الكتاب السابع في الهبة
يشتمل علي مقدمة و بابين
المقدمة في بيان الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالهبة
مادة (833)
الهبة:
تمليك مال لآخر بلا عوض و يقال لفاعله واهب، اعلم إن معني الهبة و مشتقاتها حسب استعمالاتها اللغوية واسع إلي مدي شاسع و أقرب عبارة تعرب عنه هو العطاء و النحلة المشوب برشحة من الإحسان و التفضل سواء كان المعطي مالا أو غيره عينا أو غيرها فيصح إن تقول بلا تكلف و عناية وهبتك ودي كما تقول وهبتك مالي و يصح إن تقول وهبني اللّه ولدا كما تقول وهبني عزا و ملكا (فَهَب لِي مِن لَدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي)- (وَ وَهَبنا لَهُ إِسحاقَ وَ يَعقُوبَ) كلها استعمالات حقيقية لا تجوز فيها أصلا، نعم اختصت الهبة في لسان الشرع و المتشرعة بتمليك العين بلا عوض كما سيأتي و هو المراد هنا،،، و كما إن البيع و الإجارة هما أصل عقود المعاوضات أي الأصل في مبادلة المالبالمال فكذلك الهبة و العارية هما الأصل في عقود المجانيات و هما أظهر و أشهر ما يقع به تمليك العين أو المنفعة بلا عوض بناء علي اندراج العارية في العقود علي المشهور- و إن كان الأصح عندنا إن حقيقتها اذن و إباحة كما سبق، و علي كل- فالهبة هي الأصل في تمليك الأعيان بلا عوض. فالهبة في الأعيان كالعارية في المنافع، و العارية- الأصل في إباحة المنافع أو تمليكها مجانا. و قد شاع عند الفقهاء تعريف الهبة بأنها تمليك مال بلا عوض و فيه نوع تسامح و إجمال يحتاج إلي توضيح و تشريح فنقول- إن تمليك المال عينا أو منفعة بل أو حقا حيث يكون من الحقوق القابلة للانتقال- اما إن يكون بإزاء عوض مالي أولا- فالأول يقع بعقد البيع و الإجارة و الصلح- و الثاني و هو التمليك بغير عوض مالي اما إن يكون بعوض لنفس التمليك فهو الهبة المعوضة فإن العوض فيها كما عرفت لنفس الهبة لا للعين الموهوبة- و من هنا دخلت الهبة المعوضة في مطلق الهبة و صارت من أقسامها.
و اما إن يتجرد عن العوض المالي فاما إن يكون بقصد الأجر و الثواب و هو الصدقة بالمعني العام- فان كان تمليكا طلقا فهو الصدقة بالمعني الخاص. و إن كان تمليك العين مقيدا ببقائها و دوامها اي وقوفها و عدم نقلها فهو الوقف. و إن كان للمنفعة فقط مدة عمر أحدهما أو مدة معينة فهي العمري أو الرقبي و اما إن يتجرد حتي عن الأجر فإن كان بصورة العقد إيجابا و قبولا فهي الهبة و اما إن يكون بصورة الإرسال من غير عقد فهو الهدية و إن لم يكن لا هذا و لا ذاك فهو العطية و إنكانت لرحم فهو النحلة، هذه أصول معاني هذه الألفاظ بحسب وضعها اللغوي، و قد يقوم بعضها مقام بعض بحسب استعمالها العرفي، و لكن قد اتضح لك إن تمليك المال بلا عوض ألذي عرفوا به الهبة هو القدر الجامع و المقسم الكلي ألذي يعم الهبة و غيرها حتي الصدقة و الوقف فضلا عن الهدية و العطية و الأمر في كل ذلك سهل انما المهم إن تعرف إن جميع هذه الأقسام داخلة في التمليك المجاني فلا يشتبه عليك الأمر بالإباحة و الرخصة و الاذن بالانتفاع فإنها اجمع أجنبية عن تلك الأنواع بالكلية و هي في قبالها حتي الرخصة في أكل المال و استهلاكه فتدبره.
و قد تحصل من جميع ذلك إن الهبة عقد يفيد تمليك المال فعلا بلا عوض له أصلا، فيخرج الهدية و العطية و النحلة لأنها ليست عقودا.
و الوصية فإنها و إن أفادت التمليك المجاني و لكن معلقا علي الموت لا فعلا كما خرج بقيد عدم العوض البيع و الإجارة و الصلح و الوقوف و الصدقات و دخلت الهبة المعوضة فإنها تمليك مال بلا عوض للمال. اما الرشوة فهي عطية و لكنها عطية محرمة و العطايا المحرمة كثيرة. نعم يبقي الكلام في العارية فإن جعلناها عقد تمليك للمنافع و عممنا الهبة للمنافع تداخلتا و إن خصصنا الهبة بالأعيان أو جعلنا العارية إذنا و إباحة لا عقدا و لا تمليكا افترقتا.
(مادة: 834)
الهدية:
هي المال ألذي يعطي لأحد أو يرسل إليه إكراما، و قد عرفت إن الغالب في الهدية الإرسال و هو غير العطية و قد يستعمل الهدية في مورد الإعطاء تسامحا.
مادة (835)
الصدقة:
هي المال ألذي وهب لأجل الثواب.
يعني العطاء ألذي يقصد به القرب إلي اللّه جل شأنه و طلب المثوبة منه و لا يلزم فيها الإيجاب و القبول و تلزم بمجرد الدفع بقصد القربة مع القبض و هذه هي الصدقة بالمعني الخاص بل الأخص ألذي يمتاز عن الوقف و أخواته من الصدقات الّتي لا تتحقق الا بالعقد عند المشهور
مادة (836)
الإباحة:
عبارة عن إعطاء الرخصة و الاذن لشخص إن يأكل أو يتناول شيئا بلا عوض، و هذا غير التمليك و الفرق مثل الصبح واضح فان المالك يتصرف كيف شاء و المأذون لا يتصرف الا علي حد الاذن و مقدار الرخصة فلا يقدر علي البيع فضلا عن غيره الا بإذن خاص.