الفصل الرابع في (بيان التناقض)
هذا المبحث لا عين له في كتب أصحابنا و لا اثر و لم يذكر في متون الفقه، و إهماله هو المتعين فان التناقض خصوصية في جريان المرافعة و الخصومة و يرجع حكمها إلي الحاكم و يختلف ذلك باختلاف المقامات و الأحوال فقد يكون التناقض بإقرار بعد إنكار أو إنكار بعد إقرار فهو و إن تناقض و لكن الحكم يكون علي إقراره في المقامين و لا أثر لإنكاره تقدم أو تأخر، و علي هذا النسق الأمثلة الّتي ذكرتها «المجلة»: مثلا لو أراد أحد إن يشتري مالا ثم قبل الاشتراء ادعي أنّه ملكه لا تسمع دعواه- فان هذا ممنوع علي إطلاقه بل يمكن القول بصحة سماع دعواه إذا أبدي وجها مشروعا معقولا يظهر عليه الصدق حسب المقامات مثل أنّه أراد شراءه تفاديا من خسة الخصومة و حفظا للكرامة ثم رأي غلاء الثمن فعدل عن ذلك و ما أشبه هذا من الوجوه الكثيرة و المعاذير المعقولة و مثل هذا ما يليه من الأمثلة فالجميع يمكن في بعض المواقع قبول الدعوي لوجه مشروع يرتفع به التناقضإذا فالتناقض ليس بأمر ذي شأن يقتضي أن يعقد له عنوان، بل من خصوصيات جريان المرافعات و ليس له قاعدة كلية و حكم مطرد بل يكون مانعا تارة و غير مانع اخري و أوضح من هذا خللا و ضعفا مادة «1648» كما أنّه لا يصح لأحد إن يدعي المال ألذي أقر بكونه لغيره بقوله هذا مالي كذلك لا يصح إن يدعيه بالوكالة أو الوصاية عن آخر.
إذ أي مانع إن يكون كما أقر به للغير باعتبار الزمن السابق ثم انتقل إلي المقر بعد ذلك غايته أنّه ملزم بالإثبات و هذا هو عين سماع الدعوي (فاسمعها جيدا) كما أنّه اي مانع من إقراره بأنه مال الغير و هو ولي عليه أو وصي عن آخر، فأين التناقض و لو صورة فضلا عن التناقض حقيقة، و هكذا مادة «1649» إذا أبرأ أحد آخر من جميع الدعاوي لا يصح له إن يدعي بعد ذلك مالا لنفسه و لكن يصح له إن يدعي بالوكالة.
فإنها أيضا قاصرة بتراء فإن الإبراء عما مضي من الحقوق في الزمان فلا مانع من دعوي حق له جديد متأخر عن وقت الإبراء و إن كان عن السابق و اللاحق فهو إبراء غير صحيح لانه من قبيل إسقاط ما لم يجب فله إن يدعي حقا جديدا بعد الإبراء و هكذا مادة «1650» إذا ادعي أحد مالا لآخر فلا يصح له بعد ذلك إن يدعي به لنفسه،،، بل يصح إن يدعيه لنفسه بدعوي أنّه اشتراه منه أو وهبه لهالمالك و ما أشبه، فلأي شيء لا تسمع دعواه؟ بل لعله قد ادعاه لآخر لغرض صحيح- كالغرض صح به إن يدعيه لآخر بعد ما ادعاه لنفسه لان الوكيل بالدعوي يضيف الملك إلي نفسه في بعض الأحيان، و لا فرق في ذلك بين إن يكون عند الخصومة أو غيرها فافهمه.
مادة (1651) كما إن الحق الواحد لا يستوفي من كل واحد من الشخصين علي حده بتمامه. كذلك لا يدعي الحق الواحد ألذي ترتب من جهة واحدة علي رجلين.
يعني كما إن الحق ألذي ثبت علي شخص معين لا يعقل إن يطالب غيره و لا يستوفي إلا منه كذلك الحق ألذي يدعي به علي شخص من جهة واحدة لا يمكن إن يدعي به من تلك الجهة علي شخص آخر، و التقييد بوحدة الجهة احترازا عما لو تعددت فان الكفيل يطالب و يدعي عليه بما تكفل به مع صحة مطالبة المكفول أيضا لنفس ذلك الحق و لكن الجهة متعددة و إن كان الحق واحدا فإن أحدهما عهدة لنسبة و الأخري عهدة غيرية و هذا و إن كان صحيحا بادي الرأي و لكن يمكن نقضه بالضمان علي مذهب الجمهور من أنّه ضم ذمة إلي ذمة فكل واحد يصح مطالبة علي البدل بحق واحد و من جهة واحدة فليتدبر.
مادة (1652) يتحقق التناقض في كلام الشخصين اللذان هما في حكم المتكلم الواحد كالوكيل و الموكل و الوارث و المورث إلي آخرها.
كما لو ادعي الموكل ثمن مبيع و الوكيل غرامة إتلاف و نظائر ذلك و لكن قد يرتفع عند الحاكم تناقضهما ببعض الوجوه المعقولة.
مادة (1653) يرتفع التناقض بتصديق الخصم
مثلا بعد إن ادعي أحد علي آخر ألفا من جهة القرض ثم لو ادعي إن المبلغ المذكور من جهة الكفالة و صدقه المدعي عليه يرتفع التناقض.
لعله لا تناقض أصلا فإن الكفالة اشتغال الذمة فهو أيضا قرض بمعناه العام نعم لو ادعي أنّه أخذ منه المبلغ قرضا ثم قال أخذته من غيره و قد كفله كان تداهنا فتدبره. و مثله مادة «1654» و يرتفع التناقض بتكذيب الحاكم مثلا لو ادعي المال ألذي هو في يد غيره أنّه مالي و أنكر ذلك المدعي عليه بقوله إن هذا المال كان لفلان و انا اشتريته منه و اقام المدعي البينة و حكم بذلك يرجع المحكوم بثمن المال علي البائع، و التناقض ألذي رفع بين إقراره يكون المال للبائع و بين رجوعه بالثمن عليه بعد الحكم قد ارتفع بتكذيب حكم الحاكم إقراره.
فإنه لا تناقض أصلا ضرورة إن قوله هذا المال لفلان و ما اشتريته منه مبني علي ظاهر اليد و قد ارتفع هذا بالبينة قبل إن يحكم الحاكم لما عرفت من إن البينة لها نظر إلي الواقع و متعلقها منزل منزلة الواقع فلذلك هي حاكمة علي اليد و علي الإقرار و علي سائر الأمارات فتدبره.
كما لو ادعي الموكل ثمن مبيع و الوكيل غرامة إتلاف و نظائر ذلك و لكن قد يرتفع عند الحاكم تناقضهما ببعض الوجوه المعقولة.
مادة (1653) يرتفع التناقض بتصديق الخصم
مثلا بعد إن ادعي أحد علي آخر ألفا من جهة القرض ثم لو ادعي إن المبلغ المذكور من جهة الكفالة و صدقه المدعي عليه يرتفع التناقض.
لعله لا تناقض أصلا فإن الكفالة اشتغال الذمة فهو أيضا قرض بمعناه العام نعم لو ادعي أنّه أخذ منه المبلغ قرضا ثم قال أخذته من غيره و قد كفله كان تداهنا فتدبره. و مثله مادة «1654» و يرتفع التناقض بتكذيب الحاكم مثلا لو ادعي المال ألذي هو في يد غيره أنّه مالي و أنكر ذلك المدعي عليه بقوله إن هذا المال كان لفلان و انا اشتريته منه و اقام المدعي البينة و حكم بذلك يرجع المحكوم بثمن المال علي البائع، و التناقض ألذي رفع بين إقراره يكون المال للبائع و بين رجوعه بالثمن عليه بعد الحكم قد ارتفع بتكذيب حكم الحاكم إقراره.
فإنه لا تناقض أصلا ضرورة إن قوله هذا المال لفلان و ما اشتريته منه مبني علي ظاهر اليد و قد ارتفع هذا بالبينة قبل إن يحكم الحاكم لما عرفت من إن البينة لها نظر إلي الواقع و متعلقها منزل منزلة الواقع فلذلك هي حاكمة علي اليد و علي الإقرار و علي سائر الأمارات فتدبره.
مادة (1655) يعفي التناقض إذا ظهرت مقدرة المدعي و كان محل خفاه مثلا إذا ادعي المستأجر علي المؤجر إلي آخرها،،،
هذه بعض المعاذير الّتي يرتفع بها التناقض الظاهري و هناك وجوه أخري كثيرة تجري حتي في مادة (1656) الابتدار إلي تقسيم التركة إقرار بكون المقسوم مشتركا بناء عليه لو ادعي أحد إلي آخرها،، و وجه الارتفاع في الأوّل فضلا عن الثاني غير خفي فافهمه و تكثير الأمثلة و إن كان فيه فائدة التمرين أحيانا و لكنها قد توجب من الملل و الضجر أكثر من التمرين بالتمرين فما في مادة (1657) لو أمكن توفيق الكلام ألذي يري متناقضا و أوفقه المدعي أيضا يرتفع التناقض مثلا- إلي آخرها.
جميل من حيث التنبيه علي اختلاف التفاسير و أساليب الدعوي الّتي يختلف الحكم باختلافها من حيث التناقض و عدمه مع تقاربها بل وحدتها في بادي الرأي، فإذا قال لم تودع عندي شيئا كان مناقضا لقوله رددتها عليك اما لو قال ليس لك عندي فعلا لم يكن تناقضا و هكذا حال الأمثلة المتقدمة و هو باب جميل و إن كان فيه شيء من التطويل و من هذا القبيل مادة [1658] فإنه بإقراره و كتابه للوثيقة و السند علي نفسه فقد تم هذا الأمر من جهة فلو سعي في نقضه كان سعيه مردودا عليه،،، اما- مادة (1659) إذا باع أحد مالا في حضور آخر لشخص علي أنّه ملكه و سلمه ثم ادعيالحاضر بأنه ملكه مع أنّه كان حاضرا في مجلس البيع و سكت بلا عذر ينظر إلي إن الحاضر هل كان من أقارب البائع أم لا- إلي آخرها، فإنها مع ما فيها من التعقيد الشديد و سوء البيان، غير متجه ما فيها من التفصيل بين الأقارب و الأجانب فإن السكوت بغير عذر ظاهر في عدم علاقته به و أنّه ملك البائع و ربما كان السكوت كلاما فدعواه الملكية بعد ذلك يناقض اعترافه بملكية البائع الّتي دل عليها سكوته ألذي هو بمنزلة الكلام و هذا الوجه يجري في البعيد و القريب و لا اعرف للتفصيل وجها معقولا فتدبره.
