جمعه 7 ارديبهشت 1403  
 
 
يوم التاسع من ربيع الأول

 جنة المأوى

آية الله العظمى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء "قدس سره"

  



خطبة الشيخ (رحمه الله) في يوم ميلاد مولانا امير المؤمنين (عليه السلام)

قال الله سبحانه في محكم كتابه: [وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ][1] نعم في مثل هذا اليوم او هذه الليلة اشرقت الأرض بنور ربها وجيء بوارث النبيين وجامع علوم الأولين والآخرين، امام الشهداء وسيد الصديقين، واحتفالنا بانبثاق هذا النور الالهي في مثل هذا اليوم ليس كاحتفال الأمم بيوم ولادة ملوكها وعظمائها وسلاطينها ورجال نهضتها، بل احتفال بالنعمة العظمى والآية الكبرى والمثل العليا الذي تنزّلت الأحدية به من عليا ملكوتها الشامخ وجبروتها الباذخ وقدسي تجردها الى عوالم الناسوت، وتقمّص المادة لتعود المادة روحاً والجسد عقلاً، والموت حياة، نحتفل بذكرى ولادة بحر العلم الخضم الذي تدفق بنهج البلاغة وهو نبع من ينابيعه، وشرعة من مشاريعه، ولا جاءت العصور ولا انجلت الدهور عن كتاب بعد كتاب الله العظيم انفع ولا اجمع ولا المع وانصع منه اقامة براهين التوحيد ودلائل الصنعة، واسرار الخليقة، وانوار الحقيقة وتهذيب النفس، وسياسة المدن، وحكمة التشريع والعظات البليغة، والحجج الدامغة، وانارة العقول، وطهارة النفوس، بينما تراه يفيض بينابيع الحكمة النظرية والعملية، ويرهق على توحيد الصانع ويغرق فيوصف الملائكة والمجرّدات بياناً، ويمثّل لك الجنة والنار عياناً كفيلسوف الهي، وملاك روحي واذاً به يعطيك قوانين الحرب وسوق الجيوش وتعبئة العساكر كقائد حربي ومغامر[2] عسكري، لا تلبث ان تجد فيه ما يبهرك من عجيب وصف الطاووس والخفّاش والذرة النملة فيصفها دقيقاً ويستوعب فيها من عجائب التكوين، وغرائب التلوين، وما اودع صانعها فيها من مزايا الفكرة، وبدائع القدرة، حتى يخيّل لك من دقة الوصف انه هو الذي ابدع تصويرها، وقدّر مقاديرها وركّب اعضاءها، وربط مفاصلها، هو صانعها ومبدعها وصوّرها وقدّرها، وشقّ سمعها وبصرها.

نحتفل بذكرى ولادة الامام الذي وضع الدنيا تحت قدميه، وكانت ــ وهي العزيزة لغيره ــ احقر شيء لديه، الامام الذي عرف حقيقتها واعطاها حقّها، فقال: ( يا دنيا غريّ غيري قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك يا صفراء ويا بيضاء، غريّ غيري)، الامام الذي لولا ضرب ماضيه ما اخضر للاسلام عود، ولا قام له عمود، بل لولاه لما استقام الوجود ولا عرف المعبود، الامام الذي اليه تنتهي سلاسل الصوفية، ومنه نشأت علوم العربية، ومنه عرف حكماء الاسلام الاستدلال بالأدلة العقلية، الامام الذي قال للسائل وهو يخطب على المنبر (عاد ثمنها تسعا)[3] ثم استمّر في خطبته وهي آية مـن آيـات العـلم النظـري ومعـجزة من معجـزات العـقل البـشـري، وهي واحـدة من آحاد وفريدة من افراد، فماذا يقول المادح والمطري بعد آيات القرآن ومدائح الفرقان، فمن الحق ان يقول القائل:

غاية المدح في علاك ابتداء

 

ليت شعري ما تصنع الشعراء

 

فصلوات الله عليك يا امير المؤمنين وعلى المعصومين من اولادك الميامين وعلى الصالحين من شيعتك ومحبيك.

مقالة الشيخ (رحمه الله) بمناسبة يوم الغدير

كتبها شيخنا المغفور له بمناسبة يوم الغدير، والقيت في احتفال اقيم في تلك المناسبة

سلام الله ورحمته وبركاته عليكم أيها المؤمنون الذين منَّ الله عليهم بالهداية فخرجوا من الغواية الى عصمة الولاية واستمسكوا بالعروة الوثقى وحبل الله المتين.

اخواني واولادي حرسكم الله، امدكم كلمتي هذه من مائدة الغيب واقدم لكم هذا الغذاء الروحي من طعام الالهام، واملي عليكم هذا من الملأ الأعلى والروح الأمين واستفتح مقالي بالآية النيّرة التي تنزّلت من المبدأ الأسمى في هذا اليوم الأغر السعيد: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا][4] والاستضاءة بكلّ واحدة من هذه المصابيح الثلاثة يستدعي البيان الكثير والشرح الوافي، ولكن نكتفي بلمحة من الكلمة الأولى [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ] أرأيتكم لو انّ رجلاً من ذوي العقل والحجى، منقطع النظير في عقله وشرفه ونبله يتكفّل بتربية اولاد له صغار وكبار والمحافظة على ما لهم من اموال وعقار، واشرف على الرحيل من هذه الدار الى دار القرار، وهم بعد لم يبلغوا رشدهم الكامل، ولا يزالون في اشدّ الحاجة الى من يقوم بشؤونهم، وينهض بأعباء تربيتهم وحلّ مشكلاتهم، ورفع خصوماتهم، فلو تركهم ولم ينصب قيّماً عليهم يحسن التربية، ويحلّ المشكلة، ويدفع المعضلة، ويرفع الخصومة، ولا نصّ على وليّ فيهم، أفلا يكون ذلك نقصاً في مروءته، واخلالاً برسالته وتفريطا في امانته، نعم وانّ شريعة الاسلام المقدّسة ما تركت شيئاً الاّ وجعلت له حقه، ولا عملاً الاّ وعيّنت حكمه، ولا موضوعاً الاّ وقدّرت حدّه، واودعت كلّ ذلك في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ولكن هذا الفرقان المجيد فيه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات لا يعلم تأويلها الا الله والراسخون في العلم، وهم من يستمّد من ينابيع الوحي ومطالع الانوار الازلية، ولو انّ الرسول لم يعرف الأمة بمن اختصه الله بمعرفة التنزيل والتأويل، والمحكم والمتشابه والمجمل والمبين، والناسخ والمنسوخ، لو لم ينصب للناس اماماً ولم ينصّ على خليفة يقوم مقامه لكانت رسالته ناقصة، والأبصار الى كمالها شاخصة، نعم لولا تعيين الولي على المسلمين لخان الأمانة فيهم، ولو ترك التعيين اليهم ازادت المحنة وعظمت باختلاف البلية، ولو تركوا هلكوا في ايّ واد سلكوا، والشريعة التي ما تركت شيئاً الاّ وذكرت حكمه، وقدّرت حده، وعينت حقه حتى ارش الخدش، وقص الشعر، وتقليم الاظافر كيف يسوغ للعقول القبول بأنها قد اهملت هذا الامر العظيم، لو فوضته الى اختيار الضعفاء القاصرين مهما كانت منزلتهم في الدين، ومن ذلك ينفتح لك الطريق الى معرفة وجوب عصمة الامام، ويتضح مغزى قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ][5] ، يا رسول الله ان لم تبلغ النص على خليفتك بعدك فكأنك ما بلّغت شيئاً مما ارسلت به، يعني اذا لم تبلّغ ما امرك الله به، اذا لم تعيّن الامام فكلّ ما بلّغته من الشرائع والاحكام اعدام، ولذا لا يقبل الله عملاً بدون الولاية، وهي الدعامة التي لا يستقرّ الايمان الاّ عليها.

ومنذ عرف الرسول (ص) انه قد أزف[6] رحيله من الدنيالم يجد بدّاً من امتثال امره تعالى لأكمال الدين واتمام الرسالة، واداء واجب الوظيفة ورفع المسؤولية فجمع المسلمين في غدير خمّ عند منصرفهم من حجة الوداع وكان الجمع ينيف او ينوف على الالوف، فنصّ على علي (عليه السلام) وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، ويعني هذا بالواضح المكشوف ان الولاية التي كانت لي من الله هي لعلي فعلاً ويقوم بها من بعدي عملاً، وبعد ان انهى النبي (ص) تلك الخطبة البليغة[7]خل المسلمون باجمعهم على عليّ وسلّموا عليه بأمرة المؤمنين وفيهم من قال له: بخّ بخّ لك يا علي اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. ونظم شاعر الاسلام وشاعر النبي (ص) حسّان تلك الواقعة بصورتها الصحيحة في ابيات مشهورة اولها:

يناديهم يوم الغدير نبيهم

 

بخمّ واسمع بالنبي مناديا[8]

 

وفي هذا اليوم او ذلك اليوم إتجه ان يتنزّل الوحي بقوله تعالى: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ]، ولولا ذلك لكان الدين ناقصاً غير كامل ولا يرتضى هذا النقص ايّ عاقل، ولا يتجه أي معنى للآية بوجه من الوجوه بدون ذلك النص والنصب.

نعم قد كمل الدين وتمّت النعمة من حيث التبليغ والرسالة واتمام الحجة، اما من حيث التطبيق والعمل به من الأمة فذاك شيء آخر اريد ان اخوض فيه كي لا اخدش عاطفة او امسّ كرامة طائفة، او اثير غبار جدل وخصومة ولكني اختم كلمتي هذه المتواضعة التي جرت على سير القلم وعفو الخاطر، اختمها في بيتين لشاعر اهل البيت في الصدر الأول من الاسلام، حيث يقول في احدى هاشمياته المشهورة[9]:

ويوم الدوح دوح غدير خمّ

 

ابان له الولاية لو اطيعا

 

ولكن الرجال تبايعوها

 

فلم أرَّ مثلها خطراً مبيعا

 

وبارك الله في الشباب الحسيني وفي مقدمتهم الأديب السيد محمد صلوات حفظه الله ووفقهم لأقامة الأحتفال بذكرى هذا العيد السعيد واليوم التاريخي الخالد. في
كلّ حول وعلى كل حال، واليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يـرفعـه، رفـع الله درجاتنا اجمعين في اعلى عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا. 

18 ذي الحجة 1372هـ

 محمد حسين آل كاشف الغطاء

جواب سماحة الشيخ (رحمه الله) عن سؤال ورد من زنجبار وفيه اشارة الى امامة امير المؤمنين (عليه السلام)

كان قد ورد الى سماحة الامام كتاب من زنجبار من عبد الله صالح الفارسي بتاريخ 3 جمادي الاولى سنة 1373هـ ما يلي نصّه:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

اما بعد فأنيّ شافعيّ المذهب ولكن صديق حميم لبعض الأثنى عشريين الاقحاح[10]نخوض بعض الاوقات في الخلافات المذهبية، وقد اخبروني ان السادة ابا بكر وعمر وعثمان وسائر العشرة المبشرين بالجنة عندكم هم من اهل النار، أفيمكن هذا بعد ان قال الله تعالى في كتابه العزيز: [وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ][11] ، أليس هؤلاء هم السابقون الأولون من المهاجرين؟، او ليس هم كذلك؟ وسيدنا عمر بن الخطاب من الذين قال الله تعالى فيهم: [لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ][12] ، واخبروني انهم يلعنون اكثر الصحابة بدل ان يترحّموا عليهم، فهذا هو حقنا لسلفنا؟ اما قسّم الله المؤمنين الى ثلاث درجات المهاجرون والانصار والذين جاءوا من بعدهم؟ وقد وصفهم بأنهم يقولون: [رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ][13] ، ما وصفهم بأنهم يقولون ربنا العن ــ فلاناً وفلاناً ــ ولا تمح في قلوبنا غلاّ.

وارجو من عميم فضلكم وخالص علمكم ان لا تبخلوا عليّ بالجواب فقد قال الله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ][14] ، ولازلتم موئلاً للعلم ومعقله[15]، ولقد صدق الامام ولا زال الصادق المصدّق حين قال:

ما الفخر الاً لأهل العلم انهم

 

على الهدى لمن استهدى ادلاّء

 

من طالب المعرفة والهدى: عبدكم عبد الله صالح الفارسي

المفتش بالمدارس الحكومية في الديانة واللغة العربية

واجابه سماحة الأمام (رحمه الله) بما يلي:

وردني كتابك تذكر فيه انك شافعي المذهب ولكنك صديق حميم لبعض الشيعة الاثنى عشرية الاقحاح، وقد اخبروك ان السادة…وسائر العشرة المبشرين بالجنة عندنا من اهل النار، ثم تقول: أفيمكن هذا بعد ان قال الله تعالى: [وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ …الى آخر الآية]، ثم قلت: أفيمكن ان يرتدّوا على اعقابهم وقد رضي الله عنهم بعد ان علم ما في قلوبهم؟ أفينقلب علم الله جهلاً؟ ثم قلت فيه، وأخبروني انهم يلعنون اكثر الصحابة بدل ان يترحّموا عليهم، وختمت الكتاب بقولك فيه: وأرجو من فضلكم وخالص علمكم ان لا تبخلوا عليَّ بالجواب الى آخر ما ذكرت في كتابك وجميل خطابك، وما اوردت فيه من الآيات البينات، والكلمات الطيبات.

واعلم اولاً وكن على يقين انَّ العقلاء والمهذبين من الاثنى عشرية ليسوا بلعّانين ولا سبابين، وان ائمتنا اهل البيت (عليهم السلام) حرّموا علينا السبّ والشتم فنحن لا نسبّ الخلفاء الراشدين والصحابة المرضيين الذين رضي الله عنه ورضوا عنه، ولكن لا بد لنا في الجواب ان نكشف لك الغطاء عن الحق الناصع والأمر الواقع، ونوضح لك على وجه الاجمال والأشارة، ولا شك انك حرّ والحرّ تكفيه الأشارة. والحقّ الذي لا يسعك انكاره ولا شك انك تعرفه ويلزمك ان تعترف به هو ان الصحابة الذين صحبوا النبي (ص) من المهاجرين الذين هاجروا معه والانصار الذين نصروه ليس كلهم مرضيين ومشمولين بقوله تعالى: [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ] ولا داخلين في اخواننا الذين سبقونا، والقرآن الكريم يفسّر بعضه بعضاً ويدل بعضه على بعض، ويلزم ضمّ بعض الآيات الى بعض حتى تتجلى الحقيقة ناصعة لامعة ولو كان كل الصحابة مرضيين قد رضى الله عنهم ورضوا عنه اذاً فأين محل قوله تعالى: [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ][16] وليت شعري ولا ادري ولعلني ادري من هؤلاء الذين انقلبوا على اعقابهم؟ ومن المعلوم ان الاستفهام في الآية انكاري، ومعناه ومورده ان يقع عمل من شخص او اشخاص فينكره المتكلّم بصورة الاستفهام، ومعنى انكاره الاشارة الى انه عمل منكر وشيء شنيع.

وازيدك ايضاحاً ودلالة ودفعاً لما عرضك من الشبهة ذاك انه كما ان القرآن يفسّر بعضه بعضاً كذلك السنة النبوية والاحاديث تفسّر القرآن وتوضحه وتشرحه، انظر صحيح البخاري الذي هو اصح كتب الحديث عند الشافعية وغير الشافعية من المذاهب الاربعة فإنك تجد فيه وفي اخيه صحيح مسلم عدة احاديث عن رسول الله (ص) مختلفة الاساليب متحدة المعنى، ويأخذ بعضها بيد بعض، منها قوله (ص): ( انا فرطكم على الحوض ليرفعنَّ الى رجال منكم ليختلجنَّ دوني فأقول أي ربِّ اصحابي اصحابي، فيقال: انك لا تدري ما احدثوا بعدك، فيؤمر بهم الى النار، فأقول سحقاً سحقاً لمن غيّر وبدّل بعدي)، ويقول في بعضها لأصحابه: ( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، ويقول في حديث ما لفظه او مضمونه: ( يؤمر بجماعة من اصحابي الى النار، فأقول ما شأنهم؟ فيقال: انهم ارتدوا على ادبارهم القهقري) وهذا الذي امليه عليك هو من مطالعاتي ومحفوظاتي قبل خمسين سنة ولا فرصة حالاً على تجديد المراجعة فراجع انت اذا شئت حتى يتّضح لك جلياً ان ليس كل الاصحاب ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه، وان الكثير والأكثر قد ارتدّوا بعد رسول الله (ص) وانقلبوا على اعقابهم بنصّ القرآن والاحاديث النبوية من كتبكم انتم لا من كتب الشيعة الاثنى عشرية، واتخطر اني احصيت من الصحيحين البخاري ومسلم اكثر من عشرين حديثاً بأسانيد متعددة وعبارات مختلفة كلّها تنص صريحا ان اكثر الأصحاب بعد رسول الله (ص) غيّروا وبدّلوا، ورجعوا الى جاهليتهم الاولى، وارتدّوا على ادبارهم وانقلبوا على اعقابهم، وما رضي الله عنهم ولا رضوا عنه، واسخطوا الله ورسوله بأعمالهم راجع الصحيحين[17] تجد ذلك جليا واضحاً.

ثم هب اننا غمضنا النظر عن الكتاب والسنة وتلك الأدلة الباهرة فلنرجع الى الحس والوجدان، فأنه اقوى شاهد وبرهان، لنرجع الى الأمر الواقع والقضية الراهنة، أرأيت لو وجدت شخصين يختصمان في امر معين حتى تبلغ بهما الخصومة الى حدّ ان يستحلّ احدهما قتل الآخر فهل تجد بعقلك مجالاً للحكم بأن الحق مع كل واحد منهما؟ أي ان الحق في جهتين متناقضتين في السلب والايجاب، كلاّ، فالحق لا يتناقض والسلب والايجاب نقيضان، والنقيضان لا يجتمعان كما لا يرتفعان، اليس الخليفة عثمان من الصحابة المبرزين والمهاجرين الأولين؟ اليس قد اجتمع على قتله اهل المدينة؟ وكلّهم او جلّهم من الصحابة بالضرورة، ومعهم جمع من رجال الاقطار الاسلامية، ثم قتلوه تلك القتلة الشنيعة، وقد قال رسول الله (ص) في حديث متواتر: ( لا يحلّ قتل مسلم الا بواحدة من ثلاث: ردّة عن ايمان، او زنية من احصان، او قصاص في قتل نفس محرمة )، وانا لا ادري بأي واحدة من هذه الثلاث استحلّوا قتل الخليفة، ولعل اهل المدينة اعلم وادرى.

ثم اليس طلحة والزبير من اخص اصحاب رسول الله (ص) ومن المجاهدين السابقين والمهاجرين الاولين وسيف الزبير هو السيف الذي طالما كشف به الكرب عن وجه رسول الله؟ ثم الم يخرجا على امير المؤمنين علي (عليه السلام)؟ وخدعا المرأة المسكينة عائشة ام المؤمنين التي تجمّلت ثم تبغّلت، وقد قتلا في تلك الحرب الضروس، وما قتلا حتى قتل بسبب بغيهما على امام زمانهما الذي بايعاه ثم نكثا بيعته بغياً عليه، وما قتلا حتى قتل في تلك الوقعة اكثر من عشرة آلاف قتيل تقريباً او تحقيقاً، وقد قال سبحانه وتعالى: [وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي][18] ، وما ادري هل ان طلحة والزبير (وا لهفي عليهما) هل هما من الذين عناهم رسول الله بقوله: (أرى جماعة من اصحابي يؤخذ بهم الى النار فأقول ربِّ اصحابي اصحابي، فيقال لي: ما تدري ما احدثوا بعدك، انهم رجعوا القهقري وارتدوا بعدك). اما معاوية الذي تعدونه ايضاً من الصحابة وبغيه على امير المؤمنين (عليه السلام) في حرب صفين التي قتل فيها من الفريقين اكثر من عشرين الف قتيل على ما خطر ببالي، فلا اعدّها في عداد تلك الحوادث لأن معاوية واباه ابا سفيان والحكم وابنه مروان ما اسلموا ولا آمنوا بالله طرفة عين لا قبل الفتح ولا بعده وانما دخلوا في صورة الاسلام لهدم دعائم الاسلام، وقد قتل معاوية غير من قتله من المسلمين في صفين خيرة الرجال من الصحابة كعمرو بن الحمق[19] وحجر بن عدي[20] واصحابه العشرة قتلهم صبراً وظلماً وعدواناً، وفظائع  معاوية ومحاربته لله ولرسوله، وقتله لريحانتي الرسول الحسن والحسين اكثر من ان تحصى وتعدّ، وهو عندكم صحابي ومن الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه فأن كان هذا هو الاسلام فعلى الاسلام السلام، والبقاء على الكفر خير من هذا الاسلام أي اسلام معاوية وابي سفيان والحكم ومروان الوزغ ابن الوزغ كما قال رسول الله (ص) وعلى كلّ فلا احسب الا ان الحق قد تجلّى لديك وسطعت شمس الحقيقة عليك والكناية ابلغ من التصريح[21] ويشهد الله والمسلمون اني اكره الخوض في هذه المكربات التي تثير الدفائن، وتنثر بذور الضغائن في صدور طوائف المسلمين ولكن الحاحك في طلب الجواب بعثني الى تحرير هذه الكلمة على جري القلم وعفو الخاطر، وكره منيّ، وليس هذا من خطّتي وخطواتي وانا منذ خمسين سنة ادعو الى توحيد كلمة المسلمين ونبذ الشحناء والبغضاء، والاعتصام بحبل الله المتين من الألفة وعدم الفرقة، والأخذ بالأخوة التي عقدها القرآن بين المسلمين، فقال تعالى: [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ][22] ، ويشهد لذلك مؤلفاتي كمقدمة (اصل الشيعة) الذي طبع زهاء عشر طبعات وترجم الى عدة لغات وغيرها، ولكني وجدتك قد احرجتني وهددتني بقوله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى][23] ، ولم اجد بداً لرفع المسؤولية من الإشارة الى طرف من الواقع ان لم يكن الحق كله فناحية من نواحيه، ولعلّها تلقي ضوءها الصاحي على سائر ضواحيه، واختم كلمتي هذه بكلمة وجيزة لجدي الاعلى الشيخ جعفر الكبير صاحب كتاب كشف الغطاء (قدس سره)[24] حيث يقول في خاتمة كلام له: احضر احوال القوم بين يديك وتوجّه للنظر فيها بكلتي عينيك وتفكّر في الفروع والايقاع لتعلم حال الاصول وبنقطع النزاع، لعل البصرة تبصرك وجملها ينذرك، وصفين تصفيك، وكربلاء والكوفة تكفيك، واختلاف ذات البين وحصول الشقاق في الجانبين ابين شاهد على انّ الحق في جانب واحد، وان الحكم بحقيّة الطرفين اعتقاد فاسد (انتهى) واقول: [إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ][25] ــ سبحانك ــ ربنا عليك توكلنا واليك انبنا واليك المصير[26].

7 رجب 1373هـ في مدرستنا العلمية

                                                                    محمد حسين آل كاشف الغطاء

فاطمة الزهراء عليها السلام

طفحت واستفاضت كتب الشيعة من صدر الاسلام والقرن الاول: مثل كتاب سليم بن قيس[27]ومن بعده الى القرن الحـادي عشـر ومـا بعـده بـل والى يومنا كلّ كتب الشيعة التي عنيت باحوال الائمة، وابيهم الآية الكبرى وامهم الصديقة الزهراء صلوات الله عليهم اجمعين، وكلّ من ترجم لهم والف كتابا فيهم، واطبقت كلماتهم تقريباً او تحقيقاً في ذكر مصائب تلك البضعة الطاهرة: انها بعد رحلة ابيها المصطفى ضرب الظالمون وجهها ولطموا خدّها، حتى احمرت عينها وتناثرت قرطها، وعصرت بالباب حتى كسر ضلعها، واسقطت جنينها، وماتت في عضدها كالدملج، ثم اخذ شعراء اهل البيت (عليهم السلام) هذه القضايا والرزايا، ونظموها في اشعارهم ومراثيهم وارسلوها ارسال المسلّمات: من الكميت[28] والسيد الحميري[29]ودعبل الخزاعي[30]والنميري[31]والسلامي[32]وديك الجن[33]ومن بعدهم ومن قبلهم الى هذا العصر، وتوسع اعاظم شعراء الشيعة في القرن الثالث عشر والرابع عشر الذي نحن فيه، كالخطي[34]والكعبي[35]والكوازين[36]وآل السيد مهد الحليين[37]وغيرهم ممن يعسر تعدادهم، ويفوت الحصر جمعهم وآحادهم، وكل تلك الفجائع والفضائع وان كانت في غاية الفضاعة والشناعة ومن موجبات الوحشة والدهشة ولكن يمكن للعقل ان يجوزها وللأذهان والوجدان ان يستسيغها، وللأفكار ان تقيلها وتهضمها، ولا سيّما وان القوم قد اقترفوا في قضيّة الخلافة وغصب المنصب الالهي من اهله ما يعد اعظم وافضع.

ولكن قضية ضرب الزهراء ولطم خدها مما لا يكاد يقبله وجداني ويتقبّله عقلي، ويقتنع به مشاعري، لا لأن القوم يتحرّجون ويتورعون من هذه الجرأة العظيمة، بل لأن السجايا العربية والتقاليد الجاهلية التي ركّزتها الشريعة الاسلامية وزادتها تأييداً وتأكيداً تمنع بشدة ان تضرب المرأة او تمد اليها يد سوء، حتى انّ في بعض كلمات امير المؤمنين (عليه السلام) ما معناه: ان الرجل كان في الجاهلية اذا ضرب المرأة يبقى ذلك عاراً في اعقابه ونسله.

ويدلّك على تركّز هذه الركيزة بل الغريزة في المسلمين وانها لم تفلت من ايديهم وان فلت منهم الاسلام: ان ابن زياد وهو من تعرف في الجرأة على الله وانتهاك حرماته لما فضحته الحوراء زينب (عليها السلام )، وافلجته وصيرته احقر من نملة، واقذر من القملة، وقالت له: ثكلتك امك يا ابن مرجانة، فاستشاط غضباً من ذكر امه التي يعرف انها من ذوات الاعلام، وهمّ ان يضربها، فقال له عمرو بن حريث وهو من رؤوس الخوارج وضروسها انها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها، فاذا كان ابن مرجانة امتنع من ضرب العقيلة خوف العار والشنار وكلّه عار وشنار، وبؤرة عهار مع بعد العهد من النبي (ص) فكيف لا يمتنع اصحاب النبي (ص) مع قرب العهد به من ضرب عزيزته، وكيف يقتحمون هذه العقبة الكؤود ولو كانوا اعتى واعدى من عاد وثمود. ولو فعلوا او هموا ان يفعلوا اما كان في المهاجرين والانصار مثل عمرو بن حريث فيمنعهم من مدّ اليد الأثيمة، وارتكاب تلك الجريمة، ولا يقاس هذا بما ارتكبوه واقترفوه في حق بعلها سلام الله عليه ومن العظائم حتى قادوه كالفحل المخشوش فأن الرجال قد تنال من الرجال ما لا تناله من النساء.

كيف والزهراء (عليها السلام ) شابة بنت ثمانية عشر سنة، لم تبلغ مبالغ النساء واذا كان في ضرب المرأة عار وشناعة فضرب الفتاة اشنع وافظع، ويزيدك يقيناً بما اقول انها ــ ولها المجد والشرف ــ ما ذكرت ولا اشارت الى ذلك في شيء من خطبها[38] ومقالاتها المتضمنة لتظلّمها من القوم وسوء صنيعهم معها مثل خطبتها الباهرة الطويلة التي القتها على المهاجرين والأنصار، وكلماتها مع امير المؤمنين (عليه السلام) من المسجد، وكانت ثائرة متأثرة اشد التأثر حتى خرجت عن حدود الآداب التي لم تخرج من حظيرتها مدة عمرها، فقالت له: يا ابن ابي طالب افترست الذئاب وافترشت التراب ــ الى ان قالت: هذا ابن ابي فلانة يبتزّني نحلة ابي وبلغة ابني، لقد اجهد في كلامي، والفيته الألد في خصامي ولم تقل انه او صاحبه ضربني، او مدّت يد اليّ وكذلك في كلماتها مع نساء المهاجرين والأنصار بعد سؤالهن كيف اصبحت يا بنت رسول الله؟ فقالت: اصبحت والله عائفة لدنياكن، قالية لرجالكنَّ، ولا اشارة فيها الى شيء عن ضربة او لطمة، انما تشكو اعظم صدمة وهي غصب فدك واعظم منها هي غصب الخلافة وتقديم من أخر الله وتأخير من قدّم الله، وكل شكواها كانت تنحصر في هذين الأمرين وكذلك كلمات امير المؤمنين (عليه السلام) بعد دفنها، وتهيّج اشجانه وبلابل صدره لفراقها ذلك الفراق المؤلم، حيث توجه الى قبر النبي (ص) قائلاً: السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك الى آخر كلماته[39] التي ينصدع لها الصخر الأصم لو وعاها، وليس فيها الاشارة الى الضرب واللطم ولكنه الظلم الفظيع والامتهان الذريع، ولو كان شيء من ذلك لأشار اليه (عليه السلام)، لأن الأمر يقتضي ذكره ولا يقبل ستره، ودعوى انها اخفته عنه ساقطة بأن ضربة الوجه ولطمة العين لا يمكن اخفاؤها.

واما قضية قنفذ وان الرجل لم يصادر امواله كما صنع مع سائر ولاته وامرائه وقول الامام (عليه السلام): انه شكر له ضربته فلا امنع من انه ضربها بسوطه من وراء الرداء وانما الذي استبعده او امنعه هو لطمة الوجه وقنفذ ليس ممن يخشى العار لو ضربها من وراء الثياب او على عضدها[40] وبالجملة فأن وجه فاطمـة الزهـراء هـو وجـه

الله المصون الذي لا يهان ولا يهون ويغشى نور العيون، فسلام الله عليك يا ام الأئمة الأطهار ما اظلم الليل واضاء النهار،0 وجعلنا الله من شيعتك الأبرار، وحشرنا معك ومع ابيك وبنيك في دار القرار.

علي فوق العبقريات

شاع في هذه العصور الأخيرة بين حملة الأقلام والمؤلفين في ارض الكنانة انتاج مؤلفات تنشر بعنوان (العبقريات) أي عبقريّة كبير من رجالات الصدر الأول في الاسلام، فهذا عبقرية الخليفة الأول، وذاك عبقرية الثاني وهكذا، وفي غضون هذه المحاولات او الحالات وردتني برقية مفصّلة من جماعة من شخصيات ممن لهم مكانة في العاصمة يندبوني فيها احرّ ندبة الى تأليف كتاب في عبقرية الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، ويتعهدون بنشره من فوره، فكتبت اليهم معتذراً لأني لم اجد في نفسي كفاية لأيفاء هذا الموضوع حقّه، وما كانت القضية قضية اعتذار ومدافعة بل هي حقيقة راهنة، وقضية مبرهنة فأن الكتابة عن عبقرية شخصية بارزة كالخليفة الاول او الثاني امر ممكن، وموضوع قريب التناول، ليس بينك وبينه الاّ ان تراجع كتب التاريخ، وهي على طرف التمام منك فتذكر فتوحهم وخدماتهم للاسلام، كحرب اهل الردة، وتنفيذ جيش اسامة، وتجهيز الجيوش الى حروب القادسية والشام وما الى ذلك، اما الكتابة عن شخصية كعلي بن ابي طالب (عليه السلام) الذي لا تعد مناقبه، ولا تحصى فضائله بل لو اراد الكاتب مهما كان ان يكتب في كل واحدة من مزاياه وخصائصه مؤلفاً ضخماً لما استطاع ان يوفيها حقها، ويستوفى جميع خصوصياتها، انظر مثلاً شجاعته ومواقفه في سبيل الدعوة الى الاسلام وتضحياته العظمى وهو ابن عشرين او دونها.

انظر كيف اشتبك مع مشاهير الفرسان، وبارز جمهرة الابطال الذين يعدّ واحدهم بألف، فغلبهم وسقاهم الحتف، وهو يومئذ غلام لم يمارس الحروب، ولم يتمرّن على التقحّم في لهوات المنايا، وقد سارت بل صارت وقائعه، وفوزه الباهر في بدر وحنين والأحزاب وما اليها، نعم سارت مسير الامثال ولا حاجة الى ذكره، ولكن لو اراد الكاتب مهما كان مطّلعاً ومضطلعاً بالكتابة، ومالكاً اعنة البيان ان يستوفي خصوصيات هذه الشجاعة منة صبي نشأ وتربى في بيت ابيه شيخ البطحاء ابي طالب، وفي حجر ابن عمه محمد (ص) ربيب النعمة، وفي ظل راحة ودعّة، لم ينشأ في الصحاري والقفار والبيداء ولم يتعلّم الفروسية وتقحّم الهيجاء، فمن اين اخذ هذه الدروس؟ وكيف استطاع التغلب على تلك النفوس؟ نعم لو اراد الكاتب تحليل هذه القضية المعماة، واستكناه اسرارها وبواعثها وتطبيقها على مجاري العادة نكص حائراً ووقف مبهوتاً، دعّ عنك صفين والجمل والنهروان وهو شيخ كبير قد لهزه القتير[41]فلم يختلف حاله في الشجاعة والبسالة بين ابّان صباه وهو ابن العشرين وبينها وقد جاز عتبة الستين، وهكذا لو اراد ان يكتب عن بلاغته، ومعجز يراعته في كلماته القصار، والجمل الصغار فضلاً عن خطبه الطوال كالقاصعة والاشباح والملاحم،وخطبه في وصف الطاووس والخفاش وامثالها.

نعم لو اردت ان تدفع الكاتب الى ان يكتب عن بلاغته (نهج البلاغة) فقد يهون عليه قلع كل واحد من اضراسه دون ان يتسلّق هذه العقبة الكؤود وهكذا كل واحدة من مزاياه وخصائصه التي اختص بها، ولم يشاركه احد فيها من الكبراء في صدر الاسلام مثل سبقه الى الاسلام، وعدم سجوده لصنم، وما عبد غير الله جلَّ شأنه، ولا شرب خمراً في جاهلية ولا اسلام، اما لو ضربت بفكرك الى زهده وعزوفه عن الدنيا جراب سويق الشعير الذي يحدثنا عنه الاحنف بن قيس[42]حين وصفه لمعاوية سويق الشعير الجاف بنخالته الذي عاش عليه طيلة حياته وهو خليفة المسلمين، وامير المؤمنين، والاموال تجبى اليه من خراسان الى الكوفة وهو يقول: ( الا وانّ امامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، فو الله ما كنزت من دنياكم تبراً، ولا ادخرت من غنائمها وفراً، ولا اعددت لبالي ثوبي طمراً)[43] ، فهل يستطيع المتبحّر والمتحري ان يأتينا بشخص منذ عرفت الدنيا نفسها، وعرفها اهلها، ويحوي واحدة من هذه الصفات بتلك الخصوصيات وهذا الذي ذكرناه قطرة من بحر ولحظة من دهر[44]، وقد قال رسول الله (ص) فيه: ( يا علي ما عرف الله الا انا وانت، وما عرفنا الاّ الله).

وعلى افتنان الواصفين بوصفه

 

يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف

 

فالبشر يستطيع ان يفوّه عن عبقرية بشر مثله ممن هو في افقه، وان كان اعلى منه درجة او درجات، ولكن علياً (عليه السلام) الذات المترّفعة عن افق البشرية المتّصلة بالعوالم الملكوتية فليست هي من ذوات العبقريات بل تجدها مشابهة للأنبياء، فوق المخلوق دون الخالق، فلا يستطيع بشر ان يدركها او يأتي على خصوصيات مزاياها الاّ بمقدار ما يرى الناظر المتطلّع الى اسمى كوكب في وسط السماء لا يبصر منه سوى ضوئه، ولا يعرف شيئاً من حقيقته وكنهه وباقي مزاياه، فعبقرية عليّ بن ابي طالب (عليه السلام) عبقرية روحانية ربوبية لا عبقرية بشرية، فلا يستطيع البشر ان يتطرّفها ويحيط الاّ بالحواشي والرتوش[45] منها. فأنها خارجة عن مقاييس العقول ومدارك افهام الانام، فيا أيها الناس لا تظلموا علياً (عليه السلام) وهو في الدار الأخرى كما ظلمه اسلافكم يوم كان في هذه الدار الدنيا، ولو لم يكن له الاّ قوله: ما هلك امرءٌ عرف قدره وقيمة كل امرئٍ ما يحسنه، وقوله: الظلم مودع في النفوس، القوة تبديه والعجز يخفيه، لكفى. وهذه شعاعة من انواره الساطعة واثماره اليانعة، كلمة الختام انَّ علياً ــ وعلى ذكره آلاف التحية والسلام ــ فوق العبقريات ولا يقاس بمقاييس العقول.

وبمناسبة هذا المقال الضافي نذكر لشيخنا الامام الفقيد (رحمه الله) قصيدة[46] بديعة في مدح امير المؤمنين (عليه السلام):

امام الهدى هل ابدع الله آية

 

لمعناه اسمى منك شاناً واشمخا

 

كم استصرخ الاسلام يدعو فلم يجد

 

لصرخته الاً حسامك مصرخا

 

وكم شاد للتوحيد عرشاً من الهدى

 

وهدّ عروش المشركين ودوّخا

 

وهل فاح للأصحاب نشر ولم يكن

 

بديع مزاياك العبير المضمخا

 

ولو وجد المختار مثلك فيهم

 

لما اختار ان تغدو له دونهم أخا

 

 

فمن ذا الذي قد ذبّ عنه بسيفه

 

ومن ذا الذي بالنفس من دونه سخا

 

لذا اختصه يوم الغدير برتبة

 

ذووا الغدر فيها كيدهم قد تفسخا

 

بها عقد الباري على الخلق بيعة

 

الى الحشر لا تزداد الاّ ترسّخا

 

فأصبح مولى المؤمنين وعندها

 

اتى نحوه الثاني (فحيّا وبخبخا)

 

وسرعان ما خفّوا لنقض عهودهم

 

فيالك من عهد مع الغدر ارّخا

 

وقد تنسخ الايام فضلاً لذي حجى

 

وفضلك يأبى ان يزول وينسخا

 

فأن حاولوا ان ينقصوك قلامة

 

على رغمهم تزداد بالفخر فرسخا

 

نبوّة حق عاضدتها امامة

 

ولكن بوحدانية الحق أرّخا

 

فيا (جنة الفردوس) حسبك جنة

 

من النار ان حطّ العذاب ونوخا

 

فأنت امام الحق ان ضلّت الورى

 

وانت الرخا للخلق ان اعوز الرخا

 

يوم التاسع من ربيع الأول

سؤال: أخبرونا عن ايام الربيع العشرة المنسوبة الى فرحة الزهراء (عليها السلام) ومتى فرحت والرجل طعن في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجة، ومات يوم التاسع والعشرين منه وذلك بعد وفاتها فكيف فرحت؟.

جواب: انّ المعروف عن كثير من الشيعة من قديم الزمان انَّ هذه الأيام ايام فرح وسرور كما ذكر ذلك السيّد ابن طاووس في الأقبال حيث قال: وجدنا جماعة من العجم والأخوان يعظمون السرور في هذا اليوم أي اليوم التاسع من ربيع ويذكرون انه يوم هلاك كذا، وأشار الى الرواية المنسوبة الى الصدوق[47] وقال السيد رضوان الله عليه لم اجد رواية يعتمد عليها تؤيد تلك الرواية، ولكن لعلّ فرح الشيعة بذلك اليوم من جهة انَّ الأمام الحسن العسكري (عليه السلام) توفيّ على اصح الروايات يوم الثامن من ربيع الأول ويكون يوم التاسع اوّل يوم من امامة الحجة (عجل الله فرجه)، فينبغي ان يتخذه المؤمنون عيداً كما يتخذ الناس ايام جلوس ملوكهم عيداً، ثم ذكر بعض التوجيهات لأحتمال كون قتل الرجل في ربيع وكلّها في غاية البعد، انتهى ما افاده (قدس سره) مع شرح وتوضيح منّا.

واقول ايضاً ويحتمل ان يكون سبب فرحة الزهراء (عليها السلام) هو ان اليوم التاسع والعاشر من ربيع الأول هو يوم اقتران ابيها رسول الله (ص) سيد الكائنات بوالدتها الطاهرة خديجة الكبرى ولا شك ان الزهراء كانت تظهر الفرح والسرور بذلك اليوم من كل سنة افتخاراً بذلك الشرف العظيم والخير العميم، ويكون قد بقيت عادة اظهار هذا الفرح متوارثاً عنذ مواليها من الشيعة في ذلك اليوم كلّ سنة، ولكن على مرور السنين جهلوا السبب ثم حوره بعض الدساسين الى غير وجهه الصحيح، وبقي الأسم معروفاً عندهم هو فرحة الزهراء (عليها السلام) والسبب مجهولٌ.

ومهما كان الأمر فليس معنى كونه يوم فرح وسرور عند الشيعة ان يؤذي بعضهم بعضا ويتجاسر بعضهم على بعض بيد او لسان، او يستعملوا بعض المفرقعات المزعجة كما يستعمله بعض عوام النجف حاشا عقلائهم وافاضلهم، وسرى ذلك الشعار الخبيث الى جملة من بلاد الشيعة، فأنّ جميع ذلك من اسوأ الكبائر وايذاء المؤمن محاربة مع الله عزَّ وجلّ وايذاء فظيع للائمة، ومن اكبر المصائب على الزهراء (عليها السلام) وقد قاومنا هذه العادات السيئة منذ عدة سنين وخطبنا الناس في الصحن الشريف وعظناهم حتى خفّت وطأة هذه المنكرات ولم يبق منها الاّ الشيء اليسير بالنسبة الى السابق وارجو بتوفيقه تعالى ان لا يبقى لها اثر ان شاء الله، انما الفرح والسرور ان يجلس المؤمنون في نواديهم الخاصة ويتلون القصائد والأشعار البديعة في مدائح اهل البيت (عليهم السلام) وذكر مناقبهم ولو بالاصوات الحسنة التي لم تبلغ حدّ الغناء المحرم[48] وفقنا الله جميعاً للاعمال الصالحة والتجارة الرابحة في الدارين ان شاء الله.                           

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

هل النار محرّمة على ذرية الزهراء ( عليها السلام)؟

السؤال الأول: حدّثتنا طائفة من الاخبار ان ذرية الزهراء (عليها السلام) قد حرّمت عليهم النار حتى لو كانوا من المخالفين، نعم يستثنى منهم من ادعى الامامة لنفسه في تفسير قوله تعالى: [فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ]؟.

بسم الله الرحمن الرحيم

الجواب: يخطر على بالي كلام للامام الرضا (عليه السلام) مع اخيه زيد المعروف بزيد النار الذي خرج على المأمون ولمّا ظفر به عفا عنه ووهبه للامام (عليه السلام) فقال الامام لزيد ما مضمونه ولفظه: اغرّك يا زيد ما بلغك ان رسول الله (ص) قال: (انَّ الله حرّم فاطمة وذريتها على النار)، فأن ذلك مختصّ بذريتها من صلبها كالحسن والحسين وزينب (عليهم السلام)، والادلة القطعية عقلية ونقلية تؤيد ذلك وتدل عليه كالحديث المشهور: (خلق الله الجنة لمن اطاعه)[49] الخ، نعم باب العفو والشفاعة والغفران باب آخر ولا يختص بأبناء فاطمة (عليها السلام) بل يعم جميع شيعتها ومواليها، والجميع ابناؤها بالبنوة الروحانية ــ رزقنا الله شفاعتها والموافاة على ولايتها.

السؤال الثاني: لقد سجل لنا التأريخ المتواتر في تصرّف رسول الله (ص) واهل بيته في هذا العالم (أي عالم المادة) بل وفي العوالم الأخر كعالم المثال، وعالم الصورة، حتى انتهت الحقيقة المحمدية الى عالم السرمد كما في حديث الاسراء، وكسير امير المؤمنين (عليه السلام) من المدينة الى المدائن، وكصلاة الف ركعة، وكجواب الجواد (عليه السلام) عن ثلاثين الف مسالة في مجلس واحد، وكما اخبرتنا صوادر قدسيّة من الله عزَّ وجلّ كقضية عزرا وعزير وامثالها لأمثالهم، فهل صدور هذه الكرامات منهم الاّ تصرّف في الاكوان كقصر الدهر ومدّه وهي ليست محالات عقليّة لا يجوز وقوعها؟ فأرجو الجواب المقنع لأهل العصر الراقي مهد الحضارة المدنيّة؟.

الجواب: القضية تحتاج الى مزيد بسط وسعة ببيان لا يسع المقام منه الاّ الاجمال والاشارة وهو ان العوالم الاربعة: اللاهوت، والجبروت، والملكوت، والملك، والثلاثة الاولى كلها مجردة عن المادة والمدة، اما عالم الملك وهو العالم المادي وما تحت العرش فهو قسمان: قسم يحتاج الى مادة فقط وهو عالم الافلاك والكرات النيّرة المعلّقة في الفضاء التي ينشأ الزمان من حركاتها فتكون المدّة، وقسم يحتاج الى مادة ومدة معاً وهو عالم الصنع وما تحت فلك القمر، وكل عالم له الهيمنة على ما دونه والتصرف فيه، فعالم الملكوت المجرّد عن المادة والمدّة له التصرف في عالم الملك للابداع والأيجاد من دون اعداد ولا استعداد، ولا مادة ولا امتداد، وبهذا المفتاح تنحل جميع المشكلات في باب المعجزات والعروج (الجسماني) واضرابها فأن العبد اذا تحقق بحقيقة الحق وتخلّق بأخلاق الروحانيين غلبت عليه صفات الأرواح المجرّدة وصار له السلّطنة على العوالم المادية يتصرّف فيها كيف يشاء بمشيئة الله[50]، فكما انه جلّ شأنه يوجد المادة من غير مدّة ولا مواد ولا قوة ولا اعداد ولا استعداد فكذلك وليه او نبيه، وبالجملة فالوجودات المجرّدة او العقول الفعّالة (والمدبرات امرا) كما في لسان الشرع تمرّ على الزمان ولا يمر الزمان عليها وتحكم على المادة ولا تحكم المادة عليها، والمادة التي تعلّقت بها كأجسامها العنصرية الشريفة مقهورة لروحها المجرّدة ويجري عليها حكم التجرّد فلا يعوقها عن الاتصال بالملأ الأعلى فضلاً عن الأدنى عائق، وهذا رمز الاشارة ولا مجال للبسط ولكنه من طريقة الفلسفة الالهية والحكمة الروحية، واما من حيث الحكمة الطبيعية والثقافة العصرية فبعد ان توصل علماء المادة وفلاسفة الطبيعة الى استخراج جملة من القوى والعناصر المودعة في الكون المحسوس التي ما كان يحلم بها احد من السابقين فأستخرجوا الكهرباء والعناصر المشعّة كالراديوم والأورانيوم وامثالها مما يدهش الالباب فيما ترتب عليها من الآثار والاسرار وعجائب المخترعات النافعة كالسيارة والطيارة، والهاتف والحاكي، وما اليها فضلاً عن الاكتشافات الفلكية والطب والجراحة واضرابها، وبعد هذا كله أي مجال للاستنكار او الاستبعاد في ان يكون في الكون قوى كامنة واسرار خفية اطلع الله عليها انبياءه واولياءه فيستطيع احدهم ان ينقل بلحظة عرش بلقيس من سبأ (اليمن) الى اورشليم (القدس) او تكون لأمير المؤمنين (عليه السلام) قوة طبيعية فضلاً عن القوة الروحانية يستطيع بها ان ينتقل من المدينة الى المدائن في دقيقة واحدة، او ان الجواد (عليه السلام) يجيب عن ثلاثين الف مسألة في مجلس واحد[51] أي استبعاد ان يكون في الكون مثل هذه القوى الغريبة بعد ان رأينا بأعيننا (اشعة رنتجن) التي يرى الأنسان بعين رأسه ما وراء الأجسام الكثيفة كصناديق الحديد بل من وراء الجدار، ومع كثرة هذه الاختراعات الباهرة لا يزال يقول كبار فلاسفة الطبيعة ورجال المادة، انّ العلم لا يزال طفلاً، فاذا بلغ اشده واصاب رشده سوف يستكشف ما هو ادق واعمق وارفع وانفع من هذه المآثر والآثار والفوائد والأسرار.

وحقاً ان العلم لا يزال طفلاً فأنهم حتى الآن لم يصلوا الى معرفة حقيقة الكهرباء مع كثرة تصرّفاتهم فيها ولا اصابوا كنه الحياة وجوهرها، ولا كنه القوة ودقائق المادة، ولا حقيقة العناصر التي تتركب منها المواليد العنصرية فضلاً عن جوهر الكواكب والشموس سوى تخمينات وتخرّصات لا يعول عليها، وكلّما ازداد الانسان علما ازداد علما بجهله واعترافاً بقصوره.

والغرض من هذا كله كسر سورة الاستنكار والاستبعاد وان امثال (الراديو) او (الراديوم) و (اشعة رنتجن) وامثالها من مكتشفات هذا القرن لم تبق مجالاً للاعتماد على القواعد المقررة في الفلسفة الطبيعية القديمة مثل استحالة الخرق والالتئام[52] وتناهي الأجسام واضرابها، نعم طيّ الزمان والمكان وطيّ الأرض وبسطها ومدّ الوقت وقبضه ربما يشكل القول بها لأستلزامها اختلاف نظام العالم الشمسي وتناثر الكواكب المرتبط بعضها ببعض على نظام مخصوص، وآخر القول ان المعجزات وخوارق العادات قد تكون لها اسباب طبيعية فضلاً عن القوى الروحية ولكن لم يصل العلم بعد اليها، وقد يصل فيما بعد وقد لا يصل، والله اعلم بحقائق مخلوقاته وعجائب مصنوعاته.

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

كلمة الشيخ الامام (قدس سره) في بني هاشم وبني امية والحسن (عليه السلام) ومعاوية[53]

العداوات، والتباغض بين الافراد والقبائل والجماعات، غريزة بعيدة المدى في طبيعة البشر من اول عهده وبدأ وجوده على هذه الكرة من عهد هابيل وقابيل مستمرة في جميع الاجيال الى هذا الجيل، ومنشأ العداوة وبواعثها غالباً هو التنافس والتعالي والانانية التي تدفع الى حب الأثرة والغلبة والسيطرة، والاستيلاء على مال او جاه، او ولاية وامرة وانكى العداوات، العداوات التي تبعث عن ترة وطلب ثار وغسل عار وللتشفيّ والانتقام، ولكن اسوء العداء اثراً، وابعده مدى، والذي يستحيل تحويله ولا يمكن زواله هو عداوة الضديّة الذاتية، والمباينة الجوهرية كعداوة الظلام للنور، والرذيلة للفضيلة، والقبح للحسن، والشر للخير وامثال ذاك، فان هذا العداوة والتنافر يستحيل من ان يزول الا بزوال احدهما اذ كلّ يضاد الآخر فلا يجتمعان ولا يرتفعان، فالذوات الشريرة بذاتها وفي جوهرها تضاد الذوات الخيّرة وتعاديها، وكل واحد من هذين المتضادين المتعاندين يجدّ ويجتهد في ازالة الآخر ومحوه من الوجود كالنور والظلام لا يجتمعان في محل واحد ابداً، وكل منهما بطباعه يتنافى مع الآخر ويعاديه وكالفضيلة والرذيلة في الانسان، وعلى هذا الطراز، ومن هذا النوع عداوة بني هاشم وبني امية عداوة جوهرية ذاتية يستحيل تحويلها ويمتنع زوالها عداوة الظلام للنور، والشر للخير، والخبيث للطيب، ويعرف كل واحد منهما بثماره وآثاره، وقديماً قيل: ((من ثمارهم تعرفونهم)) الشجرة لا تعرف الا من ثمرها انها خبيثة ام طيبة، والانسان لا يعرف خبثه وطيبه الا من اعماله وملكاته وخصاله.

اولد عبد مناف هاشماً، وعبد شمس، ونشب العداء بينهما منذ نشآ وشبا، لا لشيء سوى اختلاف الجوهرين، وتباين الذاتين، ثم استشرى الشر واتسعت عدوى العداء بين القبيلين بحكم الوراثة، وكان لكل واحد من هذا القبيل ضد له من القبيل الآخر، فعدوه بالنسب، هاشم وعبد شمس، وعبد المطلب وامية، وابو طالب وحرب، ومحمد (ص) وابو سفيان، ما اشرقت اول بارقة من اشعة الاسلام، وما اعان البشير النذير بدعوة التوحيد الاّ وثارت نعرة الشرك والوثنية لطمس انوار الاحدية وقام بحمل معاول المعارضة، والهدم لما يبنه، ويتبناه منقذ البشرية من مخالب الوحشية، قام بها ثالوث الجبت والطاغوت، ابو جهل، وابو لهب، وابو سفيان، وكان الثالث زعيم الحزب الاموي اشدهم مناوءة للاسلام ومحاربة له، نصبوا كل الحبائل، وتوسلوا بجميع الوسائل لأحقان صوته، واخماد ضوئه، واعملوا كل بأس، وسطوة في مقاومة تلك الدعوة، حتى الجأت جماعة ممن تدين بها فهاجروا الى الحبشة، وتحمّل النبي واصحابه من الاضطهاد والاذى اكثر من عشر سنين حتى اضطر الى الجلاء من وطنه ووطن آبائه ومركز عزه، فهاجر الى يثرب فطارده ابو سفيان، وتلاحقه الى دار هجرته، وما رفعت راية حرب على الاسلام الا وبنوا امية وزعيمهم ابو سفيان قائدها ورافعها يلهب نارها ويثير غبارها ويتربص بأخماد ذلك النور الدوائر، ويهيج نعرة القبائل، الى ان فتح الله الفتح المبين وامكن الله نبيه من جبابرة قريش وملكهم عنوة، فصاروا عبيداً وملكا بحكم قوانين الحرب، والاستيلاء على المحاربين، بالقوة والسلاح، ولكنه سلام الله عليه اطلقهم وعفا عنهم، وقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء، واكتفى منهم بظاهر الاسلام واطلاق لسانهم بالشهادتين، وقلوبهم مملوءة بالكفر والحقد على الاسلام ويترّبصون الفرص لمحو سطوره، وقلع جذوره (( ما اسلموا، بل استسلموا، ولما وجدوا اعواناً على الاسلام وثبوا)) ما تغير شيء من نفسيات ابي سفيان وبني امية بعد دخولهم في حظيرة الاسلام قلامة ظفر، انما تغير وضع المحاربة، وكيفية الكفاح والمقاومة.

دخل ابو سفيان ومعاوية في الاسلام، ليفتكوا بالاسلام ويكيدوا له والعدو الداخل اقدر على الكيد والفتك من العدو الخارجي وهذه العداوة ذاتية متأصلة، والذاتي لا يزول وليست هي من تنافس على مال، او تزاحم على منصب او جاه، بل هي عداوة المبادئ، عداوة التضاد الطبيعي، والتنافر الفطري، عداوة الظلام للنور، والضلال للهدى والباطل للحق والجور للعدل، ولذا بقي بنو امية على كفرهم الداخلي ومكرهم الباطني مع عدادهم في المسلمين وتمتعهم بنعم الاسلام وبركاته لكن لم يمتّ الاسلام شعرة من شعورهم ولا بلّ ريشة من اجنحتهم، كالبط يعيش طول عمره في الماء ولا يبلّ الماء ريشة منه (فيما يقولون) نعم اقروا بأسلامهم حقناً لدمائهم وتربصاً لسنوح الفرصة لهدم عروش الاسلام وقواعده، حتى اذا ادلى من كانت له السلطة بالخلافة الى اول خليفة منهم طاروا فرحاً، واعلنوا ببعض ما كانت تكنّه صدورهم، فجمعهم ابو سفيان وقال: ((تلقفوها يا بني امية، تلقف الكرة، فوالذي يحلف به ابو سفيان ما من جنة ولا نار)).

ثم اخذوا زمام الخليفة الاموي بأيديهم، وصاروا يقودونه (كالجمل الذلول) حيث شاءوا، فأتخذوا مال المسلمين دولاً، وعباد الله خولاً، وانتفضت بلاد المسلمين من جميع اقطارها عليه وعليهم الى ان حاصروه في داره، وضايقوه على ان يخلع نفسه من الخلافة، ويجعلها شورى بين المسلمين فتقاعس وتصلّب اولاً، ثم لما اشتد الحصار عليه وحبسوا عنه حتى الماء والطعام تراخت اعصابه، ووهنت اطنابه، وحاول ان يخمد نار الفتنة بخلع نفسه اجابة للثائرين الذين شددوا الحصار فأحسّ بنوا امية وقيادتهم يومئذ بيد مروان في المدينة، ومعاوية في الشام، بأن صاحبهم اذا خلع نفسه فسوف يفلت الحبل من ايديهم، وقد غلط الدهر او غلط المسلمون غلطة يستحيل ان يعودوا لمثلها ابداً، وبأي سابقة، او مكرمة لبني امية او جهاد في الاسلام يستحقون ان تكون خلافة المسلمين في واحد منهم، وهم اعداء الاسلام وخصومه في كل موقف من مواقفه، وفي كل يوم من ايامه، ادرك كل ذلك مروان ومن معه من حزبه، فتواطئوا مع زعيمهم بالشام ان يجهزوا على صاحبهم فيقتلوه قبل ان يخلع نفسه وقبل ان يفلت حبل الحيلة من ايديهم، نعم يقتلونه ويتخذون قتله ذريعة الى مطالبة فئة من المسلمين بدمه، ويتظاهرون لسائر المسلمين بأنه قتل مظلوماً ولا بد من الأخذ بثاره فيكون اقوى وسيلة الى استرجاع الخلافة اليهم، ولولا قتل عثمان وقميص عثمان لما صارت الخلافة الى معاوية ومروان وابناء مروان، ولكان من المستحيل ان يحلموا بها في يقظة او منام، ولكن جاءت صاحبهم الاول من غير ثمن، وقد دفعها اليه من قبله دفعا، نعم اراد السابق ان يحولها عن بني هاشم الى خصومهم الالداء بني امية فقتل حبل الشورى، وابرمه بحيث تصير الخلافة لا محالة الى عثمان وما اكتفى بذلك حتى نفخ روح الطموح اليها في نفس معاوية الطليق ابن الطليق، وهو وابوه اكبر الاعداء الالداء للاسلام، كان كل سنة يحاسب عماله ويصادر اموالهم، ويعاملهم بأشد الاحوال الا معاوية، تتواتر الاخبار لديه بأن معاوية يسرف في صرف اموال المسلمين، ويلبس الحرير والديباج فيتغاضى عنه بل يعتذر له، ويقول: (ذاك كسرى العرب)[54] مع ان معاوية كان من الضعة والفقر والهوان بأقصى مكان، كان من الصعاليك الساقطين في نظر المجتمع حتى ان احد اشراف العرب وفد على النبي (ص) ولما راد الخروج امر النبي (ص) معاوية ان يشيّعه الى خارج المدينة وكان الحرَّ شديداً والأرض يغلي رملها ويفور ومعاوية حافي القدمين، فقال للوافد الذي خرج في تشييعه:

ــ اردفني خلفك.

ــ انت لا تصلح ان تكون رديف الأشراف والملوك!.

ــ الا فأعطني نعليك اتقيّ بهما حرارة الشمس.

ــ انت احقر من ان تلبس نعلي.

ــ ما اصنع وقد احترقت رجلاي؟.

ــ امشي في ظل ناقتي ولا تصلح لأكثر من هذا!!.

تعساً لك يا زمان واف لك يا دهر هذا الصعلوك النذل صار او صيّروه كسرى العرب!!.

نعم معاوية ومروان هما اللذان دبّرا الحيلة في قتل عثمان، ومكّنوا الثائرين من قتله، وقضية الجيش الذي ارسله معاوية من الشام الى المدينة ووصيته له بأن لا يدخل المدينة حتى يقتل عثمان تشهد لذلك وهي مشهورة.

نعم وقد اعانهم على قتله ايضاً احدى زوجات النبي التي كانت تهرج على عثمان وتصرخ في النوادي (( اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلا))، ثم بعد ان امتثلوا امرها وقتلوه، ثارت او اثاروها الى الطلب بدمه، وكانت من جراء ذلك واقعة الجمل التي ذهب ضحيتها عشرون الفاً من المسلمين وفتحت باب الحروب بين اهل القبلة، وقال احد شعراء ذلك العصر يخاطبها ويؤنبها:

وانت البلاء وانت الشقاء

 

وانت السحاب وانت المطر

 

وانت امرت بقتل الامام

 

وقلت لنا انه قد كفر

 

وقال الآخر:

جاءت مع الأشقين في هودج

 

تزجى الى البصرة اجنادها

 

كأنها في فعلها هرة

 

من جوعها تأكل اولادها

 

وهذه النكات التي رشح القلم بها هنا وهي من اسرار دقائق التاريخ والتي قلَّ من تنبه لها انما جاءت عفوا، وما كانت من القصد في شيء، انما المقصود بالبيان ان معاوية وأبا سفيان لما بهرهما الاسلام وقهرهما على الدخول فيه حفظاً لحوبائهما من التلف، اظهرا الاسلام صورة واضمرا الكيد والفتك به سريرة، وبقيا يتربصان فكلما سنحت فرصة لذلك ظهرت ركيزتهم في اقوالهم وفي اعمالهم.

وكان معاوية ادهى من ابيه الذي كبر وخرف في آخر عمره ومن دهائه وعزمه كان يحتفظ بصورة الاسلام مدة امرته بالشام عشرين سنة فلا يصدم بشعيرة من شعائره، ولا يتطاول الى اعتراض قاعدة من قواعده فلا يتجاهر بشرب الخمر والاغاني ولا يقتل النفس المحرمة، ولا يلعب بالفهود والقرود، ولا يضرب على المزمار والعود، نعم قد يلبس الحرير والديباج وطيلسان الذهب ولا بأس بذلك فأنه (كسرى العرب) وما احتفظ بشعائر الاسلام الا لحاجة في نفس يعقوب، ومن باب الهدوء قبل العاصفة والمشي رويداً لأخذ الصيد.

 بقى على ظاهر هذا الايمان المبطن بالكفر مدة مخالفته ومحاربته لأمير المؤمنين في صفين، فلما استشهد (عليه السلام) تنفس الصعداء وغمرته المسرّة، وامكنته الفرصة من اللعب على الحبل وتدبر الحيل، ولكن بعد ان بويع الحسن (عليه السلام) والتف عليه الابطال من اصحاب ابيه وشيعته ومواليه ومنهم الرؤوس، والضروس، والانياب، والعديد، والعدة والسلاح، والكراع، فوجد انه وقع في هوة اضيق واعمق من الاولى، فأن الحسن (عليه السلام) سبط رسول الله، وابن بنته، وريحانته، وهو لوداعته وسلامة ذاته محبوب للنفوس لم يؤذ احدا مدة عمره، بل كان كله خير وبركة، ولم تعلق به تهمة الاشتراك بقتل عثمان، بل قد يقال انه من الذابين عنه فكيف يقاس معاوية به وكيف يعدل الناس عن ابن فاطمة بنت رسول الله (ص) الى ابن هند آكلة الأكباد، اقلق معاوية، واقض مضجعه التفكير بهذه النقاط المركزة التي لا مجال فيها للنقاش والجدال، ولكن سرعان ما اهتدى بدهائه ومكره الى حلّ عقدتها وكشف كربتها، فلجأ الى عاملين قويين اولهما المال الذي يلوي اعناق الرجال، ويسيل في لعبه لعاب الابطال وبعث الى اعظم قائد من قادة جيش الحسن الذي بايعوه على الموت دونه وامسهم رحماً به وهو عبيد الله بن العباس الذي جعله اميراً حتى على قيس بن سعد بن عبادة ذلك الزعيم العظيم الفارس المغوار المتفاني اخلاصاً في حب الحسن (عليه السلام) وابيه (عليه السلام)[55].

نعم، بعث اليه معاوية بأكثر من خمسين الف، ووعده عند مجيئه اليه بمثلها فأنسل الى معاوية في جنح الظلام، واصبح الناس ولا امير لهم فصلى بهم قيس، وهوّن عليهم هذه الفادحة التي أهوت عزيمة الجيش، وهيأتهم للهزيمة قبل النضال وقل: ساعد الله قلبك يا ابا محمد كيف تحملت هذه الرزايا التي اقبلت عليك متتابعة كقطع الليل، وصار معاوية يعمل بهذه الخطة مع كل بارز من الشيعة ورجالهم وابطالهم فأستمالهم اليه جميعاً ولم يستعص عليه ويسلم من مكره وحبائله الا عدد قليل لا يتجاوز العشرة كقيس بن سعد، وحجر بن عدي وامثالهم ممن ناطحوا صخرة الظلم والظلال براسخ ايمانهم، وما اختلجهم الشك في كفر معاوية وابيه وبنيه طرفة عين وكان قيس ( اقسم بالله ان لا يلقى معاوية وبينهما الرمح او السيف) في قضية معروفة هذا (اول) تدبير اتخذه معاوية للغلبة على الحسن (عليه السلام) واستبداده بالأمر واغتصاب الخلافة منه.

(الثاني) وهي حيلة تأثيرها اشد من الأولى استطابها السواد الأعظم وانجرف اليها الرأي العام تلك دعوى معاوية الحسن الى الصلح، نعم اشد ما فت في عضد الحسن طلب معاوية الصلح، فقد كانت افتك غيلة واهلك حيلة لأن المال كان يستميل به معاوية عيون الرجال، والخواص منهم، اما العامة فلا ينالهم منه شيء ولكن الناس كانوا قد عضّتهم انياب الحروب حتى ابادت خيارهم، واخرجت ديارهم في اقل من خمس سنين ثلاثة حروب ضروس: الجمل، وصفين، والنهروان، فأصبحت الدعوة الى الحرب ثقيلة وبيلة, والدعوة الى الصلح والراحة لذيذة مقبولة، وهنا تأزّمت ظروفه (عليه السلام) وحاسب الموقف حساباً دقيقاً، حساب الناظر المتدبر في العواقب فوضع الرفض والقبول في كفتي الميزان ليرى لأيها الرجحان، فوجد انه لو رفض الصلح واصر على الحرب، فلا يخلو اما ان يكون هو الغالب، ومعاوية المغلوب وهذا وان كانت تلك الأوضاع والظروف تجعله شبه المستحيل ولكن فليكن بالفرض هو الواقع، ولكن هل مغبة ذلك الا تظلم الناس لبني امية، وظهورهم بأوجع مظاهر المظلومية، بالامس قتلوا عثمان عين الامويين، وامير المؤمنين (كما يقولون) واليوم يقتلون معاوية عين الأمويين، وخال المؤمنين[56] (يا لها من رزية) ويتهيأ لبني امية قميص ثانٍ فيرفعون قميص عثمان مع قميص معاوية، والناس رعاع ينعقون مع كل ناعق لا تفكير ولا تدبر، فماذا يكون موقف الحسن اذاً؟ لو افترضناه، هو (الغالب).

اما لو كان هو (المغلوب) فأول كلمة تقال من كل متكلم ان الحسن هو الذي القى نفسه بالتهلكة، وسعى الى حتفه بظلفه، فأن معاوية طلب منه الصلح الذي فيه حقن الدماء فأبى وبغى، وعلى الباغي تدور الدوائر وحينئذ يتم لمعاوية وابي سفيان ما ارادا من الكيد للاسلام وارجاع الناس الى جاهليتهم الأولى وعبادة اللات والعزى، ولا يبقى معاوية من اهل البيت نافخ ضرمة، بل كان نظر الحسن (عليه السلام) في قبول الصلح ادق من هذا وذاك اراد ان يفتك به ويظهر خبث حاله، وما ستره في قرارة نفسه قبل ان يكون غالباً او مغلوباً، وبدون ان يزج الناس في حرب، ويحملهم على ما يكرهون من اراقة الدماء.

فقد ذكرنا ان معاوية المسلم ظاهراً العدو للاسلام حقيقة، وواقعاً كان لوجود المزاحم يخدع الناس بغشاء رقيق من التزمت في ارتكاب الكبائر والموبقات، وما ينطوي عليه من معاداة الاسلام وتصميم العزيمة على قطع جذوره واطفاء نوره، يتكتم بكل ذلك خوفاً من رغبة الناس الى الحسن وابيه من قبل فأراد الحسن ان يخلى له الميدان، ويسلم له الامر ويرفع الخصومة، حتى يظهر ما يبطن، ويبوح بكفره، ويعلن ويرفع عن وجهه ذلك الغشاء الصفيق ويعرف الناس حقيقة امره، وكان من سره، وهكذا فعل، وفور ابرام الصلح صعد المنبر في جمعٍ غفير من المسلمين وقال: (اني ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا وانما قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد اعطيت الحسن شروطاً كلها تحت قدمي).

انظر الى القحة والصلف وعدم الحياء وضيق الوعاء وصفاقة الوجه، اما وايم الله انه لو لم يكن لقبول الصلح الا ظهور هذه الكلمات من معاوية لكفى بها دليلاً على افتضاح معاوية، ومعرفة الناس بكفره، فما ظنك به وقد استمر على هذه الحطة الكافرة، والخطيئة السافرة، والتحدي للاسلام وهدم قواعده جهارا.

لولا صلح الحسن لما استلحق معاوية زيادا بأبي سفيان، وهو ولده من الزنا، فضرب قول رسول الله (ص): (الولد للفراش وللعاهر الحجر) ضربها بالحجر وبعرض الجدار بلا خيفة، ولا حذار.

لولا الصلح لما قتل حجر بن عدي سيد الاوابين، وعشرة من اعلام خيار الصحابة والتابعين، قتلهم بمرج عذراء صبراً، من دون أي سبب مبرر.

لولا الصلح لما قتل معاوية الصحابي الجليل عمرو بن الحمق وحمل رأسه الى الشام، وهو اول رأس حمل في الأسلام.

لولا الصلح لما سقى معاوية الحسن السم على يد جعيدة بنت الاشعث.

لولا الصلح لما اجبر معاوية البقية الصالحة من اولاد المهاجرين والانصار على أخذ البيعة ليزيد، وحاله في الفسق والفجور مشهور الى كثير من امثال هذه المخازي، والفضائع التي لا يبلغها الاحصاء، ولكن تأمل ملياً وانظر من الغالب ومن المغلوب، انظر ما صنع الحسن بمعاوية في صلحه وكيف هذّ جميع مساعيه وهدم كل مبانيه حتى ظهر الحق وزهق الباطل، وخسر هنالك المبطلون فكان الصلح في تلك الظروف هو الواجب والمتعين على الحسن، كما ان المحاربة والثورة على يزيد في تلك الظروف كان هو الواجب والمتعين على اخيه الحسين، كل ذلك للتفاوت بين الزمانين والأختلاف بين الرجلين.

ولولا صلح الحسن الذي فضح معاوية، وشهادة الحسين التي قضت على يزيد، وانقرضت بها الدولة السفيانية بأسرع وقت.

لولا تضحية هذين السبطين لذهبت جهود جدهما بطرفة عين، ولصار الدين دين آل ابي سفيان دين الغدر والمكر دين الفسق والفجور دين الحانات والخمور دين العهار والقمار دين الفهود والقرود دين ابادة الصالحين واستبقاء الفجرة الفاسقين.

فجزاكما الله يا سيدي شباب الجنة ويا سبطي رسول الله، جزاكما الله عن الاسلام واهله افضل الجزاء، فوالله ما عبد الله عابد ولا وحّده موحد، وما حقّت فريضة ولا اقيمت سنة ولا ساغت في الاسلام شريعة ولا زاغت من الضلال الى الهدى امّة الا ولكما بعد الله ورسوله الفضل والمنّة والحجة البالغة والمحجة.

جاء رسول الله بالهدى والنور والخير والبركة للانسانية اجمع من غير لون ولون وعنصر آخر وامة دون امة وقوم سوى آخرين جاء بالاسلام والنور المبين فشيد قواعده واحكمه واقومه واكمله واتّمه ولم يترك فيه أي نقص واي عوج وجاء ابو سفيان والشجرة الملعونة في القرآن معاوية ويزيد ومروان فحملوا معاول الكفر والشرك وتحاملوا على تلك الأسس والقواعد يقلعون جذورها ويخمدون نورها [يرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ][57] ، فوقف السبطان بما لهما من قوة وسلطان سداً منيعاً دون ذلك البنيان وما نم لهما ما ارادا من حفظ شريعة جدهما الا بالتضحية العظمى بانفسهم واموالهم ورجالهم واطفالهم وبكل ما في دنيا النعمة والنعيم والعيش الوسيم بذلوا كل ذلك في سبيل الله ولحفظ دين الله، ولولا هذه التضحية وتلك المفاداة لأصبح دين الاسلام اسطورة من الاساطير لا تجده الا في الكتب والقماطير يذكره التاريخ كما يذكر الحوادث العابرة والأمم المنقرضة.

سبحان الله والله اكبر ولله الحمد من هنا تعرف ويجب ان تعرف السر في حفاوة المنقذ الأعظم تلك الحفاوة البليغة والتعظيم الخارج عن نطاق العرف والمعتاد بل وعن رواق التعقل والسداد ذلك النبي العظيم والشخصية الحبيبة الى المبدأ الاعظم التي ملأها هيبة وعظمة ووقارا، والذي لا تهزه العواصف ولا تستميله العواطف ولا خامره في لحظة من عمره العبث واللهو واللعب الذي كانت غريزته التي فطر عليها قوله: (ما انا من دد ولا الدد مني) والذي كان من الوقار والهيبة والاتران ربما يدخل عليه الرجل الذي ما رآه من ذي قبل فترتعد فرائصه من هيبته فيقول له النبي: (لا تفزع فأني ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد) حذراً من ان يقول المسلمون فيه ما قالت النصارى في المسيح هذا الطود العظيم، يحمل الحسن والحسين وهما طفلان على كتفيه، ويمشي بهما وهما على متنيه في ملأ من المسلمين رافعاً صوته ليسمعوا (نعم الجمل جملكما، ونعم الراكبان انتما) ثم يأتي الحسين وهو غلام فيعلو على ظهر النبي والنبي ساجد فلا يرفع رأسه حتى ينزل الحسين حسب ارادته، النبي يخطب والحسين يدرج في المسجد فيعثر فيقطع النبي خطبته ويعدو اليه ويحتضنه ويقول: (قاتل الله الشيطان، الولد فتنة لما عثر ولدي هذا احسست ان قلبي قد سقط مني) الى كثير من امثال هذا مما صدر عنه سلام الله عليه في ولديه مما لست بصدد احصائه وجمعه.

ولكن اقول ان هذا الشغف والحب اللامتناهي ليس لكونهما ابني بنته فحسب فأن هذه النسبة لا تستوجب كل هذا العطف الخارق لسياج العرف والعادة، ولكن لاشك ان هناك اسراراً واسباباً هي ادق واعمق، اسرار روحية هي فوق هذه الوشائج الجسمية، فهل ترى معي ان رسول الله (ص) لعله ارتفع عن افق الزمان، واشرف بروحيته المقدّسة من نافذة الدهر، واطلَّ على صحيفة التكوين من الفه الى يائه، فنظر الى الماضي والحاضر والآتي نظرة واحدة، رأى الحوادث الآتية ممثلة بعينها في صحيفة الوجود لا بصورها على شاشة التمثيل، رأى ما كابد ولداه من الدفاع عن دينه، والحماية لشريعته والتضحية بأنفسهم واموالهم واولادهم، وانهم ارخصوا في المفاداة كل غالٍ وعزيز، تجرّع الحسن السم من معاوية مراراً حتى قضي بالمرة الأخيرة التي تقيأ بها كبده قطعة قطعة، ثم ضرب الحسين المثل الأعلى في التضحية والمفاداة لحفظ شريعة جده، فاستقبل السيوف والرماح والسهام وجعل صدره ونحره ورأسه ورئته، وقاية عن المعول التي اتخذها بنو امية لهدم الاسلام، وقلعه من اساسه، ونصب نفسه واولاده وانصاره والغرّ الميامين هدفاً وشيجاً لوقاية الاسلام من ان تنهار دعائمه، وتنهد قواعده وقوائمه، بهجمات الامويين عليه، حتى سلم الاسلام واشرقت انواره، وعلمت اسراره، وهلك الكافرون وخسر هنالك المبطلون، وكانت كلمة الله العليا، وكلمة اعدائه السفلى، وكل مسلم من اول اسلام الناس الى اليوم بل والى يوم القيامة مدين ورهين بالشكر والمنة لهذين الامامين، ولولا تضحيتهما التي ما حدث التاريخ بمثلها ابداً.

نعم لولا تلك التضحية لعاد الناس بمساعي الأمويين الى جاهليتهم الأولى بل اتعس اذاً فهل تستغرب من النبي (ص) تلك الحفاوة والتعظيم لهما وهما طفلان صغيران، وقد عرف بل رأى بعين بصره تلك الحوادث الفجيعة، ذلك الكفاح المرير من اجله وفي سبيله، وكان يشمّهما ويضمهما ويقول: (هما ولداي وريحانتاي) وباليقين انه كان يتنسم منهما العبق الربوبي، ويتوسم بهما الألق الالهي وبهذا نعرف ويجب ان نعرف ان الحسن والحسين نور واحد لا يفضل احدهما على الآخر قدر عرض شعرة، كل واحد منهما قد قام بواجبه، وادى رسالته، وعمل بالمنهاج المقرر له من جده وابيه والصك الذي تسلمه في اول يوم من امامته، اذا اردت التوسع في معرفة عظمة الحسن (عليه السلام) وشجاعته، وبسالته، وقوة قلبه، وشدة عارضته، وبليغ حجته، وعدم اكتراثه بزخارف الملك، وابهة السلطان، فأنظر الى كلماته واحتجاجاته في مجلس معاوية مع رؤوس المنافقين، وضروس الكفرة الملحدين الذين كان معاوية يحرش بينهم وبين الحسن ليضحك على ذقونهم، كأبن العاص وابن شعبة ومروان ونظرائهم من زبانية جهنم الذين ما آمنوا بالله طرفة عين انظرها واعجب بها ما شئت هناك تتمثل لك العظمة في اوج رفعتها، وتتصور لك البسالة في موج لجتها، وان شئت المزيد فأنظر الى كلماته ساعة الموت ويوم انطلاقه من هذا السجن.، الكلمات التي قالها لأخيه محمد بن الحنفية في حق اخيه الحسين، هنالك تفتح لك اغلاق اسرار الامامة، ويتضح لديك اشراق انوار النبوة والزعامة، وتعرف المرعوبة النبوية والولاية الكلية هنالك الولاية لله (والنبي اولى بالمؤمنين من انفسهم) (ومن كنت مولاه فعلي مولاه) [إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ].

وقد زحف القلم، وخرج عن المحدد واشتمر عن قصد الجادة والجادة القصد، انما القصارى التي اردتها من كلمتي هذه ان العداوة بين بني هاشم وبني امية ذاتية متاصلة هي عداوة الهدى للضلال، والنور للظلام، ويشهد لذلك انك لو استعرضت سيرة بني امية من اولهم من عبد شمس الى آخرهم مروان الحمار لم تجد في صحيفة الكثير بل الأكثر منهم الا الغدر والمكر ونكث العهود، والفسق والفجور، والعهر والخنا وانباء الزنا الى كل ما يتحمله لفظ الرذيلة من المعاني.

واذا استعرضت سيرة بني هاشم من اولهم ليومنا هذا لم تجد في صحيفة الكثير بل الأكثر منهم الا كلما تحمله لفظ الفضيلة من الوفاء والصدق والشجاعة والعفة، وطهارة المولد، وشرف النفس وعلّو الهمة، والتضحية في سبيل المبدأ وما الى ذلك من كرم الأخلاق، وطهارة الأعراق وهب ان هناك من يعذر بني امية في عداوتهم لبني هاشم ويقول انهم اتخذوها ذريعة ووسيلة الى الملك والسلطان، ولكن ما عذر الموالين لبني امية في هذا العصر ما عذر الأموية الحديثة، التي لا تنال بذلك حظاً من حظوظ الدنيا ولا نصيباً في الآخرة، [قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا][58] ، [خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ][59].

والحمد لله الذي فقأ عيني الكفر والنفاق، واقر عيني الاسلام والايمان بالحسن والحسين، والعترة الطاهرة، ونسأله تعالى كما منّ علينا بمعرفتهم وولايتهم ان يحشرنا في زمرتهم، ويكرمنا بشفاعتهم والبراءة من اعدائهم وعداوتهم:

اواليكم ما دجت مزنة
 

وما اصطخب الرعد او جلجلا
 

وابرأ ممن يعاديكم
 

فأن البراءة شرط الولا
 

وحقاً ان الزكي ابا محمد (عليه السلام) في المدة القصيرة التي عاشها بعد ابيه تحمل من الرزايا والمحن ما لم يحتملها نبي او وصي نبي، وما هي بأقل من المصائب التي جرت على اخيه ابي عبد الله (عليه السلام) يوم الطف فأن النكبة الأليمة، والضربة الأثيمة في الأخوين واحدة وان اختلفت الاشكال والاساليب وكما ان الحسين قابل رزاياه بالصبر الذي عجبت منه ملائكة السماوات فكذلك الحسن قاتل عدوه، وقابل الأمة وارزاءه بصبر عجيب، وصدر رحيب ما هان يوماً ولا لان ولا تضرع ولا استكان وما اخذ من امواله التي اغتصبها معاوية منه وصارت العوبة بايدي بني امية، وما أخذ واحدا من الآف بل من مئات الآلاف وكما لا مساغ للتفاضل بين هذين النيرين، كذلك لا يصح القول بأن صبر الحسن دون صبر الحسين، او ان مصيبته اهون المصيبتين، فسلام الله عليكما يا امامي الهدى وسليلي علي والزهراء ما ازهرت الفضيلة واكفهرّت الرذيلة.

واختم كلمتي بأبيات من خاتمة قصيدة رثاء لسيد الشهداء نظمتها منذ مدة تزيد على خمسين سنة استهلها:

خذوا الماء من عيني والنار من قلبي
 

ولا تحملوا للبرق منا ولا السحب
 

واختمها:

بني الشرف الوضاح والحسب الذي

 

تناهى فأضحى قاب قوسين للرب

 

لئن عدت الأحساب للفخر او غدت

 

تطاول بالنساب سيارة الشهب

 

فما نسبي الا انتسابي اليكم

 

وما حسبي الا بانكم حسبي

 

حرر هذه الكلمة بانامله الرقيمة، واقلامه السقيمة مرتجلاً مترسلاً في بضع سويعات آخرها يوم الحادي والعشرين من شهر رمضان يوم وفاة سيد الوصيين وامام الصديقين امير المؤمنين عليه آلاف السلام والتحية سنة 1373هـ.

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

بمدرسته العلمية بالنجف الأشرف

حسين مني وانا من حسين

ورد الى الامام كاشف الغطاء (رحمه الله) من الكويت سؤال عن معنى قول رسول الله (ص): (حسين منّي…) فاجابه الامام بجواب غالٍ.

السؤال: الى مولاي حجة الاسلام والمجاهد الاكبر في احياء المذهب الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء المحترم: دمت بالعز والهنا، ادام الله تعالى ظله الظليل بعد تقديم فروض التحيات مع واجب الاحترام بتحية الاسلام واتمنى لكم السعادة والاقبال.

مولاي: اسمع من كثير من الخطباء على منبر الحسين عليه افضل الصلاة والسلام احاديثاً جمة يذكرونها عن النبي (ص) ومن جملتها هذا الحديث: (حسين مني وانا من حسين)، وكلما امعنت النظر واكثرت من التفكير فيه لم اصل الى حدّ يوقفني عنده، فأعلم في قوله (ص) (حسين مني) هو ان الحسين ولد من فاطمة (عليها السلام) وفاطمة بنت الرسول (ص) ولكن يقف حدي واتحرج في تفكيري ويختلف عقلي في تفسيرها. وعلمت انك انت الملاذ الوحيد في صدور هذه المسائل، ولذا كتبت لشخصكم الفذّ هذا الكتاب راجياً منكم تفسيرها لي على وجه الاكمل.

هذا ولا عدمنا وجودكم، ودمتم نبراساً وعلماً للأمة والمذهب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في 4 محرم الحرام سنة 1368هـ

خادمكم المحتاج احمد مراد محمد

بسمه تعالى

الجواب: ورد في كتابنا المؤرخ 4 محرم 68هـ بخصوص الحديث النبوي الحسيني المشهور الذي اصبحت شهرته تغني عن البحث في صحة سنده وعدم صحته وهو قوله (ص): (حسين مني وانا من حسين)، وان عقلك قد اختلف عليك في تفسير الجملة الثانية ولم تستطع ان تحمله على تفسيرها وتطلب منا بيان معناها وتفسيرها على الوجه الأكمل، وقد طرق باب هذا السؤال كثيرون قبلك منّا ومن غيرنا، ونحن لا ندري كيف فسّره غيرنا[60] والذي نحتمله فيه عدّة وجوه نذكرها ونشير في كل وجه الى ما يؤيده والى ما يبعّده.

الأول: من المحتمل ان المراد به ما هو الدارج المتعارف حيث يقول الرجل لولده او اخيه او احد اقربائه: انا منك وانت مني، ويستعمل في مورد الكناية من شدة الاتصال والقرب المقتضى للمودة والمحبة لأنهما من شجرة واحدة ومتفرعات من اصل واحد، فيكون المراد والله العالم اني انا والحسين من نور واحد وشجرة واحدة احبه ويحبني واتّصل به ويتصل بي، ويؤيد هذا المعنى شيوع هذا الاستعمال وكثرته والمشكوك يلحق بالأعم الأغلب، والذي يبعده انه معنى تافه لا مزية فيه للحسين (عليه السلام) بل ويشاركه ابوه واخوه بل سائر بني هاشم وسياق الكلام يقتضي ان يكون المراد بيان مزية تختص بالحسين من النبي (ص) دون غيره.

الثاني: ان يكون المراد ــ والله اعلم ــ المعنى الذي يقصد بقولهم النخلة من النواة والنواة من النخلة، وفي الشجرة بذرة منها توجد الشجرة، فيكون كناية عن كون الحسين (عليه السلام) قد انطوى فيه جميع كمالات الشجرة أي كمالات النبي (ص)، ففيه كمالات النبوة المعنوية دون النبوة الظاهرية الرسمية، وهذا المعنى يؤيده مساعدة الاعتبار ومطابقة الحقيقة والوجدان، ويبعده ان لازمه اختلاف سياق الجملتين كما لا يخفى على التأمل.

الثالث: من المحتمل ان يكون المراد الاشارة الى ما هو المعلوم والمقطوع به من انه لولا شهادة الحسين (عليه السلام) لما بقي للاسلام اسم ولا رسم فأن ابا سفيان ونغلاه (معاوية ويزيد)، حاربوا النبي (ص) في الجاهلية وحاربوه في الاسلام لمحو الاسلام وطمس آثاره وانواره وقد تسنى لهم ذلك بعد شهادة امير المؤمنين علي (عليه السلام) واستقامة الأمر لمعاوية بعد صلح الحسن (عليه السلام)، ولو تم الأمر ليزيد كما تم لأبيه لمحي الأسلام بالتمام واعاد الجاهلية على بكرة ابيها وبتمام معانيها، ولكن جزى الله الحسين (عليه السلام) عن الاسلام احسن الجزاء فلقد حفظه بشهادته وفداه بدمه ودم الصفوة من اهل بيته واصحابه الذين ما خلق الله لهم مثيلاً على وجه الأرض لا في عصرهم فقط بل منذ خلقت الدنيا الى وقتك، هذا فبقاء شريعة الاسلام ونبوة النبي (ص) من الحسين (عليه السلام)، وهذا معنى عال شريف، وهو عين الحقيقة والواقع، وهي مزبّة اختص بها دون ابيه واخيه فضلاً عن غيرهم، ولكن يبعّده استلزامه اختلاف سياق الجملتين ايضاً، اذ يكون الحاصل حسين مني ولادة وشريعتي من الحسين بقاء واستدامة.

الرابع: وهو اعلى المعاني ولعله اصحّها واجمعها وربما تندرج تلك الوجوه في طيّه، وهو يحتاج الى بيان مقدّمة تمهيدية تشمل على امرين الأول: ان الولادة التي هي عبارة عن تكوّن شيء من شيء وانبثاق كائن من كائن آخر تقع في الخارج على ثلاثة انواع.

الأول: تولّد جسم من جسم ومادي من مادي كتولد حيوان من حيوان ونبات من نبات ومعدن من معدن ومنه تولد انسان من آخر، فيتحقق انتزاع البنوة والأبوة والأمومة، وهذا هو التولد الجسماني المحض.

الثاني: تولّد روح من جسم كتولد ارواح الحيوان من جسمه، وتولّد ارواح البشر من اجسامها على ما حقق في محله من انّ النفس جسمانية الحدوث روحانية البقاء[61]، وان الروح تتكون من جسم الانسان او الحيوان، كما تتكون الثمرة من الشجرة.

واما احاديث خلق الارواح قبل الاجسام بألفي عام فهي محمولة على معان اخرى من الحكمة العالية والمعارف المتعالية مما لا مجال لذكرها هنا، وهذه الولادة برزخ بين الولادة الجسمانية المحضة والروحانية المحضة التي ياتي ذكرها لأنها روحانية جسمانية.

الثالث: تولد مجرّدة وروح من روح كتولّد النفوس الكلّية من العقول الكلّية في قوس النزول وتولد العقول الجزئية من النفوس الجزئية وتولّد النفوس الجزئية من الاجسام الشخصية في قوس الصعود، وقد قرر العرفاء الشامخون والحكماء الالهيون انه لا تنافي بين ان يتولّد شخص من آخر الولادة الجسمانية ويكون الوالد متولّداً من ولده بالولادة الروحانية، فآدم ابو البشر وابو الانبياء وكذلك هو اب لخاتم الأنبياء (ص) بالولادة الجسمانية ولكنه متولّد من محمد (ص) بالولادة الروحانية، ولعل اليه يشير شاعر العرفاء او عارف الشعراء ابن الفارض[62]:

واني وان كنت ابن آدم صورة

 

فلي فيه معنى شاهد بأبوتي

 

وشاعر اهل البيت (عليه السلام) العمري[63] يقول في مدح امير المؤمنين (عليه السلام):

انت ثاني الآباء في مبدء الدور

 

واباؤه تعدّ بنوه

 

خلق الله آدم من تراب

 

فهو ابن له وانت ابوه

 

فآباء النبي بالولادة الجسدية كلهم ابناؤه وهي ولادة حقيقية بل احق من الولادة الجسمية.

الثاني: ان الولاية اوسع دائرة واعلى افقاً واكثر اثراً من النبوة، هنالك الولاية لله، واول ولاية ولاية الله جلَّ شأنه [اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا][64] ، بل ولي كل شيء [إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا][65] فولاية الله هي الولاية الكبرى، وولاية النبي (ص) هي الوسطى، وولاية اوليائه من سدرة المنتهى وجنة المأوى، ومن هنا قالوا ان الولاية اعمّ من النبوة وكل نبي ولي ولا عكس، والنبوة تحتاج الى ولاية والولاية لا تحتاج الى النبوة.

اذا تمهدّت هذه المقدمة وما تنطوي عليه من الأمرين النيّرين ظهر لك معنى الحديث الشريف بالوجه الاكمل: وهو (حسين مني) بالولادة الجسمانية، (وانا من حسين) بالولادة الروحانية فأن الحسين بوجوده السعي الكلّي الخارجي العيني لا الذهني المفهومي هو الحائز بشهادته الخاصة، وامامته العامة لمقام الولاية العظمى، والفائز بالقدح الأعلى من سدرة المنتهى وهذه هي مجمع الولايات وغاية الغايات، ومنها تنبثق وتتولّد جميع النبوآت، فلا جرم ان حسيناً من محمد (ص) ومحمد من حسين (عليه السلام).

محمد النبي من الحسين الولي ونور النبوة ينبثق من نور الولاية ثم يسير النور واحداً، وهنا تزول الحيثيات وتسقط الاعتبارات وليس الا الله جلّ جلاله وانواره وتجلياته فأطفئ السراج فقط (فقد) ظهر الصباح لذي عينين وزال كلّ فرق وفارق من البين، ووصل الكلام الى مقام لا تحتمله عقول الأنام، وهنا اسرار واكوار لا يجوز نشرها وذكرها، وكيف كان فهذا الحديث من جوامع كلمه صلوات الله عليه، والحمد لله وليّ الالهام في البدء والختام. محمد الحسين آل كاشف الغطاء

الحسين كتاب الله التكويني

آية الله المرجع الديني الأعلى الامام كاشف الغطاء تفضل فحلّى صدر (البيان) بكلمته هذه التي اغربت عن سمو عظمته فلعمر الله لقد اوتي هذا الامام العظيم من المواهب ما لم يؤتها الا ذو حظ عظيم، فهو الأمير في البيان والزعيم في الفقه والمصلح الأكبر بين سائر المسلمين، فلا بدع اذا اقتدى به الجماهير واعتنق رأيه الملايين من البشر فقد برهن طوال اربعة عقود من الزمن انه الحارس للدين والراعي لشرعة سيد المرسلين، وآثاره ناطقة ومؤلفاته شاهدة، واسفاره معربة عن كل ذلك وفوق ذلك.

البيان (1)

جرت عادة الصحف منذ سنوات ان تفرّد عدداً خاصاً في الحسين (عليه السلام) عند رأس السنة مستهلّ محرم من كل عام فيستنهضون اقلام الكتّاب ويشحذون عزائمهم لتحبير المقالات، فيأخذ كلّ كاتب او شاعر او خطيب ناحية من نواحي واقعة الطفّ ويكتب فيها ما تملي عليه قريحته وتواتيه قدرته، وكنا كتبنا في فواتح عدة من الصحف في مستهل السنوات الغابرة ما لو جمع لجاء مؤلفاً مستقلاً وكتاباً فذاً، اما لو جمع ما كتبه العلماء والأدباء والشعراء والخطباء في تلك الفاجعة الدامية من بدء حدوثها الى اليوم لأستوعب الوف الكتب والمؤلفات وبرزت منه دائرة معارف كبرى لم يأتِ لها الدهر بنظير، وليس هذا هو الغرض من كلمتي هذه انما المقصود بالبيان ان نهضة الحسين (عليه السلام) على كثرة ما نظم الشعراء فيها مما يجمع مئات الدواوين واكثر منها الخطب والمقالات والوف المؤلفات هل ترى ان كلّ ذلك وجميع اولئك احاطوا بكل مزاياها؟  احصوا جميع خصائصها وخفاياها؟ ووصلوا الى كنه اسرارها وعجائبها؟ كلاّ، فأن اسرار تلك الشهادة ومزاياها لا تزال تتجدد بتجدد الزمان وتطلع كل يوم على البشر طلوع الشمس والقمر لا ينتهي امدها ولا ينطفئ نورها ولا يحد سورها ولعل اقرب مثل يضرب للحسين (عليه السلام) هو كتاب الله المجيد فأن هذا الفرقان المحمدي على كثرة تفاسيره وشرح نكاته ودقائقه وغوامض حقائقه واعجازه وبلاغته وباهر فصاحته وبراعته لا يزال كنزاً مخفياً، ولا تزال محاسنه تتجدد واسراره تتجلى، وفي كل عصر وزمان يظهر للمتأخر من اشارته ومغازيه ما لم يظهر للمتقدّم فكأنه يتجدد مع الدهر ويتطوّر بتطور الزمان، نعم القرآن كتاب الله الصامت والحسين كتاب الله الناطق، القرآن كتاب الله التدويني والحسين (كتاب الله التكويني) وكل من الكتابي صنع ربوبي وعمل الهي، نعم كل الكائنات صنع ربوبي ولكن الحسين (عليه السلام) والقرآن صنعهما للتحدي والاعجاز، وما تحدى الله بصنعه البشر عن الاحاطة به واستيعاب مزاياه واسراره وبدائع احكامه وحكمته، القرآن يملي على البشر في كل زمان اسرار الكون وخبايا الطبيعة ودقائق الفطرة، ونهضة الحسين (عليه السلام) في كل محرّم من كل سنة بل في كل سنة تملي على الكائنات عجائب التضحية وغرائب الاقدام والثبات ومقاومة الظلم ومحاربة الظالم، تلقي على العالم دروس العزّة والأباء والاستهانة بكل عزيز من نفس او مال في سبيل نصرة الحق وقمع الباطل والدفاع عن المبدأ والعقيدة، يلقى على الواعين دروس الاخلاق الفاضلة الانسانية الكاملة، والسجايا العالية والملكات الزاكية وكلّ ما جاء به القرآن والسنة من الخلق العظيم والنهج القويم، ولكن جاء بها القرآن قولاً وطبقها الحسين (عليه السلام) عملاً وابرزها للناس يوم الطف عياناً، أتريد ان تتعرف بناحية مما صنع الحسين (عليه السلام) يوم الطف انظر الى الكتاب الكريم فأن اقصى ما طلبه من العباد في باب الجهاد هو الجهاد بالنفس والمال فقال تعالى: [جَاهِدُوا بِأمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ][66] والحسين (عليه السلام) لم يقنع بهذا حتى جاهد بماله ونفسه واولاده وعياله واطفاله والصفوة من صحبه واسرته، صنع الحسين (عليه السلام) يوم الطف صنع العاشق الولهان فضحّى في سبيل معشوقه كلّما اعز وهان كان الله تعالى اعزّ شيء عند الحسين (عليه السلام) فأعزه الله وصار ثار الله في الأرض والوتر الموتور.

نعم قلنا ولا نزال نقول ان نهضة الحسين (عليه السلام) لا تحصى اسرارها ولا تنطفئ انوارها ولا تنتهي عجائبها:

وعلى افتنان الواصفين بوصفه

 

يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف

 

فصلوات الله عليك يا ابا عبد الله وعلى نهضتك المقدّسة التي حيّرت الأفكار واذهلت العقول وادهشت اللباب، واعجزت عن الاحاطة بها كل كاتب وكتاب، على مرّ الدهور وتمادي الاحقاب.


[1] سورة 39 آية: 70.

[2] أي مقاتل ذو بطش الذي لا يبالي بالموت.

[3] اشارة الى الجواب الذي اجاب به الامام "عليه السلام" للسائل في المسألة المعروفة بالمنبرية ونقلها اهل السنة عن امير المؤمنين "عليه السلام" انه سأل عنه وهو على المنبر يخطب عن رجل مات وترك امرأة وابوين وابنتين كم نصيب المرأة؟ فقال: صار ثمنها تسعاً، فلقّبت بالمسألة المنبرية.

واستدل بها اهل السنة على صحة العول في الفرائض يعني: اذا زادت السهام المقدرة على قدر الفريضة يجعل النقص موزعاً على جميع الورثة. واول مسألة وقع العول في الاسلام في زمان عمر حين ماتت امرأة في عهده عن زوج واختين فجمع الصحابة وقال لهم فرض الله تعالى للزوج النصف وللاختين الثلثين فان بدأت للزوج لم يبق للاختين حقها وان بدأت للاختين لم يبق للزوج حقه فأشيروا عليّ فأتفق رأيهم على العول ثم اظهر ابن عباس (رض) الخلاف وبالغ فيه وقال: من شاء باهلته عند الحجر الاسود ان الله تعالى لم يذكر في كتابه نصفين وثلثا.

وبطلان العول من ضروريات مذهب اهل البيت (عليهما السلام) وعليه اجماعهم واتفقت الشيعة الامامية على بطلانه تبعاً لأئمتهم (عليهما السلام) وقالوا ان الزوجين ياخذان حقهـما وكـذا الابـوان ويدخل النقص على البنات ومـن تقرب بالابوين او بالاب من الاخوات وقد صح عن امير المؤمنين "عليه السلام" انه قال: (ان الذي احصى رمل عالج ليعلم ان السهام لا تعول على ستة لو يبصرون وجهها لم تجز ستة ).

فالقارئ العزيز جد خبير بأن المسالة المعروفة بالمنبرية التي رواها اهل السنة على خلاف ضرورة مذهب اهل البيت (عليهما السلام) ولذا فقهاء الامامية قالوا لعلها صادرة من باب التقية ومماشاة على وفق رأي القوم او استفهام انكاري او هو تهجين للعول أي صار ثمنها الذي فرض الله تعالى له عند القائل بالعول كذلك او سال كيف يجيء الحكم على مذهب من يقول بالعول فبين الجواب والحساب والقسمة والنسبة فان على مذهب من يقول بالعول: للابوين السدسان وللبنتين الثلثان وللمرأة الثمن علت الفريضة. فكان لها ثلث من اربعة وعشرين ثمنها فلما صارت الى سبعة وعشرين صار ثمنها تسعاً فأن ثلاثة من سبعة وعشرين تسعها ويبقى اربعة وعشرون للابنتين ستة عشر وثمانية للابوين سواء.

واما على مذهب اهل البيت (عليهما السلام) فلا يدخل النقص على المرأة والابوين بل ينقص من البنتين واخبارهم واحاديثهم ببطلان العول متظافرة ولفقهاء الامامية على بطلانه ادلة كثيرة والزامات وفيرة وتشنيعات مفصلة في الكتب الفقهية الاستدلالية فراجع.

وغرض شيخنا الامام (رحمه الله) هو الاشارة الى ما نقله اهل السنة انفسهم في كتبهم من استحضاره "عليه السلام" في الجواب في اثناء خطبته والزام لهم باقرارهم في هذا الموضوع مع قطع النظر عن ان مضمون هذا المنقول على خلاف ضرورة مذهب اهل البيت (عليهما السلام) في مسألة العول، انظر الى مطالب السؤل للشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي ص28 وتاسع البحار ص463 ط امين الضرب وغيرهما.

[4] سورة 5 آية:6.

[5] سورة 5 آية: 72.

[6] ازف: أي اقترب.

[7] انظر الخطبة الشريفة في الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله) وتفسير الصافي للعلامة الكاشاني (رحمه الله) وبحار الانوار ج9 ص324 ــ 328 ط امين الضرب.

[8] وبعده قوله:

فقال: فمن مولاكم ونبيكم ؟

 

فقالوا ولم يبدو هناك التعاميا

 

الهك مولانا وانت ولينا

 

ولم تلق منا في الولاية عاصيا

 

فقال له: قم يا علي فأنني

 

رضيتك من بعدي اماماً وهاديا

 

فمن كنت مولاه فهذا وليه

 

فكونوا له اتباع صدق مواليا

 

هناك دعا اللهم وال وليه

 

وكن للذي عادا علياً معاديا

 

ولد حسان قبل مولد النبي (ص) بثمان سنين وتوفي سنة (55) او (54) ولحسان ترجمة اضافية في الغدير للعلامة الكبير الشيخ عبد الحسين الاميني

ج2 ص34 ــ 65 وصار حسان عثمانياً بعدما كان علوياً وقال له الصحابي الكبير سيد الخزرج قيس بن سعد بن عبادة الانصاري: يا اعمى القلب واعمى البصر والله لولا ان القى بين رهطي ورهطك حرباً لضربت عنقك ثم اخرجه من عنده. انظر تاريخ الطبري 5 ــ 231 وشرح النهج لأبن ابي الحديد 2 ص25.

[9] هو شاعر اهل البيت الطاهر ومادحهم والصاده بالحق في حقهم الكميت بن زيد الاسدي صاحب القصائد الهاشميات ولد سنة 60 ومات مقتولاً شهيداً سنة 126هـ، قوله: ويوم الدوح دوح مذكور في الهاشميات بتفسير ابي ريّاش احمد بن ابراهيم القيس ص152 ــ 153 طبع ليدن، وفي الغدير ج2 ص180 ــ 183، قال الشيخ ابو الفتوح في تفسيره 2 ص193: روي عن الكميت قال: رأيت امير المؤمنين "عليه السلام" في المنام فقال: انشدني قصيدتك العينية فانشدته حتى انتهيت الى قولي فيها:

ويوم الدوح دوح غدير خم

 

ابان له الولاية لو اطيعا

 

فقال صلوات الله عليه: صدقت، ثم انشد "عليه السلام":

ولم ار مثل ذاك اليوم يوماً
 

ولم ار مثله حقاً اضيعا
 

وروى القاضي ابو الفتح الكراجكي (رحمه الله) في كتابه القيم كنز الفوائد ص154 باسناده عن هناد بن السري قال: رأيت امير المؤمنين علي بن ابي طالب في المنام فقال لي: يا هناد، قلت: لبيك يا امير المؤمنين، قال: انشدني قول الكميت:

ويوم الدوح دوح غدير خم

قال فانشدته فقال لي: خذ اليك يا هناد، فقلت: هات يا سيدي، فقال "عليه السلام":

ولم ار مثل ذاك اليوم يوماً

 

ولم ار مثله حقاً اضيعا

 

 

[10] اقحاح جمع قح: الخالص من كل شيء، يقال: (فلان كريم قح وابي اعرابي قح).

[11] سورة 9 آية: 101.

[12] سورة 48 آية: 19.

[13] سورة 59 آية: 11.

[14] سورة 2 آية: 159.

[15] أي ملجأه.

[16] سورة 3 آية: 144.

[17] يأتي نصوص الروايات الواردة عن النبي (ص) في حق الصحابة نقلاً عن الصحيحين في تعاليقنا الملحقة بآخر الكتاب ان شاء الله تعالى.

[18] سورة 49 آية: 9.

[19] عمرو بن الحمق الخزاعي صحابي جليل في غاية الجلالة والوثاقة من اصفياء امير المؤمنين "عليه السلام" وخواصه وصاحب اسراره، سقى النبي (ص) فقال (ص): اللهم امتعه بشبابه فمرت عليه ثمانون سنة لا ترى في لحيته شعرة بيضاء، علمه امير المؤمنين "عليه السلام" اسم الله الأعظم وقال سيد الشهداء "عليه السلام" في كتابه الى معاوية: ( او لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله (ص) العبد الصالح الذي ابلته العبادة فنحل جسمه وصفر لونه)، ورأسه اول رأس حمل في الاسلام وشهروه على قناة الى معاوية.

الحمق بالحاء المهملة المفتوحة والميم المكسورة والقاف: خفيف اللحية، انظر تنقيح المقال، اسد الغابة، الغدير ج11 رجال الكشى.

[20] حجر بن عدي الكندي الصحابي جلالته اشهر من ان يحيط بها القلم ويجري عليها الرقم من جلة الشهداء الاحرار والمهاجرين بالحق والصادعين بمحبة امير المؤمنين "عليه السلام" قتله معاوية سنة 51 او 53هـ انظر تنقيح المقال واسد الغابة وغيرهما.

[21] يوضح هذا الجواب رد قيس بن سعد الانصاري على النعمان بن بشير الانصاري في صفين عندما دعاه الى اللحوق بمعاوية قائلاً: والله ما كنت اراك يا نعمان تجترئ على هذا المقام، اما المنصف المحق فلا ينصح اخاه من غش نفسه، وانت والله الغاش لنفسه المبطل فيما انتصح غيره، اما ذكر عثمان فأن كان الانجاز يكفيك فخذه: قتل عثمان من لست خيراً منه وخله من هو خير منك، واما اصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث، واما معاوية فلو اجتمعت العرب على بيعته لقاتلتهم الانصار، واما قولك انا لسنا كالناس فنحن في هذه الحرب كما كنا مع رسول الله (ص) نلقي السيوف بوجوهنا والرماح بنحورنا حتى جاء الحق وظهر امر الله وهم كارهون، ولكن انظر يا نعمان هل ترى مع معاوية الا طليقاً اعرابيا او يمانياً مستدرجاً، وانظر اين المهاجرون والانصار والتابعون باحسان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه. انظر كتاب (الامامة والسياسة لأبن قتيبة) الذي اثبتنا انه من تأليفات ابن قتيبة في مقالنا الضافي المنتشر في مجلة (العرفان) المجلد 43 ج5 ص508 واجبنا جواباً تحليلياً عن الاشكالات الواهية التي اوردها الاستاذ احمد صقر المصري في مقدمة (تأويل مشكل القرآن) لأبن قتيبة ص27 ط مصر حققنا ان كل ما ذكره تبعاً وتقليداً لبعض المستشرقين في نفي ذلك الكتاب عن ابن قتيبة كذب واختلاق فراجع وطالع مقالنا مع امعان النظر.

[22] سورة 49 آية: 10.

[23] سورة 2 آية: 159.

[24] الشيخ جعفر بن الشيخ خضر الجناجي النجفي امام الطائفة وشيخها الأكبر من اساطين الدين واركان المذهب وزعيم الشيعة الأعظم وشيخ الفقهاء صاحب كشف الغطاء وغيره من المؤلفات النفيسة.

وقد جاء الشيخ الأكبر (رحمه الله) الى ايران ــ تبريز في اوائل الثورة الروسية حينما تداخلت ايديهم الغاشمة على ايران في ايام فتح علي شاه القاجاري ليحرّض الناس على الدفاع عن البلاد الأيرانية واتفق في تبريز لقاء الشيخ (رحمه الله) مع جدنا القاضي الكبير الحاج ميرزا محمد مهدي القاضي الطباطبائي (رحمه الله) المتوفي (1341)هـ واوجد ذلك عظيماً في النفوس توفي الشيخ (رحمه الله) سنة (1228)هـ.

[25] سورة 28 آية: 56.

[26] سورة 60 آية: 4.

[27] كتاب جليل معتمد صنفه سليم بن قيس الهلالي المتوفي حدود سنة 90هـ من اولياء امير المؤمنين "عليه السلام" وصاحبه ومن خواصه، وكتابه من الاصول الشهيرة المعتمدة عند الخاصة والعامة قال الامام الكبير النعماني (رحمه الله) في كتاب الغيبة ما هذا لفظه: وليس بين جميع الشيعة ممن حمل العلم ورواه عن الائمة (عليهما السلام) خلاف في ان كتاب سليم بن قيس الهلالي اصل من اكبر كتب الاصول التي رواها اهل العلم وحملة حديث اهل البيت (عليهما السلام) واقدمها لأن جميع ما اشتمل عليه الاصل انما هو من رسول الله (ص) وامير المؤمنين "عليه السلام" والمقداد وسلمان الفارسي وابي ذر ومن جرى مجراهم ممن شهد رسول الله (ص) وامير المؤمنين "عليه السلام" وسمع منهما وهو من الاصول التي ترجع الشيعة اليها وتعول عليها.

[28] الكميت الاسدي شاعر اهل البيت (عليهما السلام) وخطيب بني اسد وفقيه الشيعة توفي (126)هـ.

[29] السيد الحميري اسماعيل بن محمد سيد الشعراء له شهرة طائلة وفضائل جمة توفي ببغداد (179)هـ.

[30] دعبل بن علي الخزاعي من مشاهير شعراء اهل البيت (عليهما السلام) صنف كتاب طبقات الشعراء توفي (245)هـ.

[31] النميري منصور بن سلمة الزبرقان الشاعر الجزري البغدادي شاعر اهل البيت (عليهما السلام) ومادحهم في ستار التقية توفي (210)هـ.

[32] محمد بن عبد الله السلامي البغدادي الشهير من اشعر شعراء العراق قال الشعر وهو ابن عشر سنين في المكتب توفي (393)هـ.

[33] عبد السلام الملقب بديك الجن استاذ ابي تمام ولقيه ابو نؤاس في (حمص) لأنه لم يخرج منها فلم يذهب للعراق ولا لغيرها من الاقطار توفي (236)هـ.

[34] راجع ترجمتهما في شعراء الغري للشيخ علي الخاقاني النجفي صاحب (مجلة البيان) الصادرة في النجف الاشرف.

[35] راجع ترجمتهما في شعراء الغري للشيخ علي الخاقاني النجفي صاحب (مجلة البيان) الصادرة في النجف الاشرف.

[36] انظر البابليات ج2 ص58 ــ 87 ــ 108 للشيخ محمد علي اليعقوبي التبريزي عميد جمعية الرابطة العلمية الادبية في النجف الاشرف. قيل ان اباه او احد اجداده نسب الى (تبريز) خوفاً من الجندية في زمن الاتراك العثمانيين، ويقال ان اصله من بلدنا العزيز (تبريز) وهو عجمي الاصل ولكنه يقصد من ادعاء سبب الانتساب الذي ذكرناه اثبات انه عربي صميم ــ والحق وما في الحق مغضبة ــ انه لا فضل لعربي على اعجمي ولا لعجمي على عربي الا =بالتقوى كما صدع به صاحب الرسالة المقدّسة (ص) وقال تعالى: [انما اكرمكم عند الله اتقاكم]، هذا هو الميزان الحقيقي في الاسلام واما هذه التعصبات القومية والعصبيات الممقوتة التي صارت من امراضنا الاجتماعية بأيعاز وبعث من ارباب السياسة الغاشمة واذناب الاستعمار فلا تجدى الا تفرقة كلمة المسلمين ومحق اتحادهم الصحيح ومحوه، وعلى أي نحو كان ــ من كون الشيخ اليعقوبي تبريزي الاصل او لا ــ فهو اليوم خطيب شهير عربي في جامعة العلم النجف الأشرف وشاعر كبير اديب مفلق مجيد وكتابه البابليات من الكتب الممتعة وفي اوله تصدير بقلم شيخنا الامام الراحل زاد عليه بهجة وجمالاً باهراً.

[37] انظر الى تراجمهم في البابليات للخطيب المصقع الشيخ محمد علي اليعقوبي.

[38] لعل عدم اشارة الصديقة الطاهرة (عليها السلام) الى اعمال القوم من الضرب واللطم وكذا عدم اشارة امير المؤمنين "عليه السلام" الى تلك الاعمال الصادرة منهم في حق الزهراء البتول (عليها السلام) انما هو من جهة عدم الاعتناء لما صدر منهم من تلك الاعمال الرذيلة فان الاكابر والاعاظم من الرجال فضلاً عمن هو في مقام العصمة والولاية لا يعبأون بما يصدر من الاراذل والاخسة في حقهم من الوهن وعدم رعاية الاحترام بمثل الضرب واللطم فأن تلك الاشخاص في انظارهم المقدسة كالانعام بل هم اضل. فهل ترى ان حيواناً اذا ركض شخصاً جليلاً ان يقابله بمثل عمله وسوء صنيعه؟ او يأتي هذا الشخص الى حشد من الناس واندية قوم شاكياً من عمل هذا الحيوان؟ بل اذا خاطبهم الجاهلون بالاقوال الشائنة والافعال الشنيعة كالضرب واللطم والشتم وامثالها مروا كراماً وقالوا سلاماً وكان عدم اشارة امير المؤمنين "عليه السلام" وكذا الصديقة الطاهرة (عليها السلام) الى اعمال القوم لهذه العلة. واما شكواها من غصب الخلافة وغصب فدك فأن لهذين الأمرين من الأهمية والأعتناء ما ليست لغيرهما. وقضية مالك الأشتر وسخرية رجل ووهنه عليه وعدم اعتنائه له معروفة فما ظنك بسيده وسيد الموحدين امير المؤمنين "عليه السلام" وسيدة نساء العالمين (عليها السلام) ولكن شيخنا الأستاذ (رحمه الله) هو اعرف وابصر بما جادت به يراعته الشريفة. عليه من الله شابيب الرحمة.

[39] نقلها سيدنا الرضي (رحمه الله) في نهج البلاغة فراجع.

[40] يظهر من هذا الكلام ان مراد شيخنا الامام (رحمه الله) من اول هذا المقال الى آخره هو استبعاد ان تصل يد اثيمة من اجنبي الى بدن الصديقة الطاهرة ووجهها سلام الله عليها بالضرب واللطم وهذا استبعاد في محله فانه لا يمكن ان يصل يد اجنبي الى بدنها قطعاً واما الضرب من وراء الثياب والرداء فلا استبعاد في ذلك في نظره (رحمه الله) كيف وقد طفحت واستفاضت كتب الشيعة من صدر الاسلام الى اليوم واطبقت كلمتهم انها ضربت بعد ابيها حتى كسر ضلعها واسقطت جنينها وماتت في عضدها كالدملج.

ووافقهم على هذا الرأي كبير علماء المعتزلة ورئيسهم ابراهيم بن سيار البصري المعروف بالنظام المتوفي (221)هـ استاذ الجاحظ. قال: (كما في الجزء الاول من كتاب الملل والنحل للشهرستاني ص77 ط مصر (1368)هـ ما هذا لفظه: ان عمر ضرب بطن فاطمة (عليها السلام) يوم البيعة حتى القت المحسن من بطنها وكان يصيح احرقوا الدار بمن فيها وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام).

وهكذا نقله عنه صلاح الدين الصفدي الوافي بالوفيات كما في العبقات للعلامة السيد حامد حسين الهندي (رحمه الله). وقال المؤرخ الكبير علي بن الحسين المسعودي (رحمه الله) في كتابه (اثبات الوصية) ما هذا لفظه: اقام امير المؤمنين "عليه السلام" ومن معه من شيعته في منزله بما عهد اليه الرسول (ص) فوجهوا الى منزله فهجموا عليه، واحرقوا بابه واستخرجوه منه كرهاً، وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى اسقطت محسناً واخذوه بالبيعة فأمتنع وقال: لا افعل فقالوا: نقتلك: فقال: ان تقتلوني فأني عبد الله واخو رسوله وبسطوا يده فقبضها، وعسر عليهم فتحها فمسحوا عليها وهي مضمومة (اهـ) انظر ص121 ــ 122 ط النجف.

 

[41] القتير: اول الشب، ولهزه: خالطه، والمعنى خالطه الشيب.

(الفقيد الامام)

[42] احنف بن قيس ابو بحر التميمي السعدي البصري تابعي كبير من العلماء الحكماء ولد في عهد رسول الله (ص) ولم يصحبه قال أبن الاثير: انه كان احد الحكماء الدهات العقلاء(اهـ).

وكان لجلالته اذا دخل المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة لا تبقى حبوة الا حلت اعظاماً له شهد صفين مع امير المؤمنين "عليه السلام" وبقي بعده الى زمان تولي مصعب بن الزبير على العراق وتوفي بالكوفة سنة (67)هـ، انظر الى تنقيح المقال والكنى والالقاب للمحدث القمي (رحمه الله) واسد الغابة وغيرها.

[43] ذكر امير المؤمنين "عليه السلام" هذه الكلمات النيّرة في كتاب له "عليه السلام" الى عثمان بن حنيف الانصاري وهو عامله الى البصرة وقد بلغه انه دعي الى وليمة قوم من اهلها فمضى اليها، انظر الى نهج البلاغة. الطمر ــ بالكسر ــ الثوب الخلق.

قوله "عليه السلام": ولا اعددت أي ما كان يهيء لنفسه طمراً آخراً بدلاً عن الثوب الذي يبلى، بل كان ينتظر حتى يبلى ثم يعمل الطمر، والثوب هنا عبارة عن طمرين فان مجموع الرداء والازار يعد ثوباً واحداً فبهما يكسى البدن لا بأحدهما قاله الشيخ محمد عبده المصري.

[44] وقد وصف ضرار بن ضمرة الكناني امير المؤمنين "عليه السلام" في مجلس معاوية حين ما دخل ضرار عليه فقال له: صف لي علياً فقال له: او تعفيني؟ فقال: لا اعفيك؟ قال: اما اذ لابد فأنه كان بعيد المدى شديد القوى يقول فصلاً ويحكم عدلاً، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة نواحيه عن لسانه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلّب كفيه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن (جشب)، كان والله كاحدنا يدنينا اذا اتيناه، ويجيبنا اذا سألناه، وكان مع تقرّبه الينا وقربه منّا لا نكلمه هيبة له، فأن ابتسم فعن مثل لؤلؤ منظوم، يعظم اهل الدين، ويحب المساكين، ولا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف في عدله.

انظر نهاية الارب لشهاب الدين احمد بن عبد الوهاب النويري ج3 ص176 ط مصر وروى هذه القصة بتمامها العلاّمة الكراجكي (رحمه الله) باسناده في كتابه القيّم (كنز الفوائد) ص270 ط تبريز فراجع.

[45] الوتش: القليل من كل شيء.

[46] انما اخترنا هذه القصيدة لوجود كلمتي (جنة وفردوس) فيهما اللتان تشيران الى (جنة المأوى) و (الفردوس الأعلى)، وقد نظم هذه القصيدة شيخنا الامام الفقيد بمناسبة عيد الغدير قبل زهاء اربعين عاماً وتحتوي اكثر من خمسة وعشرين بيتاً مثبوتة في ديوانه الموجود في مكتبته العامة في النجف الأشرف.

[47] الظاهر انها الرواية التي نقلها السيد نعمة الله الجزائري (رحمه الله) في الانوار النعمانية ولنا كلمات حول تلك الرواية الضعيفة ذكرناها في تعليقاتنا على ذلك الكتاب انظر ج1 ص108 ــ 109 ط تبريز.

[48] يظهر من هنا ان الغناء في نظر الشيخ (رحمه الله) غير الصوت الحسن فما نسبه اليه بعض من ان الشيخ (رحمه الله) كان يجوز الغناء افتراء عليه وناشئ عن عدم فهم كلامه، كسائر الافتراءات التي ذكروها في حقه وقد اشرنا الى واحدة منها في مقدمة هذا الكتاب.

[49] لنا تعليقة هنا نذكرها في آخر الكتاب ان شاء الله تعالى.

[50] ومما هو جدير بالذكر هنا ان لبعض المحققين في تحقيق تعدد الامكنة كلمة قيّمة لا مجال في المقام لذكرها تفصيلاً واما اجمالها فهو انه قسّم المكان على ستة اقسام ثلاثة منها للاجسام: من الاجسام الكثيفة والمتوسطة واللطيفة، وثلاثة منها للارواح: من الارواح الادنى والوسطى والعليا ويختلف تزاحم الاجسام في تلك الامكنة بعضها مع بعض وعدمه وسرعة الحركة والسير ايضاً فيها مختلفة وللانبياء والاولياء المعصومين (عليهما السلام) مراتب ودرجات ولهم بحسب نفوسهم القدسية القدرة والاستعداد بالتصرف في جميع تلك الامكنة والاحاطة بجميع عالم الملك والملكوت باذن الله تعالى واقداره، وبعد امعان النظر والتأمل فيما ذكره ينحل بعض الشبهات والاشكالات التي يتخيلها الانسان كحضور الائمة (عليهما السلام) في آن واحد في امكنة متعددة وسيرهم في مدة قليلة الى مسافة كثيرة بعيدة وامثال ذلك واظن ان وجود تلك الامكنة وسرعة الحركة فيها وتفاوتها وامكان وجود حركات سريعة ووجودها في هذا العصر من البديهيات واكثرها من المشاهدات والحسيات اليوم، راجع الى كتاب (وسيلة المعاد) للعلامة الجليل المولى حبيب الله الكاشاني (رحمه الله) تجد تفصيل ما ذكرناه.

[51] الظاهر ان المراد من المجلس الواحد هو المجالس المتوالية التي هيأها الخليفة العباسي لأظهار عظمة الجواد "عليه السلام" مع صغر سنه واطلاق المجلس الواحد على المجالس المتوالية شائع عند العرف كما تطلق الحرب على القتال في الايام المتعددة المتوالية كحرب صفين مع انها طالت عدة اشهر.

[52] وبسبب تلك القواعد وقعوا في الشبهات في بعض المسائل الاعتقادية، كالمعراج الجسماني لرسول الله (ص) وفتحوا باب التأويل او قالوا بمقالات واهية تستلزم القول بالمعراج الروحاني كما صدر عن بعض المنحرفين عن الطريقة المستقيمة حيث ذكر المقدمات التي تستلزم ذلك واما في هذا العصر فقد ظهر انه لا مجال للاعتماد على تلك القواعد ولذا ارتفعت الشبهات بالمرة من المعراج الجسماني والحمد لله تعالى.

[53] غير خفي على القارئ الكريم ان هذه الكلمة الذهبية الرائعة قد اشتملت في سر صلح الامام الحسن "عليه السلام" مع خصمه معاوية على مواضيع خطيرة وابواب جديدة وابحاث ممتعة تعد بحق آية من آيات الفن من حيث البحث، والعمق والاسلوب والتحليل وقد كتبوا كثيرا في سر صلح الامام "عليه السلام" واطالوا ولكن نحن نتحف القارئ العزيز بهذه الدرة الثمينة التي جاءت من المع شخصية علمية في العالم الاسلامي.

[54] في كتاب (الامالي) للقالي البغدادي ما هذا لفظه، قال: وكان عمر اذا نظر الى معاوية يقول: هذا كسرى العرب، قال: فكان معاوية يقول: ما رأيت عمر مستخليا رجلاً قط الا رحمته، انظر الامالي ج2 ص121 ط2 مصر 1344هـ.

[55] كان قيس من اكابر فضلاء الصحابة وعلمائهم وأحد دهاة العرب وكرمائهم وشرفائهم ومن بيت سيادتهم ومن ذوي الرأي الصائب والمكيدة في الحرب مع النجدة والشجاعة لم يبايع ابا بكر ولكن بايع معاوية بعد ان امره امامه الحسن المجتبى "عليه السلام" بالبيعة له لما رأى من المصلحة. انظر ايها القارئ العزيز الى جور الزمان وتسافله الذي الجأ من لم يبايع ابا بكر الى بيعة معاوية.

تعس الزمان فأن في احشائه

 

بغضاً لكل مبجل ومفضل

 

وتراه يعشق كل رذل ساقط

 

عشق النتيجة للاخس الارذل

 

مات قيس سنة (60)هـ.

[56] هنا كلمة قيّمة للعلاّمة الاكبر القاضي ابو الفتح الكراجكي (رحمه الله) في كتابه (التعجب) يأتي نقلها في تعاليقنا الملحقة بآخر الكتاب ان شاء الله تعالى.

[57] سورة 9 آية: 32.

[58] سورة كهف آية: 103 ــ 104.

[59] سورة الحج آية: 11.

[60] قال السيد عبد الله الشبر في مصابيح الانوار: روي عن النبي (ص) انه قال: حسين… والاشكال في الفقرة الثانية، وقد قيل في توجيهها انهما لما كانا من نور واحد ثم قسما صدق ان كل واحد منهما من الآخر، انظر ج2 ص399 ط النجف.

[61] هذا رأي صدر المتألهين (رحمه الله) وقد حقق هذا المطلب على ضوء البراهين العلمية في كتبه النفيسة كالأسفار وغيرها فراجع.

[62] ابن الفارض هو شرف الدين ابو القاسم عمر بن علي الحموي المصري العارف المشهور صاحب القصيدة التائية المعروفة ــ تائية الصغرى والكبرى ــ توفي سنة (632)هـ بالقاهرة.

[63] انظر صفحة (122) من هذا الكتاب.

[64] سورة 2 آية: 257.

[65] سورة 5 آية: 55.

[66] سورة 9 آية: 41.


 

 
امتیاز دهی
 
 

 
خانه | بازگشت | حريم خصوصي كاربران |
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما