الإثنين, شوال 27, 1445  
 
الفصل الثالث : أسفاره

العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية

 

  



الفصل الثالث : أسفاره

أمّا أسفاره فكثيرة لا تحصى ، ونحن نذكر المشهور منها ، فمن ذلك حِجّتَهُ الأولى سنة (1181 هـ) المؤرخة بقصيدة للسيد صادق الفحَّام يهني الشيخ فيها بقدومه ، ويؤرخ ذلك العام بقوله .

وَبذَلْتُ أَقْصَى الجُهْدَ في تَأرِيخِهِ

 

 

نِلْتَ المنُى بمنىً وَجِئْتَ حَمِيدا

 

وكان الطريق على البرّ يؤمئذ مخوف ، ودون التشرف بتلك البقعة المقدسة خوض الحتوف ، ولم يكن على ذمة قوم ، تلتزم به كاليوم ، فلذا كان طعمة للغائر ، وفريسة للوارد والصادر ، وكانت الناس تذهب على طريق البحر ، فتجد البؤس الشديد والضّر ، وربما يحول عليهم عام كامل ، ولا يقع السير بهم على حاصل ، فجهز الشيخ جماعة من أهل النجف المعروفين بالشجاعة ، وأمرهم بالسير معه ، وهيأ لكل واحد عُدّة من السلاح مجتمعة ، فمما يقال أنّ والدة الشاه المعظم فتح علي شاه كانت في النجف فرغبت في الحج ولم يكن رجل من ذويها وأهليها ليسير بها ، فأرسلت إلى الشيخ تسأله أن تسير بخدمته على أن يعقد عليها منقطعاً ، فأجاب إلى ذلك ، وقفل بها معرّساً برحله خارج البلد ، وباتوا الليل حتى إذا سلّ الفجر من غمد الدجى عضبه([1]) ، أخذ الحادي في البيداء ركبه ، فلم يبق في النجف شريف ولا وضيع إلا خرج للتوديع ، وأوصلوا الشيخ إلى عين الرحبة حفاة وراكبين ، ثم رجع المشيعون وبقي زهاء مائتي فارس خلفه مدلجين([2]) ، خوفاً عليه من غارة الأعراب ، والسلب والانتهاب فلما علم الشيخ بأمرهم أمرهم بالرجوع ، وقال لهم : أن معنا من جند الله ما هو أشد حولا وقوة فرجعوا إلاَّ ثلاثين من خدمه الذين استصحبهم وباقي الفقراء والمؤمنين .

فقيل كانت الأعراب تأتي لنهبهم ، فعندما يقع نظرهم على الشيخ ينزلون عن خيولهم ، ويقعون على قدميه خاشعين خاضعين ، ولم تمض ليلة إلاَّ وفي خيام الشيخ منهم أربعون أو خمسون ضيفا ، وكانوا يتناقلون أخباره وسجاياه بينهم حتى صارت تتقاصده الأعراب التي ليست على الطريق حتى تتشرف برؤيته . فلما قضى مناسكه ورجع ، التمسوا منه المقام عندهم أياماً فأجابهم إلى ذلك فتوقف في نجد بمنازل حرب أربعة أشهر ، وكانوا كل يوم يزدادون به عجباً وشغفاً ، حتى أستشيع كثير منهم على يديه وهم إلى الآن من مخلصي الشيعة المؤدّين للحقوق .

وحدثني بعضهم ممن يعتمد عليه ، أنّ الشيخ هو الذي عرّفهم التشيع ، ولم يكونوا من ذلك قبله بشيء ، ثم ارتحل الشيخ عنهم ، ونصب لهم من أصحابه علماً يرجعون إليه في الأحكام ، وقفل ظاعنا عنهم ، وذكر مفاخره وشرفه عندهم .

وابْنُ الأكَارِمِ مَا تَرَحّلَ عَنْ حِمَىً

 

 

إلاّ أَقَامَ بهِ العُلَى والسُّؤْدَدا

 

وظلت الألسن تلهج بذكره ، وتتحدث بمزاياه وفخره ، وتسأل عنه الرائح والغادي من الحواضر والبوادي ، وكانت كيفية سؤالهم كيف حال نزيلنا جعفر الشيخ ؟ فلهذا توهّم أو تعمّد بعض المبغضين الحسد ، لذلك الشرف المخلّد ، فأوهم على بعض الأوهام من العوام ، أن الشيخ من أهل نجد ، وأن الوهابي المشهور من عشيرته ، بل عند بعضهم أنّه من أخوته ، ولما رأى أنّ ذلك لم يتم له ، بل جلب عليه الفضيحة والخزي والخجلة .

وَمَنْ يَدّعِي شَيْئاً بِغَيْرِ دَلِيلِهِ

 

 

فَلابُدّ يَوْمَاً أنْ يُكذّبَهُ الحَقُّ

 

أدّعى أنّ الوهابي من أهل جناجية والشيخ منها فهم أقرباء ، وسيأتي تفصيل هذا قريبا إنْ شاء الله ، والحمد لله الذي قتلهم على أيدينا بما يؤفكون ، وأزاد أولياءه شرفاً يهلك به الحاسدون .

ولـمّا وصل الشيخ الى النجف على أميال خرج الناس للاستقبال قائلين

بمِقْدَمِكَ الميمُونِ قَدْ قَدِمَ البِشْرُ

 

 

لأهْلِ الِحمَى فالْحَمْدُ للهِ والشُّكْرُ

 

حادثة عِقِيل بالحلة

ولمّا أشرق بدر محياه في فلك سعده ، صدحت بلابل التهاني معلنة بشكر الله وحمده ، ثم أنّ الشيخ لما استوفى الراحة من جلوسه ، وقلم أظفار تلبيسه([3]) بلغه أن فرقة من النواصب في الحلة قد تجاهروا بِسَبِّ الأئمة والطعن فيهم ، وكانوا يعرفون بعِقِيل - بكسر العين والقاف - فتوجه إلى الفيحاء ، وكان فيها بعض أولاده وأقربائه فبقى مدة ثم ليطلع على حقيقة الأمر ، فوجدهم كما بلغه وزيادة ، وكان كلما نهاهم ووعظهم لم ينتهوا بل يزدادون غيّاً وعتّوا([4]) حتى أنهم جعلوا يضربون الدفوف والطبول في عاشوراء ، وكان أعظم أعيادهم يوم العاشر من المحرم فلما رأى ذلك لم يطق صبراً عليه ، فأمر مناديه فجمع له رؤساء الشيعة فقال لهم : إنّي عازم على قتال هؤلاء والجهاد معهم فماذا تقولون ؟ فقالوا كلّهم : نحن نقوم لك بهذا الأمر فمرنا نمتثل ، فقال : أرى أن تهجموا عليهم ليلاً إذا جلسوا في مجالس لهوهم ، وضربوا طبولهم وتغمدوا سيوفكم في رقابهم ، فأمّا عليكم وإمّا لكم ، فقالوا : سمعاً وطاعةً ، وخرجوا حتى إذا هجم الليل أقبلوا بأجمعهم إلى الشيخ ومثلوا بين يديه ، وكلٌّ منهم قد استكمل لامة حربه ، فهَّم الشيخ بأن يمضي معهم فأبوا وأصّروا عليه وقالوا : أنت جامع شمل الدين وسلك نظام المؤمنين ، ونخشى أن يصيبك شيء فلا يبقى للإيمان لا خبر ولا عيان ، فأمددنا بدعائك فسنكفيك أمرهم ، ونقيك شرّهم .

فَإنّا كالسَّهَام إذا أصَابَتْ

 

 

مَرَامِيها فَرامِيهَا أصَابَا

 

فقال : إن كان كلا ولابد ، فامضِ معهم يا عيسى ويا محمد ويا فلان ويا فلان ، وجعل يخاطب أولاده ، فقاموا وتقلّدوا سيُوفهم واصطفوا مع القوم حتى إذا اشتغلت تلك الفرقة الملعونة بلهوهم وضرب طبولهم ، قام أنصار الله ، فودّعهم الشيخ وعوّذهم بالتعاويذ الواردة ، ثم رجع الشيخ .

وذهب أصحابه حتى أتوا منازل عِقِيل فتسوّروا السطح الذي فيه رؤساؤهم فدخلوا عليهم وحكّموا السيوف فيهم ، وكانت كؤوس الخمر تدار بينهم ، فقتل منهم عشرون ، وأفلت الباقون ، فدخلوا على بيك الحلة صارخين باكين ، ونقلوا له القصّة فقال لهم لا طاقة لي على محاربة الشيخ وهو إمام العراق ، ولكن امضوا إلى الوزير ، وكان يومئذ في بغداد سليمان باشا([5]) واليا ، وهو من طائفة الكولات([6]) من أهالي بغداد ، فتوجهوا إليه بعيالهم وأطفالهم .

وحدثني بغير هذا عمي العلم العباس بن الحسن بن جعفر عمن شهد الواقعة ، أنّ الشيخ الكبير (رحمه الله )، توجّه إلى الحلة ، وكان فيها بعض أولاده وأقربائه ، فنزل في دار قريبة من الخان الكبير المحادد لشط الفرات ، وكان ذلك الخان كالقلعة للعسكر ، وكان عسكر الدولة من الطائفة العظيمة الكبيرة المعروفة بعِقِيل ، وفي ذلك الخان منهم أربعمائة أو خمسمائة ، وحذاءه خان أصغر منه وهو بمكان القلعة اليوم وفيه ثلثمائة أو أربعمائة ، فلّما انتصف الليل جلس الشيخ على جاري عادته لصلاة الليل فسمع الطبول تضرب والمزامير تدق ، وقوما تغني وآخرون يرقصون ، فأصغى قليلا فسمع بعضهم في حالة الطرب يسب الزهراء صلوات الله على أبيها وعليها فلم يتحقق الشيخ الخبر تلك الليلة حتى أصبح الصباح ، فسأل الشيخ عن القوم وفعلهم فقيل : عسكر من عقيل نواصب وهم أولاد الخوارج المارقين ، وهذه عادتهم أكثر الليالي أنّهم إذا طربوا وضربوا وشربوا جعلوا يسبّون الزهراء عليها السلام وبعلها عليه السلام وبنيها عليه السلام ، فبعث الشيخ على رؤسائهم ووعظهم وحذّرهم من سخط الباري ووقوع العذاب بهم ، فخرجوا من عنده وهم يضحكون ويتهكمون ، ولم يزدهم ذلك إلاَّ كفراً وطغيانا ، ولما صار وقتهم مضوا على عادتهم من اللهو والسّب ، بل ازدادوا وقيعة في الأئمة عليهم السلام ، وطعنا في الأولياء ، كل ذلك والشيخ يسمع كفرهم وعتوهم وينتظر أمرهم . فلما لم يجد منهم إلاَّ الصعود والترقي فيما هم فيه ، نزل من السطح وجمع أولاده وحفدته ، وألقى بينهم على الأرض عمامته ، وجعل يبكي ويقول : أتسبُّ فاطمة وعلي وأولادهما عليهم أفضل الصلاة والسلام على رؤوس الأشهاد وفينا رمق الحياة ؟ إذن ثكلت جعفراً وبنيه أمه ، ثم ركب بغلته وجعل يطوف في شوارع الحلة وهو ينادي الجهاد الجهاد عباد الله ، فلم يبق رجل ولا امرأة ولا صبي ولا صبية إلاَّ خرج بيده شيء من السلاح ، فلم يمضِ إلا يسير من الليل حتى أنضم إليه من أهل الحلة اثنا عشر ألف فارس غير الصبيان والأطفال ، فتقدمهم الشيخ وساروا خلفه والأطفال تصرخ والنساء تهلهل ، حتى جاء بهم إلى الخان الكبير فوجدوا أبوابه مغلقة والعسكر مشغول بلهوه ولعبه وكفره وسبِّه ، وكانوا قد غلب السّكر عليهم فلم يلتفتوا إلى هذا كله ، فأمر الشيخ بأن توضع السلالم ، فعرج الشيخ مع جماعة إلى السطح وجعل يُقَرّبُ أصحابه إليه منهم واحداً واحداً وهو يضرب عنقه ويكبر الله حتى أفناهم عن آخرهم ، ثم أمر الشيخ أن يخرب الخان ويهدّم سوره ففعلوا ذلك كله .

يقول العم أدام الله تأييده : إنّ الخان إلى هذا الزمان خربة معروفة بالحلة ، ولعل هذه السنة أو قبلها قد عمّروه جديداً ثم عرج الشيخ إلى الخان المحاذي له فوجدوا أبوابه أيضاً مغلقة ، فأمر الشيخ أن يوضع النفط والنار عليها ، فأحرقت الأبواب ودخل الشيخ وأصحابه وكان أهل ذلك الخان صحاة وقد أحسوا بنزول العذاب عليهم ، فكانوا مشغولين بالاستعداد فهجم الشيخ عليهم قبل أن يكملوا عدّتهم ، ولكن جعلوا يقاتلون أصحاب الشيخ بما قدروا عليه من التفك والسيوف والخناجر حتى قتلوا من أهل الحلة تسعة وصوّبوا تسعين منهم الشيخ فإنّه أصيب بجرحين ، ثم أنّ أهل الحلة تدافعوا على الخان بأجمعهم فقتلوا العسكر بأجمعه إلاَّ تسعة فأنهم فرّوا أوّل الأمر ، فما طلعت الشمس إلاَّ والقوم بين صريع ومجدل وهارب والشيخ يكبر الله ويقدسه ، وهو يقول : الحمد لله وقعت أخت وقعة النهروان ، فقيل : وكيف ذلك ؟ فقال خرج على الأمير عليه السلام تسعمائة أو سبعمائة مرقوا من الدين ، وهؤلاء قوم مارقون عددهم ذلك العدد ، وقد قتلوا أولئك من أصحاب الأمير عليهم السلام تسعة وفرَّ منهم تسعة وهؤلاء أولادهم قتلوا تسعة منا وفر تسعة منهم ، فالحمد لله الذي جعلنا من المتأسين بأوليائه الصالحين .

ثم أمر الشيخ صبيحة اليوم الثاني أن تدفن أجساد ذلك المعشر اللّعين بلا غسل ولا تكفين ، ثم أنّ أهل الحلة اجتمعوا عند الشيخ وقالوا له : لا نأمن أن يداهمنا سليمان باشا بجنود لا قبل لنا بها ، ولا نستطيع الدفاع عنك فلو رحلت لكان أولى لأنّك ركن الدين ، فإن سلمت سلم وإلاَّ هدم ، وأمّا نحن فإن قتلنا فتلك الشهادة العظمى ، والسعادة الكبرى ، وإن بقينا فلا تجدنا لك إلاَّ ذخراً . فقال الشيخ نِعمَ ما نصحتم به وقد كان عزمي عليه ، ثم بعث بأهله وأولاده جميعا الذين في الحلة والنجف إلى الحسجة ، وسار هو مع ثلاثين من خواصه على البصرة إلى العجم .

وأما سليمان باشا فجاء بجند عظيم من عقيل ليأخذوا ثأرهم من الشيخ وأولاده فلم يجدوه هنالك ، ولم يمكنهم قتل جميع أهل الحلة لأنّهم لم يظهروا العصيان فجمعوا رؤساءهم وأرادوا قتلهم ، فقالوا : إنّ الذي قتل العسكر رجل من أهل النجف جاء مع جماعة من قومه وقتل منا جماعة ومن العسكر جماعة وقد أنهزم وما شهدنا إلاَّ بما علمنا . ثم دفعوا الأموال والهدايا إلى الوزير وكتّابه حتى خلصوا من شرّه وأطلقهم من أسره ، ثم بنى قلاعاً وحصوناً مشيدة وجعل فيها ألف رجل([7]) من طائفة عقيل ، لأن عسكر الدولة كان قبل تشكيل القرعة منحصر في ثلاث طوائف الأنكجريه([8]) وعقيل والهايته ، وهو الملفّق الذي لا يعلم له عشيرة خاصة ، وكان أكثر عسكر العراق عقيل ، وهم إلى الآن كثيرون .

ثم رجع الوزير إلى دار السلام وبقي العسكر في الحلة ، ولكنهم جعلوا يؤذون أهل الحلة ويأخذون أموالهم ظلما وعدواناً لما حملوا لهم من الحقد بقتلهم تلك الفرقة من عشيرتهم ، فما زالوا بهم على هذا حتى جعلوا يشتكون منهم إلى الوزير الشرير فلا يشكيهم فالتجأووا إلى العصيان فعصوا وطردوا العسكر من الحلة ، وقتلوا بعضهم ، فتجهّز سليمان باشا أو سعيد باشا أخوه أو ابن عمه ، وجاء بالمدافع والمجانيق فقلع الحلة وفعل بأهلها أفعالا عجيبة ، وبنسائهم الأمور الشنيعة ، فكانت واقعة نجيب باشا رديفة لها ، وليس الغرض بيانها لأنّها مشهورة معروفة ، وفرَّ فيها كثير من أهل الحلة ولاذوا بالشيخ موسى ، وكان قد جاء إلى محله وأخذ الأمان من الوزير .

فلما فتحت الحلة وقتل أهلها ، وجلس بها الوزير والعسكر أرجع الشيخ موسى المنهزمين وأخذ لهم الأمان من السّلطان ، وأرجع إليهم أموالهم وجلسوا آمنين في مساكنهم .

وإما الشيخ الكبير فإنّه لما سار إلى العجم توجه إلى الدستور الكبير ، والوزير الخطير محمد علي ميرزا بن السلطان فتح علي شاه ، فخرج لاستقباله ، وكان حاكما في بعض البلدان العظيمة ، فأنزله عنده ، وعرّفه الشيخ بالكيفية ، فجعل الميرزا يراجع السلطان العثماني في ذلك الوقت حتى بعث له بأمان فيه مزيد إعظام واحترام للشيخ الكبير ، وأن لا يتعرّض له بسوء من الناس أحد خصوصاً الوزير ، فبعثه محمد علي ميرزا إلى وزير بغداد .

ثم توجه الشيخ بعده إلى دار السلام بحشمة وإعظام ، ودخل على واليها فأكرمه غاية الإكرام ، فكان المفتي حاضراً في مجلس الباشا والشيخ جالس ، فقال المفتي للشيخ : أنا لا أسألك من عملك ذاك كله ، ولا ألومك على فعلك ولكني أعجب من شيء واحد وهو دفنك العسكر مع عدم تغسيل ولا تكفين ، وهم قوم مسلمون كما تدري . فهزّ الشيخ بيديه وقال : سبحان الله هذا وأنت مفتي المسلمين لا تدري أنّهم لا يخلون إمّا أن يكونوا مسلمين فهم شهداء ، على هذا يجب تكفينهم ودفنهم بثيابهم بلا غسل ولا كفن ، وإن كانوا كفرة فلا يجوز تكفينهم ولا تغسيلهم ، فبهت الذي كفّره وكأنما ألقم حجره ، وتعجب الحاضرون من بداهة الشيخ وسرعة جوابه ، والظاهر أنّ الشيخ لم يسافر إلى العجم غير تلك المرة ولكن بقي في تلك الأقطار يتردد في هاتيك الأمصار ثلاث سنين ، وسعدت بتشريفه أغلب بلاد الري وخراسان وأذربيجان ، وله في كل بلد ومصر منها حكايات ظريفة ، ومواعظ شريفة ، أهملنا أغلبها خوف الإسهاب .

علاقة السلطان فتح علي شاه مع الشيخ جعفر

وقد أتى شيء منها في كتاب ( قصص العلماء ) ، ونحن نذكر بعض ما يلزم ذكره من ذلك فمنه ما يقال من أنّ فتح علي شاه تغيّر على الشيخ لمـّا علم بعقده على والدته منقطعا ، فلما سمع بقدوم الشيخ أمر جنده وعسكره أن لا يعتنوا به ولا يلتفتوا إليه ، وكان الشاه مع جنده في خيام ضربت لهم خارج البلد ، فجاء الشيخ إلى خيم الشاه ، وكان العسكر قد اصطفوا صفين من باب خيمة الشاه إلى قريب الميلين ، وصار ما بين الصفين كالزقاق ، فلما حلَّ في أوساطهم وأحسَّ بقصدهم ، التفت إلى الشمس فوجدها قد زالت ، فاستقبل القبلة ونادى الله اكبر ، فألقى السلاح جميع ذلك العسكر ، واصطفوا خلفه للصلاة جميعاً حتى أنّ الشاه نادى على قليانه فلم يجبه أحد ، فلما أحرم الشيخ سكنت الهواجس حتى كأنّ الله لم يخلق نَفْساً ولا نَفَساً ، فلما بسمل رفع صوته بها حتى سمعه الشاه فلم يتمالك إلاَّ أن خرج عجلا ، ووقف يصلي خلف الشيخ ، فلما فرغ من صلاته جعل يقبل كفّيه ويعتذر إليه عن تقاعده ذلك بأنّي كنت مشغولاً بأمر أراجعه فقال الشيخ له : عفا الله عنا وعنك .

أقول : ولم يثبت لي هذا بطريق قطعي ، لا هو ، ولا أصله أعني زواج الشيخ بوالدة الشاه ، وإنْ كان معروفاً على الألسن ، ومثل هذه المعرفة لا يعتمد عليها بحيث يرسم معروفها في الكتب ، لكن التسامح في أمر التواريخ كالتسامح في أدلة السنن خصوصاً فضائل العلماء الأعلام الذين هم أوصياء الأئمة عليهم السلام ، فالاعتبار مساعد على صدور ما هو أعظم من هذا ، وأمثاله بمراتب لأنّ كراماتهم لا تنكر ، وفضائلهم أعلى من أن تحصر .

نعم ذكر في كتاب قصص العلماء من كرامات الشيخ أنّ فتح علي شاه تغيّر بعض الأيام عليه لأمر ما ، فلما توجّه الشيخ الى طهران قال الشاه لوزيره أمين الدولة ، وكان من مخلصي الشيخ : أنا لا أمضي إلى رؤية الشيخ ولا أهنيه بقدومه ، ولا أعتني به ، فَأمُرْ عساكري عني أن لا يأذنوا له بالدخول عليَّ ، ولا يرفعوا له الحجب عني ، فعزم الشيخ على ملاقاة الشاه ، فلمّا قرب من صرايه ، ووقع نظر الجند والعسكر على أنوار مطالعه وقعوا على قدميه ، ومثلوا مكتّفين أنفسهم بين يديه ، فدخل إلى فناء الصراي ، فنظره الشاه من مقصورته فتعجب غاية العجب ، وغضب على أمين الدولة أعظم الغضب ، ثم قال لأزِيدنّ في عدم الاعتناء به ، والتغافل عنه ، فلما أراد الشيخ أن يصعد المرقاة التي هي طريق إلى مقصورة الشاه ، قال الشيخ رافعاً صوته الجهوري ضاربا بعصاه الأرض : يا الله ، فلما سمع الشاه صوته الشريف ، قام من مكانه عجلا بلا اختيار ولا شعور ، فاستقبل الشيخ من أول المرقاة ، قام يقبّل يده وأخذ يساعده على النهوض والصعود ، فلمّا قضى الشيخ وطره من المجلس قام ، وقام الشاه معه فشيعه إلى باب الصراي ، فلما رجع الشاه سأله أمين الدولة وقال : قد رأينا منك الساعة العجب ، فإنّك أمرتنا بعدم الاعتناء بالشيخ واليت على نفسك به فيكف آل الأمر إلى عكسه ، فقال السلطان لا تلمني فإنّي لما سمعت صوت الشيخ رأيت حية ، فاغرة وهي تمد لسانها كل حين تريد أن تبتلعني مع الحاضرين ، فكأنما نفث في روعي أن لا منجى لك منها([9]) إلاَّ بالشيخ ، فقمت بلا شعور ولا اختيار ، مستجيراً بتلك الأنوار ، فلما دخلت بخدمته الباب قبل الأرقم تلك العتاب ولم ألتفت له إلا وقد غاب . انتهى ترجمة مع تغيير يسير في طريق التعبير .

ثم ذكر في مقام آخر أن والدة فتح علي شاه ، لما تشرفت بالعتبات العاليات ، التمست (بشرف مآب )([10]) الشيخ ودخلت حرم داره ، وطلبت المأمن به من عذاب ذلك اليوم وحرَّ ناره ، وقالت له : حيث أن ابني سلطان ، ليس لي من عقوبة الظلم وكثرة الذنوب أمان ، فأرجو منك أن تدعو الله في حقي ، ليعتق من الأثام رقي ، ويحشرني مع سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء عليها السلام ، فأعطاها الأمان بالعهود والأيمان ، وإنّها تدخل بشفاعته الجنان ، وتعتق من النيران ، فانقلبت منه بأحسن منقلب . انتهى .

وفيه أيضا ما هذا نصه ( وانجناب اذن داد در سلطنة فتحعليشاه واوارا نائب خود فرارداد ماباشرائط جندكه در هرفوجي از لشكر مؤذّني قرار دهد وامام جماعت در ميان لشكر داشته باشد ، وهرهفته يكروز وعظ كنند وكيفية انرادر كتاب جهاد كشف الغطا نوشته است )([11]) . انتهى محل الحاجة منه .

وسمعت من الثقات أنّ الشاه قال للشيخ بعد أن جلس معه على سرير ملكه ، وأخذ منه الإذن في التصرف والنيابة في السلطنة : ما تشتهي في دنياك ، وتتمنى بنفسك ؟ فقال الشيخ : وما تريد بذلك ، فقال له : حتى يقضى لك ، فقال : لا تقدر على قضائه ولا القيام بعهدته ، فأقسم أن يفعلنّه ولو توقف على بذل ملكه أجمع ، فقال الشيخ : نعم وكل ملكك لا يقوم به ، فتعجب الشاه وقال : يا سبحان الله وماذا يكون هذا ؟ فقال الشيخ : لا تتعجب فو الله ما بنفسي مُنْية ولا بآمالي حاجة سوى أن أُغني كل فقير في الدنيا ، وهذا مما لا تقدر عليه أنت ولا ملكك .

وسمعت أيضا كذلك أنّ الشاه بعث للشيخ قبل اليوم الذي عزم فيه على المسير من طهران بثمانية آلاف تومان من الذهب ، فجاء الرسول وألقاها بين يدي الشيخ في المجلس وكان قد جاء بها عسكر الشاه المخصوص من نواكره وخدمه ، فجعل الشيخ يملأ كفيه من ذلك المال ويعطيهم حتى نفد أكثره فأعطى الباقي للطلبة الذين كانوا في مجلس الشيخ من أهل طهران . ثم قال : هذا من بعض عطائنا لرفقائنا .


 

موقف الشيخ جعفر من الأخباريين

ومم اتفق له في تلك الأقطار مناصبة الأخباري ميرزا محمد حيث يتطلبه بالثأر ، من نفي الشيخ له عن العراق ، وطرده له مع أهل الشقاق والنفاق ، وبيان ذلك مع الكشف عن سرّه ، وذكر أصل الواقعة على سبيل الإجمال .

إنّ الشيخ كان شديد التعصب على جماعة الأخباريين ، خصوصاً المتأخرين تبعاً لأستاذه مروج الشرع ، وممهد الشريعة الأقا البهبهاني رحمه ا لله ، وقد كانت هذه الفرقة قبل ظهور الأغا وانتشار أمره قد ملأت الأقطار والأنحاء ، وكثر منهم بها النباح والعواء ، وجعلوا يسعون في الأرض الفساد ، ويحيدون عباد الله إلى طريق الضلال ، ناكبين عن طريق الرّشاد ، فلم يألوا جهداً في هدم دعائم الحق حتى تهدّم ، وصار دين الأصولية في جنبهم كالعدم ، فلما برز ذلك الوحيد وتفرّد ، صرف همته العالية إلى تشتيت ذلك الجمع حتى تبدد ، وأقام عمود دين الحق بأصوله المحكمة العماد ، وأرغم السعاة بالبغي فيه والحساد ، ولعله بلغك ما كان بينه وبين معاصره صاحب (الحدائق)([12]) من المنافرة على أنّ الرّجل لم يكن من متعصب الأخباريين ، بل كان برزخاً بين الطرفين ، ولكن الأغا المروج لما رأى أن الشريعة الغراء لا تستقيم إلاَّ بمحو اسم هذه الفرقة العمياء ، فإن المجتهدين منهم وإن كانوا معذورين إلاَّ أنّ العوام اتبعوهم فضَلُّوا وأضَلُّوا أجمعين ، فلذا كان رحمه الله ينهى عن الحضور بدرس ذلك المحقق الحقيق بذلك المنصب ، حتى كان ابن أخته السيد علي صاحب (الرياض ) يحب الحضور عليه لاستحسان مسلكه في التفقه ولكنه يخشى غضب خاله الأغا عليه فكان يخفي نفسه في بعض الزوايا بدرسه ليلا عن أعين الناظرين ، كي لا يظهر الأمر ويبين ، فلما مضى الوحيد البهبهاني إلى سبيله تعصب تلاميذه لطريقته ، وساروا على ذلك النهج من سيرته ، وكان شيخنا أشدهم ألباً على تلك الشرذمة ، وأحرصهم على نقض حبالهم المبرمة ، فلم يزل رحمه الله يستقصيهم فيفنيهم وينفيهم ، حتى أطلع الشيطان نبعته ، وكشف سَوْأَته ، ونبش حتى أظهر في الكون سلحته([13]) ، فتعفّن العالم من نتن أفعاله ، وخبث أقواله ، فجعل يرمي العلماء الأبرار ، بسماته سمات الكفرة الفجّار ، ويُؤنب ويُؤَلّبْ على المجتهدين ، عداوة للدّين ، وسبب تلك العداوة أنّ هذا الرّجس ولد في الهند([14]) ، ونشأ بها ، وحصل ما حصل وهو بتلك الأقطار ، ومن المعلوم أنّ أغلب أهل الهند على مذهب قدمائهم الفلاسفة المنكرين للمعاد ، الجاحدين لرب العباد ، فنشأ الرجل على تلك ا لطريقة وسلك بذلك المسلك ، وكان يظهر الإسلام بلسانه ، ويضمر الكفر بجنانه ، فقدم على أهل العراق مريداً إطفاء نور الله الذي بين أيديهم ، وإخماد نائرة الاجتهاد الشائعة في ناديهم ، وقصده السلوك شيئاً فشيئاً إلى إتلاف الدين من أصله ، وقلع أساسه من محله .

ولا تحسب قولي هذا ضرباً من التغرض ، ونوعاً من التمحل ، فإنّ من راجع أحوال الرجل ، واطّلع عليها رأى الحق فيه حقيقة ما قلت ، ولو لم يكن إلاَّ حكاية اشبوختر([15])  لكفى شاهداً على ما ادّعيت ، وقد ذكر طرفا منها في كتاب ( قصص العلماء ) وحاصلها : أن المسقوف([16]) تحركت على الدولة المنصورة القاجرية في زمان فتح علي شاه ، فوجهوا بعض أمرائهم المشهورين بالنجدة والبأس ، وكان يعرف باشبوختر مع جمع من الجند ، وبعث الشاه من جنده من يعتمد عليهم . فلما التقى الفريقان كانت الغلبة للمسقوف ، وما انكشفت الغبرة إلاَّ وعسكرهم قد دخل بلاد العجم المحادّة لهم ، وفعل مثل ذلك في القابل وجعل كلما تحرك على بلاد فتحها ، فضاق السلطان به ذرعاً ، وأعيته الحيلة في أمره ، فجاء إليه ذلك الرّجس الخبيث وكان يومئذ في طهران ، فقال للشاه إن ضمنت لي ما أرجوه منك التزمت لك بمجيء رأس ذلك الرئيس بعد أربعين يوما ، فقال : إني ضامن لك ، فماذا تريد؟ قال : ما أريد إلاَّ إتلاف المجتهدين وقتلهم ومحو هذه الطريقة من العالم بهلاك أهلها أجمعين ، فإنّهم ألفوا آباءهم ضالين ، فهم على آثارهم يهرعون ، فقال له : وبما تدين الناس ؟ قال : أنا أحملهم على الحق الذي لا يشوبه شك ، فالتزم الشاه له بذلك ، ومضى الرجل فاشتغل ببعض الأوراد والتبخيرات التي لها تأثير ذاتي في نفسها ، وكان ذا يدٍ طولى بهذه الأمور خصوصاً السحريات والشعبذات والتبخيرات التي هي عقائد حكماء الهند من الفلاسفة حيث يبخّرون لنجوم خاصة بأوقات خاصة لحوائجهم ، ويزعمون أنّها هي المدبرة في العالم .

والحاصل هذه عادة كل من خرج عن ربقة الإيمان ، ودخل في جند الشيطان ، وهذا رئيسهم وعنده أصولهم وتأسيسهم ، فكان هو وحصول تلك الخواص لديه ، كالبول الصافي وارتسام الصورة الحسنة عليه ، فما مضت المدة إلاَّ ورأس ذلك الرئيس بين يدي السلطان فخرّ ساجداً لله شكراً ، وجاء الأخباري فطالبه بإنجاز وعده فاستمهله ، فلما خرج أحضر الشاه وزراءه وأمناءه فشاورهم فيما يريد ذلك اللّعين من إمحاق هذا الدين ، وقتل المجتهدين ، فقالوا : هذا أمر ممتنع مستحيل ، ولئن فعلته ليكثرن عليك من الرعية والدول القال والقيل ، ويقع التشويش في المملكة ، ولعلّ ما يخلعون منك أمر السلطنة ، لأنّ هذا دين الناس القديم ، نشأت عليه الآباء ، وورثته الأبناء . هذا وكيف تترك الدولة القجرية دينها الذي نشأت عليه ودانت به من قديم الزمان لساحر كذاب أو كافر مرتاب؟ فدخل هذا البيان في ذهن السلطان ، وقال : فما الرأي فيه؟ فقالوا : إنّ بقاء هذا في دولتك غير مصلحة لك إذ لعلّما تغير عليك ، وتكدّر فيصنع بك كما صنع بعدوّك ، فالرأي أن تنفيه إلى العراق فتنجو من شرّه ، وتتخلص من مكره ، فقال : ذاك إليكم ، فأرسلوا على الرجل وقالوا له : إنّ الشاه أمر لك بكذا مقدار من المال ويسألك الدعاء عند العتبات العاليات ، وهو يقضي بعدك ما أردت ، ويسعى فيما أحببت قدر الجهد ، فبهت الذي كفر وخاب ، ونكص ذليلا على الأعقاب ، ووكلوا به رجلين من الجند حتى أوصلوه إلى حكومة العراق ، وأوصوهم عن لسان الشاه بحفظه لديهم وعدم خروجه من تلك الآفاق .

وقد أوردنا لك هذه الحكاية لتطلعك على غرضه وما يروم من هدم الدين ، وإذهاب شريعة سيد المرسلين ، وكفاك بها شاهداً ودليلاً ، فلنعد إلى ما كنا بصدده من سر عدواة هذا الرجس لخصوص شيخنا الأكبر ، وذلك أنّ الشيخ بلغ به الحال في أمرهم أنّه إذا أجاز رجلاً من تلاميذه ونصبه علماً لقوم نائين جعل أهم وصاياه له عدم المراودة مع هذه النبعة الخبيثة على الإطلاق ، وعدم التكلم معهم والجلوس بمجالسهم إلى غير ذلك من الانقطاع عنهم ، والتباغض معهم كي يذلوا وتكسر شوكتهم عند العوام ، الذين هم كالأنعام من تبعة تلك الأقوام ، فممن بعثه الشيخ مجازاً منه ، نائباً عنه ، الحاج ميرزا إبراهيم الكلباسي([17]) رحمه الله صاحب (الإشارات) ، وكان من تلامذة الشيخ المبرزين ، فبعثه إلى أصفهان ، وأوصاه بتلك الوصايا وأمثالها ، فلمّا استقر به المقام فيها دخل البلد في الأثناء ذلك الأخباري المذمم فمكث مدة أيام ينتظر دخول العلماء إليه كما هي عادتهم في القادمين عليهم من أمثالهم ، فلم يجد شيئاً من ذلك ، فبلغه توعّك الكلباسي ، وعيادة الناس له ، فدخل عليه فيمن دخل ، وكان فيمن حضر المجلس حجة الإسلام السيد محمد باقر الرشتي([18]) (رحمه الله ) ، فلمّا استقر به الجلوس جعل يعاتب الحاج على عدم مجيئه له حين قدومه على مقتضى العادة ويقول : إنّ لي حقا عليك قديما ، لأنّا في أيام التحصيل كنا سواء ، وفي طلب العلوم أصدقاء ، وأراك لم ترعَ تلك الحرمة ولا أديت ما يوجب الحق ، فسكت الكلباسي وأعرض عنه . فلما كثر لغطه أجابه السيد رحمه الله ، بأنّ الحاج قد أمره أستاذه ، ومن عليه بعد الله أعتماده ، برفض جماعتكم الأخباريين ، وعدم مراودتكم أجمعين ، وكان أُستاذه يأمر تلاميذه ومن يحضر عليه بذلك ، ويقول : من خالطهم وجالسهم فهو عاق لأبوة الأستاذية ، التي هي أعظم من الأبوة الحقيقية ، فلهذا ترك الحاج القدوم عليك ، فقال ذلك المبغّض : أمَّا الآن فقد آل الأمر إلى معارضة الحقوق والعقوق فلننظر أيهما المقدم ، فقال له السيد : لا إشكال في تقديم العقوق على الحقوق ، واستشهد على ذلك بأخبار كثيرة ، فجعل الأخباري يناقش في أسانيدها ، ويورد بعض الإيرادات الواهية في متنها وعربيتها ، وكان في الجدل لايدانيه أحد ، فأثبت في ذلك المحفل تقديم الحقوق ، كل ذلك والحاج ساكت عنه .

فلما خرج خشي أن يقتله أهل أصفهان بإشارة من رئيسيَّها السيد والحاج رحمهما الله ، فتوجه إلى طهران ، وقد بلغه أن الشيخ قد شرّف تلك الأقطار ، وقد امتلأ قلبه غيظا عليه وحقداً له ، وسولت له نفسه الخبيثة إفحام الشيخ بالمجالس المعظمة بمحضر الخوانين والأمناء ، ليعدلوا عن تقليده وتأييده ، ليحصل لقلبه التشفي ، ولمرض خبثه الشفاء ، فلما دخلها أزداد حقده للشيخ ، لما رأى من عظمة قدره عند عظمائها ، وكبر خطره لدى كبرائها ، مضافا إلى عدم اعتناء أحد من أهلها به ، وعدم التفاتهم إلى وفوده عليهم وقربه ، فصار إذا سمع بوليمة للشيخ قصدها حتى يتيسر له الاجتماع بخدمة الشيخ ، فيظهر عند ذلك بمحضر الأعيان خبث نيته ، فاتفق له كثيراً من تلك المجالس ، فكان يلقى في البين بعض المسائل ، وينتصب موسم الجدال ، ولكن الرجل كان من قواعده في المباحثه التحول من مقام إلى مقام ، ومن علم إلى آخر ليظهر عجز المقابل خصوصاً إذا حوصر في الجواب أو السؤال ، فإنّه يخلّص نفسه بالفرار إلى غير ما هم بأدنى مناسبة ، وكانت عادة الشيخ في المباحثة التحقيق والتنقير ، وعدم الخروج من مسألة إلاَّ بعد استيفاء جميع فروعها وشعبها ، فلما تجاولا في ميدان المباحثه جعل الرجل ينتقل من مكان إلى مكان كعادته ، والشيخ يقول : قف حتى نفرغ مما بأيدينا ، ثم ننتقل إلى ماتقوله ، فيقول له الرّجل : لا بل عجزت ووقف حمارك ، فلم يزل هذا دأبه مع الشيخ حتى أنّه بعض الأحيان ينادي عجز الرّجل عجز الرّجل ، حتى ألبس على الناس الأمر ، ودلّس الحق ، فاستمال بعضهم بزبرجته وتزويره ، وغضب الشيخ غضباً شديداً ، وتغيّر خوفاً من إضلال العوام تغيراً مفرطاً ، حتى قال له يوماً بمحضر الشاه وأمين الدولة : يا ملعون قد زينت كلامك الباطل بزينة الحق ، وأبرزت عقائدك المستهجنة بصورة حسنة ، فَضَلَلْتَ وأَضْلَلْتَ ، وتبعك بعض ممن ظنّك على هدى وأنت منه ومن الدين سدى ، ولئن بقيت على هذا ليذهبنّ الدين ، وتنمحق الشريعة بتقنيعاتك يا لعين ولا حاسم لهذه المشاجرة إلاَّ المباهلة ، فليعين الشاه لنا يوما نتباهل فيه ونرى الحق لمن ، وعلى من ، والفلج ممن وفيمن وإلاَّ فإنّك زيادة على ضلالك في نفسك قد أضللت كثيراً من الناس ، فالواجب عليَّ ردعك وزجرك ، وإنقاذ الناس من غوايتك ، وتبصيرهم من عمايتك ، وحيث أن لا قادر عليَّ وعليك ، ولا عليم بأمري وأمرك إلاَّ علام الغيوب ، فاللازم علينا التحاكم إليه فهو أحكم الحاكمين ، فاستحسن الحاضرون كلام الشيخ ، وقالوا للأخباري : إنّ كان الحق معك فأجب الشيخ إلى ما يقول لتنقطع المشاجرة ، ويمتاز الخبيث من الطيب ، ( فيهلك من هلك عن بينّة ويحي من حي عند بينّة)([19]) ، والله أسرع الحاسبين ، فأجاب اللعين إلى ذلك وقبل ، وعينوا للخروج إلى الصحراء اليوم المستقبل ، فجمع الوزير بأمر السلطان أركان الدولة وذكر لهم الواقعة ، وأمرهم بالخروج ليكون يوماً مشهوداً ، فخرج السلطان والوزراء وجميع الأعيان ، وضربوا الأخبية والخيام خارج البلد ، ولم يتخلف منهم أحد ، فلما كانت فريضة الظهر أو الصبح خرج الشيخ من خبائه ، متعمّماً على هيئة عمائم الملائكة النازلين يوم بدر ، وقد أرخى حنكا ، وأسدل الآخر ، والتحف ببردة يمانية ، وتازّر بأخرى ، وفي رجليه نعلان شراكهما من ليف وفي يمينه كتاب الله العزيز ، وفي يساره مسبحة حسينية ، وهو يهلل ويكبر ، حتى وقف قبال القبلة فرفع صوته بالتكبير ، حتى خشع قلب كل جبّار له ، وصغر قدر كل كبير ، ثم تجمع خلفه من الصّفوف ، ما يزيد على الألوف ، فصلى بهم جماعة .

وما كان إلا ساعة ، حتى خرج المذمم متعمماً بعمامة صغيرة هندية ، على هيئة العمائم الكابلية ، رجوعا بذلك إلى أصله ، لكنها مع صغر حجمها طويلة كما هو اليوم دأب الأفغانيين ، فهي على هيئة غريبة كأنها رؤوس الشياطين وقد تجلل بحلل الماهود ، ولفّ رقبته ببعض الشَّول ، وشدَّ على وسطه البنود ، كما هو اليوم عادة النصارى واليهود ، وبكفه قضيب خيزران ، وهو يلعب به ويختال عجبا بنفسه كالنشوان ، فوقف هو وصحبه الغاوون ، وجنود إبليس أجمعون ، فلما رأى من الشيخ ما رآه ، من الخضوع والخشوع علم منن المحق الأوّاه ، فخشى نزول العذاب عليه ، فيكون قد بحث على حتفه بيديه فعزم على الهزيمة والفرار ، وارتكاب العار مع النار ، فخفف صلاته حتى فرغ قبل الشيخ ودخل تلك البلد المعظّمة ، هو وصحبه وهم أذل من قوم الأمَة ، ولم يقف للمباهلة ، ودحضت حجته الباطلة ، ورجع الحق مستقلا به أهله وعرفه طالبه ، وفشل الباطل وراكبه ، كذا رواها في كتاب ( قصص العلماء ) مجملاً . وبهذا التفصيل سمعتها من كثير ، وحدثني كثير ممن أعتمد عليه عن بعض فحول العلماء ممن هو في عصرنا ، وعن غيرهم من السابقين ، رحمهم الله أجمعين ، أنّ الشاه وجنده والشيخ والأخباري لما خرجوا إلى الصحراء ونزلوا ضربوا أخبيتهم وخيامهم جنّهم الليل ، فاجتمعوا في خيمة الشاه ، ووقع القرار على أن تقع المباهلة بعد فريضة الفجر ، فتفرق الجماعة ، ولم يبق في خيمة الشاه إلا هو والوزير الكبير ، أما أمين الدولة أو أبوه حسين وكلاهما كانا من مخلصي الشيخ ، وكان قد أخذ الوزير القلق والأرق والاضطراب والخوف من وقوع هذا الأمر ، لما علم من سحر ذلك الفاجر وشعبذته ، فخشي أن يسحر أعين الناس بما ظاهره الغلبة على الشيخ فيتضعضع ركن الملة والدين بالسحر المبين ، فلم يزل يفكر في نفسه ويطلب الحيلة في تدبير الأمر حتى عزم على نقض ما أبرم من قضية المباهلة خوفاً من تزويرات الرّجل الباطلة ، وبقي يتأمل في الطريق إلى ذلك ، وخشي أن ينام الشاه ، ويصبح الصبّاح ويقع المحذور ، فأخذ يلهيه بذكر سياسات المملكة وتدبيرها في بعض أمورها حتى انتصف الليل وهجعت العيون وهدأت الهواجس ، وركدت الأوهام والظنون ، فجرّ الوزير الكلام إلى كثرة الجند والعسكر والقوة والشوكة ، لعلمه أنّ السلطان لا يسهره ويؤنسه إلا مثل هذه الأمور ، حتى قال : الحمد لله بهمة مولانا الملك قد اشتد بأس المملكة ، وكثر الجند وانتشرت الرعية ، ومما يدل على ذلك أنّ الخارجين معنا من طهران ليس إلاَّ ربع من فيها ، وهاهم لا يحصون ، فإن شئت أن تصدق ذلك ، فقم بنا ننظرهم ونتفرج مع ذلك على ترتيب العساكر وكيفية منامهم ، فرغب وقام الوزير وبيده المصباح ، وجعل يتمشى بالشاه بين الخيم فرأوا خيمة صغيرة محقرة نائية عن خيم الناس ، فقال الوزير دعنا نمضي ونرى أمر هذه الخيمة ومن فيها حتى إذا وصلا قريباً منها سمعا بكاء ونجيباً وشكوى محب إلى حبيب ، فتأملوا وإذا بالشيخ واضعاً خده على التراب وهو يتملل على الأرض تململ السليم ، ويئن أنين الفاقد كفيله والحميم ، ويناجي ربه مناجاة الحزين الواله ويتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فوقفوا هنيئة حتى فرغ من أطايب مناجاته ، وقام إلى تكميل صلاته ، انصرفوا وقد أخذتهم حالة الخشوع والخضوع ، وانسكبت على غير اختيار منهم الدموع ، وصاروا يتذكرون بتلك الحالة العجيبة ، ويتحدثون أمر هاتيك الملكة الغريبة ، فحمد الله الوزير في نفسه وشكره ، على حسن ذلك الاتفاق الذي لم يكن أمّله ولا تصوّره ، وقال هذا نعم المفتاح لما أريد ، ولكن لا يتم إلا برؤية حالة ذاك الجبار العنيد ، فجعل يساير الشاه ، حتى أتى به إلى خيمة ذلك المذمم ، وهما في حديث الشيخ وتقاه ، فقال الوزير : أيها الملك هذا خباء ميرزا محمد فلننظر بماذا هو مشغول وكيف مثواه ، حتى نميز نحن أولا بينه وبين ذلك الشيخ الأوّاه ، فنظروا في الخيمة بين الستائر وإذا بولد أمرد ، ورجلا ميرزا محمد في حضن الولد ، وهو يمرّغهما والرجل نائم فازداد تعجب ا لشاه واستأنس الوزير بذلك ، فقال : أيها الملك أنت أجلّ من أن يخفى عليك هذا الأمر ويشتبه ، فإن كنّا نائمين فلننتبه ، هذه ايات الله ظاهرة ، وحجج الحق باهرة ، وبينات الصدق قاهرة ، ونهج الهدى مستقيم ، وطود الباطل رميم ، فعلام ومما المباهلة ؟ وهي لا تكون إلاَّ لأمر مشكل قد أوقع في الحيرة ، وعَمِيَ لعدم التمييز فيه أولو البصيرة ، وهذا الأمر واضح المناهج بين المسالك ، ونحن لو تأملنا في عقولنا وراجعنا إدراكنا عرفنا أي هاتين الحالتين سيرة الأنبياء والأولياء ، وأيهما حيلة الأشقياء ، فقال الشاه : صدقت هذا برهان قاطع ودليل ساطع على حقيقة الواقع ، فقال له الوزير : فعلامَ جعجعت بهذا الرّجل وهو شيخ كبير ؟ وأزعجته مع هذا الجم الغفير ، فإنْ تبين لديك الحق ، فَمُرْ مناديك ينادي في الناس أنّ الحق تبيّن عند الشاه لمن ، والفلج فيمن ، فليرجع كل منكم إلى محله ، فما تجلّت الشمس للعيون ، حتى انجلت عن تلك الساحة كل هاتيك الظعون ، وأرسل الشاه إلى ذلك الأخباري أن يرتدع عن غيّه من معارضة الشيخ ومناصبته ، وإلاَّ أخذ بأمّ ناصيته ، فبقى الشيخ ثمَّ أياماً قلائل ، ثم ارتحل إلى زيارة الإمام الرضا عليه السلام ، فأقام بها قريب الحول ، ثم رجع من قابل .

وأما عدوّه الخبيث فاغتنم بعده الفرصة في الاقتداء ببعض سلفه الماضين من الأخباريين الغاوين ، في الطعن على علماء الدين الراشدين ، وتضليل طريقة المجتهدين ، وحيث أنّ الكوز ينضح بما فيه ، والذي خبث لا يخرج إلا الخبيث من فيه ، جعل يرمي العلماء بالخصال الشنيعة ، وينسبهم إلى الأمور الوضيعة ، ويقبح محاسن مآثرهم في الملل وأياديهم ، ويجعل معايبه ومعايب أصحابه فيهم .

فقُلْتُ لجاعِلِ عَيْبٍ بِهِمْ

 

 

أضَرَّكَ وَرْدٌ ذكا يا جُعَلْ

 

وهذا دأب الله من قديم الزمان في أنبيائه وأوليائه ، فإنّه جلَّ وعلا ، لم يزل يمتحن ويبتلي كل واحد منهم بعدو من أعدائه ، ولو شئت أن أذكر لك حكايات الأمم السابقة واللاحقة ووقيعة العمى بالهدى ، والضلال بالحقّ ، وامتحان أولي الرشاد بأولي الفساد ، لطال المقام ، واستلزم الخروج عن المرام ، ولكن الأنسب هنا ذكر نبذة يسيرة من تشنيع إمامي هذه الطائفة على علماء الدين الذين([20]) بهم اقتدى هذا الكافر المرتاب في توهين حجج الله النواب ، وليرَ الناظر في هذا المقام إنّه كما لهذا الخبيث اقتداء بقومه الغاوين ، فكذا للشيخ أسوة بالسلف الصالحين من حجج الله الماضين ، فمن بعض ذلك ما يقوله أخوه الخائن اللعين المدعو بمحمد أمين([21]) ، في حق حجج الله الأجلة ، ورؤساء الدين والملة ، وأركان الشريعة ، ومؤسسي مذهب الشيعة ، الشيخين المفيد([22]) والطوسي([23]) قدس سرهما القدوس وغيرهما من العلماء الأعلام ، الذين هم أوّل من اجتهد في الأحكام ، كالعماني([24]) وابن الجنيد([25]) والعلمين علم الهدى([26]) والعلامة([27]) رفع الله لكل منهما مقامه ، وأنا أقسم بالله قَسَمَ حقٍ ويمين برٍ([28]) أنّ دين الحق لولا هؤلاء الأئمة ، لما عرفه هذا الضال ولا غيره من الأمة ، وما كان جزاؤهم من هذا المدعّي له إلاَّ قوله في تضاعيف كتابه المسمى بالفوائد المدنية([29]) من كلام طويل ملخّصه أن أوّل من غفل عن طريق أصحاب الأئمة عليهم السلام ، وأعتمد على فن الكلام وأصول الفقه المبنيين على الأفكار العقلية المتداولة بين العامة كأبن الجنيد وابن عقيل والمفيد ، واقتدى به أصحابه كالمرتضى ، وشاعت بين المتأخرين قرناً فقرناً حتى وصلت النوبة إلى العلامة ، فألتزم القواعد الأصولية من العامة ثم تبعه الشهيدان([30]) والشيخ علي([31]) ، وهذا سهل بالنسبة إلى ما قاله بعد نقل كلام الشيخ البهائي([32]) من مشرق الشمسين ، أنّه ذهب أكثر علماؤنا إلى أن العدل الواحد الإمامي كافٍ في تزكية الراوي ، وأنّه لا يحتاج إلى عدلين كما في الشهادة ، وذهب القليل منهم إلى خلافه ، يقول هو وأقول أنا ، أوّلاً في قوله : ذهب أكثر علماؤنا تسامحاً وغفلةً ، وذلك لأنّ الأخباريين من أصحابنا هم أكثر علماءنا وعمدتهم وهم لا يعتمدون إلاَّ على حديث قطعوا بوروده ، إلى أن قال بعد كلام طويل : وبالجملة ما نسبه إلى أكثر علمائنا إنّما ذهب إليه ( العلامة الحلي ) وجمع من مقلّديه ، وهم جماعة كالشهيدين والشيخ علي ، ولم تكن لهم بضاعة في العلوم ، ولم يكونوا عارفين بمعاني الأحاديث الواردة في الأصوليين من أصحاب العصمة ، وغلب على أنفسهم الألفة بما قرأوه في كتب العامة ، ولم يكن لهم نظر دقيق ، فاستحسنوا المألوف لموافقته كلام العامة ، ولم يزل يخبط في عشوائه ، ويجري في غلوائه ، بهذا وأمثاله في حق آية الله وأعجوبة الدوران ، الذي يقصر عن أن يحيط ببعض صفاته نطاق البيان ، على أن هذا أسهل أيضا مما هو مشهور عنه من قوله : ما هدم الدين إلاَّ مرتين يوم السقيفة ويوم مولدي العلامة والمفيد ، وليت شعري كيف يتكلم بهذا من شم أدنى رائحة من الإيمان على مثل المفيد الذي قال في رثائه صاحب العصر والزمان (عليه السلام )، الأبيات التي أولها :

للهِ يومُكَ في الأنامِ فإنّهُ

 

 

يَومٌ على آلِ النبي عَظِيمُ

 

مضافا إلى التوقيعات الخارجة في حقه التي تدل عناوينها على غاية عظم المنزلة وكبر الشأن ، فمنها قوله (عليه السلام ) ( إلى الأخ السديد ، والوالي الرشيد ، والشيخ المفيد أبي عبدالله محمد بن محمد … الخ)([33]) ، ومنها (من عبدالله المرابط في سبيله ، إلى ملهم الحق ودليله ، أدام الله أعزازه ، سلام الله عليك أيها الناصر للحق ، الداعي إليه بكلمة الصدق)([34]) ، إلى غير ذلك من أمثال هذه الكلمات ، فانظر كيف يقوّي الحجة (عليه ا لسلام ) أمر المفيد ويؤيد ، ويأتي هذا المدعي ولاءه والاقتصار على ما ورد عنه فينقض ويبدّد ، وأنا لا تختلج بي الأوهام والظنون ، بأن هذا الأمور قد خفيت على هذا المبغض الخؤون ، بل أظن واستغفر الله أنّ العناد والشقاق مع من قال تلك  الكلمات والعياذ بالله ، وإلاَّ فليس الطعن في علماء الدين من شرائط الأخباريين ، كيف وكثير منهم معدودون عند أصحابنا من العلماء المرضيين ، كالصدوق([35]) وقومه من المتقدمين ، والحر العاملي([36]) والشيخ يوسف البحراني([37]) ، والسيد صدرالدين القمي([38]) من المتأخرين ، فقد كان هؤلاء إذا ذكروا أحد أولئك العلماء الاعلام بالغوا بالثناء عليه والإعظام ، ولذا ترى هذا والميرزا المذمم السالك في طريقته الباطلة ، اللذين ماعرفا الحق طرفة عين ، غير مرضيين عند الطرفين ، كيف وقد قال الشيخ يوسف في (لؤلؤته ) عند ذكر هذا الخائن ما نصه : (وهو أوّل من فتح باب الطعن على المجتهدين ، بل ربما نسبهم إلى تخريب الدين ، وما أحسن ولا أجاد ، ولا وافق الصواب والسداد ، لما قد ترتب على ذلك من عظيم الفساد) ، وبمثل هذا أو أزيد منه تكلم في كتابيه (الحدائق ) و( الدرر النجفية ) ، وأنت ترى الفرق بين كلامه وكلام محمد أمين ، ورديفه اللعين ، وتميّز بعقلك من المجترئ منهما والبريء ، وتعرف من المقتصد وغير المقتصد ، والمتعرّض المتغرّض ، ومن الصّافي العقيدة والخالي الذهن ، من المتحمل الحقد على الدين وأهله والممتلئ فؤاده بالضغن ، وإلاَّ فكلاهما أخباريّان ، فما الداعي لاختصاص هؤلاء بإظهار العداوة للمجتهدين والشنأن .

ولعلك أيها الناظر بهذه الرسالة في هذه المقام ، تُفَوِّق إليَّ سهام التأنيب والملام ، بسب بعض الكلمات التي أعبِّر عن هذين الرجلين الملعونين من طردهما ولعنهما ونسبة الباطل إليهما ، وتقول : هما إماميّان مواليان ، فلا ينبغي في حقهما هذا البيان والعنوان ، ولكنك بملاحظة ما ذكره الشيخ يوسف البحراني الذي هو منهم تعذرني في ذلك ولا تؤنبني ، وأما لو ذكرت لك ما ذكره الشيخ علي ابن الشيخ حسن ابن الشهيد رحمهم الله في كتابه المسمى (بالسهام المارقة في رد أولئك الزنادقة) ، لقلت أحسنت وأجدت ، ولقد مدحتهم بما أبنت وأفدت ، وأنا أذكر لك بعض كلماته لا لذلك ، بل لتطَّلع على نبذة من أحوال الرّجل وتصدقني فيما نسبت إليه من الطعن في حجج الله ، قال رحمه الله بعد كلام طويل في تضليل الغزالي([39]) ومحي الدين([40]) ، وإفساد طريقة هؤلاء المبتدعين من المتصوفين ، ويتخلص منه إلى مقصده ومرامه ، من إثبات ضلالة الفيض([41]) وأتباعه على تلك الطريقة الفاسدة ، ومقالتهم جميعا بوحدة الوجود ، المستلزمة لتعدد المعبود ، أو اتحاد الموجود ، وغير ذلك من المفاسد والمقالات الكواسد ، التي هي إنكار أنّه تعالى واحد ، حتى قال قدس سره : وقد قلد-يعني الفيض- في بعض تقليده بذلك رجلا جاهلا بمراد العلماء ، مغروراً لا اطلاع له على علوم الشريعة وضوابطها ، ولا خدم أهلها وحصّل مما عندهم ، بل كان قصده الشهرة وتعريف نفسه بمعاداة أولياء الله ، لما اشتهر من قولهم : إذا أردت أن تشتهر فقع فيمن هو أكبر منك وعادِه ، وهذا الرّجل اسمه محمد أمين من تسمية الشيء باسم ضدّه ، وكان في مكة وقت خلوّها من الفضلاء .

وإذا مَا خَلا الجَبَانُ بِأرْضٍ

 

 

طَلَبَ الطّعْنَ وَحْدَهُ والنِّزالا

 

وقد كان عنده بعض المعرفة فيما لا يسمن ولا يغني من جوع([42]) ، وكان يحضر أوقاتاً فيها درس ميرزا محمد الأسترابادي([43]) ، ولم تطل مدّة الرّجل ، فلما انتقل إلى ربه تصدّى لقصد الشهرة عارياً من العلوم التي بها يشتهر المجاورون ، فشرع هناك بالتقبيح والتدليس ، وأخذ مسائل من كلامهم لم يفهم مغزاها([44]) ، ولا عنده خبرها ، وضمَّ إلى ذلك ادّعاء منامات كثيرة ، وتخيلات أن صحَّ شيء منها فمنشؤه ما كان يستعمله من الأفيون([45]) ونحوه ، وموَّه على ضعيفي العقول وقليلي البضاعة أشياء سحرهم بها ، وهي أوهن من بيت العنكبوت ، ولم يوافق فيما ادعاه أحد من المتقدمين والمتأخرين وإن أوهم من لم يتبع مقاصده وكلام العلماء أنّه على نهج المتقدمين ، ويظهر ذلك لمن عرفه حق المعرفة .

ثم ادعى العصمة لنفسه فيما يقع الخطأ فيه عادة في آخر رسالته ، ونحو ذلك من الخرافات فتبعه كلّ مريض القلب مقعد الهمة ، أكمه البصيرة قريح القريحة ، مغتر بخضراء الدّمن ، متخيّل بذي ورم سمنا ، ضعيف النقل ، صحفي التحصيل ، مائل إلى الراحة والتقبيح ، قاصد الطفرة إلى سمو الرتبة من غير تعب ومشقة .

تُريدينَ إدْراكَ المعَاليَ رَخيصَةٍ

 

 

ولابُدّ دُونَ الشّهدِ منْ إِبَرِالنَّحْلِ([46])

 

مكتف بما يسمى من كتب الحديث ، مما اشتمل على التحريف والتصحيف لعدم النقل المقرر ، والأخذ عن أهله المحرّر ، وخيّل له حب الرئاسة السخيف معرفة مراد الإمام (عليه السلام ) كمتبوعه ، وإن كان لا يعرف سوى سواد الكتاب من بياضه ، وإذا سُئلَ عن شيء فتح الكتاب وأجاب كلما يخطر بفكره السخيف ، لئلا ينسب إلى عدم المعرفة ، وموّه على العوام أنّي ألقي إليكم مراد الإمام عليه السلام والمجتهدون يلقون إليكم من مخترعاتهم ، فصار الناس بمتابعته كإبل مائة لا ترى فيها راحلة ، وعزّ التوفيق والإخلاص لعدم أخذ العلم من وجوهه وكثر السواد وقلّ البياض ، وتقاعدت الهمم ميلا إلى الراحة وانقبض العلم .

كَأنْ لمْ يَكُنْ بين الحُجُونِ إلى الصَفا

 

 

أَنيْسٌ ولمْ يسْمرْ بَمكّةَ سَامِرُ

 

وكَأنّهُ بَرْقٌ تَألّق بالِحمَى

 

 

ثُمّ انثَنَى وكأنهُ لَمْ يلْمعِ

 

وقد تفحّصت عن حقيقة هذا الرجل وأحواله ممن رآه ، وظهر مما لفّقه أنّه ليس بشيء يعبأ به ، مع أنيِّ لماّ سمعت ببعض تمويهاته حصل لي أدنى ريب ، فلما تفحّصت عنه ، وطالعت رسالته ظهر لي تدليسه ، وقصور يده وغواية مطلبه . ولتتمة الكلام معه والرّد عليه مقام آخر ، وإن كان الأنسب السكوت عنه لكونه من قبيل رائحة الماء المتعفن بتحريكه يزيد ، ولكن رأيت شياع ذلك عند العوام كشياع غيره ممن يضاهيه ، وهذا تنبيه للناقد البصير لئلا يغتر به ، إلى أن قال (رحمه الله ) : وقد جعل علماء الإمامية خصوصاً العرب منهم ضالين مُضلين مشركين ، استحبوا العمى على الهدى ، وهم عارفون أنّه لأجل حب الرئاسة ، وجعل الشيخ المفيد أول مبتدع ، ومخرب للدين . وذكر في حواشيه على أصول الكافي : أنّ المشرك بمعنى أن يقول : إنّ لله شريكاً لم يوجد أصلا ، وأنّ كلَّ ما ورد من ذم المشركين ، فهو متوجه إلى المجتهدين ، والرجل لم يكن عنده من متاعهم وبضاعتهم ما يحصل به شهرة ، فسلك هذا السبيل ، وفتح باب الطعن والتشنيع والتكفير ، فَفَرِحَ([47]) من في قلوبهم مرض زادهم الله مرضا([48]) . ولما كان زمزم في مكة المشرفة ، وسمع بمثل البائل في زمزم ، أراد أن يفعل ما يضاهيه ، ولنمسك عنان القلم عنه إحالة على ما أوضحته من حاله في رسالة مفردة ، والمقصود هنا ذكر متابعة من قلّده في ذلك كما قلّد غيره ، وزاد في الطنبور نغمه بتقليده الغزالي وصرف عمره في تتبع آثاره الشنيعة ، ومن جملتها تشنيعه في الأحياء وغيره على علماء الشريعة ، وقد سلك سبيله المظلم ، وترك الاقتداء بمن يقتدى بهم ، ومن لم يصدق فعليه بمطالعة رسائله ، فإنّي رأيتها بعد ما أرسلها إليَّ ليهديني بها عن طريق الصواب ، فظهر لي منها العجب العجاب ، كما يعرفه الناقد البصير . انتهىكلامه ، رفع مقامه .

وأقول : ليت الشيخ علي رحمه الله أدرك تابعهما الميرزا المذمم المتأخر ، فقد أزاد على إماميه الأسترباديين في الطنبور نغمات ، وصار يسلك باللطف المسالك التي تشتت شمل الدين ، وحيث رأى تأثير طريقة صاحبيه في إتلاف الاجتهاد والمجتهدين بالطعن في الماضين ، وأنّ الذي يوصل إلى الغرض هو الوقيعة في المعاصرين ، من تفسيقهم عند العوام وتوهينهم ، ثم الانتقال منه إلى نسخ مذهبهم ودينهم ، وهذا نوع من الحزم والتدبر ، وضرب من السياسة والتدليس ، أظن أنّه مما اوحاها إليه أخوه إبليس ، وأن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ، فجعل يعبر عن الأغا البهبهاني بالبهتاني ، وتارة بالنهرواني مدّعياً أنّه من خوارج النهروان ، بتقريب أنّ الأباضية([49]) وهي فرقة منهم في نواحي بهبهان ، ويعبر عن شيخنا الكبير بفقيه المروانيين مدّعياً أنّه والعياذ بالله من بني أمية ، ويعبر عن السيد محسن الكاظمي بمحلل اللواط مدعياً أنّه يرى حلّيته ، وأنت خبيرأنّ الأموية وحِلّية اللواط ونحوهما مهما بلغا من القبح لا يكونان بأعظم مما نسبه شريكه في الضلالة المذمم الخؤون محمد أمين الملعون من الشرك في حق الشيخ المفيد والطوسي والمرتضى والعلامة وأمثالهم ، كيف وتحليل اللواط مع عدم العمل به ، والأموية والنهروانية مع الأيمان ، غير مقتضيات للنقصان ، ولا مانعات عن دخول الجنان ، بخلاف الشرك ، { إنّ اللهَ لا يَغفرُ أنْ يُشْركَ به وَيَغفرُ ما دُونَ ذلكَ}([50]) .

ورأيت في كتب بعض المتأخرين أنّ الشيخ كتب في طهران رسالة لردّه بعث بها إلى فتح علي شاه ، ودلَّ فيها على معائب الرجل ، وتدليساته وكفره ، وأتى فيها بشواهد على عدم حيائه وعدم دينه وعدم عقله ، وقد ذكر منها نبذة لطيفة صاحب (روضات الجنات)([51]) ، وأما نحن فلم نذكر منها شيئاً لعدم ثبوت صدور الرسالة منه وصحة انتسابها إليه (قدس سره ) فيه لعنه الله ، ولم يعرفها أحد من مشايخنا أدام الله وجودهم ، وما سمعوا بها عن مشايخهم ، مع أنّ (صاحب الدّار أدرى بالذي فيها ، بل لا يعلم بها أغلب أهل النجف بل كلّهم ، ومما يؤيد ذلك بل يكاد يورث الجزم بالعدم ، عدم تعرض الشيخ ميرزا علي في كتاب (قصص العلماء ) لها بوجه من الوجوه ، لأنّ هذا الرجل قد استوفى في أحوال الشيخ مالم يستوفه فيه أحد ، وأطنب بتفصيل أحواله ومصنّفاته ، وعلمه غاية الإطناب ، وليس فيه إشارة ولا تصريح بأنّ الشيخ قد ردَّ عليه ، ولا ذكر ذلك في ترجمة ذلك الملعون ، فإنّ مجموع ما ذكره من تشاجر الهدى والضلال ما هذا نصه : (وميرزا محمد در علوم غريبه مربوط بود ودر أنساب عرب ادعاي مهارت داشت وميكفت العياذ بالله له شيخ جعفر نجفي از نسل بني امية است وجون شيخ جعفر وفاة كردان ملعون مطرود كفت مات الخنزير بالخنازير است جون مرض شيخ از خنازير بود كه حلق ورم كرده بود وبس افعال شنيعه از اوصدور يافت كه علما عتبات اوراتكفير نموند بسبب افعال شنيعة وسحر كردن بس حكم بقتل او شد جون خواستند بدرخانه اش درايند ديد ندكه خانه در نداد بسبب سحركه كرده بودبس ديوانخانة شكا فتندوا ورايا فتند وكشتذ) . انتهى .

فلو كان للشيخ رد عليه في رسالة أو كتاب لكان هذا محل ذكره ولو إجمالاً ، وهو ممن لا يحتمل فيه عدم الاطلاع على مثل ذلك لقرب عهده ولكثرة تردده في البلدان ، زيادة على أن أغلب تحصيله في طهران ، لأنّ تنكابن من قراها ، وقد حصّل أغلب تراجم العلماء منها ، وقد مكث بها سنين متعددة ، وهي محل الواقعة بين الشيخ والأخباري ، فلو كان لذلك أثر لما خفي عليه .

والحاصل أنّ العقل والاعتبار مساعدان لمن يقول بالإنكار ، فإنّ الشيخ أجلَّ أمراً ، وأعلى قدراً من التعرض لمثل هذا الكلب ، والرّد عليه خصوصاً في مثل هكذا أمر ، والبديهة قائمة على بطلانه ، وأنّه أقلّ تزويره وبهتانه ، وكل الناس تعلم أنّ ذلك منه لعنه الله ، نبح الكلاب على نجوم الأسعد ، هذا وعمره على ما يستفاد من تأريخ ولادته ، وتأريخ الرسالة المنسوبة للشيخ المؤرخة (بميرزا محمدكم لا مذهب له)([52]) يكون أربعين سنة ، والشيخ رحمه الله قريب السبعين ، فالملعون طفل بالنسبة إلى الشيخ ، وليس الشيخ ممن يخفى عليْه أن الجواب على مثل هذا الجاهل نقص بحقه وأن طال النقص فيه والإعابة له .

فمَا كُلُّ فَعّال يُجَازَى بِفِعْلِهِ

 

 

ولا كُلُّ قَوّالِ علْيه يُجَابُ

 

وَرُبّ كَلامٍ مُرَّ فَوْقَ مَسَامعٍ

 

 

كمَا طَنَّ في لَوْحِ الهَجيرِ ذُبابُ

 

 

فَهَلْ أزعَجَ الذّر شمّ الذرى

 

 

وهَلْ أعجزَ الليثَ كلبٌ عسلْ

 

وهل ضرَّ بدراً عَلا شأوهُ

 

 

إذا الكَلْبُ منْه عَوى أوْ عَوَلْ

 

وأنا والله أتكلم بكلامي هذا واستنقص ذلك بي واستهونه منيّ ، لكن للحديث شجون ، والغرض أن تظهر في الأثناء ترجمة الرّجل وكرامات الشيخ (رحمه الله ) .

ثم أن الخبيث لم يصنع رسالة فيما ادّعاه ، ولا ذكر ذلك في كتاب حتى يبطل الشيخ دعواه ، ولا جاء ببيّنة أو دليل ، ولكنه حيث لم يجد موضع طعن بالشيخ لا في علمه ولا تقاه ، ولا في سيرته وهداه ، ينتقص الشيخ به عند تبعته ، والهمج الرَّعاع ممن استغواهم بسحره وشعبذته ، فجعل يعبّر لهم بفقيه المروانيّين ، وغاية ما بلغ به خبثه أنّه ذكر ذلك مرة واحدة في رجاله الكبير حيث قال في ترجمته الأغا([53]) ، وأشار إلى ترادي أمر الأخبارية في زمانه وزمان شيخنا من بعده ، ما نصه : (كان مجتهداَ صرفا خالياً عن التحصيل كما كان معترفا به وتصانيفه أصدق شاهد على ذلك ، وكان متقشفاً ، له فوائد في الأصول أتى فيها بالخطابيات والشعريات التي لا طائل تحتها ولا أساس لها – وما زال على هذا المنوال- حتى قال : وكان كثير التشنيع على المحدّثين ، وبه اندرست أعلام أحاديث الأئمة المعصومين عليهم السلام ، وطالت ألسنة المعاندين ، بشتم الأخباريين حتى آل الأمر بتعدادهم من المبتدعين ، وأفتى بإخراجهم مع العجز عن قتلهم فقيه المروانيين .

ثم قال : وأعرب والحمد لله عن ذلّه وقتل أصحابه ، بواسطة سعي الشيخ عليهم وانتدابه ، وأضمر خموله فلم ينفعه الإضمار ، وأنكر تجلداً سقوطه هو وأصحابه عن درجة الاعتبار ، ولزوم الذل والصّغار ، حتى جلّ الأمر عن الإنكار ، فرجع إلى الإقرار ، فقال : وصار المحدّث الصارف عمره بقال الله وقال الرّسول ، أذلّ من اليهود والمجوس وأصحاب الحلول) ، الخ .

نعم تالله صدق الرّجل ، ولكن مشاركته مع هؤلاء ليست بالذّل بل بفساد العقيدة مع ذلك ، والقول بالتناسخ والحلول ، وما أشبه هذه المسالك ، والنّاقد البصير ، يعرف أنّ الرّجل قد بلغ في الذل المبلغ الخطير ، حتى صار يعبر عن حاله بهذا التعبير ، ولو ذكرت لك كيفية تشريد الشيخ لهذا الملعون ، وتشتيت شمله ونفيه كل يوم عن العتبات لعذرت الرّجل بما قال في حق الشيخ إذ ليس له ما يدرك به الثأر منه والذحول([54]) ، إلاَّ التشنيع فيما يقول .

فمَا هُو إلاّ كالعُقَابِ سَلاحُها

 

 

إِذا صَرّتِ الهَيْجَاءُ ناباً سُلاحُها

 

 

ولما رجع الشيخ من خراسان إلى طهران نقلت له كلمات الرّجل ومطاعنه في العلماء ، وانحياز فرقة إليه من الأشقياء ، الذين استغواهم بزبرج لسانه ، وسحره وبهتانه ، وكان من تقنيعاته لهم أنّ الحق لم يزل مخذولا ، وما برح قليلا ، زاعماً أنّ الحق معه لأنّه يختفي هو وصحبه عن السلطان وأمنائه ، ويكتم في الأوّل أمره عنهم .

وأمّا الشيخ فكان كلما نقل إليه شيء من أقواله أخذ يرده في مكانه ، ويبين وجوه بطلانه لئلا ترتد به الناس ، وكان أغلب كلام الشيخ العادي مقفى ومسجع لبلاغته وقوّته ، فكانت طلبة طهران تحفظ كلامه في مقام ردّه على ذلك الملعون لحسن أسلوبه ، فلعل أحدهم أو كلهم انتصروا للدين فجمعوا ما سمعوا من لسانه الشريف في رسالة ونسبوها إليه ، ولا ينافي هذا أنّ مساقها بيان فضائح الرجل عند فتح علي شاه كما لايخفى ، ويكون هذا طريق جمع بين ما نقول من عدم كونها له ، وبين ما قيل ، ووقع في أثناء أمر المباهلة ، واستمر الحال على هذه المشاجرة ، والتخاصم حتى وقعت قضية اشبوختر السابقة ، فنفي الرّجل إلى العراق ، وأعتقد برأيه أن ذلك بواسطة إخلاص الوزير له .

ثم توجه الشيخ بعده بأيام فوجد الرّجل في النجف أو كربلاء وعنده جماعة وحفدة وهو يباحثهم ، وقد جعل في بحثه الأغا المروّج([55]) غرضا لسهامه ، وعرضا لتشنيعه بكلامه ، وقد صيّر الردّ على مقالات الأغا عنواناً لبحثه ، وقد أنزعج لذلك أصحاب الأغا وأقرباؤه كالسيد علي صاحب الرياض وولده الأغا محمدعلي ، فعزموا على إخراجه من العراق ، فكتبوا صورة استفتاء للشيخ الكبير لكون العوام أطوع له واسمع منه ، ومضمونه : ما يقول شيخنا في مبتدعٍ بالدين ، يسعى بإتلاف شريعة سيد المرسلين ، وما جزاء من سعى في الأرض الفساد ، وحارب أولياء الله الأمجاد ، فكتب ]((بسم الله الرحمن الرحيم إنّما جَزاءُ الَّذينَ يُحاربُونَ اللَه ورسُولهُ ويسْعونَ في الأرضِ فَسَاداً أن يُقتَّلوا أو يُصلبُوا أو تُقطّعَ أيدِيهم وأرجُلُهُم منْ خلافٍ أو يُنفَوا من الأرضِ ذلكَ لهُمْ خِزْيٌ في الدُّنيا ، ولهم في الآخِرة عَذَابٌ عَظيمٌ)) ([56] ) والقتل أرجح الأمرين ، والنفي أحوط القولين ، خصوصاً مع العجز [ ، وإلى هذا يشير الملعون بقوله (هناك وأفتى بنفيهم بعد العجز عن قتلهم فقيه المروانيين) ، ثم بعثوا بحكم الشيخ إلى حاكم البلد (( فقيل اخرج منها مذموما مدحوراً من الصاغرين([57]) ، وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ))([58]) . وتمزق قومه كل ممزق ، ووقعت الصّيحة عليه وعلى كل ملحد تزندق ، فدخل طهران متنكراً ، ثم قدّم الشفعاء والكفلاء إلى السلطان ، بأن يُعطى الأمان ، حتى يجلس فيها ولا يخرج عن طاعة ، ولا يشق عصا جماعة ، ولا يأتي بمنكراً أبداً ، وإلاَّ استحق القتل والعذاب وانتظر لتمام خبره وكيفية قتله عند ترجمة موسى بن جعفر([59]) .

وهذا غيض من فيض ، وإنْ طلبت الرد عليهم فانظر رسائل الشيخ علي الشهيدي (رحمه الله ) ، (والحق المبين ) تصنيف الشيخ ، ففيه من الحسن والبلاغة والخروج عن العهدة ما ليس في غيره .

ولنكف عنان القلم ، فقد تلوث بأحوال هؤلاء ، ولا يغسل درن ذلك إلاَّ بالعود إلى باقي مكارم أخلاق الشيخ وطيب أعراقه .

فأمّا علمه وتقواه وجوده فقد مرَّ عليك من كل واحد منها نبذة يسيرة تكفيك في بيان علوّ قدره .

 

سادساً: فصاحته وبلاغته

وأمّا فصاحته وبلاغته وحسن مدخله في فنون الكلام فهذا أمر تعرفه بذوقك ، وتميزه بذهنك ، وتصحّه بقدر فهمك ومنزلتك من العلوم ، فإن طلبت ذلك فعليك بمراجعة كتبه خصوصاً (كشف الغطاء ) ثم (الحق المبين ) ، فإنّه الضّمين بما تهوى من تسجيع وتحسين وتزيين من غير تكلف ولا جهد ولا تعب ولا كد ، بل عن صرف القريحة وجري القلم ، وبديهة الخاطر ، مع بلاغة مبدعة ، وفصاحة مقذعه ، وجزالة ألفاظ برقّه ، ومتانة معاني بدقة ، فما شئت هناك من مصقع :

إذا قَالَ لَمْ يَتْرُكْ مَقالاً لقَائِل

 

 

بُملتَقَطَاتٍ لا تَرَى بَيْنَها فَصْلا

 

كَفَىَ وَشَفَى ما في الّنفُوسِ وَلمْ يَدَعْ

 

 

لِذِي إربَةٍ بالقولِ جِدّاً ولا هَزْلا

 

ومن أجوبته المسكته المستحسنة ما ذكره في (الحق المبين ) ، أنّ بعض الأخباريين سأله وهو في الصحن الشريف ، وقال : ما الدليل على حرمة النبش ؟ يقول الشيخ : فما أردت أن أذكر له الأحاديث الواردة في المقام لقصور المقام عنها ، فقلت بلا مهلة : هو وجوب الدفن ، فولىّ وكأنّما ألقم حجراً([60]) .

قصة مصطفى قليخان

ومن تخلصاته اللطيفة ما حدثني به في السند السامي عمي العلم العباس عن محمد والمهدي من أعمامي ، عن أبيه الحسن بن جعفر عن الثقات من أصحاب الشيخ الأكبر . أنّه لما خرج الشيخ من خراسان متوجها إلى طهران ، بعد أن أكمل زيارته وقضى على الوجه الأتم نافلته ، فبينا نحن في متن الطريق ، وإذا بفارس يلوح أنّه بشمائل الملك عريق ، وقد خرج علينا من ناحية البّر ، التي ليس عليها لأحد ممر ، وهوى علينا من جبال شواهق ، متقلد بمطابق المكاحل ، متوشح بالبنادق ، فقبض راحلة الشيخ بيديه ، ثم وقع يقبل يديه ورجليه ، وهو يبكي بكاء الثاكل ، ودموعه تنحدر انحدار ماء الغمام الهاطل ، فقال الشيخ له : لا ويل عليك ولا خذلان ، فقد ظفرت فاحمد الله بالأمان ، فاقصص عليّ خبرك ، فو الله لو توقف خلاصك على نفسي لن أذرك ، فقال : يا مولاي أنا مصطفى قليخان من أهل خراسان ، كنت من الوزراء العظام ذا قوّة وعشيرة مشيدة الدّعام ، فأراد أن يعزلني فتح علي شاه أوّل سلطنته ، خوفا من شدّة بأسي وسطوتي ، فعصيته وخرجت عليه ، وقتلت جملة من الجند والعسكر بين يديه ، فأقسم بالأيمان المغلظة ليقتلني أشرَّ قتلة بيده ، ولَيُفني في طلبي سائر عمره مع طريفه وتلده ، وأن لا يشفع فيَّ أحداً ، ولو كان نبيّه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ، وله سبع سنين ، قد جعل عليّ المراصد والعيون ، وأنا مختفٍ في هذه الجبال لا إلى الحياة ولا إلى المنون ، لا عشيرة تحميني ، ولا أرض تأويني ، وقد جاءني بالأمس بعض من غمره نوالي بالإحسان ، يوم كنت حاكما في خراسان ، فقال وهو يعرف خبري : هذا نائب إمام العصر (عليه السلام ) زار وقفل إلى طهران ، وفتح علي شاه وكيل عنه ، ومنصوب منه ، لا يتخلف عن أمره ، ولا يحيد عن قوله ، فتمسّكْ بأذياله ، وقُدْ نفسَك بأزمة الرجاء وأعقلها برحاله ، وقد نذرت لك أن خلصّتني من العطب ، خمسين ألف ذهب تصرفها فيما تشاء ، ومثلها على يديك للفقراء ، لعلّما تعمل حيلة وتدبير ، وتفك هذا العاني الأسير ، فقال الشيخ له : على العين والرأس ، فاذهب بلا ويل عليك ولا بأس ، وانتظر الأمان ، أول دخولي طهران ، فودّعه وسار الشيخ ، فلما صار عن تخت المملكة بأميال ، جاء أمين الدّولة وباقي الوزراء للاستقبال ، فلمّا دخل الدار التي أعدّت له خلا بأمين الدولة ، فقال له :أريد الدخول على الشاه ، فقال : على الرحب والسعة ، ثم قال :وأريد أن أشفع عنده لمصطفى قليخان ، وأطلب منه له الأمان ، فانزعج الوزير وتغيّر ، وقال : يا للعجب منك وأنت بهذه المرتبة لا تدرك استحالة هذا الأمر . ولا تفيدك الممارسة مع العجم إلاَّ تعرّب ، ولا تزيدك الموالفة بقواعدهم إلاَّ تغرب ، مع علمك بهذا الرجل وعصيانه ، وخروجه على الشاه وشق عصا سلطانه ، ولو لم يكن إلاَّ أيمانه المغلظة على قتله ، لكفاك مانعاً رادعاً عن التعرّض لمثله ، فإن كنت تريد البلغة من المال ، فهذه أموال طهران بين يديك لا يمنعها مانع عليك ، فلم يزل به حتى قال الشيخ : حسبك فقد كففنا عن هذا الأمر وصرفنا آمالنا منه .

ثم قاما فدخلا على الشاه ، وبعد تعانقا مليّاً جعل الشاه يسأل الشيخ عن سفره وكيفية أمره ، ويذكر له فِقرة فِقرة من راحة وتعب ، ومأكل ومشرب ، والشيخ يحمد الله ويشكره ، ويثني على الشاه ويتشكره ، ثم جعل يسأل عن خراسان ، وأهلها وكيفية استقبالهم له ، وابتهاجهم به إلى أن قال له مهازلاً ، وهل كانت صِيَغُهم على نظرك وأرادتك ، وكم مُتعّية منهم تشرفت بخدمتك ، فقال الشيخ : أيها الملك ، مجمل الكلام أنّي بحمد الله بوجودك الشريف ومن حسن التفاتك عليَّ لم تبقَ لذة من ملاذ الدنيا لم يكن زمامها بيدي ، وقد تمتعت نفسي بكل شيء من ملابس ومناكح ومآكل ، ومراكب ومراحل إلاَّ لذة واحدة لو نلتها لكان الموت هنيئاً بعدها ، فقال الشاه : وما هي ؟ فقال : ما أظنّك أن تسمح بها ، وإن كانت عليك يسيرة ، فأقسم الشاه أن يمكّن الشيخ منها ولو توقف على بذل حياته ، فقال الشيخ : تلك لذة النهي والأمر ، فإنّي أرجو أن تنصبني في محلك ربع ساعة ، على أن يكون لي لا لك السمع والطاعة ، فقال : أيسر ما طلبت وهذه أيضا لا أبقيها بنفسك ، ثم قام وأجلس الشيخ على متكئِهِ ، وجعل خاتم الملك بيمناه ، ونادى العسكر أن يجمع فجمعوه ، فقال لهم : هذا سلطانكم فخذوا له السلام الرسمي وأطيعوه ، ثم تمثّل الشاه بين يديه مثول أحد الرعية بين من له الأمر عليه ، كل ذلك والناس طامحة البصر تنتظر ما الخبر ، فقال الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعلنا خلفاء في أرضه وحججاً على بريته ، وأمرنا بسيرة العدل ، وقول الفصل وبعد فإنّ الله حبَّبَ العفو وأمر به أولياءه ، فقال : واعفوا واصفحوا ، وأنا الآن الإمام الذي تجب طاعته ، ولا تجوز مخالفته فاشهدوا أيها الناس أنّي قد عفوت عن ذنوب مصطفى قليخان ، وأرجعته حاكما على خراسان ، ثم نزل من السرير وأخذ بكفّ الشاه وأجلسه بمحلّه ، وقال له : قد وهبتك باقي المدة على أن لا تنقض حكمي فضحك الشاه حتى استلقى على قفاه ، وتعجّب أمين الدولة من حسن مدخله ولطف مسلكه ، فأخبرت الرسالة البرقية مصطفى قليخان بالأمان ، وبعث بالأموال إلى الشيخ ففرقها جميعا على الفقراء ، وكانت بكفه كالذّر هبت عليه الزعزع([61]) النكباء ، وهكذا كانت عادته ، عطّر الله قبره الكريم ، بعرفٍ شذيٍّ من رحمة وتسليم .

ومنها : ما في كتاب (معدن الشرف ) إنّ الشيخ ذات يوم عند الصدّر ، وكان يخُلي له من سريره الصدر ، فيجلس الشيخ والوزير بين يديه ، فبينا هم كذلك إذ دخل بعض الطلبة عليه ، فجلس فوق يد الشيخ فنظره الصدّر شزراً ، ورمق نحوه عيونا خزراً ، إذ لم يكن يجسر على ذلك أحد ، لأنّ الشيخ إذا احتبى([62]) بالدّست قلت : غابٌ به احتبى الأسد ، فقام المشتغل منكسراً ، وأومأ إليه الوزير فجلس ناحية ، فقال الشيخ : أيها الوزير اليوم أتت عليك شكاية فاضطرب الوزير ، وقال ممنّ ؟ فقال : من الكنيف فإنّها تقول : أنا أفضل وأطهر من الصدّر ، فقلت لها هذه دعوى تحتاج إلى بيّنة ، فقالت : نعم أنا وإيّاه مشتركان في حمل العذرة والبول إلاَّ أنّ ما في بطني من ذلك منه وبسببه فإنّه يأكل المأكل الجيّدة فتستحيل في بطنه فيلقيها إليَّ على تلك الصّفة فأحملها لدفع الأذى عنه فلي المنة عليه ، ولو جُعُلت في بطني تلك المآكل لما استحالت كما استحالت في بطنه ، وهو زيادة على ذلك يحمل الدم والمني ، وزيادة عليه يكذب ويغتاب ويظلم ويجور إلى غير ذلك من سبعيّات الصفات مما أنا خالية منه فمن أحق بالوزارة منّا ، فقلت لها : صدقت فيما قلت إلاَّ أنّه هو أفضل منكم بأمور بها استوجب هذه المنزلة فإنّه يقضي حاجة السائل ، ويرحم اليتيم ، ويعطف على الأرامل ، ويتصدّق على المساكين ، ويكرم القاصدين ، ويعظم العلم وأهله ، ويعرف حق المعرفة شرفه وفضله ، وأنت من كلّ ذلك خالية ، فلذا استحق هذه المنزلة العالية ، فنهض الوزير وقبّل يد الشيخ واعتذر إليه ، وأكرم المشتغل وقضى الأمر الذي جاء من أجله([63]) .

هذا ما اقتضى المقام نقله مما اتفق له في أسفاره ، وهنالك حكايات كثيرة قد ضربنا صفحا عنها خوف الإسهاب والإطناب ، وقد أتى على كثير منها في كتاب (قصص العلماء) .

ولما رجع من سفره بعد أن استمر ثلاث سنين مكث في النجف عدّة سنوات ، ثم عزم على الحج ثانيا ، وكان قد ابتدأ أمر الوهابي ، وقطعه الطرق ونهيه للحاجّ ، فتعذر الرّواح على نجد فمضى على الشام ، ولما نزل بها كان الشيخ إبراهيم العاملي([64]) يومئذ هناك ، فمدحه بقصيدة غراء ستأتي إن شاء الله ، وكان الشيخ في رحله جماعة من أساطين العلماء قد بذل لهم الزاد والراحلة ، فمنهم السيد جواد العاملي([65]) صاحب (مفتاح الكرامة ) ، والسيد محسن الكاظمي([66]) ، والشيخ محمد علي الأعسم([67]) ، فلما رجعوا إلى النجف هنأهم السيد أحمد ابن السيد محمد البغدادي الشهير بالعطّار([68]) بقصيدة غراء أوّلها :

( أسنا جبينك أم صباح مسفر ) وستأتي في محلها إن شاء الله ، ويقول في آخرها مؤرخا ذلك العام : ( بشرى فقد حج المسدّدُ جَعفرُ ) والظاهر أنّها آخر أسفاره عطر الله قبره المصان ، بعُرفٍ شذيٍّ من رحمِته ورضوان .


([1]) العضب : السيف .

([2]) مدلج : السير في الليل .

([3]) التلبيس : اختلاط الأمر .

([4]) وردت في المخطوطة ( وعتواً ) .

([5]) هو من مماليك حسن باشا والي بغداد ، كان يتمتع بالوسامة والجمال والكفاءة والمقدرة ، ونال الحظوة والترفيع في عهد سليمان أبي ليله والباشوات الذين أتوا بعده حتى عين في عام (1765 )م / الموافق (1179 )هـ متسلماً للبصرة وفي عام (1780 )م عينه السلطان العثماني واليا على بغداد .

أنظر : أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث / ستيفن لونكريك / ترجمة جعفر الخياط / ط5 / مطبعة التحرير / بغداد / ص 225 ، 233-237 .

([6]) وهي كلمة تركية تعني مملوك مفردها (كوله من) وهو عبد معتق من أصل جركسي من أصل قوقاز .

([7]) جاء في المخطوطة (ألف نفر) ، والذي ذكره أهل اللغة أنّ النفر عدة رجال من ثلاث إلى عشرة ، فالصواب أن يقال (ألف رجل) .

([8]) الينكجري : كلمة تركيه معناها العسكر الجديد .

([9]) وردت في المخطوطة منها .

([10]) أنظر : قصص العلماء / محمد بن سليمان التنكابني : 202 .

([11]) أنظر : قصص العلماء / محمد بن سليمان التنكابني : 202 .

([12]) هو الشيخ يوسف البحراني ، اشتهر بكتابه الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة مطبوع في عشرين مجلداً توفي البحراني سنه (1186 هـ ) .

([13]) سلح الطائر سلحاً من باب نفع وهو منه كالتغوط من الإنسان .

([14]) ولد الميرزا محمد بن عبد النبي الإخباري سنه (1178 هـ ) .

([15]) اشبوختر : هو اشبوختر تسيتسانوف الذي كان رئيساً للقوات الروسية في (القوقاز ). وهو من أصل كرجي ، ومن أسرة الأشراف شغل منصبه من سنة (1217 هـ )حتى مقتله سنة (1220 هـ ) .

([16]) المقصود بهم الروس .

([17]) هو الشيخ محمد إبراهيم بن محمد حسن الكلباسي من أعاظم علماء عصره المشاهير ، حضر على السيد بحر العلوم والشيخ كاشف الغطاء والوحيد البهبهاني والسيد محسن الأعرجي ، ولد سنة (1180 هـ) . وتوفي سنه (1261 هـ ) . وله ذرية يعرفون اليوم بآل الكرباسي ، وذكر بعضٌ أنهم ينتسبون إلى مالك الأشتر والله تعالى أعلم .

أنظر : طبقات أعلام الشيعة ، أغا بزرك الطهراني / الكرام البررة : 2 / 14 .

([18]) سبق ترجمته .

([19]) قوله هذا مأخوذ من قوله تعالى { ليَهْلكَ مَنْ هَلكَ عن بَينة ويَحي منْ حَيَّ عن بَيّنةٍ } سورة الأنفال : 42 .

([20]) وردت في المخطوطة (الذين) .

([21]) الشيخ محمد أمين المحدّث الأخباري المدني الأسترابادي ، من أكابر علماء الأخباريين المنافحين عن طريقتهم ، ومن أشهر مؤلفاته (الفوائد المدنية) في الرد على الأصوليين .

([22]) شيخ مشايخ الأجلة ، ورئيس رؤساء الملة ، زعيم الإمامية في عصره ، محمد بن محمد بن النعمان الحارثي البغدادي العكبري ، ولد سنة (336 هـ) وتوفي في بغداد سنة (413 هـ) ، ودفن عند قبر الإمام موسى بن جعفر عليه السلام .

([23]) سبق ترجمته .

([24]) أبو محمد الحسن بن علي بن أبي عقيل العماني الحذاء ، الشيخ الفقيه المتكلم من أعلام الطائفة الإمامية في القرن الثالث الهجري ، وأشهر مؤلفاته (المستمسك بحبل آل الرسول) /أنظر : الكنى والألقاب / عباس القمي : 1/ 190 .

([25]) أبو علي محمد بن أحمد بن الجنيد الكاتب الإسكافي ، من أكابر علماء الشيعة الإمامية المتقدمين ، بلغت مصنفاته عدا رسائله خمسين كتاباً ، توفي سنة (381 هـ) . أنظر : الكنى والألقاب / عباس القمي : 2 / 22 .

([26]) الشريف أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى الموسوي المشهور بالسيد المرتضى علم الهدى ، وهو من أكابر أعلام الإمامية ومن البارعين في الآداب والعلوم المختلفة ، وشهرته تغني عن مزيد التعريف به ، ولد سنة (355 هـ) وتوفي سنة (436 هـ) .

([27]) أبو منصور الحسن بن يوسف بن علي ابن المطهر الأسدي المعروف بالعلامة الحلي من أكابر علماء الإمامية ، وتغني شهرته عن التعريف به ، توفي سنة (726 هـ) .

([28]) ورد في المخطوطة ( وأنا قسم بالله قسم ويمين بر) .

([29]) هذا نص ما جاء في الفوائد المدنية ( وأول من غفل عن طريق أصحاب الأئمة عليهم السلام واعتمد على فن الكلام وعلى أصول الفقه المبنيين على الأفكار العقلية المتداولين بين العامة فيما أعلم محمد بن أحمد بن الجنيد العامل بالقياس وحسن بن علي بن أبي عقيل العماني المتكلم ، ولمّا أظهر الشيخ المفيد حسن الظن بتصانيفهما بين يدي أصحابه ومنهم السيد الأجل المرتضى ورئيس الطائفة شاعت طريقتهما بين متأخري أصحابنا قرنا قرنا حتى وصلت النوبة إلى العلامة الحلي فالتزم في تصانيفه أكثر القواعد الأصولية للعامة ، ثم تبعه الشهيدان والفاضل الشيخ علي ) .

أنظر : الفوائد المدنية / المحدّث محمد أمين الأستربادي : 30 .

([30]) الشيهدان هما الشهيد الأوّل : وهو محمد بن جمال الدين مكي العاملي ولد سنة 734هـ وتوفي سنة 786 هـ . أما الشهيد الثاني : فهو الشيخ الأجل زين الدين بن نور الدين علي بن احمد العاملي الجُبعي ، العلامة الفقيه المحقق ولد سنة (911هـ ) واستشهد في القسطنطينية سنة (965هـ ) ومن أشهر مؤلفاته الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الأول .

([31]) المحقق الشيخ علي ابن الشيخ محمد بن الحسن ابن زين الدين الشهيد الثاني ، كان من فقهاء الإمامية وأعلام الأصوليين . أنظر : الفوائد الرضوية في أحوال علماء مذهب الجعفرية  / عباس القمي .

([32]) شيخ الإسلام وعلم العلماء الأعلام محمد بن الحسين بن عبدالصمد الجبعي العاملي الحارثي ، ولد سنة (953 هـ) وتوفي سنة (1031 هـ) .

([33]) ينظر : معجم رجال الحديث / السيد أبو القاسم الخوئي : 17 / 233 .

([34]) ينظر : المصدر نفسه : 17 / 334 .

([35]) أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي شيخ المحدّثين الفقيه الجليل صاحب كتاب (من لا يحضره الفقيه) الذي هو أحد الكتب الأربعة التي عليها مدار الأحاديث المروية عن أهل البيت الطاهرين (عليهم السلام ) وهو أستاذ الشيخ المفيد ، توفي بالري سنة (381 هـ) . أنظر : الكنى والألقاب / عباس القمي : 1 / 212 .

([36]) محمد بن الحسن بن علي المشغري العاملي ، كان فقيها فاضلا ومحدّثاً جليلا ، وهو صاحب كتاب (وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة) في أحاديث الأئمة الأطهار (عليهم السلام ) ، ولد سنة (1033 هـ) وتوفي في خراسان سنة (1104 هـ) . أنظر : الكنى والألقاب / عباس القمي : 2 / 158 .

([37]) الشيخ يوسف آل عصفور البحراني العالم الفقيه المحدّث ، كان من أجلاء العلماء المحدثين في عصره وهو صاحب كتاب (الحدائق الناضرة في فقه العترة الطاهرة) وكتاب (لؤلؤة البحرين) في تفصيل أحوال مشايخ إجازته و(الكشكول) وغيرها .

([38]) السيد صدرالدين ابن السيد محمد باقر الرضوي ، كان من علماء عصره الأعلام ، ومن أشهر مصنفاته حاشية على (المختلف) و(شرح الوافية) ورسالة في (حديث الثقلين) . أنظر : الكنى والألقاب / عباس القمي : 2 / 375 .

([39]) أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الطوسي الملقب بـ(حجّة الإسلام) الفقيه الشافعي ، ومن أشهر مصنفاته (إحياء علوم الدين) ، توفي بطوس سنة (505 هـ) .

([40]) هو الشيخ أبو عبدالله محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي الأندلسي المكّي الشامي ، صاحب كتاب (الفتوحات المكية ) برع في علم التصوف ، والعلماء فيه على ثلاثة أقسام : القسم الأوّل : من يكفره والقسم الثاني من يجعله من أكابر الأولياء العارفين والقسم الثالث من اعتقد ولايته وحرم النظر في كتبه ، توفي سنة (638 هـ) وقبره بدمشق . أنظر : الكنى والألقاب / الشيخ عباس القمي : 3 / 136 .

([41]) هو المحدّث المدقق الحكيم المتألّه محمد بن المرتضى المدعو بالمولى محسن القاشاني صاحب التصانيف الكثيرة كالوافي والصافي والشافي والمفاتيح والنخبة والحقائق وعلم اليقين وعين اليقين وخلاصة الأذكار وبشارة الشيعة والمحجة البيضاء في إحياء الأحياء إلى غير ذلك مما يقرب مائة تصنيف ، وله ديوان شعر فارسي ، توفي سنة (1091 هـ) ، ودفن في بلدة كاشان قرب أصفهان .

أنظر : الكنى والألقاب / الشيخ عباس القمي : 3 / 32 .

([42]) قوله هذا مأخوذ من قوله تعالى : { لايُسمنُ ولايُغْني منْ جُوعٍ } سورة الغاشية : 7 .

([43]) هو المولى محمد أمين بن محمد الأسترابادي نزيل مكة المعظمة والمتوفى بها سنة (1114 هـ) ، له مصنفات كثيرة منها الفوائد المدنية .

أنظر : الكنى والألقاب / الشيخ عباس القمي : 3 / 169 .

([44]) ورد في المحطوطة (مغراها) .

([45]) الأفيون نوع من أنواع المخدرات .

([46]) البيت لأبي الطيب المتنبي أنظر : شرح ديوان أبي الطيب المتنبي / أبو العلاء المعري (( معجز أحمد )) : 4 / 264 .

([47]) ورد في المخطوطة (فربح) .

([48]) قوله هذا مأخوذ من قوله تعالى : { في قُلوبهِم مَرضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرضاً } سورة البقرة : 10 .

([49]) الأباضية : هم أصحاب عبد الله بن إِباض الذي خرج في أيام مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية .

أنظر : الملل والنحل / الشهرستاني : 1/ 134 ، 135 .

([50]) سورة النساء : 48 .

([51]) الرسالة مسماة (كشف الغطاء عن معائب ميرزا محمد عدو العلماء) أرسلها إلى السلطان فتح علي شاه القاجاري ، ودللَّ فيها على قبح أفعال الرجل . أنظر : روضات الجنات / محمد باقر الخوانساري : 1 / 152 .

([52]) أنظر : روضات الجنات / محمد باقر الخوانساري : 1 / 151 .

([53]) الأغا : المقصود به الوحيد البهبهاني .

([54]) الذّحول : العداوة والحقد .

([55]) المقصود الأغا الوحيد البهبهاني .

([56]) سورة المائدة : 33 .

([57]) قوله (( فقيل : أخرج منها ... الصاغرين )) مأخوذ من قوله تعالى في سورة الأعراف : 13 ، 18 .

([58]) سورة الحجر : 35 .

([59]) المقصود الشيخ موسى ابن الشيخ الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء .

([60]) مثلٌ يضرب لمن تكلم فأجيب بمسكته . أنظر : مجمع الأمثال / الميداني : 2/ 94 .

([61]) الزعزع : الريحُ الشديدة .

([62]) احتبى : اشتمل .

([63]) ورد في المخطوطة (جاء عليه) .  

([64]) العالم الأديب الشيخ إبراهيم بن يحيى بن فياض بن عطوة المخزومي القرشي الطيبي العاملي من مشاهير علماء عصره ، ولد سنة (1154 هـ) في جبل عامل ودرس المقدمات هنالك ، ثم سافر إلى دمشق ثم إلى النجف الأشرف ، وحضر على السيد بحر العلوم والشيخ كاشف الغطاء ، توفي سنة (1214 هـ) ، وله ديوان من الشعر .

أنظر : طبقات أعلام الشيعة / اغا بزرك الطهراني / الكرام البررة : 2 / 25 .

([65]) سبق ترجمته .

([66]) المقصود المقدس الأعرجي ، وسبق ترجمته .

([67]) العالم الفقيه الأديب الشيخ محمد علي بن الحسين بن محمد الأعْسَم ، كان من مشاهير عصره في العلم والأدب له منظومة في المطاعم والمشارب ، ومنظومة في المواريث ، ومنظومة في الرضاع شرحها ولده العلامة الشيخ عبدالحسين الأعسم توفي سنة (1230 هـ) .

أنظر : الكنى والألقاب / الشيخ عباس القمي : 2 / 36 .

([68]) العالم الأديب السيد أحمد ابن السيد محمد بن علي ابن سيف الدين الحسني العطار البغدادي ، من علماء عصره الأدباء وشعرائه المجيدين ، ولد سنة (1128 هـ) وتوفي سنة (1215 هـ) ، ومن آثاره (الأرجوزة الرجالية) .

أنظر : طبقات أعلام الشيعة / أغا بزرك الطهراني / الكرام البررة : 2 / 113 .


 

 

 

 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
Powered By : Sigma ITID