الباب الرابع في (بيان احكام الرهن و ينقسم إلي أربعة فصول)
الفصل الأوّل
(مادة: 729) حكم الرهن هو إن يكون للمرتهن حق حبسه إلي حين فكه، و إن يكون أحق من سائر الغرماء باستيفاء الدين من الرهن إذا توفي الراهن.
إذا تم عقد الرهن يترتب عليه عدة أحكام تكليفية و وضعية، اما التكليفية فمثل حرمة تصرف كل من الراهن و المرتهن بالعين المرهونة مطلقاً الا ما يعود إلي حفظ العين كسقي الدابة و علفها و نقل المتاع من محل إلي آخر احفظ و أمثال ذلك، اما الوضعية فهي كثيرة (منها) حق حبس العين علي الراهن و منعه من التصرف في ملكه الا برضا المرتهن، و ليس معني الحبس إن يحبسها المرتهن عنده فان ذلك ليس من مقتضيات الرهن بل المراد حبس المالك عن التصرف فلا يصح بيعه و لا إيجاره و لا رهنه ثانياً و لا هبته إلا برضا المرتهن.
و (منها) إن الراهن لو فلسه الحاكم فالمرتهن لا يضرب مع الغرماء كاملًا فان زاد منه شيء رده إلي بقية الغرماء و إن نقص ضرب معهم في بقية الأموال.
و (منها) أنّه لو مات الراهن فان فك الورثة الرهن و الا كان المرتهن أحق به من سائر الغرماء سواء قصرت التركة عن الديون أم لا.
و (منها) أنّه لو امتنع الراهن عن وفاء الدين كان للمرتهن إن يرفع امره إلي الحاكم فيبلغ المرهون و يدفع له دينه و بدفع الباقي للراهن إن بقي شيء سواء كان الامتناع عن عجز أو مماطلة.
و من هذا البيان تعرف خلل عبارة (المجلة) و قصورها عن الوفاء بما يجب في هذا البحث.
(مادة: 730) لا يكون الرهن مانعاً عن مطالبة الدين و للمرتهن صلاحية مطالبته بعد قبض الرهن أيضاً.
الرهن لا يغير الدين و لا يبدله، و لا يقدمه و لا يؤخره، فهو علي حاله إن كان مؤجلا فمؤجل و إن كان معجلا فمعجل و له المطالبة بدينه عند حلول اجله و لا يمنعه وجود الرهن من ذلك.
(مادة: 731) إذا أوفي مقداراً من الدين لا يلزم رد مقدار من الرهن ألذي هو في مقابله،
و للمرتهن صلاحية حبس مجموع الرهن و إمساكه إلي إن يستوفي تمام الدين.
نسبة الرهن إلي الدين تتصور علي أنحاء يمكن إن يكون قصد المتراهنين متجهاً إلي واحد منها.
(الأوّل) نحو مقابلة المجموع بالمجموع و لازم هذا إن يفك تمام الرهن بأداء جزء من الدين و لو قليل.
«الثاني» إن يكون علي نحو مقابلة الجميع الّتي تقتضي التوزيع، و لازم هذا أنّه كلما ادي جزء انفك من الرهن بمقداره.
«الثالث» إن يكون بنحو مقابلة الكل بالجزء و هذا عكس الأوّل فإن لازمة إن يبقي تمام الرهن محبوساً إلي أداء تمام الدين فلو ادي تمام الدين عدا جزء يسير منه بقي الرهن بتمامه علي الجزء و هو ألذي ذكرته «المجلة» و الأصح إن يقال: أنّه إذا ظهر من قصد الراهنين أحد تلك المعاني تعين و الا- أي مع الإطلاق- فالقاعدة تقتضي الوسط علي القاعدة المعروفة عندهم من إن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي التوزيع، و لكن المشهور عندنا علي الظاهر هو النحو الأخير المختار للمجلة و لعل مدركهم أنه ألصق بالتوثق و الاحتياط لاسترداد الدين و هو و إن كان كذلك و لكن تعيين هذا النحو من التوثق يحتاج إلي معين و هو مفقود فليتدبر.
نعم لا اشكال فيما لو كان عليه دينان و لكل منهما رهن فان دفع دين أحدهما انفك ما يقابله من الرهن و بقي الآخر كما ذكرته بقولها: و لكن لو كان المرهون شيئين و كان تعين لكل منهما مقدار من الدين إذا أدي مقدار ما تعين لأحدهما فللراهن تخليص ذلك فقط.
«مادة: 732» لصاحب الرهن المستعار أن يؤاخذ الراهن المستعير لتخليصه و تسليمه إياه،
و إذا كان المستعير عاجزاً عن أداء الدين لفقره فللمعير أن يؤدي ذلك الدين و يستخلص ماله من الرهن.
يعني لا حق له باسترداد الرهن من المرتهن الا بان يؤدي الدين هو أو المستعير أو متبرع، و بهذا خرجت هذه العارية عن بابها، و إذا أديالمعير الدين لتخليص ماله رجع به علي المستعير قطعاً. و كان من حق التحرير وضع هذه المادة و مادة «735» و «736» و «737» في الفصل المتقدم المعقود لأحكام «الرهن المستعار» و اقحامها في هذا الفصل مع عدم الربط و المناسبة خلل ظاهر و كيف كان فهذا الأثر أيضاً من الأوضاع الّتي خالفت الأصول و القواعد الّتي أشرنا إليها سابقاً، و هذه القضية و ذيولها هي و التبرع بوفاء دين الغير شعبتان من شجن واحد و من التأمل في تخريج وجهه يستخرج وجه تطبيقهما جميعاً علي القواعد، فاستخرجها بفكرك الثاقب، و نظرك الدقيق و اللّه التوفيق.
«مادة: 733» لا يبطل الرهن بوفاة الراهن و المرتهن.
بل ينتقل حق الرهن و حبس العين إلي ورثة المرتهن. كما ينتقل الدين من ذمة الراهن إلي تركته فيجب علي الوصي و الورثة اما فكها بأداء الدين من تركته أو دفع التركة إلي المرتهن الدائن و إن كان الوارث صغيراً فوليه و إن كان غائباً كبيراً فالحكم إن لم يمكن حضوره أو توكيله، و مما ذكرنا يظهر الخلل في مادة «734» إذا توفي الراهن فان كان وارثه كبيرا يلزمه تأدية الدين من التركة و تخليص الرهن و إن كان صغيراً أو كبيراً غائباً بغيبة بعيدة فالوصي بإذن للمرتهن ببيع الرهن و يوفي الدين من ثمنه،،، بل الوصي و قيم الصغير أو الحاكم يتولون بيع الرهن بإذن المرتهن و وفاء الدين منه.
و مادة «735» تقدم مضمونها في طي مادة (732) و حاصله: إن المعبر لا حق له بأخذ الرهن الا بعد وصول دين المرتهن اليه سواء كانالمستعير الراهن حياً أو ميتاً، و لكن لا يجير علي أداء الدين لأن الإنسان لا يجير علي أداء دين غيره و انما يجير المستعير المديون فلو كان عاجزاً فقيراً تحرجت المسألة كثيراً و لا مناص من الحكم بان الرهن يبقي عند المرتهن فاما إن يخلصه المالك المعير بأداء الدين باختياره أو يرفع المرتهن امره إلي الحاكم فيبيعه لوفاء الدين بمراجعة المعير المالك.
(مادة: 736) لو توفي الراهن المستعير حال كونه مفلساً مديوناً يبقي الرهن المستعار في يد المرتهن علي حاله مرهوناً
و لكن لا يباع بدون رضا المعير و إذا أراد المعير بيع الرهن و إيفاء الدين فان كان ثمنه يوفي الدين فيباع من دون نظر إلي رضا المرتهن و إن كان ثمنه لا يوفي الدين فلا يباع من دون رضا المرتهن.
قد تكرر بيان إن التصرف في العين المرهونة لا يجوز الا برضا الراهن و المرتهن و يزيد هنا أنّه لا بد أيضاً من رضا المالك المعير و اذنه لأن العين لا تزال في ملكه و إن كان للمرتهن حق فيها، اما لو توفي الراهن المستعير مفلساً انحصر الأمر بين المعير و المرتهن فلا بد من رضاهما معاً سواء كان الرهن يوفي أم لا فقول (المجلة) فيباع من دون نظر إلي رضا المرتهن- غير سديد.
«مادة: 737» لو توفي المعير و دينه أزيد من تركته يؤمر الراهن بتأدية دينه و تخليص الرهن المستعار
«اي يأمره حاكم الشرع» و إن كان عاجزاً عن تأدية الدين بسبب فقره يبقي ذلك الرهن المستعار عند المرتهن مرهوناً علي حاله و لكن لورثة المعير أداء الدين و تخليصه و إذاطالب غرماء المعير بيع الرهن فان كان ثمنه يوفي الدين يباع من دون نظر إلي رضا المرتهن و إن كان لا يوفي فلا يباع بدون رضاه.
في هذا الفرض تصبح العين متعلقاً لجملة حقوق حق المالك المعير ألذي انتقل إلي غرمائه و حق الورثة و حق المرتهن و طريق التخلص بعد عجز الراهن إن يخير الورثة بين دفع الدين و تخليص العين و بين بيعها و أداء الدين من ثمنها فان زاد من الثمن شيء يدفع إلي الغرماء أو يتقبلوها بقيمتها و يدفعون حق المرتهن فان زاد فللغرماء، هذا بناء علي ما هو الأصح عندنا من إن أعيان التركة تنتقل إلي الورثة و لكن محجور عليها بحق الغرماء فتشبه العين المرهونة.
إما مادة (738 و 739 و 740) فهي مع انها تقدمت في غاية الوضوح لا تحتاج إلي اي تعليق.
و أما- مادتا (741 و 742) فالمقصود منهما بيان حكم تلف العين المرهونة فهي خداج لم تستوف صور التلف كلها.
و «تحرير هذا البحث» بوجه جامع- إن تلف العين المرهونة اما إن يكون سماوياً أو بشرياً، و التلف السماوي لا محالة يوجب بطلان الرهن لزوال موضوعه و لا يلزم الراهن شيء و يبقي الدين طلقاً بلا رهن، و اما الثاني فالمتلف اما الراهن أو المرتهن أو أجنبي فإن كان هو الراهن وجب عليه غرامة المثل أو القيمة ليكون رهناً في مكان الرهن ألذي أتلفه، و إن كان هو المرتهن فالغرامة عليه و مقتضي القاعدة إن يدفع المثل أو القيمة ليكون رهناً و لكنهم حكموا هنا: أنّه يسقط منه بمقدار دينهو كأنهم جعلوه من أسباب التهاتر و هو مع كونه من جنس الدين ليس بالبعيد و في صورة الاختلاف مشكل إلا مع التراضي، أما لو كان المتلف أجنبياً فلا إشكال في الغرامة و تكون قيمته رهناً.