الإثنين, شوال 27, 1445  
 
مقدّمة كتاب العبقات العنبرية

العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية

 

  



مقدّمة كتاب العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية

بسم الله الرحمن الرحيم

{ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ }

سورة الإسراء / 21

 

إنيّ نَظَرْتُ فَمَا وجَدْتُ هَدِيةً

 

 تُهْدَى إليكَ سوَى الدُّعَاءِ الصَّالحِ

 

فَرفَعتُهُ لكَ بَعْدَ كلّ فَريِضَةٍ

 

فَرفَعتُهُ لكَ بَعْدَ كلّ فَريِضَةٍ

 

وَقَرَنتُهُ لكَ بالثَّنَاءِ الرَّاجِحِ

 

وَقَرَنتُهُ لكَ بالثَّنَاءِ الرَّاجِحِ
 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي يصطفي مِنْ عباده مَنْ يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ، والصلاة والسلام على نبيه وخاتم رسله سيد الأنبياء محمد المختار وآله البررة الخيرة .

وبعد : فيقول الحقير الفقير إلى رحمة ربه وشفاعة نبيه البشير النذير العبد محمد المدعو بالحسين كان الله له في الدارين ، وحباه بما تقر به العين . ابن علي خلف محمد المدعو بالرضا بقية موسى بن جعفر كاشف الغطاء ، أمد الله للأحياء بحياتهم, وصعد إليه بأرواح أمواتهم .

إنّه لا يخفى على من تمسك بعرى الإنصاف ، وجانب أسباب الظلم والإعتساف ، حتى صار الصدق لهجة لسانه ، والحق بهجة جنانه ، فلم تجد أريكة النفاق في روضة قلبه مقيلا ، ولم تَرَ حسيكة الحقد والشقاق إلى مهجته سبيلا ، فهو ينظر ببصائر ليس عليها من ظُلم الظُلُم ما يوجب الغباوة ، وبواصر ما ورَّثتها غمائم الغمم شيئاً من العمى والغشاوة ، حتى صار يهتدي بسنا الحق حيثما سار ويرجع إلى هادي الصدق كلما حار([1]) .

فضيلة نشر مناقب العلماء

إنّ الإعتراف بما للأشراف من أكمل الأوصاف ، وأداء حقوق العلماء من أوجب الأشياء ، والثناء على ذوي الفضل بما هم فيه لا يكون إلاّ من ذويه ، والإطراء في محاسن الشرفاء ومناقبهم لا يوجد إلا عند أولي الوفا من أصحابهم ، حيث أن الشريف للشريف نسيب ، فالواجب عليه أن لا يضيع أنسابه ، والكريم من الكريم قريب فاللازم على كل منهما رعي الذمم لتلك القرابة ، إلاَّ أن الناس قد صرمت حبال تلك النسبة ، وخَفَرتْ([2]) عهود تلك القربة ، فنبذوها وراءهم ظهرّيا ، وإنتبذها فريق منهم مكانا قصيا ، فكان يتقيض فيما مضى من القرون وغبر من ينشر على جبهات الأوراق من محاسن أبناء عصره ما ينتظم به سلك دُرَر([3]) ، ويجلو من أخبارهم على جيد الزمان ما يُزري بقلائد العقيان([4]) ، على أنّه كم لا يأمنا من محاسن لأولي الكمال باهرة ، وأنفاس لهم عاطرة ، و مزايا تهزأ بالدراري والدرر ، وتصلح أن تكون في دهم الليالي أوضاح وغرر ليس لها بالنقل والصون كفيل ، ولا في موسم الفضل مثيل ، فهي يتيمة دهرها([5]) ، على أنّها حين تتلى على الأسماع تسكر ألباب أولي النهى فتغتدي سلافة عصرها([6]) ، يفوز تاليها بخلاصة عين الفضل لا خلاصة الأثر([7]) ، ويحظى مشتملها بغرر الكمالات لا غرر الدرر ، وحيث أنّ الله عز وجل منَّ عليَّ بمنة كثَّر بها شرفي وفخري ، فقلَّ عندها حمدي وشكري .

ولو أنَّ لي في كل جارحةٍ فــماً

 

 

وكلُّ به للحَمْدِ والشُّكرِ أَلسُنُ

 

وَرُمْتُ بأنْ أُحصي بها شُكْرَ فَضْلِهِ

 

 

عليَّ لعَادتْ وهِيَ بالعَجْزِ تُعلنُ

 

كيف لا وقد جعلني وأنا أقلّ وأذلّ من كعب النعل .

مِنْ مَعْشرهُمْ لِلعُلى قَلائِـــدُ

 

 

والنّاسُ فيها النّعْلُ والخلاخلُ

 

إذا بَدوا كانوا شُمُوساً في الضُّحَى

 

 

لكنّهم إن نُسِبُوا أصائـِـلُ

 

وتداركني وكنتُ كالشيء اللَّقى

 

 

 

فَصُرْتُ امرأً نمى إلى أَفضْلِ الوَرَى

 

 

عَديداً وأَوْفاهُمْ عُلاً ومَكَارِمَا

 

بَها ليلَ من سودِ الحتوفِ على العِدى

 

 

لقاءً ومن بيضِ السيوفِ عُرائما([8])

 

ترىَ للهُدى منهم نُجوماً وللعِدى

 

 

رجوماً وفي يومِ العَطاءِ خَضَارِما([9])

 

(بِكشْفِ الغِطَا ) للدين شادوا ( قواعداً)

 

 

وأَحيوا له بعد ( الدروس ) (مَعالما)([10])

 

فكم لهم من مزايا ومناقب تلوح في سماء المجد كواكب ، وكم أبقوا من الآثار والسير ما هو في جبهة الدهر أوضاح وغرر ، بهم استقام عمود الدين ، ورغم أنف المنافقين .

 والحاصل أنَّ إحصاء مجدهم ، وحصر شرفهم وسؤددهم مما يضيق عنه نطاق البيان ، ويكل عنه لساني بل لسان كل إنسان ، وحيث أنّ شكر المنعم على الحرِّ ضربة لازم([11]) ، ونهوض العبد بما يستحقه مولاه من أسنى المغانم وجب عليّ أن أذكر ما منحني الله تعالى من شرف الآباء والأجداد ، وما منحهم من النجدة والسّداد ، حامداً شاكراً له ، مُذْعنا إنّي لذلك لم أكن أهله ، بل هو محض تفضل منه وإحسان ، وتكرّم وامتنان ، فلذلك بادرت إلى حفظ ما أنعم به عليهم وعليَّ ، لكيلا تذهب وسيلة الحمد من لدّي ، فأكون ممن ضيّع كرم مولاه وإسداءه ، وقابل إحسانه بالإساءة ، فجمعت في هذه الرسالة بعض أخبارهم التي تتناقلها الرّواة ، فتعبق بشذاها الأندية ، وتقطع مع الركب شاسع الفلوات ، حتى تبتهج بسناها الأباطح والأودية .

مِنْ كُلِّ مَكْرُمةٍ سَارتْ بذكْرهُمُ في حلٍّ ومُرتحلِ

 

 

(سَيْر الجنوبِ بريحِ العَارضِ الهَطلِ)

 

وكلّ فَضِيلةٍ عمّ نورُها السهلَ والجبلِ

 

 

(كالشَّمْسِ عَمَّ سَنَاها سائرَ الدوّلِ )

 

وكلُّ منقبةٍ تهزأ بالنجم إذا اشتعل فهي

 

 

( بلا مثيلٍ سرتْ في الأرضِ كالمثلِ )

 


 

إهداء الكتاب

فجاء بحمد الله خالصاً من العيب صافيا من شوائب الرّيب ، وحيث أنّه يتضمن الشرف المخلد والمجد المؤبد جعلته هدية مني وخدمة لصاحب العز والحشمة ، المُجلّي بسنا مُحيّاه عناكيد الظَّلمة والظُلمة ، الحسن قولا وفعلا ، والمحسن عطاءً وبذلاً بحر الندى ، علم الهدى ، حتف العدى ، السّراج الذي لا يخبو ، والجواد الذي يقدح زناد عزمه ولا يكبو ، والصارم الذي يفري غرار حدّه ولا ينبو ، عليَّ الهمم ، ولي النعّم ، الشاملة للعرب والعجم .

وَلقَدْ قَرنْتُ عُلاهُ في أعْلى الوَرى

 

 

قدراً فَما صَحّ القياسُ وما اقْتَرنْ

 

أتُرى يَصحُّ ولم تكُنْ منْ نسْبةٍ

 

 

يَنجابُ عن (كُبرَى ) القِياسِ بها الوَهنْ

 

قومٌ بِما نَالوهُ خالوا أَنَّهُمْ

 

 

وَصَلُوا وما وصلوا إليه ولَنْ وَلنْ

 

ومن ثم كان للناس إماما ، وللدين دُعاماً ، وللشريعة شعاراً ، وللحق مناراً ، ولليل المشكلات مصباحاً ، ولمقفلاتها مفتاحاً ، وللفخر محلاً ، وللمجد أهلاً ، وللفضل مقاماً ، وللعلم غارباً([12]) وسناما ، وَلِمَ لا يكون كذلك وهو على أنّه حاز من المفاخر ما حاز ، وجاز من ذرى المعالي ما جاز ، وسعى فأدرك ما أمَّل بسعيه وجِدّه ، لابأبيه وجَدّه ، ابن من عرفت من الأساطين ، وصفوة مَنْ طبقت أخبارهم فضلهم الأفاق إلى حدود الصين ، مولانا الأجل ، ومن له العقد والحل ، موسى فرعون الجهل ، وعيسى مؤتى الفضل ، صاحب الفخر نائب الصدر عماد الملّة المؤتمن مولانا وملاذنا محمد الحسن([13]) أدام الله أيام معاليه ، وأبقى على العافين سكب أياديه ، نجل الرضي المرتضى ، العلامة محمد الرضا ، بقية الإمام الأكبر حجة الله في عصره موسى بن جعفر الحلي النجفي ، حَلاّهم الله بلطفه الخفي ، أنّه أمدّ الله ظلّه ممن تغرّب عن الأوطان في طلب مزيد العلى فنالها بعد ما أجهد نفسه في طلب العلوم حتى كاد أن يبعث الفنا لها ، ورأى أن العود في أرضه حطب ، وأن الرّماح الخطيَّة([14]) في بلادها قصب ، وأن المرء لا يبين قدره إلاَّ إذا طال سيره كما قيل :

سَافِرْ إذا حَاوَلتَ قَدراً

 

 

سَارَ الهِلالُ فصَارَ بدراً

 

ولغيره :

لَولا التّنقلُ مَاارتَقَتْ

 

 

دُررُ البُحُور إلى النّحورِ

 

على أنّ قدره أجلّ من أن يضيع ولا يضاع ، ولكن طيبه بعد الاحتراق أكثر شيوعاً ، فألقى عصا التسيار في أم بلاد إيران ، دار العلم والشرف أصفهان ، فكانت له خير موطن ، وكان بها خير مستوطن ، فما زال فيها قبل عشرين سنة إلى هذه الأيام وشرفه وعزّه يتصاعد ويتزايد على الدوام ، حتى بلغه الله من العلياء كلما كان تمنى ورام ، فأتخذها داراً ، وألبسها من يمنه شعاراً ، وكنت أسمع به ولا أراه ، ولكن البدر لا يخفى سناه ، ولم أزل أتمنى التشرف بلقياه ، والحظوة بطلعة محيّاه ، والأيام لا تساعدني بل تباعدني ، واطاردها عما أروم وتطاردني ، فلما أيست من ذلك قلت في نفسي إنّ الميسور ، لا يسقط بالمعسور ، و المراسلة نصف المواصلة ، فجعلت أكاتبه فكانت أجوبته خير عائد وصلة ، وقد عرفتني أنّه واحد زمانه ، وملأ السمع والبصر في حالتي سماعه وعيانه ، و كان بعض أهل الدار يبعثون له بعض الهدايا والتحف من أرض النجف ، وأحببت أن أعقد له مني العبوديّة ، ومنه في حقي المحبة عسى أن يوليني ألتفاته وقربه ، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( تهادوا تحابوا)([15]) .

وحيث أنّه أبقاه الله غني عن الدنيا وما فيها من المتاع الفاني مستغنٍ بما خولّه الله عن كل قاصي وداني أردت أن أهدي له ما يخلد مع الزمان ويتجدد طيبه في كل آن .

وإنِ امْرؤٌ بقِيتْ جَمِيلُ صِفَاتِهِ

 

 

مِنْ بَعْدهِ فَكأنّهُ مَا مَاتَا

 


 

وسمعت أنّه ( دام ظله ) كثيراً ما يتطلب أخبار آبائه وأجداده . ويرغب في جمع ما كان لهم من طريف المجد وتلاده ، فشرعت في جمع هذه الرّسالة جاريا على ما كنت أظنّه موافق مناه وآماله . فبينما أنا مشغول بها إذ ورد من جانبه إلى حضرة الوالد([16]) الماجد ( أدام عزّه ) مكتوب فيه ما حاصله : أنّي أرجوك أن تأمر أحد وليدك أن يجمع لي ما يتعلق بالشيخ الكبير من أخباره وأخبار أولاده وأصهاره وجميع ما يتعلق بهم . وقلت سبحان الله والحمد لله على الأيمان ، فإنّ المؤمن من ينظر بنور الله حدساً فيوافق العيان([17]) ، وعلمت أن قوله عليه السلام (الأرواحُ جُنْدٌ مُجَندَةٌ تتعارف في ظهر الغيب)([18]) حق بلا ريب .

منهجية الكتاب

وحيث أنّي رتبته على الطبقات وذلك أنّي أذكر كل طبقة طبقة مبتدِئاً بأكبرها على حسب أسنانهم ورئاستهم ورجوع الأمر إليهم سميته بـ ( العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية ) ليوافق اسمه مسماه ، و لفظه معناه ، وإن كان الأحرى أن أُسميه هدية الأقل إلى العمّ الأجل ، وقد عرفت بعض ترجمته أيّده الله هنا ، وسيرد عليك الباقي إنْ شاء الله في محلّه والله الهادي إلى الرّشاد ، والموفق للسداد وعليه التكلان وبه المستعان .

فأقول ومن الله أستمد التوفيق إنّه خير رفيق ، إنّ هذه الرسالة مرتبة على مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة .

المقدمة:  فضل العرب وشرفهم

أمّا المقدمة فاعلم أنّ شرف العرب بين سائر البرية من البديهيات الأولية ، لا شك فيه ولا شبه تعتريه وسبب سيادتهم وشرفهم ، زيادة على كون الثقلين([19]) العظيمين منهم أمور : كما استدل به النعمان لكسرى في الخبر المشهور([20]) وهي الفصاحة والبلاغة أولاً ، وحفظ أحسابهم وأنسابهم ثانيا ، والمحافظة على الوفاء ثالثاً ، وإثبات كل واحد من هذه الأشياء على وجه التفصيل يطول به المقام ، ويستلزم الخروج عن المرام . والمتتبع للتواريخ والسير المطلع منها على ما مضى وغبر يحصل له شاهد صدق على ما ادعيناه ، وضمين حق بما ذكرناه .

أمّا البلاغة والوفاء فكفى بك شاهد الوجدان ، وإنْ أبيت فعلى الأوّل الفرقان([21]) ، وعلى الثاني قصة شريك وزير المنذر الذي جعل له يومين ، حيث كفل الأعرابي وعرّض نفسه للحَيْن([22]) ، فما وجبت الشمس إلاَّ وبالأعرابي قد طلع من التلاع والثنايا ، وشريك معلّق بأظفار المنايا ، فتعجّب المنذر من إقدام الرّجلين ، ورفع عن الناس ذينك اليومين المشؤمين ، وسأَلَهُما عن ذلك . فقال شريك خفت أن يقال ذهب الكرم من الوزراء . وقال الأعرابي : خفت أن يقال ذهب من العرب الوفاء([23]) وإن كنت للزيادة طالب فانظر الى قصة قوس حاجب فسترى ثمة عجائب .

وأمّا الثالثة : فقد كانت المحافظة على الأجداد والآباء من أوجب الأشياء ، بل عندهم حفظ الأنساب والأعراض سواء ، إلاّ أنّ الظاهر منهم أنّ حفظ الأنساب للمحافظة على الأحساب ، و طلب الأصول لمن قعد بفرعه الخمول ، طلبا لشرف السابق كي يفتخر به اللاحق ، ودفعاً لعُهْر الأمهات المستلزم لخبائث أحوال الصفات وتنزهاً عن مَظنّة تعدَّد الآباء والفجور ، الداعي لسقوط النسل إلى حضيض أقبح الأمور ، وإلاَّ فمن قام به شرف الأحساب قعد عن التعكز بشرف الأنساب ، ومن ساعدته الجدود ، استغنى عن الآباء والجدود ، لأنّ طيب الحسب أدلّ دليل على طيب النسب ، وَعِلق([24]) النفوس إذا كان ما بين نفيس وأنفس دلّ على نفاسة المغرس ، وطهارة الذات ، وحسن السيرة ، شاهدا عدل على طهارة الآباء وكرم العشيرة ، إلاّ أنّ اجتماع هذه الأمور ، نور على نور ، والفوز بطيب النجار([25]) مع حسن الآثار أجمع لأطراف الفخار .

وحيث أنّ الله ضمّ لنا مع طيب الأخلاق طيب الأعراق ، ومع زكاوة النفس نقاوة الغرس ، ومع حسن السيرة كرم العشيرة ، ومع شواهد الآثار طهارة النجار ، أحببت أن أصدّر هذه الرسالة بهذه المقدّمة ذاكراً انتهاء نسبنا ، ومن ننتسب إليه من مرضّي أصحابنا ، لا مفتخراً بذكر قبيلته وذكره ، وإن كانوا :

بَهاليلٌ في الإسلام سَادوا ولَمْ يَكُن

 

 

كأوّلِهَم في الجاهليّةِ أوّلُ([26])

 

ولا متبجحاً بانتساب آبائي إلى فلان وفلان ، وما شيّدوا وأبانوا ، على أنّه :

نسب كأنّ عليه منْ شَمْسِ الضّحى

 

 

نوراً ومنْ فلقِ الصّباحِ عموداً

 

لعلمي أنّ كلّ واحد من آبائي وأجدادي ينشد وهو في قبره ،

ما بِقومِي شَرُفْتُ بَلْ شَرَفوا بِي

 

 

وبِجدّي فَخَرتُ لا بِجدُودِي([27])

 

كيف لا وأنت تعلم ،

إنّ الذي سَمَكَ السماءَ بنى لنا

 

 

بيتاً دعائمهُ أعزُّ وأطولُ([28])

 

بيتاً به (موسى بن جعفر ) مُحْتبَى

 

 

وأبو الفوارس (جعفرٌ) لا (نهشلُ )

 

بل لأنَّ حفظ شجرة الجرثومة([29]) عادة للعرب قديمة ، ولأنّ بعض الكفرة السّحرة المقتولين على أيدينا بسيف الشريعة المطهّرة قذفوا كل عالم في زمانهم من علماء الحق بنقيصة هي بهم أظهر وفيهم أليق ، كاللواط بالنسبة إلى قوم ، والزندقة إلى آخرين من حجج الله على خلقه ، وحيث لم يجدوا فيمن عاصروه من طائفتنا إلاَّ المتحلّي بكل فضيلة ، المنزّه عن كل رذيلة ، ألجأتهم الحيلة إلى الخدش في نسبه ورميه بما هم أولى به ، حتى أراد الله أن يرح الخلق منه على أيدي حجته ، وأحس الملعون([30]) بأقبال منيته الحائلة بينه وبين أمنيته من إضلال الناس وغوايتهم ، وإخفاض راية حزب الرحّمن ورفع لواء حزب الشيطان ورايتهم ، فأخذ يستعمل شعبذته وسحره أخذاً لدفع المنية بهذه الخرافات حذراً . فأبى الله إلاّ أن يريه حقيقة قول الشاعر :

إذا جاء (موسى ) وألقى العصا

 

 

فقد بَطَلَ السّحرُ والساحرُ

 

لا بل الكفر والكافر ، فوقع القول على الذين ظلموا ، وخسر هنالك المبطلون ، وقطع دابر القوم الذين كفروا ، والحمد لله رب العالمين ، ولكن حيث كان داء الحسد كداء الجرب في السريان ، إلاَّ أنّ الأول مختص بوقوعه من الأنذال على الأعيان طلبا لتلك المنزلة وهي بعيدة المرمى ، وسموا بأنفس تهوى في حضيض الخمول مراتب من السماك([31]) أسمى ، أنتدب فريق من أهل الحقد والضغائن التي كانت في قبور قلوبهم دفائن ، فتحاملوا على تلك السبيكة المصفّاة ، وحاولوا أن تصدأ بخبيث زويراتهم([32]) مرآة نورها وهيهات .

فَغَرَ العَدوُّ يريدُ ذمَّ فضَائِلي

 

 

هَيْهاتَ أَلجمْ فَاك بالجلمودِ

 

هذا مع سفور الحق وتبلجه([33]) ، وظهور الواقع وانكشاف مدرجه([34]) فما هو إلاَّ :

كَضَرائِرِ الحَسْنَاءِ قُلْنَ لوجهِها

 

 

حَسَداً وبَغْياً إنّهُ لدِمِيمُ

 

ما أمكنتهم فرصى إلاّ انتهزوها ، ولا وثبة إلاّ اختلسوها ، ناكبين عن منهج الحق ، مائلين عن مدرج الصدّق آخذين بقول من لم تكشف ذيلها عنه حرّة ولا حّر([35]) . والجامع بينهم وبين الحسد والنفاق إن لم أقل العناد والكفر ، كل ذلك طلبا لغسل عارهم بقذف خيارهم ، ودفعا لمقابحهم ووصماتهم برمي الغير بعاهاتهم إذ لم يجدوا ما يغطي خمولهم سوى انتقاص الأشراف ، ولا ما يستر معايبهم سوى إعابة محاسن الأوصاف ، ولا يُغْلي الزمان أشباههم ونظراءهم إلاّ أن يبخسوا الناس أشياءهم ، ولعل الذي قتل أسلاف هذه الفرقة بسيف الشريعة الغراء ، أن يلحق بهم أجلاف الشيطان خلفهم تارة أخرى ، وأن كفاهم قاتلا . وإنَّ تضييع عَرف([36]) فخرنا لا يزيده إلاّ نشراً ، وإضاعة وتكسيد تجارة مجدنا لا تكسبها إلاّ ربحا وبضاعة :

وإذا أرادَ الله نَشْرَ فَضيلَةِ

 

 

طُويتْ أتاحَ لَها لِسانَ حَسودِ([37])

 

كالعُودِ تُحرقُه لتُخفِيَ طِيْبَه

 

 

فيزيدُ بالإحراقِ طيبُ العُودِ

 

فكم سعوا في هدم ما بناه العزّ ، ويأبى الله إلاَّ أن تشاد منه القلاع والحصون ، وأرادوا أن يطفِئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلاّ أن يتم نوره ولو كره الكافرون([38]) . على أنه لا لوم على من نجم به جدّه ، وأطلعه في فلك العلياء سعده ، وسارت مع النيران مآثره ، واشتهرت كالشمس في رابعة النهار نوادره وسرائره .


 

 

 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
Powered By : Sigma ITID