جمعه 7 ارديبهشت 1403  
 
 
8 ــ رد الأَعجاز على الصدور
وهو احد المحسنات البديعية الذي ينشأ عن تكرار لفظين متفقين في اللفظ والمعنى أو متجانسين أو كان يجمع بينهما الاشتقاق أو شبهه. ويكون أحدهما في آخر البيت والأخر في صدر المصراع الأول أو في حشوه أو في آخره أو في صدر المصراع الثاني([1]).
وقد أولع الشعراء باستعماله, وتفننوا في توظيف أشكاله([2]),مستثمرين تلك الطاقات الموسيقية التي تولدها عملية إعادة اللفظ أو ما يشبهه داخل البيت الواحد.
وكذلك كان هذا الفن في شعر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء, حيث شكل ظاهرة واضحة تستوجب الوقوف عندها, وعرض نماذجها.
 فقد أستعمل الشيخ هذا الفن بمختلف صوره وأشكاله منفرداً تارة ومنسجماً ومتناغماً مع باقي الفنون البديعة تارة أخرى, فمن ذلك قوله ــ من الطويل ــ([3]):
سجنتم فؤادي بالشجى يوم بينكم

 
فها هو منكم في سجون شجونِ

ظعنا وأنتم قاطنون فديتكم

 
بكل الورى من قاطنٍ وظعيفِ

 
فقد أورد الشاعر أكثر من لفظين مكررين يجمع بينهما الإشتقاق (سجنتم، سجون) و(الشجن،شجون) في البيت الأول, وفي البيت الثاني (ظعنا) و (ظعين), (قاطنون) و(قاطن). وذلك داخل لوحة ظعن جميلة قدم بها الشاعر أحدى قصائده.
وكذلك قوله مادحاً ــ من الكامل ــ([4]):
أقلام ألسنتي بوصف فخاركم

 
كَلَّتْ وجاءت السن الأقلام

 
فقد جمع في هذا البيت فن رد الإعجاز على الصدور مع فن (العكس), فجاء الفنان منسجمان يصوران جمال الأداء والصياغة الفنية في لغة الشاعر.
وأيضاً قولهفي ختام احدى قصائد المديح ــ من الوافر ــ([5]):
قباب معالم أنتم سلامُ

 
على تلك المعالم والقباب

 
حيث جمع هذا الفن أيضاً مع فن العكس, فضلاً عما أعطاه الإنتقال من الخبر إلى الإنشاء في معرض المدح من جمال وعذوبة, تصلح بان تكون آخر ما يعلق في أذن السامع من القصيدة.
وفي محل آخر جمع الشيخ فن رد الأَعجاز على الصدور مع فن الطباق. فقد قال ــ من البسيط ــ([6]):
لَعبْتُ بالدهرِ لما كنتَ مُقترِباً

 
ومُذ تباعدتَ صار الدهر يلعبُ بي

 
وربما كرر جملاً إنشائية برمتها تقع احداهما في نهاية البيت والأخرى في بداية المصراع الأول. كما في قوله ــ من الطويل ــ([7]):
فواحرتا قلبي وتلكم حشاشتي

 
تطير شظاياها بواحرتا قلبي

وفي موردٍ آخر قال ــ من الطويل ــ([8]):
خذوا كبداً اضحت كما قيل لودَنت

 
من الجمر قيد الرمح لاحترق الجمرُ

وإلا ابعثوا لي نشركم فلعلما

 
يكون لموتي الشوق في طيه النشرُ

 
حيث استعمل الشاعر لفظين يقع أحدهما في آخر البيت, والأخر داخل حشو المصراع الأول, كنوع من التغيير وعدم التقيد بأسلوب واحد من هذا الفن.
وكذلك قوله ــ من الوافر ــ([9]):
مضى عصر النعيم وكان طلقاً

 
فوا أسفى على عصر النعيمِ

 
ومن هذا يتضح بان استعمال الشيخ لهذا الفن البديعي في شعره, ولاسيما في مرحلته الأولى, شكل ظاهرة فنية واضحة, عكست خضوع الشاعر لمؤثرات القرون السابقة, فضلاً عما أظهره هذا التنوع والاختلاف في استعمال هذا الفن, من مقدرة كبيرة وموهبة واضحة للشيخ في شعره.


([1]) ينظر: أنوار الربيع في أنواع البديع: 3/ 94. جواهر البلاغة: 407.
([2]) التي تصل إلى ستة عشر شكلاً. ينظر: انوار الربيع: 3/ 95.
([3]) الحسن من شعر الحسين: 202.
([4]) المصدر نفسه: 174.
([5]) الحسن من شعر الحسين: 25.
([6]) المصدر نفسه:24.
([7]) المصدر نفسه: 41.
([8]) المصدر نفسه: 121.
([9]) المصدر نفسه: 170.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما