شنبه 15 ارديبهشت 1403  
 
 
السانحة الثانية تدهور الأخلاق
المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون
 

  



 

أنبياء الخير وأنبياء الشر

بعث الله أكثر من مائة الف من الأنبياء لاصلاح الأمم في العصور المختلفة والأخذ بأيدي الناس الى سبيل الهناء والسعادة، وكان فيهم خمسة أنبياء دعوتهم عامة ومكانتهم عالية وتعاليمهم سامية يعرفون ((أنبياء أولي العزم)) وهم (نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد)، هؤلاء الذين بعثوا لتعليم الناس أصول العدل، ومكافحة الظلم، وغرس جذور الفضائل، وقلع جراثيم الرذائل، ألزموا الناس بالصدق والفة والوفاء والأخاء ونشر السلام والمحبة في المجتمع ورعاية حقوق الفرد والأسرة والجماعة وأمروا بكل ما فيه راحة الانسان وسعادته في معاشه ومعاده ولكن لم يخل عصر من العصور من فئة شريرة تكافح تلك التعاليم الرفيعة، والقضايا القويمة وتعكس الآية وتدعو البشر الى أضدادها ركضاً وراء الهوى، وجريا مع العاطفة الطاغية والشهوة العارمة. وكما بعث الله في العهود الغابرة خمسة أنبياء هم أنبياء الخير والرحمة. كذلك ابتعث أبالسة الجبت والطاغوت في هذه العصور خمسة هم أنبياء الشقاء والشر على البشر ( روزفلت، وترومان، وايزنهاور، وتشرشل، وايدن ) هؤلاء جراثيم البلاء وخراطيم الشقاء الذين صبوا المصائب على الامم والشعوب صباً، وأمعنوا فيها غصباً ونهباً، وقلبوا الفضائل التي جاءت بها الرسل والأنبياء رأساً على عقب. وبدلوا الاصلاح بالفساد والخير بالشر، والسعادة بالشقاء فأصبح العالم وجميع بني آدم في أمواج من القلق وفقدان الهناء والراحة، تتدافعه موجة الى موجة وتتقاذفه بلية الى أخرى.

وأخذت عواصم الشرق حظها الوافر من هذا القلق والاضطراب والفتن والمحن، راكسة الى هامتها في حروب داخلية يتضارب بعض مع بعض، وينتفض بعض على بعض، فلا تجد اليوم عاصمة من عواصم الشرق لم ينشب هذا الداء الوبيل فيها مخاله، ولم يصب عليها مصائبه، نعم الا إسرائيل لأنها يدهم الأثيمة التي يساعدونها ويمدون ساعدها لإراقة دم العرب والمسلمين.

أفسدوا أخلاق كل قطر من الأقطار وأسلبوه كل عزة وكرامة ونبل وشهامة.

بغداد بالأمس وبغداد اليوم

بغداد دار السلام او دار الفساد والخصام

هذه بغداد التي كانت تسمى ( دار السلام ). بغداد وما أدراك ما بغداد – أدركنا من زمن سلطة الأتراك عليها الى الاحتلال الإنكليزي مدة أربعين سنة أدركناها في عهد الأتراك. ولا نبالغ فنقول: كات من الفساد، ولكن كان من القلة والتكتم بحيث يصح ا يقال: ان نسبتها ذلك اليوم الى هذا اليوم نسبة العفيفة الطاهرة الى العاهرة الفاجرة.

كنا نتردد على بغداد فنجد فيها بقية من الصالحين ينهون عن الفساد في الأرض. وتجد فيها بيوت الشرف والشهامة، والفتوة والزعامة. وفيها فئة صالحة من العلماء الأتقياء من السنة والشيعة. أدركت فيها من الفريق الأول، عبد الرحمن النقيب، ومحمد جميل وولده عيسى، وشكري، وعاكف، ونعمان، وأمثالهم من الآلوسيين ويوسف السويدي وولده ناجي، وعبد الحليم الحافاتي، والشيخ سعيد في جامع الفضل، وأخاه الشيخ عبد الوهاب النائب وآخرين من أقرانهم. ود عاشرتهم جميعاً، وذاكرتهم في أكثر العلوم مراراً حتى في الحكمة والكلام. فكانت لهم في المعارف الإسلامية مكانة مرموقة، ومثلهم من الفريق الآخر كالسيد حسين حيدر، وأبنه السيد كاظم والشيخ شكر والشيخ أحمد الظاهر.

والقصارى اننا كنا اذا دخلنا بغداد نجد أنفسنا قد دخلنا بلداً اسلامية يلوح عليها شعائر الإسلام. وفاعل المنكر لا يستطيع التجاهر به. فلا تجد حانوتاً يباع فيه الخمر علانية. نعم قد يباع عند اليهود في الخفاء.

أما اليوم فأعاذنا الله من شر هذا اليوم ومن أشراره، وما أكثر الأشرار فيه. نعم بغداد اليوم انقلبت فيها المقاييس، وانتهكت بها الحرمات والنواميس، ولبس الإسلام فيها لبس الفرو مقلوبا، المعروف منكر والمنكر معروف، والفسق والفجور، وشرب الخمور والبغاء والزنا، والرقص والخنا، والقمار والعهار. يتعاطاها الصغير والكبير، والغني والفقير. كل حسب امكانه بلا نكير والنساء والرجال على ذلك المنوال لا ناعي ولا آمر، ولا واعظ ولا زاجر. والمصيبة العظمى شيوع كل ذلك وتفشيه في الشباب بل والشباب المثقف فيما يزعمون. وأعظم من ذلك رزية سريانه حتى الى المسؤولين والحاكمين والذين يجب ان يكونوا هم المصلحين.

دخل الإنكليز العراق وطرد الأتراك بمساعدة أهل العراق رغبة فيما يظنون من عدله وانصافه ومعونته واسعافه فلما رأوا غطرسته وجبروته، وكان الاعتساف بدل الاسعاف، والاجحاف عوض الانصاف وكان فيهم (أي العراقيين) كما ذكرنا بقية شرف وشمم، وعزة وكرامة، ونبل وشهامة، وصلابة عود، وقوة إيمان،تأبى ان تحمل الضيم، وتخضع للظالم، فثاروا عليه وانتفضوا عليه غير مرة كسروا بها شوكته، وأذلوا عزته، فأخذ على عادته وقاعدته من اللف والدوران، فضربهم الضربة الفانية، ولطمهم اللطمة القاسية وأعطاهم الحكم المغلف، والاستقلال المزيف، وهو – كما هو معلوم – تجاري رأسمالي، قبل كل شيء، فرأى انه لا يقدر ان يسلب من العراق ثروته حتى يستلب عقيدته، ولا ينتزع أمواله وإمكانياته حتى ينتزع صلابته وإيمانه، ويميت شعوره ووجدانه.

رأى أنه لا ستولي على العراق تماماً الا بفساد الأخلاق، والعرق بلطافة طبعه. وخفة روحه، سريع الاستجابة الى الشهوة العارمة، والنزوة الراغمة.

وكان أكبر هم المستعمر جلب المغريات، وإثارة الشهوات فتم له ما أراد، ووصل الى بغيته ممن أقرب الطرق وأسهلها فاستلب بجيش الشهوة، كل ثروة، وهدَّ جميع قوى العراق بلا كفاح ولا قوة. وسرت هذه الروح الخبيثة، روح الفساد، فساد الأخلاق والاستهتار والخلاعة. وموت الشعور والوجدان، وضياع المقاييس وهتك النوامييس، الى جميع الطبقات. الحاكمين والمحكومين والرعاة والرعية.

حضر عندي في العهد القريب رجل من المحافظين على اتزانه وإيمانه وصار يشكو من سوء الوضع وتردي الأحوال، وتلاعب الموظفين والارتشاء العلني، فأردت تسكين لوعته وتهدئة فورته، نوعا ما. فقلت له: أنتم تريدون حكومة من الملائكة، او من المعصومين، وهذا لا يكون والحاكم بشر يصيب مرة ويخطئ أخرى ويجور طوراً. يعدل أطور.

وعندكم في صحيح البخاري عن النبي (ص)  ما مضمونه: اذا تولى عليكم عبد حبشي أجدع فأطيعوه، فقال: لا يا سيدي لا نريد من الحاكمين ان يكونوا ملائكة ولا معصومين ولا من العلماء المتقين نريده ان يكون الحاكم كرجل عادي وكواحد من ذوي الحرف والمهن. نريده كالبقال والحمال والكاسب، نريده ان لا يكون ((حرامي)) ولصاً وسارقاً ومختلساً، نريده ان لا يقول فيكذب وان لا يعد فيخلف، ولا يتولى فيظلم، ولا يؤتمن فيخون نريده ان لا يتكبر ويطغى ويتجبر. نريده ان لا يشمخ بأنفه على أفراد الأمة التي يعيش من مالها ويتنعم على حسابها.

نعم نحن نرضى ونطيع لعبد حبشي أجدع اذا كان عفيفا نظيفا، شفيقاً على من يتولى عليهم. ولا يستفزه الطمع، فيبيع أمنه وبلاده بيع السلع.

هكذا قال لي الرجل والله شهيد على ما قال وأقول. ثم عقب كلامه فقال: لا نريد منهم ان يلتزموا بأركان الدين، وشعائر الإسلام والمسلمين. أما الصوم والصلاة والحج والزكاة وزميلاتها من أمهات ومهمات قواعد الإسلام.

فدع عنك نهباً صيح في حجراته
 

 

ولكن حديث ما حديث الرواحل
 

الحديث حديث الصدق والأمانة، والعفة والصيانة، حديث الظلم الفاحش، والحكم الطائش، حديث الرشوات والمحسوبيات، وحرمان الوظائف لذوي الكفاءات، حديث انطماس الآداب الاجتماعية، واندراس العائر الإسلامية، قد تسلم على بعضهم فلا يرد السلام، وتكتب اليه الكتاب في دفع ظلامة او مصلحة عامة، فلا يعيد الجواب، ولا يدري ان جواب الكتاب واجب كجواب رد السلام، انبثق في بغداد سيل العرم، من الموبقات والمنكرات وطغى فيضان الويسكي والبيرة وأخواتها من الاشربة الاجنبية وارتفع نقاب الحياة ، وصار كل واحد وواحدة يعمل ما يشاء. نعم طغى فيضان هذه الموبقات أكثر من طغيان فيضان الماء المتدافع على بغداد وضواحيها من الأرض والسماء. ولعل هذا لفيضان من آثار ذلك الفيضان، ومن بعض عواقبه وعقوباته. اذ ان هذا الاندفاع الهائل ليس أمراً عادياً، ولا حدثاً طبيعياً. فان كل حادث خارق للعادة، ناشز على نواميس الطبيعة، وخارج من المتعارف، لا شك انه مسبب عن أسباب خفية، ومنبعث عن بواعث غير مادية ولعلها غضبة او ضربة من السماء، ومن رب السماء، على هذه البلدة الظالم أهلها، المتمادية في ظلمها وبغيها وبغائها وفسقها وفجورها، وأرسلت السماء ذات يوم مطراً غزيراً على قرية فأغرقت مواشيها، وأخربت بيوتها، وكان في القرية رجل عابد فزع اليه أهاليها مستسعفين به يلتمسون ان يسأل الله تعالى ان يكشف عنهم البلاء. فقال لهم ((ان أعمالكم تستوجب ان يصب عليكم ناراً تحرقكم. أفلا تشكرونه حيث أكتفى فأرسل ماء يغرقكم.

بلغ الفسق والفجور، وسكب الخمور في بغداد الى حد ان أهالي لندن وباريس وأمريكا يتعجبون من ذلك ولكنهم طبعاً يفرحون. حقاً ان بغداد قد حقت عليها كلمة العذاب، كأنها تمثل آية من الكتاب المجيد حيث يقول: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ).

ولعل هذا الطغيان انذار وارهاص لما بعده. سئل آخر ملوك الفرس ما الذي أزال ملككم الذي رسخت دعائمه من آلاف السنين فقال: ولينا صغار الرجال على كبار الأعمال فحقد علينا الكبار، ولم يستطع كفايتنا الصغار، فآل أمرنا الى الزوال. هكذا ما وقعنا في اليوم، وليت الأمر لصغار الرجال بل صار لهم و… ولا أدري كيف يكون المآل.

وقد سألني بالأمس سائل يقول: ما بال هذا البلاء قد أنصب خصوصاً على المساكين والفقراء وأهل الصرائف والأكواخ والفلاحين الذين قضى على جميع أموالهم وكل آمالهم، فأهلك ما عندهم من زرع وضرع وربما أتلف بعض نفوسهم.

وما أصاب الأغنياء والأمراء، وأرباب الدولة والثراء، منه لفحة أذى ولا خدشة سوء. وها هم متنعمون في قصورهم ، يتمتعون بأشربتهم وخمورهم. القوي مالك، والضعيف هالك.

فأين العدل العدل في القضاء، وأين ميزان السماء.

فقلت له: ان هذا السؤال وأمثاله ناشئ عن تفريطنا معاشر المسلمين في كتاب الله العظيم، كأنك لم تقرأه أو قرأت ولم تتدبر ما قرأت، يقول سبحانه من قائل: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ).

نحن لانغمارنا في المادة، وغلبة شهواتنا على عقولنا، وانطماس نور الهدى منا، تحسب ان أولئك العتاة المتنعمين بالقصور والفجور تحسبهم في نعيم وحبور، وهم في عين الوقت في شقاء وبلاء. وانما هم كأولئك المرضى الذين يسلب الأطباء حسهم وشعورهم (البنج) كي يقطعوا لحومهم وجلودهم فلا يحسون ولا يتألمون.

وعند الصباح يحمد القوم السرى                وتنجلي عنهم غيابات الكرى

وقديماً قلت ان قوله تعالى: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) ليس معناه انها ستحيط بهم يوم القيامة. بل سطح الآية ونصها يقول ان جهنم محيطة بهم حالا. غايته لا يحسون بذلك الا بعد حين. انا وأنت لضعف اداركنا وغلبة الشهوات على أرواحنا نرى ان نعومة العيش والترف، هو الشأن والشرف، وان الحياة البهيمية واللذة الحيوانية، هي الغاية والوسيلة إلى السعادة الأبدية لروح الانسان، وان الغاية من خلق الانسان هو هذه الحياة التعيسة. التي تبدو لذيذة ونفيسة. ولا أريد أطيل عليك في هذا الموضوع وأصعد بك الى اللانهاية من أجواء الملكوت التي لعلي لست أنا أهلا لها ولا أنت ولكني أختمه لك بآية من كتاب الله، وأوصيك أكيداً ان تتدبرها ما وسعك التدبر عسى ان ينفتح لك منها أبواب من المعارف يثلج بها صدرك، وتطمئن بها نفسك يقول جل شأنه (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ). ثم ما يدرينا ماذا يخلف هذا الماء من البلاء وما يتبقى منه في المستنقعات التي يحدث منها أنواع الأمراض (لا سمح الله) فتكون نكبة هؤلاء الأغنياء المتنعمين أشد من نكبات أولئك الفقراء المساكين.0

دخول الإنكليز في العراق

أساليب العمل في الإسلام لرفع الظلم ودفع الشر ومقاومة الشعوب للاستبداد والفساد

الوسائل المتبعة للاصلاح الاجتماعي وتحقيق الدل وتمزيق الظلم ومقاومة الشر والفساد، تكاد تنحصر في ثلاثة أنواع:

وسائل الدعوة والارشاد بالخطب والمقالات والمؤلفات والنشرات. وهذه هي الخطة الشريفة التي أشار اليه الحق جل شأنه بقوله:
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). وقوله عز شأنه:(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).

وهذه هي الطريقة التي استعملها الإسلام في أول البعثة وهي خطتنا التي ما زلنا عليها منذ تحملنا المسؤولية ونهضنا بأعباء الاصلاح، والمرجعية الدينية والوظائف الروحية منذ خمسين سنة لا ندعو الى ثورة ولا نرضى باضراب واضطرابات، وننشد السكينة والسلام في كل مقام.

وسائل المقاومة السلمية والسلبية، كالمظاهرات والإضرابات والمقاطعة الاقتصادية. وعدم التعاون مع الظالمين وعدم الاشتراك في أعمالهم وحكومتهم. وأصحاب هذه الطريقة لا يبيحون اتخاذ طريق الحرب والقتل والعنف وهي المشار اليها بقوله تعالى: (تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ* لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ). وفي القرآن الكريم كثير من الآيات التي تشير الى هذه الطريقة. وأشهر من دعا الى هذه الطريقة وأكد عليها النبي الهندي بوذا والمسيح عليه السلام والأديب الروسي تولستوي والزعيم الهندي الروحي (غاندي).

الحرب والثورة والقتال: والإسلام يتدرج في هذه الأساليب الثلاثة. (الأول) الموعظة الحسنة والدعوة السليمة، فان لم تنجح في دفع الظالمين ودرء فسادهم واستبدادهم.

(فالثانية) المقاطعة السلمية او السلبية وعدم التعاون والمشاركة معهم فان لم تجد وتنفع.

(فالثالثة) الثورة المسلحة. فان الله لا يرضى بالظلم أبدا والراضي بل والساكت شريك الظالم.

الإسلام عقيدة. وقد غلط، وركب الشطط من قال ان الإسلام نشر دعوته بالسيف والقتال، فان الإسلام ايمان وعقيدة والعقيدة لا تحصل بالجبر والاكراه، وانما تخضع للحجة والبرهان والقرآن المجيد ينادي بذلك في عدة آيات منها (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ).

والإسلام انما استعمل السيف وشهر السلاح على الظالمين الذين لم يقتنعوا بالآيات والبراهين، استعمل القوة في سبيل من وقف حجر عثرة في سبيل الدعوة الى الحق. أجهز السلاح لدفع شر المعاندين لا الى ادخالهم في حظيرة الإسلام.

يقول جل شأنه: (قاتلوهم حتى لا تكون فتنة). فالقتال انما هو لدفع الفتنة لا لاعتناق الدين والعقيدة.

فالإسلام لا يقاتل عبطة واختيارا، وانما يحرجه الأعداء فيلتجئ اليه اضطراراً، ولا يأخذ منه الا بالوسائل الشريفة فيحرم في الحرب والسلم، التخريب والاحراق والسم، وقطع الماء عن الأعداء، كما يحرم قتل النساء والأطفال، وقتل الأسرى ويوصي بالرفق بهم والاحسان اليهم، مهما كانوا من الأعداء والبغضاء للمسلمين ويحرم الاغتيال في الحرب والسلم، ويحرم قتل الشيوخ والعجزة ومن لم يبدأ بالحرب. ويحرم الهجوم على العدو ليلا. (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ). ويحرم القتل على الظنة والتهمة والعقاب قبل ارتكاب الجريمة. الى أمثال ذلك من الأعمال التي ) يأباها الشرف والمروءة التي تنبعث من الخسة والقسوة والدناءة والوحشية كل تلك الأعمال التي أبى شرف الإسلام ارتكاب شيء منها مع الأعداء في كل ما كان له من المعارك والحروب. وقد ارتكبتها بأفظع صورها وأهول أنواعها، الدولة المتمدنة في هذا العصر الذي يسمونه عصر النور. نعم أباح عصر النور قتل النساء والأطفال والشيوخ والمرضى والتبيت ليلاً والهجوم ليلاً بالسلاح والقنابل على العزل والمدنيين الآمنين. وأباح القتل بالجملة. ألم يرسل الألمان في الحرب العالمية الثانية القنابل الصاروخية الى لندن فهدمت المباني وقتلت النساء والأطفال والسكان الآمنين؟! ألم يقتل الألمان ألوف الأسرى؟! ألم يرسل الحلفاء في الحرب الماضية الوف الطائرات الى ألمانيا لتخريب مدنها؟! ألم يرم الأمريكان القنابل الذرية على المدن اليابانية؟!

وبعد اختراع وسائل الدمار الحديثة كالصواريخ والقنابل الذرية والهيدروجينية لا يعلم الا الله ماذا يحل بالارض من عذاب وخراب ومآسي وآلام اذا حدثت حرب عالمية ثالثة ولجأت الدول المتحاربة الى استعمال تلك الوسائل. أرشد الله الانسان الى طريق الصواب وهداه الصراط المستقيم.

ومن يتولهم منكم فانه منهم

وكل هذه الأساليب الدنيئة عملت بها اليهود، ولا تزال تعمله كل يوم بإشارة الدولتين العادلتين أصدقاء العرب أمريكا وانكلترا اللتين بلغت فظاعة ظلمها للشعوب العربية، ما لم ترتكب شيئاً منه الشيوعية. وان كانت الشيوعية بحد ذاتها قد لا تمتنع عن القسوة والتنكيل والانتقام من خصومها في الحرب ولثورات والإسلام هو الوحيد بين جميع الملل والدول أكد على تحريم تلك الفظائع في الحرب والسلم والحرب والأمن، وهو ما قلناه من وقوفه على حد الوسط والعدل في جميع تعاليمه وأحكامه.

(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)

فلسنا مع اليمين ولا مع اليسار بل جعلنا الله أمة وسطا. ( شجرة مباركة لا شرقية ولا غربية ) وهذا من أهداف الإسلام ومثله العليا. ومن مثله العليا:

الميزان العدل الذي وضعه لنا في معاملتنا مع الدول الخارجية والأمم الأجنبية حيث يقول عز شأنه: (يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ  إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ).

وعلى هذا الميزان العدل والعيار القويم فكل من قاتلنا في الدين ولكوننا مسلمين او اخرجنا من ديارنا او ظاهر المخرجين فهو عدونا لا يجوز ان نتولاه او نتولى من يتولاه سواء كان مسلما او كافرا.

فهل ان أمريكا ورجلاها اللتان تمشي بها إنكلترا وفرنسا لم يقاتلونا وهذه أيديهم ملطخة بدمائنا قبلا وفعلا؟!

وهل لم يخرجونا من ديارنا وتسعمائة الف لاجئ مشردين عن بلادهم العزيزة؟. وهل لم يظاهروا على إخراجنا وهم الذين أتوا بالصهيونية ويدفعونها للاعتداء علينا كل يوم؟. وهل تركيا التي تزعم هي والدول العربية انها مسلمة، ليست شريكة ومعينة لتلك الدول الظالمة على اخراج أولئك المسلمين من ديارهم؟.

وهل الباكستان اذا دخلت في معاهداتهم لا تكون ممن ظاهر على اخراج المسلمين من ديارهم وخرج عن حظيرة الإسلام والقرآن الكريم يقول: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ).

فاذا تمت معاهدتهم وأرجو ان لا تتم، ألا تكون دولة الهند وزعماء حكومتها الأشداء الحكماء الذين رفضوا الاستعمار والمستعمرين أولى بالمودة والموالاة من أولئك؟! اذ ليس المدار كما تشير اليه الآية الشريفة على الأسماء والعناوين والأقوال، الي تكذبها الأعمال.

وكيف نحكم على دولة انها مسلمة وهي توالي وتعاون عدو الإسلام.

وجوب المعاملة الحسنة في الإسلام للمخالفين والكافرين المسالمين والمحاربين

وفي الآية نكتة لا ينبغي إغفالها وهي من المثل العليا في الإسلام ذاك انه عز شأنه لم ينهنا عن الذين لم يقاتلونا ولم يخرجونا من ديارنا ان نبرهم ونحسن اليهم ونعاملهم بالقسط والعدل، وان كانوا من غير ملتنا ومن غير عنصرنا. اما الذين قاتلونا واخرجونا من ديارا وظاهروا على اخراجنا فان الله سبحانه ينهانا عن موالاتهم ومحبتهم لعدوانهم وظلمهم. ينهانا عن موالاتهم فقط. ولا ينهانا عن معاملتهم بالقسط والعدل وحفظ الحقوق.

فالعدل في القضاء، عند الإسلام قائم على سواء، بين المسلم والكافر، والعدو والصديق، والقريب والبعيد، وبأي لون كان ومن أي عنصر يكون، فالمسلم وأعداء الإسلام والمحاربون له في عدل لقضاء سواء. بل فوق ذلك لم ينهنا عن برهم والاحسان اليهم.

ومن مثل الإسلام وأهدافه السامية انه يقول: (إدرأ السيئة بالحسنة). ويقول الحديث الشريف (أحسن الى من أساء إليك وأعط من حرمك وأعف عمن ظلمك وصل من قطعك تكن مؤمنا حقا). الإسلام يقابل الإساءة بالإحسان، وانتم تقابلون الإحسان بالإساءة ولعدل بالظلم وكل فضيلة بضدها القرآن يقول (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ). ويقول: أحسن كما أحسن اليك. ويقول: قولوا للناس حسناً. يعني للمسلم والكافر والعدو والصديق والأسود والأبيض.

فهل عندكم يا دول الديمقراطية مثل هذه المثل العليا والقيم الروحية؟! وهل تجدونها في غير الإسلام؟! وهل توافقوني اذا ختمت رسالتي بما افتتحتها به:

( المثل العليا في الإسلام لافي بحمدون )

الإسلام والسلام

هنا قضيتان مهمتان من قضايا الإسلام ذوات الشأن:

(الأولى) ان المشرع الأعظم يقول: ((الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أينما وجدها)) يعني يأخذها من كافر او مسلم وعدو او صديق، ويشهد لها قول الامام في معنى ( انظر الى ما قيل لا الى من قال ).

(الثانية) ان الإسلام والمسيحية اتفقا على الدعوة الى السلام وكراهة الحرب والتحذير منها، فالله جل شأنه هو السلام ويدعو الى السلام، وداره دار السلام، يهدي الله من اتبع رضوانه سبل السلام وينجيهم من عذاب اليم، والقرآن العظيم كله سلام وخير وبركة وتحذير من الحرب وبلاتها وبلياتها (فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة) والانجيل يقول لفظه او معناه (لله المجد وللناس الأخوة وعلى الأض السلام) وعلى هذا فلو ان امة تدعو الى الحرب وأخرى تدعو الى السلام فأيهما أحرى بالاتباع والمناصرة، وليس معنى الالتزام بدعوة السلام ومناصرتها اننا اخذنا بجميع مبادئ تلك الأمة التي تدعو اليه فنحن نوافقهم على دعوة  السلام ولا نوافقهم على سائر مبادئهم الهدامة، ولكنا نقول حبذا السلام وحيا الله من يدعو الى السلام، ولعنة الله على الحرب وعلى كل داع اليها، وكل من أتانا او دعانا الى أمر مشروع ومقبول فنحن أولى من كل واحد بالقبول ولكن بشرط عدم الاخلال بالنظام وحفظ الأمن، أما الاخلال بالنظام فحرام وألف حرام وربما يؤدي الى عكس الغرض.

الاضطرابات المتتابعة الموجبة للازعاج والقلق العام المؤدية أحياناً الى غلق الأسواق وتعطيل الأعمال واشباه ذلك نخشى ان يكون من الفساد في الارض ومحاربة الله فتنطبق عليه آية ((إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا..)) ونحن حيث نقول نبغض الحرب وندعو الى السلام لا نريد بذلك الافساد واضرار العباد وان يكون الأمر الى الرجالة والأوباش وصبيان المكانيب القائمين بالشغب الذي يؤدي غالباً الى السلب والنهب والغارة واتعاب العقلاء والمصلحين. بل السبيل الجدد هو ان تكون المظاهرة بالتسالم والتفاهم. فاذا أردت ان تهتدي الى السبيل فاقرع الحجة بالحجة والدليل بالدليل.

اذا ما قصدت الأمر من غير بابه

 

 

ظللت وان تقصد من الباب ترشد

 

مؤتمر بحمدون

لعل في مثل هذه الأيام قد اجتمع المؤتمرون في حمدون، وحضر معهم من لبى دعوتهم واستجاب لهم برمشة عين وأرشد الله فئة رفضت تلك الدعوة المشؤمة وحتى الآن لم نعرف شيئاً من مقرراتهم.. ولكن الي اريد ان أتساءل عنه انهم هل ذكروا او تذكروا هجوم الصهيونيين قبل بضع سنين على (دير ياسين) فقتلوا الرجال والأطفال، وبقروا حتى بطون الحوامل، وهل ذكروا مباغتة الصهاينة ليلا على ((قبية)) فصبوا صواعق قنابلهم على البيوت وأهاليها نيام. نسفوا تلك المساكن على من فيها من رجال ونساء وأطفال والجيش الأردني المسلم الذي هو طبعاً بقادة كلوب باشا يبصر بعينه ويسمع بأذنه عويلهم وصراخهم وتهافت الانقاض عليهم نساءاً ورجالاً وصبية وأطفالاً.

وهل ذكروا قتل اليهود رجال (نحالين) من غير جناية بلا أي سبب؟ وهل ذكروا ان نسف تلك البيوت ما كان الا بقنابل أمريكية وما قتل أولئك العرب المساكين من المسلمين إلا بأسلحة أمركية وما شجعوا على هذه الوحشية إلا بقوى أمريكية. زهقت تلك النفوس الزكية وجبلت الأرض بدمائهم تحت سمع وبصر تلك العدالة عدالة العالم الحر، وإنسانية العالم المتمدن الذي يتطلب المثل العليا والقيم الروحية كل ذلك وما هو أعظم من الجرائم العظام التي يقشعر منها أبشار البشرية، ويعرق من ذكرها جبين الإنسانية.

كل ذلك على حسابكم يا أبنا العم (سام) وعلى (شأنكم) يا أبناء سكسون، وكرامة لعيونكم يا زرق العيون، جرت كل هذه الوقائع فهل تحركت شعرة في ذقن العم (سام) او سالت دمعة من عين (جون بول) او اهتز طرف من اعطاف (ترومان) او رف جفن من أجفان ((تشرشل)) هل ذكروا مصائب دير ياسين وما جرى على آل ياسين وهل تفجعوا لها تفجعهم حزناً وشفقة على الصهيونيين المشردين بسطوة ((هتلر)) وبطشه فانتصر لهم ابن العم سام وأمه الحنون بل الخؤون سكسون. انتصروا لم فاتخذوا لهم وطناً قومياً وأخرجوا منها أهاليها الشرعيين من آلاف السنين ((غيري جنى)). هل تذاكروا حال أولئك المشردين عن أوطانهم، تسعمائة ألف نسمة من العرب في الصحاري والقفار تلفح أبدانهم العارية لوافح الهجير، وتقشر جلودهم لواقح الزمهرير، لا غطاء ولا وطاء سوى الأرض والسماء، وكل يوم تدفعون اليهود لشن الغارة بأسلحتكم الجهنمية عليهم كي يلتجأوا الى قبول الصلح الذي قررته محكمة عدالتكم، الصلح المجاني بلا قيد ولا شرط ولا عوض. تقولون لأولياء المقتول أصطلح مع القاتل مجاناً وقبّل يده والا لا يزال صفعك بها، فهل سمعتم يا أبالسة الشياطين ويا لعنة السماوات والأرضين. هل سمعتم بأفظع من هذا الظلم؟ واهاً منكم يا بني سكسون أقسم حقاً لو جمع كل ظلم من طواغيت البشر وجبابرتهم من ملايين سنين لما ساوى ظلمكم للعرب والإسلام سنة واحدة. ومنذ سبعمائة سنة أي من عهد الحروب الصليبية الى اليوم أنتم دائبون في الكد للاسلام تبغون له الغوائل وتنصبون له الحبائل وتقذفونه بالقنا والقنابل وكانت مكيدتكم هذه الأخير أنكد المكايد وأدهى الفظايع. مكيدة وليدتكم المدللة ((صهيون)).

وكان العرب أولى بهذه العناية من اليهود، ولكنكم عرفتم ان العرب غالباً عنصر نجيب لا يحسن في الاكثر أَفانين المكر والخداع والحيلة، واليهود منذ كانوا ونشأوا في بدء تاريخهم والى اليوم قد تمرنوا على المكر والخدع ومهروا في القاح الفتن وأعاجيب الأكاذيب يتوسلون لسلب أموال الناس وإغراء الحاكمين حتى بأعراضهم وطالما بعثوا بناتهم الى المحاكم الذي يتعلق لهم غرض عنده وهذا الحال من هذا العنصر الخبيث أصبح مكشوفاً في جميع بلاد الدنيا ولما وجدتم أقصى أمانيكم عندهم ساعدتموهم على الرب بالكثير والقليل (والجنس الى الجنس يميل).

مساعدات أمريكا بالأسلحة للعراق بدون التزامات

بلغني وانا أملي هذه الكلمات ان الصحف اليوم نشرت نبأ مساعدة أمريكا للعراق بالأسلحة العسكرية بلا قيد ولا شرط ولا التزامات، واعتبرت الحكومة ذلك غنيمة عظيمة. فقلت: نعم هذا فن من فنون الاستعمار الجديد. نعم هذا اللف و(البلف) والقفز والدوران، واللعب على الحبل. نعم العراق عنصر نجيب لابد ان يقابل الاحسان بالاحسان.((ومن وجد الاحسان قيداً تقيداً)). وهل يتبصر الحاكمون او المتحكمون. وينظروا ان وراء الأكمة ما وراءها. نعم يبذلون لنا الأسلحة الذرية بشرط ان لا نحارب بها إسرائيل بل ربما بعد ذلك يلزمونا بالصلح مع إسرائيل رضوخاً للأمر الواقع ونتعبد لهم ونحن أربابهم ولكن:

أ ربُّ يبول الثعلبان برأسه

 

 

لقد ذل من بالت عليه الثعالب

 

 وليت ابن العم سام وابن اخيه سكسون كفونا شرهم ومنعونا خيرهم ولا نريد منهم أية مساعدة فانهم هم شر أعدائنا ومنبع بلائنا.

يحكى ان عبداً شديد السواد مهول الصورة يحمل ولداً لمولاه. والطفل كلما نظر الى وجه العبد الهائل في البشاعة يبكي ويصرخ والعبد يقول له لا تفزع ولا تخف أنا معك والطفل يزداد في البكاء. ففطن الى النكتة بعض الأذكياء فقال للعبد ان الطفل يفزع منك ويبكي من بشاعة وجهك اطرحه على الأرض وأذهب عنه فسوف يأمن ويرعوي من البكاء.

نحن نبكي ونخاف من مساعداتكم ومعاهداتكم وقانا الله شرها وشركم.

خاتمة المطاف ومطاف الخاتمة

خطرت لي سوانح دفعني حافز من الغيب الى ان اختم بها هذه الكراسة، فتكون خاتمة المطاف. وتلك السوانح وان كانت قضايا مبعثرة لا يرتبط بعضها ببعض، ولكنها جميعاً لا تخرج عن الغرض، ولا تحيد عن الهدف الأسمى.

السانحة الأولـى طاعة الرغبة أبقى من طاعة الرهبة

قد سبقت الاشارة الى ان كلما أوردنا من البيان، عتبا كان او نقداً، حلواً كان أو مراً. صحيحاً كان أو سقيماً. ما دفعنا اليه الا عاملان:

أداء الواجب والخروج من عهدة المسؤولية.

انها نفثة مصدور، وزفرة مجمور، لا تعدو ان تكون كوضع الماء على النار لابد ان يغلي ويفور.

ونظراً الى ان جل الغرض هو النصح والارشاد والخدمة الانسانية لنوع البشر.

( نقول ) ان الدول الكبرى في هذا العصر كل واحدة منها تشعر أحوالها وأعمالها بأنها تتطلب بحرص وجشع شديد ان تكون لها سيادة العالم، وان تخضع لها كل الدول. والأخرى تريد لنفسها أيضاً مثل ذلك. فالجميع يتسابقون في هذا الميدان، ويبذل كل واحد كلما في وسعه من الجهود حسب الامكان لذلك الغرض، حرصاً على التفوق، وجشعاً الى الغلبة والأثرة.

ومن هنا تكثرت المخترعات وتوفرت آلات الإبادة وسلبت الراحة والاستقرار من عامة البشر وأصبحت كل أمة او دولة كأنها معلقة بنجاح طائر لا تدري متى ينتفض فتسقط وتهلك، وأصبح هذا التنافس بلاء ومحنة عليهم وعلى العالم كله.

وربما يكون التنافس وحب الغلبة والأنانية غريزة جبلت عليها النفوس وانصهرت بها العقول، والتغلب على الطباع، غير مستطاع، نعم قد يكون ذلك حقاً (وتأبى الطباع على الناقل ). ولكن الغلبة والتفوق والسيادة، وان كان فيها السعادة، لا ينحصر الطريق اليها بالبطش والفتك والاستعداد للإبادة  والهلك، بل هناك من الطرق اليها ما هو أهون وأضمن، وأهون في الكفاح، وأضمن في النجاح. وهو طريق العدل والإحسان. فعوض ان يملكوا أجساد الشعوب والأمم بالظلم والإرهاق، وغل الأعناق. لماذا لا يملكون القلوب بالبر والإحسان والإشفاق، ويعلم كل ذي شعور ان طاعة الرغبة بالطوع والاختيار، أبقى وأخلد من طاعة الرهبة بالقسر والاضطرار. وقد قالت الحكماء ان الحركة القسرية لا تدوم وكل شيء يرجع الى طبعه والشعب قد ينتفض، والمغلوب قد يغلب والحرب سجال،والدنيا دول. أما ملك قلوب الشعوب بالإحسان والعدل فهو في أمن من هذه الأخطار فما بال تلك الدول المعظمة تعدل عن هذه الخطة السليمة، الى تلك الخطة السقيمة.

ولعل من يجيب عنهم يقول: ان ساسة تلك الدول رأت ان الانسانية قد هرمت مداركها وتحجرت عقولها وقست قلوبها فصار البر والاحسان لا يبعثها على السلامة ولا يمنحها الاستقامة ولا يسوقها الا السوط والعصا ولا يبرء علتها الا العملية الجراحية وإراقة الدماء بلا هوادة ولا رحمة.

( أقول ) وقد يكون هذا حقاً او فيه بعض الحق ولكن لا أقل من التجربة فاننا منذ زهاء مائة سنة منذ سمعنا ان في الدنيا دولة تسمى إنكلترا أو أمريكا أو فرنسا ما سمعنا ان واحدة منهن استعملت العدل والقسط مع مستعمراتها فضلاً عن البر والإحسان ثم هل ان الانسانية بجميع عناصرها وأواصرها قست قلوبها وتحجرت عقولها فلا تستحق الرحمة ولا ينبغي معاملتها بالإحسان إلا الأمة اليهودية واللقيطة الصهيونية، ام هي السياسة العمياء والمكيدة الماكرة لضرب العرب بالصميم.

واذا كانت الحكومات العربية قد زاغت عن سبل الفضيلة ونزعت عن المزايا والخلق الكريم فلا تعرف للاحسان قيمة ولا للعرف معرفة. فان الشعوب ولا سيما الشعوب العربية فيها على قلة بقية صالحة وخير كثير وانما يحتاج الى التوجيه والتنوير.

وقد شرع القرآن شريعة العدل والاحسان فقال تعالى: (اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ). وقد أخذ بها المسلمون في أول عهودهم فنجحوا وتركتها الحكومات الإسلامية فما ربحوا.

السانحة الثانية تدهور الأخلاق

ان الاخلاق والفضيلة والمثل العليا والنواحي الروحية قد بلغت من التردي والسقوط والتدهور في هذا العصر الى أبعد حدودها. استعرض على ذهنك كل ما على هذه الأرض من الممالك والأمم والشعوب والقبائل فان كانت ذات دين او نجاة فهل تجدها قد تقيدت بشيء من دينها او التزمت بحكم من أحكام شريعتها مثلاً ان أصول الفضائل في العهدين القديم والجديد والوصايا العشر وخطبة المسيح على الجبل وأهم ما فيها لا تقتل لا تسرق ولا تزني لا تكذب الى آخرها، فهل تجد شيئاً من هذه الفضائل عند اليهود او النصارى بل وعند أكثر المسلمين بل وحتى عند البراهمة والبوذيين الذين هم أشد الأمم تمسكاً بديانتهم والتزاما بتقاليدهم، وأهم الأحكام عند البراهمة الذين لا يسوغ في شريعتهم مخالفة بوجه من الوجوه لا اضطراراً ولا اختياراً حرمة ذبح الحيوان بل حرمة إيذائه حتى الهوام والحشرات والانسان بالضرورة أشرف من الحيوان ومع هذا فلما نشبت الحرب بين الهندوس وبين المسلمين قبل سنوات صار ألوف المسلمين بل مئات الألوف نساءاً ورجالاً وأطفالاً تصب عليهم القنابل من الطائرات في جو السماء والمدافع في دو الأرض. يحرمون قتل النملة ولا يحرمون قتل الناس جملة.

أما أمريكا فقد نسفت مدينة من كبريات مدن اليابان بكل من فيها من السكان والذرية، بفضل القنبلة الذرية. ما أدري بلحظة واحدة أو أكثر. كما لا أدري ما ذنب أولئك المساكين من البش حتى يهلكوا جميعاً على صعيد واحد، وبنفخة واحدة. وأمريكا تدين بدين النصرانية وتبشر به وتوراتهم وإنجيلهم يصرخ في كل فرد منهم لا تقتل، لا تقتل. والإسلام يشدد في أمر القتل ويحرمه أشد حرمة. الا في موردين او ثلاث لأسباب خاصة من قصاص ونحوه. كما يحرم الظلم والعدوان، ويوصي بالشفقة والرحمة، والعطف حتى على الحيوان. وأوصى بالشفقة والرقة حتى على الكلب فقال اذا رأيت الكلب يلهث من العطش فاسقه الماء فان لكل كبد حرى أجراً. وقال لا تضرب وجه دابتك ولا تحملها فوق طاقتها واذا بلغت المنزل فابدأ بسقيها وعلفها قبل نفسك. وقال ان للماء أهلاً فلا تبولوا فيه فتؤذوهم. وقال لا تحرقوا بيوت النمل. وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام في بعض خطبه: والله لئن أبيت على حسك السعدان مسهداً، او أجر في الاغلال مصفداً أحب إلي من ان ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، وغاصباً لشيء من الحطام. ويقول في آخرها: والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على ان أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت.

هذا اضمامة صغيرة من زهرات آداب الإسلام وتعاليمه وحال الأصحاء من رجال المسلمين وأئمتهم. ولكن هل تجد شيئاً من ذلك عند المسلمين اليوم من عامتهم بل الكثير من خاصتهم.

أصبح اليوم الظلم والعدوان على حق الغير، والقسوة والرشوة، والكذب والبهتان، والقتل بجميع أنواعه، وما الى ذلك من المساوئ والرذائل، طعاماً سائغاً هنياً، يسيغه الناس كما يسيغون طعامهم وشرابهم من غير وحشة ولا نكير.

ولا أريد ان أستوفي هذا الموضوع حقه، وأخوض فيه الى أعمق نواحيه، إنما  الذي اريد ان اقتله بحثاً وعلماً، واصل الى قعره وغوره، وهو معرفة العلة والسبب في هذا الانقلاب الذي يشبه ان يكون انقلابا فجائياً في هذه الأمة التي تقول بلسانها انها أمة مسلمة وليس لها من روحيات الإسلام وحقايقه وخلايقه شيء قل أو كثر.

نعم أمعنت النظر وأنعمت الفكر وقايست بين هذا العصر والعصر الذي أدركته قبل نصف قرن أيام حكومة الأتراك المسلمة والتفاوت الشاسع بين الحالين مع القرب بين الحالتين الذي جعله عندي انقلاباً فجائياً فكرت وتدبرت الأسباب والمسببات والعلل والمعلولات فلم يوصلني السير الحثيث والبحث المتواصل الا الى أمرين أحدهما يعتنق الآخر ويلازمه.

( الأول ) توغل الاستعمار وتمكنه من هذه الاقطار الإسلامية ومن المعلوم ان الاستعمار عند أربابه فن من الفنون وله إدارات ووزارات ودروس ومدارس وأساتذة وامتحانات وإجازات.

وقد تجلى لهم كما هو الواقع ان الغرض الأتم والفائدة المتوخاة لا تحصل لهم الا بتغيير نفسيات المسلمين ووجدان الإسلام بروحه وجوهره هو الأخلاق والملكات الفاضلة وهي تقوم على أساس رصين من شيِّنات الخير الثلاث يلازم بعضها بعضاً ولا ينفك أحدها عن الآخر وهي: الشرف. الشمم. الشهامة. في قبال شينات السوء. الشر . الشؤم. الشغب.

أول بذرة غرسها النبي في نفوس أصحابه الأولين وهم أولئك الضعفاء المساكين كصهيب الرومي وبلال الحبشي وسلمان الفارسي لا مال ولا رجال ولا عشيرة في محيط يتماوج بجبابرة قريش وطاغوتها وخيلاتها.

غرس في نفوس أصحابه العزة والاباء وكرامة النفس واحتقار المادة والصلابة في الدين فقال ما معناه: تذل السماوات والأرض ولا يذل المؤمن، وتزول الجبال ولا يزول إيمانه وقال في كتابه العزيز: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ). وقال: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ). وقال: (قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً).

أما اليوم فهم يقاتلوننا ويجدون فينا رخاوة بل مساعدة على قتل إخواننا.

يقتل بعضنا بعضاً ويمشي

 

 

أواخرنا على هام الأوالي

 

رأى المستعمر ان المسلم يستحيل ان يرضى بعار الاستعمار ويلبس ثوب الذل والصغار، ما دام مسلماً يعرف لنفسه عزة وكرامة وشرفاً وشهامة، واذا فلا مناص لمن يريد ان يستعمر المسلمين ان يسلبهم قبل كل شيء عزتهم وإيمانهم، حتى يستطيع ان يأخذ بسهولة أموالهم وبلدانهم وبأي شيء يستطيع سلب عزتهم وكرامتهم وسلب إيمانهم وشهامتهم؟.

( الجواب ) سهل واضح يتوسل الى ذلك بالمغريات واشراك الشهوات وحبائل المال والمادة وهكذا فعل وهكذا وصل وهكذا صارت حالة المسلمين وذهب منها كل خلق كريم. وصارت طباعها تمج الفضيلة وتستلذ الذلة والرذيلة ولا تجد لنفسها أي قيمة إزاء الظالمين والمستعمرين، أراك تشك في هذا أيها المسلم فان كنت تشك فانت مسلوب الحس والشعور أيضاً كما انك مسلوب العزة والكرامة.

ومما زاد في نمو هذه البذرة بذرة المهانة والذلة واحتقار النفس ونكران الذات والانغماس في الشهوات والعزوف عن صفات الأماجد وأماجد الصفات هو ( الأمر الثاني ) الذي تولد وتكون من الأمر الأول. ذاك سكوت المرشدين والواعظين بل الأصح في التعبير عدم وجود مرشد لبيب، او واعظ او خطيب، يصرخ في هذا المجتمع الهالك صرخة توقظه من نومه بل تحييه من موته وتنشره من قبره، تراكمت العلل والأمراض في جسم هذه الأمم الإسلامية ولا طبيب يتصدى لعلاج واحدة من عللها من سائر مللها بل سرى المرض الى الأطباء فالمريض والطبيب سواء.

( رب داء سرى فأعدى الطبيب ).

المغريات وبواعث الشهوات بالألوف والملاين، والمثبطات والعظات ولا واحدة فكيف يكون الحال.

السانحة الثالثة كيف نحل مشكلة فلسطين

ان اختلاف كلمة المسلمين في القرن السادس والسابع للهجرة سبب حدوث الحروب الصليبية وغلبة المغول والتتر على الممالك الإسلامية. وفي القرن الثالث عشر والرابع عشر للهجرة أدى اختلاف كلمة المسلمين ايضا الى ابتلائهم بالاستعمار الأوربي، فاستولى الإنكليز على مصر والمحميات التسع وإمارات الخليج والعراق والحجاز واستولت فرنسا على الجزائر وتونس ومراكش ولبنان وسوريا.

واختلاف كلمة الدول العربية بعد الحرب العالمية الثانية هو الذي أدى الى فاجعة فلسطين وانشاء دولة إسرائيل.

والعالم العربي الآن يعرف جيداً ان لإسرائيل أهدافاً اعتدائية. ويعرف ان إسرائيل كالنار الملتهبة تستمر في حرق ما يجاورها او تخمد ويقضي عليها، وكالوباء والمكروبي الذي يظل منتشراً او يقتل ويفني.

ان قضية فلسطين في القوت الحاضر بعد ان اعترفت بها دول كثيرة أصبحت معقدة جداً حلها يحتاج الى كثير من الحكمة والحذر والصبر والشجاعة. ولمعالجتهاينبغي ان نأخذ بنظر الاعتبار أموراً كثيرة أشير الى بعضها:

يجب الابتعاد عن الاقوال الفارغة والوعيد والتهديد والحذر من التظاهر بالدعوة الى الانتقام والثأر، والجولة الثانية، تلك الدعوة التي تدسها وتنشرها الدول الاستعمارية علناً عن سوء قصد، كي تلهي العرب بالخيال والأماني عن الواقع المر، ونحول نقمة العرب منهم الى إسرائيل.

وينبغي الحذر من دسائس الإنكليز والأمريكان ودحض دعابتهم التي تظهر العرب بمظهر المعتدي والمنتقم والحال ان العرب يطالبون بحقهم وهم الموتورون. ولو ردوا اليهم بلادهم لم يكن لهم مع اليهود ولا غيرهم حقد أو سوء. وقد عاش اليهود مع العرب بسلام حقبة طويلة من الزمن.

ان أصل بلاءنا بإسرائيل كما ذكرنا من إنكلترا التي كونتها، وأمريكا التي شجعت إسرائيل وعاونتها. فخلاصنا من إسرائيل مرتبط ارتباطاً بخلاصنا من الاستعمار.

فان استقلت الدول العربية استقلالا كاملا، وتكونت فيها حكومات نزيهة مخلصة تتعاون وتتحد وتتسلح للقضاء على الخطر تهيأ الخلاص للعرب من إسرائيل وماتت من نفسها بلا عناء بل تموت بدون حرب وتستلم في الحال بلا قتال ولا جدال، لطالب العرب ويمكن حينئذ ضم القسم اليهودي الى الاتحاد العربي الواسع ومعاملتهم كمواطنين او اعتبارهم من أهل الذمة حسب قانون الإسلام.

ان اختلاف كلمة دول العرب هو الذي أدى الى الكارثة ولا يتمكن العرب من إيقاف نمو إسرائيل او القضاء عليها الا بتضامنهم واتحادهم، والا فان البلاء اذا توسع هذه المرة فانه سوف يعم الجميع بل يؤدي الى فناء العرب وتشريدهم في الآفاق وينعكس الأمر فيصبح اليهود مجتمعين آمنين في بلدان العرب، والعرب مشردين عن بلدانهم وأوطانهم.

ولا ينفع حيئذ الندم ولا يمكن العلاج فان مثقالا من الوقاية خير من قنطار علاج وسوف نكون نحن الاسلاف لعنة الاخلاف وسبة الأجيال، واذا بقينا على خدرنا وكسلنا ونومنا العميق ستصلنا النار في القريب العاجل. بالله عليكم ايها العرب ارحموا انفسكم من العذاب الذي تعاونونه الآن ومن البلاء يدبره لكم الأعداء. ووحدوا صفوفكم وتضامنوا وتعاونوا ولا تتهاونوا تنجحوا وتفلحوا.

السانحة الرابعة النصح والارشاد، هل ينفع في دفع الشر والفساد؟

قد يقول قائل ان الموعظة والنصيحة مهما كانت صحيحة بليغة او فضيحة، ولكنها أصبحت في هذه العصور وفي هذه الأيام عديمة الجدوى فاقدة الفائدة ليس فيها الا العناء واضاعة الوقت فان الشر والفساد قد استحكم في النفوس حتى صار كطبيعة ثانية او ثابتة فيها الكلام لا يغير الطباع ولا يحل النظام. وقد قيل: غيروا ظروفكم تتغير أخلاقكم. يعني ان الانسان تكونه الظروف وتخلقه البيئة وقد انحدر سيل الفساد من أعالي جبال المدينة المادية كالتيار المتدافع لا ترده صيحات الصائحين، ولا تصده نصائح الناصحين، وعظات الواعظين، وكل من يقف في سبيل هذا السيل يحرفه ويقضي عليه.

( أقول ) وليست هذه النظرية من النظريات الحديثة وممن كان شأنها شدى بها في القدئم فيلسوف (المعرة) ونظمها في لزوميتها وفي غيرها بأساليب مختلفة مثل قوله:

كم وعظ الواعظون منا
فانصرفوا والعناء باق

 

 

وقام في الناس أنبياء
ولم يزل داؤك العياء

 

ويقول:

غلب البشر منذ كان على الخلق
واذا ما النفوس لم تقبل النصح

 

 

وماتت بغيظها الحكماء
فماذا تفيده النصحاء

 

وأبدع في كلمته المشهورة:

يروق مرأى لبني آدم
أحسن من أحسنهم صخرة

 

 

وكلهم في الذوق لا يعذب
ولا تظلم الناس ولا توكب

 

وسبقه المتنبي في مثله السائر :

 الظلم من شيم النفوس فان تجد . . . 

وقد أخذه من كلمة لأمير المؤمنين سلام الله عليه من كلماته القصار وجوامع الكلم وقد حلق اليها ابو الطيب وانحط دونها:

( الظلم مودع في النفوس، والقوة تبديه والضعف يخفيه )

ولكن هل في هذا واضعاف أمثاله من منظوم ومنثور، ومشهور ومأثور، قناعة لذي اللب بسقوط هذه الفريضة وارتفاع هذا التكليف؟ وهل الموعظة والإرشاد إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو من أهم فرائض الإسلام وأقوم أسسه ودعائمه؟ وهل كانت وظيفة الأنبياء والرسل سوى هذا؟ وهل نزلت  الكتب إلا لهذا؟ وكانت الأمم الغابرة التي بعثت الأنبياء اليها أغلظ طباعاً وأشد قسوة وامتناعاً، من الأمم المتأخرة وقد سرد القرآن الكريم قصص الأنبياء وما تحملوا في سبيل الدعوة من الجهد والعناء وضرب أروع الامثال في هذا المجال. أنظر الى حال نوح ومن بعده من أولاده من الأنبياء وماذا قاسوه من المهالك كل ذلك كي نعتبر ونتأسى بهم ولا نخلق لانفسنا الكهوف والمغارات لنستريح اليها وننزوي فيها ونتكلف المعاير للتهرب منها.

وأصح ما وصل اليه الباحثون في علم لنفس ان الانسان بحسب أصل فطرته وطبيعته ساذج مرن يجوز ان يتشكل بكل شكل ويتلون بكل لون حسب الظروف والملابسات والتربية والتربة لا اقتضاء فيه لخير ولا شر.

نعم لا ريب ان لكل طبيعة من الطبائع شواذاً يقال عنها (شواذ الطبيعة) فيوجد بل وجد أفراد لا تنفع فيهم العظة ويهزؤن بالنصيحة كما أخبر عنهم جل شأنه: (قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً). (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ) والقرآن يجعلهم موتى ((إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى * وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)).

ولكن هذا النوع قل أو كثر لا يسقط التكليف لاتمام الحجة وقطع المعاذير وليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة. واذا تركنا العظة والتبليغ لوجود مثل هؤلاء في البشر يكون كمن ترك الماء لأن شخصاً شرق بالماء فمات.

المواعظ البالغة هي وظيفة الأنبياء ومن أجل وجوب القيام بها صار العلماء ورثة الأنبياء تلك العظات كالسحاب الماطر اذا أصاب الأرض الطيبة أنبتت نباتاً حسناً واذا وقع على الخبيثة أخرجت شوكا او ملحاً. كل هذا مما لا مراء فيه انما الداء العضال وعقدة الإشكال في الواعظين فأين الواعظون المتعظون وأين الصالحون المصلحون والكل يعلم ويقول ان الكلام اذا خرج من القلب دخل في القلب واذا خرج من اللسان لا يتجاوز الآذان وأصوان الفرايض يجمعها ثلاثة عناوين يجب لى كل انسان ان يعلم ثم يعمل ثم يعلم وروح هذه الأصول الثلاثة الاخلاص والمعرفة وعلى درجات الاخلاص يكون التأثير في المحل القابل، والاستعداد الكامل، وصف المتقين أمير المؤمنين (ع)  فما فرغ من خطبته حتى صعق همام ولحق بإخوانه المتقين، ووعظ بعض العرفاء شاباً من تلاميذه فشهق شهقة كانت روحه فيها فجاءت أمه تبكي ومعها أهله يطالبون الشيخ بديته فقال الشيخ نفوس طهرت وطابت، ثم دعيت فأجبت، خذوا ديته ممن أخذه ممن دعا فلباه وتجلى له فاستهواه.

نعم هكذا تصنع المواعظ البليغة في من يعيها من سامعيها أما أنا وأنت وأمثالنا من الهياكل البشرية الجوفاء المشحونة بالهوس والأهواء فأي أثر لوعظنا، وأي فائدة في إرشادنا لو أرشدنا نحن علماء نتلو آيات الكتاب ونعرف فقه الحديث ولكن من طراز الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها... ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد الى الأرض واتبع هواه.

مضى عليّ أكثر من خمسين سنة وأنا أهيب بإخواني المسلمين أدعوهم الى الاتفاق والوحدة وجمع الكلمة ونبذ ما يثير الحفائظ وينبش الدفائن والضغائن التي أضرت بالإسلام وفرقت كلمة المسلمين فأصبح الإسلام غريباً يستنجد بهم. تكالب عليه أعداؤه وجاحدوه وخذله أهله وحاملوه. ومن أراد شاهد صدق على ذلك فليراجع الجزء الأول من (الدين والإسلام) او الدعوة الإسلامية الذي طبع منذ 44 سنة ولينظر أول صفحة من الى صفحة 27 تحت عنوان ( البواعث والدواعي لهذه
الدعوة ). ثم يشفع هذه النظرة بأخرى في أول الجزء الثاني منه فيرى المقطوعة التي يقول أولها:

بني آدم إنا جميعاً بنو أب

 

 

لحفظ التآخي بيننا وبنو أم

 

ومنها يقول:

رأيتكم شتى الحزازات بينكم
خذوا ظاهراً من صورتي فضميرها
يود لو ان الأرض تصبح جنة
بني آدم رحماكم في قبيلكم
حناناً على هذي النفوس فإنها
هلم نعش بالسلم عصراً فإننا
إليكم بني الأديان مني دعوة
الى السلم فيكم والتساهل بينكم

 

 

وما بينكم غير التضارب بالوهم
تصور من روح التحنن والرحم
تفيئكم ظل السلامة والسلم
فقد جزتم بري العظام الى الهشم
سماوية من رشح ذيالك اليم
قضينا عصوراً بالتضارب واللدم
دعوتكم فيها الى الشرف الجم
فيا حبذا شرع التساهل والسلم

 

ولم تزل نشراتي ومؤلفاتي في أكثر من نصف قرن سلسلة متوالية الحلقات متصلة غير منقطعة كلا في النصح والإرشاد والدعوة الى الاتحاد، ودفع الفساد، وقد طبع ( أصل الشيعة ) تسع مرات في كل واحدة مقدمة طويلة في الحث والبعث الى الوعي واليقظة، وان البلاء على الإسلام قد أحاط بالمسلمين منهم ومن الملحدين ومن المشركين.

وفي خلال هذه البرهة تحملت الأسفار وركبت متون الأخطار في البر والبحر والهواء، وانا في المرحة الأخير، من الحياة المنهوكة بالعلل والأسقام والتي هي تحت أجنحة الحمام، كل ذلك في سبيل الدعوة الى الخير والحق، وخدمة الإسلام خالصاً لوجهه الكريم لا نريد مالا او جاها ولا جزاء ولا شكورا. ومع ذلك أجدني مقصراً، ولا أرى لعظاتي ونصائحي أثراً فما السر في ذلك؟ حديث غريب يحز في النفس ويبعث الألم.

أظن ( وظن الألمعي يقين ) ان التأثير يحتاج الى قوة وصلابة، يحتاج الى شجاعة أدبية وصرامة دينية، وجرأة واندفاع لا رخاوة فيه ولا هوادة، لست أنا ذلك المؤمن الذي لو القى على الرجل فرية أقول له أسكت يا كذاب. او جلس عندي شارب الخمر أقول له قم يا فاسق واذا زارني الظالم أكرمه وأركن اليه والله جل شأنه يقول: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ) لو اننا نقول للكاذب أت كاذب وللظالم أنت الظالم لما وصلنا الى هذا الحال التعيس الذي يلعنه حتى إبليس.

نعم هذا السكوت وهذا النفاق وهذه المخاتلة التي نسميها مجاملة. والمخادعة التي نقول انها مصانعة.

هذه التلبيسات الشيطانية الناشئة من خور الطبيعة وضعف الدين وهزال اليقين هو الذي جرأ المسلمين وجرهم الى ارتكاب هذه العظائم والجرائم غير مبالين ولا مكترثين.

انا سكتنا عن الكذاب فانفتحت
يلقي علينا أقاويل مزخرفة

 

 

أمامه لفنون الكذب أبواب
ولا نقول له أسكت أنت كذاب

 

هذه الخمور التي تباع جهاراً في أسواق المسلمين وفي حوانيت المسلمين هي محاربة لله ولرسوله وللاسلام. نقول لك بلسان حالها من وراء زجاجتها لى رغم أنفك أيها المسلم أتيت من أوربا لتشتريني وتدفع المال يصنع به السلاح لاستعبادك واستعمارك. تقول لك على رغم دينك وقرآنك الذي يقول: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ). ها أنا ذا بارزة أمامك وأمام المسلمين يمرون على تلك الحانات غادين ورائحين فهل حركت الغيرة جماعة منهم لمكافحتها او مكافحة من يراودها ويرودها ويخرج منها مثلاً بتمايل؟ هل هجم ذو غيرة وحمية للدين والقرآن فيحطم تلك الزجاجات والقناني التي قد يكون أثرها على البلاد أسوء من القنابل بل هي القنابل الصامتة والمدافع الخرساء؟ هل هجم عليها أحد كما هجم جدنا كاشف الغطاء على حانة خمر لأحد الصوفية في شيراز فأراق خمورها في الشوارع فأنشأ الصوفي في البيتين البديعتين بالفارسية:

( شيخ نجفي شكست خمخانه مي ) البيتين المشهورين.

نعم سكوتنا عن المجرمين شجعهم على الجرائم والساكت عن المجرم شريكه في جريمته، يقول الكتاب العزيز لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، ومما يثير العجب آية أخرى تقول: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) يفسق المترفون فتدمر القرية كلها.

نعم سكتوا عن المترفين او ساعدوهم. ونيرون لو لم يجد المساعدين من رعيته لما احرق المساكين. ويزيد لو لم يجد يساعده ابن زياد وابن سعد لما قتل الحسين وسبى عياله. وعتاة الصهيونية لولا أمريكا وانكلترا لما هجموا كل يوم على العرب والمسلمين يقتلون رجالهم ونساءهم وأطفالهم ثم تصر أمريكا على العرب بقبول ذلك الصلح الكافر. والظلم السافر الذي يهون الموت دونه ودون الخضوع له، وليعلم بنو العم سام وذيولهم سكسون وصهيون. انه من المستحيل بين العرب وإسرائيل، ان يقع صلح، او يندمل جرح، الا ان يرجع الحق لأهله ويعود العدل ال نصابه وترد البلاد لأربابها، ويخرج منها غاصبوها. والا فاذا انقطع الأمل في تلك الدول، ومن المربوطين بعجلتها العابدين لعجلها من الحكومات العربية، فأما ان تنهض الشعوب العربية معتمدة على نفسها وتعد عدتها وتوحد كلمتها وتأخذ ثأرها، وتغسل عارها، وتلبس الثياب الحمر وتنزع الثياب السود والا فلا معول بعد هذا الا ان تضربهم يد السطوة الأزلية بضربة من ضرباته التي لا يزال يضرب بها من طغى وتجير وحكم وظلم والحد وأفسد ثم يبطش بهم بغتة (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ).

(سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا).

ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد الي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في لبلاد فاكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب ان ربك لبالمرصاد.

اللهم ان هذا الثالوث المشوم: أمريكا، انكلترا، فرنسا قد سفكوا من دماء البشر ما لم تسفكه السباع الضواري في الغابات والصحاري. قد تمر السنة ولا نسمع ان السباع والذئاب افترست أناساً وهؤلاء كل يوم يفترسون ألوفاً من البشر اللهم انهم قد حكموا في البلاد وأكثروا فيها الفساد وظلموا عبادك وهتكوا كل حرمة وارتكبوا كل حرام فأذهبهم بعاجل عقابك. وأضربهم بسوط عذابك حتى يستريح العالم كله من شرهم ومكرهم وشياطينهم وسلاطينهم، واقطع دابر القوم الذين ظلموا وقيل الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين والمصلحين.

 

 نعم الإسلام لم يسوغ الحرب والقتال الا في موارد مخصوصة وبشروط معينة أهمها: من يقف حجر عثرة في سبيل دعوة الحق والتوحيد هو الجهاد في سبيل الله بشروطه المعلومة. الثاني محاربة أهل الظلم والبغي والفساد في الأرض. الثالث: الدفاع عن النفس والعرض ورد الهجوم على البلاد الإسلامية، اما الحرب في سبيل الغنائم والأموال والأغراض الاقتصادية والاستعمارية كما هي في الوقت الحاضر وكالحروب التي تثيرها حكومة إنكلترا وأمريكا فهي من أعظم المحرمات في ميزان الشرع ومن أعظم المخازي في معيار العقل، ولا يليق بشرف الانسان ان يقتل بعضه بعضاً في سبيل النفط والكبريت والفحم والحديد والمطاط وما شابه ذلك.

أنتم يا أبناء العم سام ويا بني سكسون تزعمون أنكم اتباع عيسى وانه ربكم ونبيكم والمكفر خطاياكم، واليهود هم الذين كذبوه وصلبوه ولعنوه وأقل تعبير لهم عنه ابن القحبة الزانية مريم زنى بها عشيقها الحسن الصورة يوسف النجار فأولدها اليسوع فادعت انه ابن الله ولا يزالون على هذا الاعتقاد الى يوم الناس هذا. أما الإسلام فيقول عيسى روح الله وكلمته ألقاها الى مريم ويقول عن مريم انها البتول العذراء المحصنة التي أحصنت فرجها رداً لليهود وتكذيباً لهم فكان هذا جزاء المسلمين منكم وتلك أعمالكم معهم. ولكن من أين لكم الدين ومن اين لكم الوفاء والنجابة.

( إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ) الى آخره.

ومن لم يكن عنصره طيباً لا يصدر منه العمل الطيب طبعاً ولا يزال هذا دأبكم وديدنكم أيها الإنكليز من أول تاريخكم الى يومكم هذا، تسيئون الى كل من يساعدكم ويحسن اليكم ولا تكتفون بمقابلة الاحسان بالإساءة بل تقضون على حياته.

لا ينسى الناس في الحرب الأولى كيف ساعدكم المرحوم أمير المحمرة ولما انتهت الحرب سلطتم عليه السلطة الإيرانية فأزالته عن ملكه ثم سجنته ومات خنقاً في سجنه بإشارتكم، ساعدكم الملك حسين وحارب الأتراك وطردهم من الحجاز وكان جزاؤه بعد تلك المواثيق المؤكدة ان نفيتموه الى جزيرة قبرص فمات او استشهد فيها غريباً. أما المرحوم فيصل فلا أدري كيف مات غريباً في أوربا ولكن المعروف انه تناول الغداء مع العجوز الإنكليزية وما خرجت من الغرفة حتى خرجت روحه الزكية أما المرحوم (غازي) فلعنة الله على العمود الكهربائي الذي صدم سيارته وفضخ هامته ولو اردنا أمثال هذا من اعمالكم مع اصدقائكم لأمكننا  تأليف أكبر موسوعة مفتوحة في قضاياكم المفضوحة.

 


 

 
امتیاز دهی
 
 

 
خانه | بازگشت | حريم خصوصي كاربران |
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما