چهارشنبه 19 ارديبهشت 1403  
 
 
تمهيد:

  




بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله جلّ شأنه في فرقانه المجيد:(وكأيّن من آيةٍ في السماواتِ والأرضِيمُرّون عليها وهُم عنها مُعرضُونَ) (1).

حقاً إنّ من أعظم تلك الآيات التي نمرّعليها في كلّ وقت، وعلى كلّ حال هي هذهالأرض التي نعيش عليها، ونعيش منها، ونعيشبها، ومنها بدؤنا وإليها معادنا، منهابدأكم وإليها تعودون (2).

لا نزال نمشي على الأرض، ونثير ترابها فيالحرث والنسل، ونقلّبها للغرس والزرع،ونتقلّب عليها للضرع والمرع، ونزاولها فيعامّة شؤون الحياة، ولا تزال تدرّ علينابخيراتها وبركاتها.

ونحن ساهون لاهون، وعن آياتها معرضون،غافلون عمّا فيها من عظيم القدرة، وباهرالصنعة، ودلائل العظمة والقوّة.

هذا التراب الذي قد نعدّه من أحقر الأشياءوأهونها، والذي هو في

(1) سورة يوسف 12: 105.

(2) إشارة لقوله تعالى: (وادعُوه مُخلصينَله الدينَ كما بدأكُم تعودُونَ). سورةالأعراف 7: 29.

رأي العين شيء واحد، وعنصر فرد، كم يحتويعلى عناصر لا تُحصى، وخواص لا تتناهى،تنثر فيه حَبّ القمح مثلاً، فيعطيكأضعافاً من نوعه، وتنثر فيه الفول والعدسوأمثالهما من القطانيات (1) المختلفة فيالطعوم والخواص، فتعيدها إليك مضاعفةمترادفة.

وتغرس في نفس ذلك التراب نواة النخل،وبذرة الكَرْم، وأقلام التين والتفاح،وأمثالها من الفواكه، فتثمر تلك الثمارالشهية المختلفة الأذواق، المتغايرةالخواص.

التراب يخرج لك البطيخ بأنواعه: أصفرهوأحمره وأبيضه بتلك الروائح الطبيعيةالعطرة، وكلّهُ حلو منعش، ويخرج لكالحنظل، وكلّه مُرّ مهلك.

كلُّ هذا والشكل متشابه، والخضرةُمتماثلة، والماء واحد والتربةُ واحدة،كما في القرآن: (يُسقى بماءٍ واحد) (2)والماء ماء، ولمّا يستوي الشجر الترابواحد والمستقى واحد والثمرات والنتائجمختلفة؛ فمن أين جاء هذا الاختلافالعظيم؟!

أليست كلّها عناصر في الأرض يأخذ كلّ واحدمن تلك البذور مايلائمه من تلك العناصرالكامنة في التراب المكوّنة لتلك الثمرة؟!

والأنواع المختلفة لا يختلط واحد بالآخر،ولا يشتبه نوع بنوع.

كلّ ذلك على نظام متّسق، ووزن متّفق،وعيار معيّن، كلّ فاكهة في

(1) القطانيات: سمّيت بالقطنية؛ لأنّمخارجها من الأرض، مثل مخارج الثيابالقطنية، وهي الحبوب التي تدّخر، كالحمّصوالعدس والباقلاء والترمس والدُخنوالأرز، وقيل: ما كان سوى الحنطة والشعيروالزبيب والتمر؛ انظر: لسان العرب 11|232مادة «قطن».

(2) سورة الرعد 13: 4.

فصلها وموسمها؛ فربيعية لا تدرك فيالخريف، وخريفية لا تنضج في الصيف، وصيفيةلا توجد في الشتاء.

وأعظم من هذا أثراً وعبراً ما تخرجه الأرضمن المعادن؛ انظر إلى هذه المعادنالثمينة، والأحجار الكريمة من الذهبوالفضة والياقوت والفيروزج، ونظائرها، هلهي إلاّ من التراب، ومن ثمرات الأرض؟!

بل ذكر لي بعض المولعين بالصنعة القديمة(علم الكيمياء) أنّ الإكسير الأعظم الذييتطلّبه أهل هذا الفن، وبه يحوّلونالفلزّات من واحد لآخر حتّى ينتهي إلىالذهب هو أيضاً من التراب.

ولقد أبدع العارف الرباني محمود الشبستري(1) في رسالته المنظومة گلشن راز، حيث يقولفيها:


  • شعاع افتاب از جرم أفلاك تو بودى عكس معبود ملائك از آن گشته تومسجود ملائك

  • نگردد منعكس جزبر سر خاك از آن گشته تومسجود ملائك از آن گشته تومسجود ملائك

وملخّص ترجمته: «إنّ الشمس وهي في الفلكالرابع (على الهيئة القديمة) لا ينعكسشعاعها إلاّ على التراب، ولولا التراب لماكان لأشعة الشمس فائدة وأثر.

(1) هو: نجم الدين (سعد الدين) محمودالتبريزي (الشبستري) الچبستري المولدوالمدفن، وچبستر: موضع على ثمانية فراسخمن تبريز: صوفي، من آثاره: منظوم فارسياسمه: گلشن راز، فيه أسئلة وأجوبة علىاصطلاح التصوّف، له عدّة شروح، وله منالمؤلّفات: حقّ اليقين في معرفة ربّالعالمين، في التصوّف، وسعادة نامه،ومرآة المحققين، وغيرها، توفّي في عام 720هـ.

انظر: كشف الظنون 2|990 و1505، الذريعة 12|182 رقم1206 وج 18| 226 رقم 130، أعيان الشيعة 10|102 ـ 103،معجم المؤلّفين 3|810 رقم 16601.

ثمّ يقول: انعكست فيك صفات معبود الملائكأيُّها الإنسان لهذا صرت محل سجودالملائكة».

نعم، نعود إلى الأرض فنقول: والأرض هيأُمّ المواليد الثلاثة: الجماد، والنبات،والحيوان.

وتحوطها العناية بالروافد الثلاثة:الماء، والهواء، والشمس؛ فهي الحياة وهيالممات، وفيها الداء ومنها الدواء.

وقد تُحصى نجوم السماء، أمّا نجوم الأرضفلا تُحصى.

نعم، لا تُحصى نجوم الأرض، ولا معادنالأرض، ولا عناصر الأرض.

ولا تزال الشريعة الإسلامية قرآنهاوحديثها يعظّم شأن الأرض، وينوّه عنهاصراحةً وتلميحاً؛ فيقول:

(ألم نجعل الأرضَ كِفاتاً * أحياءًوأمواتاً) (1).

(والأرضَ بعد ذلك دَحاها * أخرج منهامَاءها ومرعاها) (2).

(فلينظر الإنسان إلى طعامه * أنّا صَبَبناالماء صبّاً * ثمّ شققنا الأرض شقّاً *فأنبتنا فيها حبّاً * وعنباً وقضباً *وزيتوناً ونخلاً * وحدائق غُلباً * وفاكهةوأبّاً) (3).

دع عنك ما تخرجه الأرض من نبات وأشجار،وحبوب وثمار، ومعادن وأحجار، ولكن هلمَّإلى هذا الإنسان ذي العقل الجبّار، الذيسخّر الأثير والبخار، والكهرباء والذرّة؛فهل يكون إلاّ من التراب؟!

(1) سورة المرسلات 77: 25 و26.

(2) سورة النازعات 79: 30 و31.

(3) سورة عبس 80: 24 ـ 31.

وهل عناصره وأجزاؤه التي التأم جسمه منهاإلاّ من التراب؟!

وهل يتلاشى ويعود إلاّ إلى التراب؟!

ولعلّ من أجل شرف التراب وقداسته، وعظيمخيراته وبركاته، كنّى رسول الله صلّى اللهعليه وآله وسلّم وصيّه (1) وأحبّ الخلق إليهعليّاً عليه السلام (2)

(1) راجع: الفضائل ـ لأحمد بن حنبل ـ 2|762 ـ 763ح 1052، المعجم الكبير 6|221 ح 6063، المناقب ـللخوارزمي ـ: 84 ـ 85 ح 74، المناقب ـ للمغازليـ: 192 ح 238، تاريخ دمشق 42|392، فردوس الأخبار2|192 ح 5047، ذخائر العقبى: 131، الرياض النضرة3|138.

(2) هناك عدّة أحاديث صرح فيها النبيّ صلّىالله عليه وآله بحبّه لعليّ بن أبي طالبعليه السلام، منها:

قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «اللّهمّائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذاالطير»؛ وقصّة هذا الطير ذكرها أصحابالسير والتاريخ، ونذكر هنا قسماً منهؤلاء:

سُنن الترمذي 5|595 ح 3721، سُنن النسائي 5|107 ح7398، تاريخ البخاري الكبير 1|358 رقم 1132 و2|2رقم 1488، فضائل الصحابة ـ لأحمد ابن حنبل ـ2|692 ـ 693 ح 945، مسند أبي يعلى 7|105 ح 4052،المعجم الكبير 1|253 ح 730 و7|82 ح 6437، أنسابالأشراف ـ للبلاذري ـ 2|378، العقد الفريد4|77، طبقات المحدّثين بأصبهان ـ لأبي الشيخـ 3|454 ح 613 رقم 451، مروج الذهب ـ للمسعودي ـ2|425، تمهيد الأوائل ـ للباقلاني ـ: 546،المستدرك على الصحيحين 3|141 ـ 142 ح 4650 ـ 4651،حلية الأولياء 6|339، تاريخ بغداد 3|171 رقم1251، المناقب ـ للمغازلي ـ: 163 ـ 176 ح189 ـ 212،مصابيح السُنّة 4|173 ح 4770، تاريخ دمشق 37|406،مجمع الزوائد 9|125 ـ 126، وغيرها.

وقوله صلّى الله عليه وآله: «لأُعطينّالراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّهالله ورسوله»؛ انظر بخصوص هذا الحديث:

صحيح البخاري 4|145 ح 213 و5|279 ح 230 و231، سُننابن ماجة 1|43 ح 117، سُنن النسائي 5|46 ح 8149 ـ 8151وص 108 ـ 113 ح 8399 ـ 8409 و178 ـ 180 ح 8600 ـ 8603، مسندأحمد 5|353 ـ 354، مسند الطيالسي: 320 ح 2441،مصنّف عبد الرزّاق 5|287 ح 9637 و11|228 ح 20395،سُنن سعيد بن منصور 2|178 ـ 179 ح 2472 ـ 2474،مصنّف ابن أبي شيبة 7|497 ح 17، المعجم الكبير6|152 ح 5818، المستدرك على الصحيحين 3|40 ح 4342،حلية الأولياء 1|62 و4|356، تاريخ بغداد 8|5 رقم4036، تاريخ دمشق 42|103 ـ 123، وغيرها.

بـ: أبي تراب (1)، وكانت أحبّ الكنى إلىأمير المؤمنين عليه السلام.

ومنها قد استخرج عبد الباقي العمري (2)معنىً شعرياً عرفانياً حيث

وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله لعليعليه السلام: «كذب من زعم أنه يحبنيويبغضك، ألا من أحبك فقد أحبني، ومن أحبنيفقد أحب الله، ومن أحب الله أدخلهالجنة...»؛ انظر: المناقب ـ للخوارزمي ـ: 200،نظم درر السمطين: 101، أسد الغابة 4 | 429 رقم4970 ترجمة معاوية بن ثعلبة، تاريخ دمشق 42 |283، البداية والنهاية 7 | 282، الكامل 5 | 312.

(1) انظر: صحيح البخاري 1|92 و 5|18 ـ 19، صحيحمسلم 7|123، باب فضائل الصحابة، مسند أحمد4|263، المناقب ـ للخوارزمي ـ: 38 ح 9، وقد أفاضأصحاب السير والتاريخ واقعة التسمية..

قال ابن إسحاق: عن عمّار بن ياسر، قال:«كنت أنا وعليّ بن أبي طالب رفيقين في(غزوة العشيرة) فلمّا نزلها رسول الله صلّىالله عليه وآله وسلّم أقام بها شهراً،فصالح بها بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة،فوادعهم، فقال لي عليّ بن أبي طالب: هل لكيا أبا اليقظان أن نأتي هؤلاء النفر ـ منبني مدلج يعملون في عين لهم ـ ننظر كيفيعملون؟! فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة،فغشينا النوم، فعمدنا إلى صور من النخل فيدقعاء من الأرض فنمنا فيه، فوالله ماأهبنا إلاّ ورسول الله يحرّكنا، فجلسناوقد تترّبنا، فجعل ينفض التراب عن رأسعليّ ووجهه من تلك الدقعاء فيومئذٍ قالرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّملعليّ: «يا أبا تراب!»؛ لِما عليه منالتراب، فأخبرناه بما كان من أمرنا...»..الحديث.

وهناك واقعة أُخرى لتسمية أمير المؤمنينعليه السلام بـ: أبي تراب؛ انظر: أعلامالنبوّة ـ لأبي حاتم الرازي ـ: 211، تاريخدمشق 42|549، البداية والنهاية 3|195 حوادث سنة2 هـ، وغيرها.

(2) هو: عبد الباقي بن سليمان بن أحمدالعمري الفاروقي الموصلي: شاعر، ومؤرّخ،ولد بالموصل عام 1204 هـ، وولّي فيها ثمّببغداد أعمالاً حكومية، له: الترياقالفاروقي، وهو ديوان شعره، ونزهة الدهر فيتراجم فضلاء الدهر، ونزهة الدنيا،والباقيات الصالحات قصائد في مدح أهلالبيت، توفّي ببغداد عام 1279 هـ؛ انظر:الأعلام ـ للزرگلي ـ 3|271 ـ 272.

قال:


  • خلق الله آدماً من تراب فهو ابن له وأنتأبوه (1)

  • فهو ابن له وأنتأبوه (1) فهو ابن له وأنتأبوه (1)

ولعلّ من هنا أيضاً ينكشف سرّ تقبيل الأرضبين يدي الملوك تعظيماً لهم؛ يعني قُدِّستالأرض التي أنشأتْك، ومنها تكوّنْت.

وقال الحكيم العارف الخيّام (2) في بعضرباعيّاته:


  • أى خاك أگر سينة تو بشكافند بس گوهرقيمتى است در سينة تو

  • بس گوهرقيمتى است در سينة تو بس گوهرقيمتى است در سينة تو

وترجمته: «أيُّها التراب لو يشقّون عنقلبك وينظرون إلى باطنك، لوجدوا فيهالكثير من الجواهر الكريمة ذوات القيمةالعظيمة».

وأبدع من هذا قول بعض أكابر العرفاءالشامخين في (ترجيع بند) له، فيه بدائعالأسرار والحكم، يقول فيه:


  • دل هر ذرة كه بشكافى آفتابيش در ميانبينى

  • آفتابيش در ميانبينى آفتابيش در ميانبينى

(1) الباقيات الصالحات: 47، الكنى والألقاب2|98.

وترجمته: «قلب كلّ ذرّة إذا شققته ونظرتفيه تجد شمساً منيرة فيه».

وقد حاول بعض الرجال البارزين منالمصريّين ممّن له إلمام بالأدب الفارسيأن يجعل هذا النظم إشارة إلى الذرّة التيهي من مخترعات هذه العصور؛ أمّا هذاالعاجز فلا شكّ أنّه أراد: هذه الذرّة التيملأت الأجزاء، ومنها تكوّنت الأشياء،وأراد بالشمس: تلك الشمس التي أشرقت منهاالشموس والأقمار، فعميت عن إدراكهاالبصائر والأبصار.

نعم، فهذه الأرض المباركة ذات الآياتالباهرة، ألا تستحقّ التكريم والتعظيموالتعزيز والتقديس؟!

وفي الأحاديث النبوّية أيضاً إشارة إلىذلك؛ حيث يقول صلّى الله عليه وآله وسلّم:«تمسّحوا بالأرض؛ فإنّها برّة بكم» (1).

وفي آخر: «إنّها أُمّكم الحنون، وأكرمواعمّتكم النخلة؛ فإنّها خلقت من فاضل طينةأبيكم آدم» (2).

وهذه كلّها رموز وإشارات لا تخفى مغازيهاعلى اللبيب.

إذاً أفلا يتبيّن من هذا سرّ أمر الباريجلّ شأنّه للملائكة جميعاً أن يسجدوا لآدمالذي خلقه من تراب، وأنشأه من الأرض،وأودع فيه جميع خواصّها وعناصرها، وفيهانطوى العالم الأكبر؟!

وقد حدّثتنا الكتب السماوية عن السجودلآدم بأساليبها المختلفة؛

(1) المعجم الصغير 1|148، مصنّف بن أبي شيبة1|187 كتاب الطهارة، مجمع الزوائد 8|61، كنزالعمّال 7|410 ح 19778.

(2) مسند أبي يعلى 1|353 ح 195، حلية الأولياء6|123، الجامع الصغير 1|88 ح 1432، ربيع الأبرار1|253، كنز العمّال 12|338 ح 35300.

فليسجدوا لآدم عبادة لله وتقديساً،وتكريماً للأرض ذات الخيرات والبركات،والمحيا والممات.

ومنه تعرف أيضاً سرّ امتناع إبليسالمخلوق من النار عن السجود للأرض (1)،والعداء والنفرة طبيعي بين النار والأرض..

الأرض مجمّعة، والنار مفرّقة؛ والجمعقوّة، والفُرقة ضعف.

الأرض باردة معتدلة، والنار محرقةمشتعلة.

الأرض نموّ وزيادة، والنار إفناء وإبادة.

الأرض يعيش بها كلّ حيّ، والنار يهلك بهاكلّ حيّ..

إذاً فليسجد الملائكة لآدم، وليسجدأبناؤه لله على الأرض؛ فإنّها أُمّهمالبرّة الحنون.

ومن سموّ الأرض على النار وشرفها ـ الذيأشرنا إلى طرف منه ـ ومن بعض نواحيه يتضحلك أيضاً اندفاع مغالطة الشاعر القديمبشّار بن بُرد (2) في انتصاره لإبليس فيتفضيل النار على الأرض بقوله من أبيات:

(1) إشارة لقوله تعالى: (ثمّ قلنا للملائكةاسجدوا لآدم فسجدوا إلاّ إبليس لم يكن منالساجدين * قال ما منعك ألاّ تسجد إذ أمرتكقال أنا خيرٌ منه خلقتني من نار وخلقته منطين) سورة الأعراف 7: 11 و12.

(2) هو: بشّار بن بُرد بن يرجوخ، أصله منطخارستان ـ وهي ناحية كبيرة مشتملة علىبلدان على نهر جيحون ممّا وراء النهر ـ منسبي المهلّب بن أبي صُفرة، وكنيته: أبومعاذ، ولقبه: المرعّث، ولد على الرقِأيضاً وهو أعمى، فاعتقته امرأة عُقيلية.

كان أكمه جاحظ الحدقتين قد تغشّاهما لحمأحمر، قال الشعر وهو صغير ابن عشر، ثمّأجاد فيه.

كان بشّار ضخماً عظيم الخَلق والوجه،مجدوراً، طويلاً، وهو في أوّل مرتبةالمحدّثين من الشعراء المجيدين، وقد نشأبالبصرة، ثمّ قدم بغداد ومدح المهدي بنالمنصور العبّاسي.
 

  • الأرض مظلمةٌ والنارُ مشرقةٌ والنارُمعبودةٌ مذ كانت النارُ (1)

  • والنارُمعبودةٌ مذ كانت النارُ (1) والنارُمعبودةٌ مذ كانت النارُ (1)

قال الجاحظ: كان بشّاراً شاعراً خطيباً،صاحب منثور ومزدوج، وسجع ورسائل، وهو منالمطبوعين أصحاب الابداع والاختراع،المتفننين في الشعر، القائلين في أكثرأجناسه وضروبه، قال الشعر في حياة جريروتعرّض له، وكان يتعصّب للعجم على العرب.

وكان بشّار يكفّر جميع الاُمّة ويصوّبرأي إبليس في تقديم النار على الطين وذكرذلك في شعره.

بلغ الخليفة المهدي أنّه يتزندق، فأمربتأديبه فضرب نحو سبعين سوطاً فمات، وذلكسنة 167، وقيل: 168، وقد نيف على السبعين، ومنشعره:


  • يا قومُ أُذني لبعض الحيِّ عاشقةٌ والأُذن تعشق قبل العين أحيانا

  • والأُذن تعشق قبل العين أحيانا والأُذن تعشق قبل العين أحيانا

ومن هجائه للمهدي قوله:


  • خليفةٌ يزني بعمّاته أبدلنا الله به غيرهُ ودسَّ مُوسى في جرالخيزُرانْ

  • يَلعبُبالدبُّوقِ والصولجان ودسَّ مُوسى في جرالخيزُرانْ ودسَّ مُوسى في جرالخيزُرانْ

للمزيد راجع: البيان والتبيين 24 / 1 و49 ـ 51،الأغاني 127| 3 ـ 247، لسان الميزان 15 | 2 ـ 16 رقم55، خزانة الأدب 218 | 3 ـ 219.

(1) البيان والتبيين 1|16، الأغاني 3|137،خزانة الأدب 3|219.

ولمّا قام بشّار بُعذر إبليس في أنّ النارخيرٌ من الأرض، قال صفوان:


  • زَعمتَ بأنّ النارَ أكرمُ عنصراً وتُخلق في أرحامها وأَرومها أعاجيبُ لاتُحصى بخطٍّ ولا عقدِ

  • وفيالأرض تحيا بالحجارة والزّندِ أعاجيبُ لاتُحصى بخطٍّ ولا عقدِ أعاجيبُ لاتُحصى بخطٍّ ولا عقدِ

وقال صفوان أيضاً في شأن واصل وبشّار، وفيشأن النار والطين:<./font>


  • وفي جوفها للعبد أسترُ منزلٍ تمجُّ لُفاظَ الملح مَجّاً وتصطفي سبائكَ لا تصدأ وإن قدم العهدُ

  • وفي ظهرهايقضي فرائضه العبدُ سبائكَ لا تصدأ وإن قدم العهدُ سبائكَ لا تصدأ وإن قدم العهدُ

وقال سليمان الأعمى في اعتذار بشّارلإبليس، وهو يخبر عن كرم خصال الأرض:


  • لا بُدّ للأرض إنْ طابت وإنْ خَبُثت وتربةُ الأرضِ إن جيدت وإن قحطتْ وبطنها بفلزّ الأرض ذو خبرٍ بكلّ ذيجوهر في الأرضِ مرموسِ

  • منأن تُحيل إليها كلّ مغروسِ فحملُها أبداً في أثر منفوسِ بكلّ ذيجوهر في الأرضِ مرموسِ بكلّ ذيجوهر في الأرضِ مرموسِ

راجع: البيان والتبيين 1|27 و31 و32.

(2) هو: عمر بن إبراهيم الخيّامالنيسابوري، أبو الفتح: عالم، حكيم، شاعر،ولد بنيسابور في أواخر النصف الأوّل منالقرن الحادي عشر للميلاد، كان عالماً،ولقد استطاع ذلك العقل أن يجمع بين خليطمتناقض من العلوم والفنون التي تتطلّب كلّطائفة منها مواهب خاصّة؛ فلقد تعمّق فيعلوم الدين واللغة من: فقه، حديث، كلام،منطق، قراءات، سِيَر، نحو، وصرف..

وقد بلغت شهرة الخيّام ذروتها بمقطوعاتهالشعرية: الرباعيّات، وله من التصانيف:شرح ما يشكل من مصادرات، ميزان الحكمة،رسالة في الموسيقى، ورسالة في ضروراتالتضادّ، وغيرها، توفّي في عام 515 هـ،وقيل: 517.

انظر: معجم المؤلّفين 2|549، الأعلام ـللزرگلي ـ 5|38.

وهذه الحجّة الواهية تستند إلى دعامتينساقطتين:

الأُولى: إنّ الأرض مظلمة، وممّا تَلوناهعليك من منافع الأرض وبركاتها تعرف أنّالأرض هي المشرقة، والنار هي المظلمة..

الأرض حياة؛ والحياة هي النور، والنار لاحياة فيها، بل تنعدم بها الحياة؛ وعدمالحياة ظلمة.

الأرض أُمّ الحياة، والنار أَُمّ الموت،وأين الحياة من الموت؟!

وكفى بالنار أنّ الله جعلها عقاباًومآباً للعاصين.

وكفى بالأرض أن جعلها جنّة عدن للمتّقين.

الثانية: إنّ النار معبودة مذ كانت النار،وهذه أسقط من سابقتها؛ فإنّ النار لميعبدها من الأُمم إلاّ المجوس، حتّى قيل:


  • مثل المجوسي في ظلالته تحرقه النار وهويعبدها

  • تحرقه النار وهويعبدها تحرقه النار وهويعبدها

وأمّا الأرض فلم تزل معبودة على أُولياتالدهر، بأصنامها وأوثانها، وهياكلهاونواديها، والجميع من الأرض، ولا تزالأكثر الأُمم وثنية إلى اليوم..

وحيث تجلّى شرف الأرض وقداستها، إذاًفليسجد الملائكة ـ الّذين ليسوا هم منالأرض ـ لآدم وليد الأرض.

ولا يجوز السجود في شريعة الإسلام سجودعبادة إلاّ لله، إلاّ على الأرض، أو نباتالأرض (1).

ومن أجل ما في الأرض من المواد المعقّمةوالعناصر المنقّية جعلها الشارع فيالإسلام مطهِّرة من الحدث تارةً، أي:القذارة المعنوية التي

(1) الكافي 3|331 ح 5، علل الشرائع 1|37 ح 1 باب 42،الحدائق الناضرة 7|248، منتهى المطلب 1|251.

لايزيلها إلاّ الماء، فإذا لم يوجد الماءأو لم يمكن استعماله (فلم تجدوا ماءًفتيمّموا صعيداً طيّباً) (1) اقصدوا تراباًخالصاً نظيفاً طيّباً، فامسحوا فيهالجبين الذي هو واليدان أحوج الأعضاء إلىالنظافة وإماطة الغبار والأكدار عنهما؛لمزاولة اليد للأعمال، ومباشرتها للأجسامالمختلفة في الأسناخ (2) والأوساخ؛ فالترابيقوم مقام الماء، التراب أخ للماء والأرضأُخته..

ومطهِّرة من الخبث أُخرى حتّى مع التمكّنمن الماء؛ فتطهّر باطن الحذاء والقدم،وكثيراً من أمثالها، كأسفل العصا ونحوها؛فلو تنجّس باطن القدم أو الحذاء ومشيت علىالأرض خطوات وزالت العين طهرت القدم ولاحاجة إلى تطهيرها بالماء (3).

فالأرض مسجد، والأرض طهور، وإليه قصدالحديث النبويّ المشهور: «جُعلت لي الأرضمسجداً وطهوراً» (4)، أي: أينما أدركتنيالصلاة سجدت وصلّيت، ومتى أعوزني الماءبها تطهّرت، فهي طاهرة ومطهِّرة.

نعم، وهي مطهِّرة بما هو أوسع وأدقّ وأعمقمعاني التطهير؛ فإنّ فيها الموادالمعقّمة والعناصر المهلكة لجميع جراثيمالأوبئة والأمراض.

(1) سورة النساء 4: 43، وسورة المائدة 5: 6.

ومن أجل هذه الصفة والخصوصية في الأرضأوجبت الشرائع السماوية، وبالأخصّ شريعةالإسلام، دفن الأموات فيها، ولا يجوز دفنالميّت في غيرها، وأن يوضع خدّه علىالأرض، ولا يجوز حتّى إلقاؤه في البحر معالتمكّن من دفنه بالأرض، ولا إحراقهبالنار مع أنّ المتبادر بادئ النظر إنّهأبلغ في قمع جراثيم الأموات المضرّةبالأحياء، كما يصفه البراهمة (1) الّذينيحرقون أمواتهم.

(1) البراهمة: هي ديانة أقدم من ديانةالبوذية بقرون كثيرة، ويظهر أنّ أصلالديانة البراهمية الهند، وتصعد إلى أبعدعهد من عصورهم التاريخية وتختلط بجميعأدوارهم الاجتماعية، لقد كانت هذهالديانة مجهولة إلى أواخر القرن الثانيعشر حيث ابتدأ في درس اللغة السنسكريتية.

ولكن أليس من الجائز القريب أن يكون جثمانالإنسان يحمل أو تحمل فيه عند مفارقتهالحياة مواد من ناشرات الأوبئة التي لوأحسّت بحرارة النار تطايرت في الفضاء قبلأن تحترق فتأخذ


والكتب المقدّسة لهذه الديانة هي:(الفيدا) ثم كتاب (منافادار ماساسترا) أي:قوانين مانوا.

ومذهب ديانة البراهمة أصلان رئيسان هما:وحدة الوجود، والتناسخ، أي: عود الأرواحإلى الأجساد في عالم الدنيا.

ولهم صنم اسمه: (برهما)، له أربعة أوجهوأربعة أيدي: في يده الأُولى كتابهمالمقدّس (الفيدا)، وفي يده الثانية ملعقة،وفي يده الثالثة سبحة، وفي يده الرابعةإناء فيه ماء.

البراهمة يقدّسون البقرة ويحرّمون ذبحهامعتقدين أنّ الأرواح الطاهرة تحلّ فيأجسادها، وكثيراً ما نشأ في هذه العقيدةمعارك بينهم وبين مسلمي الهند في العيد.

وهم يقدّسون الثعابين والتماسيح،وغيرها، ويعتبرون نهر (الغانج) مقدّساً،وإنّ الانغماس فيه يطهّر الذنوب، ولذايحجّ إليه في كلّ عام ملايين منهم.

ومن عاداتهم إحراق موتاهم، وإحراق المرأةمع زوجها الميّت، ولكن الإنكليز أبطلواهذه العادة بالقوّة.

الناس في ديانة البراهمة أربع طبقات:أُولاها: البراهمان؛ وهم الكهنة والعلماء.وثانيها: الخاترياس؛ وهم رجال الحرب وحماةالأوطان. وثالثها: البانيان؛ وهم الزرّاعوالتجّار. ورابعها: السودراس؛ وهم أربابالحرف والمهن الدنيئة.

(2) السناخة: الريح المنتنة، والوسخ وآثارالدباغ، وسنخ الدهن والطعام: إذا فسدوتغيّرت ريحه؛ انظر: لسان العرب 6|387 مادة«سنخ».

(3) راجع: الوسائل 3|457 الباب 32 طهارة باطنالقدم والنعل والخفّ بالمشي على الأرض،وقيل: إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً.

(4) صحيح البخاري 1|149 ح 2 وص 190 ح 98، صحيح مسلم2|63 ـ 64، كتاب المسجد ومواضع الصلاة، سُننالترمذي 2|131 ح 317، سُنن أبي داود 1|129 ح 489،سُنن النسائي 2|56، مسند أحمد 2|240 وص 250،السُنن الكبرى 2|433.

 

 
امتیاز دهی
 
 

 
خانه | بازگشت | حريم خصوصي كاربران |
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما