يكشنبه 16 ارديبهشت 1403  
 
 
سؤال عن تضحية اصحاب الحسين (ع )

 جنة المأوى

آية الله العظمى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء "قدس سره"

  



 

 

بسمه تعالى له الحمد والمجد

موقف الحسين (عليه السلام) واصحابه يوم الطف

لقد وقفوا في ذلك اليوم موقفاً

 

الى الحشر لا يزداد الا معاليا

 

وذاك لأن موقفهم ذلك اليوم ما كان عملاً من اعمال الانام وحادثة غريبة من حوادث الايام بل كانت عملاً ربوبياً، وطلسماً الهياً.

نعم هي دروس الهية، وتعاليم روحية، املأها على جوامع الجبروت وصوامع الملكوت، لأجيال الأبدية، واحقاب السرمدية، واعقاب البشرية اكبر استاذ الهي، ومعلم ربوبي مع سبعين نفر من اهل بيته وخاصّته، وخريجي جامعته، ما فتح الدهر سمعه وبصره على مثيل لهم قطّ.

وقفوا ضحوة من النهار على تلال الطفّ فألقوا على الأملاك والافلاك والأرض والسماء والانس والجن دروساً طاشت لها الألباب، وذهلت عندها البصائر، ذاك لأن تلك الدروس ما كانت اقوالاً وكلمات، والفاظاً وعبارات، بل كانت اعمالاً جبارة، وتضحيات قهّارة، وعزائم ملتهبة، وخاضوا لجج غمرات البلاء شعلاً نارية بل نووية التمع منها في آفاق الأبدية سطور تسجّل احتقار هذه الحياة مهما كانت شهيّة بهية، وتبرهن انها مهما غلت وعزّت فهي ارخص ما يبذل في سبيل المبدأ، واهون ما ينبذ في طريق الشرف والكرامة وسمّو العقيدة ونبالة الذكر الخالد والمجد المؤبّد، وليست القضيّة قضيّة تقابل بين مزاج يعمل للاريحية والنخوة ومزاج يعمل للمنفعة والغنيمة ونزاع بين العقائد عراك بين الكفر والايمان، وحراب بين الشرك والتوحيد بل بين الدين والجهود، والروح والمادة والفضيلة والرذيلة.

نعم الحرب والتي كانت بين محمد (ص) وابي سفيان في بدر واحد والأحزاب سوى ان الأول ظفر بالثاني بالغالبية في محاربة الحسين (عليه السلام) ويزيد يوم الطف ظفر الأول بالثاني بالمغلوبية فأنعكست القضية هنا فصار المقتول هو القاتل والمغلوب هو الغالب، المقتول غالب والقاتل مغلوب نعم كان القراع والصراع على ذلك المبدأ اولاً واخيراً، ولولا نهضة الحسين (عليه السلام) واصحابه يوم الطف لما قام للاسلام عمود ولا اخضرّ له عود، ولأماتة ابو سفيان وابناء معاوية ويزيد في مهده، ولدفنوه من اول عهده في لحده ولعل مراد القائل بالنخوة والحميّة هذه المعاني السامية ولما ضاقت عليه العبارة رمز اليه بالاشارة، وعلى كلّ فالمسلمون جميعا بل والاسلام من ساعة قيامه الى قيام الساعة رهين شكر للحسين (عليه السلام) واصحابه على ذلك الموقف الذي اقلّ ما يقال فيه:

لقد وقفوا في ذلك اليوم موقفاً

 

الى الحشر لا يزداد الاً معاليا

 

هل البكاء على الحسين (عليه السلام) اغراء للشيعة؟

سؤال ورد للامام كاشف الغطاء (رحمه الله) من فضيلة الشيخ كاظم الخطيب[1] وهو: هل في قراءة الخطيب للأخبار الواردة في ثواب البكاء على الحسين (عليه السلام) كما هو مذكور في محله من المقاتل الحسينية اغراء للشيعة يوجب حرمة قراءتها؟.

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

سلام الله وتحياته وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد

جزاك الله عن أخ لك في الله يواليك ويحبّك لوجه الله تعالى.

ويؤسفني بل ويؤلمني اشد الألم ان تجول الصروف والظروف القاسية بيني وبينك فلا يتمتع بصري رؤياك ولا سمعي بحديثك ولكن لا محيص من قضاء الله وقدره، كما لامحيص من الرضاء بقضائه والعاقبة للمتقين، اما الأخبار الواردة في ثواب البكاء على الحسين (عليه السلام) او زيارته فهي وان كانت عظيمة ولكنه ولله المجد والعظمة اعظم من ذلك ويستحقّ اكثر من ذلك ولكن اللازم على خطباء المنابر والذاكرين لرزية الحسين (عليه السلام) في هذا العصر الذي ضعفت فيه علاقة الدين وتجرأ الناس على المعاصي وتجاهروا بالكبائر ان يفهموا انّ الحسين (عليه السلام) قتل وبذل نفسه لأجل العمل بشعائر الدين، فمن لا يلتزم بأحكام الاسلام ويتجاهر بالمعاصي فالحسين (عليه السلام) منه برئ كبراءته من يزيد واصحاب يزيد، واما ذكر اخبار الثواب فقط ففيها أعظم الأغراء، وقد تنبه كثير من الكتّاب وذوي الألباب ونشروا ذلك في الصحف حتى ان بعضهم كتب مقالاً واسعاً في هذا المعنى وجعل العنوان (جنايتنا على الحسين) وحقاً ان اكثر اعمالنا جناية عظمى على الحسين (عليه السلام) ولا مجال للبيان اكثر من هذا، وفقكم الله لكل عمل صالح بدعاء.

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

التضحية في ضاحية الطف[2]

ان التضحية والمفاداة التي تسامى وتعالى بها امام الشهداء وابو الأئمة يوم الطف من أي ناحية نظرت اليها، ومن كل وجهة اتجهت لها متأملاً فيها اعطتك دروساً وعبراً، واسراراً وحكماً نخضع لها الألباب وتسجد في محراب عظمتها العقول، واقعة الطفّ وشهادة سيد الشهداء واصحابه في تلك العرصات كتاب مشحون بالآيات الباهرات والعظات البليغة فهي:

كالبدر من حيث التفت وجدته

 

يهذي الى عينك نورا ثاقبا

 

او:

كالشمس في كبد السماء ونورها

 

يغشي البلاد مشارقاً ومغاربا

 

او:

كالبحر يمنح للقريب جواهرا

 

يغشي البلاد ويبعث للبعيد سحائبا

 

هذه الدنيا وشهواتها ولذائذها وزينتها وزخارفها التي يتكالب عليها البشر ويتهاوى على مذبحها ضحايا الأنام، هذه الدنيا التي اتخذها كل واحد من الناس ربّا وصار عبداً لها ولمن في يده شيء منها فلعبت بهم ولعبوا بها، هذه الدنيا وشهواتها التي اشار جلّت عظمته الى جمهرتها بقوله تعالى: [زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ][3] كانت كل هذه النفائس الدنيوية قد توفر للحسين (عليه السلام) اكملها واجملها من المال والبنين والنساء والخيل المسومة مضافاً الى ما كان له من العزّ والكرامة وكلّ مؤهلات الشرف والتقدير التي استحقّها بحسبه ونسبه وبيته ومواهبه وقد كان في ذلك العصر لا يوازيه ولا يدانيه احد في دنيا المفاخر والمآثر، الكل يعترف ويعرف ما له من عظيم القدر ورفيع المنزلة، فسلّم المجد والصعود الى السماء بيمينه، ومفاتيح خزائن الدنيا في قبضة شماله، ومع ذلك كلّه فحين جدّ الجدّ وحقّت الحقيقة بذل كلّ ذلك وضحّى به في ضاحية يوم الطف، وفي سبيل المبدأ كان اهون شيء عليه كل تلك النفائس، وما اكتفى حتّى بذل نفسه وجسده ورأسه واوصاله واولاده وكلّ حبيب له وعزيز عليه في سبيل حبيبه الأعلى ومعشوقه الأول، أفليس هو الجدير والحرى بأن يقول:

وبما شئت في هواك اختبرني

 

فاختياري ما كان فيه رضاكا

 

يحشر العاشقون تحت لوائي

 

وجميع الملاح تحت لواكا

 


 

واقتباس النوار من ظاهري

 

غير عجيب وباطني مأواكا

 

ساعة الوداع لسيد الشهداء (عليه السلام)

كلّما ازداد الشيء عظمة وتعالي خيراً وبركة، وتوفّرت غرر اوصافه من جميع اطرافه، وتسامت معاليه من كلّ مناحيه ازدادت حيرة العقول فيه، وقصرت الأفهام عن ادراك كنهه واداء حقّه، هناك وما ادريك ما هناك، تقف الافهام، وتنكسر الأقلام، وتطيش اللباب، وتوصد الابواب دون الدخول الى مجاز حقيقته وحقيقة مجازه، وحلّ الغازه، ومعرفة سرّ اعجازه مهما اطنبت واطالت، ومهما انشأت وقالت فأنّ قصارها الاعتراف بالتقصير بل القصور عن التعبير والتصوير.

خذ اليك مثلاً على ذلك هذا القرآن العظيم فقد مضى على نزوله من المبدأ العلى من السماء الاسمى الى هذه الأرض السفلى زهاء اربعة عشر قرناً الف سنة وزهاء اربعمائة عام، وفي كل عام من الصدر الأول الى اليوم تنشر عنه المقالات وتؤلف المؤلفات، مطوّلة ومختصرة عن بلاغته وفصاحته، واعجاز آياته ودقائق نكاته، وربما ينوف هذا النوع من المؤلفات على الالوف بل عشرات الالوف، ولكن أترى ان جميع اولئك الكتبة بلغوا من عظمة مقدار عشر معشاره؟ او وزنوا دانقاً من قنطاره؟ او انتهلوا القطرة من بحره؟ او اهتبلوا الذرة من ذروته؟ لا ولا وكلاّ ولقد احسن العارف ابن الفارض فيما فرض في احدى عرفانياته حيث قال:

وعلى افتنان الواصفين بوصفه

 

يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف

 

ولعل من قال ان القرآن لم يفسّر حتى الآن لم يبالغ فيما قال كل ذلك لتعاظم القرآن وتساميه، وارتفاع افق اسراره عن افق ادراك البشر.

ومن هذا القبيل وعلى هذا السبيل فاجعة الطفّ التي حدثت عام احدى وستين هجرية، ولا يزال المؤرخون وارباب السير والمقاتل والفلاسفة والادباء وكتبة الشرق والغرب يكتبون عنها باحثين عن جريان سيرها وتسلسل اسبابها، واليم وقعها، وعظيم هولها نظما ونثراً، وتمثيلاً وتحليلاً، حتى لو امكن تعداد نجوم السماء، وجاز الصعود الى الجوزاء امكن احصاء كل ما قيل ما نظم وما نثر في هذه الحادثة النكراء التي ما حدث في عصر من العصور نظيرها ولا حدث التاريخ بمثلها، ولكن كأن كل من كتب فيها اوجز او اطنب، وقصّر او اطال ما اعترضها الاً من ناحيتها السطحية ولا تناولها الاً من وجهتها التاريخية، وما اقلّ من استطاع سبر جرحها الدامي وغورها العميق، واسرارها الغامضة من كلّ ناحية من نواحيها وكلّ فصل من فصولها، لأنه على الغالب غير مستطاع لهم ولا تصل الى اقلّه اكثر او اكبر مداركهم.

على القاعدة التي افتتحنا بها كلمتنا من انّ الشيء كلّما ازداد عظمة تزداد فيه الحيرة، فترتبك الأفهام، وتقف الأقلام، وتعجز الأرقام، قل لي بربك ريشة ايّ رسام مصوّر مهما كان فناناً بارعاً ومصوّراً ماهراً يستطيع ان يمثّل ويصوّر لك حالة الحسين (عليه السلام) بعد الظهر بساعتين من يوم عاشوراء بعد مصرع جميع اولاده واخوته وبني اخيه وبني عمومته جعفر وعقيل وجمهرة اصحابه حتى الأطفال والشباب الذي لم يبلغ الحلم، فها هي جثثهم على رقعة الارض المحمرة بدمائهم في حرّ الهجير تصهرهم الشمس نصب عينه بين المعركة والمخيم، وقد خفقت اجنحة المنية على رأسه، وجراحته تشخب دماً، وقد بنى عليه درعه بنياناً، وحال العطش بينه وبين السماء كالدخان، ولما رأى انه لم يبق بينه وبين الشهادة الاّ سويعة، ليس بينه وبين هبوط جسده المبضّع الى الأرض وعروج روحه المعذبة الى السماء، نعم لم يبق الاّ هذه الحملة الأخيرة يدخل الى الميدان ثمّ لا يخرج منه الاّ ورأسه على السنان.

نعم من ذا الذي يقدر ان يصوّر لك الحسين (عليه السلام) وقد تلاطمت امواج البلاء حوله، وصبّت عليه المصائب من كلّ جانب، وفي تلك الحال عزم على توديع العيال ومن بقى من الاطفال، فاقترب من السرادق المضروب على حرائر النبوة وبنات علي والزهراء (عليهم السلام) فخرجت المخدرات من الخدور كسرب القطا المذعور، فأحطن به وهو سابح بدمائه، فهل تستطيع ان تتصور حالهن وحال الحسين (عليه السلام) في ذلك الموقف الرهيب ولا يتفطّر قلبك؟ ولا يطيش لبّك؟ ولا تجري دمعتك؟ اما انا فيشهد الله وكفى به شهيدا اني اكتب هذه الكلمات عصر هذا اليوم العاشر من محرم سنة (1373)هـ ولعلها الساعة التي وقف فيها (عليه السلام) لوداع اهل بيته اكتب والقلب يرتجف، والقلم يرتعش والعين تدمع والحشا تذوب وتتلاشى، لا ادري كيف اعبر؟ وكيف اصوّر ذلك الموقف المهوّل؟ واعجب كيف لم تسقط السماء على الأرض اسى وحزناً ولوعة وشجواً؟ غيرة الله وحجته يريد ان يرتحل من هذه الدنيا ويترك هذه الحرائر المخدرات في تلك الصحراء، يتركهنَّ في الصحراء بين جثث القتلى ومصارع فتيانهنَّ، وبين الوحوش الكاسرة التي قتلت رجالهنَّ واطفالهنَّ، تدبّر ما شئت وفكّر ما وسعك التفكير، وتأمّل كيف حاله (عليه السلام) في فراقه لهنَّ وهن بذلك الوضع الشائك، وكيف حالهنَّ في فراقهنَّ له وهو غيرة الله، وهنَّ ودائع الله وودائع رسوله، تجسّمت للحسين (عليه السلام) عند التوديع في تلك البرهة القصيرة، وتمثّل له كلّ ما تصبّه سحائب المصائب على هذه الحفنة من اليتامى والنسوة الثواكل اللاتي ما فيهنَّ الاّ من فقدت عزيزها من ولد او اخ او زوج وكم فيهنّ من فقدت كلّ اولئك وكلّ عميد لها وزعيم.

مشى الدهر يوم الطف اعمى فلم يدع

 

عميد لها الاّ وفيه تعثّرا

 

تمثلّ للحسين (عليه السلام) حالهنّ من ساعته تلك الى رجوعهنَّ الى المدينة، واشدّ ما يشجيه ويبكيه لو كان مجال للبكاء ما يمرّ عليهنَّ تلك الليلة ليلة الحادية عشرة وصبحها يوم الرحيل مفكّرا من يراقبهنَّ تلك الليلة في تلك الصحراء ومن يحميهنّ ومن يطعمهنَّ؟ ومن يسقيهنَّ؟.

نعم وهو (عليه السلام) امام كل هذه الخواطر صابر، وبينما هو يودّع ودائع النبوة ويأمرهن بالصبر[4]اذ استعجله جيش بني امية وناداه مناديهم للنزال ودخل خيمة النساء فودعنه ولسان حال كلّ واحدة يقول:

ودعته ونوديّ لو تودّعني

 

روح الحياة واني لا اودعّه

 

هل تكلم رأس الحسين (عليه السلام)؟

حضرة حجة الاسلام والمسلمين وآية الله في العالمين الأستاذ الأكبر مولانا الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء دام ظله.

بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المعروض لحضرتكم انا كثيراً ما نسمع من الذاكرين ان رأس الحسين (عليه السلام) قد تكلّم غير مرة ويروون بذلك اخباراً شتى وروايات مختلفة كخبر زيد بن ارقم وابن وكيدة وغيرهما، ويروون انه قد تكلّم في مجلس يزيد، فهل هذه الأخبار صحيحة ام لا؟ فأن كانت صحيحة فهل يمكن ان يقع مثل هذه المعجزة العظيمة الخارقة للعادة بمرأى من الناس ومسمع ولا يرتدع منهم احد؟ او يرميه بالسحر كما رموا النبي (ص) بذلك؟ او يغالون فيه كما غالوا في الأمير (عليه السلام) لما ظهرت على يديهما بعض المعاجز؟ فأن التاريخ لم ينقل لنا شيئاً من ذلك، وهل يجوز ان يكون جميع الذين شاهدوا ذلك الأمر العظيم معاندين مكابرين؟ هذا ما نرجو الجواب عنه، ولكم جزيل الأجر والثواب.

25 جمادى الأولى 1349هـ

محلّة السنك بغداد

حسن بن عباس

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

سلام عليك ودعاء لك بالسلامة والتوفيق. نعم خبر زيد بن ارقم[5] وابن وكيدة مروي كلاهما في بعض الكتب المعتبرة، والمراد هنا الاعتبار التاريخي لا الاعتبار الذي عليه المدار في الاخبار التي يستنبط منها الاحكام الشرعية من الصحيح والحسن والموثق[6]، بل هو من قبيل قولنا تاريخ الطبري[7] وتاريخ ابن الاثير[8]معتبران، ويكفي في هذا المعنى من الاعتبار للخبر ان ينقله مثل صاحب البحار[9]والطريحي في المنتخب[10]فضلاً عما لو رواه السيد بن طاووس[11]في اللهوف او الشيخ المفيد[12]في الارشاد ونظرائهم، والظاهر ان مثل هذه الكرامات (ولا تسمى معجزات) على تقدير صحة وقوعها ما وقعت بمرأى من عامة الناس وانما هي خصوصية لبعض افراد الناقلين لها لحكمة هناك اما مجهولة لنا او معلومة، وعلى تقدير وقوع شيء من ذلك بين امة من الناس وجمهرة من البشر[13] فلا يلزم من ذلك ان يرتدعوا، وكم وقعت من الانبياء معجزات يبين اممهم فلم يرتدعوا حتى اصابهم العذاب، وعدم ارتداعهم واصرارهم ليس باعظم من اصرارهم على القتل من غير جرم ولا جناية، وقد ورد في الاخبار المعتبرة ان رأس يحيى بن زكريا تكلّم بعد قتله مع الجبّار الذي امر بقتله وقال له (انه لا تحل لك) عن المرأة التي تزوجها وامرته بقتل يحيى فلم يرتدع(14) وسرّ ذلك كله ان الحرص والشهوة والطمع اذا استحكم في النفس وصار خلقا لها وطبعا فيها لم يكن شيء من العبر والعظات مؤثراً فيها (وحب الشيء يعمي ويصمّ) فاذا شاهدت النفس من تلك الغرائب شيئاً انصرفت عن التفكّر فيه وترتيب الاثر عليه او تصرّفت فيه بالتأويلات وصرفته عن وجه الحقيقة، وان امة تقتل عترة نبيها وتسبي عياله لا تستبعد عليها جهود معجزة له أو كرامة، ولو انعمت النظر في رجال عصرنا الحاضر وما يرتكبون من الجناية على هذه الأمة المسكينة وما يقترفون من الخيانة والغدر لحقوقها حتى اسقطوها في هوّة الافلاس والفقر المدقع والهلاك المؤبد لوجدت من ابناء عصرك وسماسرة مصرك المتربعين على دست الحكم بقوة الظالم الغاشم وعدو العرب والاسلام ما هو اشنع وافظع مما يحدّثنا التاريخ عنه من ابناء العصور الغابرة وابناء الملوك الجائرة، فلا تستبعد شيئاً بعد الذي تراه بعينك في زمانك واوطانك والسلام.

29 ج1 سنة 1349هـ

هل كان خروج الامام (عليه السلام) القاء النفس الى التهلكة؟

بغداد بتاريخ اول شوال 1350هـ

من السيد صالح نجل المرحوم السيد عباس

ما يقول مولانا حجة الاسلام وآية الله الملك العلاّم في خروج امير المؤمنين ارواحنا فداه ليلة 19 رمضان مع علمه بقتل ابن ملجم له كما يظهر من كلامه لأم كلثوم، وكلامه لأبن ملجم: لو شئت لأخبرتك بما تحت ثيابك، وقصة اوز وغير ذلك من الدلالات، وهل هذا الخروج من باب القاء النفس الى التهلكة؟ فلقد اكثر الجاهلون في هذه السنة بمناسبة احتكاكهم مع اهل الاهواء المبتدعة القال والقيل في ذلك.

وجواب الشيخ المفيد والسيد المرتضى[15]والعلامة الحلي[16]وغيرهم في هذا الباب لم يقبل به السائل الناقد، فان رأيتم اطال الله بقاكم ان تفيضوا علينا من العلوم التي خصكم الله بها دون غيركم، وتجلوا الريب من القلوب الصدية بوجيز من القول فأنا لا نريد ان نشقّ عليكم، فالامر اليكم ودمتم مؤيدين موفقين مسددين.

الجواب

له الحمد والكبرياء

معاذ الله ان يكون ذلك من باب القاء النفس الى التهلكة بل هو على الاجمال من باب الجهاد الخاص على الامام لا الجهاد العام على عموم الاسلام، يعني انه من باب المفاداة والتضحية والتسـليـم لأمـر الله سبـحانـه في بـذل النـفس لحيـاة  الديـن وتمييـز الحقّ من الباطل ليهلك من هلك عن بيّنة ويحي من حيّ عن بينة، ويميز الله الخبيث من الطيب ومن هذا الباب اقدام الحسين (عليه السلام) على الشهادة مع علمه بأنه مقتول لا محالة.

ولا شك انهم (عليهم السلام) كانوا يعلمون بكل ذلك بأخبار النبي (ص) وحياً، ولكن يحتملون فيه ان يتطرّق اليه البداء ويكون من لوح المحو الاثبات وان يكون ثابتاً بأخلاقه في العلم المخزون المكنون الذي استأثر الله سبحانه به لنفسه فلم يظهر عليه ملكا مقرباً ولا نبياً مرسلاً، وباب البداء باب واسع[17]لا مجال هنا لشرحه، وفي هذا كفاية ان شاء الله.  

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

سؤال عن تضحية اصحاب الحسين (عليه السلام)

قال الله تعالى: [فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ][18].

سماحة العلامة المحقق والمصلح الأكبر مولانا ومقتدانا الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء دام ظله، هذا سؤال لا ارى له جواباً شافياً الاّ ما يخطه قلمكم المبارك فأرجو الجواب:

ذكر المؤرخون واهل السير بأن الحسين (عليه السلام) احلّ اصحابه من بيعته يوم كربلاء واذن لهم بالانصراف وقد ابوا الاّ مواساته، فأن صحَّ ذلك فكيف يحلهم من بيعته والحال انه خلاف الضرورة من دين المسلمين: من مات وليس في عنقه بيعة لأمام زمانه مات ميتة جاهلية فكيف يأمرهم (عليه السلام) بذلك؟ ويقول لهم انتم في حلّ من بيعتي مع ما يترتّب عليه من المحذور وهو ميتة الكفر، ثم اليس الجهاد معه واجب؟ وحفظه (عليه السلام) على الأمة واجب؟ فكيف يأمرهم بترك الواجب وقد صمموا على الجهاد والدفاع عنه حتى الممات؟ ولمّا كان امره واجب الطاعة فكيف لم يتفرّقوا عنه حينما امرهم بالتفرّق عنه؟ فبقاؤهم معه مع امره بالتفرّق عن معصية وحاشاهم المخالفة لأمر امامهم ونهيه وهم العالمون بأنّ طاعته واجبة.

وان قيل انه اراد اختبارهم واقامة الحجة عليهم، فيقال هذا لا يصحّ لأنّ الأختبار انما يصحّ مع مشكوك الحال او معلوم النفاق عند المختبر (بالكسر) لتتم الحجة عليه في ذلك الحال، اما هؤلاء الصفوة والعلماء الأبرار فأنّ ذلك لهم من قبيل تحصيل الحاصل لأنهم رضوان الله عليهم بأعلى مراتب الايمان والتقوى وانهم لم يطلّقوا حلائلهم ولم يعرضوا عن زهرة دنياهم، ويناصرون الحسين (عليه السلام) الا وهم على بصيرة وعلم من انه (عليه السلام) امام تجب طاعته وتحرم معصيته، فكيف يختبرهم بعد هذا الاخلاص والمعرفة الثابتة بوجوب طاعته؟

18 ـ 1 ـ 1954م

محمد حسن علي

الجواب

انّ فاجعة الطفّ قضية هي الوحيدة من نوعها واليتيمة في بابها خرجت من جميع القواميس والنواميس ولا ينطبق عليها حكم من احكام الشرائع السماوية ولا الأرضية لا الدينية ولا المدنية، ولا ينفذ في فولاذها الحديدي (لماذا ولأن) قل لي بربك أي حرب في العالم برز فيها سبعون نفر ازاء سبعين الفاً[19]اولئك عطاشى قد كظّهم الجوع والظمأ وهؤلاء ملأى البطون من الطعام والشراب، اولئك مقسّمة افكارهم موزعة البابهم بعيالهم واطفالهم المعرّضة للنهب والسلب، وهؤلاء وادعة نفوسهم مجتمعة افكارهم حيث لا عيال ولا اطفال ولا جوع ولا عطش، قل لي بربك أي حرب يبرز فيها غلام لم يبلغ الحلم ولم يجر عليه قلم التكليف بصوم وصلاة فضلاً عن الجهاد فيأذن له عمّه[20] في المبارزة ويتقدّم الى سبعين الفاً من الأبطال لامعة سيوفهم مشرعة رماحهم، افما كان اللازم بحكم الشرائع السماوية ان يقول له عمه انت غير مكلّف بجهاد ولا دفاع؟ ويجب علينا ان ندفع عنك لا أن تدافع عنّا، فكيف يأذن له عمّه العطوف الرؤوف حتّى يقتل ويصرع نُصبت عينيه، ثم يبرز له أخ اصغر منه غلام[21]بل دون الغلام في اوّل الصبا وغضارة العمر وطراوة الشباب فيقتحم الميدان الذي ترتجف رؤيته العقول والأبدان، فيضربه احد العتاة من عسكرّ العدو على رأسه ضربة صرعته وضربة اخرى على يده فأبانها من المرفق فبقيت معلّقة فنادى واعمّاه وعمه ينظر اليه فيسرع اليه قائلاً: عزَّ على عمك ان تدعوه فلا يجيبك او يجيبك فلا يغني عنك هذا يوم كثر واتره وقلّ ناصره، ويبقى الغلام يتفحّص برجليه حتى يموت، قل لي بربك ايّ حرب برزت فيه ربّات الحجال الى القتال واشتبكت مع الرجال، وحملت على الأبطال بعمود الخيمة.

قلّ لي بربك أي حرب منع فيها العدو الماء حتى عن النساء والاطفال فأن الطاغي معاوية[22]وان سبق الى ذلك في صفيّن ولكن لم يكن في معسكر امير المؤمنين (عليه السلام) سوى الرجال، قلّ لي بربك أي حرب حملت الرؤوس فيها على اطراف الرماح يطاف فيها من بلد الى بلد فأن الجبت والطاغوت معاوية وان حمل اليه رأس الصحابي الجليل عمرو بن الحمق الخزاعي وهو اول رأس[23]حمل في الأسلام بل وفي الجاهلية حملت فيها المخدّرات المصونات مع اطفالهنّ مسبية بتلك الصورة المهوّلة من بلد الى بلد ولو اردنا ان نحصي ونستقصي الفظائع التي اقترفتها يد الأثم والعدوان في حادثة الطف وذيولها تلك الفضائع التي خرقت النواميس ومزقت القواميس ولا ينطبق عليها أي حكم من الاحكام، ولا تسيغها شريعة من الشرائع، لأقتضى ذلك تأليف كتاب يشجبك ويشجيك، ويضحكك ويبكيك. اما ما اشكل عليك من جعل الحسين (عليه السلام) اصحابه في حلّ من بيعته فليس محل العجب منه وموضع السؤال وعقدة الاشكال معكوسة وهي انه (عليه السلام)كيف اباح لهم الجهاد معه وهو يعلم كما قال لهم انّ القوم انما يطلبون شخصه الكريم فقط، وانهم لو ظفروا به لم يكن لهم حاجة بغيره، ويعلم هو كما يعلم كلّ واحد منهم انهم لا يستطيعون دفع القتل عنه مهما جاهدوا واجتهدوا، اذاً الا يكون جهادهم معه من العبث، والقاء النفس في التهلكة بغير فائدة؟ فكيف رضى (عليه السلام) منهم بذلك؟ وهذا هو السر الغامض الذي يحتاج الى البحث والنظر لا ما ذكرته من جعلهم من حلّ من بيعته، وليس معنى ذلك انه اسقط عنهم التدين بامامته التي جعلها الله طوقاً في عنق كل مكلف يستحيل نزعه وخلعه، وليس هو المقصود من جعلهم في حلّ من بيعته كما توهمت، نعم العقدة التي لا تحل ولعل سرها الغامض لا يعلمه الا الله والراسخون في العلم هو هذه الناحية فأن المعلوم بضرورة العقل والنقل وفي عامة الشرائع والاديان ان الجهاد انما يجب او يجوز مع احتمال السلامة ورجاء الظفر والغلبة اما مع اليقين بالهلكة والمغلوبية فهو اتلاف للنفوس بغير فائدة[24]فأصحاب الحسين (عليه السلام) لو تركوا اقتحام هذه المعركة وتباعدوا عنها لم يكن العدو يتعقّبهم وليس له أي غرض بهم، ولما دخلوا في الحرب لم يحفظوا الحسين (عليه السلام) ولم يحفظوا انفسهم فكان اللازم البقيا على انفسهم ولعل بقاءهم وسلامتهم انفع للحسين (عليه السلام) وعياله من قتلهم واستئصالهم، هذا هو الأمر المشكل والسر الغامض لا جعلهم في حلّ من البيعة الذي هو بمعنى اسقاط الجهاد عنهم او الدفاع الذي هو ساقط بطبعه وبذاته، والله هو العالم بأسرار اوليائه وحكمة احكامه وقضائه، وله الحمد.

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

الخضر 5 ذي القعدة 1362هـ

سؤال عن الاخبار الواردة في سكينة "عليها السلام"

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليك يا امير المؤمنين ورحمة الله وبركاته

لمولانا سراج محجة الدين وحجة الله على العالمين العلامة الشيخ محمد الحسين ادامه الله وامتع به: السلام عليك ورحمة الله وبركاته.

سيدي هل الأخبار الواردة في سكينة بنت الحسين (عليهما السلام) من تعاطيها الشعر وبلوغها درجة الحكم بين الشعراء وكثرة مراجعتهم لها في مجلس اعدّ لذلك كما في الأغاني وغيره صحيحة عندكم؟ فأن صحّ ذلك فالمرجو التفضّل بكلمات وجيزة تؤيد تلك الأخبار ويحتج بها على من اباها ونفاها، وان لم تصحّ فتصدقوا علينا ببسط كلام في التشنيع على من صدّق تلك الأخبار واعتقد بها واهلّ سكينة لمحادثة الرجال ومراجعتهم في الأشعار ومناظرتهم فيما نظم بالشعر وغيره، نفع الله بكم الأمة وايدكم.

سيد كاظم الخطيب

الجواب

من النجف الأشرف الى الخضر 11 ذي القعدة 1362هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

سلام الله عليكم وعلى عباد الله الصالحين ومدّنا بروح منه ترقي به درجات المقربين، ونستعين به على اصلاح امر الدنيا والدين، سألت عفاك الله من الأخبار الواردة في سكينة (عليهما السلام) وعلى ابيها وتعاطيها الشعر وبلوغها درجة الحكم بين الشعراء كما في الأغاني هل هي صحيحة؟ الى آخر ما في الكتاب.

فأعلم وفقك الله ان اول من روى هذه الأخبار ونشرها على الظاهر هو ابو الفرج الاصفهاني في كتاب الأغاني، وكلّ من رواها بعده فعليه اعتمد ومن شرعنه ورد. اما من قبله من الثقاة الاثبات كأبن قتيبة[25]فلم يذكر شيئاً منها في شيء من كتبه وكذلك ابن طيفور[26]في بلاغات النساء وهما اقدم من ابي الفرج بكثير، ومن المعلوم ان كتاب الأغاني كتاب لهو وطرب[27]يجمع فيه كلّ غث وسمين، اذ ليس المقصود منه على الاكثر سوى الفكاهة واحاديث السمر، وابو الفرج وان كان ثقة لا يكذب ولكنه كثيراً ما يروي عن الكذابين ولا يعنيه امر الصحة والضعف في الأخبار، ويسرد كل ما وصل اليه مهما كان، والأحاديث التي رواها في سكينة منها مقطوع بكذبه وانه من المجعولات واحاديث السمر، مثل حديث ابن سريج مع سكينة فأنه من السماجة والسخافة بحيث يدرك كلّ احد جعله وكذبه، ولا سيّما وان رواية حمّاد الراوية[28]المشهور بالكذب وكان يضع القصص والوقائع وينشئ الأشعار وينسبها الى العرب، وكيف يحتمل العاقل ان سكينة تقول لأبن سريج المغني الذي تنسك وترك الغناء انا بريئة من جدي ان لم تغنٍ لي، وبرئت من جدي ان لم تقم في بيتي شهراً كي تغني لي كل يوم، وهكذا تبرأت من جدها عدة مرات، والحاصل ان المؤرخ وكتب التأريخ والأدب كحاطب ليل، واللازم في تمييز الصحيح من السقيم الرجوع الى العقل والتعويل الى القرآن والأمارات، فمثل تلك الاخبار حرام نقلها والاعتماد عليها، نعم في الأغاني ما يمكن التعويل عليه في احوال سكينة مثل ان جريراً والفرزدق[29]وجماعة من الشعراء اجتمعوا في ضيافة سكينة فمكثوا أياماً ثم اذنت لهم فدخلوا عليها، فقعدت حيث تراهم ولا يرونها، وتسمع كلامهم، ثم اخرجت وصيفة لها وضيئة قد روت الأشعار والأحاديث فقالت: أيكم الفرزدق؟ فقال له: انا ذا الى الآخر، فمثل هذا الخبر الذي يحفظ كرامة هذه العقيلة ويجعلها في المقام اللائق بشرفها من الستر والصيانة هو المعقول والمقبول، ولا جرم انها كما ذكر ابو الفرج بنفسه ان سكينة كانت عفيفة سلمة برزة تجالس الجلّة من قريش وتجتمع اليها الشعراء وكانت ظريفة مزّاحة فكيف يعقل ان اقلّ غلمانها وهو اشعب يجتري عليها ويقول في خبر ابن سريج الذي اشرنا اليه: الرجل (يعني ابن سريج) زاهد ولا حيلة فيه فارفعي طمعك وامسحي بوزك الى آخره.

والخلاصة ان اخبار الأغاني بل وغيرها مغشوشة، والكذب فيها ان لم يكن اكثر من الصدق فهما سواء لا يميز هذا من ذاك الاّ الماهر المتبحّر من العلماء ولا يجوز لغيرهم من الذاكرين وغيرهم ذكرها الاّ بعد عرضها على من يوثق به من اهل البحث والنظر، والاّ كان اثمه اكبر من نفعه، اما اخبار سكينة من الاغاني وغيره فالأرجح بل اللازم ترك ذكرها

في النوادي العامة والمحافل ومجالس العزاء وان كان السيد المرتضى رضوان الله عليه[30]
ذكر خفيفاً منها في اماليه، والظاهر ايضاً انه اخذه من الأغاني [يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا][31].

جعلنا الله من الفائزين بطاعته وغفر لعبده المذنب

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

سؤال عن السياسة الحسينية

ربيع الثاني سنة 1258هـ سؤال من امريكا مشيغان

سيدي الحجة آل كاشف الغطاء:

اتيح لي ان اطلع على كتاب السياسة الحسينية لجامعه ولدكم المحروس عبد الحليم، وما دار به من بحوث حول الحسين وسياسة الحسين (عليه السلام) فخرجت من هذه المطالعة على وشك الاعتقاد الراسخ من انّ الحسين لم يقتل الاّ لأجل شيء معنوي وهذا الشيء المعنوي ما زال مجهولاً عند الباحثين عن تأريخ الحرب الأموية وعند اتباع الحسين (عليه السلام) الذي يتحرّون جميع الاساليب المؤثرة ويزيدونها على النواجيد الحسينية اثارة للذكريات الدفينة التي تمجّد موقف الحسين (عليه السلام) وتخذل موقف يزيد والأمويين الذين عاصروه ومشوا على مبادئه وسننه الظالمة.

ان الحسين لم يقتل من اجل الدين الأسلامي كما تقول الشيعة بذلك ولم يستشهد طلباً للملك والسلطان، بل قتل (عليه السلام) محافظاً على معنويته الهاشمية التي هي علة وجود الأمة العربية وبعثها من جديد متمتعة بجميع اساليب الثقافة ووسائل النجاح الاقتصادي المادي، وهذه القتلة التي يقولون عنها انها كانت في سبيل الله وسبيل المحافظة على معنويّة آل محمد في سبيل الله ايضاً هي الشيء المعنوي الذي لا يزال مخبئاً عن اعين الباحثين ونحن اذا قلنا ان الحسين (عليه السلام) مات دفاعاً عن شرف الدين نكون قد اسأنا الى الدين الاسلامي نفسه الذي ليس يقوم على قتلة الحسين (عليه السلام) او استشهاد أي نبي من الانبياء، وليس هو صورة مادية يملكها فرد من البشر لتموت بموته وتحيا بحياته، والافضل لكل مقتصد ان يجعل هذه القضية قضية عائلية تتفاوت عن حرّ وقوعها بين سمو مبادئ الحسين وبين انحطاط مبادئ يزيد.

وقد ادرك ولدكم ــ حرسه الله ــ في جوابه على كتاب الشيخ عبد المهدي شيئاً من هذا اذ قال: ان الذي عرض الحسين للقتل هو تمنّعه عن المبايعة ليزيد، وفي عدم القيام بهذه المبايعة يتعرّض الحسين لأن القتل بسيوف الأمويين، حتى ولو كان في عقر داره دون ان يضطر الى الخروج لمحاربة يزيد واتباعه، وان يعرض نساءه واطفاله للهتك الذي هو صورة القبح عند طبقات الاشراف الذين منهم الحسين، كما زعم غير واحد في افترائه على الحسين وعائلة الحسين.

ان هذا الافتراض ممكن الوقوع اكثر من غيره، ومبايعة الحسن لمعاوية التي ظلّت اسبابها مغمضة في بحثكم هي التي اجلت وقوع الحرب الاموية الى ما بعد وفاة معاوية، ويظهر ان الحسن بتعهده لمعاوية انه لا يرى من الحسين شيئاً ــ كما جاء برسالة سماحتكم ــ وقف وقفة المشفق الذي لا يريد ان يفجع باخيه وهو حي، اراد بمبايعته ان يحجب دماء الأبرياء التي اباحها يزيد في تعنته وطغيانه وفساده واعتدائه على اخيه الحسين، لكن السياسة لعبت دورها يومذاك اذ مات معاوية الذي كان عنده مخافة من الله اكثر من ولده يزيد[32]واذا توفى الحسن الذي يعد بحق نبراس السياسة الهاشمية المؤدّية الى اعمال السلام القومي الذي وقف حائلاً في حياته دون وقوع حرب طاحنة ــ كالحرب الأموي فيما لو ضم صوته الى صوت اخيه الحسين في زمن معاوية الذي تعود مبايعته لهذا السبب الوفاقي ــ على ما اظن ــ لا لأسباب الخوف والوجل الذي عزاه كثير من ضعفاء العقول والنوايا السيئة للحسن، اما قضية العادة العربية التي قلتم سماحتكم انها دفعت بالحسين ان يصحب اولاده ونساءه معه مستميتاً في سبيل الكرامة والشرف فهذه تخضع عن خروجها عن قلم سماحتكم لضروب النقد والاعتراض اذ كان الدين الاسلامي او التعاليم الاسلامية ــ بتعبير اصح ــ حرمت المرأة من مخالطة الرجال وسماع احاديثهم الا من وراء الحجاب، وارجعتها الى بيتها حيث تقوم بتربية وتهذيب اولادها وتدبير شؤون منزلها الذي يعد نصف الحياة الزوجية ــ اذ لم يكن كلّها ــ في نظر قانون الزواج المدني والديني فكيف بالحسين خرق حجاب هذا النظام واصطحب عائلته وتابعيه معه جرياً على العادة العربية المعروفة قبل ظهور الاسلام وبعده؟.

وتعلمون ان العادة التقليدية غير حكم الدين التشريعي، فحكم الدين اسمى مكانة في نفس الحسين من عاطفة العادة، فهل هناك ضرورة حيوية دفعت بالحسين ان لا يكترث بتعاليم الدين؟، ويتّبع ما اوحته عاطفة العادة التي تعد ملغاة بحكم هذه التعاليم؟ هذا ما نريد الاجابة عليه مفصّلاً.

وهناك شيء آخر يخضع للنقد الشخصي وهو ان خمسة الاثواب التي اعطاها الحسين الى محمد بن بشير الحضرمي ــ 23 ــ 24 السياسة الحسينية ــ كان يزيد ثمن الواحد منها على المائة ليرة عثمانية لا يتوافق اقتناؤها بهذا الثمن الباهظ من قبل الحسين مع دواعي الزهد التي كانت متجسّمة في ابيه وجده سيد الرسل، اذ عرفنا عن طرق الاحاديث المروية ان علياً والد الحسين كان يرتدي الصوف على بدنه داخلاً ويلبس الاطمار الرخيصة خارجاً، دلالة على زهده وورعه وتقواه او تقليداً للنبي الذي هو المثل الأعلى للأمة الاسلامية، والذي جعل بهذه الارتداء امثولة عزاء للفقير الذي لا يستطيع ان يلبس ثوباً يساوي ثمنه مائة ليرة عثمانية ونحوها، كما استطاع الحسين ان يلبس[33]مثل هذا الثوب ويهب خمسة على غراره الى احد اتباعه من الفقراء؟.

انّ هذه الرواية على ما فيها من استقراء في النقل تصوّر لنا الحسين مسرفاً طامعاً في خير الدنيا اكثر من خير الآخرة، بينما اذا رجعنا الى استقصاء ورع الحسين وزهده وتقواه لوجدنا ذلك انه لا يتوافق، ورغبة الحسين في تضميد عواطف الفقراء المجروحة، والترفيه على كل بائس محتاج ولو انّ راوياً عزا ذلك الى الحسن الذي كان له ميل خاص وصفة خاصة بهذا الثراء الدنيوي لأمكننا ان نصدّق ذلك بدليل انّ الحسن نشأ على الأبهة والمجد في زمن جده وابيه، واما الحسين فمن المعروف عنه انه كان لا يعرف قيمة الدنيا، ولو عرف لها قيمة لبايع يزيد، وبذلك كان اضاف الى ثراه ثراء آخر يدفعه الى يزيد بدلاً عن تلك المبايعة التي كانت نعت هذه الحرب وذلك الهتك، وحوّلت معنوية الحسين من رجل شريف نزيه حافظ على مبدأ اجداده ومعنوية هذا المبدأ الى رجل مادي عبث بكل شيء وخضع كلّ شيء بتأثير المادة.

ورواية اخرى لا تتوافق وصحته النقل، وهي واردة بجواب سماحتكم من زيد بن ارقم قال ليزيد يوم كان يضرب رأس الحسين بعوده: ارفع عودك عن هاتين الشفتين فوالله طالما رأيت رسول الله (ص) يقبّلهما، اذ انه من المعروف ان رسول الله (ص) كان يقبّل الحسين من نحره على أعتبار انه سيموت مقتولاً وقبّل الحسن في فمه على اعتبار انه سيموت مسموماً فكيف تناقض المعنى الذي وقع فعلاً كما اشار النبي (ص)؟ وكيف انتقل تقبيل فم الحسن الى فم الحسين الذي مات منحوراً من قفاه،؟ ولم ينتقل تقبيل نحر الحسين الى نحر الحسن الذي مات مسموماً في فمه.

وفي الاستعراض الديني لأهل البيت نجد اعتراضنا على الحديث الذي ورد بلسان النبي (ص) قال مخاطباً سلمان الفارسي: نحن اسرار الله المودعة في هياكل البشرية، لا نزّلونا عن الربوبية ثم قولوا فينا ما استطعتم فأنّ البحر لا ينزف وسرّ الغيب لا يعرف، وكلمة الله لا توصف ومن قال هناك لم وممَ وبمَ فقد كفر!. اذ من تأمل المعاني الأستهلالية من الحديث يجد انّ منها ما يعد استكباراً في الأرض، وهو يخالف بمنطوقه ارادة الله التي جاءت في القرآن فمحت آية الاستكبار الخليقة بالمستضعفين من الناس، ويجد ان كلمة اسرار الله المودعة التي عمّت جميع هياكل البشرية تتعرض للشر حيناً وللخير حيناً آخر، وتنقل من الزهد والتقوى دوراً والى الفساد والاثم والفوضى دوراً آخراً، حيث كانت هياكل البشر الطاهرة فيها، فهل كان الرسول يعني انه هو وذريته سر الله المودع في هياكل البشرية الطاهرة فقط؟ او في جميع الهياكل سواء كانت طاهرة او خبيثة، مجرمة او مصلحة، مدنسة او غير مدنسة؟! هذا سؤال نطرحه امام سماحتكم من الشطر الأول من الحديث.

واما الشطر الآخر فيه (ومن قال لم وممَ وبمَ فقد كفر) فيكفينا ان نقول ان فيه حجراً لعقل الاسلامي الذي خلق حراً طليقاً بحكم التشريع الاسلامي، ونتساءل كيف اباح النبي محمد (ص) لنا ادراك الله عن طريق العقل بعد التفكير والتكييف والمقارنة والمشابهة والظن والشك والريبة وما اشبه ذلك، ثم تكون هذه الاشياء كلها شرعية بنظر القانون الاسلامي، ولم يبح لنا ادراك كنه ( اسرار الله المودعة، وسرّ الله الذي لا يعرف وكلمة الله التي لا توصف) المتجسّمة في شخصه وشخص ذريته من بعده؟.

ان هذا المنع المجرّد عن العقل والروية يعرض الرسول (ص) ــ اذا كان صادراً عنه ــ الى عدة انتقادات عقلية اهمها انه اباح للعقل ان يدرك الله تعالى عن طريق الظن والتفكير الذي حرّمه لأدراك شخصه، بذلك جعل نفسه فوق الله تعالى؟ وان كانت هذه النفس هي خليفة الله والخاضعة لأمر الله، هذا فضلاً عن انّ هذا الادعاء المتجسّم في كلمة: سر الغيب الذي لا يعرف وكلمة الله التي لا توصف، يجعل للشكوك والاوهام سبيلاً للوقوف حائلاً بين حكم العقل وعاطفة الاعتقاد، ولماذا لا يعرف رسول الله الذي هو كلمة الله وله اعمال واقوال تدل على شخصه وتنم عن سجاياه واخلاقه؟ ومتى كانت اعمال الرجل واقواله وتصرفاته الدينية والاجتماعية بين ايدينا يمكننا ان نحكم على شخصيته من انها شخصية صالحة اذا كانت اعماله واقواله توافق الصلاح وان نحكم على هذه الشخصية من انها شخصية مجرمة فاسدة فيما اذا كانت اعماله واقواله تأتي الفساد وترتكب الاجرام والفوضى الاجتماعية؟!.

لا أعتقد ان هذا القول يصدر عن النبي محمد (ص) كان متواضعاً جداً وهو كانسان بسيط يمشي في الاسواق، ويأكل ويشرب، فكيف به كنبي يقول مثل هذا القول الذي هو من صفات الالهية؟ بل اعتقد ان هذا الحديث من جملة الاحاديث التي دستها اليهود دسّا في كتب الاسلام انتقاصاً في قيمة الدعوة المحمدية التي هي اسمى كل شيء ظهر على وجه الأرض!.

اما اذا كان هناك ما يدعو الى الاعتقاد بصحتها فأرجو سماحتكم ان تتفضّلوا ببيان ذلك ولو مفصّلاً.

الداعي عبد الله بري

من مدرسة كاشف الغطاء الكبرى في النجف الأشرف

27 ربيع الثاني سنة 1358هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد والمجد

الى الحبر الفاضل بل الانسان الكامل وما اعز الكمال في الانسان:

كان قد وردني منك كتابٌ فيه شيء من الاطناب ذكرت فيه بعض الملاحظات على بعض مندرجات (السياسة الحسينية) ووعدتك ان اجيبك ان لم يكن عن كلها فمن بعضها على الاقل في كتاب ارجو ان يكون قد وصلك في البريد مع كتاب (اصل الشيعة) هدية للسيد فائز حسين امين النهضة العربية الهاشمية ــ حرسه الله واياك ــ.

تقول ــ ايدك الله ــ في كتابك: ونحن اذا قلنا ان الحسين (عليه السلام) مات دفاعاً عن شرف الدين نكون قد اسأنا الى الدين الاسلامي، الى آخر ما ايدت في هذا الموضوع وكأنه غاب عنك اننا حيث نقول: مات او قتل دفاعاً عن الدين لا نريد ان الدين الاسلامي يموت بموته ويحيى بحياته، بل نريد العكس يعني ان الدين يحيى بموته ويموت باستبقاء حياته، وهذه حال جميع من قتل في سبيل الله الذين يقول الله جلّ شانه عنهم: [وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ][34] ، مثل حمزة وجعفر وعبيدة بن الحارث وسعد بن ربيع[35] وامثالهم ممن بذلوا حياتهم في الدنيا لحياة الدين فوجدوا خيراً من تلك الحياة عند الله تعالى، فهم عند الله احياء غير اموات وان كانوا بالنظر الى الدنيا امواتاً غير احياء، ولا يلزم من هذا ان يكون الدين الاسلامي صورة مادية يملكها فرد من البشر كما تخيّلت، ضرورة ان الدين هو عبارة عن تلك الاحكام والقوانين التي جاء بها الرسول الأمين من رب العالمين وحياتها وموتها بالعمل بها وعدم العمل بها، ولما سلك يزيد في خلافته مسلكاً يوجب ابطال العمل بشرائع الاسلام حيث صار يجاهر بشرب الخمور وارتكاب الفجور وترك الصوم والصلاة والناس يتبعونه طبعاً (لأن الناس على دين ملوكهم) كما قيل، وكأنه بهذا يريد القضاء على الاسلام وموته، لذلك ضحى الحسين (عليه السلام) بحياته وحياة خيرة اهل بيته واصحابه انكاراً على يزيد وابطالاً لمساعيه واحياء للدين، ولحمل الناس على العمل بشرائعه كما قال (عليه السلام) او قيل عنه:

ان كان دين محمد لم يستقم

 

الا بقتلي يا سيوف خذيني

 

فحقاً ان الحسين (عليه السلام) ما بذل نفسه الا دفاعاً عن شرف الدين وتفادياً للمبدأ المقدّس، ولا نكون بهذا قد اسأنا الى الدين بل احسنّا اليه حيث جعلناه فوق نفس الامام المعصوم وانه يفدي بأعز النفوس، ومن الغريب قولك ــ حرسك الله ــ على قولنا انّ العادة العربية دفعت بالحسين (عليه السلام) ان يصحب اولاده ونساءه معه مستميتاً في سبيل الكرامة والشرف، فقلتم ان التعاليم الاسلامية حرمت المرأة مخالطة الرجال وسماع احاديثهم الا من وراء حجاب، اليس من الغريب ان تقول وانت بهذه الثقافة ان الدين الاسلامي حرّم المرأة من مخالطة الرجال فتجعل ذلك وسمة شنعاء ولطخة سوداء في جبين الدين الاسلامي؟ كيف يقول هذا وهذه الصديقة فاطمة الزهراء (عليهما السلام) بنت مشرّع الدين الاسلامي خطبت في المسجد النبوي في حشد المهاجرين والانصار تلك الخطبة البليغة الغراء التي تستغرق ما يقرب من ساعة وكلهم يسمعون ويشهدون؟ وهذه عائشة ما زالت مدة عمرها تخطب وتحدّث الرجال الاحاديث النبوية واذا نظرت الى كتب صحاح اخواننا السنيين تجد الربع او الثلث تقريباً ينتهي سنده الى عائشة، حتى نسبوا الى النبي (ص) انه قال: خذوا ثلث دينكم من الحميراء، وهل اول جواز الاختلاط من انها قادت جيشاً جرّاراً وجندا قهّاراً الى حرب البصرة حاربت امير المؤمنين (عليه السلام) ومعها اعظم اصحاب النبي (ص) من الانصار والمهاجرين، دع عنك هذا وراجع كتاب (بلاغات النساء) وامثاله وانظر الى النساء اللاتي كنَّ يخطبن في الجيوش في صفين ويحرّضن اهل العراق على حرب اهل الشام، وانظر الى كتاب الوافدات[36]لى معاوية بعد ان تم الأمر له، وكيف كانت تلك النسوة اجرأ من اللبوة واقوى قلباً من الصخور، انظر الى الخنساء[37]يوم حرّضت اولادها الاربعة في بعض حروب المسلمين حتى قتلوا جميعاً، وبعد هذا فهل تجد من الصحيح قولك: إن الاسلام حرّم المرأة من مخالطة الرجال؟ الم تكن النساء تضمّد الجرحى وتسقي العطاشى، وتزغرد وتهلهل وتحرض المقاتلين على الهجوم في حرب النبي (ص) وحرب الوصي (عليه السلام)؟.

دع وانظر الى صفايا النبوة وحرائر الرسالة وبنات سيد الموحدين ويعسوب الدين (عليه السلام) من زينب وام كلثوم وسكينة وخطبهنَّ في كربلاء والكوفة والشام، وفي مجلس يزيد وابن زياد في النوادي والمجتمعات، فهل مع هذا كلّه تقول: ان التعاليم حرّمت المرأة من مخالطة الرجال وسماع احاديثهم وارجعتها الى بيتها؟ اما آية الحجاب فهي واردة في خصوص نساء النبي (ص) وكان الأعراب الذين اخبر الله جلَّ شأنه عنهم بقوله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ][38] يؤذون نساء النبي بالهجوم عليهنَّ في منازلهنَّ نهاهم الله عن ذلك، راجع سورة الأحزاب، نعم ان التعاليم الاسلامية حرّمت على النساء مطلقاً التبرّج واظهار الزينة للرجال [وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى][39] واين هذا من حرمة المخالطة ولو سلّمنا تنازلاً بحرمة المخالطة فأي منافاة بهذا لما ايدناه واريناه من ان حمله لنسائه واولاده استماتة في سبيل الكرامة والشرف، فأن حمله لهنَّ لا يستلزم المخالطة بوجه والاّ لما جاز لإمرأة ان تسافر من محل الى آخر ابداً.

واغرب من ذلك بل واعجب جداً قولك ايدك الله وسددك: وهناك شيء آخر يخضع للنقد الشخصي وهو ان خمسة الاثواب ... يزيد ثمن الواحد منها على مائة ليرة عثمانية لا تتوافق اقتنائها مع دواعي الزهد التي كانت متجسّمة في ابيه وجده وسيّد الرسل الى آخر ما افضت به وافدت في هذه الناحية، وكأنك ــ عافاك الله ــ تحسب ان الزهد هو الفقر والفلاكة وعدم الوجدان، ان الغناء والثروة تنافي الزهد؟ لا يا عزيزي ــ اعزك الله ــ حقيقة الزهد هو عدم الحرص على المال وعدم المبالاة في الدنيا وان يكون بوجود المال وعدمه عنده سواء، وقد جمع الله الزهد في كلمتين: [لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ][40] وحقيقة الزهد لا تظهر ولا تتجلى الاّ مع توفر النعم وغزارة المال وبذله وعدم الحرص والتعفف عن رذيلة الشحّ والبخل [وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ][41] اما الفقير المعدم الذي لا يجد ولا يملك شيئاً فأي زهد له؟ واي فضيلة له بذلك الزهد القهري وقد سأل الحسن البصري: انت ازهد ام عمر بن عبد العزيز وهو خليفة المسلمين؟ فقال: عمر بن عبد العزيز ازهد مني لأنه وجد فعفّ وتمكنّ وكفّ ولعل الحسن لو وجد وتمكن لأستخف واكل فأسرف.

واما رسول الله وامير المؤمنين (صلوات الله عليهما وآلهما) حيث كانوا يأكلون الشعير ويلبسون الصوف فليس لأنهم كانوا لا يتمكنون من المآكل الطيبة والملابس اللينة ولكنهم كانوا يحتقرون الدنيا ونعيمها الفاني ويقولون عن اهل الدنيا: اولئك قوم عجّلت لهم طيباتهم ونحن أخرت طيباتنا، ولأمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة كلام مع العلاء بن عاصم الذي ترك الدنيا ولبس الصوف فقال له: يا عدي[42] نفسه لقد استهام بك الخبيث (يعني الشيطان) فقال: يا امير المؤمنين هذا انت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك، فقال: ويحك اني لست كأنت ان الله تعالى فرض على ائمة العدل ان يقدروا انفسهم بضعفة الناس كي لا يتبيّغ بالفقير فقره[43]، وللباقر والصادق (عليهما السلام) مع سفيان الثوري واصحابه من متقشّفة ذلك العصر ومتصوّفة تلك الأيام حيث كانوا يعترضون على الائمة (عليهم السلام) اذا وجدوا عليهم بعض الملابس الفاخرة قائلين: انَّ جدكم رسول الله وامير المؤمنين (صلوات الله عليهما) ما كانوا يلبسون هذه الملابس؟ فيقول لهم الامام: ذاك حيث ان الزمان قلّ اما اذا درّت الدنيا اخلافها فأولى الناس بها اولياء الله او ما هو بهذا المضمون، وللرضا (عليه السلام) كلام عال شريف في هذا الموضوع، ولقد كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) في المدينة من الضياع والبساتين والمزارع كعين ابي نيزز والبغيبغة وغيرها ما يدرّ كلّ سنة بألوف الدنانير، وقد اوقفها جميعا في سبيل الله وكان يضرب بالمسحاة بيده في عقار الله لا حرصاً على الدنيا والاموال ولكن حرصاً على الانفاق في سبيل الله والاحسان على الضعفاء من عباد الله[44] وكانت قني تلك الاثواب الثمينة تمس ورع الحسين (عليه السلام) وزهده لو كان يشحَّ بها ويحرص عليها، اما وقد بذلها في فكّ الاسير المجاهد في سبيل الله فتلك فضيلة للحسين (عليه السلام) وكرامة تزيد علوّ ورعه وزهده ورغبته في تضميد عواطف الفقراء المجروحة والترفيه عن كل بائس محتاج.

ولعلك ــ عافاك الله ــ حسبت ان الحسين (عليه السلام) يلبس تلك الثياب ويتظاهر فيها بالبذخ والخيلاء او نحو ذلك مما ينافي تلك القدسية السامية، كلاّ يا عزيزي فأن الحسين (عليه السلام) لو ملك الدنيا كلها لوهبها لحظة واحدة في سبيل الله وفي سبيل البرّ والمعروف، وما كان يضع شيئاً من تلك الثياب على بشرة بدنه الشريف وانما يقتنيها ليجود بها ويعطيها ويضعها في مواضعها اللائقة بها، وقد ورد في بعض الاخبار انه (عليه السلام) لما استشهد كان عليه من الدين سبعة آلاف دينار ذهباً او سبعون الف وان علي بن الحسين (عليه السلام) لما رجع الى المدينة امتنع عن الطعام والمنام الى ان قضاها عن ابيه، والخلاصة ان الزهد هو قطع العلاقة عن الدنيا وعن حب المال لا عدم وجود المال، وليس الزهد هو لبس الثياب الممزقة والاطمار المرقّعة والمآكل الخشنة، اسمح لي يا نور عيني ان اقول لك ان اكثر الناس لا يعرفون من حقيقة الزهد شيئاً، والموكب العظيم الذي سار فيه الحسين (عليه السلام) من الحجاز الى العراق وسقى في قفر الارض بحر الهجير الف فارس والف فرس[45] اعظم وافخم من قضية الثياب الخمسة. اما زيد بن ارقم وقوله ارفع عودك عن هاتين ...الخ فلعل تقبيل رسول الله شفتي الحسين (عليه السلام) من جهة انه تعالى اعلمه انهما موضع ضرب يزيد وابن زياد الذين قرعوا ثغر الحسين (عليه السلام) بالخيزرانة[46].

واما حديث: (نحن اسرار الله المودعة..الخ) فحيث انه من الأسرار التي لا يليق افشاؤها مضافاً الى ضيق المجال وطول المقال فالأجدر عدم الخوض فيه ونسأله تعالى ان يعصم افهامنا واقلامنا من الهفوات، وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب.

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

لا بد من ظهور المهدي (عجل الله فرجه)

بسم الله الرحمن الرحيم

 [وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ][47]

دلّت الادلة القاطعة، وقامت البراهين الساطعة، ولم يبق مجال شكّ لذوي العقول والالباب انّ لهذه العوالم المحسوسة فضلاً عن العوالم الغائبة عن الحس من الذرة الى الذرى، ومن الثريا الى الثرى من الاملاك والافلاك، والانسان والحيوان، والنبات والجماد ــ لم يبق شكّ لذي عقل ــ في انّ لها صانعاً حكيماً، ومدبراً عليما، كما لا ريب في انّ المدبر الحكيم، والصانع القدير منزّه عن العبث مقدّس عن اللغو وجميع افعاله معللة بالحكمة، ومنوطة بالفائدة، ومربوطة بالاغراض الصحيحة [أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا][48] واذا توسعنا في الفكر واستقصينا النظر وطالعنا من اول فجر التاريخ الى ضحوة هذه العصور، وتأملنا في مجريات عوالم البشر من ابيه الاول الى ولده الأخير وجدنا الشرّ هو الغالب على البشر، والفساد هو المستولي على الصلاح، والباطل غالباً مستفحل على الحق، وان الانسانية لا تزال تئنّ من جروح الظلم الدامية، وترزح تحت اثقال الجور العاتية، فهل يصلح هذا ان يكون هو الغرض والحكمة لذلك الصانع الحكيم من خلق هذا المخلوق التعيس وهو الانسان؟ وهل هذه الفائدة والثمرة من ايجاده؟ كلاّ ثم كلاّ وتعالى الله عن ذلك علوّاً كبيرا اهذا البشر الذي ثلثاه شرّ بل اكثره، وقد قال القائل:

ليت الكلاب لنا كانت مجاورة

 

واننا لم نرَ ممن نرى احداً

 

وقال الآخر:

اني لأفتح عيني حين افتحها

 

على كثير ولكن لا ارى احداً

 

افهذا يصلح ان يكون غاية الصنع، وفائدة الايجاد، وثمرة التكوين؟ جلَّ الصانع تعالى وتعالى، وتقدّس عن ذلك، كيف وقد قال جلًّ شأنه: [كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي][49] وقد رأينا اكثر الرسل مغلوبين مقهورين مستضعفين مقتّلين، ولا شك ان المراد بالغلبة المنوه عنها في الكتاب هي الغلبة في الدنيا، اما في الآخرة فالغلبة له جلَّ شأنه وحده كلّ شيء هناك هالك الاّ وجهه[50] ــ والملك يومئذ لله الواحد القهّار[51] ــ اذاً فلا محيص ولا مجال من ان للحق في هذه الدنيا دولة، وللصلاح فوز ونجاح وللعدل ظهور وغلبة، ولله ورسله في هذا الكون سطوة وسلطان على جنود الشيطان، وان الله جلَّ شأنه سوف يفي بوعده لأنبيائه واوليائه وهو لا يخلف الميعاد.

وانه لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يظهر من يملأ الارض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً[52]، هنالك تظهر حكمة الصنع وفائدة الايجاد، والغرض الصحيح من الابداع والتكوين ويستبين ان هذه العوالم المتقدمة والشرور المتطرّفة كلها مقدمات وتمهيدات لظهور دولة الحق، وقمع دولة الباطل، هنالك يعرف كل انسان صدق قوله تعالى: [وَلَقَدْ كتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِالآية]، وقوله عزَّ من قائل: [كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي]، ذلك حيث يظهر مهديّ الأمم، وجامع الكلم، والحق الجديد، والعالم الذي علمه لا يبيد[53].

الاسباب التي دعت الى غياب الحجة (عجل الله فرج)

من بغداد 8 ــ 1 ــ 31

حجة الاسلام آية الله في الانام، الاستاذ الكبير مولانا الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء.

بعد تقبيل يديكم ابدي لحضرتكم السامية انه قد وجّه اليَّ بعض الشبان العصريين سؤالاً عن الاسباب التي دعت الى غياب الحجة (عجل الله فرجه) وهل هو حي الآن؟ وكيف يمكن ان يظلّ طيلة هذه المدة حيّاً؟ وما الفائدة من تغيّبه؟ ولماذا لم يظهر خصوصاً في هذا العصر الذي فيه المسلمون ارقّاء؟ وكذلك يسأل عن سبب تغيب الخضر؟ وحيث لا ملجأ لنا في مثل هذه المعضل سواكم نرجو ان تعيروا المسألة اهتماماً، وتتفضلوا بجواب تفصيلي يلائم عقليّة السائل، ويناسب مشربه، ادام الله ظلكم على رؤوس الانام.

 

خادمكم: حسن عباس

بسم الله الرحمن الرحيم

قال سبحانه وتعالى: [هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ][54] لا شك ان دين الاسلام من حين ظهوره الى الآن لم يظهر ويغلب على جميع الاديان بحيث لا يكون على وجه الارض دين سواه، وقد وعد الله سبحانه بذلك في هذه الآية، وآيات اخرى، والله لا يخلف الميعاد، فلا بد في وقت من الاوقات ان يقوم داع الى الله سبحانه والى دينه الحق بحيث لا يعبد في الأرض غيره تعالى شأنه كما لا يعبد في السماء سواه.

هناك يملأها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجورا، وهذا فرع من اصل بل اصول يبتنى بعضها على بعض، يبتدئ من اثبات الحكيم بنعوته الجلالية وتنتهي الى وجوب وجود الامام في كلّ عصر، وان الأرض لا تخلو من حجة، وانها لولا وجود الحجة لساخت وانقلبت بمن فيها كما ورد في الحديث المروي من طرق الفريقين وهنا اسرار واستار لا يمكن كشفها ورفع الحجب عنها.

اما السؤال عن الاسباب التي دعت الى غيبته فاللازم اولاً ان يعرف السائل ان الانسان اذا عرف ان له خالقا لم يخلقه عبثاً ولم يتركه سدىً بل كلفه بتكاليف يؤهله بها للفوز والسعادة الابدية في دار اخرى هي دار القرار ودار الجزاء فاذا عرف ذلك جيداً وجب عليه ان يعرف التكاليف والاحكام التي امره الله بها، ويأخذها من الحجة عليه والسفير بينه وبين الله سبحانه.

ولا يلزم عليه ان يعرف حكمة تلك الاحكام، ومصالح تلك التكاليف وان كنا نعتقد على الاجمال انّ جميعها مشتمل على اشرف الأحكام والمصالح ولكن ليس كلّ العقول تستطيع الوصول الى تلك الاسرار الربوبية والحكم الالهية، وهناك مراتب ومقامات حتى الأنبياء والائمة (عليهم السلام) تقف دونها ولا تستطيع الوصول اليها، فما ظنك بأمثالنا؟ ومهما اتسعت علوم البشر واكتشافاتهم عن اسرار الطبيعة، ومكونات الخليقة والحقيقة اتضّح لهم ان نسبة معلومات جميع البشر من اول التاريخ الى اليوم نسبتها الى مجهولاتهم نسبة القطر الى البحر بل اقل بكثير.

قيل لأفلاطون[55]عند قرب موته: ما تقول في الدنيا؟ قال: ما اقول في دار جئتها مضطراً وسأخرج منها مكرهاً، وبقيت فيها متحيّراً ولم استفد من جميع علمي سوى اني لا اعلم، ولجميع اكابر الحكماء من اسلام وغيرهم الكثير من امثال هذه الكلمات، والشافعي يقول: (كلّما ازداد علماً زادني علماً بجهلي)، والفخر الرازي يقول من ابيات له:

نهاية ادراك العقول عقال
 

وغاية سعي العالمين ضلال

 

وكفاك شاهداً على ضعف الانسان وقصور مداركه مهما كان قصّة موسى (عليه السلام) مع الخضر مع ان موسى (عليه السلام) كان يومئذ نبياً ولله كليماً، ومع ذلك عجز عن معرفة اسرار امور جزئية كخرق السفينة، وقتل الغلام، واقامة الجدار، فما ظنك بأسرار الاحكام الكليّة، والنواميس الالهية، فاذا قامت الادلة القطعية عقلية ونقلية عن وجود امام يتردد في الامصار ولكنه غائب عن الابصار وجب الالتزام بذلك ولا يجب علينا ان نعرف اسباب غيبته ومتى يظهر؟ وكيف يظهر؟ ولماذا لا يظهر الآن؟ وقد فشي الجور والعدوان، فأن كلّ هذه الأسئلة عبث وفضول وتلك الاسرار تعجز عنها العقول.

روى الصدوق عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: ان لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدّ منها يرتاب فيها كلّ مبطل فقلت: ولم جعلت فداك؟ قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم، قلت فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج الله تعالى ذكره انّ وجه الحكمة لا ينكشف الاّ بعد ظهوره الى ان قال: يا ابن الفضل انّ هذا الأمر امر من الله وسر من اسرار الله وغيب من غيب الله، ومتى علمنا انه عزّ وجل حكيم صدّقنا بأن افعاله كلّها حكمة وان كان وجهها غير منكشف لنا.

وقال (عليه السلام) لمهزم الأسدي: يا مهزم كذب الوقاتون؟ وهلك المستعجلون ونجا المسلمون الصابرون، ولعله (عليه السلام) اشار بقوله: ان وجه الحكمة لا ينكشف الاّ بعد ظهوره الى انه بعد ظهوره ومشاهدة العجائب والآيات الباهرات التي تكون معه، والتي لم يقع نظيرها لنبي ولا وصي نبي مدة عمر الدهر، هناك يعرف ان هذا الأمر العظيم يستحق ذلك التأخير وطول المدة وان يكون قريباً للساعة، وفناء العالم وانقضاء دور من ادوار الكون واكداره او لعل مراده بوجه الحكمة الذي ينكشف بظهوره هو الحكمة الغامضة، والسرّ المخزون المكنون الذي استأثر الله به في علم الغيب عنده والاّ ففي تفاريق اخبارهم (عليهم السلام) قد اشاروا الى وجوه كثيرة من الحكمة في غيبته (عليه السلام).

منها ان دولته (عليه السلام) آخر الدول ولا دولة بعدها لكفّار ولا غيرهم وانما بعده فتن تتصل بيوم القيامة، ولا يقبل الجزية من احد، ولا يخرب البيع والكنائس، ولا يبقي على وجه الأرض صليباً ولا صنماً، ولا يقبل صلحاً ولا هدنة، وكيف يقبل الصلح من تعبر جيوشه البحار بأقدامهم، وتهدّم الحصون والقلاع بتكبيراتهم، والحاصل كلّ شؤونه واحواله (عليه السلام) آيات باهرات وخوارق عادات، ومثل هذا لا يكون الا في آخر هذا العالم وفي نهاية الدور من السنوات الالهية، ولهذا الدور امد وحد معين في علم الله، والحكمة في غيبته انتظار انقضاء هذا الدور حتى يخرج.

ومنها انه (عليه السلام) يخرج بالسيف ويقتل العالم قتلاً ذريعاً قال محمد بن مسلم: سمعت الباقر (عليه السلام) يقول: لو يعلم الناس ما يصنع المهدي (عليه السلام) اذا خرج ما احبّ احد خروجه مما يقتل الناس، وليس بينه وبين العرب وغيرهم الاّ السيف حتى يقول كثير من الناس ما هذا من آل محمد (ص) لو كان منهم لرحم الناس، وحيث انّ الله عزَّ شأنه جعله نقمة على الكافرين وقاطعاً لدابر الظالمين ومعلوم انَّ الله سبحانه قد اودع نطف المؤمنين في اصلاب الكافرين، وقد رأينا في العصور المتقدمة وفي هذه العصور ايضاً كثيراً من المؤمنين الأخيار وآباؤهم من الكفّار والاشرار.

أيظن احد ان مثل الحجاج بن يوسف الثقفي وهو اكفر من نمرود واعتى من عاقر الناقة يخرج من صلبه مثل ذلك الشاعر الشيعي البليغ الحسين بن الحجاج[56] صاحب القصائد الغرر التي يمدح بها اهل البيت (عليهم السلام) منها قصيدته التي انشدها في النجف بمحضر عضد الدولة لما بني القبة البيضاء على قبر امير المؤمنين (عليه السلام) التي يقول في اولها

يا صاحب القبة البيضا على النجف

 

من زار قبرك واستشفى لديك شفى

 

من كان يظن ان يزيد بن معاوية يخرج من صلبه معاوية بن يزيد الذي خلع نفسه من الخلافة وقال: هي حق علي بن الحسين (عليهما السلام) حتى قتله بنو امية سراً، ولو شئنا ان نعد الالوف من هذا القبيل لما عجزنا وحينئذ فلا بد ان يكون ظهوره (عليه السلام) في زمان لا يكون في اصلاب الكافرين ودائع نطف المؤمنين حتى لا تضيع باستئصال شافة الكفار، والله سبحانه اعلم بمقاديرها وزمان خلوّ الاصلاب منها.

وقد اشار الى ذلك الصادق (عليه السلام) في حديث رواه الصدوق في العلل حيث قال: ان القائم (عليه السلام) لن يظهر ابداً حتى يخرج ودائع الله عزَّ وجل فاذا خرجت ظهر على من ظهر اعداء الله فقتلهم، وبهذا فسّر قوله تعالى: [لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا][57].

ويبالى قديماً في بعض الكتب ان الحسين (عليه السلام) في حملاته يوم الطف يعترضه الفارس من اعدائه فلا يضربه بسيفه، وكذلك ابوه يوم صفين، فسأل عن ذلك؟ فقال: كشف عمّا في صلبه من المؤمنين فتركته، وفي آية [يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيتِ][58] كفاية.

ومن الحكم في غيبته (عجل الله فرجه) ولعلها من اهم الحكم والأسرار هو تمحيص المؤمنين بهذه المحنة، وابتلائهم بهذه الفتنة [أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ][59] ، [أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ][60] ، [حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا][61] ، والاخبار بهذا المعنى كثيرة وانَّ بطول مدة غيبته يمتاز الايمان الثابت من المستودع، والمؤمن الخالص من المغشوش، فهي غربلة وتصفية للمؤمنين [وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ][62].

روى الصدوق عن الكاظم موسى (عليه السلام) اذا نقد الخامس من ولد السابع فالله الله في اديانكم لا يزيلكم عنها احد يا بني لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، انما هي محنة من الله عزَّ وجلَّ امتحنَّ بها خلقه ــ الى ان قال ــ يا بني عقولكم تصغر عن هذا واحلامكم تضيق عن حمله. وفي احتجاج الطبرسي[63]في التوقيع الصادر من الناحية المقدّسة على يد العمري، اما علة ما وقع من الغيبة فأنَّ الله عز وجل يقول [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكمْ تَسُؤْكُمْ][64] انه لم يكن احد من آبائي الاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه واني اخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي.

وهناك اسرار وحكم اخرى لا يتسع الوقت والمجال لبيانها، على انَّ كلّ ذلك تطفّل وفضول بعدما عرفت من ان لله في عباده شؤوناً لا تدركه العقول، ونحن حتى الآن لم تصل عقولنا الى اسرار خلقتنا وكنه ارواحنا وحقيقة حياتنا، فكيف نحاول معرفة اسرار الملك والملكوت، والعزة والجبروت؟ نحن لا نستطيع ان نعرف الحكمة في جعل المغرب ثلاثاً والعشاء اربعا والصبح اثنين وامثال ذلك من الاوامر التشريعية فضلاً عن الامور التكوينية!!. نعم وفي مثل هذه المقررات المجهولة الحكمة تكمل حقيقة الايمان وتظهر فضيلة التسليم والاذعان وبهذا مدح الله سبحانه الراسخين في العلم حيث قال عزَّ شأنه: [وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا][65] ، مدحهم على الايمان بما جاء من الله عزَّ شأنه وان لم يعرفوا تأويله وحكمته.

واما قولك وكيف يمكن ان يظل طيلة هذه المدة حيّا[66]؟!! فهو سؤال غريب بل
وغريب جداً، كأنك نسيت قوله تعالى في نبيّه نوح (عليه السلام): [فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا][67] وذكر ارباب السير ان عمره كان الفاً وستمائة، وقيل اقل، وقيل اكثر حتى قيل انه تجاوز الالفين، ومن تدبّر وانصف عرف ان الانسان اذا امكن ان يعيش سنة امكن ان يعيش الوف السنين فأن من وهبه الحياة سنة يقدر ان يمدّها الى ما شاء الله.

واما سبب غيبة الخضر (عليه السلام) ان صحَّ كونه حياً موجوداً الى الآن كما عليه اكثر علماء الفريقين فلعل العلة في غيبته كراهته لمعاشرة هذا الخلق المتعوس، وتجافيه عن مباشرة البشر الذي ثلثاه شرّ، بل كله شرّ الا من عصم الله ممن يصل اليهم او يصلون اليه، ويأنس بهم ويأنسون اليه، اراد ونعم ما اراد ان يعيش متباعداً عن هذه الجلبة والضوضاء، والمدنية الزائعة، وكان وظيفته بين الانبياء ــ ان كان نبياً ــ تكميل الخواص من عباد الله السيّاح والزهاد، والابدال والاوتاد[68] بخلاف سائر الانبياء، فأنَّ وظيفتهم دعوة العامة من سواد الناس الى الايمان بالله واليوم الآخر ولو بالايمان البسيط واليقين الضعيف.

وارجو ان يكون بهذا القدر مقنع وكفاية لجواب تلك الأسئلة على مقدار عقلية السائل حسبما طلبت، وان كنت ارغب ان اوفي الموضوع حقه بأكثر من هذا البيان، ولكن كثرة المشاغل واستغراق الوقت بالوظائف الضرورية من التدريس وفصل الخصومات، واجوبة المراجعين في المسائل الفرعية واخذ الفتوى لم يدع لنا فرصة لبسط الكلام في هذه المواضيع وقد كتبت هذا القدر على جري القلم وعفو الخاطر ولله الفضل والمنّة. ومما يحسن التنبيه عليه انك مسلم محمدي لا يليق بك ان تؤرخّ بالتاريخ المسيحي[69] والله سبحانه يقول:

[وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا][70] والله ولي التوفيق وبه المستعان.

10 شهر رمضان المبارك سنة 1349هـ

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

 

رسالتان

 

للامام المصلح كاشف الغطاء موجهتان الى مؤلف كتاب (الحركة الفكرية في مصر) الاستاذ الكبير الدكتور عبد اللطيف حمزة المدرس بكلية الآداب بجامعة فؤاد الاول في القاهرة وقد سبق ان نشرهما المؤلف المذكور في نفس الكتاب مع تمهيد لهما

بريد من العراق

 رسالتان من كبير فقهاء الشيعة الامامية سماحة الامام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء

الى المؤلف

تمهيد:

كان من عملي في اثناء هذا البحث ان اعرض للفاطميين في مصر و اوازن بينهم وبين السنيين بها، فكلّما تحدّثت عن امر من الأمور العقلية او الادبية، او السياسية متّصل باحدى الدولتين الايوبية والممالك البحرية كنت انتقل بذهني سريعاً الى الفاطميين، وكانت هذه الامور التي اشير اليها لا تستقيم عندي الاّ باجراء هذه الموازنة، غير اني كنت اشعر بغنى المصادر العربية في ناحية، وبفقرها المدقع في ناحية ثانية، فاما المصادر السنيّة فيسيرة متعددة، واما المصادر الفاطمية فلم تزل في بلادنا قليلة بل نادرة، وانا وان كنت لا اكتب بحثاً خاصاً بالفاطميين الاّ ان حاجتي اليهم كانت ماسة من أجل تلك الموازنة التي لم أجد بدّ منها.

ولكم ودّ صاحب هذا البحث ان تصل يده الى تلك المصادر الفاطمية التي مازال الكثير منها في ثنايا الكتمان والتي حرص عليها اصحابها طول هذا الزمان فبقيت نائمة في خزائنهم، مطمئنة الى اماكنها من منازلهم، حتى لقد كرهت مثلهم ان تستقرّ في بيت سني، اللهم الاّ اذا احتال عليها بشتى الحيل حتى يصل منها الى بغيته.

وليتني ان تعذّر عليّ الاتصال بهذه المصادر الفاطمية العزيزة على اصحابها استطعت ان اتصل بأشخاص لا يزالون يستمسكون بهذه العقيدة الفاطمية ويتعلّقون بأهدابها وانا اعلم ــ مثلاً ــ ان (البهرة) المقيمين الآن بالهند هم البقية الباقية من الفاطميين الذين كانوا بمصر.

اجل لم يتيسر لي ان اتصل بالمصادر الفاطمية التي اشير اليها ولا يتيسر لي الاتصال باحد من (البهرة) ولا من الاسماعلية الذين يظنّ انهم يملكون عدداً ضخماً من هذه المصادر التي تمنيت الحصول عليها.

ولكن الحظ اسعدني بالاتصال بسماحة فقيه الشيعة، الامام الاكبر الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء النجفي العراقي المعروف بمواقفه الاسلامية الجليلة ومؤلفاته النفيسة ــ اطال الله بقاءه ــ وهو وان لم يكن من الفواطم ولا صلة له بمؤلفاتهم ومعتقداتهم، فأنه بصفته امام الشيعة الاثنى عشرية اعلم من غيره ولا شكّ بالمذهب الشيعي بوجه عام، وادرى مني بالفواطم الذين هم فرقة من فرق الشيعة، فدارت بين سماحته وبيني رسائل سافر فيها احد اصدقائنا العراقيين الوافدين الى مصر لتلقي العلم، وهو السيد المشكور الاسدي، جزاه الله عنا خيراً.

وكنت في اثناء اتصالي بسماحة الامام قد بعثت اليه بفصل من فصول هذا البحث وهو فصل (المذهب الديني) فقرأه وجاء في بعض رسائله ردّ على بعض الآراء الواردة فيه، كما جاء فيها ردّ على طائفة من الاسئلة التي كنت القيها بين حين وآخر على سماحته، وارجوه ان يتفضّل بالاجابة عنها، واحالني كذلك على مصادر لها قيمتها، وتفضّل فأهدي اليّ بعض مؤلفاته.

وكنت اول الأمر وقبل ان ابدأ بالطبع انوي ان اضّمن بحثي هذا ردوده تلك وملاحظاته في مواضعها من الصفحات، لكنني بعد ان قطعت شوطاً منها في طبع البحث بدا لي ان افرد لرسائل الامام بحذافيرها مكاناً خاصاً بها في نهاية البحث ولذا لم يرد لهذه الرسائل ما كان ينبغي لها من ذكر في المقدّمة، واعترف بأنني افدت الكثير من رسائل الامام، والتي آمل ان يجد فيها غيري من الباحثين فوائد أخرى.

وانا اشكر لسماحة الامام الجليل تفضّله بالكتابة اليّ، اعتبر نفسي سعيداً بأن اتحت لسماحته فوق ما افاض من علم وافاد فرصة الردّ عليّ وعلى استاذي الفاضل احمد بك امين في هذا الكتاب، وانا واثق كل الثقة من انّ استاذي هذا لن يغضبه ما جاء في ثنايا الرسائل العراقية من ثورة علينا وعلى جمهور الباحثين في الديار المصرية، بل اني لأنظر الى هذه الثورة او الحماسة وامثالها على انها نوع من المداعبة العلمية، والعتاب الودّي بين علماء مصر والعراق.

واذا علمنا مقدار ما لسماحة الأمام آل كاشف الغطاء من جهود عظيمة بذلها، ولا يزال يبذلها في الدعوة الى التآخي والتقريب بين طوائف المسلمين رأينا ان الباعث لما جاء في رسالته من عتاب انما هو الغيرة على الاسلام ووحدة المسلمين والدعوة الى انصاف الشيعة الذين يعدّون بعشرات الملايين وفهمهم فهماً صحيحاً يرضاه العلم، ويطمئن اليه الضمير.

وانَّ من دواعي سروري ان يكون كتابي هذا سبباً لاثارة هذه المعاني بنشر رسالتي الامام التاليتين، والله الموفق للصواب.

عبد اللطيف حمزة

الرسالة الاولى: الاجتهاد والحرية الفكرية عند الشيعة الامامية

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد

حضرة الاستاذ النبيل الدكتور عبد اللطيف حمزة زاد الله توفيقه

سلام وتحية:

وردنا كتاب من بعض شبابنا النجيب المهاجرين لأرتشاف مناهل العلوم في بلادكم الكريمة لا لأن بلادهم جافة من تلك المناهل ولكن للهجرة معناها وقيمتها، ولا سيما طلب العلم.

نعم كتب انكم عازمون على تأليف كتاب في الحركة الفكرية في مصر ابان الدولتين الايوبية والمملوكية، وقلتم له: انكم تريدون ان تنصفوا الشيعة ومنهم الفاطميون، في كتابكم هذا ــ وحبذا لو صحت الاحلام وانقشع الغمام ــ فأن هذه الطائفة لا تزال مجهولة القدر، مهضومة الحق عند سائر فرق المسلمين، ولا سيما عند اخواننا المصريين، فانهم يرونهم بعين شنآن، ولهذه الدعوى شواهد كثيرة لا مجال لذكرها، ويكفي ما ينشره رجالهم كأحمد امين واقرانه في مؤلفاتهم، ولعل نظركم وقع على مؤلفنا الوجيز (اصل الشيعة واصولها) وما المحنا فيه الى هذه القضية، ثم ذكر الشاب انكم تريدون الجواب على هذا السؤال:

وهو: الى أي حد نعتبر باب الاجتهاد مفتوحاً امام علماء الشيعة الامامية وما مسافة هذا الاجتهاد؟ وما نوعه وما تأثيره على الفقه الشيعي؟ وهل حريتهم الفكرية المعروفة عنهم مطلقة بالمعنى الصحيح ام هي مقيدة تقييداً كبيراً بمذهبهم[70]؟ وقلتم: هذا ما انتظر الجواب عليه راجياً ان يتأيد هذا الجواب بالادلة الكافية والنصوص الواضحة.

وحيث ان الجواب عن هذه الأسئلة على اختصارها ان كان بنحو الاجمال ربما لا يروي الغلة ولا يحصل به غرضكم، وان كان بنحو البسط والاستيفاء واعطاء الموضوع حقّه احتاج الى تأليف رسالة او كتاب لا يتسع له وقتنا وحالنا، لذلك ارسلنا لكم مع البريد بتوسط الشاب المشار اليه واحد تلامذتكم والمنوّهين عن فضلكم الجزء الاول من (سفينة النجاة) فأنكم تجدون في صدرها مباحث وافية وكافية لأرواء ظمئكم الى ورود تلك الشرائع، وجواب تلك الاسئلة، مع الاشارة الى بعض الأدلة، او المهم منها في تلك المواضيع، والايماء الى مادة تلك الينابيع، فاذا سهل الباري جلّ شأنه وصول الكتاب اليكم واعطيتموه حقه من المطالعة والنظر، ووجدتموه وافياً بغرضكم فذاك هو الأمل الاّ عرفونا ما يسنح لكم من سؤال او اشكال تجدونا عند رغبتكم ان شاء الله.

ومع ذلك فلا يعوقنا شيء عن الجواب الوجيز، والايماء الوامض الذي يدلّكم على بعض الناحية المهمة في سؤالكم او كلّها.

(1) يعتبر باب الاجتهاد مفتوحاً امام فقهاء الامامية بغير حد من ناحية المجتهد الاّ حدود تحقق شرائطه واهليته من أي عنصر كان، وفي أي بلد او زمان يكون، والى أي نحلة من نحل الاسلام ينتسب، فهو من هذه الناحية حرّ طليق لا يتقيّد الاّ بنفسه وتحقق ذاته.

(2) واما مسافته: فهي كذلك غير محدودة لا في اول ولا آخر، بل مستمرة ما دام التكليف، وما بقيت العقول التي هي الحجة الكبرى للخالق على المخلوق، وللمخلوق على الخالق، وهي ثابتة في كل زمان ومكان، وفي عامة الشرائع والأديان.

(3) واما نوعه فهو من العلوم النظرية الفكرية الاستقلالية، وليس من العلوم الالهية، وهو مقدّمة للعمل وليس تحققه منوطاً به، بل هو ملكة نفسيّة كسائر العلوم والفنون، ولا تكون ملكة راسخة الاّ بعد الممارسة والمزاولة وسبر الأدلة، واستحضار القواعد العامة، والاحاطة بالاشباه والنظائر، وهو احوج ما يكون الى ذهن نافذ وفهم وقّاد، وذوق سليم واعتدال سليقة واستقامة طريقة، ومعرفة بالامور العرفية يستطيع بها تطبيق الأصول للفروع واستنباط حكم الجزئي من الدليل الكلي، ويستحيل عادة او حقيقة حصول هذه الملكة ــ اعني ملكة الاجتهاد ــ للبليد والرجل العادي، ولذا قالوا: انَّ الاجتهاد نور يقذفه الله في قلب من يشاء، وانا اقول نعم هو نور ولكن لا يقذفه الله في قلب احد جزافاً، وانما ينفحه به بعد طول الكدّ والجدّ والتعب والعناء، وان نقل عن بعض الاساطين: ان ملكة الاجتهاد حصلت لهم قبل البلوغ، وهو ان صحَّ فمن النوادر والشواذ.

(4) هل حريتهم الفكرية مطلقة بالمعنى الصحيح ام هي مقيّدة تقييداً كبيراً بمذهبهم؟! قد اشرنا الى انَّ الاجتهاد لا يتقيد بمذهب من المذاهب، فهو مطلق من هذه الناحية، ولكن الاجتهاد الصحيح الذي يجوز للمجتهد ان يعمل به، وللمقلّد ان يأخذ به ويرجع اليه مقيّد بأن يكون على مذهبهم ومن السنة المعتبرة عندهم، مثلاً الاحناف قد يفتون على ما يقتضيه القياس والمصالح المرسلة، وهذا لا يجوز عند الامامية اصلاً، بل لا بدّ من الاستناد الى الكتاب او السنة المعتبرة عندهم، او العقل القطعي البديهي لا الظن او الاستحسان وحتى ان مراجعهم العليا في الحديث ــ وهي الكتب الاربعة المشهورة (الكافي) و (التهذيب) و (الاستبصار) و (من لا يحضره فقيه) ــ مع جلالة قدرها وعظمتها عندهم فهم لا يعملون بكلّ حديث فيها، بل يمحصونه ويفحصونه ويجتهدون في سنده ومتنه، فقد يقبله مجتهد حسب اجتهاده، وقد يردّه آخر لعيوب يجدها فيه او معارض اقوى حسب اجتهاده ايضاً، ومن هنا تعرف حريّتهم الفكرية كيف ترامت الى امد بعيد قد تجاوز الحدود واخترق التخوم، ومنه تعرف ايضاً تأثير انفتاح باب الاجتهاد على الفقه، فأن هذا الانفتاح قد شحذ اذهانهم، وفتق قرائحهم، وفتح لهم مدائن واسعة في الفروع والاصول يعرف ذلك جلياً من راجع مؤلفاتهم في الفقه والاصول، من المتقدمين والمتوسطين والمتأخرين.

ولولا انحراف الصحة، وضعف القوى، وسوء ملكة العلل والاسقام لنا ساعة كتابتي هذه لذكرت نبذة وافية من الشواهد على ما كان له من التأثير على الفقه الشيعي، بل قد تجاوز ذلك الى تأثيره على الأدب العربي، والشعر البديع فقد كان لأكثر فقهائنا، حتى من غير العرب نصيب من الادب العالي والشعر الرائق والمؤلفات النفيسة في انواع علوم العربية حتى متن اللغة ولو نظرت الى (طراز اللغة)لسيد علي خان صاحب السلافة الذي هو وان لم يكمل اضعاف القاموس نعم لو نظرته لرأيت العجب من تلك السعة والاحاطة وحسن الذوق.

والخلاصة: ان انفتاح باب الاجتهاد لم يؤثر على الفقه عندهم فقط بل له تأثيره البليغ في سائر العلوم حتى الحساب والهندسة والفلك وما اليها واذا اردت ان تعرف الفرق بين فقههم وفقه بقية المذاهب الاسلامية فمن الجدير ان تسيم نظرك في مؤلفنا الجديد الذي فرغنا من تأليفه وطبعه العام الماضي، وهو كتاب (تحرير المجلة) في خمسة اجزاء، الاربعة الاولى منه في العقود والمعاملات والالتزامات والضمانات والقضاء والمرافعات، والخامس فيما يسمونه اليوم بالحقوق الشخصية الذي استدركناه على ارباب المجلة.

وهذا البيان الوجيز وفق ما امكن لا وفق ما يلزم، ولا زلتم موفقين لخدمة المعرف بدعاء الاب الروحي:

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

صدر من مدرسته العلمية في النجف الأشرف ــ العراق

4 ربيع الأول سنة 1365هـ

الرسالة الثانية: غيبة المهدي المنتظر

غيبة المهدي المنتظر لا علاقة لها بالسرداب ــ نسب عبيد الله المهدي الفاطميون والقرامطة ــ مفاخر الفاطميين ــ وصايا علي بن ابي طالب ــ عصمة الائمة ــ والحركة الفكرية عند الامامية ــ الفرق بين الفاطميين والاثنى عشرية ــ الفرق بين الامامية والمعتزلة.

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد

ولدي العزيز المهذّب النجيب مشكور الأسدي، شكّر الله مساعيه

سلام وتحية:

وردني البريد وفي طيّه التحفة السنيّة، بل الوردة العبقة الذكية، وهو كتاب استاذك الفاضل، بل استاذ الفضيلة، ومجموعة السجايا النبيلة والادب اليانع، والذكاء الوقّاد، والفكرة الحرّة، الاستاذ الدكتور عبد اللطيف حمزة، حفظه الله وزاده نشاطاً وتوفيقاً، وقد جعلت كتابي هذا جواباً لكما معاً، لأن روحكما واحدة، ونحن ننظر الى الارواح اكثر من نظرنا الى الاجسام، بل لا ننظر اليها الا من جهة الارواح، والاشباح مرآة وقنطرة اليها، ولا اكتب الاّ بمقدار ما تسمح به قوتي لا ما تنزو اليه رغبتي، ولكن على قاعدة (لا يسقط الميسور بالمعسور) و (ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه).

سألت عن (المهدي المنتظر) وقلت ان الشيعة يزعمون انه دخل في سرداب سامراء وتغيّب هناك ...ويقفون في كلّ ليلة بعد صلاة المغرب بباب هذا السرداب فيهتفون بأسمه ويدعونه للخروج حتى تشتبك النجوم، ثم ينفضّون ويرجئون الأمر الى الليلة الآتية (انتهى) عجبت كيف تسألني عن هذه الخرافة؟ ونسيت ما قلته انت ونقلته عنّا في صفحة من صفحات كتابك انه أي (محمد الحسين) لا يرضى عن الرجوع في تأريخ الشيعة الى ما كتبه ابن خلدون (البربري) الذي يكتب وهو في افريقيا واقصى المغرب عن الشيعة في العراق واقصى المشرق انتهى[72] فهل نقلت الاسطورة الخرافية الاّ عن ابن خلدون او امثاله؟ وهل وجدتها في شيء من كتب الشيعة؟ اذاً فارشدنا اليه ارشدك الله، هذا وقد قرأت في كتابنا (اصل الشيعة واصولها) الذي نوّهت انت عنه في هذه الصفحة.

نعم لا شك انك قرأت في صفحة 101 من الطبعة الثالثة المطبوعة عندكم في القاهرة ما نصّه: وقد اوضحنا غير مرة ان من الأغلاط الشائعة عند القوم (أي عند السنة) من سلفهم الى خلفهم والى اليوم زعمهم ان الشيعة يعتقدون غيبة الأمام في السرداب، مع انَّ السرداب لا علاقة له بغيبة الامام اصلاً، وانما تزوره الشيعة وتؤدي بعض المراسيم العبادية فيه لأنه موضع تهجيد الامام وآبائه العسكريين، ومحل قيامهم في الاسحار لعبادة الحقّ ــ انتهى.

واعجب من ذلك قضية الوقوف على باب السرداب والهتاف باسمه ودعوته للخروج، فأن سامراء من مشاهير مدن العراق ويقصدها كل يوم او كل شهر او كل عام الوف من اهل الاقطار النائية من مختلف العناصر والمذاهب، ومقام السرداب وبابه مفتوح لكل وارد انفتاح سائر المشاهد والمعابد، فمن ذا الذي رأى الشيعة يقفون على بابه أي وقت شاءوا لا يختص بمغرب ولا غيره، ويسميه العوام او بعض الخواص (الغيبة) لأن الامام غاب في تلك الدار، وهي التي ولد ونشأ فيها، ويقفون على الباب يستأذنون للدخول شأن الوقوف على الاماكن المقدّسة، ويسألونه تعالى تعجيل الفرج برفع كابوس هذا الظلم عن العالم، واقامة موازين القسط والعدل بظهور امام يملؤها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، ولا يختص السرداب بهذا الدعاء بل يدعون به في كل زمان وكل مكان وهذه احدى الافتراءات التي كانت الدعايات السوداء تنشرها عن الشيعة. وكنا نحسبها زالت وتزول في هذا العصر الذي يسمونه عصر النور ــ وهو اظلم العصور ظلماً وظلاماً ــ كنّا نحسبه عصر التمحيص وعصر الحقائق ــ واذاً الناس تلك الناس ــ والزمان ذلك الزمان، وكل كتاب فجر الاسلام، وكلّ كاتب احمد امين... فلا حول ولا قوة الا بالله العظيم.

ثم ذكرت في ذيل تلك الصفحة التي اشير اليها: ويشك[73]المؤرخون السنيون كل الشك في نسب عبيد الله المهدي ــ انتهى.

مع ان كثيراً من مؤرخي السنة يصححون نسب الفاطميين، ومنهم المقريزي على ما ذكر، والظاهر ان محمد بن اسماعيل هو محمد المكتوم لا محمد بن المكتوم، اما ما نقلته عن المقريزي من ان اصل الدعوة الفاطمية مأخوذ عن القرامطة[74]الى آخر ما ذكرت من التحامل الى هذا الرأي، او التحامل على تلك الدعوة... فأن الحس والوجدان، وسيرة الفاطميين انفسهم تفند هذا الرأي وتزيفه، فأن القرامطة ملاحدة، وقضيتهم في مكة المشرّفة وقلع الحجر، وقول زعيمهم:

أنا بالله وبالله أنا

 

يخلق الخلق وافنيهم أنا

 

وقوله بعد ان قتل في المسجد الحرام سبعين الفاً من الحجاج:

ولو كان هذا البيت بيتاً لربنا

 

لصب علينا من صواعقه صبّا

 

اما الفاطميّون فيمكن ان يصحّ القول عنهم: انه ما من دولة نشرت الثقافة الاسلامية، وخدمت الاسلام عموماً، ومصر خصوصاً مثل الدولة الفاطمية، ولو لم يكن لهم من المآثر والمفاخر سوى الأزهر الخالد لكفى، امن الحق والانصاف ان يكون جزاء هؤلاء ازاء خدماتهم لمصر والاسلام انهم ملاحدة قرامطة مذهباً؟ ويهود بالأصل نسبا؟ الحكم في ذلك لوجد انك النزيه، وضميرك الحرّ ونعوذ بالله من العصبية التي تضع على الابصار والبصائر كل غشاوة.

ومن ملاحظتي على الكتاب انكم ذكرتم في صفحة من صفحاته ما نصّه: فمن عقائد الفاطميين قولهم بوصاية علي بن ابي طالب، وهي فكرة مأخوذة عن الشيعة الامامية، وهم الذين لقّبوا علياً بهذا اللقب في حياته وان علياً لم يرض به كما لم يرض بغيره من الاقوال التي ذهبوا فيها الى تقديسه الى آخر ما ذكرت، وهذه شنشنة قديمة اعرفها من اخواننا السنيين، ولا استطيع ان اثبت لك بهذه الفصاصة وصاية عليّ على كتبهم لأنه قد يستوعب مجلداً، ولكن ليت شعري انظرت في (اصل الشيعة واصولها) صفحة (81) ونسيتها او تناسيتها او لم تنظرها؟ وعلى كلّ فأنا ارشدك الى شاهد ثبت لعلك تقنع به، وتعرف منه ان لقب الوصي لعلي اشهر ــ كما يقولون ــ من الشمس في رائعة النهار، هو المسطور في آخر مجلد من لسان العرب لأبن منظور المصري تحت مادة (وصي) انظر هناك واعجب[75] ثم ليت شعري من اين ثبت عندك انَّ علياً لم يرضَ به في حياته؟ وهذا (نهج البلاغة) مشحون بما يدل على ذلك، وغير النهج من خطبه وكتبه.

هذا وقد كلّت الى هنا يدي، وضعفت من امساك اليراع اناملي، فلا استطيع ابداء جميع ما يخطر من الملاحظات، ولكني كذلك لا تسمح لي عاطفتي نحوك، وتشجيع طموحك في آفاق العلوم والمعارف ان اختم كتابي هذا قبل اجابتك من اسئلتك المدرجة في رسالتك الخاصة، ومهما كلفني الأمر من العناء وفاء بالأبوة الروحية وقياماً بواجبها.

1 ــ سألت عن القول بالعصمة عند الشيعة الامامية يحجب شيئاً من الحرية الفكرية عندهم، او يحول دون التمتع بها على الوجه الاكمل[76]والجواب اني لا احسب ان طائفة من طوائف الاسلام تلتزم الحرية الفكرية وتطلق سراح العقل عندهم ولا تقيّده بشيء من قيود، وللعقل المقام الاعلى في ادلة الاحكام، واذا عارضه النقل فالمعوّل على العقل. وكثيراً ما يأتي الحديث الذي هو في اعلى مراتب الصحة عن الائمة المعصومين (عليهم السلام) ــ وهو ما يسمونه بالصحيح الأعلائي ــ ويكون منافياً للعقل، فان امكن تأويله الى ما يوافق العقل اوّلوه، والاّ ضربوا به الجدار، وتأدباً يقولون نردّ علمه الى اهله، ولا يعملون به.

2 ــ وسألت ما هي اهم الفروق الواضحة بين الشيعة الامامية والشيعة الفاطمية الذين هم فرع من الامامية؟! والجواب ما قلته لبعض علماء الشيعة الاسماعلية الذين هم الى اليوم في الهند (بومباي) فأنهم بقية الفاطميين تحقيقاً[77] واعني بهم (البهرة) اتباع. ((طاهر سيف الدين)) لا اتباع (آغا خان) فانهم ملاحدة تحقيقاً: لا حج، ولا صوم، ولا صلاة، بخلاف الاولين.

نعم قلت نحن وانتم سرنا في طريق واحد وعندما وصلنا منتصفة الطريق فارقتمونا وهكذا الحال فانهم يوافقونا في ستة من الائمة من علي (عليه السلام) الى جعفر الصادق (عليه السلام) وينكرون الستة الآخرين، وللمقال هنا مجال واسع في ذكر اصولهم وفروعهم، وفي ذكر القاضي النعمان بن محمد المصري[78]وغيره من افراد اسرته الجليلة الذين تولوا القضاء للفاطميين اكثر من مائة سنة وكتابه الجليل (دعائم الاسلام) ولكن لا قوة تساعدني على الافاضة في ذلك، فعذراً.

3 ــ وسألت ما هي الصلة بين الشيعة الامامية ومنهم الفاطمية وبين المعتزلة التي هي من فرق السنة؟ فقد وجدت الفرقتين تتحدثان عن صفات الله، وتخصان صفة العدل من صفاته تعالى بالكلام.

والجواب ان المعتزلة فرق كثيرة، وقد انقرضت اليوم على الظاهر، ومنها معتزلة الشيعة، ومعتزلة السنة، ومعتزلة السنة ايضاً انواع مفضلة وغير مفضلة، والذي يجمعها عموماً مع الشيعة عموماً هو قولهم ان من صفاته تعالى العدل الذي ينكره الاشاعرة. وعل هذا تبتني مسألة الحسن والقبح العقليين التي تقول بها الامامية والمعتزلة، وتنكرها الاشاعرة ايضاً، وبهذا الملاك يطلق على الفريقين اسم العدلية. اما الكلام فهي مسألة اخرى، فانَّ الاشاعرة قالوا بالكلام النفسي له تعالى، وانه من صفاته الثبوتية، وانكره العدلية بأجمعهم، ومن هذه القضية تفرّعت المسألة المهمة التي اخذت دوراً واسماً في زمن المأمون والمعتصم، والواثق بل والمتوكل ايضاً، وهي قضية خلق القرآن وهل هو حادث او قديم؟ مخلوق او غير مخلوق؟ وهي المحنة الذي ضرب في سبيلها الامام احمد بن حنبل بالسياط، وقد اشبعنا الكلام في هذه المباحث في الجزء الأول من كتاب (الدين والاسلام) ولا مجال لتفصيل هذه المباحث العويصة في هذا الكتاب الوجيز مع ما نحن فيه من العجز. وعلى كفاية هذا القدر على اختصاره من المعجزة او المعجز صفحة 87 من اصل الشيعة واصولها ذكر المعتزلة، واذا قرأت كتابنا (تحرير المجلة) باجزائه الخمسة وأجلت نظرك فيها بامعان رجوت ان يتجلّى عندك للشيعة الامامية من عمق الغور، وبعد النظر في التفقّه، واتفاق الاصول والقواعد، وتحرير الفروع والمسائل.

وليكن معلوماً لديك ايها الاستاذ الكريم اني ما كتبت كلّ هذا الاّ بدافع الافادة والاحسان، فان كان فيه شيء من الخشونة فانعم بمسحها بأنامل العفو والغفران.

والله يحفظكما ويرعاكما بدعاء الأب الروحي البار.

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

صدر من مدرسته العلمية في النجف الأشرف ــ العراق

3 جمادى الثانية سنة 1365هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد

الى المحروس السيّد نجم الدين الحسيني سلّمه الله:

سألت ــ وفقك الله ــ عن الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وارباب السنن كالترمذي وابن داود وابن ماجه عن حذيفة ان رسول الله (ص) اتى سباطة قوم فبال قائماً. وانّ بعض ائمة المساجد لم تستطع ان تقنعه بأن هذا الحديث كذب، وتقول هل جاء نص بحرمته؟ وطلبت منّا الجواب.

فأعلم اننا واكثر المذاهب الاسلامية على الظاهر نعتقد عصمة النبي (ص) ولا شكّ ان العصمة فوق العدالة بمراتب والعدالة كما هو معروف ترك الكبائر وعدم الاصرار على الصغائر, وعدم ارتكاب منافيات المروّة، ويمثلون منافيات المروّة بمثل الأكل في الطريق أو المشي فيه عارياً مستور العورة، فاذا كان مثل الاكل منافياً للمروة ومسقطاً للعدالة فكيف لا يكون البول في الطريق منافياً للمروة ومسقطاً للعدالة؟ فهل يعقل ان يكون النبي (ص) غير عادل؟ مع ان الواجب عقلاً ان يكون معصوماً، والعصمة فوق العدالة، ومنافيات المروة لا يلزم ان تكون حراماً حتى يقال هل اتى نص بحرمته، وغير خفي على ذي لبّ ان مقام النبي الكريم الذي يقول فيه العظيم: [وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ][1] حتى في احواله العادية فضلاً عما يعود الى عالم التشريع هو فوق مستوى البشرية فهو منزّه في كل اقواله وافعاله بعيد عما يكون له ايّ مساس بحفظ الكرامة، والصيانة، والوقار، والهيبة، ولا ريب ان البول قياماً ولا سيما امام جماعة من الناس مما تنبو عنه الطباع وتشمئز منه النفوس، الا ترى ان العرب كانوا اذا ارادوا ذم الرجل وانه جلف جافِ لا يعقل شيئاً يقولون: (اعرابي بوّال على عقبيه) أي يبول قائماً يترشح البول او يسيل على عقبيه كالبهائم، فاذا كان احد ائمة المساجد الذي لم تستطع اقناعه بكذب الخبر يرضى ان يكون نبيه بوّالاً على عقبيه فنحن لا نرضى بذلك وننزّه مقام النبوة ونقدّسه عن مثل هذه الرذائل، ومن الشائع المعروف عن الامامية انه (ص) ما رآه احد على بول او غائط قط وانّ الأرض تبتلع فضلاته.

وهذا امر جلي واضح يدركه الذوق والوجدان، وهو في غنى عن الدليل والبرهان، فأن كل ذي شعور اذا وجد رجلاً يبول في الطريق قائماً او قاعداً يسقط من عينه، ولا يبقى له أي كرامة في المجتمع، كمن يمشي عارياً في المجامع، ويستحق الذم واللوم عند العقلاء وهذا في سائر الناس فما ظنّك بالنبي والائمة (عليهم السلام)، والعلماء الذين بهم الأسوة والقدوة؟!.

هذا من طريق العقل والعرف والاعتبار، اما لو اردنا سرد الأخبار الواردة في كراهة البول قائماً او في الطريق، واستحباب التباعد بالبول بحيث لا يرى، وأن يتوقّى الترشح ونحوه فهو كثير لا يسع المجال لأحصائه نعم لو رأينا النبي (ص) بال قائماً بأعيننا او ثبت ذلك بالتواتر وجب علينا تخريج وجه لصحة عمله، وطلب وجوه التأويل لهذا العمل المنكر عقلاً وعرفاً وشرعاً، فنقول ان مراده بيان الجواز، ودفع توّهم الحرمة، او انّ الضرورة وشدة الحصر دفعه الى ذلك لدفع الضرر، كما ورد في بعض الأخبار (بل ولو على ظهر حمارك) أي اذا حصرك البول، وبالجملة اذا قطعنا بصدور العمل منه يلزمنا التأويل.

اما بمثل هذا الخبر الضعيف السند المضطرب المتن، السخيف المعنى والمبنى فنضرب به الجدار، ومن اصرَّ عليه فلا ذوق له، وان ابى فهو حمار، وقد روى البخاري نفسه ضد هذا الخبر بسنده عن ابن طاووس عن ابن عباس أن رسول الله (ص) مرَّ على قبرين فسمع منهما انيناً فقال: ان صاحبيهما ليعذبان وما يعذبان عن كبيرة، اما احدهما فكان لا يستتر ببوله واما الآخر فيمشي بالنميمة.

وفي بعض الأخبار التي رواها في بول النبي (ص) ان حذيفة كان الى جنب النبي (ص) لما بال وهو قائم، والقصارى ان هذا الخبر يشهد بكذبه العقل والعرف والذوق والاحاديث الكثيرة، فان قنع صاحبك بهذا كلّه فالحمد لله على الوفاق، والاّ فانك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء.

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

حرره في كربلاء 9 رجب 1366هـ


[1] كان (رحمه الله) من فضلاء خطباء الكاظمية توفي في اوائل حكومة الجمهورية في العراق.

[2] تشرف مندوب (البيان) لدى الامام الفقيد (رحمه الله) يستميله كلمة للعدد الخاص بـ(الحسين) ("رحمه الله") ليجعله غرة في سبيل هذا العدد نفسه فأجاب الطلب فأملي عليه هذه الكلمة البليغة في بضع دقائق، (العدد 35 ــ 39) السنة الثانية 1367هـ النجف الأشرف.

[3] سورة 3 آية: 14.

[4] رجع الحسين ("رحمه الله") الى حرمه مرة اخرى وودعهم وامرهم بالصبر ووعدهم الثواب والأجر وامرهم بلبس آزارهم وقال: لهم استعدوا للبلاء واعلموا ان الله حافظكم وحاميكم وسينجيكم من شر الأعداء ويجعل عاقبة امركم الى خير ويعذّب اعداءكم بأنواع البلاء ويعوضكم الله عن هذه البلية انواع النعم والكرامة فلا تشكوا ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص قدركم ثم توجه الى قتال اعدائه.

قال عمر بن سعد: ويحكم اهجموا عليه مادام مشغولاً بنفسه وحرمه والله ان فرغ لكم لآ تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم، فحملوا عليه يرمونه بالسهام حتى تخالفت السهام بين اطناب المخيم وشك سهم بعض ازر النساء فدهشن وارعبن وصحنَّ ودخلن الخيمة ينظرن الى الحسين ("رحمه الله") كيف يصنع فحمل عليهم كالليث الغضبان فلا يلحق احداً الاّ يعجه بسيفه فقتله والسهام تأخذه من كل ناحية وهو يتقيها بصدره ونحره انظر مقتل الحسين ("رحمه الله") او حديث كربلاء =ص323 ط2 النجف. لسيدنا الحجة السيد عبد الرزاق المقرم النجفي وجلاء العيون للسيد عبد الله الشبر (رحمه الله) ج2 ص205 ط النجف.

[5] هنا تعليقة يأتي في آخر الكتاب ان شاء الله تعالى.

[6] انظر في معرفة معاني هذه الاصطلاحات الى كتاب (مقباس الهداية في علم الدراية) للمجتهد الاكبر العلامة المامقاني (رحمه الله) المتوفي (1351)هـ وهو ابسط كتاب وانفعه في علم دراية الحديث فراجع.

[7] محمد بن جرير الطبري المؤرخ الفقيه من علماء العامة صاحب التاريخ المشهور توفي (310)هـ ببغداد.

[8] عز الدين ابو الحسن علي بن ابي الكرم الجزري المشهور بابن الاثير صاحب تاريخ الكامل واسد الغابة توفي سنة (630)هـ بالموصل.

[9] المولى محمد باقر بن المولى محمد تقي المجلسي شيخ الاسلام والمسلمين ورئيس المحدثين المتوفي سنة (1111)هـ صاحب الجامع الكبير (بحار الانوار) الذي هو دائرة معارف في جمع شتات الاخبار ومتفرقات الآثار ولم يلتزم مؤلفه ان كل ما جمعه فيه من الاخبار مما يمكن الركون اليه او يلزم الاعتماد عليه او يصح نسبته الى عالم التشيع. وانما نظر مؤلفه الى جمع متفرقات الاخبار صوناً لها من التلف والضياع على مرور الادوار واما التنقيب والتحقيق وتمييز الصحيح من الضعيف وفهم معاني بعض الاحاديث والبحث حول مضامينها فهذا كله موكول الى انظار اهل البحث والتحقيق والنظر والتحليل وليس غرض شيخنا الاستاذ (رحمه الله) ان مجرد وجود خبر في البحار يكفي مدركا الاعتبار ودليلا على الاعتماد سواء كان من قضايا وقعة كربلاء ــ تلك الكارثة الفجيعة ــ او من غيرها.

[10] الشيخ فخر الدين بن محمد علي الطريحي النجفي الرماحي العالم العابد الفقيه الورع صاحب مجمع البحرين المتوفي سنة (1085)هـ وكتابه (المنتخب) في المقتل مشهور ولا يمكن الركون الى بعض متفرداته.

[11] رضي الدين علي بن طاووس الحسني العلامة الاورع الاتقى قدوة العارفين صاحب الكرامات المتوفي سنة (664)هـ له تصانيف كثيرة في غاية الاتقان والضبط منها كتاب (للهوف) في المقتل في نهاية الاعتبار والاعتماد وما ذكره المحدث النوري (رحمه الله) انه من تصانيف اوائل عمره لا يقدح على اعتباره فانه لم يغيره طيلة حياته ونسخه متحدة من حيث الوضع والاسلوب.

[12] ابو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان البغدادي الملقب (المفيد) شيخ الامامية ورئيسهم ومن اركان الاسلام واعمدة الدين ــ كل من تأخر عنه استفاد منه ــ توفي (423)هـ وله تصانيف نفيسة وآثار خالدة في تمام الاعتبار وعليها الاستناد في جميع الشؤون الدينية منها كتابه (الارشاد) من نفائس الكتب وجلائل الآثار وهو غاية الاعتبار.

[13] كما يظهر للقارئ الفطن بعد الفحص والتأمل في معجزات رسول الله (ص) ان بعضاً نادراً منها لم يكن ظاهراً لعموم الناس مرآهم في كل الاوقات كتظليل الغمامة على رأسه الشريف فأنها كانت ظاهرة لبعض الناس دون =بعض من غير فرق قبل البعثة وبعدها ويظهر ما ادعيناه واضحاً مكشوفاً لمن تتبع وتأمل معجزات رسول الله (ص) وسيرته انظر افلا الى قصة الراهب (بحبرا) في (بصرى) في مناقب ابن شهر آشوب (رحمه الله) ج1 ص36 ــ 37 ط النجف.

قال الراهب اني ارى ما لا ترون واعلم ما لا تعلمون  ولقد رأيت له وقد اقبل نورا امامه ما بين السماء والارض ولقد رأيت رجالاً في ايديهم مراوح الياقوت او الزبرجد يروحونه وآخرين ينثرون عليه انواع الفواكه ثم هذه السحابة لا تفارقه الخ، يظهر من ملاحظتها ان هذه الخوارق للعادات كان يراها الراهب وابو طالب ("رحمه الله") دون غيرهما من قريش ثم شرع الراهب يخبرهم بما رآه.

والظاهر ان من هذا القبيل عدم الظل لرسول الله (ص) قبل البعثة تسمى (ارهاصات) وصدر عن رسول الله (ص) ارهاصات كثيرة ذكر المؤرخ الشهير فريد وجدي المصري مقدارا منها في (دائرة المعارف) في مادة (رهص) ج4 ص300 ط3 مصر فراجع.

ومما ينبغي لفت النظر اليه هو ان الرأس الأقدس قرأ القرآن في حشد من الناس ايضاً كما نقل انه حينما نصب في موضع الصيارفة وهنا لغط المارة وضوضاء المتعاملين فأراد سيد الشهداء ("رحمه الله") توجيه النفوس نحوه ليسمعوا بليغ عظاته فتنحنح الرأس الشريف تنحنحاً عالياً فاتجهت اليه الناس واعترتهم الدهشة حيث لم يسمعوا رأساً مقطوعاً يتنحنح قبل يوم الحسين ("رحمه الله") فعندها قرأ سورة الكهف الى قوله تعالى [انهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ولا تزد الظالمين الا ضلالا]. انظر مقتل الحسين للمقرم ص402 ط2 النجف.

(14)  كما نقل ان الحجاج بن يوسف الثقفي بعدما قتل التابعي الكبير جهبذ العلماء وعالم الشهداء ومن لم يكن على الارض احد الا وهو محتاج الى علمه اعني سعيد بن جبير (ع) وسقط رأسه الشريف الى الارض قال: (لا اله الا الله). فهل ارتدع ذلك الظالم الغشوم؟ كلا وكلا، قتله سنة (95)هـ بواسط ودفن في ظاهرها وقبره بها.

[15] على بن الحسين الموسوي الشهير بـ(السيد المرتضى علم الهدى) سيد علماء الأمة وزعيم الشيعة الاكبر ومفخرة الامامية ولد (355)هـ وتوفي (436)هـ.

[16] جمال الدين ابو منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر الحلي الشهير بـ(آية الله العلامة) رئيس الامامية وزعيمها الاكبر صاحب التصانيف الممتعة توفي سنة (726)هـ.

[17] مسألة البداء من المسائل الشريفة التي ينبغي البحث والتحقيق حولها ولذا تعرض لها علماؤنا الامامية وجمع منهم صنف فيها كتاباًُ مفردا او رسالة مستقلة وبعضهم تكلّم فيها في اضعاف كتابه ولشيخنا الامام الراحل (رحمه الله) بيانات بليغة كافية في هذه المسألة في كتاب (الدين والاسلام).

وصنف عمنا العلامة المجتهد الاكبر السيد ميرزا محمود شيخ الاسلام الطباطبائي (رحمه الله) رسالة مستقلة في مسألة البداء ووسمها بـ(ابداء البداء) مطبوعة في سنة (1302)هـ بطهران مع رسالة(مسائل الدعاء) ايضاً له رحمة الله، ونقل شيخنا العلامة المحدث النتتبع الثقة المعتمد المولى على الواعظ الخياباني (محلة تبريز) المتوفى (1367)هـ صاحب (وقائع الايام) في مجلد الصيام اقوال جمع من علمائنا وكلماتهم حول هذه المسألة انظر صفحة 197 ــ 230 وللعلامة المجاهد الأكبر الشيخ محمد الجواد البلاغي النجفي (رحمه الله) رسالة لطيفة في مسألة البداء طبعت ضمن (نفائس المخطوطات) في المجموعة الرابعة ص77 ط بغداد. وفي مكتبتنا رسائل ــ مخطوطة ــ لجمع من علمائنا في مسألة البداء لم تطبع الى اليوم.

[18] سورة 16 آية: 43.

[19] هذا كلام شيخنا الاستاذ (رحمه الله) من باب ذكر التمثيل للتكثير فأنه غير خفي على الخبير ان كلمة (سبعون) او (سبعين الف) جارية في كلام العرب مجرى التمثيل للتكثير كما صرح به العلامة الزمخشري في الكشاف انظر ج2 ص231 ط2 مصر طبعة مطبعة الاستقامة وجوامع الجامع ص183 ط (افست) تبريز.

[20] كقاسم بن الحسن ("رحمه الله") خرج وهو غلام لم يبلغ الحلم فلما نظر اليه الحسين ("رحمه الله") اعتنقه وبكى ثم استأذن فأذن له فبرز كان وجهه شقة قمر وبيده السيف وعليه قميص وازار وفي رجليه نعلان فمشى يضرب بسيفه فانقطع شسع نعله اليسرى وانف ابن النبي (ص) ان يحتفي في الميدان فوقف يشد شسع نعله وهو لا يزن الحرب الا بمثله غير مكترث بالجمع ولا مبال بالالوف.

قال العلامة السيد مير علي ابو طبيخ (رحمه الله):

اهوى يشد حذائه

 

والحرب مشرعة لأجله

 

ليس مهاماً ان غلّت

 

هيجاؤها بشراك نعله

 

متقلّداً صمصامه

 

متفيئاً بظلال نصله

 

لا تعجبن لفعله

 

فالفرع مرتهن بأصله

 

السحب يخلفها الحيا

 

والليث منظور بشبله

 

وكان خرج قبله اخوه لأمه وابيه ابو بكر بن الحسن ("رحمه الله") وهو عبد الله الاكبر وامه ام ولد يقال لها رملة فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه، انظر (مقتل الحسين) للمقرم ص306 ط2 النجف.

[21] هو عبد الله بن الحسن ("رحمه الله") كان له احدى عشرة سنة.

[22] انظر الى مخازي ابن آكلة الأكباد وصحائف تاريخه السوداء في الجزء العاشر من الأثر الخالد (الغدير) للعلامة الأميني.

[23] انظر الى صفحة 152 من هذا الكتاب.

[24] ان الحسين ("رحمه الله") امام معصوم وانسان حكيم فلا يخفى عليه الصواب ويتجلى اصابة الحسين ("رحمه الله") في موافقته على تضحيتهم معه بعد تخييرهم بالرجوع الى الرأي الحديث في العمل السياسي، وخلاصته ان التاريخ من صنع الانسان افراداً وجماعات ولا تجري حوادث التاريخ بصورة عفوية آنية وبدون ارتباط بالحوادث السابقة، فحوادث التاريخ مترابطة ولذلك لابد في العمل السياسي لأجل الوصول لغاية معينة من العمل المستمر والجهاد المستمر، فالتضحية في سبيل الحق على اختلافها وان لم تكن ذات فائدة آنية فأنها تثمر في المستقبل خصوصاً الشهادة في سبيل الحق فأنها تنبه الافكار وتهيج النفوس لطلب الثار ومواصلة الكفاح للوصول الى الهدف والغاية، فالمهم في العمل السياسي ان تكون الغاية شريفة والوسيلة شريفة مع المثابرة والاستمرار وقوة الايمان.

[25] عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري صاحب كتاب المعرف وعيون الاخبار والامامة والسياسة وغيرها توفي سنة (276)هـ.

[26] ) ابو الفضل احمد بن ابي طاهر طيفور من ايناء خراسان ولد ببغداد سنة (204)هـ وتوفي سنة (280)هـ وكتابه (بلاغات النساء) هو خلاصة منتخبة من صميم البلاغات العربية المروية عن النساء وطرائف كلامهن وملح نوادرهن واخبار ذوات الرأي منهن واشعارهن في الجاهلية وصدر الاسلام.

[27] ابو الفرج الاصبهاني المتوفى سنة (356)هـ مرواني النسب مرواني النزعة ولذلك الف لأقاربه الأمويين من ملوك الاندلس كتباً وصيرها اليهم سراً فأتتهم الجائزة منهم سراً. وقد ارسل المؤرخون تشيعه حتى تسرب الوهم منهم على جملة من الشيعة فذكروه في كتب رجالهم وذهب عنهم ان هذه الأكذوبة امر دبر بليل وانما افتعلوها ليحملوا الشيعة اوزاراً مما اثبته من هناته وليس في كتبه وشعره أي صراحة بانتمائه الى مذهب اهل البيت (عليهم السلام) عدا اشعارات لا تعدوا ان تكون تزلفاً منه الى ملوك وقته آل حمدان وامرأته ممن ينتمون الى ولاء العترة الطاهرة (عليهم السلام) ويصلون مادحيهم بعطائهم الجزيل ولذلك الف كتاب (مقاتل الطالبين). فالحق مع العلامة الخونساري صاحب روضات الجنات (رحمه الله) فيما ابداه من الرأي في حق ابي الفرج وتحامل المحدث العلامة النوري (رحمه الله) في خاتمة (المستدرك) عليه ليس على ضوء التحقيق والتحليل الصحيح بل على اقوال بعض علماء الرجال من الشيعة مع انهم ذكروه من الشيعة اليزيدية اعتماداً على الشهرة الكاذبة بين المؤرخين قال ابن الجوزي في المنتظم ج7 ص40 حوادث سنة (356)هـ لا يوثق برواية ابي فرج لأنه يصرح بكتبه بما يوجب الفسق عليه وتهاونه بشرب الخمر وربما حكى ذلك عن نفسه ومن تأمل كتاب الاغاني رأى كل قبيح ومنكر. وللدكتور زكي مبارك كلمة قيمة وقد اتى فيها بالحقائق الراهنة وصورة الرجل وكتابه الاغاني بما يفيد للقارئ بصيرة ما عليه من الخلاعة والمروق عن الدين وفراغ الكتاب ــ الاغاني ــ عن الحقائق التاريخية، وقال هو كتاب ادب لا كتاب تاريخ اراد ان يقدم لأهل عصره اكبر مجموعة تغذي بها الاندية ومجالس السمر ومواطن اللهو ومغاني الشراب، وقد جاءت احاديث الاغاني مروية بالسند والرواية بالسند شيء ساحر فتن به كثيراً من الناس وظنوه علما دقيقا له آداب وشروط واعتماداً على هذا العلم الدقيق اطمأن كثير من الباحثين الى روايات الاغاني فضلّوا واضلّوا في حقائق التاريخ. انظر كتاب (النثر الفني) ج1 ص234 ــ 245 ط مصر وكتاب (السيدة سكينة) ص40 ــ 54 لسيدنا الحجة السيد عبد الرزاق المقرم النجفي.

[28] حمّاد بن سابور بن المبارك ولد (95)هـ وتوفي (155)هـ، كان من اعلم الناس بأيام العرب واشعارها واخبارها وانسابها اصله من الديلم ومولده في الكوفة ورحل الى الشام فتقدم عند بني امية وهو الذي جمع السبع الطوال (المعلقات)، قال الانباري في نزهة الالباء ص43: ولم يثبت ما ذكره الناس من انها كانت معلقة على الكعبة. وقال محمد بن سلام الجمحي المتوفي (231)هـ في كتاب طبقات فحول الشعراء كان اول من جمع اشعار العرب وساق احاديثها حماد الراوية، وكان غير موثوق به، كان ينحل شعر الرجل غيره وينحله غير شعره و يزيد في الأشعار وسمعت يونس يقول: العجب لمن يأخذ عن حماد، كان يكذب ويلحن ويكسر، وقال علم الهدى (رحمه الله) في الامالي: واما حماد الراوية فكان منسلخاً من الدين زارياً على اهله مدمناً لشرب الخمر وارتكاب الفجور انظر طبقات فحول الشعراء ص40 ــ 41 ط مصر بتحقيق وشرح الاستاذ محمود محمد شاكر، والاعلام للزركلي ج1 ص270 ط1 مصر، والامالي للسيد المرتضى ج1 ص131 ط مصر.

[29] الفرزدق همام بن غالب التميمي الشاعر المشهور من الشعراء المجاهرين في محبة اهل البيت (عليهم السلام) صاحب جرير توفي بالبصرة سنة (110)هـ وبلغ خبره جريراً بكى وقال اما والله اني لأعلم اني قليل البقاء بعده ولقد كان نجمنا واحدا وكل واحد منا مشغول بصاحبه وقلما مات ضد او صديق الا وتبعه صاحبه وكذلك كان توفي جرير سنة (110)هـ التي مات فيها الفرزدق.

[30] انظر الامالي لسيدنا المرتضى علم الهدى ج1 ص513 ط مصر سنة (1373)هـ.

[31] سورة 33 آية: 70 ــ 71.

[32] ليس عنده ولا عند ولده يزيد شيء من مخافة الله ولكن معاوية عنده سياسة وتدبر دنيوي ويزيد ليس عنده دين ولا سياسة.

كاشف الغطاء

[33] لم يلبس الحسين تلك الثياب وانما كان يقتنيها ليعطيها.                                    كاشف الغطاء

[34] سورة 3 آية: 169.

[35] سعد بن الربيع الخزرجي احد نقباء الانصار من شهداء احد، انظر ترجمته في تنقيح المقال ج2 ص13 ط النجف.

[36] مثل كلام سودة بنت عمارة بن الاشتر الهمدانية، وآمنة بنت الشريد زوجة عمرو بن الحمق الخزاعي (رحمه الله) التي حبسها معاوية سنتين، انظر الى بلاغات النساء لأبن طيفور واعلام النساء لعمر رضا كحالة وامثالهما من الكتب.

[37] الخنساء بنت عمرو بن الشريد اتفق اهل العلم بالشعر انه لم يكن امرأة قبلها ولا بعدها اشعر منها ووفدت الخنساء على رسول الله (ص) مع قومها من بني سليم فأسلمت معهم وتوفيت سنة (646)ميلادية

[38] سورة 49 آية: 4.

[39] سورة 33 آية: 33 قال الجصاص المتوفي (370)هـ: ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى يعني اذا خرجتنَّ من بيوتكنَّ قال: كانت لهنَّ مشية وتكسر وتغنج فنهاهنَّ الله عن ذلك وقيل هو اظهار المحاسن للرجال وقيل الجاهلية الاولى ما قبل الاسلام والجاهلية الثانية حال من عمل بالاسلام بعمل اولئك فهذه الامور كلها مما ادب الله تعالى به نساء النبي (ص) صيانة لهنَّ وسائر نساء المؤمنين مرادات بها (ا هـ) انظر احكام القرآن ج3 ص443 ط مصر.

[40] سورة 57 آية: 23.

[41] سورة 59 آية: 9.

[42] عدي تصغير عدو.

[43] نهج البلاغة ج1 ص423 ط مصر شرح ابن ابي الحديد ج3 ص111 ط مصر.

[44] قال السيد رضي الدين بن طاووس الحسني (قدس سره) في كتابه القيم (كشف المحجة) ما هذا لفظه:

واعلم يا ولي محمد ان جماعة ممن ادركتهم كانوا يعتقدون ان النبي (ص) جدك محمد واباك عليا صلوات الله عليهما كانا فقيرين لأجل ما يبلغهم ايثارهم بالقوت واحتمال الطوى والجوع والزهد في الدنيا فاعتقد السامعون لذلك الآن ان الزهد لا يكون الا مع الفقر وتعذر مع الامكان وليس الامر كما اعتقده اهل الضعف المهملين للكشف لأن الانبياء (عليهم السلام) اغنى اهل الدنيا بتمكين الله جلَّ جلاله لهم ما يريدون منه جلَّ جلاله من الاحسان اليهم ومن طريق نبوتهم كانوا اغنى اممهم واهل ملتهم ولولا اللطف برسالتهم ما كان لأهل وقتهم مال ولا حال وانما كانوا (عليهم السلام) يؤثرون بالوجود ولا يسبقون الله جلَّ جلاله بطلب مال يريد ان يطلبوه من المفقود وقد وهب جدك محمد (ص) امك فاطمة صلوات الله عليها فدكاَ والعوالي من جملة مواهبه وكان دخلها في رواية الشيخ (عبد الله بن حماد الانصاري) اربعة وعشرون الف دبنار في كل سنة وفي رواية غيره سبعون الف دينار وهي وزوجها المعظم والواهب الاعظم من اعظم الزهاد والابرار وكان يكفيهم منها ايسر اليسير ولكن العارفين ما ينازعون الله جل جلاله في تملك قليل ولا كثير ولكنهم كالوكلاء والامناء والعبيد الضعفاء فيصرفون في الدنيا وفيما يعطيهم منها كما يصرفهم هو جلَّ جلاله وهم في الحقيقة زاهدون فيها وخارجون عنها ووجدت في اصل تاريخ كتابته سبع وثلاثين ومأتين  عن مولانا على ابيك امير المؤمنين ("رحمه الله") تزوجت فاطمة (عليهما السلام) وما كان لي فراش وصدقتي اليوم لو قسمت على بني هاشم لوسعتهم وقال في الكتاب انه ("رحمه الله") وقف امواله وكانت غلته اربعين الف دينار وباع سيفه وقال من يشتري سيفي ولو كان عندي عشاء ما بعته. =وروى فيه انه قال مرة ("رحمه الله") من يشتري سيفي الفلاني ولو كان عندي ثمن ازار ما بعته قال وكان يفعل هذا وغلته اربعون الف دينار من صدقته. و رأيت في كتاب ابراهيم بن محمد الاشعري الثقة باسناده عن ابي جعفر("رحمه الله") قال: قبض علي ("رحمه الله") وعليه دين ثمان مائة الف درهم فباع الحسن ("رحمه الله") ضيعة له بخمسمائة الف درهم فقضاها عنه وباع ضيعة اخرى له بثلاثمائة الف درهم فقضاها عنه وذلك انه لم يكن يذر من الخمس شيئاً وكان تنويه نوائب ورأيت في كتاب (عبد الله بن بكير) باسناده عن ابي جعفر ("رحمه الله") ان الحسين ("رحمه الله") قتل وعليه دين وان علي بن الحسين زين العابدين ("رحمه الله") باع ضيعة له بثلاث مائة الف ليقضي دين الحسين ("رحمه الله").

وكان وقف جدك امير المؤمنين ("رحمه الله") على اولاده خاصة من فاطمة (عليهما السلام) لها عامل من ذريته فكيف وقع للضعفاء انه كان فقيرا وان الغنى لا يكون لمن جعله الله جل جلاله من خاصته وهل خلق الله جل جلاله الدنيا والآخرة الا لأهل عنايته، انظر كشف المحجة ص123 ــ 126.

وغير خفي على القارئ الكريم ان علياً امير المؤمنين ("رحمه الله") استخرج عيوناً بكد يده بالمدينة وينبع وسويعة واحيا بها مواتاً كثيراً ثم اخرجها عن ملكه وتصدق بها على المسلمين ولم يمت وشيء منها في ملكه وجملة من وصاياه ("رحمه الله") في صدقاته وموقوفاته مروية في الجامع الكبير (الكافي) للكليني (رحمه الله) فراجع.

ولم يورث امير المؤمنين ("رحمه الله") بنيه قليلاً من المال ولا كثيرا الا عبيده واماءه وسبعمائة درهم من عطائه تركها ليشتري بها خادما لأهله قيمتها ثمانية وعشرون دينارا على حسب المائة اربعة دنانير هكذا كانت المعاملة بالدراهم اذ ذاك.

وكان امير المؤمنين ("رحمه الله") يعمل بيده يحرث الارض ويستقي الماء ويغرس النخل كل ذلك يباشر بنفسه الشريفة ولم يستبق منه لوقته ولا لعقبه قليلاً ولا كثيرا وانما كان صدقة وقصة عين ابي نيزر معروفة نقلها ابو العباس المبرد في الكامل انظر ج3 ص938 ط مصر.

وقد مات رسول الله (ص) وله ضياع كثيرة جليلة جداً بخيبر وفدك وبني النضير ــ والحوائط السبعة المشهورة ــ وقد اوصى بها رسول الله (ص) الى ابنته الصديقة الطاهرة (عليهما السلام) وروي ان هذه الحوائط كانت وقفا وكان رسول الله (ص) يأخذ منها ما ينفقه على اضيافه ومن يمر به فلما قبض جاء العباس يخاصم فاطمة (عليهما السلام) فيها فشهد علي ("رحمه الله") وغيره انها وقف. وكان لرسول الله (ص) وادي نخلة وضياع اخرى كثيرة بالطائف.

عن ابي بصير قال لما بلغ امير المؤمنين ("رحمه الله") لم طلحة والزبير يقولان ليس لعلي مال فشق ذلك عليه وامر وكلاءه ان يجمعوا غلته حتى اذا حال الحول اتوه وقد جمعوا من ثمن الغلة مائة الف درهم فنشرت بين يديه فارسل الى طلحة والزبير فاتياه فقال لهما: هذا المال والله لي ليس لأحد فيه شيء وكان عندهما مصدقا قال فخرجا من عنده وهما يقولان ان له لمالاً.

انظر الجامع الكبي (الكافي) والبحار وشرح نهج البلاغة لأبن ابي حديد ج3 ص433 ط مصر وسيرة ابن هشام ج2 ص140 ط مصر.

[45] اشارة الى قضية الحر (رحمه الله) ولقائه مع سيد الشهداء ("رحمه الله") ومنعه الامام ("رحمه الله") من الدخول الى الكوفة، مذكورة في كتب التواريخ والمقاتل لا حاجة الى ذكرها ومن شاء ان يطلع عليها فعليه بالمراجعة الى مظانها.

[46] نقل العلامة الزمخشري قضية زيد بن ارقم مع ابن زياد بهذه الصورة قال الفائق ما هذا لفظه: ابن زياد ــ لعنه الله ــ دخل عليه زيد بن ارقم وبين يديه رأس الحسين ــ عليه وعلى ابيه وجده وامه وجدته من الصلوات ازكاها ومن التحيات انماها ــ وهو ينكثه بقضيب معه فغشى عليه، فلما افاق فال له: مالك يا شيخ؟ قال: رأيتك تضرب شفتين طالما رأيت رسول الله (ص) يقبلهما، فقال ابن زياد لعنه الله: اخرجوه، فلما قام ليخرج قال: ان محمديكم هذا الدحداح. انظر الفائق ج3 ص392 ط مصر 1364هـ.

[47] سورة 21 آية: 105. قال الطبرسي (رحمه الله) في تفسير هذه الآية الشريفة: قال ابو جعفر ("رحمه الله") هم اصحاب المهدي ("رحمه الله") في آخر الزمان ويدل ذلك ما رواه الخاص والعام عن النبي (ص) انه قال: لو لم يبق من الدنيا..الخ، انظر ج4 ص66 ط صيدا.

[48] سورة 23 آية: 115.

[49] سورة 58 آية: 21.

[50] اشارة الى آية: 88 من سورة 28.

[51] اشارة الى آية: 16 من سورة 40.

[52] قال امام المفسرين الشيخ الطبرسي (رحمه الله) في مجمع البيان: روى الخاص والعام عن النبي (ص) انه قال لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً صالحاً من اهل بيتي يملأ الارض عدلاً وقسطاً كما قد ملئت ظلماً وجوراً، وقد اورد الامام ابو بكر احمد بن الحسين البيعقي في كتاب البعث والنشور اخبارا كثيرة في هذا المعنى حدثنا بجميعها عنه حفيده ابو الحسن عبيد الله بن محمد بن احمد في شهور سنة ثماني عشرة وخمسمائة، انظر ج4 ص67 ط صيدا.

والاحاديث والاخبار في حق المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) بطرق اهل السنة والشيعة متواترة مضافاً الى ان وجود المهدي ("رحمه الله") من ضروريات مذهب الشيعة الامامية واحاديث اهل البيت (عليهم السلام) به متواترة والعجب بعد ذلك من ابن خلدون المغربي حيث نقل في مقدمته المشهورة من الروايات المتواترة الواردة من طرق اهل السنة ثم اخذ يشكل في اسنادها وروائها مع ان المحقق في اصول الفقه ان الحديث اذا بلغ الى حد التواتر لا ينظر فيه الى الاسناد والرجال الراوين لذلك الحديث ولا يلاحظ احوال الناقلين له لعدم الحاجة الى ذلك بع حصول العلم الضروري بسبب التواتر.

[53] قال تعالى: [وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ] سورة 14 آية: 5 ــ يستفاد من احاديث اهل البيت (عليهم السلام) ان من ايام الله ايام ظهور الدولة الحقة بقيام مهدي هذه الأمة ــ تلك الايام التي يصل رقي البشر فيها الى اوج الكمال لا يكون فيها شرك ولا نفاق والعالم كلها عدل وايمان وتوحيد وصلاح ولذلك نسبت تلك الايام الى الله تعالى مع ان الايام كلها لله ولا معبود سواه. انظر تفسير البرهان للسيد البحراني (رحمه الله) ج3 ص305 ط طهران 1375هـ.

[54] سورة 9 آية: 33 وسورة 61 آية:9.

[55] نقل في بعض كتب المحدثين من الاخباريين: ((ان عيسى ("رحمه الله") لما دعى افلاطون الى التصديق بما جاء به اجاب بأن عيسى رسول الى ضعفاء العقول واما انا وامثالي فلسنا نحتاج في المعرفة الى ارسال الانبياء)). =

=وافلاطون عند الاطلاق هو افلاطون الفيلسوف (بلاطن) وهو ولد سنة (430) قبل الميلاد وتوفي سنة (348) او (347) قبل الميلاد فكيف يمكن وقوع هذه القصة بينه وبين المسيح ("رحمه الله") فلا يمكن الركون الى تلك القصة الواهية واضف الى ذلك انه كيف يسيغ وجدان عاقل صدور هذا الكلام من حكيم اليه يد والناس الى الصانع وتوحيده ويحارب مع الشرك والوثنية.

ورأيت في بعض المواضع من مصنفات بعض المحدثين نسبة هذه القصة الى جالينوس وهو ولد سنة (131) من الميلاد وتوفي سنة (200) بعد الميلاد وقال المسعودي: (كان جالينوس بعد المسيح ("رحمه الله") بنحو مأتي سنة ) ــ وقيل ظهر امره في سنة (250) بعد الميلاد فعلى ما ذكرنا لا شك ان جالينوس كان بعد المسيح ("رحمه الله") وقول بعض انه كان معاصراً معه ("رحمه الله") غير صحيح انظر قاموس الاعلام ج2 ص1004 وج3 ص1756 ط تركيا ومطرح الانظار لفيلسوف الدولة التبريزي (رحمه الله) ج1 ص212 و 320 ــ وغيرها.

[56] الحسين بن احمد بن الحجاج النيلي البغدادي الامامي من شعراء اهل البيت (عليهم السلام) كان كاتباً فاضلاً اديباً شاعراً له قصة مع السيد علم الهدى (رحمه الله) تتعلق بهذه القصيدة تشهد بجلالته ووجاهته عند الائمة (عليهم السلام) ذكرها صاحب روضات الجنات ودار السلام فراجع توفي (391).

[57] سورة 48 آية: 25.

[58] سورة 6 آية: 95 ــ وغيرها.

[59] سورة 29 آية: 2.

[60] سورة 2 آية: 214.

[61] سورة 12 آية: 110.

[62] سورة 3 آية: 141.

[63] الطبرسي منسوب الى (طبرس) (طبرش) معرب (تفرش) الحالية بأيران والشيخ صاحب الاحتجاج والطبرسي صاحب مجمع البيان وابنه صاحب مكارم الاخلاق وحفيده صاحب مشكاة الانوار منسوبون اليها لا الى (طبرستان) ــ مازندران ــ كما هو المشهور شهرة لا اصل لها وقد حققنا ذلك في بعض مقالاتنا المنتشرة في مجلة العرفان الصادرة في صيدا ــ لبنان ــ لصاحبها الشيخ العلامة المجاهد الشيخ احمد عارف الزين. وحققنا ايضاً تفصيلاً في مقدمة تفسير (جوامع الجامع) للطبرسي (رحمه الله) بحيث لم يبق فيه شك ولا ارتياب فراجع تجد صدق ما قلناه. وسوف ينشر هذا التفسير النفيس بخط الكاتب الشهير الحاج ميرزا طاهر (خوشنويس) التبريزي ــ طبع في تبريز. ونسأل الله تعالى انجازه عاجلاً ان شاء الله تعالى.

[64] سورة 5 آية: 102.

[65] سورة 3 آية: 7.

[66] لا استبعاد عند العقل والوجدان في طول عمر مولانا الامام المهدي المنتظر ارواحنا فداه فأن من هو قادر على حفظ حياة الانسان آناً واحداً ويوماً فارداً يقدر على حفظ تلك الحياة آلافا من السنين ولم يكن ذلك محالاً ذاتاً حتى لا يتعلّق به القدرة نعم هو الخارق للعادة وخرق نواميس الطبيعة في شؤون الانبياء واوصيائهم ليس بشيء عجيب وامر غريب، على ان القرآن الكريم ينص لنا في قصة يونس ("رحمه الله") [ فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه الى يوم يبعثون ] ــ سورة الصافات آية: 141 ــ وهو في بطن الحيوان (الحوت) في قعر البحر ــ الآية الشريفة صريحة في ان يونس لو لم يكن من المسبحين لكان يلبث في بطن الحوت على حاله الى يوم يبعث سائر البشر فكيف يعيش انسان يهتم في رعاية قوانين حفظ الصحة وهو عالم بجميع موجبات سلامة المزاج واستقامته وحفاظة اسباب طول عمره وهو يعيش ويتنعم ويتنفس في الهواء الصافي اللطيف ويتجنب عن الهواء الراكد الكثيف، مع اثبات العلم اليوم امكان الخلود للانسان في الدنيا آلافاً من السنين.

واحتمال ارادة موت يونس بأزهاق روحه ولبث جسده في بطن الحوت الى يوم البعث واحيائه عند مخالف لظاهر الآية الشريفة لا يصار اليه ما لم يدل عليه دليل ولا دليل لنا على خلاف الظاهر وارتكاب التأويل، وظواهر القرآن حجة ما لم يدل دليل على خلافها من العقل او النقل.

قال في مجلة المقتطف ج3 سنة (59): ان العلماء الموثوق بعلمهم يقولون ان كلّ الانسجة الرئيسية في جسم الحيوان تقبل البقاء الى ما لا نهاية له وانه في الامكان ان يبقى الانسان حياً الوفاً من السنين اذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته وقولهم هذا ليس مجرد ظن بل هو نتيجة علمية مؤيدة بالامتحان.

راجع الى اجزاء تلك المجلة تجد فيها البراهين الجلية في اثبات هذا الموضوع على ان كان من البشر مزاجه في منتهى حد الاعتدال الحقيقي يمكن ان يعيش ويبقى حياً ما دامت اسباب العيش موفورة له وما دام لم يعرض له عارض خارجي يميته.

والاعتدال الحقيقي في المزاج يوجد في بعض الناس من الانبياء والاولياء وما ذكره السابقون من الفلاسفة من الشبهات في وجوده فقد ظهر وهنها اليوم ولا يعبأ بها في هذا العصر عصر انكشاف اسرار الطبيعة.

[67] سورة 29 آية: 14.

[68] قال السيد المحدث الجزائري (رحمه الله) ما هذا لفظه: قيل ان الارض لا تخلو من القطب واربعة اوتاد واربعين ابدالاً وسبعين نجيباً وثلاثمائة وستين صالحاً لأن الدنيا كالخيمة والمهدي كالعمود وتلك الاربعة اطنابها وقد تكون الاوتاد اكثر من اربعة والابدال اكثر من اربعين والنجباء اكثر من سبعين والصالحون اكثر من ثلاثمائة وستين والظاهر كما قيل ان الياس والخضر (H) من الاوتاد فهما ملاصقان لدائرة القطب.

واما صفة الاوتاد فهم قوم لا يغفلون عن ربهم طرفة عين ولا يجمعون من الدنيا الا البلاع ولا تصدر منهم هفوات الشر ولا يشترط ذلك في القطب، واما الابدال فدون هؤلاء في المراقبة وقد تصدر منهم الغفلة فيتداركونها بالتذكر ولا يتمهدون ذنباً واما النجباء فهم دون الابدال، واما الصالحون فهم المتقون الموصوفون بالعدالة، وقد يصدر منهم الذنب فيتداركونه بالاستغفار والندم قال الله تعالى: [ ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون].

=قيل اذا نقص احد من الاوتاد الاربعة وضع بدله من الاربعين واذا نقص احد من الاربعين وضع بدله من السبعين واذا نقص احد من السبعين وضع بدله من الثلاثمائة وستين واذا نقص احد من الثلاثمائة وستين وضع بدله من الناس والله العالم، هذا ما ذكره المحدث الجزائري (رحمه الله) في الانوار النعمانية انظر ج1 ص363 ــ 364 ط تبريز.

ولعل المراد من السياح هم الذين يسيحون في الارض للعبادة وينظرون الى آثار رحمة الله ويجتهدون في اكمال معارفهم الالهية والله العالم.

[69] ومما هو جدير بالذكر والنقد عليه صريحاً هو ما تداولته الدول العربية من التاريخ المسيحي وتبعهم الامة العربية غالباً ونسوا تاريخهم الاسلامي كما تناسوا احكام القرآن ونبذوها على ورائهم ظهرياً ووقعوا في ذل الخذلان ورزايا الاستعمار واتخاذهم التاريخ الاجنبي تاريخاً رسمياً لأنفسهم ينبئ عن عدم حفاظة الدول العربية والحكومات الاسلامية ــ ظاهراً ــ لأستقلالهم الذاتي ومجدهم وشرفهم الديني وغيرتهم الوطنية حتى ان بعض افراد الامة لا يعرف ولا يستعمل من التاريخ الا التاريخ المسيحي اهذا من الحمية العربية؟.

اليسوا غيارى على الاسلام والعروبة؟ ومع ان اصل مجد العرب واساس عزتهم ليس الا بالاسلام. فهل يقدم المسلم الغيور على ترجيح التاريخ المسيحي على التاريخ الهجري الاسلامي؟ اليس هذا تقليداً محضاً للاجانب؟ والسبب الوحيد في هذا العمل ليس الا عمال الاجانب واذناب الاستعمار الذين تربعوا في دست الحكومات الجائرة واخذوا امور الامة بايديهم الاثيمة الغاشمة عملا لميول اسيادهم الكافرة.

حتى ان اسماء الاشهر التي اخذتها الدولة المصرية عن اوربا من زمن وزارة (نوبار باشا) انما هي اسماء تحمل ذكريات وثنية عند الرومانيين واليونانيين ومأخوذة من الفاظ اجنبية ولها دلالة اما وثنية او استعمارية على اسم بعض قياصرة ايطاليا الاقدمين مضافاً الى المعايب التي لا مجال هنا لذكرها واما الدولة الايرانية فجعل التاريخ الرسمي شمسياً وهو ليس بتاريخ اسلامي فان التاريخ الاسلامي هو الهلالي القمري يعرف العالم والعامى واسماء الشهور الاسلامية هي الاسماء التي يبدأ اولها من المحرم ويختتم بذي الحجة وهي التي نطق القرآن الكريم بانها اثنى عشر شهراً وقال تعالى: [ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض منها اربعة حرم] سورة 9 آية: 36.  نعم ان الدولة الايرانية اتخذت بداية التاريخ من الهجرة النبوية بالسنين الشمسية لا بالسنين القمرية وهذا اولى من جعل التاريخ الرسمي في المملكة الاسلامية هو التاريخ الميلادي المسيحي كما صنعته الدول العربية الاسلامية ظاهراً،= =ولكن اسماء شهور السنين الشمسية من الاسماء القديمة البالية مأخوذة من المجوسية وليست باسلامية ايضاً، فالى الله تعالى نبتهل في ايقاظ الامة من العرب والعجم جمعاء عن نومة الغفلة.

[70] سورة 18 آية: 28.

[71] انظر صفحة 200 من كتاب (الحركة الفكرية) للمؤلف.

[72] انظر صفحة 70 من كتاب الحركة

[73] انظر ص71 من كتاب الحركة

[74] انظر ص72 من كتاب الحركة

[75] قال امام ائمة اللغة جمال الدين محمد المعروف بابن منظور الافريقي المصري الانصاري المتوفي (711)هـ في كتابه الكبير النفيس (لسان العرب) ما هذا لفظه: قيل لعلي ("رحمه الله") (وصي) لأتصال نسبه وسببه وسمعته بنسب سيدنا رسول الله (ص) وسببه وسمته (قلت) كرم الله وجهه امير المؤمنين علي وسلم عليه هذه صفاته عند السلف الصالح رضي الله عنهم ويقول فيه غيرهم لولا دعابة فيه وقول كثير:

تخبر من لاقيت انك عائذ

 

بل العائذ المحبوس في سجن عارم

 

 

وصي النبي المصطفى وابن عمه

 

وفكاك اغلال وقاضي مغارم

 

 

انما اراد ابن وصي النبي وابن عمه وهو الحسن بن علي او الحسين بن علي رضي الله عنهم فاقام الوصي مقامهما الا ترى ان علياً (ع) لم يكن في سجن عارم ولا سجن قط قال ابن سيدة انبأنا بذلك ابو العلاء عن ابي علي الفارسي والاشهر انه محمد بن الحنفية (ع) حبسه عبد الله بن الزبير في سجن عارم والقصيدة في شعر كثير مشهورة والممدوح بها محمد بن الحنفية، انظر لسان العرب ج20 ص274 ط مصر.

وقد خاطب رسول الله (ص) امير المؤمنين ("رحمه الله") في صدر الاسلام بلقب (الوصي) وذلك حينما نزلت آية [وانذر عشيرتك الاقربين] وجمع رسول الله (ص) اعمامه وعشيرته وتكلم فقال: يا بني عبد المطلب اني والله ما اعلم شاباً في العرب جاء قومه بافضل مما قد جئتكم به قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد امرني الله تعالى ان ادعوكم اليه فايكم يوازرني على هذا الامر على ان يكون اخي ووصي وخليفتي فيكم فاحجم القوم عنها جميعاً، قال امير المؤمنين ("رحمه الله") وقلت اني لأحدثهم سنا وارمصهم عينا واعظمهم بطنا واحمشهم ساقا انا يا نبي الله اكون وزيرك عليه =فاخذ برقبتي ثم قال: ان هذا اخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له واطيعوا قال: فقام القوم يضحكون فيقولون لأبي طالب قد امرك ان تسمع لأبنك وتطيع.

وقد اجمع المؤرخون على نقل هذه القضية في كتب التواريخ انظر تاريخ الكامل لأبن الأثير ج2 ص22 ط مصر وتاريخ الطبري ج2 ص216. وغيرها من الكتب المعتبرة يطول الكلام بذكرها.

[76] انظر ص200 من هذا البحث وما بعدها من كتاب الحركة

[77] انظر هامش ص199 من البحث في كتاب الحركة الفكرية

[78] القاضي النعمان المصري توفى سنة: (363)هـ كان قاضياً بمصر.


 

 
امتیاز دهی
 
 

 
خانه | بازگشت | حريم خصوصي كاربران |
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما