پنجشنبه 6 ارديبهشت 1403  
 
 
ب ــ النثر

عرف الشيخ بقلمه السيال وأسلوبه المشرف. الذي ظهر جلياً في مؤلفاته ومقالاته ورسائله. بل حتى في أجوبته عن بعض المسائل الدينية.
فقد ذكر قلمه هذا الدكتور عبد الرزاق محيي الدين عندما عده «من أعلام النثر لهذه الفترة ــ النصف الأول من القرن العشرين ــ على وجهٍ لا يفضله الكتاب المصريون والسوريون. بل لعله يفضل كثيراً منهم بثقافته الإسلامية الواسعة وبدراساته المتنوعة. وبقدرته على الإنتفاع بجماع تلك الدراسات»([1]).
وعده الدكتور منير بكر التكريتي أحد رواد كتاب المقالة السياسية والإجتماعية في العراق, وأفرد له أكثر من ثلاثين صفحة في كتابه (أساليب المقالة وتطورها في الأدب العراقي الحديث) حيث وجد الشيخ قد «مُنح قدرة المصلح, وموهبة الأديب, فاستطاع أن يتحرى الحقائق, ويستقصي الأدلة والشواهد وأن يلتزم بالحيدة والإنصاف في كل كلمة خطها. والبعد عن التحيز والهوى في كل رأي جاهر به ودعا له [فضلاً عن] ما يسبغه على تلك الموضوعات والآراء من الوحدة الموضوعية والصياغة الفنية, فاستحق أن يكون بحق فقيها متحرراً, وكاتباً مجيداً وصحفياً لامعاً»([2]).
وذكر ابرز خصائص أسلوبه في الكتابة. عندما قال: إنه امتاز بجزالة التعبير ومتانة اللغة والعناية بالموضوعات الدينية والفلسفية خاصة. والموضوعات السياسية والاجتماعية عامة, مع سمو في القصد وشرف في الهدف. زيادة على استخدام الجدل و المناظرة والنـزعة الخطابية. والإكثار من الاستشهاد بآيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول الأعظم5. وبالحكم والمواعظ في كلام الائمة والعلماء والمجتهدين. والتعرض لذكر حوادث التأريخ وابيات الحكمة من الشعر العربي. مع كثرة النتاج وطول النفس([3]).
 
    وهو الفن الذي برع فيه الشيخ حتى عُدَّ «أخطب خطباء الشيعة»([4]) في العصر الحديث. فقد «كان خطيباً قل نظيره من حيث بلاغة الكلام وفصاحة اللفظ. ونفوذ معانيه إلى قلوب مستمعيه»([5]).
واعترف بذلك جميع أعضاء المؤتمر الإسلامي الذي عقد في القدس سنة 1931م. عندما القى الشيخ محمد حسين فيهم خطبة مرتجلة استغرقت أكثر من ساعة. دعا فيها المسلمين إلى وحدة الصف وتوحيد الكلمة. مما أدهش الحضور ونال إعجابهم وجعلهم يأتمون به في الصلاة طيلة أيام انعقاد ذلك المؤتمر. وطبعت هذه الخطبة في القدس بعد ذلك([6]).
وليس هذا فحسب. بل كان الشيخ في سفرته تلك لا «يدخل عاصمة من عواصم الإسلام إلا واجتمع الناس إليه, فخطب فيهم الخطب البليغة, من بغداد والشام وبيروت وصيدا وصور وحيفا وجنين والقدس. ذهاباً وإياباً. وخطب عند رجوعه من المؤتمر في الحسينية الكبرى في الكرخ في الليلة الرابعة من شهر رمضان. زهاء أربع ساعات... ثم خطب في كربلاء, وفي النجف في المسجد الهندي»([7]).
وكذلك كان هذا دأبه في أثناء سفره إلى ايران سنة 1933م. حيث خطب في أغلب المدن التي مر بها في طريقه. فقد خطب في الحلة والديوانية والناصرية والبصرة وعبادان والمحمرة وشيراز وهمدان باللغتين العربية والفارسية([8]).
ومن جانب آخر. شهدت النجف العديد من خطبه التي ألقاها في مختلف المواضيع والمناسبات. ولعل من أشهر تلك الخطب خطبته حول السياسة الحسينية. وخطبة الإتحاد والإقتصاد التي ألقاها في جامع الكوفة. والكثير من الخطب الأخرى التي أعيد طبعها لأكثر من مرة([9]).
وأخيراُ نالت خطبته في المؤتمر الإسلامي المنعقد في كراتشي في الباكستان سنة 1952م. استحساناً كبيراً في مختلف الأوساط وأذيعت على موجات الأثير. ونشر منها في الصحف والمجلات([10]).
 
وهو المجال الذي كان للشيخ فيه حضورٌ متميز, وذلك من خلال العديد من الآراء النقدية المبثوثة في كثير من المؤلفات والمقالات. فقد ذكر اسمه عباس توفيق في كتابه (نقد الشعر العربي الحديث في العراق من 1920 ــ 1958). وعده من أوائل النقاد العراقيين في مطلع القرن العشرين. ومن الممهدين للنقد الأدبي الحديث المبتعد عن الآراء العامة والإنشاء المخل الذي كان سائداً في نقد ذلك الوقت([11]).
وتعرض لما كتبه الشيخ في مقدمة ديوان السيد جعفر الحلي (سحر بابل وسجع البلابل)([12]) الذي حققه وطبعه في صيدا سنة 1911م. وذلك في أثناء سفره إلى هناك. حيث أشاد عباس توفيق بالآراء النقدية السديدة التي تتناول علاقة الشاعر بالبيئة واقترابه من نظرية الناقد الفرنسي (سانت بيف)([13]). على الرغم من عدم إطلاعه عليها في ذلك الحين. الأمر الذي يدلل على علو مرتبته في هذا المجال وتميزه بالنظرة النقدية الفاحصة والوعي المتقد الذي كان يفتقر إليه مجمل أدباء العراق في ذلك العصر([14]).
وللشيخ أراء نقدية أخرى, نجد بعضها في مقدمة كتابه (مغني الغواني عن الغاني). فقد قدم له بمقدمة وضح فيها منهجه في الكتاب. وتناول بعض الأراء النقدية المتعلقة بطبيعة الشعر واختلاف الأذواق فيه بحسب تغير العصور وكذلك ناقش أبا الفرج الأصفهاني ووقف معه في أماكن مختلفة من كتابه([15]).
وفي كتاب الشيخ (المراجعات الريحانية). نجد مختلف الآراء النقدية المبثوثة في طيات رسائله وردوده التي احتواها الكتاب مع كل من انستاس الكرملي, وأمين الريحاني. وكذلك نقده لكتاب (تاريخ آداب اللغة العربية) جرجي زيدان. وهي آراء نقدية قيمة تناول فيها الشيخ مختلف القضايا الأدبية وبأسلوب يعكس سعة إطلاعه وعلو كعبه وتنوع ثقافته([16]).
وأخيرا نجد في الجزء الثاني من كتابه (الدين والإسلام). آراء نقدية مختلفة تتعلق ببلاغة القرآن الكريم والشعر العربي. والأثر النفسي للشعر. وقضية الطبع والصنعة. وغيرها من القضايا والآراء النقدية المهمة([17]).
    وهي تلك التعليقات والملاحظات التي كتبها الشيخ في هوامش بعض الكتب الأدبية التي زخرت بها مكتبته, وذلك مثل كتاب (أدب الكاتب) لآبن قتيبة, و(الوساطة) للجرجاني, و (شرح نهج البلاغة). لمحمد عبده, وغيرها من الكتب التي تناول فيها المسائل اللغوية والأدبية المختلفة.
فلو تصفحنا ــ مثلا ــ ما كتبه في هامش (أدب الكاتب) لوجدناه قد ناقش صاحبه في مسائل مختلفة من مثل: القلب المكاني, والتشديد والتضعيف. وتضمين الحروف والأفعال, وغيرها من القضايا. التي تعرض في أثنائها لآراء أئمة اللغة العربية. أمثال الأصمعي. وأبن الأعرابي. والخليل والزجاج وابن السيد البطليوسي بطريقة علمية تعكس عمق دراسته وسعة اطلاعه ومقدار تبحره في مثل تلك العلوم([18]).
 
لقد كان لاتقان الشيخ للغة الفارسية الأثر الكبير في مساعدته على ترجمة العديد من الأثار الفارسية القديمة والشعر الفارسي, من مثل ترجمته لكتاب (فارسي هيئة), و (رحلة ناصر خسرو) التي تعود إلى سنة 437هـ . ورسالة (حجة السعادة في حجة الشهادة) تأليف (صنيع الملك) وغيرها في المترجمات([19]). وكذلك نظم الشيخ للشعر باللغة الفارسية والذي وجدناه متفرقاً في بعض أوراقه ومذكراته([20]).
 


([1]) الأدب في العراق, د. عبد الرزاق محي الدين, مقالة في مجلة العرفان العدد (4،6), المجلد, صيدا لبنان 1955م: 582.
([2]) أساليب المقالة وتطورها في الأدب العراقي الحديث والصحافة العراقية, د. منير بكر التكريتي, ط1, مطبعة الإرشاد ــ بغداد 1976م: 388.
([3]) ينظر: المصدر نفسه: 388 ــ 389.
([4]) طبقات أعلام الشيعة: 1/616.
([5]) هكذا عرفتهم, 1/251.
([6]) ينظر: جنة المأوى (المقدمة): 48.
([7]) تحرير المجلة (في الملحق آخر الجزء الخامس): 5/115 ــ 116.
([8]) ينظر: المصدر نفسه: 5/115 ــ 116.
([9]) ينظر: الخطب, للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء. جمعها عبد الحليم كاشف الغطاء. مطبعة القضاء, النجف 1969.
([10]) ينظر: طبقات اعلام الشيعة: 1/ 617.
([11]) ينظر: نقد الشعر العربي الحديث في العراق من 1920 ــ 1958 م, عباس توفيق. دار الرسالة للطباعة ـ بغداد 1978م: 30 ـ 3.
([12]) ينظر: سحر بالليل وسجع البلابل, ديوان السيد جعفر الحلي. جمع وتحقيق الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء, مطبعة العرفان. صيدا سنة 1331هـ .
([13]) يعد الناقد الفرنسي سانت بيف من الممهدين لظهور المنهج النفسي وذلك لأنه ربط بين حياة الأديب وشخصيته ونتاجه, ينظر: في النقد الأدبي الحديث منطلقات وتطبيقات. د. فائق مصطفى. د. عبد الرضا علي, ط1, طبع بمطبعة التعليم العالي. 1981م: 175.
([14]) ينظر: نقد الشعر العربي الحديث: 33.
([15]) ينظر: مغني الغواني عن الأغاني. محمد حسين كاشف الغطاء. كتاب مخطوط. موجود في مكتبة كاشف الغطاء العامة. تسلسل (852). ويقع في 780 صفحة.
([16]) ينظر: المراجعات الريحانية: 1/12, 18, 62, 79, 80 ــ 120 وكذلك: 2/27 ــ 58, 59 ــ 64، 101 ــ 111.
([17]) ينظر: الدين والإسلام: 2/75, ــ 85. 93 ــ 97, 101 ــ 123.
([18]) ينظر: أدب الكاتب. ابن قتيبة. طبعة مصر 1300هـ . كتاب موجود في مكتبة الإمام كاشف الغطاء العامة: تسلسل (2753م): (الهوامش): صفحة 174, 175, 803, 68, 74, 110, 175, 193, وغيرها.
([19]) ينظر: تحرير المجلة (ملحق آخر الجزء الخامس): 114 ــ 115.
([20]) ينظر: كشكول مخطوط في مكتبة الإمام كاشف الغطاء العامة.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما