چهارشنبه 5 ارديبهشت 1403  
 
 
ب ــ الدعوة للثورة والنهوض العربي
لم يكتف الشاعر العربي وهو يناضل من أجل التحرر والإستقلال بتذكر الماضي المجيد والبكاء عليه. بل ارتفع صوته مطالباً بالثورة والنهوض ونقض غبار الضعف والركود.
فبعد أن علم المثقف العربي وتأكد من نوايا الأتراك واحتقارهم للعرب. وكيف تركوهم لقمة سائغة لاعتداءات الدول الغربية([1]). تولدت لديهم نتيجة لردة الفعل تلك الدعوة القومية العربية التي «يصحبها دعوة إلى إنشاء إمبراطورية عربية تضم شمل العرب في أقطارهم المختلفة... فبعثت هذه الدعوة القوة في النفوس والعزيمة في مناهضة الأجنبي مستمدة من التاريخ العربي والإسلامي روح الكفاح والجهاد»([2]).
كما نجد ذلك في قول الشاعر ــ من الرجز ــ ([3]):
يا عزمات العرب البواسل

 
هُبيَّ لِحلِ هذه المشاكل

قومي فلا موضع للقعود أو

 
يسكن غلي هذه المراجل

انت رعيت الملك في شبابه

 
حتى احتملتيه على الكواهل

فكيف لم تحتمليه كاهلاً

 
مهدد الحوزة بالغوائل

 
فالخطاب هنا اتخذ لنفسه منحاً جديداً. يرتكز على الدعوة الصريحة إلى الكفاح والنهوض, فلم يعد هناك أي مجال للتخاذل أو القعود, فالخطر قد بلغ اوجهُ، وهو قادم يهدد على الأبواب.
فقد نفض العرب أيديهم من الأتراك واستنفذوا كل حجج الصبر والمهادنة. بعد أن لم يجن العرب منهم إلا الذل والجهل والتخاذل ــ فيقول الشيخ ــ([4]):
ماترك التركُ لكم حمية

 
وما أفادوكم سوى التخاذل

فيا بقايا يعرب حسبكم

 
من رقدة الجهل أو التجاهل

عودوا لاصل عنصر العرب الذي

 
كنتم بِهِ من أشرف السلائل

 
وكذلك لم يكتف بفضح الأتراك وحكمهم, بل وصف حكمهم ودولتهم بدولة المغول. عندما خاطبهم وقلبه يمتلئ غصة وغضباً فيقول:
يادولة المغول ماآن بان

 
ينبت رثَّ هذه الجبائل

أما وربُّ العدلِ ما في حكمكم

 
عدلَُ ولاحاكمكم بعادل

خانكم النصر غداة مابكم

 
لله غير خائن وخاذل

 
وهذه دعوة صريحة من قبل الشيخ، وتحول واضح في الموقف تجاه الدولة العثمانية ومن بعدهم الأتراك، بحيث جردهم من الارتباط الحقيقي بالإسلام وتعاليمه السمحة، فسقط ذلك الرابط الذي طالما وقف عنده العرب في مواقفهم مع العثمانيين.
وفي مكان آخر، يعلو صوت الشيخ بالعرب، ويدعو إلى الثورة و ركوب صهوات الجياد لنيل المجد والظفر، أو الشهادة والخلود فيقول ــ من الطويل ــ([5]):
بني يعرب أين العراب موارجاً

 
تخوض المنايا أو يطالعها النصرُ

طلايع ينقلن الردى صهواتها

 
ويرقلن مهما استخشن المهمه القفرُ

عليها من الفتيان كل ابن حرةٍ

 
اذا همَّ لا يوليه بردٌ ولا ذعرُ

فكيف رضيتم بالهوان لسطوةٍ

 
تحرر فيها العبد و استعبد الحرُ

فكم تحملون الضيم في عقر داركم

 
وكان على أعدائكم منكُمُ العقرُ
 
ألا هَبةً تسترجعون تراثكم

 
فحقٌ لكم لو انصفوا النهي والأمرُ

فما العمر إلا أن تعيشوا اعزةً

 
كراماً وإلا ما الحياة وما العمرُ

ولعل الدعوة الأكثر صراحة وقوة, تلك التي أخذ يتردد فيها صدى الثورة، والإستعداد للمقاومة، والكفاح المسلح. فيقول([6]):
هي الثورة اللائي بها الشعب يرتمي

 
إلى الموت أو يحي بها هو والذكرُ

هي الثورة اللائي تثير قساطلاً

 
يجر جيوش الحتف عسكرها المجرُ

هي الثورة البكر العوان وإنما

 
تدك عروش الظلم طعنتها البكرُ

 
وكانت هذه الدعوات أحد أشكال المشاركة الحقيقية في حركة النهضة العربية التي وجدها الشيخ أمامه في سوريا ومصر في رحلته إليهما (1911م ــ 1914م). وهي التي كانت تحفزه للجهاد ضد الإنكليز بعد عودته إلى العراق. ورافقت مسيرته النضالية الطويلة بعد ذلك.
 


([1]) ينظر: عافراد عن الشعر العراقي الحديث: 16.
([2]) في الأدب العربي الحديث/بحوث ومقالات: 61.
([3]) الحسن من شعر الحسين (العصريات والمصريات): 243.
([4]) الحسن من شعر الحسين (العصريات والمصريات): 243.
([5]) الحسن من شعر الحسين (العصريات والمصريات): 257.
([6]) الحسن من شعر الحسين (العصريان والمصريات): 258.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما