پنجشنبه 6 ارديبهشت 1403  
 
 
مقدمة الناشر

 جنة المأوى

آية الله العظمى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء "قدس سره"

  



مقدمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد والمجد

لما قضت العناية الازلية والمشيئة الالهية وتقدير العزيز العليم ان صرت طالباً للعلم الديني منذ ترعرعي وشبابي وكان ذلك من نعم الله تعالى عليّ ثم اتمّ لي النعم بعد ما عافاني من بعض السقم وهيّأ لي اولاً اسباب الهجرة الى الارض الطيبة بلدة (قم) المباركة بايران والاشتغال في حوزتها العلمية سنين متطاولة عند الاساتذة كبراء الدين والملة[1]ثم الهجرة ثانياً الى الارض المقدسة الجامعة الكبرى للشيعة (النجف الاشرف) بالعراق، ووفقني في تلك الجامعة العلمية بالحضور عند الاساتذة زعماء الدين وعظماء الملّة[2] تراهم من فقيه عصره الى نابغة دهره وفيلسوف زمانه ولا سيما بالحضور مع جمع من افاضل اصدقائنا لدى شيخنا واستاذنا الامام فقيد الاسلام اشهر مشاهير علماء الشيعة وابعدهم صيتاً في الدنيا وهو من عظماء العالم آية الله المغفور له الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء قدس الله روحه ونوّر ضريحه وكان غالب حضورنا لديه في مدرسته العلمية[3] للتزود من علومه الجمّة والاستفادة من افكاره العلميّة والارتشاف من نمير حكمته العالية والاستضاءة من انوار علمه المتدفق وفكره الناضج وهو الوحيد في الاحاطة بانواع العلوم والنافذ فكره العميق الى اعماق الحقائق ودقائق الفضائل واسرار الفنون وكان من جراء ذلك ظهور كتاب (الفردوس الاعلى) الى مرحلة الوجود وعالم العلم والادب وقد برز ذلك الكتاب القيّم الى الملأ العلمي وانتشر باهتمامنا بعد ان امتثلت بامره في ترجمة المسائل القندهارية من تصانيفه الفارسية الى العربية التي ادرجها في الفردوس الاعلى بعد نشر ذلك الكتاب وارتواء الناس من مناهله العذبة ووقوعنا في المضائق المكربة بسبب بعض الحوادث العجيبة وتصاريف الزمان والدهر الخوّان عزمنا للقفول الى الارض التي نشأنا فيها ففارقنا حضوره مع الحسرات والآلام الروحية التي لا انقطاع لها الى آخر عمرنا ابداً. واضف الى ذلك ما توجه الينا من التألمات التي حدثت في قلبنا من مفارقتنا الجامعة العلمية مع شوقي الأكيد الى البقاء فيها وعدم الفراق عنها ولكن لله أمر هو بالغه.

وقد منَّ الله علينا ان طبعنا الفردوس الأعلى في (تبريز) ثانياً بحلة قشيبة رائعة وطبعة جديدة طامحة في سنة (1372)هـ مع زيادات وتنقيحات منه (قدس سره) لم تكن في الطبعة الاولى مع زيادات في تعليقاتنا عليه ايضاً فراجع.

ومن قرأ مقدمة ذلك الأثر الخالد التي كتبها بأستدعائي من محضره (قدس سره) علم انه وعد فيها انه بعد طبع الفردوس يشرع بطبع كتاب (جنة المأوى) وهو كالجزء الثاني للأول وقال: (ان مواد هذا الجزء كلها جاهزة وان فسح الله تعالى في الأجل ووفقنا لأن نعززهما بثالث نجعله (شجرة طوبى)) ولكن الاسف كل الاسف ان الأجل وحيل اعداء الدين والأنسانية لم يمهله بجمع كتابه (جنة المأوى) وتأليفه فأنه بعد ان تمت الطبعة الثانية من الفردوس التمست بواسطة المراسلات المتوالية من حضوره الشريف ارسال (جنة المأوى) التي وعد بها المتقون لأباشر بطبعها ونشرها في (تبريز) وتلقى استدعائي بالقبول واجاب بمسألتي بالترحّب واجابة المأمول فصدر امره الشريف بأرسال مقدمتها ومقداراً من موادها وبينما انا في صدر تهيأة اسباب الطبع والنشر وصل اليَّ كتاب كريم بخطه الشريف بالفارسية مفصّلاً جادت به يراعته من (كربلاء) قبل خروجه منها الى مستشفى الكرخ (بغداد) بثلاثة ايام ولم يترك (قدس سره) في ذلك الكتاب المشتمل على صفحتين من امور الطبع وترتيبه الا احصاها وامرني بكتابة مقدمة وان ادرج فيها بعض المطالب التي ذكرها في مكتوبه الشريف ولا غرو ان اقول انه احسَّ كما يظهر من اشارته وتلويحاته انه آخر مكتوب جادت به يراعته وارسله الينا. وأمرني (رحمه الله) بكتابة بعض التعاليق على (جنة المأوى) وهذا كان من عنايته الخاصة الينا فانه لم يعهد منه طيّب الله ثراه طيلة حياته الشريفة هذه العناية الخاصة في حق احد من تلامذته والاذن بل الأمر عليه بكتابة التعليقات على واحد من مصنفاته العديمة النظير فوجدت من عطفه وكرمه ومن تشويقه وحثّه على الكتابة ونشر العلم ما لا اقدر على وصفه بهذا البيان الضئيل.

اليك ايها القارئ العزيز بعض فقرات تلك المراسلة الشريفة بعين الفاظها الفارسية: (بسمه تعالى جدّه ومجده سلام الله وتحياته وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد. وقيمه كريمه در ضمن سه عدد از فردوس وسيد بكربلاء جون از بيست وهفتم[4]براي زيارت عيد فطر مشرف شده ام واز مدّت بنجاه روز تاكنون عارضه خون كه سال كذشته وارد شده بود نيز عود كرده وظاهراً بعد از سه روز بايد براي معالجه سفر ببغداد كنم وخيلي بي حال شده ام ودكاترة نجف وكربلاء نتوانستند معالجه كنند خيلي التماس دعا از جنابعالي وازهمكي دوستان دارم وقبل از يكهفته ويا بيشتر بايست هوائي مقدمه (جنة المأوى) بادو ياسه صفحة در مقام رفيع خاتم الانبياء (ص) بتوسط آقا سيد… ارسال شده ان شاء الله تاكنون وسيده وبسند شده واكر محتاج باصلاح بعض فقراتش باشد جنا بعالي مجاز باصلاح مي باشيد وسابقا عرض شده كه اغلب مواد اين قسم موجود است ولي در اوراق متفرقة ومسودات وفقط بجمع وترتيب ونقل وتبييض محتاج است واحقر با اين بي حالي وبي مساعد باكثرت اشغال وابتلاء از سرتا قدم خيلي برايم سخت است وان شاء الله تعالى فرستاده ميشود وجنا بعالي مرتب نموده وهرجا محتاج باصلاح باشد اصلاح مي نمائيد (وعاقبت رفتن بغداد نميدانم جه خواهد بود والأمر لله ولا حول ولا قوة الا به).. ثم شرع في تفصيل بعض المطالب الى ان قال: منتظر خبر وصول مقدّمة جنة المأوى هستم وجنابعالي مجالي داريد براي سر افرازي[5] مشغول نوشتن مقدمة آن باشيد وظاهراً سزاوار است كه مرقوم فرمائيد ورأيكم المسدد الموفق ان شاء الله تعالى.

كربلاي معلى ــ 7 شوال 1373هـ محمد الحسين آل كاشف الغطاء

    سافر الى بغداد ومكث في مستشفى الكرخ شهراً واحداً كما سنفصل هذا النبأ المؤسف في ترجمته ان شاء الله تعالى وكنت اهيّئ في تلك الأيام اسباب طبع جنة المأوى فاداً ذاع نبأ وفاته معظم محطات العالم وانتشر هذا الخبر المؤسف في انحاء الدنيا وعمّت تلك الخسارة العظمى العالم الإسلامي فبقينا متأسفين على عدم توفيقنا لأتمام طبع هذا الأثر الخالد في ايام حياته[6] ووصل الينا في تلك الأيام المظلمة بسبب فقدانه العظيم من (كرند) كتاب من نجله الجليل الشيخ محمد شريف دام بقاه وكان تاريخه يوم السبت 16 ذي القعدة (1373)هـ ورأينا انه امر نجله الجليل الشريف بارسال نسخة من اثره الخالد (تحرير المجلة) في خمسة اجزاء ولاحظنا التاريخ وكان ذلك يوم وروده الى (كرند) فأنه ورد الى (كرند) قرية بايران بين كرمانشاه وخانقين يوم السبت 16 ذي القعدة (1373)هـ وانتقل الى رحمة الله بعد صلاة الفجر يوم الأثنين 18 ذي القعدة (1373)هـ.

ولم نزل وجميع المسلمين متأسفين لهذا الخطب الجليل وعدم توفيقي لأتمام هذا الأثر القيّم الى ان وفقني الله تعالى بتأييداته الخاصة للسفر الى العراق في سنة (1376)هـ ووردنا الى مدينة العلم (النجف الأشرف) جامعة العلم والأدب وكنت ضيفاً للأخ العلامة الحجة الشيخ محيي الدين المامقاني مد ظله وحين وردت اليها كاد قلبي يطير من شدة الشوق والوجد لحبي الشديد للنجف الأشرف وجامعتها لكونها مدفن الأمام امير المؤمنين (عليه السلام) ومركز الثقافة الدينية والعلوم الأسلامية اللازم حفظها[7] على كل شيعي مثقف حيّ فأن تلك الجامعة الكبرى اوّل جامعة اسست للشيعة الامامية واقدمها منذ ان قدم الامام امير المؤمنين (عليه السلام) الى الكوفة سنة (36)هـ فأن تاريخ تأسيسها يرجع بعد امعان النظر والتحقيق الى زمن الامام (عليه السلام) ونعم ما قال ابن الحجاج (رحمه الله):

يا صاحب القبة البيضا على النجف
زوروا ابا الحسن الهادي فانكم
زوروا لمن يسمع النجوى لديه فمن
وقال سلام من الله السلام على

من زار قبرك واستشفى لديك شفي
تحظون بالأجر والأقبال والزلف
يزره بالقبر ملهوفاً لديه كفي
اهل السلام واهل العلم والشرف[8]
 

وبعد ما وردنا الى جامعة النجف الشريف من المقالات المتفرقة والموضوعات المختلفة ولها تعلق ومناسبة في الجملة بموضوع الكتاب ينبغي ضبطها وثبتها فان كل ما ترشح من قلمه الشريف لها قيمتها العالية عند الاشرف واجتمعنا مع العلماء والاصدقاء في اندية العلم وبقينا فيها عدّة شهور واجتمعنا ايضاً مع نجل شيخنا الامام قررنا ساعة خاصة للاجتماع معه في مكتبة الامام (رحمه الله) الواقعة في مدرسته العلمية في محلة العمارة للفحص عن تلك الاوراق المتفرقة والمواد النفيسة التي كان من قصده جمعها وترتيبها في جنة المأوى فحصل منها لدينا مقدار مواد متفرقة مختلفة لها تعلق بموضوع الكتاب ولم تصل ايدينا الى كل ما ترشح من قلمه الشريف في حق كل واحد من الائمة الطاهرين (عليهم السلام) من المواد والمقالات والرسائل التي كان من قصده جمعها وترتيبها وتجديد النظر فيها او كان قصده كتابتها عند تأليف الكتاب بل وجدنا مقداراً مما يتعلق بخاتم الانبياء (ص) وبعض الائمة (عليهم السلام) ورأينا ان كل ما برز من قلمه اهلها ممن يميّز الجواهر من الحصى لأشتمال كل ما جادت به يراعته من مقال او رسالة موجزة او مكتوب وجيز او جواب سؤال او حل اشكال او دحض باطل او فك عقدة او اثبات مطلب على الفوائد والمطالب الممتعة بل كلها فوائد وعوائد وموائد وآثار نفيسة واثمار يانعة مترشحة من ذلك القلم السيّال والأملاء الخاص له.

فجئنا بتلك النفائس والنوادر والاوراق القيّمة الى ايران ــ تبريز ثم وفقني الله تعالى لزيارة بيته الحرام سنة: (1377)هـ وبعد القفول من المكة المعظمة سرنا في القدس وسوريا ثم قصدنا العراق لزيارة العتبات المقدسة ووردنا الى مدينة العلم (النجف الاشرف) واجتمعنا مع الافاضل والعلماء في الاوساط العلمية واخذنا من نجل الامام (رحمه الله) اعني العلامة الشريف دام بقاه ايضاً بعض ما يتعلق بموضوع (جنة المأوى) بعد الفحص عنه في زوايا مكتبته العامرة. وكنت اتمنى ان سنحت الفرصة واتاحت لي الظروف وسنح لي الاقبال وساعدني التوفيق ان اجمع تلك المواد وارتب تلك النفائس مما تيسر جمعها ونالت يدي من تلك الجواهر الثمينة حباً لبث العلم وخدمة الانسانية وحرصاً على نشر الفضائل وحفاظةً لمقدار ما ترشح من قلمه الشريف وحراستها عن الضياع على مر القرون وتصاريف الزمان وليكون نفعها عاماً وارى نفسي الآن واجدة ضالتها المنشودة اعني جمع تلك المواد ونضد تلك الدرر وترصيفها وتنظيمها وليس كل هذا الاهتمام الا نظراً الى ما كان من قصد شيخنا الامام من تأليف هذا الكتاب ونشره فاليك:

نسبه ــ تأريخ ولادته ــ اسرته ــ نشأته وبراعته في الآداب ــ مشايخه واساتذته ــ فقاهته وتبحره في العلوم ــ استحضاره العلمي والقاء محاضرة ارتجالية على البعثة المصرية ــ اخلاقه وغيرته على الاسلام والمسلمين ــ يومياته ــ اسفاره ورحلاته ــ مواقفه الاصلاحية ــ تأليفاته ــ وفاته ــ شيوع الافتراء صنفان من العلماء ــ الأطراء عليه.

بقلم الحجة العلامة السيد محمد علي القاضي الطباطبائي

نسبه

هو الشيخ محمد الحسين بن العلامة الشيخ علي بن الحجة الشيخ محمد رضا بن المصلح بين الدولتين الشيخ الأفقه الشيخ موسى بن الشيخ الاكبر الشيخ جعفر بن العلامة الشيخ خضر بن يحيى بن سيف الدين المالكي الجناجي النجفي.

اشهر مشاهير علماء الإسلام في الشرق وأبعدهم صيتاً واغزرهم علماً في العالم الإسلامي بل هو من عظماء المجتمع الإنساني وكبراء العالم البشري ومن الشخصيات الأفذاذ وأكابر شيوخ "الاسلام" واعاظم فقهاء الشيعة الاعلام واحد اركان الدين المجددين ورواد النهضة ودعاة الاصلاح ورث زعامة الدين عن آبائه الفطاحل واجتمع فيه خصال الكمال والفضائل وقام بالاعمال الجلائل.

غير خفي على القارئ الكريم إنا ان اردنا ان نكتب له ترجمة اضافية نحتاج الى تأيف كتاب مستقل وترصيف تصنيف منيف حيث ان حياته دروس وعبر؛ وحكم وغرر علوّ في الروح وسموّ في الذات؛ وأخلاق عالية. ولا بد للتاريخ ان يحتفظ قسماً وافراً من حياته ان لم يحتفظ بكله وسيكون موضع دراسة وتحليل باقلام حرة. وانما تعرضنا لتاريخ حياته اجمالاً اداءً لحقوق الابوة الروحانية العامة والحقوق الخاصة التي له علينا وعلى رجال العلم.

تاريخ ولادته

سألت عنه شفاهاً عن تاريخ ولادته قال: ولادتي في سنة 1295هـ ومن المحقق انه وجد بخط والده انه ولد في سنة 1294هـ كما ان تاريخ المنظوم ينطق بذلك قال العلامة السيد الطالقاني مؤرّخاً ولادة الشيخ المترجم له:

سرور به خص اهل الغري

 

فعمّ المشارق والمغربين

 

بمولد من فيه تمّ الهنا

 

وقرّت برؤيته كل عين

 

وقد بشّر الشرع مذ أرخوا

 

ستثنى وسائده للحسين[9]

 

1020 ــ 86 ــ 188

سنة (1294)هـ

ولكن في الكلمة التي جادت بها يراعة العلامة المرحوم الشيخ جواد الشبيبي (رحمه الله) والد معالي العلامة الشهير الشيخ محمد رضا الشبيبي في ترجمة شيخنا الامام (رحمه الله) والحقها بآخر كتاب الامام الذي وسمه بـ(الدعوة الاسلامية الى مذهب الامامية) ص217 ــ 223ط بغداد[10] جاء البيت الاخير كما يلي:

به ابتهج العلم مذ أرخوا

 

ستثنى وسائده للحسين

 

ويتضح من هذا حدسية التاريخ الذي ذكره (رحمه الله) لي شفاهاً وذهل عن خاطره الشريف هذا البيت المتضمن لتأريخ ولادته.

أسرته

هو من قبيلة بني مالك من قبائل العراق المعروفة تعرف الآن بآل علي يقيم قسم منهم الآن في نواحي الشامية وينتهي نسبهم الى مالك بن الحارث الأشتر النخعي (رضوان الله عليه) من خوّاص اصحاب امير المؤمنين (عليه السلام) الذي قال في حقه: (لقد كان لي مثل ما كنت لرسول الله (ص)).

كما نص على ذلك العلامة الكبير السيد مهدي القزويني المتوفي (1300)هـ في (انساب القبائل العراقية) ومدحهم بذلك جمع من اعلام الادب في شعرهم كالسيد صادق الفحام والشيخ صالح التميمي وغيرهما واثبت قسماً منه العلامة النوري (رحمه الله) في (المستدرك) ج3 ص397 وذكرهم شيخنا العلامة البحاثة الشيخ آقا بزرك الطهراني النجفي في كتابه طبقات اعلام الشيعة ج2 ص248 ــ 249 وهو (الكرام البررة) فراجع.

وجناجي نسبة الى جناجية وهي قرية من اعمال الحلة يقال لها قديماً قناقية واغلبها من املاك احفاد الشيخ الاكبر (رحمه الله) الى اليوم. هاجر والد الشيخ الاكبر كاشف الغطاء (رحمه الله) وهو العلامة الشيخ خضر من جناجية الى النجف الاشرف فاشتغل بتحصيل العلم حتى عدّ في الرعيل الاول من زعماء الدين في عصره وعرف بالصلاح والتقوى فكان العلماء والصلحاء تزاحم على الصلاة خلفه وتنسب اليه الكرامات وملاقاة صاحب الزمان (عليه السلام).

واسس هذا الشيخ هذه الاسرة في النجف وقام اولاده الفطاحل بالزعامة والرياسة والمرجعية العامة للشيعة واشتهر صيت جلالتهم في الشرق ونبغ منهم من يعد من عظماء العالم وخدموا الدين وبثوا العلم ونشروا الفضل واخذوا مقاليد الامور بيد من حديد ولأسرتنا صلات وشيجة وعلائق ودّ متينة ومراسلات ثمينة معهم ولا سيما مع الشيخ الاكبر كاشف الغطاء وولده الفقيه الأعظم الشيخ موسى بن جعفر (قدس سرهما) وقد كتب الشيخ الاكبر (رحمه الله) في حق شريك درسه عند الوحيد البهبهاني (رحمه الله) الشيخ العلامة محمد مهدي القزويني العاملي (رحمه الله) كما هو موجود عندي الآن بخطه وخاتمه الشريف ما هذا لفظه: (المتولي لمنصب القضاء بامر الله ورسوله العالم العلامة ميرزا محمد تقي لقاضي..الخ ) وكتب كثيراً نظير ذلك في حق جدنا العلامة العالم الرباني ميرزا مهدي القاضي الطباطبائي (رحمه الله)[11] يطول الكلام بذكرها.

وقد كتب شيخنا الامام المترجم له كتاباً نفيساً في تواريخ اسرته الجليلة ووسمه بـ(العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية) وسوف تسمع وصفه والثناء عليه في كلمة العلامة الاديب الشيخ جواد الشبيبي (رحمه الله) ورأيت نسخة بعض مجلداته عند شيخنا المترجم له وطالعته كراراً كله ادب وتاريخ وفوائد وعوائد.

وعندنا اجازات بخطوط اعلام هذه الاسرة الجليلة في حق جمع من اعلام اسرتنا الشريفة كما ان شيخنا الامام المترجم له كتب بخطه الشريف اجازة لي وسوف ننشرها في آخر الكتاب في ضمن بعض تعليقاتنا المفصلة ان شاء الله تعالى.

نشأته وبراعته في الادب

نشأ في بيته الجليل الطافح بالعلم والعلماء وعباقرة الفقه والاجتهاد نشأة طيبة وتربيّ في حجر الفطاحل بالسؤدد والشرف والعزة والترف ولما بلغ العاشرة من عمره الشريف شرع بدراسة العلوم العربية ثم قرأ علوم البلاغة كالمعاني والبيان والبديع مع العبقرية الفذة والثقافة الادبية في بيئته التي نشأ فيها فان في بيته تسلسل العلماء والادباء منذ قرنين وهو يتعلم الادب بين اظهرهم منذ ترعرعه وشبابه ثم درس الرياضيات من الهيئة والحساب واضرابهما وبرع في الادب لا يدانيه فيها احد وصار استاذاً ماهراً في النظم والنثر وكفاك شاهداً كتابه (العبقات العنبرية) الذي اوعزنا اليه واشعاره وقصائده التي نظمها وعمره لم يتجاوز (24) سنة انظر القصيدة التي نظمها في ردّ بعض علماء اهل سنة بغداد في سنة (1317)هـ وهي مطبوعة ملحقة بكتاب استاذه في الحديث والرجال العلامة النوري (رحمه الله) الذي وسمه بـ(كشف الاستار) والقصيدة متضمنة لمطالب كتاب استاذه مع الجزالة في النظم والرقة في الشعر تبلغ بـ(240) بيتاً واولها: ص202

بنفسي بعيد الدار قرّ به الفكر

 

وادناه من عشّاقه الشوق والذكر

 

وقد وصفه بعض العلماء قبل نقل تلك القصيدة في آخر كتاب الاستار ص200 بقوله: اما بعد فهذه قصيدة فريدة وعذراء خريدة قد البسها اكفَّ نسائم الصبا ابراد رقتها وكساها رياض حدائق البشر اثواب بهجتها في انظر من روضة فتحت اكمامها نفحات النسيم وارق طبعاً من سلافة اكاويب التسنيم فلا لخمرة تحكيها ولا عين ساقيها وليست نغمة العود وان رقّت تضاهيها ولا ريحانة البان وان مدّت نواصيها باحلى من معانيها وازكى من مجاريها قد حوت اسمى مراتب الجزالة ورفغت الشبه الناشئة من ظلم الجهالة وضمنت اتمام المحجة واقامتها وكشف الحجة واماطتها فتقشعت غياهب الجهل وسطعت انوار اليقين وظهرت دلائل الحق وانبرت شبه الجاهلين قد اجزل الفاظها بعذوبة معانيها ورصف بنيانها باحكام مبانيها من سلمت اليه البلاغة مقاليدها واعطته الفصاحة عدّتها وعديدها فهو مالك ازمّة المعاني والبيان والقاطع من ناظره بأقلّ سير وابلج برهان والحائز قصبات السبق في ميادين الفضائل والبالغ بعلوّ همته اعلى مراتب الفواضل المنزّه من كلّ شبن الشيخ شيخ محمد حسين لازال والمجد قرينه والفضل خدينه خلف علاّمة البشر والأستاذ الاكبر الشيخ شيخ جعفر كاشف الغطاء قدس الله سبحانه سره وزين به في الجنان الاسرة قد جمع بنظمها ما ألّفه المفصح عن معجم الآثار النبوية وما افاده في كتابه آية الله الكبرى بين اظهر البريّة كاشف الحجب والأستار عن الشريعة المحمدية ومتقن قواعد اصول مذهب الاثنى عشرية الخ، وهذه الكلمات تنبأ من مكانته العالية في الادب وعلوم العربية والبلاغة والقريحة الشعرية وهو في سن الشباب لم يتجاوز عمره عن (24) سنة كما عرفت فالشيخ الامام المترجم له من العلماء الذين تفوّقوا في الأدب والشعر كما سموا في علوم الدين والشرع.

وله ايضاً مقدّمة على تلك القصيدة كتبها نثراً يقول فيها: يقول اسير الذنوب والبلايا ورهين الخطوب والخطايا الأحقر محمد حسين آل الشيخ جعفر انه وردت الينا في هذه الايام قصيدة من بعض جماعة دار السلام ولكنها يتيمة وان كانت في سوق الشعراء مالها قيمة يسأل فيها عن امر الحجة المنتظر والامام الثاني عشر وتصدى شعراء العصر للجواب عنها ولكنهم لم يبلغوا حقيقته وان اجادوا وما اصابوا الغرض وان احسنوا بما جاءوا به وافادوا فقلت في نفسي اعط القوس باريها فلا يخطي مراسها فعرضتها على علامة الفقهاء والمحدثين، ثم بعد الثناء الجميل على المحدّث النوري (رحمه الله) يقول: فكتب ايده الله تعالى رسالة ابهرت العقول والالباب ولم يأت احد بمثلها في هذا الباب وحيث ان السؤال كان نظماً احببت ان يكون الجواب طبق السؤال فنظمتها على الوزن والقافية على تشتت البال وجعلتها خدمة لأمامنا الحجة (عليه السلام) ولنوابه الاعلام خصوصاً صاحب الرسالة الخ.

ويعلم مقامه الشامخ في الأدب قبل ان يصل الى حد التكليف ايضاً مما كتبه العلامة الشيخ جواد الشبيبي (رحمه الله) في كلمته الملحة بآخر كتاب (الدعوة الاسلامية) حيث يقول فيها ما هذا لفظه: وله سوى ذلك من المصنفات كتاب انيق الفّه قبل ان يألف العذار عارضيه ويجري القلم التكليف عليه اخلصه لتراجم طبقات اسلافه الاكارم واسره الاعاظم وعدّ مساعي آبائه واجداده ومآثرهم الجميلة في الدين وغرّ خدماتهم في "الاسلام" ووسمه (العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية) وهو مشروع تموج فيه مياه الآداب من مساجلات ومراسلات وتواريخ وتراجم ومسائل فقهيّة ومباحث علميّة ونثر فائق وشعر رائق مما قالوه او قيل فيهم في مدائحهم ومراثيهم وتهاديهم وتهانيهم ويحتوي على بعض وقائع (العراق) واحواله وعلى الخصوص المشهد الكريم والزاوية المقدّسة منه (النجف الاشرف) وله في النظم رويّة حاضرة وبديهة باهرة ويد طولى تجد القصيدة الواحدة منه تنوف على المائتين والثلاثمائة وكلها بتمام القوة والانسجام والرقة والترصيع بانواع البديع ولولا ضيق المجال لذكرنا منها ما يعجز ويعجب بل يطرى بالأعجاب ويطرب لكنه بعد العشرين من عمره قد رفض تعاطي نظم الشعر بالكليّة الا ما يتعلق بمدائح النبي (ص) والأئمة (عليهم السلام) ومراثيهم وله في ذلك قصائد رنّانة ومجموع شعره حتى الآن بعد ما ذهب الكثير منه ادراج الرياح ينوف على السبعة آلاف بيت وعلى الجملة فأنه ادام الله له التوفيق مجموعة فضل وجامعة كمال.

وهو حرسه الله بهجة ايامه في جميع ما مضى له من العمر الذي به تقدم وعلم وتعلّم على نزارته وقلّة عدد ايامه وضعف عدّته ما خرج من خطة العراق ولا تخرّج على غيرها من الآفاق بل وما انفك عاكفاً على اعتاب باب مدينة العلم والاستمداد من روحانيّته وروحانيّة ابنائه الطاهرين الائمة المعصومين اهل بيت الرحمة ومنابع العلم والحكمة صلوات الله عليهم اجمعين ونحن نرجو له مزيد التوفيق ونسأله تعالى بكرامتهم ان يجعله فيما لا يزال من حماة الدين ونصراء "الاسلام" الذابين عنه بالالسنة ولأقلام انه وليّ الاجابة وبها جدير وبالحريّ ان نحمد الله على الكرامة بمثله في هذه العصور فالحمد لله وله المنّة والشكر وهو ربّ العالمين.

ايها العلامة الجليل والمتضلّع الأديب وقد استجاب الله تعالى دعاءك وجعله من اكابر حماة الدين وذادته ونصراء الاسلام وقادته وصيّره من اعظم القائدين الذابين عن الدين تأويل المبطلين وتحريف الغالين وانتحال الجاهلين ونصر الاسلام بقلمه ولسانه واقواله وافعاله ورحلاته واسفاره [ إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ] وصار من اشهر علماء الاسلام وعظمائه في الشرق والغرب. فهو منذ نعومة اظافره الى آخر نفس لفظه خدم الدين ونصر الاسلام ولم يأخذه في سبيل الذبّ عن الدين والدفاع عنه لومة لائم وصولة ايّ متغلّب وظالم وتقوّل ايّ جامد وجاحد وقد كنّا في حضوره في النجف الأشرف حينما اراد السفر الى باكستان وسألوه عن الاسباب والدواعي لسفره فاجاب بما نصه:

انه قد وردتنا عدة كتب مطبوعة في عدّة مرات في ازمنة مختلفة تتضمن تلك الكتب دعوة اخواننا الباكستانيين من اعلام المسلمين وعلمائهم في عاصمتها يدعوننا للحضور الى مؤتمر اسلامي اعتزموا على عقده باجتماع رجال الاسلام للمداولة في شؤون المسلمين والنظر فيما احاق بهم من البلاء والاستعداد لدفع عواصف تلك الاعاصير السياسية السوداء عنهم وعن الاسلام ومن المعلوم ان السياسة العالمية اليوم تنذر بخطر هائل على البشرية عموماً وعلى العرب والاسلام خصوصاً والأمل بالنجاة ضعيف والعمل منّا معاشر المسلمين اضعف ولكن حيث ان اليأس موت عاجل والحركة حياة وان كانت ضعيفة وحديث: (من لم يهم بأمور المسلمين فليس من الاسلام في شيء) مع عزة من به الكفاية وندرة من توجد به المؤهلات الكافية للقيام بهذا العبء واداء ذلك الغرض لذلك لم اجد بدّاً من المجازفة بحياتي في سبيل الله ونصرة الاسلام واجابة دعوة اخواني المسلمين في اقصى الارض على كبر سنيّ وضعف بدني وتراكم العلل والاسقام وتزاحم الاشغال والاعمال لمهمات المسلمين ولكني ابتذلت هذا الرمق الباقي من الحياة التي هي على شفا ولم يبق منها الاصبابة.

على اني وله الحمد ما عودت نفسي مدة عمري ان اخلد الى الراحة او اتطلب السكون والدعة وأسأله تعالى ان يقرن مساعينا بالنجاح ويجعلها خالصة لوجهه الكريم والرجاء من اخواننا المؤمنين ان يسعفونا بالدعاء سائلين منه تعالى ان يسعفنا بالنتائج المثمرة للاسلام وحسن الاوبة الى المقام بسلام وما ذلك على الله بعزيز وقد خرجتُ من النجف الاشرف في هذا السبيل ولأجل تلك الغاية صباح يوم السبت 12 جمادى الاولى (1371)هـ متوكلاً على الله ومفوضاً امري اليه ومن يتوكل على الله فهو حسبه محتسباً صابراً (وما انقادت الآمال الاّ لصابر) وانما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب.

وقد طبع ونشر هذا البيان في العراق في التاريخ المذكور والغرض انه رحمه الله تحمل اعباء الخدمات الدينية منذ ترعرعه وشبابه الى آخر عمره وخاتمة اوانه.

مشايخه واساتذته

بعد ما اتم الشيخ الامام المترجم له دروسه في الآداب والعلوم العربية وبرع فيها وفاق على اقرانه واخذ بدراسة سطوح الفقه واصوله اتمها وهو بعد شاب فأخذ بالحضور عند الاساتذة الكبار في حلقات العلم وحضر دروس الطبقات العليا كالمحقق الاصولي المولى محمد كاظم الهروي الخراساني (رحمه الله) فقد حضر بحثه في عدة دورات في اصول الفقه وحضر عند الفقيه الاكبر السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي (رحمه الله) من سنة (1312)هـ الى وفاة السيد (رحمه الله) في سنة (1337)هـ واختص به مع اخيه الفقيه المتبحر الشيخ احمد كاشف الغطاء (رحمه الله) وكان السيد يعوّل عليه وعلى اخيه في اكثر مهماته ويثق بهما ويرجع اليهما مرافعاته وكان هو مع اخيه الفقيه الاوحد في فتنة المشروطة معيناً على السيد (رحمه الله) وحرّضا القانطين من اهل النجف الاشرف على حفاظة السيد (رحمه الله) مقتولاً وقد حفظه الله تعالى بايدي الاحرار الشجعان ايّدهم الله تعالى وسددهم ولا حول ولا قوة الا بالله[12].

وحضر الشيخ الامام (رحمه الله) ايضاً عند الفقيه الحاج آقا رضا الهمداني صاحب مصباح الفقيه عشر سنوات وعند المحقق الاصولي السيّد محمد الاصفهاني ثلاث سنوات وعند الفقيه الورع التقي ميرزا محمد تقي الشيرازي سنتين.

وحضر في الحكمة والكلام عند العلاّمة الحكيم الشيخ محمد باقر الاصطهباناتي (رحمه الله) الفائز لدرجة الشهادة حينما وقع هدفاً للرصاص في حسينية (قوام) بشيراز سنة (1326)هـ وعلى العلاّمة الاصولي الحكيم الشيخ احمد الشيرازي (رحمه الله) والعلاّمة الشيخ علي محمد النجف آبادي (رحمه الله) وكان هؤلاء من فحول الحكماء والرياضيين ومن ابطال الحكمة والكلام وحضر في الحديث والرجال عند العلاّمة المحدّث النوري (رحمه الله) صاحب المستدرك ويروى عنه وعن الفقيه الحاج ميرزا حسين الطهراني (رحمه الله) وعن الشيخ الجليل الشيخ علي الخاقاني (رحمه الله) وغيرهم[13].

فقاهته وتبحره في العلوم

اعلم ايّها القارئ الكريم اني مع هذا البيان الضئيل لا استطيع ان اصف شيخنا الامام المترجم له من هذه الناحية فانه انى لي ووصف مقامه الشامخ العلمي وهو ذلك الشخص العالمي في علمه وفقاهته واجتهاده وجامعيته وتضلّعه في الفقه واصوله وتبحره في الحكمة والفلسفة العالية والمعارف الآلهية والمطالب العرفانية وهو النابغة في العلوم نبوغاً باهراً المتقدم في الفنون تقدّماً ملموساً واربى علمه وفضله على سنّه.

والّف في حياة استاذه شرحاً على (العروة الوثقى) ورأيته في مكتبته وهو شرح مزج وشرع بالتدريس فكانت له حوزة تتألف من الفضلاء وروّاد العلم الذين ليس لهم نظر الاّ تحصيل الكمال وكان تدريسه في (مسجد الهندي) تارة والصحن المرتضوي في طرف الباب الطوسي او مقبرة الامام الميرزا الشيرازي (رحمه الله) اخرى، وكان يكتب شرح العروة ليلاً ويلقيه على تلامذته نهاراً، وكان احد الفقهاء الاكابر في النظر الى العروة الوثقى والبحث في اطراف المسائل التي كان السيد (رحمه الله) يكتبها اولاً ثم يعطيهم للنظر والبحث في مداركها ثانياً في اللجنة المؤلفة من الفقهاء المنعقدة في دار الشيخ الاكبر كاشف الغطاء (قدس سره) كما شرح ذلك شيخنا المترجم له وكتب تفصيل التاريخ تأليف العروة في آخر حاشيته النفيسة عليها المطبوعة في النجف الاشرف سنة: (1367)هـ فراجع.

كان فقيهاً قويّ الحجة والبرهان مجتهداً في المباني لا مقلداً في المبنى، واسع الاطلاع حراً في آرائه ونظرياته كان ينتزع كثيراً من الفروع من ذوق عربي سليم قد ارتكز على فهم نصوص الاخبار والروايات التي يبتنى عليها المذهب الجعفري ويمتاز بالجرأة في ابداء الرأي الذي يراه قد ارتكز على الحجة وسانده العقل في حين ان خصومه الذين قد وقفوا له بالمرصاد كانوا لا يستطيعون مقاومته او ردّه وقد شاهدت انه يأتي على جمع من الفقهاء مسألة نادرة فقهية غير معنونة في الكتب الاستدلالية الفقهية فلم يقدم احد منهم على ابداء الرأي والفتوى وكانوا ينتظرون ان يصدر الفتوى عن الشيخ الامام المترجم له حتى يلاحظوا ويتذاكروا في حول مداركه ومستنده وغير خفي على الفطن ان فقاهة الرجل ومهارته وتضلعه يعلم من استنباطاته وفتواه في الفروع النادرة وقد كان سيّدنا الامام المحقق المجتهد الاكبر استاذنا الحجة الكوهكمري كثيراً ما قال: إنا علمنا فقاهة المحقق القمي (رحمه الله) من كتابه (جامع الشتات) لكونه مشتملاً على الفروع الفقهيّة والمسائل النادرة التي لا عنوان لها في كتب الفقه قبله ولا نعرف فقاهته من كتابه (القوانين) في الاصول.

وكتابه تحرير المجلة وهو من اهم آثاره دليل قوي على تضلّعه في الفقه وجلالة مؤلفه وعظمته في مقام الاستنباط وهو من الكتب الممتعة ومن نفائس الآثار المترشحة من قلم شيخنا الامام وفيه تستبين الموازين العلمية بين فقه المذهب الجعفري وفقه سائر المذاهب الاسلامية وما في فقه الامامية من غزارة المادة، وسعة الينبوع وكثرة الفروع وقوة المدارك وتشعب المسالك ورصانة المباني وسمو المعاني، ومطابقة العقل والعرف وغير ذلك من المزايا العالية والخصائص الكامنة فيه.

والحديث عن مقامه الشامخ في العلم والفقاهة لا يحتاج الى بسط فأنّ آثاره العلمية التي طبعت والتي لا تزال مخطوطة وهي كثيرة تكشف عن سعة اطلاعه وغزارة علمه المتدفق وكان يجمع الى علمه قوّة البيان واللباقة والجرأة المفرطة مع صوت جهّوري، وكان يسترسل في حديثه كأنه حفظه عن ظهر الغيب او يكتب فكأنه ينقل شيئاً مسطوراً دون ان يمر عليه او يقرأه ثانياً، وكثيراً ما يملي المقالات ذات الشأن او هي موضع المناقشة والاختلاف دون ان يكون لأحد عليه ايّ ايراد او نقد، وخصومته العلمية عنيفة جداً لم يوجد من استظهر عليه من الفقهاء او حاول ان يستظهر وقد كان كاملاً في الفقاهة والاستنباط مع العبقرية الفذة لأنه طلب العلم للعلم لا للزعامة.

استحضاره العلمي والقاء محاضرة ارتجالية على البعثة المصرية

فأليك ايّها القارئ الكريم نموذجاً من قوة استحضاره العلمي وهي تلك الصورة التي سجلها صديقنا الاستاذ صالح الجعفري آل كاشف الغطاء في المجلد (21) ج3 ص308 من مجلة (العرفان) الاغر عند مجيء البعثة المصرية المؤلّفة من الاستاذ احمد امين (يا ليته كان اميناً في النقل) صاحب ــ فجر الاسلام ــ واخوانه في النجف الأشرف في ليلة (21) شهر رمضان من عام (1349)هـ وزيارته للامام المترجم له في داره ومشاهدة مدرسة الامام في مدرسته العلمية فكان لملاقاته لهم اثر بالغ في نفوسهم واليك ما دار بينهم من المناظرات والأسألة لتقف على المواهب العالية وكيف يخص الله تعالى بعض عباده بها قال سماحته لأحمد أمين:

من العسير إن يلم بأحوال النجف وأوضاعها ــ وهي تلك المدينة العلمية المهمة ــ شخص لا يلبث فيها أكثر من سواد ليلة واحدة فأني قد دخلت مصركم قبل عشرين سنة ومكثت فيها مدة ثلاثة اشهر متجولاً في بلدانها باحثاً ومنقباً، ثم فارقتها وأنا لا اعرف من أوضاعها شيئاً اللهم الاّ قليل ضمنته أبياتا أتذكر منها:

تنزغ شمس العلى ولكن

 

من افقها ذلك البزوغ

 

ومثلما تنبغ البرايا

 

كذا لبلدانها نبوغ

 

اكثر شيء يروج فيها

 

اللهو والزهو و(النزوغ)

 

فضحكوا من كلمة (النزوغ) وقال الاستاذ احمد أمين مخاطباً الشيخ: قلتم هذا قبل عشرين سنة؟

نعم: وقبل ان ينبغ (طه حسين) ويبزغ (سلامة موسى) ويبزغ (فجر الاسلام) وقد ضمنته ــ مخاطباً أحمد امين ــ من التلفيقات عن مذهب الشيعة ما لا يحسن بالباحث المؤرّخ اتباعه.

أحمد امين: ولكن ذنب الشيعة انفسهم إذ لم يتصدوا الى نشر حقيقة مذهبهم في الكتب والصحف ليطلع العالم عليه.

الشيخ: هذا كسابقه …… فان كتب الشيعة مطبوعة ومبذولة اكثر من كتب أي مذهب آخر وبينها ما هو مطبوع في مصر وما هو مطبوع في سوريا عدا ما هو مطبوع في الهند وفارس والعراق وغيرها هذا فضلاً عمّا يلزم للمؤرخ من طلب الاشياء من مصادرها[14].

احمد امين: حسناً سنجهد في ان نتدارك ما فات في الجزء الثاني.

احمد امين: هل يسمح لنا العلاّمة في بيان العلوم التي تقرأها؟.

الشيخ: هي علوم النحو والصرف والمعاني والبيان والمنطق والحكمة والكلام واصول الفقه وغيرها.

احمد امين: ما هي كيفية التدريس عندكم؟

الشيخ: التدريس عندنا على قسمين:

1 ــ سطحي: وهو ان يفتح التلميذ كتاباً من كتب العلوم المتقدمّة بين يدي استاذه فيقرأ له هذا عبارة الكتاب ويفهمها التلميذ، وقد يعلّق عليها ويورد ويعترض ويشكل ويحل وغير ذلك مما يتعلّق بها.

2 ــ خارج: وذلك ان يحضر عدة تلاميذ بين يدي الاستاذ فيلقي عليهم الأستاذ محاضرة تخص العلم الذي اجتمعوا ليدرسوه ويكون هذا غالباً في علوم الفقه والاصول والحكمة والكلام مع ملاحظة ان التلميذ بكلا القسمين يكون ذا حريّة في ابداء آرائه واعتراضاته وغيرها،.

أحمد امين: ان البعثة تودّ أن تسمع لبحثكم فهل انتم فاعلون؟.

الشيخ: يجيب طلب البعثة بالقبول فيرقى المنبر ويجتمع حوله من حضر الجلسة من تلاميذه ونظرا الى الشيخ على غير سابقة عهد وعلى غير تهيئة وتمهيد لنوع العلم الذي سيبحث فيه، لهذا تركوا له الحرية في اختياره العلم ومن اجل هذا يرى القارئ البحث الآتي ذا فصلين: فقه وأصول، وعقائد، كما كانت ايضاً رغبتهم. وهنا ابتدأ سماحته مرتجلاً فقال:

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى: [وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ][15]. تشتمل هذه الآية على عقدين: عقد سلب، وعقد ايجاب، اما عقد السلب [وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ] فهو من الأساليب القرآنية التي اخترعها وارتجلها في الاستعمالات العربية ولم تكن معروفة من ذي قبل، وقد تكررت هذه الجملة في الكتاب الكريم. وهي تارة تتعلق بالافعال مثل قوله تعالى: [وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ][16] ، وقوله تعالى: [وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً][17] ، وقوله تعالى: [لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى][18] ويكون المراد منها حينئذ على سبيل الاستعارة بالكناية المبالغة في التحذير عن ارتكاب ذلك الفعل الزنا والصلاة مع السكر او غير ذلك… وشبه اسم المعنى باسم العين فحذر من قربه فكيف بملاصقته او الدخول فيه… واخرى تتعلق بالأعيان مثل قوله تعالى: [وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ][19] وقوله تعالى: [إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ][20]. ومن هذا القبيل آية العنوان التي هي من براعة الصنعة وابداع البيان بمكان، وحيث ان النهي لا يتعلق بالأعيان رأساً بل لا بد من توسيط فعل مقدر في البين يناسب تلك العين، فاذا قيل: حرمت امهاتكم عليكم ــ يعني العقد عليهنَّ، واذا قيل: حرمت الخمرــ يعني شربها، واذا قيل: حرم الميسر والقمار ــ يعني اللعب بهما، وهكذا يقدر في كل مكان ما يناسبه بل اظهر ما يتعلق به من الافعال التي تطلب من تلك العين ومما هي معدّة له فلا يراد من قول: حرمت الخمر حرمة كل الافعال التي يمكن ان يتعلق بها فيحرم لمسها او النظر اليها او التداوي بها، هكذا… كلاّ، بل ليس المراد الاّ حرمة شربها؛ فعليه فيكون المراد والمعنى بالآية التي في العنوان: لا تتصرفوا في مال اليتيم التصرفات المطلوبة عند العقلاء من المال التجارة في بيع او شراء او صلح او رهن او ادانة او غير ذلك.

والغرض ايضاً بهذا النحو من البيان شدة التحذير والنهي عن التصرف في مال اليتيم وانّ قربه لا يجوز فكيف الوقوع فيه، وليس المراد النهي بوجه عام من التقرب لمال اليتيم بحيث يكون المعنى والمقصود النهي عن المعاملة بمال اليتيم بوجه مطلق من رفع او وضع او فعل او ترك الا بالتي هي احسن اما حيث لا تريدون التصرف فلا شيء عليكم وان كان التصرف احسن بخلافه على الوجه الثاني فان مفاده لزوم التصرف بالاحسن يؤيد الحكم الضروري من حرمة التصرف بمال الغير مطلقاً صغيراً او كبيراً بغير اذنه، وليس هو المقصود اصالة بالبيان بالضرورة وانما المقصود عقد الايجاب وهو اعطاء الرخصة بالتصرف في مال اليتيم اذا كان في التصرف مصلحة فيكون مخصصاً لما دلّ على عموم حرمة التصرف في مال الغير، انما الكلام في مقدار تلك الرخصة وحدودها حسبما يستفاد من الآية، فان محور البحث والنظر يدور من هذه الجهة على تشخيص المراد من لفظ: ( الأحسن) وهل هو من افعال التفضيل؟ نظير : الصلاة خير من النوم، او صفة مشبهة نظير: النوم خير من الله، وعلى الاول فهل المراد الاحسن بقول مطلق أي ما لا احسن منه او الاحسن نسبياً أي الاحسن من تركه وان كان غيره احسن منه؟ وعلى الثاني فهل المراد منه ما اشتمل على مصلحة؟ او يكفي خلوه عن المفسدة؟ بناء على ان كل ما ليس بحرام فهو حسن.

ثم لما انتهى الكلام الى هذا المقام طلب بعض الحضور تغيير الموضوع ونقل البحث الى مسألة من المسائل الاعتقادية واساسيات اصول الدين، فأوصَلَ سماحته الكلام اقتضاباً من غير روية ولا تمهل، ونقل البحث الى مسألة الحاجة الى الانبياء وضرورة البعثة فقال:

ان النظر في عامة احوال البشر يعطي ان اعرف صفاته والصقها فيه واقدمها عهداً به هي الخلال الثلاث التي لا يجد عنه محيصاً ولا منها مناصاً مهما كان، الأوهى الجهل. والعجز. والحاجة، وهذه الصفات هي منبع شقائه واصل بلائه وكلما توغل الانسان في العلم والمعرفة تطامن للأعتراف بما توصل اليه من العلم وعظيم جهله، وان نسبة معلوماته الى مجهولاته نسبة القطرة الى المحيط وكان اكبر علمه جهله البسيط، وقد سأل افلاطون حين اشرف على الرحلة الأبديّة عن الدنيا فقال: (ما اقول في دار جئتها مضطراً، وها انا اخرج منها مكرهاً، وقد عشت فيها متحيّراً، ولم استفد فيها من علمي سوى انني لا اعلم) وقال سولون الحكيم: (ليس من فضيلة العلم سوى علمي بأني لا اعلم). ومن استقصى كلمات حكماء اليونان وغيرهم وجد لكل واحد منهم مثل هذه الكلمات، والتشبّع بمثل هذه الروح السارية الى متضلّع في الفضيلة متشبع بروح الفضيلة من علماء الاسلام وحكمائهم، حتى قال الشافعي :

واذا ما ازددت علماً
 

زادني علماً بجهلي
 

والرازي يقول:

نهاية ادراك العقول عقال
 

وغاية سعي العالمين ضلال
 

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
 

سوى ان جمعنا فيه قيل وقال
 

حين ان علماء الغرب وكبار المخترعين الذين حوروا الدنيا الى هذا الشكل العجيب يعترفون بعدم وصولهم الى حقائق الأشياء، فهم وان اخترعوا الكهرباء لا يعرفون حقيقتها، هذا فضلاً عن الروح والنفس والحياة وهذا مجال لا يأتي عليه الحصر، فالانسان عريق بالجهل لصيق بالعجز والحاجة، ولا شقاء ولا بليّة الاّ وهي منبعثة اليه من ذلك، وعقول البشر بالضرورة غير كافية لرأب هذا الصدع، ونأي هذا الثلم، وسدّ هذا العوز، فالعناية الازلية التي أوجدت هذه الخليقة لو تركتها على هذه الصفة تكون قد اساءت اليها بايجادها وما احسنت الصنيع بنعمة الوجود عليها، ولكن الاحرى لو تركتها في طوامر العدم، واطمار الفناء، ويكون ذلك نقضاً للحكمة وافساداً للنعمة.

اذاً لا بد من ايجاد رجال كاملين في انفسهم مكملين لغيرهم يكونون كحلقة الاتصال، من الخالق الى المخلوق، وهمزة الوصل بين العبد والرب، فأن السعادة منه واليه، واولئك هم السفراء والانبياء الذين بهم تتم الحجة وتستبين المحجّة، وحينئذ تكون سعادة كل انسان وشقاؤه باختياره قال تعالى: [وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ][21] وقال: [إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا][22] وتكون حينئذ لله على الناس الحجة البالغة، نعم وكل هذا موقوف على اثبات الصانع الحكيم المنزّه عن العبث والظلم فضلاً عن الجهل والعجز. وهناك ادلى الشيخ بالحجّة واملي اصول البرهنة على وجود الاله تعالى الحق بعدّة قواعد لا يساعدنا ضيق المجال لسردها وعدّها تفصيلاً، ولكن نكتفي بالاشارة اليها على وجه الاجمال:

1 ــ قاعدة: (ان ما بالعرض لا بد وأن ينتهي الى ما بالذات).

2 ــ ان معطي الشيء لا يكون فاقده.

3 ــ ان الصدفة في النواميس الدائمة الكليّة والاشياء المتكررة مستحيلة.

4 ــ إمكان الأشرف.

5 ــ قاعدة اللطف[23].

وامثال ذلك من امهات قواعد الحكمة واصول الفلسفة الحقّة، ثم ارتأى في هذا المقام ان يختم البحث لضيق الوقت وهكذا كان. وعندما نزل الشيخ من المنبر دارت بينه وبين أحمد امين الأحاديث الآتية:

أحمد أمين: هل الاجتهاد عند الشيعة مطلق او مقيد، يريد بذلك هل هو اجتهاد (في الكتاب، والسنة، والاجماع، والعقل) ومنه القياس عندهم، او هو اجتهاد في فتاوي الأئمة المعروفين كأجتهاد العلماء الذين بعدهم في كلماتهم وعلى الاصول المقررة عندهم فيكون المجتهد مقيداً بطريقة ذلك الامام من حنفي او شافعي او غيرهما[24].

وهذا جواب الشيخ: الاجتهاد عندنا مطلق يستنبط كل مجتهد الاحكام الشرعية من نفس الكتاب والسنة غير مقيد بكلام مجتهد آخر مهما كان، ولكن على اصول وقواعد مقررة عند الجميع، وهي القواعد التي يتكفل بها علم اصول الفقه وهذه القواعد بعضها متفق عليه عند الجميع وبعضها ايضاً موضع نظر واختلاف فتكون اجتهادية ايضاً، ولكل مجتهد فيها رأيه الخاص الذي يبرهن ويبنى عليه طريقة الاستنباط.

أحمد أمين: ما هي الادلة التي يبتنى عليها الاجتهاد عندكم.

الشيخ: هي الكتاب، والسنة ــ ونعني بها الأخبار الواردة عن المعصومين.

أحمد أمين: هل هناك شيء يعارضها ويتقدم عليها؟.

الشيخ: كلاّ لا يعارضها شيء، ولا نرفع اليد عن الخبر الصحيح المعتبر الاّ اذا كان مصادماً لضرورة العقل الفطري كما لو ورد خبر بجواز شهادة مؤمن لأخيه المؤمن في دعوى يدعيها على الغير مع عدم علم الشاهد بتلك الدعوى وان كان عالماً بأن ذلك المدعى لا يدعي باطلاً، فان مثل ذلك الخبر لا نعمل به مهما كان.

أحمد أمين: هل يوجد تعارض في اخبار الأئمة؟.

الشيخ: نعم.

أحمد أمين: كيف يتناقض كلامهم مع انكم تشترطون فيهم العصمة؟

الشيخ: لا تناقض في الجوهر وانما التناقض في الأخبار الواردة عنهم او في ظواهر كلماتهم، اما في الحقيقة لا تعارض ولا تناقض، وانما هو اختلاف في ظاهر الكلام كالاختلاف الذي يوجد في ظاهر الكتاب الشريف وهو القرآن العزيز قال تعالى: [فَيَوْمَئِذٍ لاَ يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ][25] وقال عزَّ شأنه: [وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ][26] ولكل وجهة وخاصة، وعلى الجملة فحال السنّة والاخبار كحال الكتاب الكريم.

فيه النص والظاهر، والمجمل والمبين، والمطلق والمقيّد، والعام والخاص، والحكم الواقعي، والحكم الظاهري، والاحكام المؤقتة التي تقتضيها الاوقات والظروف والاحوال والحوادث الزمنية ويقابلها الاحكام المؤبدة التي لا تتغير بتغير الاحوال وتبدل الزمان. وظيفة المجتهد الفقيه البالغ تلك المرتبة السامي والملكة الراسخة هي تمييز بعضها عن بعض، والجمع بين متعارضاتها ورد بعضها الى بعض واستخراج العلل والاسباب التي اوجبت ذلك التعارض واستنباط الحكم الصحيح حسب القواعد من مجموعها، اما التعارض والتناقض الواقعي حسب الحقيقة والجوهر فهو مستحيل عندنا بعد البناء على عصمة الأئمة.

أحمد أمين: ما الدليل على عصمة الأئمة؟

الشيخ: حكم العقل الضروري.

فهشّ واستبشر وكان طلب من الشيخ البيان والايضاح فقال: انه بسيط جداً وانا سائلك (ما الحكمة والغاية من ارسال الرسل وانزال الكتب)؟.

أحمد أمين: الهداية والارشاد والتهذيب.

الشيخ: اذن فهل يحصل الارشاد من شخص يقول: لا تكذب وهو يكذب، ولا تشرب الخمر وهو يشرب الخمر، ولا تزنِ وهو يرتكب الزنا؟، وهل يحصل الغرض وتتم الفائدة من الهداية من شخص يجوز عليه الغلط والغفلة والنسيان والاشتباه، لا شك في ان الجواب بالسلب، واذا كان ارسال الرسل وبعث الانبياء واجباً بالحكمة حسب العناية الأزلية، فالعصمة اشد لزوماً واقوى وجوباً، والاّ بطل الغرض وماتت الفائدة وانتقضت الحكمة.

أحمد أمين: ما الدليل على انفتاح باب الاجتهاد عندكم؟.

الشيخ: وما الدليل على انسداده، وايّة آية او خبر تدل على الحجر على العقول والضغط على الافكار وسلب هذه الحرية الفكرية التي منحها الله تعالى لعباده، وكانت من افضل نعمه على خلقه، غاية ما هناك ان الله سبحانه وتعالى رأفة بالعباد ورفعاً لمشقة الاجتهاد، ورعاية لحفظ نظام الهيئة الاجتماعية ووجوب قيام كل طائفة لشأن من الشؤون الضرورية. فتتوزع الاعمال وتتبادل المنافع، لذلك كله رفع وجوب الاجتهاد عن كل فرد من المكلفين واطلق لهم السراح في ذلك فجعل وجوبه كفائياً واجاز رجوع العامة الى المجتهدين وتقليدهم في امور الدين، اما من انفت نفسه وسمت همّته عن حطة التقليد وخطة الاتباع، واراد ان يأخذ الحكم من دليله على قواعد الفن والصناعة فأيّ دليل على منعه وحجر ذلك عليه؟ وهل نجد عاقلاً في الدنيا يمنع عن العلم ويأمر بالجهل؟، وانَّ مذهباً يكون هذا الحكم من دعائمه وقواعده احرى بأن يسمى مذهب الجهالة والتضليل، ومن آراء العصور المظلمة وبقايا اديان الجاهلية والاستبداد هذا، اما دين الاسلام فهو ارفع وانصع من ذلك، ولو لم يكن دليل على شرف مذهب الشيعة وصحّة قواعده واصوله الاّ هذا لكفى.

انتهى كلام الشيخ مع احمد امين. وكم له من امثال هذه المناظرات والمحاورات المذهبية والاجتماعية والعلمية والادبية لو اردنا جمعها وتأليفها لأحتجنا الى مجلدات ضخمة فأنه كان رحمه الله تعالى مدرسة ممتدة الجوانب مستطيلة الأركان راسخة القواعد قد ضمَّ بين صدره مجموعة من العلوم فافرغها بقوالب تخلب السمع وتستولي على الأفئدة.

وليعلم القارئ الكريم انه كما كان للشيخ الامام قوّة الاستحضار العلمي كما عرفت نموذجاً منه كان (رحمه الله) أجرأ الفقهاء في الفتوى الفقهي بحسب ما يؤدي اليه اجتهاده وقوّة استنباطه وكان قليل الاحتياط في المسائل اعني الاحتياط الذي يوجب الضيق على العوام بل كان له في المسائل الفرعيّة فتوى ورأي فيفتى ويحكم دون ان يتشبث بالأحتياط. وقد افتى: ان (كلَّ مسلم يموت فله من ماله الثلث اوصى او لم يوصي لاطلاق بعض الأخبار وشهادة الاعتبار)[27] وقد اشكل بعض الاعلام على الشيخ في هذه المسألة وبلغ ذلك الشيخ فقال (قدس سره): يجب عليه ان يتفضل الى مجلسنا فيشكل علينا امامنا وان لا يجلس في داره ونعرض المسألة امام البحث اما ان يثبت او اثبت، وبلغ كلامه الى بعض الاعلام فقال: ان الامام حجة فيما يفتى به.

أخلاقه وغيرته على الاسلام والمسلمين

لقد كانت اخلاق الشيخ الامام (رحمه الله) وعاداته وسلوكه تنطبق على اخلاق العباقرة والعظماء والنوابغ من الناس شديد التمسك بالآداب الاسلامية والتعاليم الدينية خصوصاً ادب ائمة اهل البيت (عليهم السلام) وتعاليمهم العالية فقد امتاز بحافظته القويّة، وحضور البديهة، وحدة ذهنه وتوقده، وصفاء نفسه فلم يكن يحمل حقداً وضغينة على احد، ويعفو عمّن اساء اليه، ويقابل الجاهلين والمخطئين بالحلم ورحابة الصدر. ولم يكن عنوداً متصلباً في رأيه بل سرعان ما يقتنع ويتراجع عندما يرى وجه الصواب، ويمضي في خطته وعلمه غير هياب، عندما يجد نفسه على حق وصواب. ولقد شاهدت من تراجعه عندما رأى وجه الصواب في مطلب عندما عرضت الواقع عليه ما يوجب الحيرة والعجب وهكذا يكون العالم الديني والقائد المذهبي ومن لم يكن غرضه الاّ اتباع الحقّ والتجنب عن الهوى.

وكانت له الثقة التامة بنفسه لدرجة الاعتداد مع الابتعاد عن العجب والغرور، وكان يرى انّ الكثير من الناس لا يفهمونه ولا يقدرونه القدر اللائق به.

وكان مترسلاً في اعماله، مجرداً من العقد النفسية والنزعات المكبوتة وكان يرى رأي الكثير من العباقرة ان النجاح والتفوق في الحياة ليس بالتفكير والتدبير والحيل والمؤامرات والدسائس والخداع بل بالانهماك في العمل والانغمار فيه، ويكون القصد من العمل خدمة المجتمع ونكران الذات واعتقد ان اكبر معرقل للفرد عن النجاح والسعادة كثرة تفكيره واهتمامه بذاته.

لقد كرّس الفقيد حياته منذ شبابه بنشاط وانشراح وانبساط لأنتهال علوم الأدب العربي. والعلوم الاسلامية فاستوعبها جميعاً وتعمّق فيها، وكتب والّف، وابدع واجاد فيما كتب وانشأ، ولم يكترث بجمع الاتباع، فمن اتاه رحّب به بل وحيّاه، ومن انصرف عنه لم يحفل به، فرأى ان الاستعاضة عن الدعاة، بمؤلفاته وأعماله، افضل وانفع. ومع ذلك كان شيخ الاسلام بحق، فقد بلغ في انواع العلوم الاسلامية الى الدرجة القصوى والقمّة العليا لاسيّما بلغ في الفقه درجة عالية وأصبح مرجعه في التقليد من اكبر مراجع الشيعة في الاقطار الاسلامية وملجأ في الافتاء والأحكام مع انّ الدعايات الكاذبة على () في البلاد والامصار ولا سيّما في ايران كانت شديدة خصوصاً من بعض اهل الجمود واذناب المستعمرين وقد كنت قبل المهاجرة الى العراق في ايران اسمع من افواه جمع من السفلة ومن ادخل نفسه في زمرة اهل العلم كذباً وزوراً بعض الكلمات والطعون في حقه وكنت في حيرة والتعجب والدهشة من ذلك هل لها حقيقة وواقع؟ ام انها من الدعايات الكاذبة؟ وكنت اتفكّر في سبب هذه الدعايات وكان من آمالي درك حضوره ومشاهدته والتكلم معه مشافهة حتى وفقني الله تعالى لهذه السعادة وتشرّفت بلقائه في بعض اسفاره الى ايران في (شميران) ــ طهران وكان ذلك اول لقائي به فرأيت ان عيانه اعظم من سماعه[28] ثم بعد هذا امعنت النظر والتحقيق حول تلك الدعايات فعلمت انها من الدعايات الكاذبة وكلها من حيل اعداء الدين ومن جنايات المستعمرين وانما اتّهموه عند الجهّال والعوام لئلا يكون اقبال الناس اليه ولئلا تتوجه الزعامة الدينية والرئاسة المطلقة نحوه فأنه ان اقبلت الزعامة اليه وانحصرت فيه تفشل بسبب ذلك نياتهم ومقاصدهم الممقوتة.

اضف الى ذلك انه نبغ في العلوم العقلية والنقلية وهو شاب، اضيف اسمه الى قائمة رجال الدين في حياة اساتذته مضافاً الى قلمه السيّال والاملاء الخاص الذي لم يكن نظيره في واحد ممن عاصره واما في الخطابة والوعظ وطلاقة اللسان فهو اول خطيب بين علماء عصره مع ادبه الرفيع واسلوبه الحكيم وبيانه الأخاذ يلقي الخطب ارتجالاً ولم يكن احد منهم من فرسان هذا المجال وكان له الاستعداد فريد للتكلم في المجالس المهمة ومحتشد الناس في المؤتمرات والمنتديات ولم يكن هذا المعنى في واحد ممن عاصره ايضاً فحسد على ذلك كله وبدأت الدعايات المغرضة ضده منذ شبابه.

والمطالع لمصنفاته وكتاباته والسامع لحديثه وخطبه يعرف غيرته الشديدة على الشرف والمسلمين وتألمه لتأخرهم وجمودهم. ويجد منه لوعة وحرقة لحالهم قلّ نظيرها او انعدم فكان يتلهّف لتقدم الشرق والمسلمين وخلاصهم من الاستعمار ويتلهّب غيرة وحماساً ونشاطاً في الاعمال النافعة لهم وله اشعار وقصائد في الحثّ على الخلاص من ذلّ الاستعمار وحض الأمة على إبادة كبرياء الظالمين ونسف الخائنين.

رأيت مجموعة مشتملة على الاشعار والفوائد العلميّة والأدبية وهي حقيبة كلها فوائد وعوائد واكثرها بل كلها بخطه ومما رأيت واستنسخت من خطه هذه الابيات:

ولي كل يوم موقف ومقالة

 

انادي ليوث العرب ويحكم هبّوا

 

فاما حياة تبعث الشرق ناهضاً

 

واما ممات وهو ما يرقب الغرب

 

وقفت على احياء قومي براعتي

 

وقلبي وهل الاّ البراعة والقلب

 

وله:

قضيت شبيبتي وبذلت جهدي

 

فلم تكن الحياة كما اريد

 

الى كم استحث النفس عزماً

 

وكم اسعى وغيري يستفيد

 

نهضت فقيل ايّ فتى فلمّا

 

خبرت القوم اعجبني القعود

 

واني بعد مجهدة وقومي

 

كضاربة وقد برد الحديد

 

وحيد بينهم ولعل يوماً

 

عصيباً فيه يفتقد الوحيد

 

لنا في الشرق أوطان ولكن

 

تضيق بنا كما ضاقت لحود

 

نقيم به على ذلّ وفقر

 

ونظماً لا يسوغ لنا الورود

 

أكاذيب السياسة بيِّانات

 

تكيد بها الحكومة ما تكيد

 

وعود كلها كذب وزور

 

فكم الى مَ تخدعنا الوعود

 

اذا ما الملك شيّد على خداع

 

فلا يبقى الخداع ولا المشيد

 

ومن لم يتخذ ملكاً صحيحاً

 

فلا تغني الجيوش ولا البنود

 

يصحّ أن يقال: انَّ هذا من تنبآته.

وفي هذه الأشعار يصرّح على سبب نكبة الإسلام والعرب:

كم نكبة تحطم الإسلام والعرب

 

والإنكليز أصلها فتش تجدهم السبب

 

بل كل ما في الأرض من ويلات حرب وحرب

هم أشعلوا نيرانها وصيّروا الناس حطب

 

واستخدموا ملوكنا لضربنا ولا عجب

 

فملكهم يفرضهم كان والاّ لأنقلب

 

هم نصبوا عرشاً لهم في كل شعب فانشعب

 

واسوأتا ان حدّث التاريخ عنهم وكتب

 

وله في هذا المعنى اشعار كثيرة ذكر بعضاً منها في كتابه: (المثل العليا في الاسلام لا في بحمدون) وفي (المحاورة بين السفيرين) فراجع.

وله في معنى تلك الاشعار كلمات كثيرة نثراً يتعذّر نقلها ويطول الكلام بسردها خذ اوّل صفحة من كتابه: (الدين والاسلام) تجده يتلهّف لتقدم الشرق والاسلام ويتلهّب غيرة وحماساً ونشاطاً في الاعمال النافعة للمسلمين وتحريضهم على توحيد كلمتهم ونبذ فرقتهم والخلاص على مكائد الاستعمار وقد اشتهرت كلمة نيّرة من كلماته القصار وهي قوله: (بني الاسلام على دعامتين كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة).

يومياته

كان رجلاً متوقداً نشيطاً في العمل يقضي القسم الأكبر من وقته في العمل، فقد كان يستيقظ عند طلوع الفج وقت الأذان قبل طلوع الشمس بساعة ونصف فيصلي ويقرأ الأدعية ثم يقرأ ويكتب. حدثني بعض المطلعين على حاله سراً يوم كان في ايران في احد اسفاره انه كان له في جوف الليل مناجاة وتضرّع وابتهال الى الله تعالى بعد صلاة الليل قلّما يتفق نظيرها للعباد والزهّاد الاّ للمستغرقين في محبة الله وخشيته والخائفين من نقمته والراجين لرحمته.

وعند طلوع الشمس يتناول الفطور وبعده يعود الى المطالعة والكتابة حتى وقت الضحى وقبل الظهر بثلاث ساعات فيخرج الى الديوان (مدرسّته العلمية) لمقابلة الناس والوافدين عليه وذوي المصالح لقضاء حوائجهم ويفصل بين المتخاصمين. وقرب الظهر يعود الى البيت، وعند الظهر يؤدي فريضة الظهر والعصر في الدار او الحرم العلوي الشريف ثم يعود فيتناول طعام الغداء. وقد ينام اقل من ساعة واحدة تقريباً ثم يستيقظ ويعود الى الكتابة والمطالعة وقراءة الرسائل والمسائل وكتابة الاجوبة ولا سيّما اجوبة المسائل التي ترده من انحاء العالم ويستمر الى قبيل الغروب بساعة فيخرج الديوان لمواجهة المراجعين والزائرين حتى وقت الغروب فيخرج الى الصحن العلوي لأداء الفريضة جماعة وبعد اداء صلاة الجماعة كان يلقى درساً خارجاً في الفقه على تلامذته وهو جالس على المنبر والتلاميذ جالسون على الارض ويستمر درسه ساعتين وبعد الانتهاء يعود الى البيت ويزور بعض العلماء والوجهاء في النجف او القادمين من خارج النجف وعندما يعود الى داره يستريح مع اهله مدة قليلة ثم يتناول العشاء وبعده يعود الى الكتابة والمطالعة الى نصف الليل او قبله بساعة فينام.

وهذه الاعمال لا يستطيع ان يقوم بها جسم الشاب القوي فضلاً عن الشيخ الناهز على السبعين غير انه يصدق عليه قول القائل:

واذا حل للهداية قلب

 

نشطت للعبادة الأعضاء

 

أسفاره ورحلاته

(1)سافر عام 1329هـ ــ 1911م من النجف الأشرف الى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج ومن مكة توجه الى دمشق ومنها الى بيروت ومكث في ربوع سوريا ومصر ثلاث سنوات وفي سفره للحج كتب رحلته التي أسماها (نهزة السفر ونزهة السمر) وفي مدة توقفه بمصر درس الفقه مرة وفي الفصاحة والبلاغة اخرى في الجامع الأزهر وكان يهاجم نوادي التبشير التي تنعقد كل ليلة في كنيسة من كنائس الامريكان ومدارسهم ورد على الخطيب المبّشر وألف كتاب (التوضيح) وطبع جزؤه الأول في القاهرة والثاني في بغداد انظر تفصيل هذه الوقائع في كتاب (المحاورة مع السفيرين) واشترك في الحركة الوطنية مع بعض أحرار سوريا كالشيخ أحمد طبارة، والشيخ أحمد عارف الزين صاحب مجلة (العرفان) الغراء، وعبد الكريم الخليل، وعبد الغني العريسي، وباترو باولي، وغيرهم.

وطبع في هذه السفرة كتابيه الشهيرين (الدين والاسلام) وانجز طبعه بجزئيه في صيدا وكتاب (المراجعات الريحانية) وانجز طبع جزئه الأول في بيروت وجزئه الثاني في صيدا ونشر في امهات صحف سوريا مقالات نفيسة وقصائد بديعة بتوقيع (نجفي) او (سيار) وفي 1332هـ قبل الحرب العالمية الأولى بشهرين تقريباً عاد الى العراق وفي النجف الأشرف زادت صلته باستاذه السيد الشريف الفقيه الاعظم السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي (قدس سره) المرجع الاكبر للامامية في الاقطار الاسلامية، وبعد نشوب الحرب العالمية في عام 1334هـ سافر للجهاد مع العلاّمة السيد محمد نجل استاذه اليزدي وجمع من العلماء والمراجع الى الكوت للجهاد امام قوات الأنكليز.

توفي استاذه الطباطبائي اليزدي (رحمه الله) سنة (1337)هـ فرجع الناس الى اخيه الشيخ أحمد بالتقليد وفي سنة (1338)هـ ورجع الى الامام المترجم له في التقليد جماعة فعلّق على (التبصرة) وطبعت في هامشها مع تعليقة استاذه ولم يزل اسمه يشتهر في الاوساط وتتسع دائرة مرجعيته شيئاً فشيئاً حتى اضطره انتشار المقلدين في الاصقاع والبقاع الى نشر الرسائل العملية فطبع له نحو عشر رسائل وتعليقات بالعربية والفارسية وتكرر طبعها كما يأتي تفصيلها في قائمة مصنفاته الممتعة.

(2) في عام 1350هـ سافر الى فلسطين وحضر المؤتمر الاسلامي في القدس الشريف بعد دعوات متكررة من لجنة المؤتمر واتّم به في الصلاة جميع اعضاء المؤتمر البالغ عددهم (150) مائة وخمسون عضواً من اعيان العالم الاسلامي وخلفهم عدد كثير من اهالي فلسطين يناهز عددهم عشرين الف نسمة وكان ذلك ليلة المعراج 27 رجب في المسجد الاقصى وخطب خطبة تاريخية ارتجالية طويلة طبعت مستقلة وكانت لتلك الامامة دويّ في الشرق فقد اعتبرت بذرة للتقارب والألفة وعلقت عليها الآمال غير ان المستعمرين واذنابهم المستأجرين حالوا دون تحقيقها.

(3) في عام 1352هـ توجه الى ايران عن طريق كرما نشاه ورجع من طريق البصرة ومكث نحو ثمانية أشهر متجولاً في المدن داعياً الايرانيين الى التمسك بالمبادئ الاسلامية حيث كان اتجاههم يومذاك شديداً نحو التمدّن الاوربي ونصحهم ان لا ينزعوا للخروج من حظيرة المسلمين ونبذ القوانين الاسلامية وراءهم ظهريا وكان موضع الحفاوة والتبجيل في كل مدينة يحل بها. وقد خطب باللغة الفارسية في المدن الآتية: كرمانشاه، وهمدان، وطهران، وقم في الصحن الفاطمي بعد ان فوّض اليه الزعيم المرجع الحاج شيخ عبد الكريم اليزدي الحائري (رحمه الله)صلاة الجماعة وكان يخطب بعدها، وشاهرود، والمشهد المقدس، واصفهان، وشيراز، واصابته نكبة تردّي السيارة من الجبل في طريقه الى شيراز فبقى فيها للمعالجة اكثر من شهرين وصلى في جامعها الاعظم واقتدى به جميع علمائها واهاليها ومن حولها من القرى وخطب بالفارسية خطبة طويلة وبعد شفائه رحل الى كازرون، وبوشهر، والمحمرة، وعبادان، واجتمع مع شاه ايران (البهلوي) في طهران بعد ان طلب من الامام المترجم له ملاقاته واجتمع مرتين متواليتين معه ونصحه وتذاكر معه في شؤون اسلامية وامور دينية.

(4) سافر في صيف عام 1366هـ الى كرند ــ قرية في ايران بين كرمانشاه وخانقين قرب حدود العراق ــ للاصطياف ولم يتجاوز كرند في سفرته هذه لأن بعض من له حب الظهور والشهرة قصد الجهة التي توجه اليها الامام المترجم له ليشاركه في تعظيم الناس له ولذا رجع الشيخ من كرند الى النجف الأشرف.

(5) وسافر في صيف عام 1367هـ الى ايران وتوقف مدّة يسيرة في (شميران) ثم توجه الى خراسان وزار مرقد الامام الرضا صلوات الله عليه ورجع الى العراق في آخر الصيف.

(6) وسافر في صيف عام 1369هـ الى ايران ايضاً وبعث له شاه ايران الحالي رسولاً يرحب به ويدعوه الى لقائه فكتب له مع الرسول: اذا رأيتم العلماء على ابواب الملوك فقولوا بئس العلماء وبئس الملوك واذا رأيتم الملوك على ابواب العلماء فقولوا نعم الملوك ونعم العلماء فزاره بنفسه وقدّم له هدايا نفيسة فباع الشيخ معظمها وكان من جملتها سيارة قيمة ووزع اثمانها على الفقراء وعلى طلاب بعض المدارس الدينية بطهران ومع ذلك كان من تواضعه للعلم واحترامه لعلماء الدين ما لا يوصف وكفاك في ذلك ان استاذنا الامام بطل العلم والفقاهة المرجع الاعلى للشيعة سيدنا الحجة الكوهكمري كان مريضاً في تلك الايام وجاء من قم الى الـ(الري) واقام عند حرم سيدنا عبد العظيم الحسني  قرب طهران للمعالجة فزار الشيخ الامام مرقد سيدنا عبد العظيم  وبعد الفراغ من الزيارة قصد زيارة سيدنا الاستاذ وعيادته وكان بينهما صداقة ومودة كاملة وكان سيدنا الاستاذ (رحمه الله) يقول اكراراً: ان جلَّ اطلاعاتي وتتبعاتي في العلوم والأخبار والآثار وغيرها انما هي من بركات مكتبة الشيخ الامام[29] وكان يثنى على الشيخ ثناءً بليغاً فلمّا يوجد نظيره بين المتعاصرين.

(7) وسافر في صبف عام 1370هـ الى لبنان للمعالجة وكنت وقتئذ في النجف الاشرف وكنا متأسفين على فراقه حتى قفل الى النجف الأشرف في آخر الصيف.

(8) سافر يوم 12 جمادى الاولى 1371هـ من النجف الى كراتشي للحضور في مؤتمر اسلامي، سافر من بغداد بالقطار الى البصرة، ومنها جواً الى كراتشي، ورجع جواً الى البصرة ووصل بغداد بالقطار عصر الاربعاء 22 جمادى الآخرة، ولقى في كراتشي من الأهالي وحكومة الباكستان حفاوة عظيمة وخطب خطبة طويلة اذيعت في انحاء العالم واحدثت دوياً من الاستحسان وعند ما رجع الى العراق ونزل البصرة استقبله اهاليها استقبالاً لم يقع له نظير هناك وكذلك عندما ركب السيارة التي نقله الى القطار فقد حملها المشيعون على اكتافهم الى القطار وكان يجد في كل بلد يصل استقبالاً رائعاً وعند قدومه الى النجف الأشرف استقبله اهلها قاطبة من العلماء والوجهاء وعوام الناس وكان الصحراء بين النجف وكربلاء مشحونة بالسيارات ولو اردنا شرح هذا الاستقبال لطال الكلام وكنت كنبت مكتوباً مفصلاً بالفارسية وارسلته بالبريد الى كراتشي بعد ان سافر الشيخ الامام اليها ليصل هناك اليه وذكرت في ذلك الكتاب اسفار جمع من اكابر علماء الامامية وخدماتهم الدينية بسبب اسفارهم ورحلاتهم ووصل الكتاب الى الشيخ الامام في المطار عند رجوعه من كراتشي وحظي عنده بالقبول والاستحسان وامر بقراءته على المشيعين لما في الكتاب من ذكرى التاريخ والحثّ على الخدمات الدينية وكان بعد رجوعه الى النجف الأشرف يثنى على صنيعي هذا ثناء بليغاً وكان هذا من الطافه عليّ جزاه الله عنا خير الجزاء.

(9) سافر الى كرند من بغداد صباح الجمعة 15 ذي القعدة 1373هـ بعد ان مكث في بغداد في مستشفى الكرخ شهراً واحداً لمعالجة التهاب غدة البروستات الذي عاد اليه وانتابه قبل سنة ووقعت في كرند الوقعة العظمى والمصيبة الكبرى التي عمّت العالم الاسلامي كما يأتي في تاريخ وفاته (رحمه الله).

مواقفه الاصلاحية

(1) اخماد فتنة الحصّان عام 1351هـ.

عندما اصدر عبد الرزاق الحصّان كتابه (العروبة في الميزان) الذي طعن فيه العلويين وشيعتهم ومجد الأمويين ودولتهم حدث هيّاج في بغداد والعتبات المقدّسة وبعض مدن العراق وخاصة في النجف الأشرف فخطب الشيخ الامام في الصحن العلوي ونصح فيها اهالي النجف فانصاع الناس الى كلامه مباشرة وفتحت اسواق النجف في الحال ونال الجاني عقابه.

(2) ابطال العادات المؤذية من العراق عام 1353هـ.

في العشرة الاولى من شهر ربيع الاول اعتاد العوام والصبيان في النجف وكثير من مدن العراق الشيعية ان يقوموا في كل سنة بأفظع المنكرات فيرمون الطرقات والمفرقعات في الطرق وفي اثر اهتمامه في ابطال هذه المنكرات بطلت تلك العادات من ذلك الحين حتى الوقت الحاضر وانقذ الناس من شرّ عظيم.

(3)اخماد ثورة عشائر الفرات عام 1353هـ.

(4) منع الشغب والمظاهرات التي حدثت في وزارة نور الدين محمود. انظر تفصيل هذه الوقائع والسانحات في كتاب (المحاورة مع السفيرين) وفي المقال الذي كتبه نجله عبد الحليم آل كاشف الغطاء في ترجمة والده الامام ونشره في العرفان المجلد 42 ج5و6 العدد الخاص بالعراق.

(5) موقفه من مؤتمر بحمدون.

في اواخر شهر آذار عام 1954م ورد الى الشيخ الامام المترجم له كتاب من كارلند ابفا نزهوبكنز نائب رئيس جمعية اصدقاء الشرق الاوسط في الولايات المتحدة الامريكية من نيويورك يدعوه الى حضور مؤتمر لعلماء الدين من المسلمين والمسيحيين ينعقد في بحمدون بتاريخ 22 نيسان 1954 للمداولة في:

1 ــ القيم الروحية للديانتين.

2 ــ موقف الديانتين من الشيوعية.

3 ــ الطرق الكفيلة في الديانتين لنقل القيم الروحية الى الجيل الحديث فرفض شيخنا الامام حضور المؤتمر مبيناً رأيه في مواضيع البحث في كتاب باسم (المثل العليا في الاسلام لا في بحمدون).

تأليفاته الممتعة

مؤلفاته المطبوعة في الحكمة والكلام والأخلاق والفقه وغيرها:

أ ـ في الحكمة والكلام

1 ــ الدين والاسلام او الدعوة الاسلامية ــ جزءآن طبعا في صيدا احدث جزؤه الاول دويّ استحسان في العالم الاسلامي فتلافقته ايدي الفريقين مستوحية اهدافه الكريمة لكنه مع ذلك بوغت بهجوم السلطة عليه وهو مشغول بطبع جزئه الثاني في بغداد عام 1329هـ بأمر ناظم باشا والى بغداد وايعاز المفتي الشيخ سعيد الزهاوي فصمم على طبعه خارج العراق فسافر الى الحج وعاد من طريق الشام فبيروت وانجز طبعه بجزئيه في صيدا.

2 ــ المراجعات الريحانية ــ جزءآن ــ تكرر طبعهما في الشرق والغرب: في صيدا وبيروت وبغداد والأرجنتين تضمّن اولهما المناظرات التي جرت بينه وبين فيلسوف الفريكة أمين الريحاني ونقد فيه الأب انستاس ماري الكرملي صاحب مجلة (لغة العرب) وهو بحوث مهمة للغاية دلّت على استيعابه وتعمّقه في العلوم ونقد في الثاني المؤرخ جرجي زيدان ايام ظهور كتابه (تاريخ آداب اللغة العربية) وفي هذا النقد فوائد وتنبيهات وبراعة لا يستهان بها.

وقد ناقش فيه ايضاً صديقه الشيخ يوسف الدجوي من مدرسي الأزهر الشريف كما نقد فيه الشيخ جمال الدين القاسمي عالم دمشق يومئذ.

3 ــ الآيات البينات تشتمل على اربع مسائل في الردّ على الفرق الضالة.

4 ــ التوضيح فيما هو الانجيل ومن هو المسيح جزءآن وطبع ترجمتها بالفارسية ايضاً.

5 ــ الفردوس الأعلى ــ طبع في النجف وتبريز ــ مع بعض تعليقاتي عليه.

6 ــ اصل الشيعة واصولها ــ تكرر طبعها وترجم الى اللغات المختلفة.

7 ــ الأرض والتربة الحسينية طبعت ترجمتها ايضاً.

8 ــ نبذة من السياسة الحسينية.

9 ــ الميثاق العربي الوطني.

10 ــ المثل العليا في الاسلام لا في بحمدون ــ وقد لاقى هذا الكتاب رواجاً عجيباً وأعيد طبعه مراراً في ظرف قصير كما ترجم الى الفارسيّة وطبع في ايران.

11 ــ المحاورة مع السفيرين ــ طبع في العراق والأرجنتين.

12 ــ عين الميزان.

13 ــ نقد ملوك العرب للريحاني.

14 ــ مختارات من شعر الاغاني.

15 ــ الخطبة التاريخية في القدس.

16 ــ خطبة الاتحاد والاقتصاد، القاها في مسجد الكوفة عند رجوعه من المؤتمر الاسلامي بفلسطين وهي من اعظم الخطب.

17 ــ الخطب الأربع.

18 ــ خطبة الباكستان وترجمتها بالفارسية ايضاً مطبوعة ترجمها صديقنا الفاضل السيد هادي الخسروشاهي التبريزي حفظه الله تعالى.

19 ــ مبادئ الايمان ــ دروس دينية جمعها من رشحات قلمه الشريف بعد وفاته نجله الاستاذ الشيخ عبد الحليم وقدم لها وطبعها سنة (1378)هـ.

ب ـ في الفقه:

20 ــ المسائل القندرهارية (فارسي) امرني (قدس سره) بترجمتها الى العربية وادرجها في الفردوس الأعلى.

21 ــ حاشية على التبصرة للعلامة الحلي (رحمه الله).

22 ــ سؤال وجواب عربي.

23 ــ وجيزة الاحكام.

24 ــ زاد المقلدين ــ فارسي.

25 ــ مناسك حج عربي.

26 ــ حاشية على العروة الوثقى للسيد الشريف الطباطبائي اليزدي (رحمه الله) وفيها فوائد جليلة.

27 ــ حواشي على سفينة النجاة لأخيه الشيخ احمد اربع مجلدات دورة فقه كاملة وفيها مسائل نادرة وفوائد جليلة.

28 ــ تحرير المجلة خمسة اجزاء من جلائل الكتب.

29 ــ حواشي على عين الحياة ترجمة سفينة النجاة بالفارسية ــ جزءآن ــ مطبوعة مع عين الحياة في بمباي.

30 ــ حاشية على مجمع الرسائل (فارسي) مطبوعة مع حواشي السيد الزعيم المرجع الأعلى سيدنا الطباطبائي البروجردي دام ظله في النجف الأشرف سنة (1367)هـ.

ج ـ في الأدب

31 ــ تعليقات وتراجم على ديوان السيد جعفر الحلي (رحمه الله) المعروف بسحر بابل وسجع البلابل.

32 ــ تعليقات على ديوان السيد سعيد الحبوبي (رحمه الله).

33 ــ تعليقات على الوساطة بين المتنبي وخصومه.

34 ــ تعليقات على معالم الاصابة.

35 ــ تعليقات على (الكلم الجامعة والحكم النافعة ) والظاهر ان الشيخ الامام (رحمه الله) جمع تلك الكلم الجامعة من استاذه الطباطبائي اليزدي (رحمه الله) وشرح بعضها وطبعها في آخر العروة الوثقى حين أشرف على طبعها للمرة الأولى في بغداد سنة (1328)هـ ولكنه ذكر اسمه الشريف في آخرها رمزاً فراجع.

أ ـ مؤلفاته المخطوطة في الحكمة والكلام

36 ــ الجزء الثالث من الدين والاسلام.

37 ــ الجزء الرابع من الدين والاسلام.

38 ــ حاشية على كتاب الاسفار لصدر المتألهين (رحمه الله).

39 ــ حاشية على رسالة العرسية لصدر المتألهين (رحمه الله).

40 ــ حاشية على رسالة الوجود لصدر المتألهين (رحمه الله).

41 ــ دائرة المعارف العليا وقد جمع في هذا الكتاب بعض ما ورد من الأسئلة مع اجوبتها في الفقه والحكمة والتفسير وغيرها يحتوي على ثلاثة مجلدات.

ب ـ في الفقه واصوله

42 ــ شرح العروة الوثقى للسيد الطباطبائي اليزدي (رحمه الله) خمسة مجلدات.

43 ــ حاشية على رسائل الشيخ الأعظم الأنصاري (رحمه الله).

45 ــ تنقيح المقال في مباحث الالفاظ.

46 ــ حاشية على الكفاية للشيخ آخوند الخراساني (رحمه الله).

47 ــ رسالة في الجمع بين الاحكام الظاهرية والواقعية.

48 ــ حاشية على القوانين.

ج ـ التفسير والهيئة وغيرها

49 ــ مغنى الغواني عن الأغاني مختصر الأغاني الف صفحة.

50 ــ ديوان شعره الذي اسماه: (الشعر الحسن من شعر الحسين).

51 ــ نزهة السمر ونهزة السفر: رحلته الأولى الى سوريا ومصر.

52 ــ ترجمة حياته مفصلاً بقلمه بعنوان: (عقود حياتي) تشتمل على اهم الحوادث والتواريخ في تلك العقود ومعه المجموع من شعره الذي نظّمه في الكبر بعد سن الخمسين. نأمل ممن عثر عليه في النجف وكربلاء او غيرهما ان يسلمه الى نجله عبد الحليم او الشيخ محمد شريف وله منهما جائزة ثمينة واننا نأمل العثور عليه ان شاء الله تعالى.

53 ــ تعاليق على امالي السيد المرتضى علم الهدى (رحمه الله).

54 ــ تعاليق على ادب الكاتب لأبن قتيبة.

55 ــ تعاليق على الوجيز في تفسير القرآن العزيز.

56 ــ تعاليق على نهج البلاغة ونقود على شرح الشيخ محمد عبده ومؤاخذات عليه.

57 ــ تعاليق على الفتنة الكبرى لطه حسين.

58 ــ منتخبات من الشعر القديم مجموعة كبيرة.

59 ــ منتخبات من الاحاديث والاخبار والتراجم وغيرها.

60 ــ تعريب كتاب فارسي هيئة.

61 ــ تعريب كتاب حجة السعادة في حجة الشهادة.

62 ــ تعريب قسم من رحلة (ناصر خسرو) الحكيم المشهور.

63 ــ كتاب (وظائف).

64 ــ كتاب استشهاد الحسين (عليه السلام).

65 ــ رسالة عن الاجتهاد عند الشيعة.

66 ــ العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية في ترجمة عائلته.

67 ــ جنة المأوى ــ هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ العزيز وقد شرحنا الحال بالنسبة الى هذا الكتاب فيما تقدم وكتبنا ما هو اللازم بيانه سابقاً فلا نعيده.

وله طيلة حياته الشريفة مقالات وبحوث كثيرة في مختلف الموضوعات نشرها في الصحف والمجلات ومنشور كثير كمنشور (نصيحة للمسلمين) وامثالها، وايضاً له تصدير وتقريظ كثير على مؤلفات العلماء والأدباء فلو جمع والف ما ترشح من قلمه الشريف من هذا القبيل مع انه يتعذر بل يتعسّر استقصاؤها لبرز مجلدات، وقد كان يقرأ ويكتب حتى ساعة الوفاة وقد كتب تقريضاً لبعض المؤلفات في مستشفى الكرخ ببغداد مدة مكثه فيها شهراً واحداً قبل سفره الى (كرند) وكان يقرأ كل ما يمر عليه من كتاب مطبوع ومخطوط وما ان يفرغ منه حتى ترى الهوامش قد ملئت بالتعليقات النفيسة وفي مكتبته عشرات من هذه الكتب.

وكان له المام خاص وعناية مخصوصة بخطب أمير المؤمنين (عليه السلام) وكلماته الشريفة، وسمعته وهو يحدّث لي: اني مع المامي الشديد بالأدب العربي وتوغلي في النكات الادبية والمعاني الدقيقة لا اقدر على شرح كلماته (عليه السلام) كما هو حقها ويليق بها فأن كلامه (عليه السلام) فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق ولا اتمكن من بيان بعض معاني ونكات كلماته (عليه السلام) بغير البيان الذي ذكره (عليه السلام) واني اتعجب من بعض الناس ممن ليس له حظ وافر من الأدب العربي والنكات العربية والأدبية والعلوم المتنوّعة كيف يتصدى لشرح كلامه (عليه السلام) نظماً او نثراُ وهو يتخيل انه ادى حق تلك الكلمات النيّرة وشرحها كما يليق بها، ثم اراني عدة اوراق كان ارسلها اليه بعض المتصدين لشرح نهج البلاغة وبيّن لي هفواته وعثراته.

ومما هو جدير بالذكر ان جمعاً من الناس ممن يؤلف ويصنف تأليفاً وتصنيفاً في مختلف العلوم والموضوعات نقلوا كثيراً في مؤلفاتهم ومصنفاتهم من كتب شيخنا الامام (رحمه الله) ومن مقالاته وبحوثه القيّمة المنتشرة في انحاء البسيطة والبلاد الفسيحة الارجاء من دون رعاية الاحتفاظ منهم بامانة النقل وأخذوا كثيرا من الفرائد النفيسة والدرر المنضودة والأفكار المترشحة من قلمه الشريف من غير ان ينسبوها الى مرصفها وناضدها وصاحبها وهذه خيانة سوداء بل سرقة شوهاء لا ينبغي صدورها من الرجال الاحرار وممن ينتمي الى العلم ومن كان من الامناء والخطباء.

فاليك ايها القارئ الكريم ذكر مورد واحد مما ادعيناه شاهداً لما قلناه فاستمع لما يتلى عليك فيما يلي:

وقد الّف الخطيب الفاضل السيد حسن القبانجي النجفي حفظه الله كتاباً ووسمه بـ(الجواهر الروحيّة) وذكر فيه مقالاً في اسرار الزكاة بعنوان (الزكاة الاشتراكية الصحيحة والتعاون في الاسلام) واخذ هذا المطلب بعين الفاظه من ابتدائه الى انتهائه من كلام شيخنا الامام (رحمه الله) الذي ذكره بالعنوان المذكور في الفردوس الاعلى من دون تغيير ولو بكلمة واحدة ولكنه لم ينسبه الى الشيخ اصلاً وهذا العمل على خلاف امانة النقل ولعله حفظه الله ذهل عن ذهنه[30] وخاطره الشريف ونسى ان يذكر اسم الشيخ (رحمه الله) وينسبه اليه وطبع كتابه غافلاً من ذلك والله العالم وهو العاصم نعم حذف بعض تعليقاتي على العنوان المذكور ولم ينقلها.

انظر (الجواهر الروحيّة) ج1 ط النجف سنة 1375هـ من ص402 الى ص410 وانظر الفردوس الاعلى من ص174 الى 184 ط2 تبريز. ومن ص128 الى ص137 ط1 النجف. وطالع تلك الصفحات في الكتابين حتى تجد صدق ما قلناه.

وفاته

لما مرض شيخنا الامام مرضه الذي قضى على حياته الغالية ويئس من شفائه على ايدي اطباء النجف الأشرف سافر الى بغداد للمعاجة وادخل في مستشفى الكرخ فباشره جمعٌ من حذاق الاطباء مدة لا تقل عن شهر ولم تتقدم صحته ولم يتحسن مزاجه بل زادت آلامه.

هنا احتمل بعض محبيه وخوّاصه بأن اليد الأثيمة الغاشمة تعبث وان السلطة الحاكمة انذاك تريد القضاء عليه من طريق مرضه خوفاً من مكانته العظيمة عند الناس وجرأته على القيام عند الأستعمار[31] كما اظهر جرأته في كتابيه (المثل العليا) و (المحاورة مع السفيرين) ولمّا ابرزهما في الاسواق وراجا رواجاً في العالم وأخذا مأخذهما عند اكثر الناس وخصوصاً عند تلامذة المدارس والكليات والمعاهد العلمية. إشمأزت السلطة الغاشمة والبلاط واخذت تحيك الحيل ضد حياة راحلنا العظيم وقد اشار الأستاذ طالب الحيدري في قصيدته التي ابّن بها شيخنا المغفور له الى ان موت شيخنا الفقيد كان مقصوداً قال:

مات الجريء الفذ يدفعه

اخلاصه ليقول مندفعا
 

ما مات حتف الانف احسبهم
 

قد جرعوه من الردى جرعا
 

قتلوه ثأراً منه او حذراً
 

والله اعلم بالذي وقعا
 

انظر ديوانه: النبضات ص178.

وشغر راحلنا العظيم بذهنه الوقاد وذكائه المتوقد ان الاطباء لا يباشرون مرضه مباشرة تامة ولا يستعملون الادوية المختصة بدائه رغب في الخروج من المستشفى والسفر الى ايران للاستجمام في ربوع ايران فحبّذ له هذه الفكرة معالي صالح جبر وجماعة من رجال بغداد من مخلصيه فجاء معالي صالح جبر بسيارته الى المستشفى فاركبوا فقيد المسلمين في تلك السيارة واوصلوه الى قرية كرند ــ وهي قرية جبلية واقعة بين خانقين وكرمانشاهان في الاراضي الايرانية وهي القرية التي كان يصطاف فيها شيخنا الراحل في بعض السنين ــ وبعد وصوله اليها لم تستقر به النوى اختطفه ريب المنون وانتقل من دار الفناء الى دار البقاء الى جوار ربه الكريم بعد ادائه لفريضة الفجر صباح يوم الأثنين 18 ذي القعدة سنة (1373)هـ.

ولما اشيع خبر وفاته انهالت الناس الى تلك القرية من كل فجّ عميق لتشييع جثمان بطل العلم والفضيلة فقيد الاسلام والمسلمين واذيع أثر وفاته خبر رحلته من معظم محطات العالم وشيعت جثمانه الطاهر مئات السيارات وسرب من الطائرات الايرانية وجيء بجثمانه من القرية الى الحدود العراقية وهناك استقبل الجثمان من قبل العراقيين واستلمته ايدي جماهير الناس من مختلف طبقات الفريقين ومن كبار رجال الدولة ثم اخذ جثمانه الى بغداد عاصمة الرشيد ثم الى حرم الامامين الجوادين (عليهما السلام) ثم الى كربلاء الى حرم ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) وحرم اخيه البار ابي الفضل العباس (عليه السلام) ثم الى النجف الأشرف الى حرم الأمن حرم العلم وبابه حرم مولى الكونين والثقلين امير المؤمنين (عليه السلام) الشهيد ابو الشهداء الأحرار لطواف جثمان شيخنا الراحل حول مراقدهم وان يجدد عهده مع الأئمة (عليهم السلام) ثم الى وادي السلام الى مقره الأخير مقبرته الخاصة التي اعدها بنظره من قبل سنين لنفسه.

نقل لي ثقة عن الشيخ الشريف نجل راحلنا العظيم انه لما اخبر السيخ في كربلاء بان سرداب القبر قد عمر وكمل من جهة البنيان ذهب اليه الشيخ في رجوعه من كربلاء ونزل تلك الحفيرة ومكث فيها مدة غير يسيرة وناجى فيها ربه ثم خرج منها ولحيته الكريمة تقطر من دموع عينيه.

فهذا ان دلَّ على شيء يدل على قوة ايمان شيخنا المغفور له وقوة عقيدته بالمعاد فهنيئاً له ايمانه وعقيدته فأن الايمان بالله وبما ارسله الى الناس كافة مع انبيائه المرسلين ينفع في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.

واقيمت مجالس الفاتحة في النجف الأشرف من قبل اسرة الفقيد والعلماء والجمعيات ومن قبل مختلف الطبقات كما اقيمت مئات الفواتح في العراق وايران وباكستان والهند وسوريا ولبنان واقيمت له في النجف بعد مرور اربعين يوماً حفلة تأبينية في مدرسة الصدر حضرتها وفود الدول وغيرها ممثلين لحكوماتهم ووردت الى النجف مئات البرقيات بمختلف اللغات من الشرق والغرب من الملوك ورؤساء الجمهوريات ورؤساء الاديان والشخصيات تعزي اسرة الفقيد والعلماء خصوصاً سيدنا الحجة الزعيم الروحي الأوحد امام الشيعة السيد محسن الطباطبائي الحكيم متع الله المسلمين بطول حياته لأن وفاة شيخنا الراحل كانت ثلمة كبيرة في الدين وخسارة عظيمة على الطائفة لا يعرف مدى تأثيرها الاّ الاوحدي من العلماء فانا لله وانا اليه راجعون ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

شيوع الافتراء

قال تعالى: [إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ][32].

من ينعم النظر الى احوال الأكابر والنوابغ من علماء الدين ورؤساء المذهب يرى انه لم يكد يسلم احد منهم من تشنيع الاعداء والتقول والطعن عليهم من الخصماء وقد وقعوا اهدافاً لسهام اللوم والطعن والتفنيد ولم يسلم كثير من الشخصيات العالمية من هذه السهام المسمومة ولم يشذ احد منهم عن القذف والمروق والشذوذ وما شابه ذلك واكثرهم سواء في حياتهم او بعد مماتهم لم يسلموا عن الكلمات الخاطئة في حقهم والتحامل عليهم بالقول الزور وبكل افيكة.

وغير خفي على الباحث المنقب رميهم بالأقوال الشائنة والقوارص الموبقة وبالاً فائك والمفتريات كان في الزمن السالف ناشئاً في الأغلب من الحسد والحقد ومن إفتراءات الخصوم واهل الغرض والأهواء او المخالفين في المذهب والعقيدة ولذا نجد بعد البحث والتنقيب وامعان النظر والتحليل الصحيح ان كل تلك الاقوال عارية من الصحة وخالية عن الحقيقة ولا قيمة لها عند الباحث المنقب والمتحري للحقائق نعم هكذا كان الأمر في الزمن الغابر ولكن في عصرنا الحاضر نجد ان شيوع الافتراء والاختلاق والتهمة على علماء الدين وكبراء المصلحين اكثرها تصدر من ناحية اذناب الاستعمار والخائنين واجراء المستعمرين ليلوثوا بزعمهم ساحة قد سهم وليحطوا عن مقامهم في انظار الناس كما نسب بعض عمال الاجانب الى فيلسوف الشرق والاسلام السيد جمال الدين الأسد آبادي الشهير بالأفغاني (رحمه الله) بعض الأفائك من تركه الصلاة في بعض اسفاره وامثال هذه المفتريات التي لا استحسن نقلها وثبتها في كلامي والافصاح بها في مقالي وهكذا صار دأب المغرضين والمعاندين للاسلام والخائنين ولكن العجب صدور افيكة في حق شيخنا الامام المترجم له من بعض المترجمين لأحواله في كتابه وهو يحسب نفسه في زمرة احبابه وقال ما هذه عين الفاظه: (وكان رأيه بالمعاد انه روحاني ولكنه لم يبح به خوف الفتنة فان شبهة الاكل والمأكول كانت سداً امام المعاد الجسماني).

غفرانك اللهم من هذا البهتان العظيم والافك الصريح والجرأة العظيمة في حق رجل عظيم من عظماء العالم الاسلامي والمجتمع المذهبي وايم الله ان التفوه بهذا القول ونسبته الى الشيخ الامام (رحمه الله) افك عظيم تقشعر منه الجلود وتكفهر منه الوجوه وتشمئز منه الافئدة وكان الأحرى والاليق بكاتب هذا المقال وناسج هذا الكذب الصراح ان لا يخرج عن فنّه الذي نشأ عليه اعني العلوم العربية والفنون الأدبية ولا يتداخل بالعوم التي لم يكن هو ماهراً فيها بل لم يحم حول حماها.

فيا اخي اياك والتداخل في بعض الموضوعات الدينية والعلمية التي ما درستها بالدراسات التحليلية عند اساتذتها، أيسيغ وجدان عاقل ان ينسب الى الشيخ الامام (رحمه الله) قولاً هو على خلاف ضرورة الدين وعلى نقيض من صريح القرآن المبين؟ اليس هو الذي صرح بالمعادين الروحاني والجسماني معاً في تصانيفه وقد اثبت في الفردوس الأعلى في مسألة المعاد ما هو ضروري دين الاسلام، والحق وما في الحق مغضبة ان من المصائب ان ارتحل بالأمس الامام كاشف الغطاء الى عالم البقاء وينسب اليه من يظهر محبته اليوم القول على خلاف ضرورة الدين اليس هذا من المصائب العظيمة في الجامعة الاسلامية هل انكار الضروريات الدينية صار اليوم من الآراء الصحيحة؟ كما يومئ الى هذا المقال ذلك الكاتب الأديب في كلماته وهل صار انكار الضروريات الاسلامية من التقاليد الغربية؟ او انّ هذا ايضاً من بعض حيل الصهيونية الشريرة؟ وقد صارح هذا الكاتب بما في نفسه ونسب ما هو في مكنون خاطره الى ذلك الرجل العظيم بعد وفاته، اما تسمع ايها الكاتب الأديب قول الله تعالى في كتابه الكريم: [يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ][33].

فدع عنك التقاليد الغربية بانكار الضروريات الدينية ولا تنسب هذا البهتان العظيم الى الرجل العظيم [سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ][34] ، وقال تعالى: [وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدْ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا][35]. الشاهد على قصور هذا الكاتب انه حسب ان شبهة الاكل والمأكول كانت سداً امام المعاد الجسماني ولم يطلع انّ في هذا العصر ــ عصر الذرة والنور ــ لم يبق لتلك الشبهة القديمة بعد البحوث العلمية الجديدة وقع في انظار الباحثين والعلماء المنقبين، فالأولى الصفح عن هذا الكلام وانما اندفعت في هذا المقام لما رأيت الأفك الصريح منسوباً الى شيخنا الامام (رحمه الله) وقلت في نفسي لو لم اتعرض واتصدع بالتصريح بكذب هذا المقال لعله ربما يشتبه الأمر على الجيل الآتي مع لفت نظري الى ان عقائد شيخنا الامام (رحمه الله) اعتقاداته الدينية ومعارفه الالهية مما لا يخفى على الانام على مرّ القرون والأعوام مع انتشار مؤلفاته في انحاء البسيطة فان مثله لا يقول بالسفاسف ولا تدنس ساحة قدسه بهذه القذائف والفواحش انما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله واولئك هم الكاذبون.

صنفان من العلماء

جادت براعة العلامة الكبير الشيخ محمد جواد مغنية ــ نزيل بيروت بكتابة مقالة ونشرها في المجلد 47 من مجلة (العرفان) الأغر التي تصدر في صيدا ــ لبنان، لصاحبها العلامة المجاهد الشيخ عارف الزين ج10 ص938.

وجاء في ذلك المقال ما هذا لفظه: (وليس من شك اننا في حاجة ماسة الى نوعين او صنفين من العلماء، احدهما للتفقة في الدين: وبث الشريعة حلالها وحرامها على اهل المذهب وثانيهما لأظهار عظمة المذهب واعلان حقيقته على الأجانب والأقارب، ودفع الافتراءات والشبهات عنه، ولدينا من الصنف الاول القدر الكافي وزيادة والحمد لله.

لقد توفي السيد ابو الحسن الاصفهاني فخلفه من السادة الكبار اكثر من العدد المطلوب، اما الثاني فأندر من الكبريت الأحمر…

توفي الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، والسيد محسن الأمين، والسيد عبد الحسين شرف الدين، فاحدثت وفاة كل منهم ثلمة في الدين ما زالت تنتظر من يملؤها.

التقى هؤلاء الاقطاب بالعالم، لا بالمقلدين والأتباع فحسب، ونقلت عنهم فئات شتى في الشرق والغرب، وعرف بهم البعيد ان في الشيعة معجزات من العبقرية وان مذهب التشيع يقوم على اقوى وامتن اساس.

وبالاختصار المفيد ان ما طلب لم يعرض، وما عرض اكثر من المطلوب، ان لدينا الكثير من الاصحاب الذين يعرفون الفرائض والسنن، اما الذين تباهل بهم، كما باهل النبي (ص) بأهل بيته (عليهم السلام) فأين هم بعد كاشف الغطاء والأمين وشرف الدين؟‍‍‍!…

وقد يسمح الغد، وما ذاك على الله بعزيز. (ان شاء الله )

وليسمح لي الاستاذ الكبير ان اقول ان امثال كاشف الغطاء وشرف الدين والامين والبلاغي يندر في القرون فانهم في عصرهم كالشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي والعلامة الحلي (رحمه الله) واضرابهم من النوابغ واعلام الدين الشاهقة في زمانهم وكانوا اشبه بسلفنا الصالح من علماء الدين في الاحاطة بانواع العلوم الاسلامية وفي الذب عن الدين من كل الضواحي نظائرهم على مرّ القرون؟ ومتى كثر امثالهم في الادوار؟ بل هم اندر من الكبريت الاحمر كما صدع به الأستاذ.

نعم اننا في هذا العصر في امسّ الحاجة الى امثالهم اكثر من الزمن السالف ولا يكفي في زماننا الاكتفاء بالفقه واصوله في الذب عن الدين والدفاع عنه وقلع اساس الأباطيل والأضاليل وقمع جرثومة الزندقة والالحاد، وبيان حقائق المذهب على الأقارب والاجانب ودفع الافائك والافتراءات ودحض الشبهات ورفع الاشكالات، وقد كنت طالباً للعلم الديني في حوزة (قم) قبل مهاجرتي الى جامعة النجف وكنت كلما اشكل لي مسألة علمية او غيرها كتبتها الى شيخنا الامام (رحمه الله) وهو في النجف الأشرف فكان يأتي الجواب بأسرع الأوقات فأين مثله؟ ولم غاب نجمه؟ ومتى يأتي نظيره؟.

هيهات ان يأتي الزمان بمثله

ان الزمان بمثله لضنين
 

ولعل الله يحدث بعد ذلك امراً.

الاطراء عليه

ترجم شيخنا الامام (رحمه الله) جمع كثير من المؤلفين في كتبهم ــ العربية والفارسية ــ وكل من ترجم له أثنى عليه بكل جميل واطرأه بحسب فكره وعقله السليم ولا نطيل الكلام بذكر تلك المصادر وأساميها واسامي مؤلفيها فان الباحث المتتبع يقف عليها.

ويعلم كل احد انّ شيخنا الامام (رحمه الله) في غنى من اطراء الواصفين ثناء المادحين، نعم نكتفي هنا نزراً يسيراً مما ذكروه وشطراً قليلاً مما سطروه ونذكر نص كلماتهم في حقّه رضوان الله عليه فعليك ايها القارئ العزيز مما اخترناه من تلك الكلمات.

(الأولى) كلمة شيخنا البحّاثة الأكبر المحقق الطهراني دام ظله في طبقات اعلام الشيعة ج1 ص612 ــ 619 فقد ترجم الشيخ (رحمه الله) ترجمة طيبة جاءت خلاصة لحياته نذكر شطراً مما ذكره هنا بعين الفاظه قال دام ظله: وبعد عودته من القدس عرفت شخصيته في البلاد الاسلامية وغيرها بشكل خاص، واخذ البريد يحمل اليه كتباً من الأقطار البعيدة والقريبة تشتمل على مسائل غامضة ومطالب عويصة في الفلسفة واسرار التشريع، كل ذلك بالاضافة الى الاستفتاءات الفقهية من الفروع والأصول فكان يقوم بذلك بمفرده ولم تشغله هذه الامور ولا مرجعيته ولا تدريسه عن التأليف في المواضيع المهمة اللازمة في بناء صرح الاسلام وهيكله المقدّس.

وقد سمت مداركه ونفذ فكره الى اعماق الحقائق واسرار العلوم والفضائل، حتى تجلّى ذلك في نفحات الفاظه ورشحات اقلامه.

اما هو في خصوص الخطب والأدب والبلاغة والفصاحة فسحبان وائل حيث توسع في ذلك وضرب بسهم وافرمنه ولا اغالي اذا قلت انه اخطب خطباء الشيعة. وقد سجّل الكثير من خطبه في مختلف المواضيع وشتى المناسبات واذيع على امواج الأثير فقرع سمع القاصي والداني، ودان له القريب والبعيد ونشر قسم منه في المجلاّت والجرائد. اما غيرته على الاسلام واهتمامه للألفة وسعيه لأتفاق الكلمة فحدث عنه ولا حرج فقد بذل في ذلك طارفه وتلاده، وسخى بمهجته في الله سالكاً اوعر السبل واشق المناهج، ولم يترك طريقاً مؤدية الى ذلك الاّ سلكها ولا باباً الاً طرقه وله مواقف مشهودة اعترف له بها المخالف والمؤالف والعدو والصديق.

والحقيقة انه من مجتهدي الشيعة الذين غاصوا بحار علوم اهل البيت (عليهم السلام) فاستخرجوا من تلك المكامن والمعادن جواهر المعاني ودراري الكلم فنشروها بين الجمهور، وقد أدى رسالة جليلة قلّ من حصل له التوفيق فأدى مثلها حيث كان مطلعاً على التراث الروحي يختار منه ما يتفق مع القرآن والسنة، ويتناسب مع عقلية الزمن وحاجة العصر.

(الكلمة الثانية) عن العلامة الشيخ جواد الشبيبي (رحمه الله) ذكرها في آخر كتاب (الدعوة الاسلامية) الجزء الاول طبع بغداد سنة (1328)هـ من ص(217) الى ص(223) قال هذا لفظه:

واما صاحب الترجمة فحدّث عن البحر ولا حرج فهو وان كانت قضية عمره ما تعدّاها الى اضعافها صغرى آية في العلم والفضائل كبرى، ومعجزة يعجز الفكر ان يحيط بها خبراً، ركب جادة الجدّ قبل ان يقبل عارضه وخاض لجّة الفضل، قبل ان يشتد ساعده فادرك ما املته فيه مدارك العقول واصبح والمعقول عنه منقول، والمنقول يحمي افادته معقول، وحمى الحقيقة وما لسنّه وراء الثلثين من العمر مجاز، وجاء بمصنفاته وهي لو اردنا بيان معانيها دلائل اعجاز ومناهل ورادّ، ورياض روّاد، فمنها هذه الدعوة البالغة بل الشمس البازغة بل الصواعق التي هي للباطل دامغة التي جمع فيها بين العقائد والأخلاق والحكم والآداب والفصاحة المعجبة والبلاغة المغربة ودقائق الفلسفة العقلانية وحقائق الحكمة الايمانية وتشهد الخبرة والعبرة والانصاف والتدبر انه ما سمح الزمان بمثاله ولا نسج احد على منواله ولا وصف الاسلام واصف كوصفه ولا احتج له كاحتجاجه يشهد لك بذلك الجزء الثاني منه المتكفل بتلك الخطة، المقصور على تلك العناية، ونحن نستحث كلّ من يمتّ الى الاسلام ولو باضعف عرق واوهن رمق على نشره وترويجه وادمان النظر فيه غيره لهذا الدين الاغر ودفعاً لما يتهدده من شرر اولى الشرّ بعواصم تستنزل العصم وعزائم تسمع الصم البكم ومصابيح تزهر بالهداية في ظلمات هذا العالم فتبسط انوار التوحيد على شرعة النبوّة وتنصب ميزان العدل مستقيماً للمعاد متوازن الكفة وتكشف عن استار ورائها اسرار الامامة مكنونة ونفائس الشرع مستورة، فأصبح مجد المصنف ان العصر الحالي فليفتخر على العصر الخالي والقرون الأولى بمالئ السمع والبصر من هذا العلم المنشورة على النوع الانساني ذؤابة علمه المسرجة لفتح حصون المعقولات، كتيبة المسومة التي لا تسام رداً عن غاية ولا احجاماً عن مضمار او رصماً بعثار، فهكذا هكذا والاّ فلا يشرع عامل قلمه في معترك المقال متكلم ولا يسبح في تيّار هذه اللجة متبحر كيف وخائض غمراتها محمد النعت الحسين الحجى:

بعلم فصّلته يد المعالي

 

عليه واحكمته له لبوسا

 

فجاز مجاري القمرين مجداً

 

بجعفر جدّه وابيه موسى

 

على انّ نفسه العصامية لا ترى ذلك سبب تقدم وعلّة رقيّ ما لم يستند الى علوّ همته وشرف نفسه (فما كان سوى ان اتعب نفسه فاراحها) ..الخ.

(الكلمة الثالثة) عن مجلة (المواهب) لصاحبها الفاضل الصارمي ذكرها بعد وصول نعي شيخنا الامام (رحمه الله) الى الأرجنتين ــ امريكا الجنوبية ــ وقال ما هذا لفظه:

فاجعة الأمة

بفقيد العرب والاسلام المصلح الكبير الامام المغفور له الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء.

ان اشر الخطب فلا روعة
 

وحسبنا الله ونعم الوكيل
 

إنا الى الله وإنا له
 

او عظم الأمر فصبر جميل
 

(الشريف الرضي)

أجل لقد اشر الخطب، وعظم الأمر، ودهى المصاب، وفجعت الأمة العربية بمصلحها الكبير، وعلاّماتها الجليل آية الله الحجة الامام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، فانّا لله وانّا اليه راجعون.

فجعت به ــ رضوان الله عليه ــ وهي احوج ما تكون الى منهل علمه ومورد هديه، وبثّ تعاليمه الروحية والوطنية والاخلاقية، فكانت فاجعة العروبة والاسلام بآية الله آل كاشف الغطاء فادحة. وكانت الداهية به دهياء!!.

لعمري، لقد يموت رجل السياسة المحنك؛ والاقتصادي الخبير، والصناعي الشهير، ويموت المخترع والمهندس والمفن وبطل الحرب وقائد الكتيبة المقدام، يموت كل هؤلاء وغيرهم فلا تبخل التربة، ولا تعقم البطون، فتعدم الامة وجود اضرابهم بين ظهرانيّها يشغلون الفراغ ويسدّون المسدّ.

ولكن من يموت فيعزّ نظيره ويندر وجوده فلا تكاد تقع الامة له على ندّ، ولا تكاد ترى له بين ظهرانيّها مثيلاً ولا عديلاً فهو في زمننا هذا ــ زمن المادة الصماء، زمن الشر والفساد والحديد والنار والدينار ــ رجل الخير والاحسان والانسانية الكاملة، رجل الصلاح والسماح، هو الفقيه بدينه، العارف بربه، الخبير بأحكام السنن النبوية والشرائع الالهية، هو المؤمن الموقن، التقيّ الورع، الناصح الأمين، المجاهد في الله والناس والنفس، هم من كان مشتملاً على هذه الخلال الطيّبة والصفات الحميدة كشيخنا آل كاشف الغطاء ــ عطّر الله ثراه ــ لا تأخذه في جهاده في سبيل الحق لومة لائم ولا فرية كاشح واصم.

اجل، رزئت الأمة ــ للأسف البالغ ــ بمنار هداها وعلم اعلامها كاشف الغطاء، فقدت به المصلح العربي الكبير، والعالم المجاهد النحرير، كما فقدت به الكاتب اللوذعي والاديب الضليع والخطيب الملهم العبقري ذلكم العلامة الامام الذي طبقت مآثره وغمرت فضائله وعمّ نائله، فكان قرة عين الزمان والمكان والسكان، والذي ما عرف سحابة عمره الطويل غير منهج الصدق في القول والعمل منهجاً، ولا ولج غير باب الحقّ مولجاً واحر به، قدّس الله سره ومكّن في ملكوته، ان كان كذلك، وهو من اصلب خلق الله عقيدة ومن امتنهم خلقاً، واسدّهم رأياً، واشدّهم حرباً ونقمة على اهل الظلم والعدوان والمعصية والكفران وكيف؟ وهو الذي انبته الله نباتاً حسناً فأخذ نفسه منذ نشأتها بالصقل والتهذيب وتعهدها بالترتيب والتدريب، حتى اصبحت مرآة تتجلى على صفحتها النقيّة المعارف والعلوم؛ علوم آل بيت الرسول (ص) ائمة الهدى.

ومنائر الرشد ومصادر الحقّ والخير والجمال، وحتى اصبحت تشرق على جنباتها اشعة سناهم واسرار علاهم، ولا غرو فشيخنا الراحل سقى الله مثواه ان هو الاّ ثمرة طيّبة من ثمار علوم مواليه ونفحة شذيّة من نفحات ائمته الطاهرين المطهّرين الذي ما ورد غير مورود هم العذب، ولا صدر الاّ ونفسه الزكيّة ريّا من فيوضات حكمتهم وبحار علمهم وسحائب جودهم وفضلهم.

وهذه هي تآليفه الغزيرة المادة الكثيرة التعداد الطافحة بالجهاد والسداد والرشاد تنطق بكبير فضله وجزيل فضله وجزيل برّه في سبيل الأدب والعرب ها هي ذي تتجلّى للأبصار والبصائر بتصانيفه القيّمة البارعة (الهدى الى دين المصطفى)[36] ، (الدين والاسلام)، (والمراجعات الريحانية)، (الميثاق العربي الوطني)، (الفردوس الاعلى)، (المحاورة)، (المثل العليا في الاسلام لا في بحمدون) وغيرها...التي لا يسعنا عدّها لعدم اطلاعنا عليها وجهلنا معرفة اسمائها.

وتلك هي مدرسته بالنجف الأشرف التي شادها بهمته وشملها برعايته وقام عليها طوال حياته وعلى طلابها الذين يتعلمون ضمن جدرانها مجّاناً لوجه الله والانسانية، عملاً بقوله تعالى: [إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا] اولئك الطلاّب الذين يعدّون بالالوف الكثيرة، والذين يؤمّون وردها النمير من اقاصي البلدان كأكبر جامعة في الشرق العربي تمنح الشهادات العليا في شتى مناحي العلوم العربية والفنون العصرية ولا سيّما في فقه موالينا آل البيت (عليهم السلام)، فقه القرآن الشريف والشريعة الاسلامية الغراء.

تلك المدرسة العالية التي هو نفسه  يصف جهودها في رسالته الينا بعض الشيء، هذه الرسالة الكريمة التي تشرّفنا باستلامها في الثاني من محرم الحرام الحالي في حين ان وصولها لدينا كان منتظراً في يوم عيد رمضان المبارك الفائت، كما سيعلم قارؤها ولكنّه البريد والتي ترانا نتشرف بنشرها عقيب هذه السطور. لا لما يتخللها من مدح خطة (المواهب) والثناء عليها، هذا الثناء الجميل البليغ الذي لا تستحق بعضه بله كله وان كانت استحقت عطف الامام الفقيد وتشجيعه وتطوّله بل تتشرف بنشرها كأثر شريف وكذكرى تاريخية خالدة، اذ ربما كانت آخر ما خطت انامله الطاهرة من الرسائل، كما انّ كتابه (المثل العليا في الاسلام لا في بحمدون) ربما كان آخر ما جرى به قلمه الشريف من التأليف، ونرّجح هذا الظن بما نتبيّنه من تاريخ الكتاب وارساله الينا في البريد العادي لدن الفراغ من طبعه، ومن تأريخ الرسالة الذي هو في السادس والعشرين من رمضان أي قبيل التحاقه بالرفيق الاعلى ــ اكرم الله مثواه ــ ببضعة عشر يوماً.

نعم؛ وليطّلع القراء بهذه الرسالة على مقدار جهودها هذا الفقيد العظيم في سبيل نشر العلم وتوزيع الثقافة العربية على الناس ومقدار خدماته الجليّ وتضحياته الضخمة في سبيل طلاّب معهده الغرباء المعوزين الذين كان يحدب عليهم ويتوجع لهم ويتمنى على كل ذي عاطفة رقيقة وشعور نبيل حساس ان ينفق عليهم ويبرّ في سبيلهم. رحم الله آل كاشف الغطاء عداد حسناته ومبرّاته وهباته وعداد جهوده العليا في نصرة امته ووطنه الذين كان لهما خير نصير وخير معوان فلقد كان والله فرداً في امته وامة في فرد.

واحسن الله عزاء الال والصحب والدين والدنيا بهذا المصاب الفادح الجلل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

يوسف صارمي

رسالة كريمة

رسالة كريمة من الأب الروحي فقيد العرب والاسلام الحجة الامام آية الله المغفور له الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، الى ولده في الروح يوسف صارمي صاحب مجلة المواهب:

بسمه تعالى شأنه وله الحمد

عزيز مصر الفضيلة ويوسف عصر الأخلاق النبيلة، الصحافي الحرّ مشعل الغيرة في دنيا العروبة صارم الحق ولسان الصدق الاستاذ صارمي ادام الله مواهبه واعزّ جانبه.

وردني كتابك الأغرّ، ورقيمك البديع في طيّ عدد مواهبك الغراء التي لا تعد غرر اياديها، ولا تحصي لوامع لئاليها فحمدناه تعالى على سلامة الانامل التي تنظم تلك العقود وتبذل هاتيك الجهود في نثر تلك الدرر البوارق على صفحات المهارق وتجود بها مواهب تهذيب للبعيد والقريب.

ولا ازال شاكراً تلك العواطف الطافحة بالعوارف والمعارف وهديّتكم الثمينة لنا ولعموم المنتهلين من مكتبتنا العامة في النجف الأشرف ادام الله هداياكم وهداكم وزاد مجدكم وعلاكم.

ذكرتم وصول نسخة من الفردوس الطبعة الثانية وقد عرّفنا سماحة السيد القاضي انه ارسل اليكم نسخة من تبريز هدّية لكم ايضاً فاذا وصلت تحتفظون بواحدة في مكتبتكم العامرة وتهدون الثانية لمن تحبّون من اخوانكم او لأحدى الجمعيات المباركة في بلادكم[37] وسوف نرسل ما أشرتم اليه عشرين عدداً منه في البريد العادي تدريجاً الاثنين او الثلاثة ضمن دفعات ان شاء الله[38] وطلبتم ان نعرفكم عن الثمن فليعلم عزيزي اعزه الله ان القضية ليست قضية بيع وشراء بل هو منّا اهداء ومن اخواننا في المهجر تفضّل وسخاء واحسان ومعروف وتعاون على البرّ، وثقوا جميعا اني لا اتناول لنفسي فلساً واحداً[39] لأني بفضله تعالى في غنى عن ذلك، وكلما تجود به انفسهم الكريمة من الاحسان حسب الامكان في هذا السبيل يوزع قوتاً لأبناء السبيل اعني بهم طلبة العلم الغرباء في مدرستنا بالنجف الأشرف الذين لا يجدون للمؤنة وحفظ الرمق حيلة ولا يهتدون سبيلا، ولو رأيتهم ليلة البارحة ليلة 25 من شهر رمضان المصادف ليلة الجمعة وقد صنعنا لهم وليمة افطار عشاء وهم اكثر من تسعين وفي حدود المائة، ولو رأيتهم ساعة الاكل لرثيت لحالهم ولأبصرت مشهداً عجباً، لأبصرت كيف يتهاوى الجياع على القصاع.

ولا غرو فقد يمرّ الشهر عليهم او اكثر ولا يذوقون مضغة لحم ولا يقوتهم الاّ الخبز مع التمر الجاف او لبن المخيض، فأي برّ افضل من البرّ بهؤلاء المهاجرين[40] من اقاصي البلاد لطلب العلم من اعالي تيبت والصين وافغان وغيرها فضلاً عن ايران وهند وباكستان، وبعضهم يأتي من مسافة شهرين من بلاده هؤلاء يحملون معالم الشريعة الغراء الى تلك الأقطار النائية واللغات الغريبة ويكون لهم بهذه المساعي اعظم الاجر، والساعي في الخير كفاعله طبعاً بل شرعاً، واني اشكركم عن نفسي وعن السيد الطباطبائي وسوف ابلغه عواطفكم الكريمة بنقل كلماتكم اليه حرفياً.

وقد ارسلنا اليكم بالبريد العادي رسالة (المثل العليا في الاسلام لا في بحمدون) عرّفونا وصولها، وربما يصادف ورود رسالتنا هذه في اسبوع عيد الفطر اعاده الله عليكم وعلى جميع اخواننا المسلمين ولا سيّما اخواننا في المهجر بالسلامة والعافية والخير والبركة ان شاء الله.

والله يحفظكم ويرعاكم بعنايته وبدعاء الأب الروحي

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

من مدرستنا بالنجف الأشرف 26 رمضان 1373هـ

انظر مجلة (المواهب) عدد 3 و 4 السنة العاشرة ــ ذو القعدة وذو الحجة سنة (1373)هـ الصادرة في (بوينس آيرس) من الارجنتين[41] اميركا الجنوبية.

هذا آخر ما وفقنا الله تعالى عليه واتاح لنا من كتابة تاريخ حياة شيخنا الامام (رحمه الله) على حسب ما سنحت الظروف ووسعت الفرصة.

وراجعنا في تأريخ ترجمته الى طبقات اعلام الشيعة، ومجلة (العرفان) الغراء المجلد (42) العدد الخاص بالعراق ــ وشعراء الغري ــ المجلد 8 ومقدمة الفردوس الأعلى، وكلمة المرحوم الشبيبي في آخر الدعوة الاسلامية وغيرها.

وبعد ذلك نشرع لنقل المقدمة التي كتبها بقلمه الشريف لكتابه (جنة المأوى) وبعدها نشرع لنقل المواد والمطالب التي نالتها ايدينا منها مما تيّسر لنا جمعها من المواد التي كان قصده نقلها وتاليفها في ذلك الأثر الخالد. ان شاء الله تعالى والله الموفق.

محمد علي القاضي الطباطبائي


[1] كالسيد الزعيم ومن القت اليه الرياسة زمامها والزعامة مقاليدها المرجع الاعلى للشيعة سيدنا الطباطبائي البروجردي دام ظله الوارف والسيد الزعيم بطل العلم والفقاهة المرجع الاعلى للشيعة سيدنا الحجة التبريزي الكوهكمري الجامع بين التتبع والتحقيق في انواع العلوم الاسلامية والسيد الزعيم والمرجع الشهير والمجتهد الكبير سيدنا صدر الدين الصدر الاصفهاني (قدس سره) وغيرهما.

[2] كالسيد الزعيم ومن القت اليه المرجعية زمامها والرياسة مقاليدها فقيه العصر المرجع الاعلى للشيعة سيدنا الطباطبائي الحكيم دام ظله الوارف والحكيم الفقيه والفيلسوف الجامع بين المعقول والمنقول آية الله الشيخ عبد الحسين الرشتي النجفي قدس الله روحه والعلامة الفقيه والمجتهد المتبحر الشهير الشيخ ميرزه باقر الزنجاني النجفي والسيد العلامة الفقيه الحكيم المتبحر المجتهد الشهير السيد ميرزه حسن البجنوردي الخراساني دام ظلهما وغيرهم.

[3] وفي زمن تأليفه كتاب الفردوس الاعلى كنت اتشرف بحضوره في بعض الليالي في بيته الشريف الواقع في محلة العمارة من محلات النجف الاشرف ايضاً.

[4] يعني يوم (27) شهر رمضان المبارك سنة (1273)هـ.

[5] استاد بزركوارم سر افرازي براي بنده است كه در اثر زحمات وتعليمات مثل شما نابغة اسلامي تا اين اندازه سر افرازه قرموديد كه بر كتاب نفيس آن يكانه مرد عظيم الشان مقدمه بنويسم ومفتخر باشم.

[6] وهو حي الى الأبد يرزق، [ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل احياء عند ربهم يرزقون] سورة آل عمران آية: 169، وله الحياة الثانية في هذه النشأة الفانية ايضاً لبقاء آثاره ومآثره وذكرى خدماته الأسلامية التي لا تنسى على مر القرون اصلاً.

[7] قال المستشرق الانكليزي (ادوارد برون) في تاريخ ادبيات ايران ما هذا تعريبه تقريباً: (توطن العلماء والمجتهدين في النجف خارج المملكة الأيرانية زاد على مصونيتهم كثيراً وكسرهم او تضعيفهم كان محط نظر وآمال كثير من سلاطين ايران قبل الدولة الصفوية وبعدها ولم يصلوا الى النتيجة المطلوبة الا قليلاً (انظر تاريخ ادبيات ايران ترجمة رشيد ياسمي ص263 ط2 طهران) والقارئ الفطن يفهم من كلامه ان سر توطن الفقهاء والمراجع في تلك الجامعة هو مصونيتهم في اكثر الأمور والحوادث.

[8] انظر القصيدة وترجمة ناظمها في الكنى والالقاب للمحدث القمي (رحمه الله) ج1 ص264 ط صيدا ومراده من (اهل السلام) في البيت اهل وادي السلام وهم الأموات في مقبرة النجف الكبرى التي تعد اول مقبرة اسلامية ومراده من اهل العلم والشرف الذين عناهم الشاعر ابن الحجاج هم العلماء المجاورون لقبر الأمام "عليه السلام" وتوفي ابن الحجاج (27 جمادي الثاني سنة 391هـ) أي قبل ورود الشيخ الطوسي شيخ الطائفة (رحمه الله) الى النجف بـ(57) سنة فأن الشيخ ورد اليها سنة (448)هـ.

وفي خلال كتابتي لهذه المقدمة سافر الى ايران اخي وابن استاذي وشريكي في الدروس العلامة الخبير الحجة الشيخ محمد الرشتي نجل آية الله المغفور له استاذنا الشيخ عبد الحسين الرشتي النجفي (رحمه الله) وكنت قد دعوته ان يشرّف (تبريز)لنجدد بزيارة عهدنا الماضي، وقد لبّى طلبي وجاء الى تبريز في 13 ــ 2ــ 1380هـ ونزل عندي ورآني مشغولاً بكتابة هذه المقدمة فارشدني ــ كما ارشد من قبل الشيخ جعفر المحبوبة صاحب ماضي النجف وحاضرها ــ الى بعض النصوص الدالة على ان النجف كانت مأوى الفقهاء والمحدثين قبل ولادة الشيخ الطوسي (رحمه الله).

منها ما ذكره السيد ابن طاووس (رحمه الله) باسناده في فرحة الغري ص114 ط النجف في كيفية زيارة عضد الدولة البويهي الديلمي (رحمه الله) لمرقد الامام امير المؤمنين "عليه السلام" في سنة (271)هـ وفرق الاموال الطائلة على جميع اهل النجف والمترددين اليها، وخص لكل صنف منهم مبلغاً، وعين للفقهاء القاطنين ايضاً مبلغاً جسيماً: (وعلى الفقراء والفقهاء ثلاثة آلاف درهم).

ويظهر ايضاً لمن سبر اسناد كتاب فرحة الغري ان بعضهم كانوا من المجاورين لمرقد الامام "عليه السلام" قبل مجيء الشيخ الى النجف كما في ص61: (عن المفيد عن محمد بن احمد بن داود عن ابي الحسين احمد بن محمد الرازي المجاور). وفي ص113: (انه وجد بخط الشيخ ابي عبد الله محمد بن السري المعروف بابن البرسي المجاور بمشهد الغري). ويروى عن ابي عبد الله هذا ابو عبد الله محمد بن احمد بن شهريار الخازن في سنة (462)هـ كما في بشارة المصطفى ص7 ط النجف ويظهر ان ابا عبد الله محمد بن احمد بن شهريار القمي الخازن للروضة المقدسة العلوية كان من المجاورين لمرقد الامام ("رحمه الله") قبل مجيء الشيخ (رحمه الله) للنجف وسبب اختيار الشيخ (رحمه الله) النجف دون غيرها من البلدان هو وجود الحوزة العلمية فيها فانتقل اليها وزوج بنتها من ابي عبد الله الخمري الشيخ الصالح في مشهد مولانا امير المؤمنين ("رحمه الله") سنة (400)هـ عنه) واسم هذا: الحسين بن جعفر بن محمد المخزومي الخراز المعروف بابن الخمري. =

=انظر ترجمة عبد الله بن ابراهيم من كتاب النجاشي ص155، وما ذهب اليه بعض الاخباريين من المعاصرين ان مؤسس الجامعة النجفية هو الامام الاكبر الشيخ المفيد (رحمه الله) المتوفي (413)هـ فهو غلط فاحش لا مستند له ولا دليل عليه ويكذبه التاريخ الصحيح وما تجاسر به على الشيخ المفيد (رحمه الله) ببعض التعبيرات الركيكة وارتضائه طريقة الشيخ الصدوق (رحمه الله) من افحش الاغلاط التي لا يعبأ بها اصلاً.

[9] انظر (ديوان السيد موسى الطالقاني) ص260 ط النجف سنة (1376)هـ.

[10] الجزء الاول من كتاب (الدعوة الاسلامية الى مذهب الامامية) مطبوع في بغداد بمطبعة دار السلام سنة: (1328)هـ في (224) صفحة بورق جيد يقرب من قطع (الدين والاسلام) بل اصغر منه بقليل ونسخة نادرة الوجود منه موجودة في مكتبة شيخنا الامام (رحمه الله) وادخلت فيها بعد وفاته وهي من بقايا النسخ التي كان (رحمه الله) مشغولاً بطبع الجزء الثاني من ذلك الكتاب واذا بالسلطة الغاشمة تهاجمه بامر الوالي (ناظم باشا) وبايعاز المفتي (الشيخ سعيد الزهاوي) كما ذكره في مقدمة الفردوس الاعلى وطالعت الجزء الاول في سنة (1376)هـ في النجف الاشرف.

[11] توفي العلامة الفقيه ميرزا محمد تقي القاضي سنة (1222)هـ وولده العالم الرباني الحاج ميرزا مهدي القاضي في سنة (1241)هـ انظر ترجمتهما تفصيلاً في كتاب (خاندان عبد الوهاب) المخطوط ــ ورياض الجنة للزنوزي (رحمه الله) ــ المخطوط ــ ومقدمة تنقيح الاصول ص11 ط النجف وطبقات اعلام الشيعة ج2 ص228 وفيها في ترجمة جدنا بعض الاشتباهات وكتاب (هدية لآل عبا في نسب آل طباطبا) المخصوص بانساب اسرتنا والمطبوع سنة (1331)هـ ش بمطبعة مجلس بطهران انظر ص35 ــ 70 وهو تأليف السيد حسين علي نقيب زاده ولكن في كتابه بعض اشتباهات مهمة. وكتاب (الوحيد البهبهاني) للمعاصر الدواني حفظه الله ص299ط قم وفيه ايضاً بعض اشتباهات في ترجمة جدنا نبهنا على بعضها في تعليقاتنا على الانوار النعمانية للسيد الجزائري (رحمه الله) ج2 ص35 ط تبريز سنة (1379)هـ وتاريخ تبريز لنادر ميرزا الفاجاري المطبوع وغيرها وللسيد ميرزا مهدي القاضي اجازة عن الميرزا القاجاري المطبوع وغيرها وللسيد ميرزا مهدي القاضي اجازة عن الميرزا الشهرستاني (رحمه الله) نقلها العلامة الاميني دام بقاؤه في شهداء الفضيلة ص278 واشار اليها المحدث القمي (رحمه الله) في الكنى والالقاب ج3 ص165 ط صيدا.

[12] كان الباعث في ايران على المشروطية والراغب فيها هو الانكليز وكان المخالف لها والمانع عنها هو الـ(روس) وكانت الامة الايرانية واقعة بين السياستين بل كالميت بين يدي غسالتين ونحن وان لم ندرك تلك الفتنة الخبيثة والواقعة الفجيعة ولكن الآن نرى ان نتائج المشروطية باي معنى ارادوها صارت على نقيض من دين الاسلام المقدّس.

[13] صرح (قدس سره) بروايته عنهم في اجازته التي كتبها لي بخطه الشريف في سنة: (1370)هـ.

[14] اشار الشيخ الامام المترجم له نفسه الى هذه المناظرة في أثره الخالد (اصل الشيعة واصولها) وقال: ومن الغريب الاتفاق ان (احمد امين) في العام الماضي (1349)هـ بعد انتشار كتابه ووقوف عدة من علماء النجف عليه ــ زار (مدينة العلم) وحظى بالتشرف باعتاب (باب تلك المدينة) في الوفد المصري المؤلف من  زهاء ثلاثين بين مدرّس وتلميذ وزارنا بجماعته ومكثوا هزيعاً من ليلة من ليالي شهر رمضان في نادينا في محفل حاشد فعاتبناه على تلك الهفوات عتاباً خفيفاً وصفحنا عنه صفحاً جميلاً واردنا ان نمر عليه كراماً ونقول له سلاماً وكان اقصى ما عنده من الاعتذار عدم الاطلاع وقلة المصادر فقلنا: وهذا ايضاً غير سديد الخ، انظر اصل الشيعة ص65 ط بيروت.

[15] سورة 6 آية: 154.

[16] سورة 6 آية: 153.

[17] سورة 17 آية: 35.

[18] سورة 4 آية: 47.

[19] سورة 2 آية: 24.

[20] سورة 9 آية: 29.

[21] سورة 90 آية: 11.

[22] سورة 76 آية: 4.

[23] وقد شرحنا هذه القاعدة في مقال ضاف نشره الشيخ العارف الزين في مجلة: (العرفان) انظر المجلد 42 ج3 ص320.

[24] كتبنا مقالاً اضافياً مفصلاً حول الاجتهاد في الشريعة وتاريخ حصر الاجتهاد عند اهل السنة في المذاهب الاربعة وسد باب الاجتهاد عندهم نشره شيخنا العارف الزين في مجلة: (العرفان) انظر المجلد 37 ج10 ص1146 وذل المقال رسالة وجيزة في هذا الموضوع ولنا ايضاً مقال حول الاجتهاد نشرته رسالة الاسلام الصادرة من دار التقريب بين المذاهب الاسلامية بالقاهرة عدد ــ 4 ص428 من سنتها الثانية سنة (1369)هـ.

[25] سورة 55 آية: 40.

[26] سورة 37 آية: 25.

[27] انظر الى كتابه (سؤال وجواب) العربي ص346 ج1 الطبعة الثالثة سنة (1370)هـ.

[28] قال بعض الاعلام انه ذكر هذا المقال الشيخ الفقيه الكبير الشيخ علي نجل الشيخ الأكبر كاشف الغطاء (رحمه الله) في حق الشيخ الاعظم الانصاري (رحمه الله) وورد في الحديث: ان كل شيء من اشياء الدنيا سماعه اعظم من عيانه وكل شيء من اشياء الآخرة عيانه اعظم من سماعه.

[29] وقد اثنى على هذه المكتبة المجتهد الاكبر الشيخ العلامة المامقاني (رحمه الله) فيما كتبه بخطه الشريف في ظهر كتابه النفيس تنقيح المقال فراجع.

[30] كما ذهل عن خاطره الشريف ان ينسب ما نقله عن كتاب طب الامام الصادق الى مؤلفه العلامة الميرزا محمد الخليلي انظر الجواهر الروحية ص276 و277 وطب الامام الصادق ص13 وص 14. الجواهر ص278 طب الصادق =ص15و17 والجواهر ص279 و ص280 وطب الصادق ص17 ــ 18 والجواهر ص280 الى ص281 والطب الصادق ص18 و19 والجواهر ص282 وص283 والطب الصادق ص19 ــ 20 كما وقد نسى ان ينسب مقدمة طب الرضا التي كتبها العلاّمة السيد مرتضى العسكري الى كاتبه انظر الجواهر الروحية ص284 الى 287 انظر ما كتبه العلامة العسكري في مقدمة طب الرضا.

[31] فأن عمال السياسة الظالمة عرفوا منذ زمن بعيد جرأته في الامور وشجاعته في المعارك واستعداده في اخماد نار الفتن وايجاد الهياج ومكانته الشعبية وغيرته الدينية والوطنية وهو قادر على النهضة الاصلاحية مع كونه شديداً على الظالمين والمتغلبين عاتياً جريئاً عليهم ولم يكن له ند في العتاب على الملوك والرؤساء فلا ينسى اليوم الذي جاء (قبل وفاة الشيخ (رحمه الله) بسنتين تقريباً) المرحوم فيصل الثاني (رحمه الله) مع وزرائه الى النجف وزار قبر جده ومن لقائه مع الشيخ (رحمه الله) في الحضرة العلوية المقدسة بعد التماس شديد من الحكومة عنه لملاقاة الملك وكان الشيخ (رحمه الله) مشغولاً لأداء صلاة نافلة في رواق الحضرة الشريفة والملك مع اتباعه ووزرائه ومنهم نوري السعيد منتظرون للقائه بعد فراغه من الصلاة والشيخ (رحمه الله) دخل الحرم الشريف بعد الفراغ عن الصلاة ولم يتوجه اليهم بل سلم على امير المؤمنين "عليه السلام" وزار قبره الشريف وجاء حتى وقف عند الضريح المقدّس تجاه وجهه "عليه السلام" فسلم الملك واتباعه على الشيخ (رحمه الله) وابتدر الملك وقبّل يد الشيخ (رحمه الله) ثم وزرائه بعده قبّلوا يده ولم يجلس الشيخ (رحمه الله) الى الارض واستمر قائماً متكئاً على عصاه فشرع للتكلم باللسان الفصيح وعاتبهم ووبخهم بلحن شديد وقال للملك امن العدل ان ينتشر في عاصمتك جريدة منحوسة مستأجرة بأسم (السجل) وتتجاسر على جدتك الزهراء البتول (I) بالقول الشائن والكلام المقذع؟ =وان تكتب في حق الشيعة وعلمائهم انهم خالفوا من اول الامر للمسلمين ونقضوا اتحادهم حيث ان المسلمين اجتمعوا في مجلس السقيفة والشيعة شقّوا عصاهم بعدم الحضور فيها فخاطب الجماعة وقال: إنا تابعون في المخالفة لمجلس السقيفة لصاحب هذا القبر الشريف واشار بيده الى الضريح المقدّس ثم خاطب الملك خاصة وقال: هل كان جدك هذا امير المؤمنين "عليه السلام" حاضراً في ذلك المجلس؟ او اظهر المخالفة ولم يحضر فيه اصلاً بل كان ساخطاً على الحاضرين فيه؟ ونحن معاشر الشيعة تابعون له نخالف في كل ما خالف فيه امير المؤمنين "عليه السلام"ونوافق بكل ما وافق فيه هو "عليه السلام" ونعادي من عاداه ونوالي من والاه ثم شرع للعتاب والخطاب الشديد عليهم بامثال تلك الكلمات بالنسبة الى الموضوعات الدينية والعمرانية والأقتصادية وغيرها ولم يكن في واحد منهم جرأة على الجواب وجلس في اثناء الكلام وجلس الملك واتباعه بعد جلوسه وبعد ان اتم كلامه تفصيلاً واجاب الملك وزرائه بانفاذ اوامره ونواهيه واعتذروا ببعض الأعذار من مسامحتهم في بعض الأمور يطول الكلام بذكرها قال الشيخ (رحمه الله): قوموا عني واذهبوا الى اعمالكم (كانوا منتظرين لقيامه) فاني جالس في هذا الحرم الشريف فأن هذا المكان المقدّس محل اقامتي ومسكني وانا خادم من خدام هذا الامام "عليه السلام".

[32] سورة 16 آية: 108.

[33] سورة 3 آية: 96.

[34] سورة 24 آية: 17.

[35] سورة 4 آية: 113.

[36] هذا الكتاب القيّم من تصانيف العلامة الاكبر البلاغي (رحمه الله) لا من تصانيف شيخنا الامام (رحمه الله).

[37] نعم، وصلت دامت هداياه وبركاته فاحتفظنا بواحدة واهدينا الثانية لأخ اديب غيور.

[38] لم يصل لدينا منه حتى الساعة سوى تسعة اعداد.

[39] حاشا لله.

[40] سنبذل الجهد في هذا السبيل الخير بين اخواننا هنا اهل البر والمعروف ان شاء الله. صارمي.

 ARGENTINA[41]


 

 
امتیاز دهی
 
 

 
خانه | بازگشت | حريم خصوصي كاربران |
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما