«المرحلة الثانية» (في الوصية العهدية)
بمعني الوصية إليه لا الوصية له و اللازم أيضا النظر في أركانها الأربعة الوصية و الموصي و الوصي و متعلق الوصية.
(169) تتحقق الوصية هنا أيضا بكل ما دل عليها من لفظ و غيره
و اللفظ الصريح جعلتك وصيا علي أداء ديوني و إخراج ثلثي و قيما علي الصغار من ولدي أو أنت وصي عني و أمثال ذلك، و القبول كما سبق و يكفي عدم الرد فتكون إيقاعا.
(170) يعتبر في الموصي جميع ما تقدم من البلوغ و العقل و الرشد و الاختيار و الحرية
فلا تصح من الصغير إلا إذا بلغ عشراً و اوصي بمعروف و لا من المجنون و لا من السفيه و لا من المكره و لا من العبد و لا ممن أحدث بنفسه ما يوجب هلاكه.
[171] يعتبر في الموصي إليه أي الوصي
مضافا إلي ما يعتبر في الموصي له من الوجود و الكمال بالعقل و البلوغ و الرشد و الاختيار و الإسلام و القدرة علي القيام بالوصايا بل و العدالة علي الأحوط و إن كان الأقوي كفاية الوثوق بأمانته و قيامه بالواجب في الوصية و إن كان غير عدل في نفسه، فلا تصح الوصية إلي معدوم و لا إلي المجنون و لا لصغير الا مع ضم كبير اليه فيتصرف و إذا كبر الصغير ليس له حق الاعتراض إذا كان الكبير قد جاء بالوصايا علي وجهها كما لا تصح الوصية إلي السفيه و المكره و الكافر مطلقا و العاجز ألذي لا يقدر علي العمل و لو توكيلا أو استئجارا كالمريض المدنف و الشيخ الهرم و الضعيف رأياً و تدبيراً و أمثال ذلك و من لا يوثق بأمانته و قيامه بالواجب.
(172) انما تصح الوصية في ثلث أمواله و حقوقه المالية
كحق الخيار و نحوه و كافة حقوقه الشخصية مثل ولايته علي أولاده الصغار و شئون تجهيزه كدفنه و تكفينه و الصلاة عليه و وفاء ديونه و رد ودائعه و المطالبة بها و إضراب ذلك.
(173) لا تنفذ وصيته الا بالثلث
فلو أوصي بأكثر وقفت علي اجازة الورثة و لو لم يكن له وارث إلا الامام كان له إن يوصي بجميع ماله حيث شاء من وجوه البر و لا تتوقف علي إجازة الإمام أو نائبه، و كذا تنفذ وصيته في عامة أمواله فيما لا يزاحم الورثة في جهته المالية كما لو قسم أعيان أمواله علي ورثته و خص كل واحد منهم بعين بمقدار حصته و خص ثلثه في دار أو بستان و نحوها مما لا تزيد علي الثلث أو باع عينا بثمن المثل منجزا أو بخيار أو اوصي ببيعها بعد موته بثمن المثل فان الجميع نافذ:
[174] كما إن الوصية برزخ بين العقد و الإيقاع كذلك هي برزخ بين الجواز و اللزوم
فما دام الموصي حيا فلكل منهما الرجوع حتي بعد قبول الموصي له أو اليه اما لو رد في حياة الموصي و بلغه و استمر إلي إن مات الموصي فلا وصية و إن قبل بعد الرد و بلغ الموصي و لم يعدل إلي غيره إلي إن مات لزمته الوصية، و لو اوصي شخصا أو اوصي له و لم يعلمه إلي إن مات لزمته حتي مع علم الموصي بأنه لو أعلمه لرد، و لو رد و لم يبلغ رده إلي الموصي لزمته أيضا.
(175) كل تصرف مالي منجز يخرج من مجموع المال
حتي في مرض الموت و حتي المحاباة كالهبة و العتق و نحوها و كل تصرف
مالي معلق علي الموت كالتدبير و الوقف و الإبراء و النذر و نحو ذلك تخرج من الثلث، و كل تصرف يقصد منه حرمان الورثة أو بعضهم أو يجحف بحقهم فهو باطل و يعلم قصد الحرمان بقرائن الأحوال بنظر الحاكم و اللّه العالم.
(176) كذلك يخرج من مجموع التركة سواء كان قد أوصي أم لا
- تجهيزاته الواجبة من كفن و غيره حتي السدر و الكافور و تقدم علي كل شيء حتي الديون للخالق أو المخلوق ثم تخرج من الأصل أيضا حقوق المخلوق الّتي في ذمته قرضا أو غيره مع حقوق المخلوق الّتي فرضها الخالق كالخمس و الزكاة و المظالم و الكفارات و الجميع في رتبة واحدة و إذا لم تف التركة وزعت بالنسبة كغرماء المفلس و منها حجة الإسلام و ما وجب من النذر من المستحبات المالية أو الموقوفة علي بذل مال كالحج و الزيارة و ما وجب عليه بالإجارة من صوم أو صلاة و نحوهما، فالحقوق المالية تخرج من الأصل اتفاقا مطلقا (و اما الحقوق البدنية) كالصوم و الصلاة فقد يقال إن المشهور خروجها من الثلث فلو لم يوص سقطت و الأصح انها تخرج من الأصل أيضا إلا إن يوصي بخروجها من الثلث اما المستحبات فتخرج من الثلث اتفاقا لو اوصي بها أو نذر الوصية بها.
(177) إذا اوصي و أطلق و انصرف إلي إرادة إخراج الثلث
و إن لم يصرح به و إذا صرح أو لم يصرح بمصارف الثلث فاللازم الرجوع إلي حاكم الشرع حتي يوزعه علي الحقوق الماليةو البدنية إن كانت عليه كما هو الغالب و لم يخرجها الورثة من الأصل كما هو المتعارف و إذا لم يكن عليه واجبات يوزعها الوصي بنظر حاكم الشرع في المستحبات فإنه أعرف باختلاف المقامات و رعاية المناسبات و تشخيص الأهم فالأهم، و إذا لم يف الثلث بالواجبات تعين أخذ التتمة من الأصل.
«178» إذا اوصي بوصايا متعددة
فإن تناقضت كما لو قال ثلثي لزيد ثم قال لعمرو فالعمل علي الأخيرة و يكون عدولا و الا تعين العمل بالجميع، و إن كان فيها واجب و مستحب قدم الواجب و إن تأخر بالذكر و إن كانت كلها مستحبات و لم يف بها الثلث و لم تجز الورثة قدم الأهم فالأهم فإن تساوت قدم الأوّل فالأول فإن تساوت كما لو قال لكل واحد من أرحامي مائة وزع عليهم و إن لم يمكن فالقرعة كما لو علم الترتيب و اشتبه.
«179» الثلث ألذي يتعين لإخراج الوصايا منه يخرج من مجموع ما يملكه الميت قبل الوصية
أو بعدها حتي من الحقوق كحق التحجير و الشفعة و الخيار و القصاص و أرش الجنابة إذا كان وليا علي المجني عليه فمات قبل الاستيفاء و أمثال ذلك بل و حتي ما يملكه أو يدخل في حكم ملكه بعد الموت كدية الخطأ بل و العمد مع الصلح اما دية قطع رأسه فهي له أجمع، كالجنابة عليه بعد موته و ما يملكه بسبب سابق علي الموت كما لو نصب شبكة للصيد أو لاحق كما لو أبرأه الغرماء أو تبرع متبرع بوفاء دينه.
(181) ما يتلف من التركة قبل إخراج الثلث
إن كان بتفريط الورثة فالضمان عليهم و إن كان بتقصير الوصي فعليه و الا فالتلف علي الجميع حتي الثلث بالنسبة فيلحق النقص بالوصايا علي نسبتها أيضا.
(182) إذا اوصي بما زاد علي الثلث و أجاز الورثة لم يكن لهم الرد بعد ذلك مطلقا
حتي في حياة الموصي و لو أجاز البعض فقط نفذ في حصته كما يجوز للجميع اجازة البعض أو البعض البعض، اما الرد فلا اثر له في حياة الموصي و لهم الإجازة بعد موته و لو وقع بعد موته فلا اجازة بعده و هي تنفيذ لفعل الموصي لا ابتداء عطية من الوارث فلا تجري عليها أحكام الهبة من اعتبار القبض و جواز الرجوع و ينتقل الملك فيها من الموصي إلي الموصي له لا من المجيز فلو كان ممن ينعتق عليه لم ينعتق بالإجازة، و هي كاشفة لا ناقلة، و لا عبرة بإجازة الصبي و المجنون اما السفيه و المفلس ففيه خلاف و العدم أقرب.
«183» لو اوصي بحرمان بعض الورثة من الإرث ولدا أو غيره لغت وصيته
نعم يمكن حرمانه من الثلث إن تركه للورثة.
«184» إذا مات الموصي له في حياة الموصي
فإن رجع الموصي كان المال له و لورثته و لا حق لورثة الموصي له أصلا و إن لم يرجع فالقاعدة و إن اقتضت البطلان و لكن المشهور انتقال حق القبول للورثة لرواية قاصرة الدلالة و السند و العمل علي المشهور أرجح بناء علي إن القبول حق فينتقل إلي وارثه و إن كان لا يخلو من نظر، و إن مات بعد الموصي انتقل المال الموصي به إلي ورثة الموصي له بناء علي الانتقالبموت الموصي مطلقا و لو قبل القبول و القبض، و المدار علي الوارث حين موت الموصي لا الموصي له و من الموصي ينتقل إليهم لا إلي مورثهم ثم إليهم و إن كان الانتقال اليه ثم إليهم لا يخلو من وجه و يظهر الأثر في وفاء ديونه منه و ثلثه و استحقاق الزوجة منه و عدمه لو كان أرضا و غير ذلك من الثمرات.
«185» الوصي أمين
فلا يضمن ما يتلف بيده بغير تقصير منه، و لو كان له دين علي الميت جاز إن يستوفيه من دون بينة و لا مراجعة حاكم و كذا يقضي ديونه الّتي يعلم بها و رد ودائعه إلي أهلها ورد المغصوب و العارية إلي مالكه، و إن يشتري بالقيمة العادلة لنفسه و إن يقترض من التركة و إن يأخذ أجرة المثل لعمله إن كان مما له اجرة عرفا و الاولي للغني إن يستعفف و للفقير إن يأكل بالمعروف و الأحوط في جميع ذلك مراجعة الورثة في أكثر تلك الموارد كوفاء الديون و نحوها دفعا للتهمة، و هو كالوكيل لا يجوز له إن يتعدي ما نص عليه الموصي و ما حدده فان تعدي ضمن و مع الإطلاق فلا يتجاوز المتعارف و حيث لا متعارف عمل برأيه طبق المصلحة و ليس له إن يوصي إلي غيره الا إذا صرح له الموصي بذلك و الا فالوصية بعده لحاكم الشرع كما أنّه لو فسق أو خان فالأحوط بل لعله أقوي رجوع الأمر إلي الحاكم فاما إن يضم إليه أمينا و اما إن يعزله الا إن يكون الموصي قد اشترط عدالته فينعزل بالخيانة و الفسق قهرا و يستقل الحاكم بها.
«186» يجوز بل يجب للولي علي الصغار أو القاصرين لسفه و نحوه إن يجعل وليا عليهم بعد موته
و لا تصح من الأب مع وجود الجد الجامع لشرائط الولاية و لا من الجد مع وجود الأب كذلك و لا من الام و لا سائر الأرحام و إذا فقدا و لم يعينا قيما فالولاية لحاكم الشرع لا غير و له الإنفاق عليهم بالمعروف و القول قوله في الإنفاق و قدره مع بقائه علي الامانة و لا يضمن الا مع التقصير في قدره و تلفه و ما أنفق منه كل ذلك بيمينه إذا نازعوه بعد كبرهم و لا يدفع لهم أموالهم إلا بعد ثبوت بلوغهم و رشدهم، و لو ادعي الدفع فانكروه فالقول قولهم بيمينهم.
«187» عرفت إن منجزات المريض عند المشهور محاباة
و غيرها تخرج من الأصل و لا تتوقف علي اجازة الورثة و كذلك إقراراته مع عدم التهمة، و عندنا إن المقامات تختلف فالأولي بل الأحوط الرجوع في مثل هذه المقامات إلي حاكم الشرع لتشخيص إن التصرف علي حقيقته أو الغرض منه الحرمان أو شيء آخر فيعطي لكل نوع حكمه.
«188» قد عرفت رجحان الوصية أو وجوبها
و لكن الأرجح أو الأوجب للمؤمن إن يكون هو وصي نفسه و لا يتكل علي غيره من قريب أو بعيد فيأتي بكل ما يمكن تنجيزه من وفاء ديونه و أداء الحقوق الّتي عليه من خمس أو زكاة أو مظالم أو غيرها و يقضي فوائته من الصوم و الصلاة مع التمكن ورد الأمانات إلي أهلهافإن تعذر عليه شيء من ذلك أو كله عهد به موضحا و مفصلا إلي ثقة أمين و لا يوصي وصية مجملة مبهمة تستوجب حيرة الوصي و حاكم الشرع كما هو المتعارف في هذا الزمان خصوصا عند الاعراب و اللازم علي أهل العلم المترددين عليهم إن يعلموهم و يوضحوا لهم شئونها و ما يلزم بيانه و ما يصح مما لا يصح فيها فان اللّه عز شأنه ما أوجب علي الجهال إن يتعلموا حتي أوجب علي حملة العلم إن يعلموا، و ليكن هنا ختام مباحث الوصية سائلين من الحق تقدست عظمته إن يختم لنا بالحسني و يجعلنا من خيرة الأوصياء و الموصين و العلماء العاملين و هو حسبنا و نعم الوكيل.
