الباب السابع في وظيفة الآجر و المستأجر بعد العقد
و يشتمل علي ثلاثة فصول
الفصل الأوّل في تسليم المأجور
تسليم العين المأجورة هو بعينه تسليم العين المبيعة ألذي قد عرفت الكلام فيه في (الجزء الأوّل) مفصلا و إن أكثر الفقهاء فسروه بالتخلية و ذكرنا ما فيه من الخلل و التسامح و أنّه يختلف باختلاف الأعيان المبيعة و قد عرفت قريباً إن الإجارة أيضاً تتعلق بالعين و لكن من حيث المنفعة و تسليم المنفعة لا يكون الا بتسليم العين و هو يختلف باختلاف الأعيان أيضا و (المجلة) هنا قد تسامحت أيضاً حيث فسرته بما إلي التخلية أو الاذن و هو لا يطرد في جميع المستأجرات فان تسليم مثل الحلي و الحلل لا يتحقق إلا بإقباضه يداً بيد كالنقود و هكذا في أكثر المنقولات، نعم يتم ما ذكروه في الدور و العقارات و نحوها. و بهذا يتضح القصور في مادة [582]
(تسليم المأجور هو عبارة عن اجازة الآجر و رخصته للمستأجر إن ينتفع به بلا مانع.) و من توضيح الواضحات مادة (583) إذا انعقدت الإجارة الصحيحة علي المدة و المسافة فيلزم تسليم المأجور للمستأجر علي إن يبقي في يديه مستمراً إلي انقضاء المدة أو ختام المسافة.
فإن هذا من لوازم الإجارة و بدونه لا يبقي لها معني محصل و لا حاجة إلي المثال بالكروسة و وصولها إلي المحل كما إن من لوازم الإجارة و ملكية منفعة العين المأجورة تسليمها فارغة من كل ما يشغلها علي ما في مادة (584) لو آجر أحد ملكه و كان فيه ماله لا تلزم الأجرة ما لم يسلمه فارغاً الا إن يكون قد باع المال للمستأجر أيضاً.
(مادة: 585) لو سلم الدار الا حجرة وضع فيها اشيائه يسقط من بدل الإجارة مقدار حصة تلك الحجرة
و المستأجر مخير في الدار (بخيار تبعض الصفقة) و إن أخلي الأجر الحجرة و سلمها قبل الفسخ تلزم الإجارة يعني لا يبقي للمستأجر حق الفسخ.
اي حيث لا يمضي زمان متقوم لعدم تسليم الحجرة و الا فاخلاؤها بعد زمان معتد به لا يسقط خياره.
(الفصل الثاني) في (تصرف العاقدين في المأجور بعد العقد
(مادة: 586) للمستأجر إيجار المأجور لآخر قبل القبض إن كان عقاراً و إن كان منقولا فلا
و ذكروا في وجه الفرق بينهما إن احتمال هلاك المنقول غالب و احتمال هلاك العقار نادر، و النادر لا يعتبر في الأحكام الشرعية، و هو كما تري قياس و استحسان لا يستقيم به الميزان، فان احتمال الهلاك لا يصلح فارقا فإنه إن هلك قبل القبض و جرت فيه قاعدة (التلف قبل القبض) انفسخ العقد فيهما و الا نفذ العقد فيهما و كان تلف العين علي المؤجر و تلف منافعها علي المستأجر و يذهب الثمن المسمي عليه سواء كان عقاراً أو منقولا، و مقتضي ملكيته للمنفعة إن له إيجاره مطلقاً من المؤجر و من غيره، و منع بعضهم إيجاره من المؤجر لا وجه له، كما إن له بيع المبيع ثانيا للبائع و لغيره كما يجوز بيع بدل المنفعة إذا كان عيناً من المستأجر و من غيره، و إذا كان ديناً يجوز بيعه منه أيضاً و من غيره بناء علي جواز بيع الدين مطلقاً كما يجوز هبته للمستأجر فيكون إبراء و من غيره بناء علي تمطي الهبة من العين إلي الدين و عدم اختصاصها بالأعيان فيكونتمليكاً مجانياً.
(مادة: 587) للمستأجر إيجار ما لا يتفاوت استعماله و انتفاعه باختلاف الناس لآخر.
يعني أنّه لو استأجر دكانا أو حماما أو سفينة يجوز إن يؤجره لغيره كما يجوز إعارته للغير، اما ما يتفاوت الناس باستعماله كالدابة و الثياب فلا يجوز.
و قد عرفت مكرراً إن الملاك ليس قضية التفاوت في الاستعمال مضافاً إلي أنّه مما لا ضابطة له فان الدار أيضاً مما يتفاوت الناس باستعمالها فيستعملها بعض بمداراة و بعض بغير مبالات، بل الميزان العدل في ذلك هو الإجارة الكلية فيجوز أو الشخصية فلا يجوز فالعبرة بالإطلاق و التقييد لا غير فتدبره.
(مادة: 588) إن آجر المستأجر بإجارة فاسدة المأجور لآخر بإجارة صحيحة يجوز
عرفت إن الإجارة الفاسدة و الباطلة سواء، و إذا كانت الإجارة فاسدة لم يترتب الأثر عليها و هو تملك المنفعة و إذا لم يملكها كيف يصح تمليكها لغيره و الفاسد لا يترتب عليه الا الفاسد لا الصحيح؟
(مادة: 589) لو آجر أحد ماله مدة معلومة لآخر بإجارة لازمة ثم آجر أيضاً تلك المدة تكراراً لغيره لا تنعقد
و لا تنفذ الإجارة الثانية و لا تعتبر.
فإن إيجاره ثانياً ملك المدة بعينها من آخر يعد فسخاً للأولي، و لكن مع ذلك كان ينبغي إن تقول: انها لا تنفذ بل تبقي موقوفة علي إجازة المستأجر الأوّل و يكون المؤجر فضولياً بالنسبة إلي المستأجر الأوّل لا أنها لا تنعقد أصلا فتدبر.
اما لو آجر غير تلك المدة فلا مانع من توارد الإجارات المتعاقبة علي العين الواحدة باختلاف الأزمنة.
(مادة: 590) لو باع الآجر المأجور بدون إذن المستأجر يكون البيع نافذاً بين البائع و المشتري و إن لم يكن نافذاً في حق المستأجر.
هذا البيان قاصر ناقص، و تحرير البحث إن المؤجر إذا باع العين المأجورة وقع النظر من جهتين.
جهة البائع و المشتري.
و جهة البيع و الإجارة، أو المؤجر و المستأجر.
اما من الجهة الأولي فإن كان المشتري عالماً حين العقد بان المبيع مأجور لزم البيع عليه و لا خيار له أصلا و لزم عليه الصير إلي انتهاء مدة الإجارة و بعدها يستلم العين لانه قد اشتراها مسلوبة المنفعة، و البيع المتأخر لا يبطل الإجارة المتقدمة، و إن كان جاهلا بها ثم علم كان له الخيار إن شاء امضي البيع و صبر و إن شاء فسخ و لا حق له في فسخ الإجارة أصلا.
و اما من الجهة الثانية فقد ظهر لك أنّه لا تزاحم بين الإجارة السابقة و البيع اللاحق أصلا و لا سبيل للمشتري علي فسخها كما لا سبيل للمستأجرعلي فسخ البيع بل يقضي مدته ثم يدفع العين إلي المشتري.
إذاً فما معني قول (المجلة) و إن لم يكن نافذاً في حق المستأجر؟ و كان حقه إن تقول: و إن لم يكن نافذاً في حق المشتري لو كان جاهلا، و لا حاجة بل و لا فائدة فيما فرعته علي ذلك بقولها. حتي أنّه بعد انقضاء مدة الإجارة يلزم البيع في حق المشتري و ليس له الامتناع إلخ ..
يعني إذا كان عالماً.
الفصل الثالث في بيان مسائل تتعلق برد المأجور و إعادته
أكثر مواد هذا الفصل مع وضوحها و كونها غنية عن البيان مكررة متداخلة يغني بعضها عن بعض مثلا- مادة (591) يلزم علي المستأجر رفع يده عن المأجور عند انقضاء الإجارة- هي عين مادة (592) ليس للمستأجر استعمال المأجور بعد انقضاء الإجارة، و لا اختلاف بينهما إلا في العبارة، فإن رفع اليد عبارة ثانية عن عدم الاستعمال، كما إن مادة (593) لو انقضت الإجارة و أراد الأجر قبض ماله يلزم المستأجر تسليمه إياه تكفي عنها و تدل عليها مادة (594) لا يلزم المستأجر رد المأجور و يلزم الآجر أن يأخذه عند انقضاء الإجارة إلخ.
و كذا مادة (595) إن احتاج رد المأجور إلي الحمل و المئونة فاجرةنقله علي الآخر، و «بالجملة» فحق حسن التحرير يقضي بإلغاء هذا الفصل و جمع جميع موادة في مادة واحدة فيقال: العين المأجورة امانة في يد المستأجر و هي أمانة مالكية لا يجب ردها بل يجب تسليمها عند طلبها و علي المؤجر تسلمها و لو احتاج ردها إلي أجرة فعلي المالك و لا يجوز بعد انقضاء المدة استعمالها إلا بإذن جديد فلو استعملها بدون اذن و تلفت و لو بغير تفريط ضمن و لو تلفت بغير استعمال و غير تفريط قبل الطلب فلا ضمان. الا إن يشترط علي المستأجر ردها و نفقتها فيكون عليه ضمانها لو قصر في ردها أو نفقتها.
و من الغريب قول بعض الشراح: إذا اشترطا إن يكون أجرة اعادة المأجور علي المستأجر فسدت الإجارة لأنه شرط مفيد للمؤجر و الشرط المفيد لأحد العاقدين يفسد الإجارة ا ه.
و ما ادري كيف صار الشرط المفيد لأحد العاقدين مفسداً للإجارة مع إن كل من يشترط شرطاً فإنه يشترطه باعتبار أنّه مفيد له، فهل يريد هذا القائل إن الشرط الصحيح هو ما يكون لغواً لا فائدة فيه، أو يحصره في المفيد لهما معاً و الكلا بحكم و جزاف يحكم عموم أدلة الشروط.
