات التي نادى بها الدستور العثماني سنة 1908م. ومن ثم اندلاع الحرب العالمية الأولى. وما تعرض له الشعب العربي من ويلات وكوارث. أثر بالغ في بالغ من إثارة موجة من القلق والاضطراب داخل العقلية العربية تركت آثارها واضحة في الأدب بشكل عام([1]).
فقد تولدت في نفوس الأدباء مرارة الفشل والشعور بالألم والحيرة. وبصورة انعكست واضحة على نتاجاتهم, ولا سيما تلك التي تعبر عن خلجات النفس الإنسانية وقضايا العالم والوجود والبحث عن حلول لمشاكل الإنسان.
وكان الإتجاه الإنساني في الشعر العربي في ذلك العصر، قد تمحور حول الدعوة للإخاء الإنساني, والتسامح الديني، ونبذ التعصب، وإستهجان العنف، وذم الحروب، وغيرها من الأبعاد التي وجد الكثير منها في شعر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء الذي عُدَّ رائداً من رواد الشعر الإنساني في الأدب العراقي الحديث([2]).
 
على الرغم من الألم الذي قاساه الشاعر وهو يغادر وطنه ويبحث عن وطن جديد. وعلى الرغم من التعصب المذهبي والعنصري الذي عاناه من الحكومة العثمانية في بغداد عندما منعت طبع كتابه (الدين والإسلام) وصادرت ما طبع منه([3]).
فإننا نجد الشيخ يتجرد عن مشاعر الحقد والإنتقام. ويدعو إلى الاخاء والتسامح كأساس من أسس الإنسانية ورقي البشر. ويسطر كل هذه المواقف والمشاعر في كتابه الذي طبعه في بغداد ومن ثم طبعه في لبنان. حيث مهد له بقصيدة حملت الكثير من تلك المشاعر جاء في مطلعها قولهـ من الكامل ــ ([4]):
بني آدم إنا جميعاً بنو أب

 
لحفظ التآخي بيننا وبنو أمِّ

رايتكُمُ شتى الخزازات بينكم

 
وما بينكم غير التضارب بالوهمِ

.................................................................
 
.................................................................
هلمِّ نعش بالسلم عصراً فإننا

 
قضينا عصوراً بالتضارب واللؤمِ

 
ولعل أول شيء يتبادر إلى ذهن المتلقي في مثل هذا الشعر إن الخطاب لا يختص بالعرب أو الأتراك أو غيرهم، بل هو خطاب موجه للبشرية جمعاء. وهذا ما أعطاه بعداً انسانياً عاماً، يدعو إلى بناء حياة كريمة تخلو من البغض والحقد والأوهام. ويتجه نحو الأخوة والمساواة والعيش الحر كريم.
وكذلك يعجب الشاعر في حمى التنافس في الحصول على المال، وحب السيطرة والثروة، التي كانت وراء استعمار الشعوب وشن الحروب عليها، فلو كان الإنسان يعي مصيره المحتوم، ونتيجة وجوده الزائل في الحياة لتردد في الكثير من ذلك. فيقول ــ من المتقارب ــ([5]):
ففيمَ التنافس ما بيننا

 
وفيمَ تلهفنا والحرقْ([6])

اذا كان آخرنا للفناء

 
ففيمَ الرياء وفيمَ الملقْ

 
وكما يوجه نداءه أيضاً إلى أصحاب الأديان المختلفة. ويدعوهم إلى السلم والتصالح ونبذ الخلافات والتعصب. فهي الدعوة التي اشتركت كل الأديان الحقه في الدعوة اليها فيقول ــ من الطويل ــ ([7]):
اليكم بني الأديان مني دعوة

 
دعوتكمُ فيها إلى الشرف الجمَّ

إلى السلم فيكم والتساهل بينكم

 
فيا حبذا شرع التساهل والسلمِ

 
فهنا مناط الأديان ودستور العيش الكريم. فكم يُعجب الشاعر ويقدر ذلك المتسامح المسالم الذي أَمن جانبه الأخرون والذي يشير إليه ويقول ــ من المتقارب ــ ([8]):
ويملك ودي كل امريءٍ

 
يروق ويصفو على من كدر

ومن يامن الناس من شره

 
أآمن في ربه أم كفر

 
ويصل الأمر بالشيخ إلى استخدام التلطف المقصود في الدعوة الإنسانية. والخطاب الحنون في ترك التشاحن والبغضاء فيقول([9]):
حناناً بني آدم بينكم

 
ورفقاً فإنا جميعاً بشر

وها نحن من شجر واحدٍ

 
فوا عجبي لاختلاف الثمر

 
فالجميع أخوة في العيش. متساوون في الخلق. مشتركون في المال والمصير.


([1]) ينظر: حركة التطور والتجديد في الشعر العراقي الحديث: 157 ــ 160.
([2]) ينظر: سوانح: 125 ــ 126.
([3]) ينظر: صفحة (76) من هذه الرسالة.
([4]) الدين والإسلام: مقدمة الجزء الثاني منه.3
([5]) الحسن من شعر الحسين (العصريات والمصريات): 253.
([6]) (الحرق): النار، لسان العرب مادة (حرق).
([7]) الدين والإسلام: مقدمة الجزء الثاني. 3
([8]) شعراء الغري: 8/164.
([9]) المصدر نفسه: 8/164.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما