الإثنين, شوال 27, 1445  
 
الفصل الثاني : في مكارم أخلاقه

العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية

 

  



الفصل الثاني : في مكارم أخلاقه ومحاسن صفاته

أوّلاً : علمه

أمّا علمه وسعة باعه في الفقه ، فما ظنك بمن باحث دورة الشرائع([1]) ثلاث مائة مرة بأدلّتها تفصيلا على وجه الإحكام والإتقان ، كما ذكر هذا في كتاب قصص العلماء ، وذكر أيضا أنّ الشيخ كان يقول : لو مُحِيَتْ جميع كتب الفقه من أوّلهِا إلى آخرِها لأمليتُها للناس على خاطري بلا زيادة ولا نقيصة من شدة الممارسة والضبط .

يقول الناقل رحمه الله([2]) (( الإنصاف أنّ الشيخ كان كذلك كما يظهر من تأليفاته ، لا سيّما كتاب ( كشف الغطاء ) ، وبه يعلم قدر إحاطة الشيخ بالفقه ، بل تبين لك أنّ جميع المسائل من الطهارة إلى الديّات كالخاتم في يده يديره كيفما يشاء وحيثما أراد ، وكان إذا ذكر قاعدة فقهية في كتاب ( الطهارة ) أو في غيره فرّع جميع أبواب الفقه إلى ( الدّيات ) ، ومن هذا يعلم أنّ جميع مسائل الفقه محفوظة لديه بالفعل حاضرة عنده كل وقت ، فكلّما دعاها أجابت ))  انتهى .

وأقول : وما يدلك على ما يقوله هذا الفاضل ، بل يزيد ويشهد لك أنّ الشيخ ما بين جميع الفقهاء فريد ، وأنّ ( كشف الغطاء ) صنّفه على ظهر الدابة وهو في الطريق ، ولم يكن معه من الكتب سوى ( قواعد ) العلامة([3]) (رحمه الله )، وجعله كالرسالة العمليّة ، ليرسله إلى فتح علي شاه بعنوان ( الهدية ) ، فبرز كما ترى هدية للدّين لا للسلاطين ، ومنةٌ على سائر المؤمنين لا المتولين ، وهذا الأمر مشهور ومن ذكر السيد محمد باقر في كتاب روضات الجنات . قال ما نصه : ( ومن جملة مصنفاته ( كتابه ) كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء خَرَّجَ منه أبواب الأصوليين ، ومن الفقه العبادات إلى آخر الجهاد ، ثم ألحق به كتاب الوقف وتوابعه ، ولم يكتب أحد مثله ، وينيف ما خرج منه على أربعين ألف بيت([4]) إلاّ أنّه فائق على كل من تقدّمه من كتب الفن مع أنّه إنّما صنّفه في بعض الأسفار وهو في بيت السرير ، ولم يكن عنده من الكتب سوى قواعد العلامة كما نقله الثقات ) انتهى .

ثم قال صاحب القصص([5]) : - ومجملاً - ( أنّ الشيخ جعفر النجفي في التفريع والفقاهة وتطبيق فهم ألفاظ الكتاب والسنة على طريقة الفهم العربي المستقيم كان بلا نظير ، وهو من الأئمة ما بين فقهائنا –مثله نظير- كما يستنبط من كتبهم ، وأنّه إلى الآن لم يأت فقيه مثله ومثل الشيخ والشهيد الأول ، والتبحر في الفقه على ثلاثة أقسام : -

الأول : تأسيس المسائل الفقهية والاستدلال عليها مع إحكام وإتقان قواعدها ، وهذا منحصر بالشيخ علي([6]) وأستاذ المؤلف ملا أحمد النراقي([7]) .

الثاني : التفريع والإحاطة بمسائل الفقه ، وتطبيق الفروع بالأصول ، وفي هذا المقام غير الشيخ جعفر والشهيد الأول([8]) لم يكن أحد .

الثالث : تحقيق المسائل والفتوى وتكثير الأدلة وتبديهها ، وهذا للمؤسس البهبهاني([9]) . انتهى هكذا النسخة التي رأيتها .

وما أدري من المراد بالشيخ الواقع بين الشيخ جعفر والشهيد ويقتضي أن يكون المراد به الشيخ موسى لما هو المشهور عن الشيخ من قوله : لا فقيه إلاّ أنا وولدي موسى والشهيد ، وقد ذكرها أولا ، وسيأتي إنْ شاء الله نصّها قريبا ، ولعل موسى سقط من قلم الناسخ في الطبع ، ويحتمل أن يراد به الشيخ الطوسي([10])، وهو وإِنْ كان يعبّر عنه عند الفقهاء بالشيخ على الإطلاق إلاّ أنّه هنا محتاج إلى قرينة ، وهي على خلافه . ويحتمل أن يكون المراد به الشيخ علي بمقتضى التقسيم الذي بعده .

والحاصل أنّ بلوغ الشيخ إلى غاية الإعجاز في الفقه حتى صار من البديهيات التي لا تحتاج إلى بيان ، وكذلك يده الطولى في سائر العلوم خصوصاً الحكمة والكلام ويدلك على ذلك ما صدَّر به كتابه كشف الغطاء والبغية([11]) وغير ذلك .

وذكر في كتاب قصص العلماء أنّ الشيخ لما تشرَّفَتْ بمطالعهِ أصفهان ، جاء إلى خدمته بعض تلامذة الحكيم المتكلم المشهور ملا علي النوري([12]) رحمه الله ، وسأل الشيخ بمسألة عويصة من مشكلات فن الحكمة ، وكان قد استفادها من ذلك الأستاذ الماهر ، وعرضها بخدمة الشيخ مكتوبة في ورقة ، وكان قد حضر وقت نوم الشيخ ، فقال : بكّر غداً وخذ الجواب ، فأخبر الشيخ ملا علي بسؤال تلميذه للشيخ فتغير وتكدّر على تلميذه ، وقال له : إِنّ الشيخ رجل فقيه ، فلماذا أخجلته بمسألة من مشكلات الحكمة ، وليس له يدٌ بها ؟ فإيّاك أن تعود الصبح لمطالبته . فلّما فرغ الشيخ من صلاة الصبح ، بعث على السائل وأعطاه جواب المسألة ، فعرضها السائل على أستاذه المذكور فتعجب غاية العجب لموافقتها تمام قواعد ذلك الفن ، فلما التقى الأخوند بالشيخ ، قال له : يا مولانا من أين جئت بجواب هذه المسألة العويصة الصعبة التي عجزت عنها الفحول ، مع أنّك لم تشتغل بفن المعقول ، فقال الشيخ : هذه من واضحات إفادات الأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام)  .

وكان ( قدس سره ) يحفظ على خاطره جميع الكتب السماوية من إنجيل وزبور وتوراة وغير ذلك بجميع آياتها وفصولها وينبئك على ذلك ما ذكره في كشف الغطاء من تلك الكتب في مقام الاستدلال على نبوة نبينا ( عليه الصلاة والسلام ) ، فقد سرد فيها هنالك ثلاث أوراق ، أو أكثر من عباراتها باللسان الذي أُنْزِلَتْ به ، ثم ترجمها إلى العربية وبيّن تناقض بعضها مع بعض ، وأنّها محرّفة عما أُنْزِلَتْ به ، ويذكر لهم الأصل .

والحاصل إنّك إِنْ تراجع آخر كتاب الجهاد فسترى ثمة من هذه المقامات مالا تتصوره في حقّ بشر ، فإنّه رجل من أعراب البوادي الذين لا يعقلون شيئاً وهاجر إلى النجف مع أبيه وهو قريب البلوغ ، ولم يكن يقرأ القرآن ، وكانت النجف من أصغر القرى وأقلها سكاناً ، وأضعفها أثاراً وكتباً ، فمن أين تعلم هذه العلوم؟ وممّن أخذ تلك الأشياء العجيبة في اللغة اليونانية والعبرانية وأمثالهما؟ حتى أنّه حدثني عمي العَلمَ ( العباس ) لا زال ظله منشوراً عن ثقات الشيبة الذين أدركهم ، أنّ جماعة من الطلبة الذين كانوا من أهالي البحرين أخبروا الشيخ أنّ في البصرة جماعة من أحبار اليهود ورهبان النصارى وقسيسيهم يجلسون في الطرق والأسواق ويفسدون مذاهب الإسلام ، ويطعنون فيها عند العوام ، حتى تهوّد خلق كثير من المسلمين ، وتنصّر آخر فشدّ الشيخ الرّحال بجماعة من أصحابه حتى أتى البصرة ، وصار يجالس أحبار اليهود والنصارى ويحادثهم شيئاً فشيئاً بألسنتهم وكتبهم ، ويؤيد تارة ويهدم أخرى حتى عرفوا أنّه من الحاوين لكل العلوم فسألوه أن يباحثهم في علم الأديان ، وغيرها ، فأجابهم إلى ذلك ، وجعل بحثا للنصارى وبحثا لليهود عصراً وصبحاً ، ثم صار يذكر مفاسد كل مذهب مذهب وبالخصوص مذاهبهم ، والأختلاف الكثير أناجيلهم كأنجيل مرقس ويوحنا وغيرهما .

والحاصل ما انجلت الغبرة إلا وقدر مائة حبروقسيس قد أسلم ممن كان يجلس في الأسواق لإفساد مذاهب الإسلام ، ثم توجهوا إلى البلدان النائية الخالصة يهوداً ونصارى ليهدوهم بالمسالك اللطيفة الخفيفة إلى سواء السبيل ، ورجع الشيخ إلى محلّه ، فهل هذا إلاّ من تأييدات الأئمة عليهم السلام له ، وأخذه عنهم وقراءته عليهم بالطريق الذي هم أعرف به حيث رأوه قابلا لأكتساب الفيوضات الألهية والمعارف الروحانية قدس الله روحه ونور ضريحه .

ثانيا : زهده وتقدّسه

وأمّا زهده وتقدّسه ، وما التزمت به لله نفسه ، فقد جاوز الحد والنهاية ، وفات الحصر والغاية ، حتى كاد أن ينسى علمه على ما عرفت من عظمته وشهرته في جنب عبادته .

شيمةٌ مِنْ أَبِيهِ شَبّ عليها

 

 

وكذا شِيمةُ الِهزَبْرِ لِشِبْلِهْ

 

وقد سمعت من الثقات أنّ الشيخ رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقال له : يا جعفر أو ياشيخ إنّي أحبك حبا شديداً ، فقال له : سيدي ومما ذلك حتى أُداوم عليه ؟ قال : لتدومنّ عليه صوم الدهر وصلاة الليل والكون على الطهارة .

وسمعت من الشيخ الأجل قدوة الوعاظ ، وعمدة الحفاظ ، العابد الزاهد الشيخ علي اليزدي([13]) ، وكان وحيد زمانه في العبادة وفريد أوانه في العلم والأخبار والوعظ ، وقد تشرفت برؤية محياه الأنوار ، وجلست تحت منبر وعظه أياما وليالي فما أظن أنّ الدهر سمح بمثله واعظا ، وكان لكلامه تأثير في النفوس عجيب ، وكان ملازماً للخمول والضّعة كسراً لنفسه ، وأصابه في آخر عمره مرض السوداء فاختلّ عقله ، وأشار الأطباء عليه بالرّواح إلى العجم ، فإنّه أنفع لمزاجه ، فانتقل إلى خراسان ، وتوفي هنالك طيّب الله مضجعه ، فما ذكر على المنبر في شهر رمضان بالصحن الشريف وهو غاصّ بالمستمعين ، وكان يتكلم في مقام تغيّر الزمان والأيام وترك عبادة الرحمن والسعي بمراضي الشيطان إلى أن قال : وحدثني بعض الثقات من شيبة أهل النجف أول مجيئي من يزد أنّه سمع في بعض ليالي شهر رمضان في زمان العلامة الطبطبائي والشيخ جعفر بكاء ونحيباً في زوايا الصحن الشريف فتأمله وإذ هو في الغرف([14]) الفوقانية ، فصعد إليها وجعل ينظر غرفة غرفة حتى وصل إلى غرفة الزاوية بعيدة عن المستطرقين والنظار ، فوقف وراء الباب ونظر من شقوقها ، فرأى جماعة سادة وعلماء قد افترشوا التراب يقرأون دعاء أبي حمزة([15]) الكبير وهم سجود ، يبكون فبقى حتى فرغوا من أدعيتهم وصلواتهم ، وخرجوا بأجمعهم فرآهم جماعة من علماء ذلك العصر يعرفهم بأشخاصهم ، واستفسر عن الكيفية فكانت هذه عادتهم كل ليلة جمعة وسائر ليالي شهر رمضان .

ثم قال وحدثني جماعة منهم أنّهم وجدوا الشيخ جعفراً في بعض الأيام ، وهو يعدو وبيده عصا وأمامه صبي قارب العشرين ، وهو يركض بسرعة وشِدّة والشيخ خلفه يطلبه إلى أن وصل الصبي إلى الصحن فالتجئ إليه فنادى الشيخ أنِ اقبضوا عليه ، فقبضوه وجعل الشيخ يوجعه ضرباً تارة بعصاه وأخرى بيديه ، والصبي يبكي ويلوذ بالناس فخلصوه من يد الشيخ . ولما سكن روعه سألوه عن ذنب الصبي ، فقال لهم : ثلاث ليالٍ لم يقم إلى صلاة الليل ، وكلما أيقظناه لم يستيقظ ، وجميع إخوانه وأهيله قاموا فأتوا بها على الوجه .

وقد ذكرنا لك أنّه كان يحي ثلثي الليل بالعبادة والمطالعة ، وليس العجب هذا ، وإنّما هو كونه (رحمه الله ) كان كَثِير الأكل حتى قال في كتاب قصص العلماء : إنّه كان يأكل منا تبريزيا من الأرز ، ورأساً من صغار الغنم ، ومائة درهم من البصل ، وعشر حبات فلفل ، ومع ذلك كله لا يدركه كسل ولا فتور ولا سأم عن أحياء الليل والعبادة ، حتى أتفق أن أتاه بعض المشتغلين في بعض البلدان ليسأله عن بعض المسائل المشكلة ، وفي الأثناء قبل أن يسأل جيء بغداء الشيخ ، ولم يكن في المجلس غيره وغير الشيخ وصاحب الدار ، فتعجّب ذلك المشتغل من كثرة الطعام الذي جاءوا به . ثم قال في نفسه : هذا رسم متعارف لدى الناس ، إنَّ العظيم يؤتى له بزاد كثير فيأكل منه قدر الحاجة ويغرق الباقي على الخدم والجيران ، فتقدّم الشيخ وحده إلى ذلك الخوان([16]) ، ولم يدع منه سوى يسير لا يشبع إنساناً ، فتعجّب ذلك المشتغل ، وقال : إنّ هذا الأكل إذا ضرب بخاره في ساحة دماغ الرجل تساوى ما علم وما جهل ، فعزم على ترك السؤال ، وجزم بعدم طاقة الشيخ على حلِّ أقلّ إشكال ، فكيف بما أتى به من المسائل العضال ، فلَمَّا نهض قال له الشيخ اجلس ، فإنّك جئت بحاجة فاذكرها حتى تُقْضَى لك ، فأنكر المشتغل ذاك ، وقال : يا مولاي جئت للتشرف برؤياك ، فقال الشيخ : لابُدّ من ذلك وأصر عليه غاية الإصرار ، فقال : جئت لأسألك فلمّا رأيت أكلك جزمت بعدم قدرتك على حل مشكل ، وفتح مقفل ، فقال : اذكرها لنا عسى أن نتأمل بها ونعطيك جوابها في غير وقت ، فذكرها للشيخ فأخذ الشيخ يسبقه لإتمامها ، وينبه على جهات من إشكالها لم يتنبه لها ، ثم أخذ يجيب عن كل مسألة مسألة ، ويفرّع عليها ويستوفي في أدلّتها وأمثلتها ، وجعل ينقض ويبرم ، ويبني ويهدم ، وانحدر كالسيل المتراكم إذا انقضّ من قلل الجبال .

يقول الراوي : فوا الله لكأنمّا يُمْلى عليه ، أو يوحى إليه ، فلمّا استوفى جميع المسائل ، وفرغ منها ، قال لذلك السائل : يا ضعيف البصيرة والنيّة ، اعلم أنّ خلاّق البرية ، قد أودع في خلقي العجائب ، وأبان في أمري الأضداد والنقائض ، حيث أنّي لم أَزَلْ متمتعاً بلذائذ الدنيا وروحانيتها ومآكلها وطيّباتها على سبيل الكثرة المفرطة ، ومع ذلك فقد رزقني ملكة في العبادة عجيبة ، وقدرة في إحياء الليل غريبة ، ومنحني الشهوة في أمر النساء مستعرة حتى أنّه ليس لي ليلة من الليالي على تركهن مقدرة ، مع فكرة وقّادة صَفِيّة ، في اقتناص شوارد العلوم الخفية ، وأنتم حرمتم من اللذّتين ، فلا بلذائذ الدنيا نَعِمْتُمْ ، ولا بنعيم الطاعات فزتم ، فالحمد لله على نعمه عدد ما في علمه وهذه الحكاية على أنّها مذكورة في كتاب قصص العلماء ترجمة ، سمعتها من جماعة رواية . وأعجب من هذا كله أنّه (رحمه الله ) كان كما وصف نفسه من شدة الشهوة والميل إلى النكاح ، حتى أنّه كان يقتدي بسيرة نبيّه (ص) في أسفاره وغزواته ، حيث كان يستصحب معه إحدى نسائه ، فكان (رحمه الله ) يُضْرَب له حجاب في الطريق ويقضي حاجته وراءه ، وهذا يدل على أنّه كان أمير الشهوة وسلطانها ومع ذلك فقد كانت بأمره طاعتها وعصيانها ، قادراً على أسرها حيثما شاء ، فمن ذلك ما اتفق له في بعض أسفاره وذلك أنّ بعض ذوي الثروة والمال كانت عنده بنت بديعة الجمال ، فبعث للشيخ رسلاً ووسائط يرغّبونه في العقد عليها دائما ، وإن أبى فمنقطعا ، فقبل الشيخ بها على الانقطاع ، فبعث أبوها بأموال غزيرة على قبوله وأنس أنساً كثيراً ، وأخلى للعرس من أحسن دوره وأثمنها ، وجعل فيها ما يحتاج إليه من اللوازم والخدم والعبيد ، وزيّن البيت بأحسن زينة ، وبعث بها إلى الدار ، فلما دخلها الشيخ حار بصره ، وبهر عقله ، مما رأى من تلك الفرش والمعلقات النفيسة مما لم يره قبل ، ثم دخل على تلك البنت فجعل يسبح الله ويقدسه من جمالها البديع البهي ، وما عليها من الحلل والحلي ، وتوجّه إلى القبلة ثم صلى ركعتين ، ولما فرغ ناداها فأقبلت إليه .

هَيْفَاءُ قَالَ لهَا الجَمَالُ تَخَيّري

 

 

فَتَخَيّرَتْ مِنْهُ أَجَلَّ صِفَاتِهِ

 

تُنْمَىَ إلى كِسْرَى فَتَاةٌ جِيْدهُا

 

 

يَنْمِي إلى الأَرَام في لفَتَاتِهِ

 

طَلعَتْ بِوَجْهٍ لَوْ بَدَا بَدْرُ السَّمَا

 

 

مَعَهُ لأقْسَمَ لسْتِ مِنْ قَسَمَاتهِ

 

لمـّا تَدفّقَ حَوْلهُ مَاءُ الحَيَا

 

 

أَبْدَى جَنِىّ الوَرْدِ في وَجَناتِهِ

 

فوجد عليها آثار الحزن والكآبة ، وقيل : سألها لِمَ لَمْ تتزوجي إلى الآن ، وأنت بهذا الجمال؟ فقالت : لها ابن عمّ خطبها من أبيها فلم يجبه إلى ذلك لنفورة بينهما ، فتحامتني الناس له ، وبقيت هكذا معطّلة ، حتى قضى لي سعود التوفيق أن يدار عليّ من كؤوس الشرف بخدمتك أصفى رحيق ، فقال الشيخ : وأنت تحبّين ابن عمك ، فقالت : أما الآن فحيث تشرفت بخدمتك فلا ، وأمّا قَبْلُ فنعم ، فعلم الشيخ بمودّة كل منهما لصاحبه فبعث إلى أبيها وأحضره لديه ، وكان قد ملّكه الدار وما فيها ، وقيمة الجميع ما ينيف على مائة ألف تومان ، فقصّ القصة عليه ، وقال جميع ما مّلكتِينه لك ومثله مني على أن تأذن لي بزواج بنتك لابن عمها فلان ، وأنا إلى الآن لم أتصرف بشيء منها ، وقد وهبتها المدّة ، ولم يزل يصر عليه حتى قبل أبوها([17]) بذلك ، فقاما إلى دار ابن عمها ، وأخذه الشيخ بيده وهو لا يعلم ما يراد به إلاّ أنه كان في غاية الحزن والبكاء على ابنة عمّه ، حيث أخبر بزواجها تلك الليلة ولم يكن قادراً على منع الشيخ عنها ، فأدخله الشيخ على ابنة عمّه وعقدها عليه وملكه الدار وما فيها ، وباتا بأَهْنأ عيش وأتم سرور .

وهذه الحكاية لو لم أكن سمعتها بحد التواتر لم أصدق بها لأنّها خارجة عن طاقة النفوس البشرية ، داخلة في الملكات الملكوتية ، وزيادة على تواترها ذكرها البراقي في كتاب (معدن الشرف )، والتنكابني في كتاب ( قصص العلماء ) .

ولكن الأوّل قال : إنّ البنت كانت بنت الصدر([18]) ، ولم أسمع بذلك ، وبظني أنّي سمعت ممن نقلها أنّ الواقعة في تبريز ، وفي كتاب قصص العلماء ذكرها باختلاف يسير ، ولم يذكر البلد ، وقال بعد نقلها أنّ هذه داخلة في كرامات الشيخ المعظم ، حيث أنّه كان أمير الشهوة فكيف أسرها بأسرها؟ ولم يقع في قيدها وأسرها؟ ثم استشهد على غرابة الواقعة ، وعظمة ملكة الشيخ بأبيات من كتاب مثنوي الفارسي([19]) ، وحيث أنّها مغلقة المعنى لم نأت بها والله ولي التوفيق .

هذا وقد كان (رحمه الله ) تعوّد من المآكل على ما جشن ، ومن الملابس على ما خشن ، فإنّه يلبس من الخام الغليظ الذي يصنع شُرُعاً للسفن ثياباً ، ومن كرباس الصوف الخشن قباءً ورداءً ، وعلى هذا أصحابه وتلاميذه وأهل بيته وأولاده حتى يقال : إنّه رأى يوماً في درسه رجلا من أهل القطيف وهو ملتحف بعباءة ماهود([20]) بعثها إليه أهله ، ولم يكن يعرف ذلك في النجف ، وكانت مطرّزة بشيء من الإبريسم ومثيله المسمى اليوم بالكلبدون ، فرمقه الشيخ شزراً ، فلمّا حقق أنّه لِبْسٌ جديد ناداه ، فجاء الرّجل ووقف حذاء المنبر ، فقال : أيّها القطيفي ما هذه السيرة المخترعة ، والسنة المبتدعة ؟ ( والتَّماثيلُ التَّي أنتُمْ لَها عَاكِفُونَ )([21]) ، فقال : يا مولاي ليس هذا من اختراعي ولا بهواي ، وإنما بعثه لي أهلي ، فقال الشيخ : نعم الجواب أجبت : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال : (( ما هذِهِ التماثيلُ التَّي أَنْتُمْ لَها عَاكِفُونَ ، قَالوا أنا وَجَدْنا اباَئَناَ لَهَّا عَابِدين ، قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ وَآبآؤُكُمْ في ضَلالٍ مُبينٍ ))([22]) .

ثم قال له : اعلم يا شيخ أنّ أهلك إنْ رغبوا في لباسك لهذا وأمثاله فليأخذوك إلى بلدهم ، فإنّهم أرسلوك مسترشداً لا مستغويا ، ولا يحلّ لك البقاء في النجف وأنت على هذا ، فاخرج منها قبل أن تُخْرجَ ، واصنع ما شئت فلا جناح عليك بعدها ولا حرج ، فقيل : إنّ الرّجل تناول من جيبه سكيّنا وأراد أن يخرق العباءة ، فقال له الشيخ : لا تطع الشيطان بشيء وتعصيه بآخر ، (( إنَّ المُبَذِّرينَ كَانوا أِخْوانَ الشَّيَاطينِ ))([23]) ، ولكن ارجعها إلى محلّها فبعثها الرّجل إلى أهله ، وجلس خجلا فشلا ، فأخذ الشيخ يرفع عنه خجله فقال له : يا ولدي بارك الله بك ، وإنّي لأتوسّم الخير فيك ، وإنّما قلت ما قلت لأنّ النفوس أمارة بالسوء ميالة إلى التصنع ، والشيطان باسط للغواية باعه ، وفارش للوثبة ذراعه ، فإذا نظر الطلبة المشتغلون ما أنت عليه مالت نفوسهم إلى ذلك اللبّاس ، وهم ذوو فاقة وإفلاس ، فيلتزمون بالأسفار ، وركوب الأخطار ، لتحصيل أثمانها ، فَتَرْكَنُ النفوس إلى شيطانها ، فيضيع العلم ، ولا يبقى منه لدى مدعيه سوى الاسم ، وتتزيا الناس بزي عبدة الأوثان ، وأمناء الشيطان ، ولا يبقى من الإيمان سوى رسمه ، ولا من الحق غير اسمه ، ولم يزل يبين له المغيبات التي نراها اليوم رأي العين ، والمفاسد الشائعة في البين ، حتى ذهب خجل الرّجل وعاد الشيخ إلى درسه .

وكان يعول بما ينيف على الخمسين من إخوته وعياله وأولاده إلى غير ذلك من المتعلقين والخدّام ، فكانوا يضعون في قدر كبير سحيق الأرز وشيئاً من اللّحم مع بعض الحموضات ، فإذا طبخ جيء بآنيتين كبار من الكاشي الأخضر فَتُمْلأُ واحدة للنساء وأخرى للرجال ، فيجتمع عليها مقدار عشرين رجلاً كلهم بين مجتهد ، ومناهز ، وعلى باقي الخدم والمتعلقين ، وكانوا إذا أرادوا أكرام الشيخ صنعوا له مقداراً من الأرز مع الماش وأتوا له منه على مقداره وعليه البصل قطعاً قطعاً ، فمن ذلك ما ذكره في كتاب ( معدن الشرف ) أنّه دخل عليه سيّد يقول البراقي وهو معروف الاسم واللّقب ، ولكن ذهب عني اسمه ، والقصة مشهورة ، فلما رآه الشيخ رحّب به وأكرمه ، ثم قال له ما الذي جاء بك في هذا الوقت ؟ فقال جئتك لأنّك المطلع على أحوالي وإنيّ إلى الآن لم أتزوج وأريد منك المهر ، فقال الشيخ : حبّا وكرامة وعلى العين والرأس لكن لا يترك الميسور بالمعسور ، ونرجوك المسامحة وقبول ما عندنا ولك العهد علي أن أول شيء يأتيني أبعثه إليك ، فاستقرض ما يكفيك مع ما نعطيك ، وأنا أؤدّي عنك ، فتشكّر له السيد وذهب ليقوم فقال له الشيخ : اجلس فتعشّ معي فإنّ عشاي اليوم نفيس على الإرادة ، قال السيد : فجلست وحسبت أنّ الشيخ سيعطيني خمسين أو ستين شاميا ، وقيمته قُرانان من أول عصرنا ، فجاءوا بالعشاء فوضعوه بين أيدينا ، فالتفت الشيخ إلي وقال : يا فلان هذا رزق على عينك ومن بركات قدومك تقدم فكل هذا العشاء الحسن ، فتقدمت وإذا هو طبيخ ماش ومعه بصل ، وجعل يضرب على منكبي ويقول : كُلْ من هذه النعمة التامة التي لا تقوم بشكرها تمنٌ وماشٌ وماء وملح ، ومع هذا كلّه أدام ، والأدام بصلٌ ونعم الأدام البصل .

يقول السيد بينما نحن كذلك وإذا بعشاء يفوح منه الزعفران وفوقه الدّجاج وكأنمّا بعض العجم أهداه إلى الشيخ فلمّا نظره الشيخ قال لي : قم فَكُلْه ، قال : فاختصصت به دونه ، والشيخ حَسَرَ عن ذراعيه ، وجعل يكسّر البصل ويجعله على طعامه وهو يحمد الله ويشكره ويقول : إيه يا جعيفر وكيف لا تحمد الله الذي سخر لك حراث الأرض وزراعها والحاصدين والدائسين ، ثم جلب إليك ثمره وأنت في مكانك ، فطبخ وقدّم بين يديك من غير كدّ وتعب فأيّ شكر يؤدى حق نعم هذا المنعم ، قال : ولم يأكل من طعامي لقمة واحدة ، فلما فرغنا قال : قم إلى تلك الحجرة فافتحها وخذ ما فيها ، فقمت إلى حجرة صغيرة في زاوية الطنبية([24]) - وهي إلى الآن موجودة - ففتحتها فوجدت فيها كيساً مملؤاً فأخذته وودّعت الشيخ وإذا فيه (خمسمائة شامي ) انتهى .

وكان روحي فداه مع عدم ترتيب مأكله وانضباطه ذا قوة ونشاط على العبادة ، وكان لصوته ومناجاته تأثير عظيم في القلوب ، وكان مدمنا على المناجاة والابتهال ملازما لإحياء الليالي الطوال ، ولتضرّعه خاصّية معروفة وهي أنَّ كل من سمعه حلّت الهداية بقلبه ونشطت جوارحه لعبادة ربّه ، فمن ذلك ما في كتاب ( قصص العلماء ) عن بعض أكابر الأفاضل عن الشهيد الثالث العالم الرباني الشيخ محمد تقي البرغاني([25]) ، المقتول بسيف الفرقة البابية بأمر رئيسها علي محمد([26]) ، وقريبة([27]) المقتول الخبيثة المعروفة قرة العين([28]) ، وسنذكر إنْ شاء الله نبذة من أحواله ، لأنّه ممن استجاز الشيخ ، قال : إنّه لمَّا تشرفت جبهة قزوين بأقدام الشيخ حط الرّحال عند الأخ الحاج محمد صالح البرغاني ، وهو أيضاً من كبراء العلماء ، وكانت داره تشتمل على بستان كبيرة ، فلما هجم الليل نام كل بمكانه منّا في البستان ونمت أنا في طرفٍ منها ، وكانت للشيخ عناية في حضي([29]) ، فلما انتصف الليل جعل الشيخ يوقظني وهو يقول لي : قُمْ لصلاة الليل ، فقلت : سأقوم ، فتركني ومضى وأخذني النعاس فذهبت أعوم في تيّاره فتغيرت أحوالي في الأثناء وأنا نائم ، وتألم فؤادي وأوجع قلبي فانتبهت من شدة الوجع فبان لي أنّ ذلك من جهة سماع صوت وبكاء أسمع صداه ، ولا أرى شخص بكاه ، إلاّ أنّه أخذ بمجامع قلبي ، واستولت رقته على عقلي فأدهشت لبي ، فقمت أتمشى وأطلبه ، وأنا بلا شعور حتى قربت منه وتأملته فإذا هو الشيخ قد افترش التراب ، وهو يتململ ويتضرع ، ويبكي بكا ء الثاكل الموجع ، ويناجي ربّه مناجاة الحبيب حبيبه ، ويأن أنين الفاقد صحيبة ، فأثرت تلك الأحوال الغريبة من الرقة والخشوع فيّ أثراً أنا منه إلى الآن من خمس وعشرين سنة أقوم في ذلك الوقت من هيبة تلك الليلة وأثرها في روعي ، واشتغل حتى الصباح بمناجاة قاضي الحاجات ، وأداء النوافل والمستحبات .

أقول وهذا دليل على بلوغ الشيخ مبلغا من التعبد والزهد يقصر عن إدراكه الفكر الوقّاد ، ويحسر دون تصوّره تصور جهابذة([30]) الزّهاد ، لأنّ هذا الرجل كان وحيداً في الطاّعات ، وفريداً في الملازمة على الزّهد والمستحبات ، فكلامه في هذا المقام له خصوصية إعظام واحترام .

 ولنختم هذا المقام بكلامٍ لصاحب كتاب ( قصص العلماء ) أثنى فيه على الشيخ وأبيّن مقدار رفعته وعلوّ درجته في العلوم والطاعات ، وإنْ كانت غنية عن البيان ، ولكن ذكرناها أداءاً لحق الرّجل ، وقد ذكرنا عبارته بنصها لأنّ للعجمية لطفاً في عالمها كما للعربية ذلك ، قال (رحمه الله ) وجزاه خير الجزاء : ( شيخ جعفر ، نجفي عالم أذخر ، واستاذ اكبر ، ومهر سبهر ، فقاهت وجلالت ، ومتاع فلك زهادت ، ونقاوت وتقاوت ، ورئيس أرباب عبادت ، وفذلكة صاحب كرامات ، نادرة زمان ، وأعجوبة دوران ، وأغلوطة دهرخوان ، است أنصاف اينكه در أحاطة بفروع فقهية از اوّل تااخر ، وتكثير فروع از زمان غيبت معصوم تااين زمان تحت قبه فلك قمر مانند شيخ جعفر فقيهي بادر دائرة وجود نكذا شت ازاوكذشة در تفريع وفهم احكام مكر شهيد أول جنانكه خو فر مود فقه باق على بكارته لم يمسه إلاّ أنا وولدي موسى والشهيد الأول ، وهركه خواهدكه اينمعنى براوانكشاف شودبايد رجوع كند بكتاب كشف الغطاء شيخ وسائر تاليفاتش وهركه بخواهد تصديق اين سخن بالنسبة لشهيد نمايد رجوع كند بقواعد )([31]) .

وأقول ومن أراد تصديق ذلك في شيخ موسى ، فليرجع إلى شرح رسالة أبيه ، فإنّها على صغر حجمها كافية في بيان فضله ، على أنّه كتبها أوّل اجتهاده ، وهو صغير في زمان أبيه ، كما سيأتي إن شاء الله ذلك .


 

ثالثا : زعامته ورئاسته

وأمّا مطايعته وعظمته عند كل الأمم ، ورئاسته على جميع العرب والعجم ، وامتثال أوامره ونواهيه عند سائر الأمراء والسلاطين فهي غنية عن البيان والتبيين ، وإن أبَيْتَ فيكفيك ما ذكره في كتاب ( روضات الجنات ) ، ونصه ( كان رحمه الله من أساتذة الفقه والكلام ، وجهابذة المعرفة بالأحكام ، معروفاً بالنبالة والإحكام ، منقِّحا لدروس شرائع الإسلام ، مفرِّعاً لرؤوس مسائل الحلال والحرام ، مروّجاً لمذهب الحق الأثني عشري كما هو حقّه ، ومفرِّجا عن كلِّ ما أشكل في الإدراك البشري ، وبيده رتقه وفتقه ، مقدماً لدى الخاص والعام ، معظّماً في عيون الأعاظم والحكام ، غيوراً في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقوراً عند هزاهز الدهر وهجوم أنحاء الغِيرَ ، مطاعاً للعرب والعجم في زمانه ، مفوّقاً في الدين والدنيا على سائر أمثاله وأقرانه ، ظهر من غير بيت العلم فصار بيداء حكومته علماً مشهوراً ، ومهر في نشر زيت الفقه إذا أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً ([32]) .. الخ ) . انتهى .

وهذه الكلمات جيدات بل فائقات خصوصاً مع أنّها من عجمي اللّسان ، ولكنها منحة ربانية ، وإساءة الأدب في قوله ( غير بيت العلم ) مغفورة له ، فإنّ مراده بالنسبة إلى ما صار الشيخ إليه من التفوق في العلوم حتى صار بيته كأنْ لم يكن بيت علم لا على ظاهره ، وإلاّ فهو قد نقل في كتابه فقرات الرسالة المنسوبة إلى الشيخ في حقّ والده ، وقد تقّدم بعض ذلك ، وقد عرفت جلالة بيته سابقاً ، وأن استزدتني في ما نحن فيه زِدْتُك بما ذكره السيد الشفيع([33]) البروجردي([34]) المعاصر لشيخنا قدس سره ، في كتابه الذي صنّفه في علماء إجازته ، فقال بعد ذكر العلامة الطباطبائي([35]) ما هذا نصه : ( ورابعهم الشيخ المكرّم المعظّم ، ملجأ العرب والعجم ، ملاذ كافة الأمم ، منبع الفضائل الجليلة ، ومعدن السجايا الجميلة ، ناهج المناهج السوّية ، بالغ المقاصد العليّة ، مهذّب المعالم الدينية المشتهر في جميع الأمصار والآفاق ، شيخنا وعمادنا الشيخ جعفر النجفي قدس الله روحه الزكية ، وهذا الشيخ أفضل أهل زمانه بالفقه لم يرَ مثله مبسوط اليد في الفروع الفقهية والقواعد الكلية ، قوي غاية القوة ، مقبول القول عند السلطان والرعية ، كان من العرب بحيث يطيعونه غاية الإطاعة ، ويمتثل السلطان فتح علي شاه([36]) أوامره ، وكذا أكابر دولته وأمناؤه غاية الامتثال ، ويأخذ من السلاطين وأكابر العجم وأرباب الثرّوة  والغنى مالاً كثيراً ويعطيه بتمامه في مجلس الأخذ وفي يومه ) .

ثم أخذ في تفصيل أولاده واحداً واحداً على الإجمال ، ولعلك أيّها الناظر لا تكتفي بهؤلاء ، وتقول: ننظر في هذا المقام إلى من قال لا إلى ما قيل ، وهؤلاء وإن كانوا من أجلاَّء الفضلاء ، إلاّ أنّهم ليسوا من المشاهير ولا الجماهير ، حتى يعتقد بأنّ الشيخ جمع الرئاستين من ليس بها خبير ، فلنذكر لك ما يكفيك من كلام من لا يخفى عليك جلالة قدره وعظم منزلته ، العلاّمة الفهّامة ، مالك أزمّة التحقيق والتدقيق ، الشيخ أسد الله([37]) في المقابس([38]) عطّر الله مرقده النفيس ، ونصّه : ( ومنها الأستاذ السعيد الشيخ الأعظم الأعلم قدوة النام ، وسيف الإسلام ، وعلم الأعلام ، علاّمة العلماء الكرام ، خرّيت([39]) طريق التحقيق والتدقيق ، مهذب مسائل الدين الوثيق ، مالك تقريب مقاصد الشريعة من كل فج عميق ، وحيد العصر ، وفريد الدّهر ، ومدار الفصل والوصل ، ومنار الفخر والفضل ، خاتمة المجتهدين وأسوة الأفاضل المعتمدين ، وحامي بيضة الدين ، وماحي آثار المفسدين ، بدر النجوم ، وبحر العلوم ، المؤيد المسدّد من الحي القيوم ، شيخي وأستاذي ومعتمدي وأستنادي ، وجد أولادي ، الأجل الأكمل الأفضل الأورع الأجمل الألمعي اللوذعي([40]) ، التقي النقي الرضي المرضّي ، الزكي الذكي ، الوفي الصفي ، الخائض المغمور في عواطف بحار لطف الله الجلي والخفي ، الشيخ جعفر ابن المرحوم المبرور الشيخ خضر النجفي ، أدام الله ظلاله على رؤوس العالمين ، وزيّن به كراسي العلم للعالمين ، وجزاه الله عنّي خير جزآء المحسنين ، المعلّمين يوم الدين ، وهو صاحب كتاب كشف الغطاء ، الباسط العطاء ، على أولي الذكاء ، وعلى غيرهم في غاية الغموض والخفاء ) . انتهى محل الحاجة .

هذا والحالة أنّ الشيخ أسد الله كما ينقل عنه-وهو مشهور غير بعيد- قد فرغ من العقول والمنقول ، وجميع العلوم قبل العشرين كما سيأتي إنْ شاء الله .

وقال السيد الهمام والعليم العلام ، أمام المحدثين السيد عبدالله شبر([41]) وهو من تلامذة الشيخ الأكبر في كتابه المعروف ( بكشف الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار ) ([42]) ، من أحسن ما صنف في هذا الباب ، في أوّله الحديث الأول ( ما رويته بطرق بأسانيد عديده ، وطريق سديده عن جملة مشايخي الكرام ، وأسانيدي العظام ، ومنهم وهو أعظمهم شأنا وأرفعهم مكانا ، وأقومهم برهانا ، قدوة الأنام ، وعلم الأعلام ، عليم الدهر ، وناموس العصر ، وعظيم القدر صدر صدور الأفاضل ، وبدر بدور المحافل ، أشتات الفضائل ، ووارث علم الأواخر والأوائل ، ورافع مشكلات عن معضلات بمحكمات الدلائل ، مهذب مسائل الدين الوثيق ، بالنظر الدقيق ، ومهذب معالم الدين الوثيق ، ومقرب مقام الشريعة من كل فج عميق ، مقيم شعائر الإسلام والدين ، وحجة الله على العالمين المؤيد من الله بلطفه الجلي والخفي ، شيخنا مولانا الشيخ جعفر النجفي مد الله ظله على العالمين ، وأدام فضله على سائر المسلمين ) . ثم ذكر بعده السيد العلامة الطباطبائي ([43]) ، الُمرَوِّج البهبهاني ، وأمثالهما رحمهم الله أجمعين .

وإنّما أورد لك أيها الناظر في هذه الرسالة هذه الأشياء كي لا تقول في حقي هذا الرجل مغالٍ بأجداده وآبائه ، وتعلم أنّ هذا أمر مغروس في نفوس أهل العلم وكبرائه .

وأمّا أنا فلم يزدني ذكر هؤلاء العلماء في حقه من المدح والثناء شيئاً من الأشياء ، بل أزدادوا عندي بمعرفة الشيخ رفعة وفضلا ، وبانوا عندي أنّهم كانوا للكمال أهلا ، وما هذا إلاّ كما يحكى عن أبان بن تغلب([44]) ( رحمه الله ) أنّه كان ياتي مسجد المدينة المنورة ، فتخلى له سارية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ويجلس ويحدث الناس ، فجاءه يوما شاب من  أهل المدينة ، وقال له : يا أبان كم كان مع علي عليه السلام في حروبه من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال له : يا ضعيف اليقين أظنك تريد أن تعرف فضل الأمير عليه السلام بأتباع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم له ، وأنا والله ما عرفت فضل عمار وفلان وفلان إلاّ بخروجهم معه واتباعهم قوله )([45]). ومثله ما يحكى عن بعض الصوفية من ذوي الاعتبار ، أنّه قال لما رأى كلام بعض المتكلمين : أنّه تعالى تدل عليه الخلق والآثار ، إنّي ما عرفت الدنيا وما فيها إلاّ بمعرفة منشئها ، والحديث شجون ، فلنختم هذا المقام يحكاية في كتاب ( معدن الشرف ) هنا محلها . روىعن عدة من رجاله الثقات أنّ السيد مير علي([46]) صاحب ( الرياض ) اجتمع مع السيد جواد صاحب ( مفتاح الكرامة )([47]) ومعه جماعة وكان في كربلاء ، فأخذ القوم في الثناء على الشيخ الكبر ، وأنّ ليس له شريك في فضله وسجاياه خصوصاً في العبادات ، والالتزام بالنوافل والأوراد من المستحبات ، فضلا عن الواجبات ، فقال المير : ما قلتموه حق إلاّ إنّ هذا عمل العجائز ، وحرفة عاجز ، وترك أبحاثه ودروسه و علمه ، وصار ملازما للأسفار والسياحة ولم يبقَ عنده سوى ما قلتم مما هو بالنساء أحرى ، فانتدب له السيد جواد فقال له : يا الله للعجب العجاب أتقول هذا في حق رئيس المسلمين ، وحجة الله على الخلق أجمعين ، كهف الأنام ، ومرجع الخاص والعام ، وأبي الأرامل والأيتام ، صاحب العلوم العجيبة ، والكرامات الباهرة الغريبة ، من لم تسمح بمثله الأيام وتعجز عن إنتاج شكله الأعوام ، فلا يضاهيه إنسان ولا احتوت على مثله الأزمان ، ولا يحيط بكنهه الواصفون ، ولا يعلم أقلّ مزاياه العالمون ، ثم أطال في الإطراء والثناء بما لا مزيد عليه ، حتى قال : وتحسب أيها السيد أنّ كَثْرةَ الأسفار ، مما يمت إلى ذلك الهيكل القدسي بالعار ، أو أنّك بجلوسك هذا تقاربه أو تدانيه ، أو أنّك بقدحك هذا فيه تساويه ، كلاّ ثم كلاّ ، وهل قام عمود الدين إلاّ في أسفاره وفيه ، وهل هذا إلاّ سيرة ساداته ومواليه ، أليس النبي (ص) خرج إلى الطائف وهاجر إلى المدينة لإحياء هذا الدين ، وتبعه على هذا وصيه أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد هاجر من المدينة إلى البصرة ثم إلى الكوفة ثم إلى النهروان والشام كله ، محافظةً على الشريعة كما تنبيء عنه الرواية ، أنّه (ص) لمـّا حمل على أهل الشام وخَفِيَ صوته وحمل أولاده وأصحابه فوجده مالك([48]) يصلي ، فقال : يا سيدي بمثل هذا المكان تصلي؟ فقال : يا مالك وهل قتالي إلاّ للصلاة وكذا سيرة ولديه المظلومين الحسن والحسين عليهما السلام ، وكذا سائر الأنبياء والأوصياء ، وقد أنزل الله تعالى ذلك في محكم كتابه كقوله تعالى : { إِنَّماَ اَنتَ مُنْذِرٌ ، وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ }([49]) وأمثال هذا كثير ، فقد حَذا أيده الله والمتقدمين من الأنبياء والوصيين ، وعباد الله الصالحين ، حتى قام عمود الدين بعد ما مال ، وأرشد إلى سبيل الهدى جماعة من أولي الضلال ، ولم يزل السيد يزأر ويهدر بهذا وأمثاله حتى سكنت فورته ، وقرّت شقشقته . وبلغ الخبر إلى السيد الحسيب المحقق المدقق السيد محسن الكاظمي([50]) وهو في بلده ، فشد الرّحال حتى اجتمع بالسيد المير وقال له : أنت القائل على رئيس مذهبنا ، وإمام ملتنا ، قد ضيّع علمه ، وصار من أهل الأسفار ، فقال له السيد : وما الذي جاء بك ، فقال : سمعت مقالتك وجئت لمعاقبتك وتأنيبك ) . انتهى .

ورواها بطريق آخر عن حجة الإسلام الشيخ العلامة الشيخ محمد طه نجف([51]) ( حفظه الله ) وأيده ، ومولى المسلمين الشيخ عباس([52]) أدام الباري وجوده ، أنّ السيد مير علي كان مشغوفا بالتأليف والتصنيف ، ومولعاً بكتابة المعروف ( بالرياض ) مفتخراً به ، ولم تكن له يد في العبادة ، فلا يزيد في صلاته على غير الطريقة المعروفة من نوافل وتعقيبات وغير ذلك ، وكان الشيخ محافظاً على تلك الأشياء خصوصاً النوافل المرتبة ، فاتفق أن اجتمعا يوماً ، فقال الشيخ للسيد : إنّك من العلماء المشهورين فلم لا تتنفّل بصلاتك ، وهو نقص بمثلك ، فكيف إذا اقتدت عوام الناس بك ؟ فقال السيد معرّضا بالشيخ : النوافل سيرة العجائز ، لكن أنت لم تركت العلم ، وصرت من أهل الأسفار ، وحرمت لذة التصنيف ؟ فسكت الشيخ عنه ، وبلغت هذه إلى السيد محسن الكاظمي ، فأتى كربلاء ، واجتمع بالمير وقال له : أنت العاتب على شيخ الطائفة ورئيس الفرقة المحقة بذلك الكلام ؟ فقال له السيد : ما أنت وهذا نحن علماء يتكلم بعضنا مع بعض فما أنت والدخول في البين . انتهى ، مع التهذيب والاختصار لكثير مما ذكر من التطويل الذّي لا طائل تحته ، فإنّ نقل مثل هذا عن العلماء في غير محلّه إلاّ مع حمل كلامهم على خلاف ظاهره وتوجيهه بغير مؤداه ، فإنّه قد قيل :

إذا صدَرَتْ مِنْ صَاحبِ لَكَ زلّةٌ

 

 

فَكُنْ أَنْتَ مُحْتَالاً لزَلَّتِهِ عُذْراً

 

فكيف إذا صدر من العالم الواجب الاتباع ما هو بنظر العامي زلّة وإلاّ فحاشا أن يقع منهم مثل ذلك مع أنّا لا نعتقد العصمة فيهم ، فممن ذكر شيئا من ذلك فما أجاد ولا وافق السداد ، صاحب كتاب ( قصص العلماء ) فإنّه نقل عن الشيخ أنّه كان يقول : (( إنّ كان العلامة والشهيد مجتهدين ، فأنا لست بمجتهد ، وإن كان السيد مير علي مجتهداً ، فأنا ثمانية مجتهدين )) وهذا من الخلط الذي لا ينبغي ، وأنت على فرض صحتها لا تخفى عليك الأوجه والمعاذير ، مع علمك بأنّ الحق مع كلّ منهما ، وأنّه عليه يسير ، وأنا أظن ظناً قويا أن كل هذا لا أصل له ، كيف وقد رأيت من تعظيم الشيخ لهذا السيد العظيم ما يبعد معه صدور هذا الأمر الذميم ، قال الشيخ في ( الحق المبين ) ما هذا نصه ( واجتمعت مع أعظم علمائهم فقال لي : رأيت في رسالتك ورسالة السيد علي يعني زبدة المجتهدين ، وأفضل العلماء العاملين ، مولانا ومقتدنا السيد مير علي دام ظله السامي ) . انتهى محل الحاجة .

وإن شئت قلت ما أنا والدخول بين هؤلاء الأولياء المقرّبين ، ومثل السيد محسن([53]) منع عن ذلك ، فكيف بمثلي وهاهم قد وفدوا على رب كريم ،  فأحلّهم دار المقامة ، لا يمسهم فيها نصب ولا لغوب ، يطوف عليهم ولدان مخلدون ، بأكواب وأباريق ، وكأس من معين ، ونزعنا ما في صدورهم من غل ، أخوانا على سرر متقابلين .

ونحن نسأل الله أن يدخلنا في زمرتهم ، ويرزقنا شفاعة حججه وشفاعتهم . وهذا القدر كان في الأنباء عن ضمَّ الشيخ للرئاستين ، وجمعه لأقصى ما يتصور من هاتيك المنزلتين .

رابعاً : صفاته

أمّا تواضعه للشريف والوضيع ، مع هيبة وصولة تريعان قلب البطل المريع([54]) اللتان أعرب عنهما في كتاب ( روضات الجنات ) حيث قال ما نصه : ( ومن صفاته المرضية ، أنّه كان رحمه الله شديد التواضع والخفض واللين ، فاقد التجبر والكبر على المؤمنين مع ما فيه من الاقتدار والهيبة والوقار والصولة ، فلم يكن يمتاز في ظاهر هيئته عن واحد من الأعراب ، وترتعد من كمال هيبته فرائص أولي الألباب ، وكان أبيض الرأس واللحية في أزمنة مشيبة ، كبير الجثة ، رفيع الهمة ، سمحا شجاعا ، قويا في دينه بصيراً في أمره ، كثير التشوق إلى الأنكحة والطعام والتعلّق بأبواب الملوك والخدام لأجل مافي ذلك من المنافع اليقينية والمصالح الدينة ) . انتهى .

فقد كان (رحمه الله ) إذا نزل([55]) إلى بلد أو مصر التمسوه على الصلاة في مسجدها الكبير فيجيبهم ، ثم يخرج فيصلي أولى الفريضتين ، ويقدم في الثانية صاحب المسجد الذي يصلي فيه إماما سائر الأيام فاتفق له لما كان بأصفهان أنّه وصل إلى محلة ( بيدا دماد ) فدخل المغرب ، وكانت عادته في أصفهان أنّه أينما دخل عليه الوقت صلى في المسجد الذي هو قريب ، فدخل إلى مسجد تلك المحلة وكان يصلي فيه حجة الإسلام السيد محمد باقر([56]) ، فلما رأى الشيخ قدّمه –وكان أستاذه- وتنحى عن المحراب ، فصلى الشيخ المغرب بالناس ، ثم التفتَ إلى الصفوف فرأى قريبا منه ملا علي النوري([57]) فقال له : قم فصلِ بنا العشاء ، فامتنع الأخوند ، وأصر على الاباء ، فأخذ الشيخ بكفّه ، فقال له الأخوند : أقسمت عليك بالمرتضى (عليه السلام ) ألاّ كففت عنّي لأن شرائط الإمامة غير مجتمعة فيَّ ، فقال : أما يقبح بالرجل أن يبلغ هذا القدر من العمر ولم يك صالحاً ، لأن يكون إماما ، ثم أمر حجة الأسلام([58]) فصلى بالناس ، وصلى الشيخ خلفه كذا في كتاب ( قصص العلماء ) . وهذا وإنْ كان غاية في التواضع وحسن الأخلاق إلاَّ أنَّ الأعجب منه ما ذكره في ذلك الكتاب من أنّ الشيخ وصل إليه حق ففرّقه بين الصلاتين على المستحقين ، فلمّا نفذ أتى إليه سيد فقير رث الثياب الحماقة تلوح على شمائله ، فقال للشيخ : أعطني حق جدي ، فقال الشيخ : قد نفذ ولم يبقَ شيء فَلمَ لَمْ تجيء أوّلاً حتى تأخذ نصيبك منه ، فجمع السيد ماء فمه وبصق على كريمة الشيخ المباركة ، ورمته الناس بأبصارهم شزراً وأرادوا أن يقطّعوه بأضراسهم وجعلوا ينتظرون صنع الشيخ فيه ، فقال الشيخ له : اجلس يا سيدي مكانك وأنا أتيك الآن بما تريد ، فأخذ الشيخ طرفي ثوبه بيده وجعل يدور 

بنفسه بين الصفوف وهو قابض بيده الأخرى على كريمته قائلاً : من كانت لحية شيخه عزيزة عليه فليمد لإعانة هذا السيد المبارك يديه ، فتعجّب الحاضرون ، وما كان إلاّ يسير حتى امتلأ رداء الشيخ بالدراهم والدنانير فجاء بها إلى السيد ، وقال له : نرجوك العفو يا سيدنا والشفاعة عند جدّك ، ولم يزل يعتذر إليه ، ويتضرّع بين يديه ، حتى قال السيد : عفوت عنك ، وأخذ المال ومضى ورجع الشيخ إلى صلاته . وأنا بعد هذه لا أذكر لك في تواضعه شيئاً ، فأنت خبير أنّ هذه ليست إلاّ ملكة نبي مكرّم ، أو إمام معظّم ، وما هي إلاَّ العصمة المقتبسة من الأئمة عليهم السلام ، إذ لو تكلم الشيخ بحرف واحد أو أظهر الكدورة والانزعاج لصار السيد هباء ، ولعاد وجوده وعدمه سواء .

خامساً : جوده وكرمه

وأمّا جوده وكرمه على المساكين ، وسعيه لفقراء المؤمنين ، فقد سمعت كثيراً من الشَيَبة الصالحين ، كما هو في كتاب ( قصص العلماء ) أيضا أنّ الشيخ في أغلب الأعوام والسنين يرهن داره وينفق الأموال على الفقراء والمساكين ، من الطلبة والمشتغلين ، ثم يسافر إلى العجم ، ويأتي بمال جم ، فيسترجع داره ويصرف الباقي في الوجوه . وفي كتاب ( روضات الجنات ) أنّه كان يؤجر نفسه للعبادة ثلاثين سنة ، ويصرف ذلك على متعلقيه ، وقال عمي العباس بن الحسن لا زالت مناهل فيوضاته مترعة للواردين في نبذته التي جمع فيها أحوال أبيه الحسن بن جعفر ، فمما ذكر في مقام : أنّ الإمام عليه السلام لم يزل يمد العلماء الذين يرى منهم القابلية ، ويؤيدهم بالتأييدات الربّانية ، ومنهم والده المطهّر حيث رزقه الله الهيبة والعظمة في نفوس الأمراء والسلاطين حتى دفع عن أهل النجف بواقعة نجيب باشا الآتية إن شاء الله تفصيلا . ولم يزل في ذلك حتى قال : وكيف لا وهذا جدّنا كاشف الغطاء بلغ في بدء أمره من الحاجة والفقر إلى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت حتى أنّه كان يتربص الفرص في المال الذي أعرض عنه صاحبه من الطعام وغيره ، فيتجزى منه بمعاشه وهو مكب على التحصيل إلى أن وصل أمره إلى جلوسه ليلاً بين مواضع النجو([59]) المعدّة في الصحن الشريف كي يستضيء بسراجها الموقوف لها في المطالعة من حيث عجزه عن قيمته ، وهو مع هذه الحاجة شكا إليه بعض إخوانه العزوبة لعدم تمكنه على الزواج ، فأجَّر الشيخ نفسه نيابة عن ميت مقداراً من السنين صوما وصلاة ، ودفع مال الإجازة إلى أخيه المؤمن فتزوج بها .

وسمعت منه –أعني من جانب الشيخ عباس سلمه الله ، ومن جماعة من الشيبة الصالحين أنّ هذه القصة مع الشيخ حسين نجف العابد الزاهد الفقيه المعروف ، فإنّه شكا العزوبة إلى الشيخ ، وكانا خليلين وأنّه لا يقدر على المهر ، فأجَّر الشيخ نفسه للعبادة بمقدار كثير من المال وبذله للشيخ حسين ، ولم يخبره بذلك ، وهذا مما لا يلمُّ بفكر أحد من الخلق في بلوغ الشيخ إلى هذه الدرجة .

ولمّا عرف الإمام (عليه السلام ) منه صدق النية وأن لا قصد له في طلب العلم إلاَّ التقرب إلى الله وإليه ، أمدّه بأكسير الطاقة حتى بلغ مرتبة تيسر فيها كلما يريد ، وصار من الجلالة وعلو القدر بمقام لا يمكن وصفه ، وطاف أغلب البلاد وهدى الله به خلقاً كثيراً ، وانتشر صيته في الآفاق ، فراجع ما رسمه بعض العلماء من أوصاف لتقف على العجب العجاب الذي يستكشف فيه أنه منظور من إمامه ، فكم فرّج كربةً ، وأزاح علّة ، وكم حرس النجف الأشرف من كيد سعود([60]) وشرّه ، وصار سبباً لبناء السور الموجود ، ودفع عن أهاليها الضيم مراراً ، وقتل المارقين من فرقة عقيل في الفيحاء([61]) ، وأخمد نار بعض الفرق المشبهة ، وشتت شمل أهل التصوف بمساعدة الملك المؤيد الساري بسيرة العدل في الرعية سلطان إيران فتح علي شاه قاجار .

ومما اختص به دون غيره من مشاهير العلماء أن حباه الله بصحة المزاج ، وأنعم عليه بأن تمكّن من السفر والعبادة ، وخصّه بأن أبقى بعده من بنيه علماء راشدين مسلّم لهم بالفضيلة ، ولم يخلُ داره من عالم يدعو إلى الخير ، وتجري على يده الخيرات وينفس عن المكروب . وروى لي جماعة ممن يوثق بهم عنه أنّه سأل الله تعالى في المقام تحت الميزاب عام حجّه بأن لا يخلي الله بيته من العلم ، وأن يجعل في ذريته من يقتدي به إلى ظهور الحجة (عليهم السلام) ، فنسأل الله ذلك وأن يستجيب دعاه([62]) .

وأعجب ما اختص به أن جعل الله أسباطه من بناته كلهم أيضا علماء يقتدى بهم ببركته مثل أولاد الشيخ أسدالله([63]) ، وأولاد الشيخ محمد تقي([64]) ، وأولاد الشيخ محمد آل الشيخ خضر ، فإنّه أعقب من بنته الشيخ راضيا العالم الفاضل المعروف ، ولو شئنا أن نذكر ما وقفنا عليه من صفاته وحالاته وما منحه الله لملأنا الطروس به ، ولكن حيث تعرض لبعض ذلك غيرنا طوينا عنه كشحاً ، فاعتبر آثاره ، فهذا يكفي في جلالة قدره وعظم مرتبته ، فنرجوا أن يقيض لنا الله في هذا العصر علما للشريعة الغراء منظوراً من إمامه عليه السلام . انتهى .

وسنذكر إنْ شاء الله جميع آثاره ومساعيه في الدين التي أشار إليها العم سلّمه الله .

وفي كتاب ( قصص العلماء ) شواهد كثيرة لما نحن فيه من جود الشيخ وأياديه ، منها : أنّه كان ما بين الصلاتين يأخذ بكفيه طرف ردائه ويتردد ما بين الصفوف ويلتمس من أهل الجماعة الأموال للفقراء حتى يجتمع فيه مقدار غزير فيناديهم ويفرقه فيهم ويعود لصلاته .

ومنها : أنّ الشيخ كان من عوائده إذا دعاه حاكم أو ظالم أو أحد التجار ليشرف داره ويتناول من طعامه أجابه لذلك فإذا مدَّ الخوان([65]) ، وحَضرت الأطعمة والألوان ، قوّمها الشيخ مع الحاضرين بقيمتها الواقعية ، ثم قال لصاحب الدار أنا لا أكل شيئاً منها ولا آذن لأحد بذلك حتى تبتاعها مني وتعطيني الثمن ، فيحضر صاحب المكان ثمنها للشيخ فيأذن للحاضرين ويأكل هو منها حتى أنّه حضر عند بعضهم بعض الأيام فقوّم ما أحضر من الطعام ، وكانت وليمة عظيمة يبلغ مصرفها ثلاثمائة دينار أو أزيد ، فلم يأذن لأحد بالتناول حتى حضر المبلغ لديه فكان ناقصاً ديناراً واحداً ، فقال صاحب المكان يا مولانا نخشى أن يبرد الزاد ، فَكُلْ ولا تخرج من الدار حتى تأخذ الدينار ، فأبى وأمتنع عن الأكل حتى أحضر لديه فأكل وأذن للحاضرين حتى إذا فرغ بعث رسوله إلى أهل المدارس وفقراء البلد فأحضرهم بخدمة الشيخ ، وفرق المال عليهم وقام وليس معه من المال شيء .

ومنها : أنّ الشيخ لما عزم على الرّحيل من أصفهان ، وركب راحلته خارجاً من داره أتاه سيد فأخذ بلجام دابته ، وقال له : أنا سيد محتاج مضطر إلى قدر مائة تومان ، وأريدها الآن منك ، وكان أمين الدولة يومئذ حاكم أصفهان ، فقال الشيخ للسيد : أمضِ إلى أمين الدولة وقل له يقول الشيخ أعطني المقدار المذكور ، فقال السيد فإنْ ردّني فمن لي بك وأنت راحل ؟ فقال الشيخ لا بل أنا في مكاني حتى تأتي ، فأوقف الشيخ دابَّتَهُ وهو عليها ، ومضى السيد إلى أمين الدولة وقصَّ عليه الخبر ، وقال له تركت الشيخ منتظراً لي وهو على راحلته في أثناء الطريق ، فانزعج أمين الدولة لذلك وأمر ملازميه بإحضار المقدار عاجلاً ، فجاؤوه بكيس فيه ما يزيد على ذلك القدر فجلسوا يعدّون منه للسيد ، فقال أعطوه بما فيه ، فقيل له فيه ما يزيد على مائتي ألف ، فقال ولو بعشرة ، فإنّي أخشى أن يطول انتظار الشيخ فيأتي ويقع البلاء علينا بواسطة تعطيله ، فأخذ السيد الكيس ، وأتى الشيخ فوجده على دابته ينتظره وخلفه خلق كثير ، فأخذ الكيس من السيد وعدَّ له طلبته ، وقال له : أَعْلِمْ فقراء البلد فليأتوا ووقف حتى اجتمعوا وفرّق المال الباقي فيهم أجمع ثم حرَّك راحلته وتوجه إلى قصده .

ومنها : لما شرّف قزوين ، وحط رجله في دار ملاّ عبدالوهاب([66]) ، اجتمعت عليه حكام سراي الشاه وأعيان التجار وطلبوا منه أن يشرّفَ منازلهم على مقتضى العادة من البازديد([67]) المعروف في زماننا ، فالتمسوا من ملا عبدالوهاب ذلك ، فرجّح للشيخ هذا الأمر فأجاب إليه وخرج مع أصحابه الأطياب وبخدمتهم ملا عبدالوهاب ، فلما وصلوا إلى السوق أقبل التجار وولاة سراي الشاه وحكام البلد مسرعين ، فاستقبلوا الشيخ وقبلوا يديه واصطفوا خلفه ووقع بينهم النزاع والجدال وكل يروم أن يشرّف الشيخ داره أولا ، فعرض عبدالوهاب مشاجرة القوم بخدمة الشيخ فجلس الشيخ وسط السوق ، وقال من أهدى للشيخ هدية أنفس من هدية أصحابه شرف الشيخ داره قبل أصحابه ، فَكُلٌّ أتى بشيء تناوله من السوّق عجلا من شالة نفيسه أو عباءة ثمينة أو غير ذلك ، حتى جاء بعضهم بطشت كبير مملؤا بالدراهم والدنانير ، فقال له الشيخ : أنت أوّل من أدخل داره ثم أمر بعض صحبه فجمع له الفقراء والمساكين ففرق تلك الأموال بينهم وقام إلى الدار ، وليس معه درهم ولادينار ، ولعلك لا ترى بهذا الفعل حسناً كثيراً أو تسال عن وجهه وسببه ، لكن قال في كتاب ( قصص العلماء ) ما هذا نصه : ( يقول مؤلف الكتاب : ولا تحسب أن بهذا المال شبهة أو إشكال ، فإنّ الشيخ كان يعلم أنّ ذمم هؤلاء مشغولة بأغلب الحقوق من زكوات وأخماس ومراد مظالم وغير ذلك ، ويرى أنّ استيفاء حقوق الله واجبة بأي طريق كان خصوصاً بالنسبة إلى مثله نظراً إلى عموم الولاية ومراعاة حق الفقراء ) . انتهى .

ويؤيده قول السيد في كتاب ( روضات الجنات ) ونصه : ( وكان الشيخ ( رحمه الله) يرى استيفاء حقوق الله تعالى على سبيل القهر والخرق من الخلق ، ويباشر ذلك أيضا بنفسه ويصرفه بمحض القبض إلى مستحقيه الحاضرين من أهل الفاقه والفقر .

ونقل أنّه في بادئ أمره كان ذا عيلة شديدة في مسغبة ومسكنة ذات متربة([68]) ، فرأى أن يؤجر نفسه من بعضهم لأتمام ثلاثين سنة من العبادة يستغنى بأجرتها عن مؤونة زمان التحصيل )([69]) . انتهى .

ولم تزل (رحمه الله ) هذه عادته ، وعلى هذا المنوال سيرته ، فكان إذا قبض الحق لا يستقر عنده دقيقة ، ولا يقوم من مكانه إلاَّ وقد أوصله إلى مستحقيه ، وكان إذا أتاه حق وإلى جنبه سيد أو مستحق ولو كان واحد أعطاه الحق ولو كان ألف ، ويقول : إنّ خير العطاء ما أثرى منه العديم ، وفك به الغريم ، وأشبع جائعاً ، وكسا عارياً ، وأحسن النوال ما إذا قام عنك السيد مسروراً ، وانقلب إلى أهله بالخير والحبور .

وكان ( رحمه الله ) طالما يؤثر الفقراء والسادات على نفسه وأنفس أهله وأولاده ولو كان به وبهم خصاصة([70]) ، فمنه ما في كتاب ( معدن الشرف ) أنّ ولده المحقق الشيخ علي تراكمت عليه الديون وأقلقته الحاجة وأزعجته الفاقه ، فجاء لأبيه حق غزير ، وكان قد شكا إليه أحواله ، وأنّه ممن ينطبق عليه حق الفقراء فحمل له من ذلك المال مقداراً معينا ، فأخذها الشيخ علي ، ولم يعلم به أحد من أهله وعياله وجعلها في صرة وأخفاها بين كتبه ، لِيفِ بهادينه ويصلح حاله ، فاتفق مجيء مستعطٍ من الشيخ الكبير بعد نفاد ذلك الحق الغزير ، فشكا إلى الشيخ الحاجة وضيق المعاش ، فأقسم له الشيخ بعدم وجود شيء عنده ولا تحت يديه ، فهمّ السيد بالخروج ، فقال له : عزيزٌ علي أن يدخل إليَّ طالب فينقلب خائب ، فقف مكانك عسى أن يهيء الله لك شيئاً عند أهلي أو أولادي ، فتركه ودخل على ولده الشيخ علي ، وقال : يا ولدي ما تقول فيمن قد ادخر مالا له وبات مكتفيا شابعاً ، وبات أخوه المؤمن محتاجا جائعاً ، فقال بئس الرجل ذاك يا أبتِ ، فقال له : فامدد يدك وأعطني الصرة التي بين كتبك لأفرّج بها عن أخيك المؤمن كربته ، وأبرّد غلّته ، ولا تكن أنت ذلك الرجل الذي عِبْتَهُ ، فعندها لم يستطع علي  مخالفته ، فدفع له صرته ، ودفعها الشيخ إلى ذلك المحتاج ، وردت الفاقة إلى علي كما كانت .

 ولك بهذا المقدار من سجايا الشيخ وصفاته كفاية ، فإنّ مآثره ومكارمه ليس لها حدّ ولا غاية ، فأنّى ومن منحه هذه المكارم الجليلة ، طالما سمعت من الشيبة الصالحين أمثال ما ذكرته بما ينيف على الألوف من الصنائع الجميلة خصوصا في أهل النجف ، وأنّه كان يشتري لهم الدور والمساكن ويبذل لهم مصارف الأعراس وغير ذلك من اللوازم والضروريات ، ولكنا ذكرنا لك في كل مقام نبذة من مآثره يسيرة ، تدلك على منزلة عند الله كبيرة ، فلننتقل إلى ذكر أسفاره ، وما اتفق له فيها وفي إحضاره من الحوادث العظيمة ، والوقائع المشهورة ، والنكات المستحسنة ، والتخلصات اللطيفة ، وهذا هو .


([1]) كتاب شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام /لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الهذلي الحلي المعروف بالمحقق الحلي ، ولد سنة ( 602 هـ ) وتوفي سنة ( 676 هـ ) .

([2]) السيد إبراهيم القزويني .

([3]) قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام لأبي منصور الحسن بن يوسف ابن المطهر الحلي المعروف بالعلامة الحلي ولد سنة ( 648 هـ ) وتوفي سنة ( 726 هـ ) .

([4]) المقصود بالبيت : السطر .

([5]) قصص العلماء / السيد إبراهيم القزويني .

([6]) المقصود الشيخ علي ابن الشيخ جعفر الكبير .

([7]) المولى الشيخ أحمد ابن المولى محمد مهدي النراقي الكاشاني ، عالم كبير وفقيه بارع ، ومصنّف جليل ، وجامع متبحر ، ورئيس مطاع ، ولد سنة ( 1185 هـ ) وتوفي سنة ( 1245 هـ ) . أنظر : طبقات الشيعة /أغا بزرك / الكرام البررة : 2/116 .

([8]) أبو عبدالله محمد بن مكي العاملي الجزيني ، ولد سنة ( 734 هـ ) وتوفي مقتولاً بالسيف سنة ( 786 هـ ) . أنظر : الكنى والألقاب / عباس القمي : 2 / 231 .

([9]) الأستاذ الأكبر ومعلم البشر المحقق المدقق ركن الطائفة وعمادها ، وأورع نساكها وعبادها ، عّلامة الزمان ونادرة الدوران المولى محمد باقر بن محمد أكمل المتصل نسبه بالشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان العكبري الحارثي . ولد سنة ( 1118 هـ ) وتوفي سنة ( 1205 هـ ) . وقبره في رواق الحضرة الحسينية المطهرة . أنظر : الكنى والألقاب / عباس القمي : 2/ 97 .

([10]) عماد الشيعة ورافع أعلام الشريعة ، شيخ الطائفة على الإطلاق ، ورئيسها الذي تلوى إليه الأعناق أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي ، ولد سنة ( 385 هـ ) وتوفي سنة ( 460 هـ ) . أنظر : الكنى والألقاب / عباس القمي : 2 / 357 .

([11]) بغية الطالب رسالة عملية في الطهارة والصلاة .

([12]) الشيخ الحكيم المتكلم البارع في المعقول المحقق الجليل ، أخذ عنه جماعة من أفاضل المحققين ومنهم الشيخ هادي السبزواري صاحب المنظومة ، توفي سنة ( 1247 هـ ) .

([13]) كان من العلماء الزهاد والوعاظ العباد والمرتاضين المجاهدين والحفاظ الثقات والفقهاء الأجلاء العدول ، وله آثار منها ( منظومة في أصول الفقه ) ، توفي في خراسان في حدود سنة ( 1311 هـ ) بعد انتقاله إليها من النجف الأشرف .

أنظر : طبقات أعلام الشيعة / أغا بزرك / نقباء البشر : 1 / 1322 .

([14]) وردت في المخطوطة لفظة ( الحجر ) بدلاً من لفظ ( الغرف ) ، والصواب هو ما أثبتناه من لفظ ( الغرفة ) بدلاً من لفظ ( الحجرة ) ، لأنّ الحجر جمع حجرة ، وهي ماحُجِرَ عليه من الأرض ، ومنها حجرة الدار ، فما كان على الأرض فهو حجرةٌ ، وما كان في طابقٍ عالٍ فهو غُرْفة .

([15]) هو ثابت بن دينار الثمالي ، وثمالة من الأزد ، كان من زهاد أهل الكوفة ومشايخها ، قال الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام : (( أبو حمزة في زمانه كسلمان الفارسي في زمانه ) توفي سنة ( 150 هـ ) .

أنظر : الكنى والألقاب / عباس القمي : 22، 118.

([16]) الخُوان : مايُؤكل عليه الطعام .

([17]) وردت في المخطوطة ( أبوه ) .

([18]) المقصود هنا بنت الصدر الأعظم .

([19]) كتاب فارسي منظوم لملا جلال الدين محمد بن محمد البلخي القوني المتوفي سنة ( 670 هـ ) أعتمد عليه طائفة المولوية وغيرهم . أنظر : كشف الظنون / حاجي خليفة :2 / 1587 .

([20]) نوع من أنواع الأقمشة الشتوية الثقيلة .

([21]) سورة الأنبياء  : 52  .

([22]) سورة الأنبياء : 52 ، 53  .

([23]) سورة الإسراء :27  .

([24]) وهي غرفة ديوان كبيرة مأخوذة من الطنب ، وفي هذا الزمان تسمى غرفة الاستقبال .

([25]) الشيخ المولى محمد تقي بن محمد البرغاني القزويني الشهير بالشهيد الثالث ، من جهابذة علماء الإمامية ومشاهير فقهائهم المجاهدين في القرن الثالث عشر ، استشهد على أيدي أتباع الفرقة الضالة البابية في سنة ( 1263 هـ ) ، ومن مؤلفاته ( مجالس المتقين ) و( عيون الأصول ) و( منهج الرشاد في شرح شرائع الإسلام ) .

أنظر : طبقات أعلام الشيعة / آغا بزرك / الكرام البررة : 2 / 226 .

([26]) ورد في المخطوطة ( محمد علي ) .

([27]) ورد في المخطوطة ( قرابة ) .

([28]) أسمها فاطمة وكنيتها ( أم سلمى ) وسميت بـ ( رزين تاج ) ، ولدت سنة ( 1231 هـ – 1817 م ) في قزوين من أسرة دينية معروفة ، والدها هو ملا صالح القزويني ، كانت لها علاقة مع السيد كاظم الرشتي ، ودرست كتب الشيخ أحمد الأحسائي ، اعتنقت البابية ، وسافرت إلى كربلاء وكانت خطيبة بارعة ، واعتبرت ركنا رابعاً للشيخية .

انظر : لمحات اجتماعية / د . علي الوردي : 2 / 152 .

([29]) وردت في المخطوطة ( حظي ) ، ولا أرى للفظ ( حظي ) وجها هنا ، فلعلها مصحّفة من حضي أي حثي كما يدل على ذلك سياق الكلام .

([30]) الجهبذ : الناقد الخبير .

([31]) بغية الطالب .

([32]) قوله هذا مأخوذ من قوله تعالى { هَلْ أَتَى على الإنسان حِينٌ مِنَ الدّهْرِ لَمْ يكُن شَيْئاً مَذْكُوراً } سورة الانسان : 1 .

([33]) وردت في المخطوطة شفيع .

([34]) ورد في المخطوطة ( البلوجردي ) والصحيح ما ذكرناه ، وهو السيد شفيع ابن السيد علي أكبر الموسوي الجابلاقي البروجردي من أكابر علماء عصره ، هبط بروجرد فكان من مراجعها الأجلاء ، وفقهائها الأعاظم ، وذُكِرُ من مؤلفاته ( الروضة البهية في الإجازة الشفيعية ) ، توفي سنة ( 1280 هـ ) .

أنظر : طبقات أعلام الشيعة / اغا بزرك / الكرام البررة : 2 / 625 .

([35]) الإمام العلامة الفقيه السيد محمد المهدي ابن السيد مرتضى ابن السيد محمد الطباطبائي الحسني الملقب ببحر العلوم ، كان سيد علماء الأعلام ، ومولى فضلاء الإسلام ، علاّمة دهره وزمانه ، ووحيد عصره وأوانه ، ولد سنة ( 1115 هـ ) وتوفي سنة ( 1212 هـ ) . وهو جد الأسرة الجليلة آل بحر العلوم في النجف الأشرف . أنظر : الكنى والألقاب / عباس القمي : 2/ 59 .

([36]) كان فتح علي شاه حاكما عادلا حكيما في تصرفه تقيّاً في دينه حليما عند الحكم كريما عند الكرم ، تولى الملك سنة ( 1797 ) ميلادية بعد آقا محمد شاه ابن أخيه ، له عدة وقائع مع العثمانيين والروس من الحروب ، عاش ( 67 ) عام ، وملك ( 37 ) سنة ، توفي سنة ( 1834 ) ميلادية الموافق سنة ( 1250 ) هجرية أنظر : تاريخ إيران / شاهين مكاريوس : 235 .

([37]) الشيخ أسد الله بن إسماعيل الدزفولي الكاظمي من مشاهير علماء عصره ، وأكابر فقهائه المحققين المؤسسين ، ولد في حدود سنة ( 1186 هـ ) توفي سنة ( 1234 هـ ) ، ومن أشهر أساتذته السيد مهدي بحر العلوم ، والشيخ جعفر كاشف الغطاء ، والوحيد البهبهاني ، ومن أشهر مصنفاته ( مقباس الأنوار ونفائس الأسرار في أحكام النبي المختار وعترته الأطهار ) .

أنظر : طبقات أعلام الشيعة ، أغا بزرك / الكرام البررة / 2 / 122 .

([38]) وردت في المخطوطة ( المقابيس ) .

([39]) الخِريّتُ : الدليل الحاذق .

([40]) اللَّوذَعِي : الذكي والحديد الفؤاد .

([41]) السيد عبدالله ابن السيد محمد رضا الشبر الحسيني الكاظمي الفاضل النبيل والمحدث الجليل والفقيه المتبحر والمحدث الجليل من آثاره شرح المفاتيح وكتاب جامع المعارف والأحكام وكتب كثيرة في التفسير والحديث والفقه وأصول الدين وغيرها ، توفي سنة ( 1242 هـ ) . أنظر : الكنى والألقاب / الشيخ عباس القمي : 2 / 318 .

([42]) كتاب السيد عبد الله شبر طبع بعنوان ( مصابيح الانوار في حلّ مشكلات الأخبار ) وجاء في الجزء الاول ص4 النص التالي :

( مارويته بأسانيد عديدة وطرق سديدة عن جملة مشايخي الكرام وأساتيذي العظام ومنهم - وهو أعهم شأنا ، وأرفعهم مكاناً ، وأقومهم برهانا - قدوة الأنام شيخنا ومولانا الشيخ جعفر النجفي ، مد الله ظله على العالمين وأدام فضله على المسلمين ) .

([43]) سبق ترجمته .

([44]) أبان بن تغلب بن رباح مولى بني جرير ، كان عظيم المنزلة ، لقى الإمام علي بن الحسين ، وأبا جعفر الباقر وأبا عبدالله الصادق (عليهم السلام) ، وكانت له عندهم منزلة وقِدَم ، توفي سنة ( 141 هـ ) .

أنظر : معجم رجال الحديث / السيد الخوئي : 1 / 133 .

([45]) كان أبان إذا قدم المدينة تقوضت إليه الخلق ، وأخليت له سارية النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرنا أحمد بن عبدالواحد ، قال : حدثنا علي بن محمد القرشي سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة ، وفيها مات قال : حدثنا علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد بن عبدالله بن زرارة ، عن محمد ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : ( كنا في مجلس أبان بن تغلب فجاءه شاب فقال : يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب عليه السلام من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ؟ قال : فقال له أبان  كأنك تريد أن تعرف فضل علي بمن تبعه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال الرجل : هو ذلك ، فقال : والله ما عرفنا فضلهم إلاّ باتباعهم إياه .

أنظر : معجم رجال الحديث / السيد الخوئي : 1 / 134 .

([46]) وهو من أعلام المجتهدين ، وأعاظم الفقهاء المحققين يتصل نسبه مع نسب السيد محمد المهدي بحر العلوم الطباطبائي ومن أشهر مصنفاته كتاب ( الرياض ) ، توفي سنة ( 1231 هـ ) .

([47]) هو السيد محمد الجواد ابن السيد محمد ابن السيد محمد الحسيني العاملي الشقرائي ، من أكابر علماء الإمامية ولد في شقراء من قرى جبل عامل في لبنان في حدود ( 1160 هـ ) ، ثم هاجر إلى العراق وحضر بحث السيد علي صاحب الرياض والوحيد البهبهاني في كربلاء ، ثم هاجر إلى النجف الأشرف وحضر على السيد مهدي بحر العلوم والشيخ جعفر كاشف الغطاء ، وتوفي في النجف الأشرف سنة ( 1226 هـ ) ، ومن أشهر مصنفاته ( مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة ) ألفة بأمر أستاذه كاشف الغطاء أيام اشتغاله عليه . أنظر : طبقات أعلام الشيعة / آغا بزرك / الكرام البررة : 2 / 286 .

([48]) انظر : وقعة صفين / نصر بن مزاحم المنقري المتوفى (212هـ ) / 133-137 ، 477 ، 232 .

([49]) سورة الرعد : 7  .

([50]) السيد محسن ابن السيد حسن الحسيني الكاظمي المعروف بالمحقق الأعرجي ، كان من أفاضل عصره وأفاخم دهره محققا في الأصول الحقة ، وله من المصنفات المشهورة كتاب المحصول في علم الأصول ، وشرح الوافية وسلالة الاجتهاد في الفقه ، ومنظومة في الاشتباه والنظائر ، توفي سنة ( 1240 هـ ) .

أنظر : الكنى والألقاب / الشيخ عباس القمي : 3 / 130 .

([51]) هو العلامة الفقيه الشيخ محمد طه ابن الشيخ مهدي ابن الشيخ محمد رضا ابن الشيخ محمد ابن الحاج نجف الحكم الآبادي ، كان من أكبر المراجع في عصره ، ولد في النجف الأشرف سنة ( 1241 هـ ) وتوفي سنة ( 1323 هـ ) . أنظر : طبقات أعلام الشيعة / آغا بزرك ، نقباء البشر / 1 / 961 .

([52]) الشيخ عباس ابن الشيخ علي ابن الشيخ جعفر كاشف الغطاء .

([53]) المقصود السيد محسن الكاظمي المذكور سابقاً .

([54]) المريع : المخيف .

([55]) محذوف من المخطوطة ( إذا نزل ) .

([56]) السيد محمد باقر الشهير بحجة الإسلام ابن السيد محمد تقي ، ولد في رشت سنة ( 1175 هـ ) ثم هاجر إلى العراق وحضر في كربلاء على الوحيد البهبهاني ثم على السيد علي صاحب ( الرياض ) ، ثم هاجر إلى النجف الأشرف وحضر على السيد مهدي بحر العلوم والشيخ الأكبر جعفر كاشف الغطاء ، ثم سافر إلى الكاظمية فحضر على السيد محسن الأعرجي ( صاحب المحصول ) ومن أشهر آثاره ( مطالع الأنوار في شرح شرائع الإسلام ) ، توفي سنة ( 1260 هـ ) .

أنظر : طبقات أعلام الشيعة / آغا بزرك / الكرام البررة : 2 / 192 .

([57]) سبق ترجمته .

([58]) المقصود حجة الإسلام السيد محمد باقر .

([59]) النجو : ما يخرج من البطن من ريح أو غائط وهو الموضع الذي نطلق عليه اليوم اسم المرافق الصحيَّة .

([60]) يأتي الكلام إنْ شاء الله عن دفاع الشيخ جعفر عن النجف الأشرف من هجوم الوهابيين عليها .

([61]) يأتي الكلام إن شاء الله عن حادثة عقيل بالحلة .

([62]) محقق هذه الرسالة الشريفة أحد مصاديق هذه الدعوة المباركة المستجابة ، حيث كادت أسرة آل كاشف الغطاء أن تخلو ممن يدرس فقه آل محمد (عليهم السلام) من أبنائها ، وكان كاتب هذه السطور أحد طلاب كلية الهندسة ، وفي أحد الليالي عزم على ترك الكلية والالتحاق بالدراسة الدينية ، حتى وفَّقه الله تعالى أن يهدي إلى مسلك آبائه وأجداده عدداً من إخوانه وأقاربه .

([63]) هو الشيخ أسد الله التستري المتوفي سنة (1234هـ ).

([64]) الشيخ محمد تقي بن محمد رحيم الأصفهاني صاحب الحاشية على ( المعالم ) في علم الأصول . توفي سنة (1248 هـ ) .

([65]) الخوان : ما يأكل عليه الطعام .

([66]) الشيخ الميرزا عبدالوهاب بن محمد علي القزويني ، من أعاظم علماء الشيعة في القرن الثالث عشر ، كان من تلاميذ الشيخ الأكبر جعفر كاشف الغطاء ، وولده الشيخ موسى ، والسيد جواد العاملي صاحب ( مفتاح الكرامة ) ، توفي سنة ( 1260 هـ ) .

أنظر : طبقات أعلام الشيعة / أغا بزرك الطهراني / الكرام البررة : 2/809 .

([67]) هو رد زيارة القادم .

([68]) قوله ( في مسغبة ومسكنة ذا متربة ) مأخوذ من قوله تعالى : { أو إِطْعَامٌ في يَومٍِ ذِي مَسْغبةٍ ، يَتِيما ذَا مَقْربَةِ ، أو مِسْكيناً ذا مَتْربةٍ } سورة البلد : 14 ، 15 ، 16 .

([69]) أنظر : روضات الجنات / محمد باقر الخوانساري : 1 / 151 .

([70]) قوله ( ولو كان بهم خصاصة ) مأخوذ من قوله تعالى { ويُؤْثِرُنَ على أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَان بِهِم خَصَاصَةٌ } سورة الحشر : 9 .


 

 

 

 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
Powered By : Sigma ITID