يكشنبه 16 ارديبهشت 1403  
 
 
الباب‌ الثالث‌ (‌في‌ بيان‌ أحكام‌ الهبة)، الفصل الاول:

الباب‌ الثالث‌ (‌في‌ بيان‌ أحكام‌ الهبة، و يشتمل‌ ‌علي‌ فصلين‌)

  


الفصل‌ ‌الأوّل‌ ‌في‌ [بيان‌ الرجوع‌ ‌عن‌ الهبة]

يعني‌ ‌في‌ جواز الهبة و لزومها، و لعلك‌ عرفت‌ ‌كما‌ ‌إن‌ الأصل‌ ‌في‌ عقود المعاوضات‌ المبنية ‌علي‌ التغابن‌ ‌هو‌ اللزوم‌ الا ‌ما خرج‌ بالدليل‌‌-‌ فكذلك‌ الأصل‌ ‌في‌ عقود المجانيات‌ ‌هو‌ الجواز الا ‌ما خرج‌، و ‌كما‌ ‌إن‌ أشهر عقود المعاوضات‌ اللازمة و أهمها ‌هو‌ البيع‌ و ‌كل‌ فرد يشك‌ ‌فيه‌ ‌أنّه‌ وقع‌ جائزا ‌أو‌ لازما يبني‌ ‌علي‌ لزومه‌ و ‌كذا‌ ‌لو‌ شك‌ ‌في‌ حكم‌ نوع‌ ‌منه‌ شرعا يعني‌ ‌إن‌ الأصل‌ ‌هو‌ اللزوم‌ سواء ‌كانت‌ الشبهة مصداقية ‌أو‌ حكمية فكذا أهم‌ و أشهر العقود المجانية ‌هو‌ الهبة و ‌هي‌ عكس‌ البيع‌ فكل‌ نوع‌ ‌منها‌ يشك‌ ‌إن‌ حكمه‌ اللزوم‌ ‌أو‌ الجواز و ‌كل‌ فرد يشك‌ ‌أنّه‌ ‌من‌ الجائز ‌أو‌ اللازم‌ يبني‌ ‌علي‌ جوازه‌ للأصل‌ فاصل‌ الهبة ‌بعد‌ تحققها بالقبض‌ ‌هو‌ جواز الرجوع‌ الا ‌ما خرج‌ باليقين‌ ‌كما‌ ‌إن‌ الأصل‌ ‌في‌ البيع‌ ‌بعد‌ تحققه‌ بمجرد العقد ‌هو‌ اللزوم‌ الا ‌ما علم‌ خروجه‌، و ‌هذا‌ أهم‌ ‌ما ‌في‌ ‌هذا‌ الفصل‌ و ‌قد‌ ذكر مادة (861) يملك‌ الموهوب‌ ‌له‌ الموهوب‌ بالقبض‌. (841) و ‌ما بعدها و ‌من‌ لوازم‌ ‌عدم‌ الملكية ‌إلا‌ بالقبض‌ ‌إن‌ المنافع‌ الحاصلة ‌ما ‌بين‌ العقد و القبض‌ ‌هي‌ للواهب‌ و ‌له‌ المنع‌ ‌من‌ القبض‌ و العدول‌ ‌إذا‌ الموهوب‌ ‌لا‌ يزال‌ ‌في‌ ملكه‌ لرحم‌ ‌كانت‌ الهبة ‌أو‌ لغيره‌ و ‌لو‌ توفي‌ أحدهما ‌قبل‌ القبض‌ بطل‌ العقد و انتقل‌ المال‌ ‌إلي‌ ورثة الواهب‌ فلو وافقوا ‌علي‌ الهبة ‌فلا‌ بد ‌من‌ عقد جديد، و للواهب‌ التصرف‌ بالعين‌ ‌قبل‌ القبض‌ كيف‌ شاء و ‌كل‌ ‌هذا‌ و نظائره‌ متفرع‌ ‌علي‌ ‌عدم‌ تأثير العقد أي‌ أثر سوي‌ صلاحيته‌ للحوق‌ القبض‌ فتحصل‌ الملكية نقلا ‌لا‌ كشفا بخلاف‌ إجازة الفضولي‌ ‌علي‌ المشهور ‌عند‌ المحققين‌، و ‌مما‌ ذكرنا يتضح‌ ‌إن‌ ‌هذه‌ المادة بمدلولها تغني‌ ‌عن‌ مادة (862) للواهب‌ ‌إن‌ يرجع‌ ‌عن‌ الهبة ‌قبل‌ القبض‌ بدون‌ رضا الموهوب‌ ‌له‌.

‌بل‌ ‌في‌ الحقيقة ‌لم‌ يحصل‌ ‌شيء‌ ناجز ‌حتي‌ يحتاج‌ ‌إلي‌ الرجوع‌ و انما ‌هو‌ أي‌ العقد استعداد ‌كما‌ عرفت‌ فرجوعه‌ و عدمه‌ سواء ‌من‌ ‌حيث‌ الأثر الفعلي‌ و ‌عدم‌ القبض‌ و الإقباض‌ يغني‌ ‌عن‌ الرجوع‌ ‌فلا‌ حاجة ‌أيضا‌ ‌إلي‌ مادة (863) نهي‌ الواهب‌ ‌عن‌ القبض‌ ‌بعد‌ الإيجاب‌ رجوع‌ ‌فإن‌ الإيجاب‌ ‌بل‌ و ‌مع‌ القبول‌ ‌لم‌ يؤثر شيئا ‌حتي‌ ‌يكون‌ النهي‌ رجوعا و انما الحاصل‌ ‌هو‌ الاستعداد و ‌هو‌ باق‌ ‌حتي‌ ‌مع‌ النهي‌ ‌عن‌ القبض‌ فلو اذن‌ ‌له‌ بالقبض‌ ‌بعد‌ ‌ذلك‌ فقبض‌ تمت‌ الهبة، ‌نعم‌ موضع‌ الرجوع‌ حقيقة ‌بعد‌ العقد و القبض‌ ‌في‌ الهبة الجائزة ‌كما‌ ‌في‌ مادة (864) للواهب‌ ‌إن‌ يرجع‌ ‌عن‌ الهبة و الهدية ‌بعد‌ القبض‌ برضا الموهوب‌ و القيد الأخير عندنا مستدرك‌ ‌بل‌‌في‌ ‌غير‌ مواضع‌ اللزوم‌ مطلقا رضي‌ الموهوب‌ ‌له‌ أم‌ ‌لا‌ و ‌لو‌ ‌كان‌ منوطا برضاه‌ لكانت‌ ‌من‌ العقود اللازمة كالبيع‌ و ‌قد‌ عرفت‌ ‌إن‌ طبيعتها الجواز عكس‌ البيع‌ و يدل‌ ‌عليه‌ الحديث‌ المشهور [الواهب‌ أحق‌ بهبته‌ ‌ما ‌لم‌ يثب‌ عنها] و أخبارنا ‌به‌ مستفيضة، و الرجوع‌ ‌إلي‌ الحاكم‌ ‌كما‌ ‌في‌ المجلة.

و ‌إن‌ ‌لم‌ يرض‌ الموهوب‌ ‌له‌ راجع‌ الواهب‌ الحاكم‌ و للحاكم‌ فسخ‌ الهبة ‌إن‌ ‌لم‌ يكن‌ ثمة مانع‌ ‌من‌ موانع‌ الرجوع‌ ‌الّتي‌ ستذكر ‌في‌ المواد الآتية و ‌إن‌ ‌كان‌ مانع‌ ‌فلا‌ يفسخ‌‌-‌ فضلة مستغني‌ ‌عنه‌ فان‌ تشخيص‌ كونها هبة لازمة ‌أو‌ جائزة واضح‌ ‌لا‌ حاجة ‌فيه‌ ‌إلي‌ الرجوع‌ ‌إلي‌ الحاكم‌ و أسباب‌ اللزوم‌ محصورة معلومة ‌كما‌ سيأتي‌ بيانها و ‌قد‌ تقدم‌ بعضها و ‌لا‌ خصومة ‌حتي‌ تحتاج‌ ‌إلي‌ حكومة فالهبة ‌إن‌ ‌كانت‌ جائزة جاز الرجوع‌ للواهب‌ ‌فيها‌ رضي‌ الموهوب‌ ‌له‌ أم‌ ‌لا‌ حكم‌ الحاكم‌ أم‌ ‌لم‌ يحكم‌ فإنه‌ حكم‌ كلي‌ الهي‌ و ‌ليس‌ ‌من‌ التطبيقات‌ الشخصية ‌الّتي‌ تتوقف‌ ‌علي‌ حكم‌ الحاكم‌، و كأن‌ أرباب‌ المجلة ‌لم‌ يتميز عندهم‌ مورد حكم‌ الحاكم‌ ‌عن‌ حكم‌ الشارع‌ فاشتبه‌ عليهم‌ الأمر ‌أو‌ بالأحري‌‌-‌ ‌لم‌ يتضح‌ لهم‌ الفرق‌ ‌بين‌ الفتوي‌ و القضاء و ‌إن‌ ‌كانت‌ لازمة اي‌ واجدة لبعض‌ أسباب‌ اللزوم‌ ‌فلا‌ رجوع‌ للواهب‌ و ‌لا‌ حكم‌ للحاكم‌.

أ فليس‌ ‌من‌ الغريب‌ ‌مع‌ ‌هذا‌ قولهم‌ ‌في‌ مادة (865) ‌لو‌ استرد الواهب‌ الموهوب‌ ‌بعد‌ القبض‌ بدون‌ حكم‌ الحاكم‌ و قضائه‌ و بدون‌ رضا الموهوب‌ ‌له‌ ‌يكون‌ غاصبا و بهذه‌ الصورة ‌لو‌ تلف‌ ‌أو‌ ضاع‌ ‌في‌ يده‌ ‌يكون‌ ضامنا.

و ‌قد‌ عرفت‌ ‌إن‌ حكم‌ الحاكم‌ أجنبي‌ ‌في‌ المقام‌ و ‌لا‌ محل‌ ‌له‌ أصلا و ‌إن‌ المدار ‌علي‌ نوع‌ الهبة ‌فإن‌ ‌كانت‌ جائزة ‌له‌ الرجوع‌ و يأخذه‌ قهرا ‌من‌ الموهوب‌ ‌له‌ ‌لأن‌ الملكية رجعت‌ ‌له‌ و ‌لا‌ ضمان‌ أصلا حكم‌ الحاكم‌ أم‌ ‌لا‌، و ‌إن‌ ‌كانت‌ لازمة ‌لم‌ يجز ‌له‌ الرجوع‌ الا برضا الموهوب‌ ‌له‌ فيكون‌ ‌من‌ قبيل‌ الإقالة و ‌لو‌ أخذه‌ بدون‌ رضاه‌ ‌كان‌ غاصبا و ضامنا لانه‌ ملك‌ للموهوب‌ ‌له‌ حكم‌ الحاكم‌ ‌أيضا‌ أم‌ ‌لا‌‌-‌ ‌هذا‌ ‌هو‌ العلم‌ المشذب‌. و ‌ما ذكرته‌ المجلة هنا و ‌بعض‌ شراحها محلول‌ العري‌ مشبع‌ بألوان‌ الضعف‌ و الركاكة،،، ‌ثم‌ ‌إذا‌ رجع‌ الواهب‌ ‌في‌ موضع‌ الجواز فهي‌ ملكية جديدة ‌لا‌ فسخ‌ للملكية السابقة و لذا يسترجع‌ نفس‌ العين‌ دون‌ منافعها فإنها للموهوب‌ ‌له‌، و سيأتي‌ توضيح‌ ‌ذلك‌

و ‌قد‌ شرعت‌ (المجلة) ‌في‌ ذكر أسباب‌ اللزوم‌

و ‌قد‌ تقدم‌ بعضها و ‌هي‌ أمور

(‌الأوّل‌) هبة ذي‌ الرحم‌

‌كما‌ ‌في‌ مادة «866» ‌من‌ وهب‌ لأصوله‌ و فروعه‌ ‌أو‌ لأخيه‌ و أخته‌ ‌أو‌ لأولادها ‌أو‌ لعمه‌ و عمته‌ شيئا فليس‌ ‌له‌ الرجوع‌.

و ‌هذه‌ الضابطة ‌مع‌ طولها مختلفة و ‌كان‌ الأصح‌ جعل‌ العنوان‌ هبة ذي‌ الرحم‌ ‌كما‌ ‌في‌ الحديث‌ المشهور (‌إذا‌ ‌كانت‌ الهبة لذي‌ رحم‌ محرم‌ ‌لم‌ يرجع‌ ‌فيها‌) فيشمل‌ الخال‌ و الخالة و أولادهم‌ و الجد و الجدة و أخواتهم‌ و ‌في‌ اخبار أهل‌ البيت‌ سلام‌ اللّه‌ عليهم‌ (الهبة و النحلة يرجع‌ ‌فيها‌ ‌إن‌ شاء الا لذي‌ رحم‌) و ‌لا‌ يختص‌ عندنا بالمحرم‌ ‌بل‌ يعم‌ ‌كل‌ ‌ما يصدق‌ ‌عليه‌ القرابة و الرحم‌ عرفا محرما ‌أو‌ ‌غير‌ محرم‌ لوجود لفظ القرابة ‌في‌ ‌بعض‌ الاخبار و ‌لا‌ فرق‌ ‌فيه‌ ‌بين‌ الصغير و الكبير ‌بل‌ و المسلم‌ و الكافر لإطلاق‌الأدلة،،،

«‌الثاني‌» الزوجية

‌كما‌ ‌في‌ مادة (867) ‌لو‌ وهب‌ ‌كل‌ ‌من‌ الزوج‌ و الزوجة صاحبه‌ شيئا حال‌ كون‌ الزوجية قائمة بينهما فبعد التسليم‌ ‌ليس‌ ‌له‌ الرجوع‌.

فعنوان‌ الزوجة يستوجب‌ لزوم‌ الهبة و ‌إن‌ ‌لم‌ يكن‌ بينهما قرابة ففي‌ اخبارهم‌ سلام‌ اللّه‌ عليهم‌ «‌لا‌ يرجع‌ الرجل‌ فيما يهب‌ لامرأته‌ و ‌لا‌ المرأة فيما تهب‌ لزوجها حيزا و ‌لم‌ يحز أ ‌ليس‌ اللّه‌ ‌تعالي‌ يقول‌ وَ لا يَحِل‌ُّ لَكُم‌ أَن‌ تَأخُذُوا مِمّا آتَيتُمُوهُن‌َّ شَيئاً، و ‌قال‌ ‌تعالي‌ فَإِن‌ طِبن‌َ لَكُم‌ عَن‌ شَي‌ءٍ مِنه‌ُ نَفساً فَكُلُوه‌ُ هَنِيئاً مَرِيئاً» و المراد حازها الواهب‌ فلو وهبها شيئا ‌قبل‌ ‌إن‌ يقبضه‌ ‌أو‌ قبضته‌ ‌هي‌ بإذنه‌ ‌لم‌ يجز ‌له‌ الرجوع‌ و ‌لا‌ فرق‌ فيهما ‌بين‌ الكبير و الصغير و العاقل‌ و ‌غيره‌ و المسلم‌ و ‌غيره‌ للإطلاق‌ ‌أيضا‌ و ‌لا‌ يبعد لحوق‌ المطلقة الرجعية ‌بها‌ دون‌ البائنة،

«الثالث‌» التعويض‌

و ‌قد‌ سبق‌ مفصلا ‌في‌ مادة (855) و اعاده‌ هنا مادة «868» ‌إذا‌ اعطي‌ للهبة عوض‌ فقبضه‌ الواهب‌ فهو مانع‌ للرجوع‌.

و المذكور سابقا شرطية العوض‌ و الملحوظ هنا الأعم‌ إذ ‌لا‌ فرق‌ ‌في‌ اللزوم‌ ‌بين‌ ‌إن‌ يشترط العوض‌ ‌في‌ الهبة الأولي‌ ‌أو‌ ‌يكون‌ ابتداء ‌من‌ الموهوب‌ ‌له‌ ‌من‌ ‌غير‌ شرط ‌عليه‌ ‌كما‌ ‌لا‌ فرق‌ ‌بين‌ وقوع‌ الثانية بنحو الهبة ‌أو‌ العطية ‌أو‌ غيرهما و ‌لكن‌ يلزم‌ ‌في‌ الجميع‌ قصد العوضية أي‌ قصد ‌إن‌ دفع‌ ‌هذا‌ المال‌ ‌أو‌ العمل‌ عوض‌ للواهب‌ ‌عن‌ هبته‌ فلو أعطاه‌ ‌لا‌ بقصد العوضية ‌لم‌ تصر لازمة ‌بل‌ ‌له‌ الرجوع‌ ‌فيها‌، و ‌مع‌ قصد التعويض‌ و التقابض‌ ‌من‌ الطرفين‌ فقد لزمتا معا و ‌ليس‌ لأحدهماالرجوع‌ فيما اعطي‌ بدون‌ رضا ‌نعم‌ ‌لو‌ رضيا صح‌ و ‌كان‌ نظير الإقالة ‌في‌ البيع‌، و ‌لا‌ مانع‌ ‌إن‌ يشترط الواهب‌ ‌إن‌ يعوضه‌ الموهوب‌ و ‌لو‌ ببعض‌ هبته‌ فضلا عما ‌لو‌ عوضه‌ بشي‌ء ‌منها‌ بدون‌ الشرط و يجري‌ عليها ‌بعد‌ التقابض‌ حكم‌ الهبة المعوضة، ‌نعم‌ ‌لا‌ محل‌ و ‌لا‌ معني‌ للزوم‌ فيما ‌لو‌ اشترط ‌عليه‌ ‌إن‌ يعوضه‌ ‌بها‌ أجمع‌ لأنه‌ راجع‌ ‌إلي‌ الجواز ‌أو‌ الفسخ‌، ‌ثم‌ ‌لا‌ فرق‌ ‌في‌ العوض‌ ‌بين‌ ‌إن‌ ‌يكون‌ ‌من‌ مال‌ الموهوب‌ ‌له‌ ‌أو‌ ‌من‌ ‌غيره‌ ‌كما‌ نصت‌ ‌عليه‌ (المجلة) بقولها: فلو اعطي‌ للواهب‌ شيئا ‌علي‌ ‌إن‌ ‌يكون‌ عوضا لهبته‌ فليس‌ ‌له‌ الرجوع‌ ‌إن‌ ‌كان‌ ‌من‌ جانب‌ الموهوب‌ ‌له‌ ‌أو‌ الغير اما ‌عدم‌ رجوع‌ الواهب‌ و الموهوب‌ ‌بعد‌ التقابض‌ فواضح‌، انما الكلام‌ ‌في‌ الغير ‌لو‌ دفع‌ العوض‌ فهل‌ ‌له‌ الرجوع‌ ‌علي‌ الموهوب‌ ‌له‌ بعوض‌ ‌ما دفع‌؟ و التحقيق‌ ‌إن‌ دفعه‌ ‌إن‌ ‌كان‌ بغير طلب‌ المتهب‌ و ‌لا‌ باذنه‌ ‌فلا‌ إشكال‌ ‌في‌ ‌عدم‌ استحقاق‌ الرجوع‌ ‌عليه‌ بالبدل‌ لانه‌ متبرع‌ و اما ‌لو‌ ‌كان‌ بطلبه‌ ‌أو‌ بإذنه‌ ‌فإن‌ طلب‌ ‌منه‌ التبرع‌ صراحة ‌فلا‌ رجوع‌ ‌أيضا‌ و الا فله‌ حق‌ الرجوع‌ و ‌هذا‌ ‌الحكم‌ مطرد ‌في‌ ‌كل‌ ‌من‌ دفع‌ مالا ‌عن‌ ‌غيره‌ سواء ‌كان‌ ‌مما‌ يطلب‌ بالحبس‌ و الملازمة كالديون‌ و نفقة الزوجة ‌أو‌ ‌كان‌ ‌مما‌ ‌لا‌ يطلب‌ بذلك‌ كالزكوات‌ و الكفارات‌ و النذور و نحوها.

و سواء ‌كان‌ ‌مما‌ جرت‌ العادة برجوعه‌ أم‌ ‌لا‌ ‌فإن‌ الأصل‌ ‌في‌ دفع‌ المال‌ ‌عن‌ شخص‌ بطلبه‌ ضمانه‌ لأصالة احترام‌ مال‌ المسلم‌ الا ‌إن‌ يتبرع‌ ‌به‌ صريحا فيسقط حرمته‌، و التفاصيل‌ المذكورة هنا ‌في‌ كتب‌ القوم‌ ‌لا‌ تعتمد ‌علي‌ دليل‌.

مادة (869) ‌إذا‌ ‌كان‌ الموهوب‌ أرضا و أحدث‌ الموهوب‌ ‌له‌ ‌فيه‌ بناء ‌أو‌ غرس‌ شجرا ‌أو‌ حصل‌ للموهوب‌ زيادة متصلة

مثل‌ كونه‌ حيوانا ضعيفا و سمن‌ بتربية الموهوب‌ ‌له‌ ‌أو‌ تبدل‌ اسمه‌ بتغيير الموهوب‌ ‌له‌ ككونه‌ حنطة و جعله‌ دقيقا فليس‌ للواهب‌ الرجوع‌ و اما الزيادة المنفصلة ‌فلا‌ تمنع‌ ‌من‌ الرجوع‌.

(‌هذا‌ ‌هو‌ السبب‌ الرابع‌) ‌من‌ أسباب‌ اللزوم‌ و ‌عدم‌ الرجوع‌ و حقه‌ ‌إن‌ يعنون‌ بعنوان‌ التصرف‌ و التغيير، و ‌هي‌ ‌من‌ المسائل‌ الخلافية ‌عند‌ فقهائنا ‌بل‌ و ‌عند‌ غيرهم‌ ‌في‌ الجملة، و تحرير البحث‌ ‌فيها‌‌-‌ ‌إن‌ العين‌ الموهوبة اما ‌إن‌ تتغير ‌عند‌ الموهوب‌ ‌له‌ عما ‌كانت‌ ‌عليه‌ ‌عند‌ الواهب‌ ‌أو‌ ‌لا‌ و التغيير اما ‌إن‌ ‌يكون‌ زيادة ‌أو‌ نقيصة و ‌كل‌ منهما اما ‌إن‌ ‌يكون‌ زيادة ‌أو‌ نقيصة متصلة ‌أو‌ منفصلة و المتصلة سوقية ‌أو‌ عينية و العينية اما ‌إن‌ تكون‌ بفعل‌ الواهب‌ ‌أو‌ الموهوب‌ ‌له‌ ‌أو‌ أجنبي‌ ‌أو‌ سماوي‌ فالزيادة السوقية ‌أو‌ النقيصة و ‌إن‌ حصلت‌ ‌في‌ ملك‌ الموهوب‌ ‌له‌ و ‌لكن‌ ‌لا‌ ينبغي‌ الإشكال‌ ‌في‌ انها ‌غير‌ مانعة ‌من‌ الرجوع‌ أصلا‌-‌ ‌لأن‌ معيار صحة الرجوع‌ عندنا ‌هو‌ معيار الرجوع‌ ‌في‌ باب‌ خيار العيب‌ و ‌هو‌ ‌كما‌ ‌في‌ الاخبار هنا و هناك‌ كون‌ المال‌ الموهوب‌ ‌أو‌ المبيع‌ قائما بعينه‌ و ‌لا‌ اشكال‌ ‌إن‌ ارتفاع‌ القيمة و هبوطها ‌لا‌ يمنع‌ صدق‌ كونها قائمة بعينها ‌كما‌ ‌لا‌ إشكال‌ ‌في‌ ‌إن‌ الزيادة و النقيصة العينية تمنع‌ ‌من‌ ‌ذلك‌ سواء ‌كانت‌ بفعل‌ إنسان‌ مطلقا ‌أو‌ بسبب‌ سماوي‌، و اما ‌إذا‌ ‌لم‌ تتغير فاما ‌إن‌ ‌يكون‌ ‌قد‌ تصرف‌ ‌بها‌ ‌بما‌ ‌لا‌ يوجب‌ التغيير.

كركوب‌ الدابة و ‌ليس‌ الثوب‌ و مطالعة الكتاب‌ أولا و ‌الثاني‌ ‌هو‌ القدرالمتيقن‌ لجواز الرجوع‌ ‌كما‌ ‌لا‌ ينبغي‌ الإشكال‌ ‌في‌ صحة الرجوع‌ ‌في‌ ‌الأوّل‌ ‌أيضا‌ لصدق‌ كونها قائمة بعينها و اما المنفصلة ‌فإن‌ أوجبت‌ تغيير العين‌ ‌كما‌ ‌لو‌ هزلت‌ الدابة بالولادة ‌فلا‌ رجوع‌ و ‌إن‌ ‌لم‌ توجب‌ التغيير صح‌ الرجوع‌ لأنها قائمة بعينها ‌كما‌ ‌في‌ (المجلة) فلو حملت‌ الفرس‌ ‌الّتي‌ وهبها أحد لغيره‌ فليس‌ ‌له‌ الرجوع‌ ‌عن‌ الهبة ‌لكن‌ ‌له‌ الرجوع‌ ‌بعد‌ الولادة و بهذه‌ الصورة ‌يكون‌ فلوها للموهوب‌ ‌له‌.

اما الأقوال‌ ‌في‌ أصل‌ ‌مسأله‌ التصرف‌ فهي‌ عندنا ثلاثة (1) مطلق‌ التصرف‌ مانع‌ ‌من‌ الرجوع‌ ‌حتي‌ مثل‌ لبس‌ الثوب‌ و ركوب‌ الدابة و لعل‌ مدركهم‌ ظواهر الأخبار المانعة ‌من‌ الرجوع‌ بالهبة مثل‌ (الراجع‌ ‌في‌ هبته‌ كالراجع‌ ‌في‌ قيئه‌) ‌الّتي‌ ‌لا‌ محيص‌ ‌من‌ حملها ‌علي‌ الكراهة و الا لزم‌ كون‌ الهبة مطلقا لازمة ‌حتي‌ ‌مع‌ ‌عدم‌ التصرف‌ فالدليل‌ أعم‌ ‌من‌ المدعي‌ مضافا ‌إلي‌ كونه‌ مصادما للضرورة ‌في‌ ‌أن‌ الأصل‌ ‌في‌ الهبة الجواز (2) بعكسه‌ و ‌هو‌ ‌إن‌ مطلق‌ التصرف‌ ‌لا‌ يمنع‌ الرجوع‌ و لعل‌ مدركهم‌ استصحاب‌ الجواز و ‌هو‌ منقطع‌ بالدليل‌ و كلاهما إفراط و تفريط (3) الوسط و ‌هو‌ خيرها التفصيل‌ ‌بين‌ النافل‌ كالبيع‌ و الصلح‌ و نحوها ‌أو‌ المغير كطحن‌ الحنطة و خياطة الثوب‌ و غرس‌ الأرض‌ ‌أو‌ بنائها دارا و ‌بين‌ ‌ما ‌ليس‌ بناقل‌ و ‌لا‌ مغير كلبس‌ الثوب‌ و نحوه‌ و ‌هذا‌ ‌هو‌ ‌ألذي‌ يساعد ‌عليه‌ الدليل‌ و المعيار المذكور ‌في‌ الاخبار، ففي‌ صحيحة الحلبي‌ ‌إذا‌ ‌كانت‌ الهبة قائمة بعينها فله‌ ‌إن‌ يرجع‌ ‌فيها‌ و الا فليس‌.

بقي‌ ‌في‌ المقام‌ أمور مهمة يلزم‌ التنبيه‌ عليها  (1) ‌قد‌ عرفت‌ ‌إن‌ انتقال‌ العين‌ ‌من‌ ملك‌ الموهوب‌ ‌له‌ ‌إلي‌ آخر يمنع‌ ‌من‌ الرجوع‌

‌كما‌ ‌في‌ مادة «870» ‌إذا‌ باع‌ الموهوب‌ ‌له‌ الموهوب‌ ‌أو‌ أخرجه‌ ‌عن‌ ملكه‌ بالهبة و التسليم‌ ‌فلا‌ يبقي‌ للواهب‌ صلاحية الرجوع‌. و ‌هذا‌ ‌مما‌ ‌لا‌ اشكال‌ ‌فيه‌ انما الإشكال‌ ‌لو‌ عادت‌ ‌إلي‌ ملكه‌ ثانيا بشراء ‌أو‌ إقالة ‌أو‌ إرث‌ ‌أو‌ ‌غير‌ ‌ذلك‌ فهل‌ يعود جواز الرجوع‌ أم‌ ‌لا‌ وجهان‌‌-‌ ‌من‌ ‌إن‌ المانع‌ ‌إذا‌ زال‌ يعود الممنوع‌ و ‌من‌ ‌إن‌ مناط جواز الرجوع‌ بقاء العين‌ ‌في‌ يد الموهوب‌ ‌له‌ ‌علي‌ ‌ما ‌كانت‌ و الفرض‌ هنا انها ‌قد‌ تغيرت‌ صفة ملكيتها «و بعبارة اجلي‌» ‌إن‌ حق‌ الرجوع‌ ‌كان‌ ‌في‌ تلك‌ الملكية الحاصلة بالهبة و ‌قد‌ زالت‌ و ‌هذه‌ ملكية جديدة ‌لم‌ يتحقق‌ ‌فيها‌ حق‌ الرجوع‌ لأحد، و بعبارة ثالثة ‌أو‌ وجه‌ آخر ‌إن‌ الواهب‌ ‌له‌ حق‌ الرجوع‌ ‌في‌ الملكية ‌الّتي‌ نشأت‌ ‌منه‌ و ‌هذه‌ ملكية.

اخري‌ ‌لا‌ سلطة ‌له‌ عليها، و ‌من‌ هنا ذهب‌ السيد الأستاذ قدس‌ سره‌ ‌إلي‌ المنع‌ ‌من‌ الرجوع‌ و ‌لكن‌ اللازم‌ ‌بين‌ ‌ما ‌إذا‌ ‌كانت‌ الملكية العائدة ‌هي‌ الأولي‌ ‌كما‌ ‌في‌ الإقالة و الفسخ‌ فله‌ الرجوع‌، و ‌بين‌ ‌ما ‌لو‌ ‌كانت‌ غيرها كشراء و نحوه‌ ‌فلا‌ رجوع‌، و ‌مع‌ ‌ذلك‌ فالمسألة ‌من‌ أصلها ‌لا‌ تخلو ‌من‌ نظر لان‌ رجوع‌ الموهوب‌ ‌إلي‌ الموهوب‌ ‌له‌ ‌علي‌ حاله‌ يحقق‌ صدق‌ قيام‌ الهبة بعينها المحقق‌ لموضوع‌ الرجوع‌ شرعا و المدار ‌فيه‌ ‌علي‌ صدق‌ القيام‌ و العرف‌ ينظر ‌إلي‌ تغير العين‌ و ‌عدم‌ تغيرها ‌لا‌ ‌إلي‌ الملكية و تبدلها و ‌عدم‌ تبدلها ‌أما‌ قضية ‌إن‌ الملكية العائدة ‌هي‌ الزائلة أم‌ غيرها ‌فلا‌ اثر ‌له‌ ‌في‌ المقام‌ أصلا ‌بل‌ المدار ‌علي‌ صدق‌ القيام‌ و عدمه‌.

«2» ‌لو‌ شك‌ ‌إن‌ العين‌ هل‌ تغيرت‌ أم‌ ‌هي‌ قائمة بحالها

اما للشك‌‌في‌ ‌إن‌ تبدلها ‌من‌ تلك‌ الحال‌ ‌إلي‌ الحال‌ ‌الّتي‌ ‌هي‌ ‌فيه‌ ‌فلا‌ يوجب‌ صدق‌ ‌عدم‌ القيام‌ ‌أو‌ ‌من‌ جهة الشك‌ ‌في‌ أصل‌ التبدل‌ فالظاهر ‌أنّه‌ ‌لا‌ رجوع‌ لعدم‌ إحراز تحقق‌ الموضوع‌ و ‌مع‌ الشك‌ ‌في‌ تحقق‌ الموضوع‌ ‌لا‌ مجري‌ للاستصحاب‌ ‌نعم‌ يمكن‌ ‌إن‌ يقال‌ ‌إن‌ ‌هذه‌ العين‌ ‌كان‌ ‌يجوز‌ للواهب‌ الرجوع‌ ‌فيها‌ و الآن‌ ‌كما‌ ‌كان‌ و ملك‌ الصفة الزائلة ‌ما ‌كانت‌ قيدا ‌في‌ الموضوع‌ ‌بل‌ ‌هي‌ بسبب‌ الشك‌ كالتغير ‌في‌ الماء النجس‌ فان‌ زوال‌ التغير ‌لا‌ يمنع‌ ‌من‌ استصحاب‌ نجاسته‌

(3) ‌قد‌ يقال‌ ‌إن‌ وطئ‌ الجارية و ‌إن‌ ‌لم‌ يحصل‌ ‌به‌ حمل‌ تصرف‌ مسقط للرجوع‌

بدعوي‌ ‌أنّه‌ تغيير ‌في‌ الصفات‌ النفسانية و ‌هو‌ ‌كما‌ تري‌ ممنوع‌ صغري‌ و كبري‌ ‌نعم‌ ‌لو‌ حملت‌ و ‌كانت‌ بكرا فافتضها ‌أو‌ تكرر ‌منه‌ الوطء ‌كان‌ ‌من‌ التصرفات‌ المسقطة للرجوع‌ لعدم‌ قيامها بعينها، و ‌من‌ هنا يظهر الكلام‌ ‌في‌ الإجارة فإنها ‌لا‌ تمنع‌ الرجوع‌ لان‌ العين‌ قائمة ‌علي‌ حالها و الإجارة ‌لا‌ تغير ‌من‌ العين‌ المستأجرة شيئا حسيا فضلا ‌عن‌ مثل‌ العارية و الوديعة، و ‌لو‌ آجر الموهوب‌ ‌له‌ العين‌ الموهوبة ‌ثم‌ رجع‌ الواهب‌ ‌في‌ الأثناء فهل‌ تبقي‌ الإجارة بحالها و يسترجعها الواهب‌ ‌بعد‌ انقضاء المدة ‌أو‌ تنفسخ‌ الإجارة و يسترجعها حالا ‌أو‌ ‌لا‌ يصح‌ الرجوع‌ أصلا، وجوه‌ أوجهها ‌الأوّل‌ لأنه‌ عقد صحيح‌ صدر ‌من‌ أهله‌ ‌في‌ محله‌ ‌فلا‌ وجه‌ لبطلانه‌ غايته‌ ‌إن‌ الواهب‌ ‌له‌ حق‌ الاسترجاع‌ و مقتضي‌ الجمع‌ ‌بين‌ الحقين‌ ‌إن‌ يسترجعها مسلوبة المنفعة، اما مثل‌ التدبير و المكاتبة فضلا ‌عن‌ مثل‌ العتق‌ و الرهن‌ ‌أو‌ غرس‌ الأشجار ‌أو‌ بناء الأرض‌ دارا ‌أو‌ مزج‌ العين‌ بمثلها بحيث‌ ‌لا‌ تتميز ‌فلا‌ إشكال‌ ‌في‌ ‌عدم‌ الرجوع‌ ‌في‌ الجميع‌.

«4» ‌لو‌ باع‌ الواهب‌ ‌بعد‌ الهبة و القبض‌ العين‌ الموهوبة

‌فإن‌ ‌كانت‌ الهبة لازمة ‌فلا‌ إشكال‌ ‌في‌ ‌أنّه‌ فضولي‌ موقوف‌ ‌علي‌ اجازة المتهب‌ و ‌إن‌ ‌كانت‌ جائزة، فقيل‌ يقع‌ باطلا ‌إن‌ قصد ‌به‌ الرجوع‌ ‌عن‌ الهبة و التمليك‌ لانه‌ ‌لا‌ بيع‌ ‌إلا‌ ‌في‌ ملك‌ فلو توقف‌ الملك‌ ‌علي‌ البيع‌‌-‌ دار‌-‌ و ‌إن‌ شئت‌ قلت‌ ‌إن‌ السبب‌ الواحد ‌لا‌ يعقل‌ ‌إن‌ ‌يكون‌ مملكا للواهب‌ و ناقلا ‌هذه‌ الملكية ‌إلي‌ المشتري‌ فيكون‌ عقدا و فسخا، و ‌لكن‌ تصحيحه‌ و دفع‌ هذين‌ المحذورين‌ بان‌ توقف‌ ملكيته‌ ‌علي‌ البيع‌ المحقق‌ للرجوع‌ ‌مما‌ ‌لا‌ اشكال‌ ‌فيها‌ ‌فلا‌ يملك‌ الا بالبيع‌ و ‌لكن‌ يكفي‌ ‌في‌ الملكية المصححة للبيع‌ اقترانها بالبيع‌ ‌لا‌ تقدمها و سبقها، و قاعدة ‌لا‌ بيع‌ ‌إلا‌ ‌في‌ ملك‌، ‌لا‌ تقتضي‌ أكثر ‌من‌ لزوم‌ كون‌ البيع‌ ‌مع‌ الملك‌ أعم‌ ‌من‌ كونه‌ سابقا ‌أو‌ مقارنا، توضيح‌ ‌ذلك‌ ‌إن‌ الرجوع‌ ‌في‌ الهبة كالرجوع‌ ‌في‌ الطلاق‌ ‌لا‌ يحتاج‌ ‌إلي‌ عقد و ‌لا‌ إيقاع‌ ‌بل‌ يكفي‌ ‌فيه‌ القول‌ الدال‌ ‌عليه‌ ‌كما‌ يكفي‌ أي‌ فعل‌ ‌من‌ الأفعال‌ الظاهرة ‌في‌ قصد الرجوع‌ فالبيع‌ الصادر ‌من‌ الواهب‌ ‌بما‌ ‌هو‌ فعل‌ قصد ‌به‌ الرجوع‌ ‌يكون‌ فسخا و مملكا ‌له‌ و ‌بما‌ ‌هو‌ عقد بلحوق‌ القبول‌ ‌يكون‌ ناقلا و مملكا للمشتري‌ فعند شروعه‌ بالإيجاب‌ انفسخت‌ الهبة و رجع‌ ملكا للواهب‌ و ‌عند‌ تمامية العقد إيجابا و قبولا يعود ملكا للمشتري‌ و ينتقل‌ اليه‌ ‌من‌ الواهب‌ فاندفع‌ المحذوران‌ ‌مع‌ المحافظة ‌علي‌ القواعد و اتجه‌ القول‌ بالصحة و ‌له‌ نظائر ‌منها‌ بيع‌ ذي‌ الخيار لنفسه‌ ‌ما انتقل‌ ‌عنه‌ بقصد الفسخ‌، و ‌منها‌ عتق‌ العبد الموهوب‌ بقصد الرجوع‌ ‌في‌ الهبة فتدبره‌ و اغتنمه‌ فإنه‌ ‌من‌ نفائس‌ العلم‌

(السبب‌ الخامس‌) ‌من‌ أسباب‌ لزوم‌ الهبة‌-‌ تلف‌ العين‌ الموهوبة

‌كما‌نصت‌ ‌عليه‌ مادة [871] ‌إذا‌ استهلك‌ الموهوب‌ ‌في‌ يد الموهوب‌ ‌له‌ ‌فلا‌ يبقي‌ للرجوع‌ محل‌ يعني‌ ‌إن‌ حق‌ الرجوع‌ قائم‌ بشخص‌ العين‌ فيذهب‌ بذهابها ‌لا‌ بماليتها ‌حتي‌ ينتقل‌ ‌إلي‌ المثل‌ ‌أو‌ القيمة ‌كما‌ ‌في‌ الفسخ‌ بالخيار ‌بعد‌ تلف‌ العين‌ و ‌لا‌ فرق‌ ‌في‌ التلف‌ المسقط للرجوع‌ ‌بين‌ كونه‌ سماويا ‌أو‌ بشريا ‌من‌ الواهب‌ ‌أو‌ المتهب‌ ‌أو‌ أجنبي‌ ‌كل‌ ‌ذلك‌ ‌لما‌ تكرر ‌من‌ ‌إن‌ المعيار كون‌ الهبة قائمة بعينها ‌نعم‌ يمكن‌ القول‌ بان‌ تلف‌ البعض‌ ‌لا‌ يمنع‌ حق‌ الرجوع‌ ‌في‌ الباقي‌ لأنه‌ قائم‌ بعينه‌ و ‌لا‌ يخلو ‌من‌ نظر و الحق‌ ‌هو‌ التفصيل‌ ‌بين‌ ‌ما ‌إذا‌ ‌كان‌ الموهوب‌ متعددا حقيقة كثوب‌ و كتاب‌ فتلف‌ أحدهما ‌لا‌ يسقط حق‌ الرجوع‌ ‌في‌ الآخر لأنه‌ قائم‌ بعينه‌ و يرجع‌ ‌في‌ الحقيقة ‌إلي‌ هبتين‌ و ‌بين‌ ‌ما ‌يكون‌ واحدا بحسب‌ الصدق‌ العرفي‌ و ‌إن‌ ‌كان‌ مركبا ذا أجزاء ‌في‌ الحقيقة كالثوب‌ الواحد المؤلف‌ ‌من‌ قطعات‌ مختلفة ‌أو‌ متفقة فلو تلف‌ ‌بعض‌ اجزائه‌ سقط حق‌ الرجوع‌ ‌في‌ الباقي‌ لعدم‌ قيام‌ الهبة بعينها و ‌هي‌ هبة واحدة و ‌منه‌ يتضح‌ لك‌ حال‌ نقص‌ العين‌ مطلقا فان‌ المعيار ‌فيه‌ صدق‌ القيام‌ فان‌ انتفي‌ ‌فلا‌ رجوع‌ و الا فحق‌ الرجوع‌ باق‌ و ‌الحكم‌ الكلي‌ واضح‌ و انما الإشكال‌ ‌في‌ التطبيق‌ و معرفة حال‌ المصاديق‌ و ‌هي‌ ‌الّتي‌ يقع‌ الشك‌ و الاشتباه‌ ‌فيها‌ غالبا فمثل‌ نسيان‌ الكتابة و أمثالها ‌من‌ الصفات‌ النفسانية يقع‌ الشك‌ انها مغيرة للعين‌ ‌أو‌ ‌لا‌ ‌بل‌ ‌هي‌ قائمة بعينها و منشأ ‌ذلك‌ ‌إن‌ المدار ‌علي‌ التغيير الحسي‌ فقط ‌أو‌ الأعم‌ ‌منه‌ و ‌من‌ النفسي‌ و الموارد تختلف‌ و المدار ‌علي‌ العرف‌ ‌أو‌ نظر الحاكم‌ ‌إن‌ ‌كان‌ منهم‌.

و يلحق‌ بالتلف‌ الحقيقي‌ و ‌هو‌ هلاك‌ العين‌ التلف‌ الحكمي‌ و ‌هو‌ انتقالهاببيع‌ ‌أو‌ صلح‌ فضلا ‌عن‌ مثل‌ العتق‌ و الانعتاق‌ بالتنكيل‌ و الأسباب‌ الخاصة المعروفة، ‌نعم‌ يشكل‌ ‌في‌ مثل‌ التدبير و الكتابة و الأقرب‌ ‌فيها‌ بقاء حق‌ الرجوع‌ فليتدبر، ‌هذا‌ كله‌ ‌في‌ الهبة الجائزة المجردة ‌عن‌ الشرط اما الهبة اللازمة ‌الّتي‌ اشترط الواهب‌ ‌فيها‌ خيار الفسخ‌ ‌كما‌ ‌لو‌ وهب‌ قرابته‌ و اشترط ‌إن‌ ‌له‌ الرجوع‌ متي‌ شاء فان‌ ‌له‌ الفسخ‌ ‌حتي‌ ‌بعد‌ التلف‌ و يسترد المثل‌ ‌أو‌ القيمة.

و الفرق‌ ‌بين‌ حق‌ الرجوع‌ المجعول‌ بأصل‌ الشرع‌ ‌في‌ العين‌‌-‌ و ‌بين‌ الفسخ‌ المجعول‌ بشرط الواهب‌ ‌في‌ العقد ظاهر ‌بعد‌ قليل‌ ‌من‌ التأمل‌.

«السادس‌» ‌من‌ أسباب‌ اللزوم‌ موت‌ الواهب‌ ‌أو‌ المتهب‌ ‌بعد‌ القبض‌

و ‌لو‌ لأجنبي‌ فتلزم‌ الهبة و ‌لا‌ رجوع‌ لورثة الواهب‌ و ‌لا‌ ‌له‌ ‌علي‌ ورثة المتهب‌ لان‌ الرجوع‌ حكم‌ شرعي‌ ‌لا‌ حق‌ مالي‌ ‌حتي‌ ينتقل‌ كالخيار و نحوه‌ ‌إلي‌ الورثة ‌أو‌ عليهم‌ و ‌لو‌ سلم‌ كونه‌ حقا فهو قاصر ‌علي‌ ذات‌ الواهب‌ و ‌لا‌ أقل‌ ‌من‌ ‌إن‌ الأصل‌ ‌عدم‌ الانتقال‌ و العين‌ بموت‌ الموهوب‌ ‌له‌ ‌قد‌ انتقلت‌ ‌إلي‌ ورثته‌ و ‌قد‌ عرفت‌ ‌إن‌ الانتقال‌ أحد أسباب‌ اللزوم‌ ‌فلا‌ رجوع‌ للواهب‌ و ‌لا‌ سيما و الورثة ملكوه‌ بالإرث‌ ‌لا‌ بالهبة، و بهذا يستبين‌ ‌ما ‌في‌ مادة «872» وفاة ‌كل‌ ‌من‌ الواهب‌ و الموهوب‌ ‌له‌ مانعة ‌من‌ الرجوع‌ بناء ‌عليه‌ ‌ليس‌ للواهب‌ الرجوع‌ ‌عن‌ الهبة ‌إذا‌ توفي‌ الموهوب‌ ‌له‌ كذلك‌ ‌ليس‌ للورثة استرداد الموهوب‌ ‌إذا‌ توفي‌ الواهب‌

«السابع‌» كون‌ الموهوب‌ دينا ‌علي‌ الموهوب‌ ‌له‌

‌كما‌ ‌في‌ مادة (873) ‌إذا‌ وهب‌ الدائن‌ للمديون‌ منجزا فليس‌ ‌له‌ الرجوع‌.

فإنها ‌في‌ الحقيقة إسقاط و إبراء و يقولون‌: ‌إن‌ الساقط ‌لا‌ يعود‌-‌ يعني‌ ‌إلا‌ بسبب‌ جديد و ‌هذا‌ يطرد ‌في‌ ‌كل‌ كلي‌ ‌في‌ الذمة و ‌إن‌ ‌لم‌ يكن‌ قرضا كثمن‌ مبيع‌ ‌أو‌ وجه‌ إجارة ‌أو‌ نحو ‌ذلك‌ اما ‌لو‌ وهبه‌ لغير المديون‌ و ‌لم‌ يكن‌ رحما و ‌لا‌ زوجية فله‌ الرجوع‌ ‌حتي‌ ‌بعد‌ القبض‌ و تخيل‌ ‌أنّه‌ ‌قد‌ وهبه‌ الكلي‌ و المقبوض‌ المصداق‌ و ‌هو‌ ‌شيء‌ آخر واضح‌ الضعف‌

«الثامن‌» مادة (874) ‌لا‌ يصح‌ الرجوع‌ ‌عن‌ الصدقة ‌بعد‌ القبض‌ بوجه‌ ‌من‌ الوجوه‌.

و ‌كان‌ الاولي‌ ‌إن‌ يدخل‌ ‌هذا‌ ‌في‌ الهبة المعوضة ‌فإن‌ الثواب‌ ‌هو‌ العوض‌ و ‌قد‌ استحقه‌ و كتب‌ ‌له‌ فصار بحكم‌ المقبوض‌ و بحكم‌ المعوضة، و ‌لا‌ فرق‌ ‌بين‌ ‌إن‌ يجعلها بلفظ الصدقة و مشتقاتها ‌أو‌ بلفظ الهبة و متفرعاتها ‌كما‌ ‌لا‌ فرق‌ ‌بين‌ كونها ‌علي‌ الفقير ‌أو‌ الغني‌ ‌أو‌ المجهول‌ و ‌علي‌ مسلم‌ ‌أو‌ كافر ‌إن‌ تحققت‌ القربة ببعض‌ الجهات‌.

مادة (875) ‌إذا‌ أباح‌ الرجل‌ لآخر شيئا ‌من‌ مطعوماته‌

فليس‌ ‌له‌ التصرف‌ ‌فيه‌ بوجه‌ ‌مما‌ يتوقف‌ ‌علي‌ المالك‌ كبيع‌ و هبة و صلح‌ و ‌لكن‌ ‌له‌ الأكل‌ و التناول‌ ‌من‌ ‌ذلك‌ الشي‌ء و ‌بعد‌ ‌هذا‌ ‌ليس‌ لصاحبه‌ مطالبة قيمته‌ مثلا ‌إذا‌ أكل‌ أحد ‌من‌ بستان‌ آخر بإباحته‌ مقدارا ‌من‌ العنب‌ فليس‌ لصاحب‌ البستان‌ مطالبة قيمة ‌ذلك‌،،، ‌من‌ المعلوم‌ ‌إن‌ الإباحة ليست‌ تمليكا ‌بل‌ ‌هو‌ تسليط ‌علي‌ التصرف‌ فيقتصر ‌علي‌ مقدار الاذن‌ و الرخصة فلو اذن‌ ‌له‌ بجميع‌ التصرفات‌ ‌حتي‌ الناقلة ‌كان‌ ‌من‌ قبيل‌ المعاطاة ‌عند‌ القائلين‌ بالإباحة و الاشكال‌ هناك‌ يأتي‌ هنا بالأولي‌. و ‌لو‌ رخصه‌ ‌علي‌نحو مخصوص‌ و تصرف‌ معين‌ تعين‌ و ‌ليس‌ ‌له‌ التجاوز فلو تجاوز ‌كان‌ باطلا و ‌لما‌ ‌كانت‌ قرينة الحال‌ ‌في‌ إباحة المطعومات‌ ظاهرة ‌في‌ إرادة إباحة الأكل‌ خاصة تعينت‌ كالمدعويين‌ ‌في‌ الولائم‌ و نحوها و ‌لا‌ ‌يجوز‌ ‌غير‌ الأكل‌ ‌من‌ التصرفات‌ و ‌له‌ نظائر ‌قد‌ تقدم‌ بعضها فليراجع‌ و ‌منها‌ ‌ما ‌في‌ مادة (876) الهدايا ‌الّتي‌ ترد ‌في‌ الختان‌ و العرس‌ تكون‌ لمن‌ ترد باسمه‌ ‌من‌ المختون‌ و العروس‌ و الولد و الوالدة و ‌إن‌ ‌لم‌ يذكر أنها وردت‌ لمن‌ و ‌لم‌ يمكن‌ السؤال‌ عنها و التحقيق‌ فعلي‌ ‌ذلك‌ يراعي‌ عرف‌ البلد و عادتها يعني‌ ‌إذا‌ خصها المالك‌ اختصت‌ و الا فالمتبع‌ ‌هو‌ العرف‌ الخاص‌ و ‌علي‌ كلا التقديرين‌ فهي‌ ‌من‌ مصاديق‌ التمليك‌ المجاني‌ و ‌لا‌ إشكال‌ ‌في‌ ‌هذا‌ انما الإشكال‌ أنها هل‌ ‌هي‌ ‌من‌ الهبة الجائزة ‌الّتي‌ ‌يجوز‌ الرجوع‌ ‌فيها‌ و ‌الحكم‌ بذلك‌ و ‌لا‌ سيما ‌مع‌ تباني‌ العرف‌ ‌علي‌ ‌عدم‌ الرجوع‌ ‌فيها‌ مشكل‌ و ‌الحكم‌ بلزومها ‌مع‌ ‌عدم‌ وجود أحد الأسباب‌ الملزمة أشكل‌ فالمسألة تحتاج‌ ‌إلي‌ مزيد دقة و تأمل‌.

و نظير ‌هذا‌ الهدايا المرسلة ‌إلي‌ المسافرين‌ ‌عند‌ قدومهم‌ ‌أو‌ منهم‌ ‌إلي‌ أصدقائهم‌ و أقربائهم‌ و أمثال‌ ‌ذلك‌ و ‌هو‌ كثير و ‌منه‌ ‌ما يعطي‌

بعنوان‌ الاعانات‌ و المساعدات‌
فان‌ الجميع‌ تمليكات‌ مجانية و حالها ‌من‌ ‌حيث‌ جواز الرجوع‌ و عدمه‌ ‌ما عرفت‌.
 


 
امتیاز دهی
 
 

 
خانه | بازگشت | حريم خصوصي كاربران |
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما