(مادة 12) الأصل في الكلام الحقيقة.
هذا الأصل ركن من أركان المباحث الأصولية و يعبرون عنه بأصالة الحقيقة تارة و أصالة عدم القرينة أخري و إذا كانت في العام يعبر عنها بأصالة العموم و أصالة عدم التخصيص فإذا وردت كلمة في كلام و احتملنا إن المتكلم أراد غير معناها الحقيقي تجوزا و لا قرينة ظاهراً نقول أنّه أراد المعني الحقيقي لأصالة الحقيقة و لو ادعي بعد ذلك أراد غيرها لم يقبل منه فلو اعترف مثلا أنّه قتل زيداً ثم قال أردت قتله الأدبي لم يسقط عنه القصاص أو الدية إلا أن تكون هناك قرينة حال أو مقال و إلي هذه القاعدة تعود
(المادة 13) لا عبرة بالدلالة في مقابلة التصريح
فان المعني الصحيح ألذي ينبغي إن تحمل هذه المادة عليه هو القاعد المعروفة عند الأصوليين من إن النص مقدم علي الظاهر سواء كانت الدلالة من مقال كما في قوله تعالي إِنَّ اللّهَ يَغفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً مع قوله تعالي إِنَّ اللّهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَ يَغفِرُ ما دُونَ ذلِكَ أو من حال كما لو وهبه عينا فان فيه دلالة علي الاذن بالقبض لكن لو منعه عن القبض سقطت تلك الدلالة و مرجع كل ذلك إلي بناء العقلاء علي الأخذ بالظاهر و تقديمالأظهر فالأظهر حتي ينتهي إلي النص ألذي لا يحتمل فيه الخلاف فمن تكلم بكلام له ظهور بالوضع أو بالقرينة و ادعي ارادة خلافه لم يقبل منه بل يؤخذ بظاهر لفظه ألذي هو الطريق العقلائي للكشف عن إرادته و قصده و إلي ذلك يرجع
(المادة 14) لا مساغ للاجتهاد في مورد النص
فان مثل قوله ع البيعان بالخيار ما لم يفترقا ظاهر بل نص فيما ذهبت إليه الإمامية من ثبوت الخيار بعد الإيجاب و القبول حتي يتفرق المتبايعان و هو ألذي يسمونه خيار المجلس و وافقهم الشافعية علي ذلك فقول الحنفية إن المراد تفرقهما في الكلام فإذا فرغا من الكلام و تم الإيجاب و القبول فلا خيار و بذلك أنكروا خيار المجلس و هو كما تري عين الاجتهاد في مقابلة النص و بالجملة فهذه القواعد الثلاث ترجع إلي قاعدة واحدة و هي تقديم النص علي الظاهر و الأظهر علي الظاهر
(مادة 15) ما ثبت علي خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه.
القياس بجميع أنواعه لا عبرة به عندنا معشر الإمامية أصلًا فلو ثبت عندنا بالدليل حكم لموضوع موافقا للقياس أم مخالفا فالحكم يقتصر به علي موضوعه و لا يتعدي إلي غيره سواء عرفت علة الحكم أو لم تعرف و سواء كانت ظنية أو قطعية نعم لو كانت العلة منصوصة كما لو قال حرمت الخمر لإسكارها أمكن عند بعضهم تسرية الحرمة إلي غير الخمر من المسكرات و إن لم يسم خمراً اما من يقول بالعمل بالقياس و حجيته فلا ريب أنّه لو ثبت عندهم حكم في مورد علي خلاف القياس لدليل فإنه يقتصر عليمورده و ما عداه يبقي علي حكم القياس و نظير هذا عندنا ما لو ثبت حكم علي خلاف القاعدة فإنه يقتصر فيه علي دليله و يرجع في أمثاله إلي حكم القاعدة مثلا ثبوت الشفعة حكم مخالف لقاعدة السلطنة فيقتصر فيه علي مورده و هو عدم تعدد الشركاء فلو تعددوا فلا شفعة و هكذا كثير من هذا القبيل
(مادة 16) الاجتهاد لا ينقض بمثله:
ينبغي إن يكون المراد بهذه القاعدة إن اجتهاد مجتهد لا ينقضه اجتهاد مجتهد آخر فلو ادّي اجتهاد مجتهد إلي ثبوت الدعوي بشاهد مع يمين المدعي مطلقا أو في خصوص الأموال و حكم لشخص بمال علي هذا الرأي و رفعت الدعوي لمجتهد آخر لا يري ذلك فليس له نقض ذلك لأنه مخالف لاجتهاده اما غير المجتهدين فهم مخيرون في العمل بين الأخذ برأي هذا أو ذاك تخييراً في الحدوث أو الاستدامة علي القولين اما المجتهد نفسه فلا إشكال أنّه إذا تبدل اجتهاده فإنه ينقض اجتهاده السابق باللاحق و لكن بالنسبة إلي الحوادث المتجددة اما الغابرة فإنها تمضي علي اجتهاده الأوّل و لا ينقضها إلا إذا تبين عنده فساد اجتهاده الأوّل كما لو عثر علي دليل قصر في الفحص عنه فأفتي بخلافه فإنه ينكشف في الحقيقة عدم الاجتهاد لإفساده فليتدبر و الخلاصة إن الاجتهاد قد ينقض بالاجتهاد و قد لا ينقض
(مادة 17) المشقة تجلب التيسير
هذه المادة هي عين المادة الّتي بعدها كلاهما يرجعان إلي قاعدةفي العسر و الحرج المدلول عليها بقوله تعالي ما جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدِّينِ مِن حَرَجٍ و يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ اليُسرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ العُسرَ- مثل إن اللّه سبحانه أوجب في الوضوء غسل البشرة فإذا كان علي بعض أعضاء الوضوء جبيرة يعسر نزعها جاز المسح علي الجبيرة عوض غسل البشرة بقاعدة نفي العسر، و مثل قبول شهادة النساء في النسب و الولادة لأن الاقتصار علي شهادة الرجال في أمثال ذلك يوجب العسر و الحرج، و قبول شهادة أهل الخبرة في بعض الموضوعات و إن لم يكونوا عدولا بل و لا مسلمين و ليس من هذا الباب أصلا القرض و الحوالة و الحجر، نعم لعل حكمة تشريع بعضها كالقرض و الحوالة هو التسهيل و رفع العسر و الحرج فما ذكره في المتن و زاده بعض الشراح من الأمثلة كلها خارجة عن القاعدة كما يظهر بأدني تدبر
(مادة 19) لا ضرر و لا ضرار.
هذه من القواعد المحكمة و الأساسية في شريعة الإسلام و هي نظير أختها قاعدة رفع الحرج حيث إن الحكمة منهما معا هو التسهيل علي العباد في التشريع ليصح قوله (ع) جئتكم بالشريعة السهلة البيضاء و قد ذكروا إن هذه الكلمة من جوامع الكلم و هي إحدي معجزات بلاغته صلوات اللّه عليه و قد أفرد لشرحها جماعة من اعلام علمائنا رسائل خاصة بها و موجز القول فيها انها دلت علي حرمة الضرر، و حرمة مقابلة الضرر بالضرر، و وجوب تدارك الضرر، تقول مثلًا لا تضر غيرك بإتلاف ماله، و لا تقابله بالضرر لو أتلف مالك، و لكن يجب عليه تداركالضرر، و دلت علي معني أوسع و أعظم بركة و نفعاً من ذلك و هو إن كل حكم في الشرع وضعي أو تكليفي يوجب ضرراً علي الشخص أو النوع فهو مرفوع في الإسلام مثلا الوضوء واجب للصلاة و لكن إذا استلزم الوضوء ضررا علي شخص لمرض و غيره فهو مرفوع و هكذا إذا كان لزوم البيع مع وجود العيب في الثمن يستلزم ضرراً علي النوع فلزومه مرفوع و يكون العقد جائزاً و خيارياً و لعل منها الخيار إذا ظهر العيب فيما انتقل اليه و قد ظهر لك مما ذكرنا إن مادة 20 ترجع إليها بل هي إحدي مداليلها و فوائدها مثلا قاعدة السلطنة تقتضي إن له إن يبني تنوراً في سطح داره و لكن إذا كان ذلك يوجب ضرراً علي جاره فالضرر يزال بقاعدة لا ضرر في الإسلام و كذا لو سد عليه منافذ الهواء و النور، و منه جبر المديون علي دفع دينه و إذا امتنع فللحاكم إن يبيع بعض أمواله لأداء دينه و كثير من الفروع في الفقه تبتني علي هذه القاعدة و علم أيضاً إن مادة (25 الضرر لا يزال بمثله) من مدلولات هذه القاعدة أيضاً أعني قاعدة لا ضرر و هي الأصل و الدعامة و هذه القواعد متفرعة و مبتنية عليها و لا وجه لعدها قواعد في عدادها فلا يجوز قسمة الطاحونة إذا كان في الشركة ضرر علي أحد الشركاء و كان في القسمة ضرر علي الآخر لان الضرر كما قدمنا لا يدفع بالضرر و كذا لا يجوز رد المعيب السابق بعد حدوث عيب آخر عند المشتري و رعاية المشتري ليس بأولي من رعاية البائع و الجميع يرجع إلي الأصل (قاعدة الضرر) و أنّه لا يجوز مقابلة الضرر بالضرر فتدبر و لعل إليهايرجع أيضاً
