يكشنبه 16 ارديبهشت 1403  
 
 
مقدمة كتبها شيخنا الامام على كتابه جنة المأوى

 جنة المأوى

آية الله العظمى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء "قدس سره"

  



مقدمة كتبها شيخنا الامام (رحمه الله) على كتابه جنة المأوى

بسم الله الرحمن الرحيم

رب هب لي حكماً والحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

ذكرنا في مقدمة (الفردوس) رغبتنا بعد اصداره بأن نشفعه بجزء ثانِ يكون عنوانه (جنة المأوى) خاصة بالأئمة المعصومين وجدّهم سيد المرسلين او يكون اكثره فيهم مما سبق صدوره منا حسب المناسبات والظروف الخاصة والطلبات الملحة من ارباب الصحف وغيرهم من رؤوس الجمعيات والنوادي والحفلات التي تعقد بمناسبة ولادة او شهادة، واعياد دينية او مذهبية كعيد المولود النبوي او عيد الغدير او عيد ولادة الأمير (عليه السلام) وما الى ذلك من الأفراح والأتراح وفاقاً لقولهم سلام الله عليهم: (شيعتنا يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا)، وحيث ان تلك الآثار التي رشح بها يراعنا قد ذهبت منّا شعاعاً ولم نحتفظ لا بالأصل ولا بالصحف التي نشرت فيها ولم يبق عندنا الا اوراق مبعثرة في اماكن متفرّقة، وكنّا نحسب مواده جاهزة لا يعوزها سوى النظم والترتيب واستبان بعد المراجعة انّ جمعها يحتاج الى عمل شاق وجهود متعبة وفراغ متّسع، فكيف نتجه الى ذلك وقد ضاق وقتنا عن اعمالنا الضرورية واشغالنا اليومية من المراجعات واجوبة الكتب والاستفتاءات والشفاعات وقضاء الحاجات، وفصل الخصومات كلّ هذا والاكثر منه يستغرق ليلي ونهاري، ويستوعب حركة اقلامي وافكاري ولا يدع لي نصيباً من الراحة لا في قليل ولا في كثير، فحياتي كلها عناء وافلاس الاّ ما هو وقف على مصالح الناس، ولكن أتراني مع هذا كله يتبقى لي شيء من الأمل للقيام بذلك العمل اضف الى ذلك العمر العتي وتراكم العلل ومن ثم اوشك ان يستولي اليأس على عزائمنا المتحجرة كالهباء المنتشر، وقلت كيف لي وانى لا يدرك المرء كلَّ ما يتمنى (وكم حسرات في نفوس كرام).

ولكن السادة الأشراف من اسرة القاضي الطباطبائيين الذين لم تزل لهم الزعامة الروحانية في عاصمة آذربايجان (تبريز) منذ اكثر من اربعة قرون وما ندر ما يستمر العلم والشرف في اسرة تجد كلّ مخائل النجابة في كل واحد من ابنائها محتفظة طول تلك المدة بشرف اجدادها وآبائها (من تلق منهم تقل لاقيت سيّدهم).

تبرّز في تبريز من هذه الأسرة الجليلة[1] منذ زهاء خمسة قرون العلماء والقضاة وشيوخ الاسلام، وكان لهم المقام الرفيع عند سلاطين الصفوية والسفارة الى ملوك الدول الاسلامية كالحجاز وتركيا وغيرهما، ولبعض الاعلام منهم صلات وشيجة وعلائق ود متينة ومراسلات ثمينة مع جدنا الأعلى كاشف الغطاء وولده جدنا الأقرب موسى بن جعفر كما المع اليه في تعليقات (الفردوس) نبعة دوحتهم ونجعة سحابتهم الأخ العزيز العلاّمة الحجة السيد محمد علي القاضي دامت بركاته، وهو ايده الله مع ابني عمه الاماجد الكرام السيد المحترم سيد علي القاضي والسيد الأديب السيد محمد حسين الطباطبائي اطال الله اعمارهم كما اطاب اعمالهم تقديراً للعلم والمعارف الاسلامية ونظراً الى تلك المودة الوراثية (وما في الآباء يسري في الأبناء) بعد أن انجزوا الطبعة الثانية (للفردوس)[2] بتلك الحلّة القشيبة وبتلك الصورة الفائقة من كلّ النواحي اقتضى كرم طباعهم وتعشّقهم لنشر المعروف والمعارف وان يشفعوا المكرمة الاولى بثانية، فألحَّوا عليّ بارسال جزؤات الجزء الثاني (جنة المأوى) للشروع في نشره وطبعه على غرر طبع الجزء الاول، ولما تظافر الطلب منهم وأنست منهم صدق الرغبة واخلاص النية والقصد لا لشيء سوى وجهه تعالى والنفع العام وخدمة الاسلام لم أجد بداً من الاجابة مهما كلفني الامر من المشقة والعناء والتعب والاعياء.

ولكن خطيرات المهالك ضمنت
 

لصاحبها ان الجزاء خطير
 

فاتجهت الى عيابي وحقائب مهارقي واوراقي فاستخرجت منها ما لعله يدخل في الموضوع الذي نحاوله، واعانني على جمع متفرّقاتها بعض السادة الافاضل المتّصلين بنا...دام توفيقه، ثم جعلت لهذه الجنة (ذريعتين) في كل ذريعة وسائل، ففي الاولى اربعة عشر لكل واحد من المعصومين وسيلة[3]ونشير في كل واحدة منها الى (المعجب) (المعجز) من صاحب تلك الوسيلة ثم نذكر ما عثرنا عليه من كلماتنا القديمة بشأن ذلك من ولادته او شهادته او غير ذلك.

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

كلمة مجلة (الغري) الصادرة في النجف الأشرف

الامام المصلح الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء دام بقاه اعرف من اعرفه الى العالم البشري عامة والعالم الاسلامي في آفاق الدنيا خاصة هو مجموعة كمال احاطت بشتّى العلوم، وقد حاز الاعلمية التي تستوجب ان تلقى اليه مقاليد العالم الاسلامي في التقليد، وهو مضافاً الى كلّ ذلك لقد عرف بجهاده المستميت حول فلسطين المنكوبة، وانقاذها من جرائم اليهود التي اخرجتها (المانيا) من مملكتها، فاصبحت ايدي سبا في بقاع الارض، [كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً] في قيد الاسر والاضطهاد يتطلبون الصاع فلم يجدوه، فجمعوا شتاتهم واستعدوا بعدّتهم فكادوا كيدهم وكوّنوا كيانهم والمسلمون نيّام لا يفيقون ولا يفقهون، فأخرجوهم من اوطانهم وديارهم بعد تشتت كلمتهم وعدم اعتصامهم في مقابلتهم فخلا الجوّ للصهاينة في الأرض المقدّسة.

ما القدس يحفظ اهله
 

وبها سرى السم الافاعي
 

فشتتّوا المسلمين في الأرض ايّما شتات، ونال الصهاينة بخذلان المسلمين اشنع التجاوزات والتعدّيات، حيث لم يجدوا في المسلمين فكرة ولا نهضة ولا دفاع.


 

لا نهضة دينية ترجى
 

ولا للحق راعي
 

ما الأمر الا غلبة
 

والسيف احسم للنزاعِ
 

قرّي على ضيم الهوان
 

وشاطري ذات القناعِ
 

ولم يزل سماحة الامام يدافع عن فلسطين وابناء الضاد بقلمه وخطبه وكتبه في كلّ حركة او دعوة يبثّ بها روح الاصلاح والاعتصام بالوحدة والدلالة على اهدى السبل الاصلاحية النافعة للمسلمين ولعامة الحكومات العربية بندائه وخطبه وآثاره العلمية والأدبية التي ملأت الاسماع والقلوب والصحف والمجلات الأجنبية والعربية وانه لفي الطليعة من المجتهدين والعلماء الاعلام، سرعان ما تتأثر نفوسهم والعالم بأقل رشحة من رشحات قلمه وكلماته الروحية الخالصة لله سبحانه وتعالى لا يرجو منها الا الأجر والثواب، والخدمة لدين محمد (ص) وتأييداً لشريعته السمحاء، فاقرأ ايها القارئ الكريم كلمته التي تفضّل بها على مجلة (الغري)، بمناسبة المولد النبوي (ص) تجدها حجة ناطقة بصحّة ما ذهبت اليه، ولا بدّ للقارئ ان يلمس بعد نشرها الأثر العظيم والحركة الايجابية من المسلمين عامة ومن ابناء الضاد خاصة (الغري)[4]

العدد ــ 3 ــ السنة 1373هـ النجف الاشرف

المولد النبوي صلى الله عليه وآله

بسم الله الرحمن الرحيم

صدق الله العظيم حيث يقول: [ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمْ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ][5].

في هذا الشهر المبارك شهر ربيع الاول الذي قد يطلق عليه شهر النور وشهر المولود المبارك لإتفاق المسلمين على ان احد ايامه نزلت الرحمة من السماء الى الأرض. وانبثق النور الألهي من الملأ الاعلى، اشرقت الدنيا كلّها بنور ربها، وجاء من رب العالمين سيد الانبياء والمرسلين بشيراً ونذيراً، وداعياً الى الله باذنه وسراجاً منيراً، وعلى سطح هذه الكرة حفنة تزعم انها من البشر وليست هي من البشر، وتسمى انفسها بالمسلمين وما هي من المسلمين، تقيم الاحتفالات وتضع المهرجانات تكريماً وتعظيماً لهذا المولود المبارك الذي تقول: انه نبي الرحمة، وان الله اخرجنا به من الظلمات الى النور، فيجب علينا اظهار الفرح والسرور واعادة تلك الذكريات العليّة الطيبة.

نعم يحتفل المسلمون بعيد مولد نبيّهم الأعظم في هذا الشهر، ولم يكن شيء من هذه الاحتفالات في القرون الاولى يوم كان الاسلام في اوج عزّه وبرج رفعته وعظمته، يوم كان المسلمون يعرفون حقّ المعرفة معنى الاحتفال الصحيح لمولد نبيهم (ص)[6].

الاحتفال الصحيح الذي يبتهج به النبي (ص) ويسرّه هو الأخذ بتعاليمه واتباع سنته والعمل بقرآنه، الاحتفال الصحيح ان يكون المسلم مسلماً حقيقة ومعنى لا صورة ولفظاً، وقد جعل سلام الله عليه للمسلم علامات كثيرة اقلّها واولها ان يهتم المسلم بامور المسلمين حيث قال: من لم يهتم بامور المسلمين فليس من الاسلام بشيء وعلى ضوء هذه القاعدة يجب ان نمتحن انفسنا ونضع في الميزان اسلامنا، هاهم اليهود في كل شهر او كل يوم تشنّ الغارة على قرية من قرى المسلمين في فلسطين تقذفهم بالقنابل الجهنميّة، وتنسفها نسفاً وتذرها قاعاً صفصفاً، وتهالك تحت انقاضها ومبانيها جميع من فيها، يضعون المسلمين ما لم يضعه حتى فرعون مع آبائهم بني اسرائيل، فأنه كان يذبّح أبناءهم ويستحي نسائهم، اما بنو اسرائيل اليوم فيذبّحون بالنار والحديد الرجال والنساء والاطفال، وتتكرر هذه العملية منهم في كل سنة عدة مرات وهم بين سمع المسلمين وبصرهم وبين سبع دول كل واحدة تزعم انها مسلمة، وهي مشغولة بنفسها لا يهمها من امر اولئك المساكين مقدار بعوضة، وهكذا الحال مع المسلمين في المغرب العربي وما تعاني تونس، ومراكش، والجزائر من فرنسا من الشنق والحرق والأعدام لأولئك الاحرار الكرام، واعطف بنظرك ثانياً او ثالثاً الى المحميات التسع وعدن واسمع ان كنت ذا سمع وبصر ما يصنعه الاستعمار الجبار في مسلمي تلك الديار من الاستيصال والدمار، يقولون: ان عدد المسلمين اجمع على اقل تقدير اربعمائة مليون، فلو ان الربع من هؤلاء كانوا مسلمين حقاً، وكان فيهم اقلّ علامات المسلم وهي الاهتمام بأمر اخوانهم المسلمين لأنقذوهم من تلك المهالك، ولو انّ ما ينفقه المسلمون في هذه الاحتفالات من الاموال، وما يبذلونه من المواليد من مصر وغيرها ليس في مولد النبي (ص) فحسب بل في مواليد مشايخ الطرق كالبدري، والاحمدي، والدسوقي وامثالهم وما يتفاخرون به من البذخ في السرادق والأضوية الكهربائية والمشروبات الكحولية وغيرها لو تجمع هذه الاموال وترسل الى المشردين من عرب فلسطين فتحفظ ما بقي من رمق حياتهم التي اصبحت رهن وطأة الزمهرير والمطر الغزير، وتمدّهم بالسلاح والعتاد وتحفزّهم الى الجهاد، اما كان خيراً للمسلمين من تلك الاعمال التي ما كان المسلمون يعرفون شيئاً منها في العصور الأولى، وما تأخر المسلمون واندحروا وذلّوا الاّ من العصر الذي شاعت وانتشرت فيه هذه المحدثات التي اماتت العزائم وسلبت من المسلمين كلّ الحميّة والغيرة، ولو انّ ما يبذله العرب بل عموم المسلمين كلّ ليلة على الملاهي وفي المقاهي والخمور والفجور والمقامرات يجمعونه لأنقاذ فلسطين عوض ان تتسرب تلك الاموال الى جيوب الاجانب والمستعمرين فتعود وبالاً علينا وسلاحاً للفتك بنا ولو انّ الحكومات العربية بل الدول الاسلامية منعت رعاياها من صرف الأموال في تلك الموبقات، وانفقتها في تلك المهمات لحازت الوزن الثقيل بين الامم وسعدت هي ورعاياها، واشهد بالله شهادة حقّ لو كان عند المسلمين ذرة من الغيرة والاسلام بمعناه الصحيح لما صبروا وتطامنوا لهذا الذلّ والصغار وتحمّل الخزي والعار، ولما ابقوا على وجه الارض صهيونياً يذكر، نعم وما اصدق قوله سلام الله عليه: (ما كره قوم طعم الموت الاّ ذلوا)، وزبدة المختصر والحقّ المحض انّ البلية ما اشعل نارها على فلسطين الاّ الحكومات العربية، فهي اصل الداء، ويجب ان يكون منها الدواء، ولكنّي اخشى ان تأتي هنا كلمة امير المؤمنين (عليه السلام) لأهل العراق عموماً او لأهل الكوفة خصوصاً حيث يقول لهم: (اريد ان اتداوى بكم وانتم دائي كناقش الشوكة بالشوكة وضلعها معها)، واذا لم تبادر الحكومات العربية التي يعبّر عنها الصهاينة بالدعائم السبعة المنهارة تارة وبالفئران السبع اخرى، وامامها (هر) يريد ان يبتلعها، فاذا لم يحفزها كلّ هذا التحدي الى الوثبة وتعجيل الضربة، وتمادت على المماطلة والتسويف كرامة لسود عيون اسيادهم ذوي العيون الزرقاء، نعم اذا تمادوا في حبال هذا الوبال كان لزاماً على الشعوب العربية ان تنهض وتشق الطريق بنفسها لتأخذ ثارها وتغسل عارها، فأما موتة حرّ شريفة او حياة نظيفة:

فاما حياة تبعث الشرق ناهضاً
 

واما ممات وهو ما يرقب الغرب[7]
 

وبعد ذلك يحسن منها ان تقيم الاحتفال بالمواليد النبوية والاعياد الاسلامية، اما في هذه الحال فحقّ عليهم اقامة المآتم، ولبس الحداد والتمائم، ولا شك ان رسول الله (ص) يطال عليكم ايها الناس من سماء عليائه ساخطاً عليكم في هذه الاحتفالات الزائفة التي ما هي الاّ لهو ولعب، وتيقنوا انكم اذا لم تتداركوا هذا السيل الجارف من البلاء فلا شكّ انّ مصيركم جميعاً الى الفناء، ولا يبقى للعرب ذكر الاّ في التاريخ الاسود ولا غير، وتصحّ فيكم الآية التي افتتحنا بها كلمتنا هذه [ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمْ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ]، هذا هو الاحتفال الصحيح لعيد المولود النبوي (ص).

مولد النبي الكريم وبعثته[8]

وانت لمّا ولدت اشرقت الأر
 

ض وضاءت بنورك الأفق[9]
 

في اخريات القرن السادس من ميلاد المسيح (عليه السلام) كانت الارض بؤرة فساد وضلالة، وحمأة طيش وجهالة، من بغي عدوان وعبادة اوثان وحروب طاحنة، وأحقاد ملتهبة وغارات متواصلة، ليس في ظلمتها المتراكم بعضها على بعض بصيص من نور هدى ولا بارقة أمل في سداد.

لا جرم انّ الانسانية بروحها الطاهرة ونفسها المجرّدة عن سلطان الهوى والشهوات كانت تعجّ وتضج الى بارئها ان يبرّ بها ويبرئها ويعطف عليها فيبعث لها من يبلسم[10] جراحها، ويصف لها صلاحها ويدّلها على سعادتها الدائمة وحياتها الخالدة، ويحكم فيها سلطان العدل والعقل فيصلح الفاسد من كلّ نواحيها، ولا ريب ان الربّ ــ جلّ شانه ــ ما خلق الانسانية ليرمى بها في تيار من الشقاء تتقاذف بها امواجه، وتترامى بها اعاصيره طول الأبد، بل خلقها للنعيم والسعادة، وللهنا والرحمة ونعمة الخلود في الابدية هنالك حيث الحرَّة[11] السوداء والجبال الجرداء والحجارة الخشناء والعرصات القاحلة والرمال الملتهبة، هناك حيث لا زرع ولا ضلوع ولا شجراء ونضراء، هناك بين اطواد تهامة وجبال فاران وربوات حوريث وساعير، هناك من جوامع الجبروت وصوامع الملكوت وغيب الغيوب وسرّ الهويّة الأحديّة واعماق الابدية وامواج العناية الازلية، هناك في غسق الليالي المدلهمة وحنادس الجهل والجاهلية هناك في الوسط الذي اماته الجهل واعياه الهوى وسخّره سلطان الشهوات واستحكمت فيه غرائز الرذيلة.

هناك انبثق بركان[12] من النور الالهي والقبس الربوبي فبزغت انوار شمس المحمدية (ص) وهبّت في الاكوان نسمات البشرية بحامل مشعل السعادة الابدية.

ها ان محمداً (ص) (ولذكره المجد والشرف) قد وجد وولد ونما ونشأ يمثل روح الأخلاق الفاضلة في ابان صباه، وريعان شبيبته وفي جميع اطواره وادواره منيعاً وديعاً، اميناً رزيناً، عفيفاً شريفاً، فكوراً وقوراً، قويّ الارادة عظيم الهمّة، فحل العزيمة، دقيق الاحساس رقيق العواطف، رحيم القلب حليم النفس، جميل الصورة حسن السيرة، مغناطيس النفوس محبوب القلوب ما كذّب قط ولا خان ولا مان، ولا مكر ولا غدر، ولا سجد لصنم ولا انثنى لوثن كلّ ذلك وما اليها من السجايا الغالية والمزايا الباهرة والمعارف السامية كانت طباعاً لا تطبعاّ ومواهب لا مكاسب، من غير معلم ولا مرشد، ولا مربّ ولا مدرب، ولا مدّرس، ولا مطالعة كتب ولا مراجعة صحف وكانه قبل أن يتجاوز شعوب مكة قد عرف كلّ الشعوب وخير أحوال الامم وسبر طبقات البشر. ودرس نفسيات الخلائق وقلبها بحثاً وعلماً فعلم ما هي ادواء البشرية وما عللها وامراضها، وما هو دواؤها وعلاجها وما هو السبيل الى رحمة تلك الانسانية المعذّبة وتخليصها من قديم شقائها ومزمن دائها.

ثمّ انّ محمداً (خلّد الله شريعته واعلى كلمته) عندما بلغ اشدّه واستوى جدّه وشاع في احياء العرب اريج ذكره، واستبحر في الأرض خليج فخره، وبدا للحاضر والبادي عظيم شأنه ورفيع شاوه، ووقف قومه على منيع مقامه وباذخ اعلامه حتى اذا قرب من الاربعين طفق يطلب الخلوة لنفسه ويعتزل عن ابناء جنسه وصار يترهب تلك الرهبانية الصحيحة التي لا تجحف بواجب شيء من النفس او البدن، بل تعطي كلا من التكميل قسطه وتوفى بحسب شرطه، وتستوفى حظوظها منه على مدرجة الصواب واحسن الانتخاب والاستقامة على حد المركز والوسط والاعتدال بين الاطراف من غير ميل ولا انحراف، وهذه اول ترشيحة الوحي وترشحه للنبوة، وتاهل للبعثة وتسديد من الغيب فجعل ينقطع ويتجرّد ويروح الى معلّمه الروح المجرد[13] ويقيم خارج البلد في شعب (حراء) يتحرى مهنّ نفحات العناية بين وارداته القلبية، ويترقب خلع التشريف والكرامة من متحف الربوبية ويطالع اسرار الملك والملكوت مما رقمه قلم الأزل على صحيفة نفسه القدسية، ويتأهب للهبة بما تفرسه حدسه وحدسته نفسه، وتقدّمت له دلائله، وهتفت فيه بشائره من تشريفه بتلك المنزلة الشريفة، وتعيّنه لهاتيك الوظيفة، وبعثه بتلك المصلحة العامة والمسألة الهامة البالغة اقصى مبالغ الصعوبة والحاجة والكلفة والمشقّة ودفعه الى تقحّم ذلك المأزق المتلاحم والتهجّم على غيوم ذلك البلاء المتراكم، ولكن ــ على قدر اهل العزم تاتي العزائم ــ وعند العظم تصغر العظائم، فأوّل ما كان له من طلائع النبوة وقدامى الوحي والبعثة وقوع الرؤيا الصادقة من التي تجيء كفلق الصبح له، ثم تعقّب ذلك سماع الصوت دون معاينة الشخص قائلاً له غير مرة: يا محمد انك رسول الله، فكانت تأخذه عند ذلك من الوحشة والدهشة، واللذة المشوبة بالعجب والأنس المشتبك بالغرابة حال يقصر أبلغ يراع بليغ عن تصويرها، وبكلّ لسان كلّ مثيل عن تمثيلها، وكان لتلك الحال روعة تدفع لجسمه الشريف مثل الهزة والفزة[14]، ويصيبه الأفكل والرعدة كدأب المبتهج المستبشر.

نعم ثم تدّرج الوحي اليه على مقتضيات الحكمة، اذ التعاليم ثمّة وان كانت الهية ولكن لها على قداستها وجهة بشرية، فلا جرم ترد متدرجة حسب القوابل ومقتضيات الاساليب والعوامل، فتجلّى له الملاك بالوحي المبين، والكلام الصادر بالفاظه ومعانيه، ومقاصده ومبانيه من مصدر الناحية الربوبية والمعمل الالهي والعلم غير المتناهي، وقائلاً له ــ اوّل سورة نزلت عليه من ذلك الكتاب المقدّس والطراز الأنفس [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ][15] فقرأها وانصرف عنه، ثم جاءه بعدها بسورة الفاتحة، ثم انقطع الوحي زمانا ولكن ارفاقاً به واشفاقاً عليه، فما احسبك الا خبيراً بأنّ قوى البشرية والاخلاط العنصرية وكل ما عملته او عملت فيه الطبيعة والمادة يضعف ويكلّ ويتأثر وينفعل عند هجوم ما فوق الطبيعة عليها من مشاهدة تلك الارواح المقدّسة، والأنوار القاهرة التي هي من عالم الملكوت وصقع الجبروت، وهذا امر ضروري محسوس في كيان الطبيعة وبيئة المادة وخليّة العناصر، فأنك لو حبست طفلاً في مختبأ من الأرض حتى اكتملت فطرته وتمّ تمييزه وعقله. ثمّ اخرجته فجأة الى هذا العالم المحسوس فوقع بصره دفعة على شموسه المتألقة، واجوائه المتّسعة، واشجاره المتّسقة، وانهاره المتدفقة الى غير ذلك من غرائب الصنع وعجائب الابداع لما شككت انه ينشق قلبه وينذهل لبّه، ويأخذه مثل الادوار والدهشة والانبهار والهزة والرعدة، وتأتي الصدمة على عقله، والصككة[16] على جسمه والضغطة على فؤاده وقلبه، ولا شك انّ عالم الغيب من عالم الشهادة على تلك النسبة بل باضعافها المتضاعفة فما ظنّك بهذا الجسد البشري المؤلف من تلك المواد العنصرية السريع الانحلال والانفعال الضعيف التأليف، وزد عليه الملاك من العوالم الملكوتية، او تحل لمن له قبس من سذق[17] الهياكل الجبروتية، كيف لا تتلاشى عناصره وتتفرّق اجزائه وتثور الى الاثير دقائقه الاّ بماسك من يد القدرة التي لا تغلب والقوة التي لا تعجز عن شيء ولا تنكب.

الا فبعين عناية الله جسد محمد (ص) (الا فسلام الله على جسمه المقدس وروحه المجرّد) الا لا جرم لو عرضته عند نزول الوحي عليه تلك الهزة والفزة ولا غرو لو اتّقدت الحرارة الغريزة في تامور صدره حتّى يتغير لها وجهه ويضطرب بدنه، وتنتقل الرطوبات الداخلية وتترشح على سطح بشرته فيتجلله العرق وياخذه شبه الحياء والفرّق[18]، ثم اذا سرى عنه سكنت الحرارة، وقبل الجسم الهواء اللطيف من خارج فيبرد المزاج وتأخذه مثل القشعريرة والنفضة الباردة، لمباغتة البرودة للحرارة دفاعا، فيأتي الى مرقده الشريف ويقول: زمّلوني او دثروني، فتردّ عليه ثيابه، وتجمع فوق غطائه ليتسخّن ويستريح ويأمن، ففي احدى ضجعاته ما اهاب به الوحي قائلاً: [يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ  وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ][19]

هل كان النبي "ص" امياً؟

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد رفع آيات التعظيم:

نرفع السؤال الآتي الى سماحة الامام كاشف الغطاء دام ظله، ونرجو ان تتفضلوا بالجواب الذي سينور لنا سبيل الحق الذي قد يكون لنا الحكم الوحيد بذلك.

نحن صاحبي التوقيع الاول منا يؤيد ان نبينا المحبوب محمد (ص) ليس بامي وانما يقرأ ويكتب بلغات كثيرة.

بينما ان الاخر يؤيد انه صلوات الله عليه اميّ لا يعرف من القراءة والكتابة شيئاً مذكوراً عليه، ارجو ان تتنازلوا بحلّ هذه القضية ولا زلتم ملجأ لحل امورنا، والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته.                 الكوت 11 شوال 1350

صاحبا التوقيع الاول عبد الجبار حاج نجم الشمخاني، والثاني نجم آل عبد الله.

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد والمجد

الجواب: عن سؤالكما انّ كلاً منكما قد وصل الى طرف من الحقيقة واصاب جانباً من الصواب، اما القائل انّ النبي (ص) كان امياً فقد اصاب ولكن انه بعنى انه ما كان يقرأ ويكتب لا انه لا يعرف القراءة والكتابة وكونه امياً بهذا المعنى، أي عدم تعاطيه للقراءة والكتابة عليه اجماع المسلمين ومنصوص عليه القرآن الكريم بقوله تعالى: [ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ][20] ولكن لم يثبت من الاجماع ولا من الكتاب لأنه لم يكن يعرف الكتابة والقراءة بحيث يكون فاقداً لهذا الكمال، ومن هنا تبيّن انّ الاول منكما الذي يقول انه ليس بأمي ان اراد انه يعرفها فهو مصيب، وان اراد انه كتب وقرأ فهو مخطئ ومخالف لنصّ الآية المتقدّمة.

والخلاصة ان النبي (ص) كان حائزاً لكمال الكتابة والقراءة من حيث الملكة والقدرة لأن النبي (ص) يلزم ان يكون متصفاً لجميع صفات الكمالات بل يلزم ان يكون اكمل اهل زمانه، ولا ريب انً الكتابة والقراءة كمال وفقدهما نقص، ولكن مصلحة التبليغ ورعاية الاعجاز في محيطه وزمانه اقتضت حسب الحكمة ان لا يتعاطاهما تكميلاً للمعجزة، وهذه هي الحقيقة الناصعة، والسلام عليكم.         

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد

بعد السلام عليكم والدعاء لكم:

وردنا كتابكم تذكرون فيه انكم قد حصل عندكم تحاور وتساؤل حول اميّة النبي (ص)وقد تكرر السؤال®[21] علينا عن هذا الموضوع وكنّا قد اجبنا عنه بجواب شاع على الالسن وتداوله اهل العلم، وهو انّ النبي (ص) ما كان فاقداً لملكة القراءة والكتابة حتى يكون نقصاً، وانما اميته انه كانت النبوة في تـلك الظـروف الخاصة اقـتضـت ان

لا يستعملها واليه تشير الآية الشريفة وهي قوله تعالى: [وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ][22].

هذا مختصر الجواب الذي سبق منّا من عهد بعيد، اما الآن فعندنا جواب لعله احق وادقّ واولى بالقبول وهو انّ الكمالات البشرية جسمانيّة او روحية انما هي بالنسبة الى غاياتها تكون نقصاً او كمالاً، وتوضيح ذلك ان البصر مثلاً انما هو كمال نظراً الى حصول الغاية التي ترتّب عليه ــ وهي رؤية الاشياء ــ والعمى نقص نظراً الى عدم حصول الرؤية فيه، فلو انّ شخصاً يرى الاشياء من دون حاجة الى العين، فهل عدم العين نقص فيه في حال انه يرى الاشياء احسن مما يراه صاحب العين فالقراءة والكتابة كمالهما بالنظر الى معرفة الاشياء والاطّلاع على مقاصد الغير او ابلاغ مقاصده الى الغير، فلو انّ شخصاً يعرف مقاصد الناس من دون ان ينظر الى كتبهم ورسائلهم ويستطيع ان يبلّغ مقاصده الى الناس من غير حاجة الى الكتابة، فهل هذا نقص فيه او هو كمال بل هو فوق الكمال؟ وهذه هي صفة النبي (ص) في اميّته، وهذا جواب مبتكر لم يسبق اليه احد وهو عين الحقيقة والواقع هذا ودمتم موفقين بدعاء.

                                        محمد الحسين كاشف الغطاء

صدر من مدرستنا العلمية في النجف 24 ربيع الاول 1373هـ

هل القرآن افضل من محمد "ص" ام محمد افضل؟

حضرة العلاّمة حجة الاسلام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء دام ظله بعد تقبيل اياديكم الطاهرة، ان الحب الذي اكنّه لهذا الدين الحنيف وما اضمره من حبّ ولاء لآل البيت (عليهم السلام) هذه الاسباب ادت بي الى التجاسر بين سماحتكم والتطرّق الى امور انا لست من اهلها، ولكن النبي (ص) قال: (سل عن امور دينك حتى يقال لك مجنون)، فأرجو ان يتفضّل سماحتكم بالاجابة على سؤالي: هل القرآن افضل من محمد (ص) ام محمد افضل من القرآن؟، وكيف ذلك! واذا كان محمد افضل من القرآن فهل انّ علياً (عليه السلام) افضل من القرآن؟ وما الدليل على ذلك؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

علي عبد عون القطبي

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

بمقتضى الحديث المشهور والمتفّق عليه عند الفريقين وهو قول النبي (ص): (اني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي اهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)، مقتضاه تساوي القرآن والعترة، ويؤيد ذلك انَّ علياً (عليه السلام) هو الكتاب الناطق والقرآن هو الكتاب الصامت وكلّ منهما محتاج الى الآخر، فالامام يفسّر القرآن ويتضح ما اشكل منه، فالقرآن محتاج الى الامام والامام محتاج الى القرآن، لأنه يشتمل على احكام الله ونواميسه وشرائعه، فكلّ منهما محتاج الى الآخر، والنبي وعلي صلوات الله عليهما نور واحد وما يجري لأحدهما يجري على الآخر عدا النبوة.

واعلم ان السؤال عن الافضلية هنا هو من مقام الفضول، لا يجوز عند ذوي العقول، ولا يسأل العبد عنها يوم القيامة، وما كلّفنا الله سبحانه وتعالى بها ولا يعاقبنا على عدم معرفتها[23] وانمّا كلّفنا العبادات: الصلاة، والصوم وغيرهما، وهي التي يعاقبنا على الجهل بها، وهي التي يلزمك ان تسأل عن احكامها وفروعها فاللازم عليك ان لا تسأل عن مثل تلك الأسئلة التي لا فائدة فيها ولا طائل تحتها، اذا شئلت فقل لكل فضل. وعلم الأفضليّة عند الله، وهذه من احسن النصائح لك، ولم يثبت هذا من قول النبي (ص): (سلّ عن امور دينكالخ) وهذه الأسئلة ليست من امور الدين ولا من اصول الدين ولا من فروعه، فافهم وفقك الله بدعاء.

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

ما معنى قول النبي "ص" لأمير المؤمنين عليه السلام اذا فاضت نفسي؟

واجاب عن سؤال: ورد في الحديث عن النبي (ص) قال: (يا علي اذا فاضت نفسي[24] فتناولها بيدك وامسح بها وجهك)، فالى ايّ نفس كان يشير؟.

الجواب

فأعلم انه قد ورد في الاخبار المعتبرة انّ كميلاً وهو من خوّاص اصحاب امير المؤمنين (عليه السلام) قال: سيّدي اريد ان تعرّفني نفسي فقال: يا كميل من أي نفس تسأل؟ فقال: يا مولاي وهل هي الاّ واحدة؟ فقال (عليه السلام): يا كميل انما هي اربع: النامية النباتية، والحسيّة الحيوانية والناطقة القدسيّة[25] والالهيّة الملكوتية[26]، ثم ذكر له خواص كلّ نفس في بيان وافٍ، ولا ريب انَّ لكل واحدة من هذه النفوس مراتب و درجات، وانّ النباتية والحيوانية تضمحلّ وتفنى بموت الانسان وانما يبقى الناطقة القدسية الموجودة في عامة البشر، وادناها ما يقارب نفس البهائم [إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً][27] واعلاها ما يتّصل بنفوس الملائكة وهي اوّل مراحل النفس الالهية الملكوتية، واعلاها روح القدس المتّصلة بمبدأها الأعلى وهي ارواح الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) التي اتّصلت به وما انفصلت عنه، وتتصل بهذه الابدان البشرية للتبليغ والهداية مدّة ثم تنفصل عنها وهي في جميع احوالها لا تنفك متعلّقة بحظيرة القدس وسدرة المنتهى، وفي دعاء الناحية المقدّسة من ادعية رجب، لا فرق بينك وبينها الاّ انهم عبادك وخلقك، وهي العقل الاول الكلّي واول ما خلق الله الذي به يثيب وبه يعاقب، وهو الحقيقة المحمدية[28] التي تحمل الرسالة العظمى وزعامة الانبياء الكبيرة والسيادة على كل ما خلق الله، لما انفصلت من بدنه العنصري الشريف امر خليفته ان يتحمّلها بأمر الله ويتوجه اليها ويمسح بها وجهه كناية عن قبولها والتبرّك بها كما يمسح الانسان وجهه بالأشياء المقدّسة من القرآن او التربة، وكان النور واحداً من بدء الخليقة وقبلها في الأزل، لم يزل ينتقل في الاصلاب الطاهرة والارحام المطهّرة الى أن وصل الى عبد المطلب فانشطر شطرين: شطر لعبد الله، والآخر لأبي طالب، فكان الأول رسول الله والثاني امـير المؤمنـين، وبوفـاة رسـول الله رجـع النـور واحداً في علي (عليه السلام) كان هذا

مختصر ما يمكن ان يقال في هذا المجال، وهنا اسرار الهية، وحقائق عرفانية لا يتّسع المقام للكشف عنها، وفيما ذكرناه كفاية ان شاء الله تعالى.

خطبة للامام كاشف الغطاء ليلة ولادة امير المؤمنين (عليه السلام)

13 رجب 1368 في حسينية محلة باب السيف (بغداد)

بسم الله الرحمن الرحيم

[رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي  وَاحْللْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي][29].

يعزّ عليَّ ايها الأعزة ان احل مجلسي لإنتهاز هذه الفرصة الثمينة والقاء ما يناسب هذه الليلة المباركة، وهذا الحفل الكريم، مع انيّ في دور النقاهة منهوك القوى، خافت الصوت، رهين العلّة والمعالجة، ومن يقول عن مقال له تواضعاً هذا جهد المقلّ او هذه نفثة مصدور، فأنا اقول حقاً لا تنازلاً والبيان اصدق شاهد على ذلك.

نعم نبتدئ كلمتنا متفائلين بقوله تعالى: [فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَقُلْ رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ][30] ، [وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ][31] هذه السفينة في الزمن الاول والعهود المتوغلة في القدم اول مركب نجيّ به جميع من على وجه الأرض من المؤمنين المستضعفين، تخلّصوا من سطوة الغاشمين، وسيطرة الظالمين، بعد الجهود الطائلة، واتمام الحجة من شيخ الانبياء زهاء الف سنة، وبعد ان علمت السفينة في امواج الطوفان الذي غمر هذه الكرة باجمعها سنة كاملة، قيل: [يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ][32] ، نعم هذه السفينة التي شبّه رسول الله (ص) اهل بيته بها في الحديث المشهور بين الفرقين: (اهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها هلك وهوى).

ومن يتدّبر حال العصور التي قبل الاسلام وما كان العالم فيه لا جزيرة العرب فقط، بل حتى الدول العظمى في تلك القرون من الفرس والروم، من يتدبر ما كانت فيه تلك الامم من الجهل والجور والاستبداد يعرف طوفان البلاء الذي غمر الدنيا يوم ذاك، ويعرف شدّة الحاجة الى من ينقذ ذلك الخلق البائس من تلك الغمرات، فبعث العناية الأزلية المنقذ الأعظم حبيبه محمداً (ص)ولكن قبل ان يتم رسالته، وينقذ عموم البشر من ذلك الشرّ الذي توغّل في النفوس واستفحل من عهد قديم قضت الحكمة الغامضة ان يعود الى الملكوت الأعلى الذي جاء منه، واكمالاً للرسالة، وابلاغاً للغاية اشار الى من يتمّ به الغرض، وتقوم به الحجة، فقال قبل رحلته بقليل: (اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي)، وبهذا اتجه ان يصدع الوحي بقوله تعالى: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي][33] وجد نبي الرحمة عند قرب رحيله ان العالم لا يزال بعد مغموراً بطوفان الجهالة، والضلالة لا تزال مستحكمة، وانه لا بد لهذا الطوفان من سفينة تنجي من اراد النجاة، فقال: (اهل بيتي هم السفية )، وفي دعاء شعبان: اللهم صلّ على محمد وآله الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها ويغرق من تركها، بيد ان سفينة نوح ما نجت من الطوفان ورست على الجودي الاّ بمحمد وآله كما اشار الى ذلك العباس بن عبد المطلب[34] في مقطوعة تنسب اليه يمدح ابن اخيه (ص) فيقول:

من قبلها طبت في الظلال في
 

مستخصف حيث يخصف الورق
 

ثم هبطت البلاد لا بشر
 

انت، ولا نطفة ولا علق
 

بل ملك تنقذ السفين وقد
 

الحم نوحاً وقومه الغرق
 

صانع السفينة الاولى شيخ المرسلين، وواضع السفينة الثانية سيد المرسلين، السفينة الاول خشب يجري على الماء، والسفينة الثانية نور هبط على الارض من السماء، واضعها محمد (ص) وربانها ومسيّرها اخوه وصنوه وصهره الامام الذي احتفلت هذه الجمعية جمعية المقاصد الخيرية العراقية بذكرى ولادته في هذه الليلة المباركة، [إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ][35].

ولا نستطيع في مقامنا هذا ان نأتي على اليسير من فضائل هذا الامام العظيم فضلاً عن الكثير، ومن ذا يقدر على احصاء نجوم السماء من مناقبه، من شجاعته وبلاغته وزهده وسوابقه في الاسلام، التي هي كلمات الله، [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ][36] ، [قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي][37].

انما المناسب في المقام هو التعرّض لولادته في هذه الليلة المباركة وانما نتعرّض لشأن واحد من شؤون ولادته (عليه السلام)، وهو ولادته في الكعبة على اشهر الروايات[38]، ولعل غيرها من مدسوسات النواصب الذين يريدون ان يستروا ضوء الشمس بأكفهم وولادته في الكعبة طفحت بها الكتب ونظمتها الشعراء حديثاً وقديماً وآخرهم عبد الباقي الشهير[39] في مستهل قصيدة له:

انت العلي الذي فوق العلى رفعا
 

ببطن مكة وسط البيت قد وضعا
 

وهي منقبة لم يشاركه فيها احد في الاسلام، وقد ذكروا انّ مريم لما جاءها المخاض بعيسى (عليه السلام) آوت الى بيت المقدّس لتضعه فيه، فنوديت اخرجي يا مريم فهذا بيت العبادة لا بيت الولادة، وفاطمة بنت اسد لمّا احست بالطلق وهي في الكعبة انسدّت ابوابها ولم تقدر على الخروج حتى وضعت علياً (عليه السلام). لعلّ في هذه الحادثة الغريبة اسرارً ورموزاً اجلها واجلاها انّ الله سبحانه كأنه يقول: ايها الكعبة اني سأطهرك من رجس الأوثان، والانصاب والازلام بهذا المولود فيك، وهكذا كان فأن النبي (ص) دخلها عام الفتح والاصنام معلّقة على جدرانها ولكل قبيلة من قبائل العرب صنم، فاصعد علياً (عليه السلام) على منكبه وصار يحطمها ويرمي بها الى الارض، والنبي (ص) يقول: [جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا][40] ، وقد نظّم الشافعي هذه الفضيلة بأبيات تنسب له، ويقول في آخرها:

وعليّ واضع اقدامه
 

في محلّ وضع الله يده[41]
 

فان النبي (ص) كان يحدّث عن المعراج قائلاً: ( انَّ الله عز شأنه وضع يده على كتفي حتى احسست بردها على كبذي).

وفي ولادته رمز آخر لعلّه ادق واعمق؛ وهو ان حقيقة التوجه الى الكعبة هو التوجه الى ذلك النور المتولّد فيها، ولو ان القصد مقصور على محض التوجّه الى تلك البنية وتلك الاحجار لكان ايضاً نوعا من عبادة الاصنام (معاذ الله) ولكن التناسب يقضي بأن البدن هو تراب يتوجّه الى الكعبة التي هي تراب، والروح التي هي جوهر[42] مجرّد تتوجه الى النور المجرّد، وكل جنس لاحق بجنسه: النور للنور، والتراب للتراب، والى بعض هذا اشار بعض شعراء الفاطميين[43] اذ يقول عن الامام:

بشر في العين الا انه

 

من طريق العقل نور وهدى

 

جلّ ان تدركه ابصارنا

 

وتعالى ان نراه جسدا

 

فهو في التسبيح زلفى راكع

 

سمع الله به من حمدا

 

تدرك الافكار منه جوهرا

 

كاد من اجلاله ان يعبدا

 

فهو الكعبة والوجه الذي

 

وحّد الله به من وحّدا

 

وهذان السطران من الشعر ان كان فيه شيء من الغلو ففيه كثير من الحقيقة، وفيه لمعات من التوحيد، نعم نتوجّه في بأبداننا في صلواتنا الى الكعبة وبارواحنا الى النور الذي اشرق واضاء فيها، نتوجه اليه فنجعله الوسيلة الى الله كما قال عزّ شأنه: [اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ]، نتوجّه اليه كي يوجههنا الخير والسداد، فالتوجّه منّا اليه والتوجيه منه لنا.

نعم كتاب الله والعترة سفن النجاة والعروة الوثقى التي لا انفصام لها ولا يضلّ ولا يزل من تمسّك بها، ولكن ليس التمسّك قول باللسان، وثرثرة[44] بالالفاظ، التمسّك عقيدة راسخة، واعمال صحيحة بنيّة خالصة، وقلب طاهر سليم، واخلاق فاضلة التي هي روح الدين وجوهر الاسلام والتي طفح[45] بها الكتاب والسنّة، ولكن اين نحن من مراحل هذه الفضائل والأخذ بهذه الوسائل، أبهذا التفسّخ الاخلاقي والتفكك الاجتماعي، ونبذنا الكتاب والسنّة وراء ظهورنا، نريد ان نعدّ انفسنا من المسلمين، وبالعروة الوثقى متمسكين، كلاّ وكلاّ ولو كان لنا من الاسلام ذرواً[46] وذرّة لما سقطنا هذا السقوط الشائن ولما فشلنا هذا الفشل المخزي.

امتحنت (فلسطين) بمحنة الصهيونية منذ اربعين سنة، وما زالت تتقدّم والعرب والاسلام تتأخر. وقد اقتحمت معاركها الاولى ولم ازل منذ عشرين سنة اقرع المنابر واقرع الاسماع بالخطب الناريّة، وانشر المقالات الملتهبة في الصحف وغيرها واهيب بالمسلمين وادعوهم الى الوحدة وجمع الكلمة، وانّ الاسلام بني على دعامتين (كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة) واصرخ الصرخات الداوية ان يصلحوا الوضع بينهم لأنقاذ فلسطين الدامية وكنت من زمن بعيد ابثّ شجواي في ابيات منها:

نهضت فقيل أي فتى فلما

 

خبزت القوم طاب لي القعود

 

واني بعد مجهدة وقومي

 

كضاربة وقد برد الحديد

 

وحيد بينهم ولعلّ يوماً

 

عصيباً فيه يفتقد الوحيد

 

لنا في الشرق اوطان ولكن

 

تضيق بنا كما ضاقت لحود

 

نقيم بها على فقر وذلّ

 

ونظماً لا يساغ لنا ورود

 

مواعيد السياسة بينات

 

تكيد بها السياسة من تكيد

 

وعود كلّها كذب وزور

 

فكم والى مَ تخدعنا الوعود

 

اذا ما الملك شيّد على خداع

 

فلا يبقى الخداع ولا المشيد

 

اذا لم تبتن ملكا صحيحاً

 

فلا تغني الجيوش ولا البنود[47]

 

ومن هذه الشعلة ثلاثة ابيات ذكرتها في مقدمة الجزء الأول من مؤلفنا (الدين والاسلام) الذي طبع في مطبعة العرفان قبل 38 سنة وهي:

فلا طلعت عليَّ الشمس يوماً

 

اذا عن مجد قومي لا اذود

 

اموت وقد بلوت النفس جهداً

 

كما تحمي عرينها الاسود

 

كذلك فلتكن للعرب نفس
 

والاّ ما الحياة وما الوجود[48]
 

نعم كنّا نعتز بذكر العرب ونرتاح بالأنتساب اليهم، ثم دارت رحى الزمان فصرنا نخجل من ذكر العرب والعروبة وما يشتق منها، ونودّ لو كنا من الخزر والبربر ولم نكن من هذه الأمة، وانطبق علينا تماماً قول القائل:

ورثنا المجد عن آباء صدق
 

اسانا في ديارهم الصنيعا
 

اذ الحسب الرفيع تواكلته
 

بناة السوء اوشك ان يضيعا
 

فلسطين قلب البلاد العربية تحقيقاً، تحفّ بها كالهالة، مصر وبلاد المغرب، وسوريا ولبنان، والعراق، والاردن، والحجاز، واقطار الجزيرة فاذا هلك القلب فما حال بقيّة الاعضاء؟ ولا شك ان الوضع اذا بقي على هذا قلنا فلسطينات اخرى في زمن قريب (لا سمح الله ) الا يخطر على بالكم قول شاعر الفردوسي الضائع الفردوسي العربي حيث يقول:

حثّوا رواحلكم يا أهل اندلس

 

ليس البقاء بها الاّ من الغلط

 

من جاور الشر لا يأمن عواقبه

 

كيف الحياة مع الحيّات في سفط

 

العقد يبتر من اطرافه وأرى

 

عقد الجزيرة مبتوراً من الوسط

 

مصيبة المسلمين عظيمة، واعظم منها ان المصائب من شأنها ان تنبه الشعور، وتعطي لأهلها دروساً وعبرة، وتجمع الشمل وتوحّد الكلمة، اما مصيبتنا بفلسطين فما صنعت شيئاً من ذلك، وتلقاها زعماء العرب وقادتها الذين ذبحت فلسطين على مذبح مطامعهم الدنيّة وجشعهم[49] الخبيث نعم تلقّوها، برحابة صدر، وبرودة دم وما كفاهم ذلك حتى مكّنوا اليهود طابعين من البقيّة الباقية من اراضي فلسطين التي يسكنها الالوف من عرب المسلمين وجعلوهم عبيد لليهود، يعطون [الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ][50] ، وكانت اهالي فلسطين تأمل من ملوك العرب نصرهم، وياليتهم كفّوها شرّهم ولم يكونوا سماسرة[51]للمستعمرين، ومنفذين لأرادتهم، وسوف يعلمون كيف تدور الدائرة عليهم، [ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمْ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ][52].

نعم كلّ ما اصابنا انما هو من محاربتنا للدين ونبذ القرآن، وترك العمل بتعاليم الاسلام، وما افسد هذا الشباب الخليع المستهتر الاّ هذه المدارس التي جعلت الدين فيها قشراً لا لبّ فيه، جسداً لا روح له[53] ولكن قد احيى ميت الامل ما بشّرني به معالي الوزير النجيب الراوي[54] (حفظه الله) من انه جعل في المدارس قريباً للدين والقرآن درجة وامتحاناً، ينتخب المعلمين من ذوي الثقافة الدينية والعفة والأمانة وفّقه الله لهذه الخدمة الجليلة، وانه الجدير بمثلها ولا ترتجى الا من مثله، أيها المسلمون عودوا الى ما كان عليه اسلافكم تعدلكم عزّتكم، واكرموا القرآن بالعمل به كي يعيد لكم كرامتكم، أترجون صلاحاً او إصلاحاً من هذا الشباب الواهن المتجرّف في تيّار شهواته، وقد فسد المعلّمون فانّا لله وإنا اليه راجعون، ضاع الرعيل وقائده.

اصل بليّتنا معاشر المسلمين هو الاستعمار، وكلّ رزية وبليّة فالاستعمار اصلها وفرعها ومنبعها ومطلعها. وما جرَّ علينا بلاء الاستعمار ومكّنهم من نفوسنا واموالنا واولادنا واخلاقنا وتقاليدنا الاّ زعماؤنا وقاداتنا[55]

وملوكنا قد أسلمونا للعدى

 

لله درّ ملوكنا ما تصنع

 

*****

وما افسد الاسلام الاّ عصابة

 

تأمّر نوكاها(3) ودام نعيمها

 

*****

وأضحت قناة الدين في كفّ فاجر

 

اقيم لإصلاح الورى وهو فاسد

 

*****

وهل يستقيم الظل والعود اعوج

 

يقولون بالزبيبة عود

 

اما قضيتنا ففي الزبيبة عمود[56]، كل احد يراه ويشكو بثّه الى الله.

لمثل هذا يذوب القلب من أسف

 

لو كان في القلب اسلام وايمان

 

أيها المسلمون احفظوا اولادكم من هذا الشرّ المستطير والداء الذي يفسد دينهم ودنياهم، وأنشئوا لهم مدارس اهلية مثقفة ثقافة دينية تتلائم مع روح العصر، واستحضروا لهم معلمّين من اهل الصلاح والفضيلة، فأنّ اهم واجب على المدارس الأهلية او الحكومية جعل الدروس الدينية في الدرجة الاولى من الاهمية، وتجعل امتحاناً وشهادة ولا يتسنّى للأهلين انشاء المدارس الكافية للتعليم الاّ بتشكيل الجمعيات الخيرية المخلصة كي تتعاون على هذه الاعمال الجليلة، والمشاريع الحيوية، وهذه (جمعية المقاصد الاسلامية الخيريّة) بادرة خير من اهالي الكرخ وهي بذرة صالحة يرجى بتوفيقه تعالى وهمّة المؤسسين لها ومعاونة اخوانهم لهم ان تنمو نماء حسنا، وتثمر ثمراً جنياً يجدون فيه الهدى والهنا، والخير والبركة في انفسهم واولادهم واموالهم، ومن المعلوم ان الجمعيات مثل كلّ كائن يحتاج كلٌ حسب امكانه ومقدوره، القليل من الكثير كثير فتعاونوا واجتمعوا فأنّ يد الله مع الجماعة والاجتماع خير وبركة.

وآخر وصيتي ونصيحتي اقولها بدءاً وعوداً ولا أخص بها المسلمين بل اقول: أيها البشر عليكم بالقرآن[57] ففيه سلامتكم بل سعادتكم، ولو عمل الناس به واخذت الدول بتعاليمه لأستراحت البشرية من هذا التكالب والتحارب، وعرف كلّ حدّه وحقّه، القرآن اجعلوه الجامعة العربية والوحدة الاسلامية، وتجنّبوا الخلافات المذهبيّة، والخصومات الطائفية، وليعمل كلّ على مذهبه في فروعه بغير جدال ولا خصومة، واقصى الآمال والأماني ان تتوحد الحكومة والأمة فتكون الحكومة كأب بار الرعية، والرعية كأبناء في معاونة الحكومة كي يسعد الجميع ويكون العراق كما يقال عن جمهورية افلاطون والمدينة الفاضلة للفارابي، واهم ما يجب على المراجع المسؤولة انتخاب الموظفين المهذّبين الذين لا يقطعون الصلة بين الحكومة والرعية بسوء تصرفاتهم ولا يجعلون الحكومة كذئاب مفترسة لهذا القطيع الوديع باستعمال الضغط الفظيع من الغطرسة[58] والكبرياء والشره الى الرشوات وارتكاب المنكرات، حاسبوا انفسكم ايها الناس قبل ان تحاسَبوا واجعلوا نصب اعينكم المسؤولية العظمى، يا أيها الناس [إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ][59].


[1] من اراد الاطلاع على تاريخ اسرتنا وتراجم رجالها فعليه بالرجوع الى الكتب التي اوعزنا اليها في ذيل صفحة 17 من هذا الكتاب وغيرها كتاريخ (عالم آراء) وحبيب السير ورياض العلماء وروضات الجنان للحافظ حسين التبريزي المتوفى (997)هـ وهذا الكتاب الأخير سيطبع بتصحيح وتعليق صديقنا الفاضل المحقق (آقا ميرزا جعفر) سلطان القرائي التبريزي ان شاء الله تعالى.

[2] لما تم طبع كتاب (الفردوس الأعلى) ــ الطبعة الثانية ــ وانتشر في ايران والعراق وغيرها نوه به جمع من العلماء وارباب الاقلام النزيهة في الصحف والمجلات، وجاء في مجلة (المواهب) لصاحبها الفاضل الصارمي الصادرة في (بوئنس آيرس) من الارجنتين (اميركا الجنوبية) ما هذا نصه: (الفردوس الأعلى) ــ طبعة ثانية ــ تأليف سماحة العلامة الامام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء.

كان سبق لنا فنفحنا قراء (المواهب) الكرام في عددها 9 و 10 من سنتها الثامنة، بنشر فصل من (الفردوس الأعلى) ــ بعض اسرار الحج ــ لدن ان كان تطول آنذاك مؤلفه البارع الاكرم باهدائنا نسخة منه، بعد ان كنا مهدنا له بكلمة عبرت بايجاز من رأينا الضعيف في (سفر) آية الله المجتهد الاكبر سماحة علامتنا الاجل الامام حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء مد الله بعمره هدى للمؤمنين ورحمة للعالمين.

هذا السفر الجليل (الفردوس الأعلى) الذي وضعه مؤلفه الاعلم الافقه سنة 1371 هجرية، على صاحبها وآله الصلاة والسلام، في ايدي القارئين واعين المستبصرين، سراجاً وهاجاً، يغوصون به في اعماق بحار العلم والعرفان، فتستضيء عقولهم وتستنير افهامهم ومداركهم.

وها اننا الآن، وقد تشرفنا ثانية باهداء نسخة جديدة من الطبعة الثانية لهذا الكتاب الشريف، المزدانة ببعض الزيادات والتنقيحات بقلم سماحة المؤلف، والمطرزة الحواشي بتعليقات قيمة وضيئة واسعة البيان عظيمة النفع، بقلم حضرة المجتهد الكبير العلامة المفضال الثقة السيد محمد علي القاضي الطباطبائي التبريزي (ايران) معيد طبعه ونشره باجازة من =جناب المؤلف الكريم عام 1372هـ. نفعنا بعلمهما وعلمهما في الدنيا والاخرة ووفق ملة الاسلام الى الاخذ بهديهما ورشادهما وتقواهما.

هذه الطبعة الثانية، الحسنة الوضع، المتقنة الطبع، الكريمة الاصل والفرع، التي يسرنا ان نعود فنعطر انفاس القراء منها بشذى الفصل التالي (بعض اسرار الصوم)، والتي ابى العطف وكرم الاخلاق والنبل على ناسج بردتها، آية الله كاشف الغطاء، وعلى معيد طبعها ونشرها استاذنا الجليل القاضي الطباطبائي، الا ان يزيد انابها تشريفاً وتفضلاً وعناية بان اثبتا بصدرها، بعد مقدمة الناشر الفاضل، كلمة (المواهب) بالطبعة الاولى، كما اثبتا كلمتي زميلتنا المجاهدتين في عاصمة الارجنتين (العلم والعربي) و (الرفيق).

وهذا منهما ايدهما الله، يد غراء، وتطول واحسان وانعام، نعود فنكرر عظيم شكرنا لهذه الهدية الثمينة. بل هذه التحفة الفريدة النادرة المثال في زمننا هذا.

ونعود ايضاً فنهنئ رواد العلم بهذا الينبوع الجديد الصافي الذي تفضل به عليهم سماحة الامام كي ينهلوا من معينه ويعبوا من فيضه قال: الخ. انظر مجلة (المواهب) عدد 9 من سنتها التاسعة، رجب 1373هـ ص6 ــ 7.

وجاء في مجلة (الغري) الصادرة في النجف الأشرف لصاحبها العلامة الاستاذ شيخ العراقين آل كاشف الغطاء ــ عدد 1 من سنتها السابعة عشرة 18 رجب سنة: (1374)هـ ما هذا لفظه ص29:

الفردوس الاعلى تأليف المغفور له الامام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (قدس سره) لقد طبع هذا الكتاب لأول مرة في مطبعة الحيدرية لصاحبها الاستاذ محمد كاظم الكتبي في النجف سنة 1371هـ ــ  1952م يقع في 216ص ولنفاد الطبعة الاولى وكثرة الطلب من الرواد عليه، قام سماحة العلامة الشهير السيد محمد علي القاضي الطباطبائي من اشهر العلماء في تبريز تبرعاً منه ومن بعض اخوانه المؤمنين من اهل التقوى والصلاح وفقهم الله لخدمة الدين الحنيف فطبع مرة ثانية بمطبعة (رضائي) في تبريز سنة 1372هـ ــ 1953م يقع في 308ص جميل الطبع صقيل الورق، وفي مقدمته (بيان) بقلم العلامة السيد محمد علي السالف الذكر ذكر فيه آراء العباقرة في الارجنتين وصحف المهجر والعراق وبقية الممالك العربية وادبائها حول الكتاب بالاضافة الى بذل مجهوده في تعليقاته النفيسة وشرحه الوافي يدلك على سعة علمه واطلاعه وتتبعاته، فنلفت انظار القارئ لأقتنائه.

وانظر الى مجلة (مسلمين) الصادرة في طهران عدد (10) سنة 1375هـ ص20 والى مجلة (يغما) الصادرة في طهران عدد 7 من سنتها الثامنة سنة 1334هـ ش ص332. والى جريدة (توحيد افكار) الصادرة في تبريز لصاحبها الدكتور مجتهدي عدد 72 سنة 1373هـ (8) اسفند 1232هـ ش.

[3] ولكن الموت حجز بين راحلنا العظيم وبين انجاز تصميمه الفني لهذا الكتاب (جنة الماوى). وبما ان مواد الكتاب كانت جاهزة في اوراق مبعثرة وموارد متعددة احببنا ابرازها من زاوية الخفاء الى عالم البروز والنشر ولو بغير ذلك النظم والترتيب الذين كان في نظر الامام المؤلف. فان الميسور لا يترك بالمعسور ولأن كل اثر جاد به يراعه الشريف مفيد وكل من يطالع مؤلفات شيخنا الراحل يستفيد فأن نميره عذب سائغ للشاربين.

[4] (الغري) مجلة اسبوعية راقية ادبية ثقافية تصدر في النجف الاشرف ــ بالعراق، وتسعى في تنوير الافكار بالاشعة الدينية والعلمية والادبية وخدمت منذ سنين متطاولة على المجتمع بنشر العلم والحقائق وبث مزايا الدين الاسلامي، والسعي في اصلاح التربية الاولية وغرس اصول الفضائل والاخلاق في نفوس الشبيبة فان حياة الامة بصلاح ابنائها واصلاح نفوس شبيبتها، ونحن نقدم الشكر والتقدير الى صاحبها سماحة العلامة شيخ العراقين آل كاشف الغطاء المحترم بما لاقاه في جهاده وجهوده الجبارة في سبيل الاصلاح وخدمة الانسانية من المشقات والآلام الروحية ونسأل الله تعالى التوفيق له في تلك الخدمات الدينية والاجماعية والله الموفق.

[5] سورة 15 آية: 4.

[6] كان المسلمون في الزمن الغابر جلهم ان لم نقل كلهم آخذون بالحقائق وعاملون بالدين ورافضون التظاهرات والاحتفالات الصورية ولكن اليوم صار الامر بالعكس لا يعرفون معنى الاحتفال الصحيح كما صدع به شيخنا الامام (رحمه الله) وقد رفضوا الحقائق واخذوا بالظواهر، واني اتعجب من بعض الاحتفالات المنعقدة في ايران ولا سيّما في بلدنا تبريز حيث يجتمع فيها بعض الاشخاص الذين لا يحضرون في المجالس الدينية ولا في المساجد الاسلامية طول السنة اصلاً حتى في الايام المتبركة والليالي المباركة ولكن في الاحتفالات ومجالس السرور فهم فيها حاضرون وفي الاجتماع فيها فرحون ولذا تشمئز نفسي بالحضور في تلك الاحتفالات فراراً من المجالسة مع هؤلاء الاشخاص الذين لا يعرفون من الدين الا الحضور في تلك المجالس واما في سائر الاوقات فهم من ارباب السمر والمجون والملاهي.

[7] رأيت هذا البيت في ضمن ثلاثة ابيات بخطه (قدس سره) وهي من اشعاره واولها:

ولي كل يوم موقف ومقالة

 

انادي ليوث العرب ويحكم هبوا

 

ثم ذكر البيت المذكور ثم قال:

وقفت على احياء قومي براعتي

 

وقلبي وهل الا البراعة والقلب

 

كما ذكرناها في المقدمة.

[8] لخص هذا المقال النفيس من كتابه: (الدين والاسلام) الجزء الثالث ــ المخطوط ــ المختص بحياة الرسول العظيم محمد (ص) واهل بيته "عليهم السلام" واما الجزء الرابع منه فمختص بالتشيع، وهو من انفس مؤلفات الامام الراحل، ولم يطبع الى الآن، وقد طبع منه الجزء الأول والثاني فقط، وقد نشر هذا المقال في مجلة (الاعتدال) النجفية في العدد ــ 6 ــ السنة الاولى ــ لصاحبها الاستاذ الكبير محمد علي البلاغي في سنة (1352)هـ.

[9] هذا البيت للعباس عم النبي (ص) وبعده قوله:

فنحن في ذلك الضياء وفي النور

 

وسبل الرشاد نخترق

 

انظر الانوار المحمدية للنبهاني ص25 ط بيروت.

نقل ابن منظور في لسان العرب البيت الاول ثم قال: يقال ضاءت واضاءت بمعنى أي استنارت وصارت مضيئة. انظر اللسان ج1 ص107 ط مصر.

[10] البلسم مادة صمغية تضمد بها الجراحات.

[11] الحرة: الأرض ذات حجارة نخرة سود كانها احرقت بالنار.

[12] البركان جبل النار انظر المنجد ص33 ط 9.

[13] قال امير المؤمنين "عليه السلام" في خطبته المباركة المعروفة بالقاصعة: ( ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله من لدن ان كان فطيماً اعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ومحاسن اخلاق العالم ليله نهاره، ولقد اتبعه اتباع الفصيل اثر امه يرفع لي في كل يوم من اخلاقه علماً ويامرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله (ص) وخديجة وانا ثالثهما ارى نور الوحي والرسالة، واشم ريح النبوة).

مجاورة رسول الله (ص) في شعب حراء مدة من كل سنة وبعد انصرافه منه كان ياتي الى الكعبة قبل ان يدخل بيته فيطوف بها سبعاً ثم يرجع الى بيته مشهور مسلم في كتب الشيعة والسنة كفاك في ذلك كلام الامام امير المؤمنين "عليه السلام" كما سمعت وكان الامام "عليه السلام" صاحبه في حراء وهو يراه ولا يراه غيره فأنه "عليه السلام" كان مصاحباً لرسول الله (ص) منذ صغره لا يفارقه لا في بيته ولا في حراء وادبه رسول الله (ص) بادبه وعلّمه علومه وفي السنة التي اكرمه الله تعالى فيها بالرسالة جاور رسول الله (ص) في حراء شهر رمضان ومعه امير المؤمنين "عليه السلام" فجاءه جبرئيل بالرسالة وسمع الامام "عليه السلام" رنة الشيطان حين نزل الوحي على رسول الله (ص) انظر الى الخطبة (القاصعة).

وحراء بكسر الحاء والتخفيف والمد جبل على ثلاثة اميال من شمال مكة وفي اعلاه غار كان رسول الله (ص) قبل البعثة يختلي للعبادة في ذلك الغار وكان يصوم ويصلي ويشتغل للعبادة فيه وكان تعبده على وفق شريعة نفسه دون شريعة من تقدمه زماناً من الانبياء "عليهم السلام" وعليه اجماع الامامية كما صرح به الاكابر من علمائهم ومذهبهم هو المستفاد من الكتاب والسنة.

[14] طيّر فؤاده وافزعه وازعجه.

[15] سورة 96 آية: 2 ــ 3 ــ 4 ــ 5 ــ 6.

[16] اي الاضطراب.

[17] السذق ليلة الوقود وهي ليلة مشهورة عند الفرس فارسي معرب.

[18] أي الفزع.

[19] سورة 74 آية: 2 ــ 3 ــ 4 ــ 5 ــ 6 ــ 7.

(1)     [20] سورة 29 آية: 48.

خاطب الله نبيه (ص) وقال: وما كنت تتلو من قبله كتاب أي ما كنت تقرأ قبل القرآن كتاباً والمعنى انك لم تحسن القراءة قبل ان يوحى اليك القرآن ولا تخطه بيمينك معناه وما كنت ايضاً تكتبه بيدك اذا لأرتاب المبطلون أي ولو كنت تقرأ كتاباً او تكتبه لوجد المبطلون طريقاً الى اكتساب الشك في امرك والقاء الريبة لضعفة الناس في نبوتك ولقالوا انما= =تقرأ علينا ما جمعته من كتب الاولين فلما ساويتهم في المولد والمنشأ ثم اتيت بما عجزوا عنه وجب ان يعلموا انه من عند الله تعالى وليس من عندك اذ لم تجر العادة ان ينشأ الانسان بين قوم يشاهدون احواله من عند صغره الى كبره ويرونه في حضره وسفره لا يتعلم شيئاً من غيره ثم ياتي من عنده بشيء يعجز الكل عنه وعن بعضه ويقرأ عليهم اقاصيص الاولين، انظر مجمع البيان ج4 ص287 ط صيدا.

[21] كان من عادة الامام كاشف الغطاء (رحمه الله) انه لا يحتفظ في اجوبة المسائل التي ترده من مختلف الاقطار وشتى الاشخاص والاصناف الا النزر منها وقد وجد في خزانة اوراقه خمسة اسئلة عن اميّة النبي الرسول محمد (ص) من عدة اشخاص ولم يوجد معها الجواب، وقد وجد ايضاً هذا الجواب من دون سؤال، ونعتقد انه (رحمه الله) اجاب على السؤال في ذيله وارسله معاً.

[22] سورة 29 آية: 48.

[23] وقد جاء في الاثر اسكتوا عما سكت الله عنه.

نظراً الى ذكر حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين في جواب الشيخ الامام (رحمه الله) نذكر هنا ما ذكره السيد الرضي (رحمه الله) في كتابه: (المجازات النبوية) حول هذا الحديث الشريف قال، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في الكلام الذي تكلّم به يوم الغدير: ( واسألكم عن ثقليَّ كيف خلفتموني فيهما؟، فقيل له: ما الثقلان يا رسول الله؟ فقال: الاكبر منهما كتاب الله سبب، طرف منه بيد الله وطرف بأيديكم) هذه رواية زيد بن ارقم، وفي رواية ابي سعيد الخدري: (حبل ممدود من السماء الى الارض، والاصغر منهما عترتي اهل بيتي، انهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)، وفي رواية اخرى: (حبلان ممدودان من السماء الى الارض)، فان الكلام يعود على الثقلين. وهذه استعارة لأنه عليه الصلاة والسلام شبّه كتاب الله بالحبل الممدود بين الله وبين خلقه يعصم منهم من اعتصم به، ويستنقذ من المهاوي= =والمعطب من اعتلق بطرفه، وليس هناك يد على الحقيقة تعصم المتعلق بها وتستشيل المتورط، وانما ذلك على التمثيل والتشبيه، لأن المستنقذ من الورطة والمنهض من السقطة في الاكثر انما يجتذب بيده ويستعين بسببه فاخرج عليه الصلاة والسلام كلامه على العرف والمعروف والامر المعهود. ومن روى حبلان ممدودان واراد بأحد الحبلين العترة فالمعنى انه عليه الصلاة والسلام اقام عترته مقام الحبل الممدود الذي يكون عصمة المستعصم ونجاة المستسلم كما قلنا في القرآن. وهذا الخبر بتمامه هو خبر يوم الغدير الذي يقول فيه (ص): (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه واخذل من خذله وانصر من نصره) ــ الى ان ذكر (رحمه الله) ــ وفي هذا الخبر ايضاً مجاز وذلك تسميته عليه الصلاة والسلام الكتاب والعترة بالثقلين، وواحدهما ثقل، وهو متاع المسافر الذي يصحبه اذا رحل ويسترفق به اذا نزل فاقام عليه الصلاة والسلام الكتاب والعترة مقام رفيقه في السفر ورفاقه في الحضر وجعلهما بمنزلة المتاع الذي يخلفه بعد وفاته فلذلك احتاج الى ان يوصى بحفظه ومراعاته وقال بعض العلماء انما سميا ثقلين لأن الأخذ بهما ثقيل، وقال بعضهم: انما سميا بذلك لأنهما العدتان اللتان يعوّل في الدين عليهما ويقوم امر العالم بهما، ومنه قيل للانس والجن ثقلان لأنهما اللذان يعمران الارض ويثقلانها. انظر (المجازات النبوية) ص166 ط مصر.

[24] ثبت في كتب التواريخ والسير ولا سيّما سيرة رسول الله (ص) انه لما قرب وفاته (ص) وحان خروج نفسه المقدّسة قال لأمير المؤمنين "عليه السلام": ضع يا علي رأسي في حجرك فقد جاء امر الله فاذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك ثم وجهني الى القبلة وتول امري وصلِّ عليَّ اول الناس ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي واستعن بالله تعالى فأخذ على رأسه فوضعه في حجره. قال الشيخ المفيد (رحمه الله) ثم قبض (ص) ويد امير المؤمنين "عليه السلام" اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها فرفعها الى وجهه فمسحه بها ثم وجهه وغمضه ومد عليه ازاره واشتغل بالنظر في امره.

=قال امير المؤمنين "عليه السلام" في خطبته الشريفة في نهج البلاغة: ( ولقد قبض رسول الله (ص) وان رأسه لعلى صدري ولقد سالت نفسه في كفي فامررتها على وجهي ).

قال ابن ابي الحديد السني المعتزلي في شرح النهج يقال: ان رسول الله (ص) قاء دماً يسيراً وقت موته وان علياً "عليه السلام" مسح بذلك الدم وجهه.

وقال ابن ميثم البحراني (رحمه الله) في شرحه اراد بنفسه دمه ثم ذكر ما نقناه عن ابن ابي الحديد وتبعهما المفتي الشيخ محمد عبده المصري في شرحه ايضا فراجع.

اقول قيء رسول الله (ص) دماً يسيراً وقت موته لم يثبت صحته ولم يصرح به الاكثر في سيرة رسول الله (ص) ولعل منشأ هذا النقل هو حمل لفظ (نفس) على معنى الدم ولذا قال الشارح الخوئي (رحمه الله): والاظهر عندي ان يراد بالنفس نفسه الناطقة القدسية التي هي مبدأ الفكر والذكر والعلم والحلم والنباهة ولها خاصية الحكمة والنزاهة فيكون محصّل المراد بالكلام ان روحه الطيبة الكاملة التي هي المصداق الحقيقي لقوله: [ قل الروح من امر ربي ] والمقصود الأصلي بقوله: ونفخت فيه من روحي، لمّا فارقت جسده الطاهر فاضت بيدي فمسحت بها على وجهي، ولعل هذا مراد بسيلان النفس هبوب النفس عند انقطاع الانفاس هذا وانما مسح بها وجهه اما تيمناً او الحكمة عظيمة لا نعرفها.

ثم على تقدير صحة ما سمعت من شراح نهج البلاغة: ( ان رسول الله (ص) قاء دماً يسيراً وقت موته وان علياً "عليه السلام" مسح بذلك الدم وجهه) يشكّل الامر من جهة نجاسة الدم ظاهراً مطلقاً في الشريعة الاسلامية ولذا قال ابن ميثم البحراني (رحمه الله) في شرحه: ولا ينافي ذلك نجاسة الدم لجواز ان يخصص دم الرسول (ص) كما روي ان ابا طيبة الحجام شرب دمه حين حجمه فقال (ص): ( اذا لا ينجع بطنك) وفيه ان مسح امير المؤمنين "عليه السلام" بذلك الدم وجهه لا ينافي نجاسة الدم مطلقاً فان تنجيس البدن والوجه لا دليل على عدم جوازه وقال الشارح الخوئي (رحمه الله) اما طهارة دم النبي (ص) فلا ريب فيها ويشهد بها آية التطهير.

الحكم في مسألة الدم مطلقاً بحسب ظواهر الادلة الفقهية هو النجاسة فان الادلة الشرعية دالة على ان الدم مطلقاً نجس وعمل بتلك الادلة الشيعة والسنة ودم المعصوم "عليه السلام" داخل في جملة الدماء فيكون من جزئيات تلك المسالة ومن صغريات تلك الكبرى الكلية، والنبي (ص) والائمة "عليهم السلام" كانوا مواظبين لحفظ ظواهر الشرع والعمل باحكام الاسلام والنبي (ص) هو المشرّع الاول والمحافظ على العمل بجميع احكام الشريعة التي اتانا بها من الله تعالى ولا يصدر منه أية مخالفة للشرع الذي جاء به من جانب الله واما ما ذكره ابن ميثم البحراني (رحمه الله) من جواز ان يخصص دم الرسول (ص) فهو مجرد احتمال لا دليل عليه، واما آية التطهير كما اشار اليه الشارح الخوئي (رحمه الله) فلا دلالة فيها على نفي النجاسات الظاهرية فأن مصبها في الأرجاس الباطنية من الذنب والسهو والنسيان والخطأ والجهل وغيرها.

فالقول ان حكم الدم مطلقاً في شريعة الاسلام هو النجاسة ظاهراً مما لا محيص من المصير اليه وينبغي ان يقال ان اللازم على جميع المسلمين بحسب شرع الاسلام المقدّس في رأسهم النبي (ص) نفسه ثم الامام "عليهم السلام" بعده الالتزام بجميع احكامه والعمل بها فكيف يصدر من النبي (ص) او الامام "عليهم السلام" المخالفة عليها واما حقيقة المسألة في الباطن فهل دم المعصوم "عليهم السلام" طاهر او نجس واقعاً؟ فلا ينبغي التكلم فيها اصلاً لخروجها عن مورد ابتلائنا في هذه الازمنة وعدم كونها من الاعتقاديات او الفروعات فلو حضر المعصوم "عليهم السلام" واتفق لنا الملاقاة بدمه الشريف =ففي ذلك اليوم هو حاضر يسأل عن حكم المسألة باطناً فلا فائدة في اصرار جمع من الناس من اصحاب الوسواس الذين صاروا سبباً للتفرقة بين الشيعة بابداء الآراء السخيفة والعقائد الباطلة على التكلم في حكم دم الامام "عليهم السلام" او بوله وتجوالهم في ميادين هذه المسائل الخارجة من ابتلائنا في هذا الزمان. وقد تسببت هذه الفرقة بان ابتلى مجتمعنا المذهبي سنين متمادية بالبحث والتكلم حول امثال هذه المسائل الواهية نسأل الله ان يهديهم الى سواء السبيل.

[25] يعبّر علماء النفس عن هذه النفس بالشعور او الوعي.

[26] يعبر عنها بـ(أنا) العالم النفسي فرويد، ويعبّر عنها بعض علماء النفس (فوق الشعور) وفوق الشعور مرتبط باللاشعور.

[27] سورة 25 آية: 47.

[28] وبمناسبة ذكر شيخنا الامام (رحمه الله) (الحقيقة المحمدية) في كلامه يجدر بنا ان نذكر فيما يلي من هفوات بعض من صدر منه الآراء السخيفة وادعي ان كل اسماء الله تعالى وصفات الله العليا لا يجوز اطلاقها على الله تعالى لا حقيقة ولا مجازاً ولا يقع عليه تعالى اسم ولا صفة فان كل الاسماء والصفات والعبادات والاذكار والخطابات الفاظ ومخلوقات وحادثات والحادثات غير مربوطة بالواجب تعالى ولا يمكن ان يكون المرجع للحادث هو الواجب فان تعلق =الحادث الى ذات الله تعالى وارتباطهما لا يعقل فلا بد من ربطه الى حادث مثله وذلك الحادث من فعل الله تعالى فيكون هو معنى هذه الالفاظ من الاسماء الحسنى والصفات العليا وتلك الالفاظ دالة على ذلك المعنى الحادث وهو مدلولها وذلك المعنى المدلول هو الحقيقة المحمدية ونورانية محمد وآل محمد (ص) وقال هذا لفظه: (وحيث لا يمكن ان يدعي بذاته لعدم امكان ذلك تعين ان يدعى بالاسماء الحسنى فانحصرت العبادة التي هي فعل ما يرضى والعبودية التي هي رضى ما يفعل فيهم "عليهم السلام" وبهم لأن التقديس والتحميد والتكبير والتهليل والخضوع والخشوع والركوع والسجود وجميع الطاعات وانواع العبادات وكذلك العبودية كل ذلك اسماء ومعانيها تلك الذوات المقدّسة والحقائق الالهية التي خلقها الله لنفسه وخلق خلقه لها وهي اسماؤه الحسنى وامثاله العليا ونعمه التي لا تحصى وهي التي اختص بها وامر عباده ان يدعوه بها قال تعالى ولله الاسماء الحسنى فأدعوه بها).

وله امثال هذه الكلمات السخيفة كثيرة وما ذكرناه هو ملخّص مقصوده المفضي الى الهلكة الهلكاء والشقة السوداء واساس هذه العقيدة وامثالها مأخوذة من التعاليم الباطنية وتعاليمهم غير مأخوذة من التعاليم الاسلامية.

ومن افحش اغلاط هذه العقيدة الباطلة هو نسبة الشرك والكفر ــ العياذ بالله ــ الى خاتم الانبياء (ص) واوصيائه المعصومين "عليهم السلام" فان على هذا المسلك يلزم ان يكون خطابات رسول الله (ص) وكذا الائمة "عليهم السلام" في صلواتهم وادعيتهم وجميع عباداتهم راجعة الى نفوسهم المقدّسة ويكون قول رسول الله (ص) في صلواته: (اياك نعبد) راجعاً الى قوله: (اياي اعبد) وكذا سائر الاسماء والصفات التي كانوا يدعون الله تعالى بها راجعة الى نفوسهم الشريفة فكانوا ــ والعياذ بالله ــ يدعون الناس الى العبادة بانفسهم المقدّسة.

[مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ]، (سورة 3 آية: 74).

والقائل بهذه العقيدة الفاسدة لما لم يقدر على تصحيح مسألة كيفية ربط الحادث بالقديم ولم يتحققها بالبحث والتحليل العلمي الصحيح ولذا تورط في المسالك والمهالك الوعرة والغياهب المدهشة والمطالب المطرودة واما معتقده كما ذكرناه اجمالاً فهو من افحش الاباطيل والاضاليل واغلاطه اكثر من ان يذكر ويدل على بطلانه وجوه كثيرة لا مجال لذكرها في المقام وقد ذكرها على نحو التحقيق المجتهد الكبير السيد اسماعيل النوري الطبري (رحمه الله) في كتابه كفاية الموحدين في المجلد الاول.

واما ما ورد في بعض الاخبار عن الائمة الاطهار "عليهم السلام" نحن الاسماء الحسنى او نحن الصلاة في كتاب الله او نحن وجه الله او في بعض الزيارات: السلام على اسم الله الرضي، ونظائر هذه الكلمات فهي كلها من المجازات والكنايات او اشارة الى معاني اخرى صحيحة وليس المراد منها تلك الخزعبلات كما هو مذكور في المطولات.

[29] سورة 20 آية: 27 ــ 28 ــ 29 ــ 30.

[30] سورة 23 آية: 30 ــ 31.

[31] سورة 11 آية: 44.

[32]  سورة 11 آية: 51.

[33] سورة 5 آية: 6.

[34] عباس بن عبد المطلب عم رسول الله (ص) سيد من سادات اصحابه واصحاب امير المؤمنين "عليهم السلام" ولد قبل عام الفيل بثلاث سنين على قول الواقدي وقال ابن حجر في الاصابة: ولد قبل رسول الله (ص) بسنتين. كان طويلاً جميلاً ابيض، مات سنة اثنتين وثلاثين، انظر تنقيح المقال ج2 ص121 ط النجف، الاصابة ج2 ص263 ط مصر.

[35] سورة 44 آية: 3.

[36] سورة 31 آية: 27.

[37] سورة 18 آية: 110.

[38] قال الحاكم في (المستدرك) 3: 483: وقد تواترت الاخبار ان فاطمة بنت اسد ولدت امير المؤمنين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة.

وقال احمد بن عبد الرحيم الدهلوي الشهير بشاه ولي الله والد عبد العزيز الدهلوي مصنف (التحفة الاثنى عشرية في الرد على الشيعة) في كتابه (ازالة الخفاء): تواترت الاخبار ان فاطمة بنت اسد ولدت امير المؤمنين علياً في جوف الكعبة فأنه ولد يوم الجمعة ثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة في الكعبة ولم يولد فيها احد سواه قبله ولا بعده.

[39] عبد الباقي بن سليمان بن احمد العمري الفاروقي شاعر كبير ومؤرخ ولد بالموصل في بيت علم وادب سنة: (1204)هـ وانتقل الى بغداد فاستمر فيها الى ان توفى (1278)هـ وله اشعار وقصائد في مدح اهل البيت وبيت الوحي "عليهم السلام" ولا سيما امير المؤمنين "عليه السلام"، وفي بعض النسخ: المصرع الاخير كما يلي:

ببطن مكة عند البيت اذ وضعا

قال شهاب الدين الالوسي صاحب التفسير الكبير في ( سرح الخريدة الغبية في شرح القصيدة العينية) عند شرح البيت المذكور ما هذا لفظه: (وكون الامير كرم الله وجهه ولد في البيت امر مشهور في الدنيا وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة ــ الى ان قال ــ ولم يشتهر وضع غيره كرم الله وجهه كما اشتهر وضعه بل لم تتفق الكلمة عليه، وما احرى بامام الائمة ان يكون وضعه فيما هو قبلة للمؤمنين؟ وسبحان من وضع الاشياء في مواضعها وهو احكم الحاكمين. انظر ص15 وانظر الاعلام للزركلي ج3 ص474 وريحانة الادب ج3 ص176.

[40] سورة 17 آية: 84.

[41] انظر الى الارشاد للديلمي (رحمه الله) ج2 ص25 ط النجف ولكنه نسبه الى بعض الشعراء ولم يسمه. وذكر في اشعاره قبل هذا البيت ما اشار اليه شيخنا الامام (رحمه الله) بقوله: (ان النبي (ص) كان يحدث عن المعراج..الخ).

[42] الجوهر على خمسة اقسام: لأنه اما محل فهو الهيولي واما حال فهو الصورة واما مركب منهما فهو الجسم واما ان يتعلّق البدن تعلّق التدبير والتصرف فهو النفس (الروح) والا فهو العقل.

والعرض منحصر في المقولات التسع على المشهور:

الاول: الكم وهو الذي يقبل القسمة لذاته كالجسم والسطح والخط وهو قسمان: متصلة ان كان بين الاجزاء حد مشترك كالنقطة. ومنفصلة ان لم يكن بين اجزائه حد مشترك كالعدد، والمتصلة اما قار الذات فكالخط والسطح والثخن أي الجسم التعليمي. واما غير قار الذات فهو الزمان فأنه كم متصل بذاته وان عرض له العدد فيصير كماً منفصلاً بالعرض من حيث انه قد يقسم الى ساعات وايام وشهور واعوام.

الثاني: الكيف وهو عرض لا يقتضي لذاته قسمة ولا نسبة كالالوان والرطوبة والبرودة والحرارة والكيفيات الاستعدادية والكيفيات النفسانية كالعلم والقدرة والحدة والشجاعة ونظائرها.

الثالث: الاضافة وهي نسبة معقولة بالقياس الى نسبة اخرى معقولة بالقياس الى الاولى ونفس الاضافة تسمى مضافاً حقيقياً والمجموع المرّكب منهما وهو ما يعرضه الاضافة مضافاً مشهورياً والنسبة المتكررة كالابوة والبنوة.

الرابع: الاين وهو كون الشيء في الحيز وانواعه اربعة: الحركة، والسكون، والاجتماع، والافتراق.

الخامس: المتى وهو النسبة الى الزمان وهو كونه فيه.

السادس: الوضع وهو هيئة تعرض للجسم كالقيام والقعود.

السابع: الملك وتسمى الجدة كالتعمم والتقمّص والتنعّل.

الثامن: الفعل كالقاطع مادام يقطع.

التاسع: الانفعال كالتسخن والتسود.

[43] الخلفاء الفاطميون يقال لهم: العبيديون ايضاً، صارت السلطة والسلطة بعنوان الخلافة لهم في مصر ونواحيها من سنة 296 الى 567 وعددهم اربعة عشر نفساً، وهم من السادات الاشراف والمحققون متفقون على انهم من السادات العلويين ولا شك في انتسابهم الى اهل البيت "عليهم السلام" وانكار نسبهم كما صدر عن بعض المؤرخين ناشئ من تعصّب بغيض ــ خذ اول صفحة 4 ط مصر ــ من تاريخ الخلفاء للسيوطي فانك ترى من آثار العداوة والبغضاء والحكم والالحاد في حق الخلفاء الفاطميين شيئاً عجيباً وذنبهم في هذا التحامل عليهم من خصمائهم ليس كونهم من الشيعة والازهر الشريف من آثارهم، ومن صدع بالحق ودافع عنهم كالمقريزي يرمونه اعداؤهم بالكلمات الخاطئة وبالبهتان والافتراء وبكل افيكة، وسيأتي في كلمات شيخنا الامام (رحمه الله) الدفاع عن الفاطميين، وانظر ايضاً لمزيد البصيرة في حقهم الى مقدمة: (تبيين المعاني في شرح ديوان ابن هاني) الاندلسي المغربي للدكتور زاهد علي الهندي ط مصر سنة 1357هـ.

[44] ثرثر ثرثرة الشيء: بدده، الكلام: كثرة في تردد وتخليط.

[45] طفح الاناء: امتلاء وفاض، الاناء ملأه (لازم متعد).

[46] ذرا ذرواً الريح التراب: اطارته وفرقته. ــ الحنطة: نقاها في الرياح.

[47] نقلنا هذه الاشعار من خطه (ق) في المقدمة ص44 وفيها زيادة وتغيير في بعض الالفاظ ولعله غيرها هنا نظراً الى بعض المناسبات المقامية.

[48] انظر الجزء الاول من (الدين والاسلام) ص13 ط صيدا، ولكن البيت الثاني فيه كما يلي:

اموت وقد بلوت النفس دفعاً
 

كما تحمي مواطنها الاسود

 

 

[49] جشع: حرص وطمع اشد الحرص واسوء الطمع.

[50] سورة 9 آية: 30.

[51] السمسار المتوسط بين البائع والشاري والساعي للواحد منهما في استجلاب الآخر. مالك الشيء وقيمه. سمسار الارض: العالم بها. جمع سماسرة.

[52] سورة 15 آية: 4.

[53] هذه المدارس الرسمية للشباب في الشرق سواء كانت في العراق او في ايران او غيرهما من الممالك الشرقية، فاقدة للفضائل كلها فان الروح الغربي نفذت في جسدها وسلبت منها كل الفضائل الانسانية والكمالات النفسانية والتعاليم الدينية الروحية وقد جاءت روح الغربي بالتوحّش بأسم التمدن فنزعت كل الفضائل منا، قال شيخنا الامام (رحمه الله) في الجزء الاول من كتابه (الدين والاسلام) ما هذا لفظه: نفذت الروح الغربية في جسد الشرق وجسم العالم الاسلامي فانتزعت منه كل عاطفة شريفة واحساس روحي وشرف معنوي ومجد باذخ واستقلال ذاتي ــ الى ان قال: تسمع بالمسلم الشرقي الذي يلهج بالمحاماة والذب عن الدين الاسلامي والتناصر له فاذا وقع بصرك عليه وجدته غربياً من قرنه الى قدمه غربي الاهواء غربي الازياء غربي الاميال، غربي الشكل، غربي اللباس، غربي الظاهر كله، (والله اعلم بالباطن) غربياً في كل شيء وليس عليه اثر الاسلام شيء تقليداً اعمى، وجهلاً مطبقاً، واعجاباً بزخارف الدنيا وسفاسف الامور، واغترار بالعرضيات عن الحقائق والجوهريات.

ولذلك ليس في اكثر المعلمين وغيرهم في هذه المدارس في الشرق حفظ مجدهم وشرفهم الديني والوطني وحفاظة الاستقلال الذاتي وانما همهم واهتمامهم على اخذ الرواتب من وزارة المعارف وتحصيل الدرهم والدينار من واي طريق حصل واي سبيل وصل ولا اهتمام لهم لتربية الشباب بالتعاليم الروحية والآداب الدينية ولا نتيجة لهذا الطريق الذي سلكوا الا الفوضى وجر الشباب الى الشيوعية الحمراء او السوداء.

[54] يقصد معلي نجيب الراوي الابن الثاني للشيخ ابراهيم الراوي وكان معاليه حين ذاك وزيرا للمعارف في العراق سابقاً.

[55] هم السبب الوحيد على فساد اخلاق الناس وسوقهم الى التوحش والهمجية ونعم ما قيل:

وما افسد الناس الا الملوك

 

واحبار دين ورهبانها

 

 

 

[56] ولا يخفى لطفه.

[57] اعلم ايها القارئ الكريم اني حينما كنت اكتب هذه الكلمات المتوقّدة من كلمات شيخنا الامام الراحل (رحمه الله) لمطبعة وقد اشتهر في الدنيا ان الدولة الايرانية اعترفت باسرائيل ــ الصهيونية الشريرة ــ وان فضيلة العلامة الاكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ جامع الازهر الشريف استنكر ذلك وشكا من هذا العمل المنكر برقيا الى سماحة امام الشيعة آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم في جامعة النجف الاشرف بالعراق وبادر سيدنا الامام الحكيم الى ابلاغ الاستنكار الشديد الى المسؤولين في ايران بواسطة السيد محمد البهبهاني في طهران فاحببت ان اثبت هنا استنكار سيّدنا الامام الحكيم وملّخص جواب البهبهاني وما اجاب به استاذنا الامام المرجع الاعلى الى فضيلة شيخ جامع الازهر فأليك نص كلماتهم فيما يلي:

الى...البهبهاني دامت بركاته ــ طهران:

ان نبأ اعتراف ايران باسرائيل احدث ضجة عظيمة في المسلمين واستنكاراً شديداً في اوساطهم فالمامول نصح المسؤولين بالمحافظة على واجبهم الاسلامي ورعاية شعور المسلمين والله سبحانه الموفق المعين.

محسن الطباطبائي الحكيم

ملخّص جواب السيد محمد البهبهاني:

النجف الأشرف. سماحة حجة الاسلام آية الله السيد محسن الحكيم دام ظله العالي وصلت برقيتكم الكريمة واعلمنا صاحب الجلالة الشاهنشاهي بما تضمنته البرقية فاجاب جلالته بعدم صدور أي شيء من الحكومة= =الأيرانية يدل على الأعتراف بحكومة اسرائيل وكما ان الحكومة الايرانية ليست بصدد ذلك في المستقبل وان صاحب الجلالة حريص على حفظ مصالح المسلمين في جميع اقطار العالم. وسوف تجدون تفصيل ذلك في جواب العلاّمة الاستاذ الشيخ محمود شلتوت في الصحف الرسمية وغيرها التي تنشر في طهران دام ظلكم العالي متع الله المسلمين بطول بقائكم.

الاحقر محمد الموسوي البهبهاني عفى عنه

برقية امام الشيعة الحكيم الى فضيلة شيخ جامع الأزهر:

فضيلة العلاّمة الجليل الشيخ محمود شلتوت شيخ جامع الأزهر ــ القاهرة، تلقّينا برقيتكم الكريمة تستنكرون فيها اعتراف ايران باسرائيل فشكرنا لكم اهتمامكم بأمور المسلمين وحرصكم على تقوية الرابطة الاسلامية بينهم واننا منذ بلّغنا نبأ هذا الاعتراف بادرنا الى ابلاغ استنكارنا الشديد الى المسؤولين في ايران بواسطة بعض اخواننا العلماء في طهران واوضحنا لهم خطورة الموقف واستياء الأمة الاسلامية ونصحنا لهم بالأحتفاظ بواجبهم الاسلامي ورعاية شعور المسلمين وتلقينا الجواب موضّحاً عدم صدور أي اعتراف من ايران باسرائيل وانه ليس في نية الحكومة ذلك لا في الوقت الحاضر ولا في المستقبل ومظهراً للعطف على قضايا المسلمين في كل مكان.

واننا اذ نستنكر كل خطوة تتخذ لتعزيز كيان اسرائيل من أي جهة كانت نلفت انظار المسلمين كافة الى الظرف العصيب الذي يحيط بهم وندعوهم جميعاً الى رص صفوفهم وتوحيد كلمتهم ليقفوا جبهة موحدة امام التيارات العاتية من قوى الظلم والكفر والطغيان والتي جعلت همها الاول محاربة الاسلام وابعاده عن واقع المسلمين وما اقامة اسرائيل في فلسطين الامثل من الامثلة الكثيرة على محاولة ضرب الاسلام والوقوف في طريقه.

ومن هنا كان لزاماً على المسلمين عامة والحكومات القائمة في بلاد المسلمين خاصة ان يرجعوا الى حظيرة الاسلام ويلتفوا حول لوائه الظافر الذي هو عنوان نصرهم وعزّتهم ويستمدوا تشريعاتهم من ينبوعه الثري ومنهله الصافي ليستعيدوا مجدهم وكرامتهم ويحللوا ما حلل الاسلام ويحرموا ما حرمه.

وما هذه المآسي التي ضجّت بها حياة المسلمين الا اثر من آثار تهاونهم في الاسلام وابعاده عن ادارة شؤون الامة الامر الذي ينذرهم بالخطر ويهددهم بالخذلان وختاماً نبتهل الى العلي القدير ان يجمع كلمة المسلمين على التقوى والهدى ويأخذ بايديهم الى ما فيه صلاحهم ونجاحهم انه سميع مجيب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محسن الطباطبائي الحكيم

في هذه الكلمات النيرة ايقاظ ان نكبة الامة والحكومات الاسلامية عامة ليست الا عدم تمسكهم بالقرآن وعدم اخذهم بتعاليمه المقدّسة وقد نبذوا احكام الاسلام وقوانينه على ورائهم ظهريا فوقعوا في الانحطاط والخزي والعار ورزايا الذل والاستعمار.

[58] غطرس غطرسة على فلان: تكبّر ــ الرجل: تطاول على اقرانه.

[59] سورة 31 آية: 34.

 


 

 
امتیاز دهی
 
 

 
خانه | بازگشت | حريم خصوصي كاربران |
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما