پنجشنبه 6 ارديبهشت 1403  
 
 
المبحث السابع/ الشعر العقائدي

وهو لون من ألوان الشعر الديني الذي كان يشكل ظاهرة بارزة في شعر القرن التاسع عشر وبداية العشرين, فقد حفلت دواوين الشعراء بهذا اللون من الشعر، بل إن ما قالوه في هذا الاتجاه يكاد يفوق كل مالهم من نتاج شعري في الموضوعات الأخرى([1]).
وفي مدينة النجف الأشرف تناول الشعر جميع نواحي الحياة. ومن ذلك الإرتباط الوثيق بالدراسة الدينية ونظم العلوم المختلفة. فحتى الفقه «فتحوا له باباً وفصولاً من الشعر وبدأوا يتدارسونه كرجز شبيه برجز ابن مالك في النحو... بل وحتى الحكمة والفلسفة والالهيات قد نظموها بالشعر وبدأوا يتدارسونها شعراً »([2])، وكذلك التفسير والتأريخ وآداب المائدة وغيرها([3]).
وكان أكثر من نظم ذلك الشعر هم العلماء الذين وهبوا ملكة الشعر, ومن بينهم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، الذي نظم قصيدة طويلة تصل إلى (238) بيتاً تناول فيها عقيدة الشيعة الإمامية بخصوص الإمام المهدي المنتظر#. وضمنها جميع الأدلة والبراهين على ذلك وذكر من ذهب مثل رأيه من الفريقين.
فقد وردت إلى النجف في حدود سنة 1899م. قصيدة أحد المعترضين([4])على غيبة الإمام المنتظر# والتي يقول في مطلعها([5]):
ايا علماء العصر يا من له الخبرُ

 
بكل دقيق حار من دونه الفكرُ

لقد حَارَمنيِّ الفكر بالقائم الذي

 
تنازع فيه الناس وأشتبه الأمر

 
فنهض لجوابه جماعة من شعراء أهل العلم والأدب في النجف بقصائد مطولة، كانت من أبرزها قصيدة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء التي بداها بقولهـ من الطويل ــ ([6]):
بنفسي بعيد الدار قربه الفكر

 
وأدناه من عشاقه الشوق والذكرُ

تستر لكن قد تجلى بنوره

 
فلا حجب تخفيه عنهم و لاسترُ

 
وضمنها جواباً على القصيدة الأولى فقال([7]):
ولا بأس ممن جاء يسأل قائلاً

 
«ايا علماء العصر يامن له الخبرُ»

عثرت ألا يا سائلاً حار فكره

 
على من له في كل مسألة خُبرُ

اعرني منك اليوم اذناً سميعةً

 
إذا ما قرأت الحق لم يَعْرُها وقرُ

وقلباً ذكياً في التخاصم يغتدي

 
لطائره الإنصاف عنك به وكرُ

 
مع الإشارة إلى أن هذه القصيدة تجمع أغلب أراء استاذة الشيخ النوري الذي أجاب عن القصيدة أيضاً، والتي ظمنها في كتابه الذي أسماه «كشف الأستار من وجه غيبة الإمام الغائب عن الأنظار»([8])مثلما هو واضح في قول الشيخ([9]):
وخذ عندها من نظم فكري لآلئاًً

 
بِهُنَّ اليك الخبر يقذف لا البحرُ

مضامينها الغر الصحيحة صادر

 
بها مصدر العلم الالهي والصدرُ

امامَ الهدى النوري من نور علمه

 
أثارت به في الأفق أنجمه الزهرُ

يقول ولا تنفك اعلام فضلهِ

 
على أرؤس الأعلام في صيها نشرُ

ألا ان ما استغربت منا مقالة
 
 
به قال منكم معشر مالهم حصرُ

وكلهم أضحوا لديكم أئمة

 
عنى لعلاهم من هوى البر والبحر

موثقة أسماؤهم في رجالكم

 
ففي كل سطر من فضائلكم شطرُ

 
ومن ثم نظم الشيخ جميع ما ذكره أستاذه النوري من أسماء أولئك العلماء وكتبهم في أكثر من (38) بيتاً من القصيدة.
وبعد ذلك أخذ يشير إلى المسائل المتعلقة بغيبة الإمام المنتظر# فقد تناول منها مسألة إمكان أو عدم إمكان رؤيته# وهو غائب فقال([10]):
فأما التجلي للعيون فما أدعى

 
به أحد إلا أخُ السفه الغمرُ

ففي الهند أبدا المهدوية كاذبٌ

 
فكذبه كل الورى البدو والحضرُ

وما كل من أضحى مضلاً يناله

 
كما حسب القتل المعجل والضرُ

وإلا فإنا نحن أو أنتمُ على

 
ضلال فلم لا نالنا السوء والشرُ

نعم هو موجود ولكن لحكمة

 
بها الله أدرى أختير عنا له السترُ

 
وكذلك ماذكره في ماهية علم الإمام# فقال([11]):
وينكر منا القول إن هو جامع

~
العلوم وإن في كل شيء له خبرُ

وما هو إلا وارث علم جده

 
وإن علوم المصطفى مالها حصرُ

 
ولا ينسى ما قالوه حول (السرداب) وخروج الإمام# من أم القرى فقال([12]):
فلاغرو أن لو تفتري اليوم قائلاً

 
له الفضل عن أم القرى وله الفخرُ

وتهزأ في السرداب جهلاً وفيهم

 
ويبدو على ما تفتري الفري والسخرُ

فما اسعد السرداب بالبدر وحده

 
نعم ما أظلته السما البر والبحرُ

وأسعدها أم القرى فيه إنه

 
سيطلع منها مشرقاً ذلك البدرُ

وذا منك جهل وافتراء بأننا

 
عليها نرى السرداب أضحى له الفخرُ

وما شرف السرداب إلا لانه

 
غدا لهم بيتاً به برهة قروا

وهم في بيوت ربها آذن لها

 
لترفع إجلالاً ويتلى بها الذكرُ

 
فحق لأم القرى أن تفتخر وتسعد بظهور الإمام# من بين أنحائها، فهو البدر الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وحق للامامية أن يزوروا السرداب، ويتبركوا بالصلاة عنده، لأنه تشرف بالإمام# وأهله الذين استقروا فيه من البيوت التي اذن الله تعالى أن ترفع ويذكر فيها تعالى: )في بيوت أذن الله أن ترفع ويُذكر فيها اسمُهُ يُسَّبح له فيها بالغدوَّ والأصال(([13]).
وزيادة على ذلك ضمت قصيدة الشيخ مختلف المسائل المتعلقة بالإمام# ودولته، مشفوعة بالأدلة والبراهين، وبصبغة شعرية تعكس مقدرة الشاعر في توظيف الشعر لخدمة المسائل العلمية والمناظرة, إلى أن يصل إلى خاتمة القصيدة التي يطلب فيها من الإمام# القبول ويصرح بمدحه وحبه وولائه لآل البيتE, وعلى عادة الشعراء في ذلك الوقت. فقد قال([14]):
أبا صالح خذها إليك خريدة

 
ولا يرتجى إلا القبول لها مهرُ

تمزق من أعداك كل ممزقٍ

 
ويحرق في أكبادها الحَرق والذعرُ

وذخراً ليوم الحشر أعددتكم بها

 
ولم يفتقر عبد له أنتم الذخرُ

............................................................................
 
............................................................................
موالي ما آتي به عن ثنائكم

 
وقد ملئت منه الأناجيل والزبرُ

يواليكم قلبي على أن جرحه

 
لرزئكم لا يستطاع له صبرُ

وينصركم مني لساني ومقولي

 
اذا ما بدا قد فاتها لكم النصرُ

ولا صبر لي حتى أراها تطالعت
ج
 
لقائمكم في الجو راياته الخضرُ
ج
بكم أستمد الفيض ثم أمدكم

 
ببحر ثناء فيكم ماله قعرُ

 
فالشاعر يتقدم بقصيدته إلى الإمام راجياً قبولها منه، فهي التي مزقت أكباد أعدائه وملأت قلوبهم ذعراً. وهي ذخر الشاعر ليوم المحشر وشفيعته عند أهل البيتE. أولئك الذين صرح بحبهم، وأكد تمسكه بمنهجهم وولائه لهم, ونصرهم بفكره ولسانه بعد أن فاته نصرهم بنفسه وحياته. فهو لا يستطيع الرضوخ لواقع الحياة المر الذي يعيش, وتكالب الشر والجور عليه، فلم يعد فيه طاقة على الصبر أو انتظار خروج القائم#.
وعلى الرغم من اقتراب هذه القصيدة بوجه من الوجوه من الشعر التعليمي «الذي يصطنعه الشعراء عادة لنظم أنواع شتى من العلوم والمعارف تسهيلاً لحفظها»([15]) إلا إنها تبتعد عنه من ناحية أخرى.
فالصيغة الفنية التي نظم فيها الشاعر قصيدته, ومحاولة عرض المفاهيم والأفكار بحُلة شعرية فنية جاوزت رغبة الشعراء في نظم العلوم شعراً تسهيلاً لحفظها. فقد رد الكثير من الشعراء الإمامية على قصيدة شكري الالوسي بقصائد طوال، وكتب أستاذه النوري كتاباً مستقلاً في الرد عليه، وإنما كان الشيخ يقصد في نظمه لهذه القصيدة, إظهار موهبته في تطويع الشعر لنظم أصعب المفاهيم والأفكار، بأسلوب مشرقٍ يظهر فيه على الجميع.


([1]) ينظر: حركة التطور والتجديد في الشعر العراقي الحديث: 15.
([2]) العوامل التي جعلت من النجف بيئة شعرية: 27.
([3]) ينظر: المصدر نفسه: 27, 28.
([4]) وهو شكري افندي الالوسي من أهل بغداد. ينظر: عقود حياتي: 10.
([5]) ينظر: الزام الناصب في إثبات الحجة الغائب. الشيخ علي اليزدي الحائري, ط4. منشورات مؤسسة الأعلم للمطبوعات, بيروت ــ لبنان 1397هـ ــ 1977م: 2/366.
([6]) الزام الناصب في إثبات الحجة الغائب:2 /367.
([7]) المصدر نفسه: 2/ 367.
([8]) ينظر: كشف الاستار عن وجه الغائب عن الابصار, حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي, كتاب حجري, مطبعة الحاج أحمد أغا مؤيد العلماء, طهران 1318هـ .
([9]) الزام الناصب في اثبات حجة الغائب:2/367.
([10]) الزام الناصب: 2/340.
([11]) المصدر نفسه: 2/341.
([12]) المصدر نفسه: 2/342.
([13]) سورة النور/ 36.
([14]) المصدر نفسه: 2/346.
([15]) اتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني الهجري, د. محمد مصطفى هدارة. دار المعارف 1963م: 354.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما