چهارشنبه 12 ارديبهشت 1403  
 

الفردوس الاعلي

 
تقريرات درس سماحة الشيخ الامام كاشف الغطاء

 

الفردوس الأعلى

  



بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد وبه المستعان

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

في بيان حقيقة البيع والملك والملكية(1)

الملك والملكية نسبة واضافة خاصة بين الانسان وعين مميزة من الاعيان اما في الذمة او في الخارج او منفعة عين كذلك ولا وجود لها الا بوجود منشأ انتزاعها ولا تحقق لها الا بتحقق اعتبارها عند العرف والعقلاء وليس لها ما بحذاء في الخارج فليست من المحمولات بالضميمة بل من خوارج المحمول ومن المعقولات الثانوية باصطلاح الحكيم لا المنطقي فالعروض ذهني والاتصاف خارجي كالابوة والبنوة لا كالكلية للانسان وهي اما مقولة مستقلة او من مقولة الاضافة وعلى كل حال فانما تتحقق عند العقلاء بتحقق منشأ انتزاعها وهي امور خارجية تعتبر كأسباب لها عرفاً وشرعاً وتلك اما قهرية كالارث والنذر ونحوها. او اختيارية وهي اما بفعل الانسان فقط مباشرة او تسبيباً كالحيازة ونحوها او بفعله المنوط بغيره وهي عقود المعاملات وهي اما معاوضات حقيقية ليس المقصود بالاصالة منها الا المال وهي خمسة كالبيع والإجارة والصلح والهبة المعوضة والقرض او يكون مقصوداً بالتبع فيكون شبه المعاوضات كعقود النكاح دواماً او انقطاعاً. والاصل في تمليك الاعيان بالعوض هو البيع كما ان الاصل في تمليك المنافع بالعوض هو الاجارة، وسيأتي قريباً ان شاء الله الاشارة الى بيان معنى الاصل في ذلك، وحيث ان البيع باعتبار اسبابه وغاياته واحكامه وذات حقيقته متعدد الجهات والحيثيات متكثّر الاعتبارات وليس له على التحقيق عند الشرع ولا المتشرعة حقيقة خاصة بل هو باق على حقيقته العرفية لذلك اختلفت عبارات اللغويين والفقهاء في التعبير عنه بمرادفة وشرح اسمه والاشارة الى بعض خواصه ولم يكن مرادهم بيان الحد الشارح للحقيقة والماهية. فبالنظر الى ما يحصل به من تبادل المالين قيل انه مبادلة مال بمال، وبالنظر الى ما يترتب عليه من النقل والانتقال قيل انه نقل العين وانتقالها بعوض، وبالنظر الى انه لا يتحقق الا باللفظ الخاص قيل انه هو اللفظ الدال على النقل، وبلحاظ لزوم القبول في تحققه خارجاً قيل انه الايجاب والقبول الدالان على النقل، وبلحاظ لزوم قصد الانشاء في حصوله قيل انه انشاء تمليك العين بمال، وهكذا كل نظر الى جهة من الجهات ولازم من اللوازم وان كان لازماً اعماً فعبر به والكل وان اصابوا بالنظر الى الجهة التي اشاروا اليها ولكن حيث ان جميع تلك الجهات وان اشارت الى الحقيقة من وجه ولكنها لا تفي بتمام الحقيقة من كل وجه ولا يتميز البيع به عن اخوته من العقود المملكة كالاجارة والصلح والهبة المعوضة والقرض لذلك كثر النقض والابرام في تلك التعاريف وبيان الخلل في تلك العبارات نظراً لكون حقيقة البيع ومفهومه لا يرادف مفهوم المبادلة ولا يساوي مفهوم النقل والانتقال والتمليك ولا انشاء التمليك. ويشهد لذلك الاتفاق ظاهراً على انه لو قال بادلت او نقلت او ملكت لا يكون بيعاً فمفهوم البيع اذاً مغاير لكل تلك المفاهيم مضافاً الى صدق اكثر تلك العبارات على غير البيع من عقود المعاوضات كالصلح والهبة المعوضة وغيرها، ولم نجد في كلماتهم على كثرتها من عبّر عن ذات حقيقة البيع وجوهر معناه الذي يمتاز به عن كافة ما يشاركه في النقل والتمليك من عقود المعاوضات فنقول وبالله التوفيق: لا ريب ان للاعيان الخارجية في نظر العرف والعقلاء جهتين تارة من حيث شخصيتها ووجودها الخارجي وبما هي دار او عقار او بستان او غير ذلك، واخرى من حيث ماليتها الناشئة من وفور الانتفاع بها وكثرة فوائدها الباعثة على توفر الرغبات فيها وكثرة الطلب لها ومزيد العناية بها وعلى مقدار ما في العين من المنفعة والرغبة تزداد ماليتها وتنقص. ومالية كل عين هي قوامها وقيمتها الكامنة فيها فالعين تلحظ تارة بشخصها واخرى بقيمتها وماليتها فاذا احتاج صاحب العين الى المال انبعث في نفسه العزم على بذلها وابدالها بالمال ولكن لا بمطلق المال بل بماليته الكامنة فيها وقيمتها المقومة لها بنظر العرف، ولذا يتحرى البائع قيمته الواقعية وان لا يقع فيها غبن ولا نقص، وكذلك المشتري يتحرى ان لا يبذل ازيد من قيمتها فتمليك شخصية العين بماليتها وقيمتها الواقعية الكامنة فيها هو حقيقة البيع وبها يمتاز عن سائر العقود سوى الاجارة فانها ايضاً تمليك المنفعة بماليتها وقيمتها الواقعية وتمتاز عن البيع بأنها لنقل المنافع، والبيع لنقل الاعيان.

واما الصلح فهو عقد وضع في الاصل للتسالم وقطع الخصومة. والاتفاق على تمليك عين او منفعة او اسقاط حق او دين امر تبعي ولو اشتمل على عوض فلا يلزم ان يكون مالية تلك العين او المنفعة محفوظة كما في البيع ولذا يصح الصلح على ما يساوي الالف بواحد او اقل كقطعة نبات او نحوها فيصح صلحاً ولا يصح بيعاً، وفي الحقيقة ان العوض في الصلح ليس عوض عن العين المصالح عليها بل عوضاً عن الرضا التام على تمليك العين ومثله الكلام في الهبة المعوضة فان المعاوضة بين الهبتين لا بين الموهوبين ضرورة ان المجانية وكون الموهوب بلا عوض مأخوذ في حقيقة الهبة وماهيتها ولكن لا مانع من ان يهبه العين مجاناً ويشترط في ضمن العقد ان يهبه الموهوب له عيناً اخرى بقيمتها او اقل او اكثر فاذا لم يف كان له الرجوع في هبته، واما الدين فهو وان كان تمليك العين لكونها احدى المصاديق او بمثلها من سائر المصاديق فليس حقيقة من باب المعاوضات اصلاً وان استلزم المعاوضة ضمناً وضماناً.

فالخاصة اللازمة للبيع التي لا توجد في غيره والكاشفة عن تمام حقيقته هي كونه تمليكاً للعين من الغير بماليتها منه، وهذا المعنى له ثلاثة انحاء من التحقق:

الاول: في مقام التصور والفكر والارادة وهو كمعنى خبري.

والثاني: تحققه في مقام الانشاء قولاً او فعلاً حيث يقول: بعت داري من فلان.

والثالث: تحققه خارجاً وحصول البيع الذي يترتب عليه آثاره واقعاً شرعاً وعرفاً، وذلك اذا تعقبه القبول مع سائر الشرائط. فان نظرنا الى مقامه في المرتبة الاولى قلنا: هو تمليك العين بماليتها، واذا نظرنا اليه في المرتبة الثانية قلنا: انشاء تمليك العين بماليتها، واذا نظرنا الى المرتبة الثالثة قلنا: انشاء تملكيها بماليتها من الغير مع قبوله، وبهذا تعرف ان كل واحد من الفقهاء نظر الى مرتبة فعبر بما يناسبها وفاتهم لاشارة الى ان العوض ليس هو مطلق المال بل ماليتها الخاصة الكامنة فيها المقومة لها التي تعتبر في العرف قيمة لها فكأن صاحب السلعة اذا اخذ قيمتها قد استرد سلعته ولكن من حيث ماليتها، وباذل المال قد استرده ولكن في ضمن عين تلك السلعة، وهذا المعنى ارتكازي في النفوس موجود في اذهان المتبايعين اجمالاً ومغفول عنه تفصيلاً. ولذا لو تبين الغبن والزيادة والنقصية في الثمن او المثمن كان للمغبون الفسخ لانه لم يصل اليه تمام مالية العين. او دفع المشتري زائداً عليها فلم يصل اليه في العين تمام ما دفع من المال.

 ثم ان تلك المراتب التي ذكرناها للبيع ليست معان متبائنة، ومفاهيم متغايرة بل هو معنى واحد وتلك انحاء تحققاته واطوار تشخصه فاذا قيل (البيع والشراء) فهي مرتبة وجوده المفهومي التصوري واذا قال البائع في مقام الايجاب بعت فهي مرتبة وجوده الانشائي واذا قيل احل الله البيع وحرم الربا فهي اشارة الى مرتبة وجوده الخارجي بحسب مصاديقه الشخصية واما استعماله في الانتقال فهو من قبيل استعمال لفظ السبب في المسبب فان التمليك سبب للانتقال وعليه يحمل تعريف المبسوط ومن تبعه وتعريف الشيء بذكر اثر من آثاره ليس بغريب. فكأنهم ارادوا ان البيع الذي هو التمليك ما يكون مؤثراً للانتقال نظراً الى مرتبة وجوده الحقيقي الذي ترتبت عليه آثاره الخارجية أي ما هو بيع بالحمل الشائع الصناعي لا ما هو بيع بحسب المفهوم والماهية وبالحمل الذاتي وهذا احسن من توجيهه بارادة التبعية فانه من البعد بمكان واما استعماله في العقد بمعنى الايجاب والقبول كما هو الشائع في لسان الفقهاء حيث يجعلونه عقداً من العقود في مقابل الصلح والاجارة ونحوها مما يقابل الايقاعات. فهو ايضاً توسع في الاستعمال، ومن علاقة السببية ايضاً كما صرح به الشهيد الثاني(2) فان الايجاب بالضرورة سبب للتمليك الحقيقي فيستعمل اللفظ الموضوع للتمليك في سببه وهو الايجاب ولقبول، وقول شيخنا المرتضى (قدس سره) والظاهر ان المسبب هو الاثر الحاصل في نظر الشارع لانه المسبب عن العقد الخ.. مشيراً: الى ان مسبب العقد واثره النقل الشرعي لا التمليك والنقل الحاصل بايجاب البائع فانه غير موقوف على القبول فاستعمال لفظ البيع الموضوع لتمليك الموجب ونقله من الايجاب والقبول أي العقد استعمال بلا علاقة لانه لا سببية بين العقد والتمليك الانشائي وانما السببية بين العقد وبين النقل الشرعي الذي لا دخل له بالبيع ــ غريب جداً ومنشأه الذهول عن المرتبة الحقيقية للبيع، ووجوده الخارجي الذي هو التمليك الحقيقي في نظر العرف والعقل، وليس للشارع سوى الامضاء وعدمه والحكم بالالزام او عدم اللزوم، وبالجملة فكون التمليك الحقيقي الذي يترتب عليه اثره وهو الانتقال، وتبدل الملكية ثمناً ومثمناً مسبباً عن العقد أي الايجاب والقبول مما لا يمكن انكاره وهو ضروري لكل احد، ولا ينافيه ان النقل الانشائي اثر حاصل بايجاب الموجب فقط بل هو مؤيد لما ذكرناه: فان النقل الصوري الانشائي اثر الايجاب فقط، والنقل الحقيقي اثرهما معاً. هذا كله مع قطع النظر عن الشارع الذي ليس له سوى الامر بوجوب الوفاء والالتزام بما التزما به، او عدم وجوب الوفاء الراجع الى مخالفة العرف في الأسباب لتلك الملكية الحقيقية، او اعتبار بعض الشروط في السبب وهو العقد، لا الى الاختلاف في حقيقة البيع، او ان العقد ليس مسبب للملكية كما يظهر منه (قدس سره) فتدبره جيداً، ومن هنا ظهر الوجه ايضاً في استعماله في الايجاب بشرط تعقبه بالقبول، والفرق بينه وبين سابقه اعتباري وهما بالنتيجة سواء وهو ايضاً بعلاقته السببية كما سبق بيانه. ولا مانع من ان يكون قول المخبر بعت مستعملاً في الايجاب المتعقب بالقبول اذ لا ثمرة في الايجاب المجرد، وقرينة المقام قرينة التجوز باستعمال اللفظ في المقيد لا ان القيد مستفاد من الخارج. وقوله: (نعم تحقق شرط للانتقال في الخارج لا في نظر الناقل.. الخ) ففيه:

اولاً: ان الحال في نظر الناقل ونظر غيره سواء في المقام في ان النقل الانشائي بالايجاب وحده حاصل في نظر الناقل وفي نظر غيره والنقل الحقيقي غير حاصل به في نظر الناقل وفي نظر غيره ايضاً اذ لا يعقل ان الناقل يرى حصول النقل الحقيقي بايجابه فقط، كيف وهو بايجابه قد ملك العين وتملك الثمن وهو في تمليكه المثمن اصيل وفي تملك الثمن الذي هو ملك المشتري كفضولي يحتاج الى اجازة المشتري واجازته قبوله ورضاه بجملة عمل البائع تمليكاً وتملكاً ولذا قلنا فيما سبق: ان البيع بتمامه من عمل البائع ولكن لا يتحقق في الخارج ولا تحصل ثمرته بنظر العرف والعقل الا بقبول المشتري.

وثانياً: ان الاثر وان كان لا ينفك عن التأثير (كما افاد (قدس سره)) ولكن اثر كل مرتبة لا ينفك عن التأثير في تلك المرتبة لا في مرتبة اخرى فتأثيره مرتبة الانشاء لا ينفك عن اثرها وهو التمليك الانشائي لا التمليك الحقيقي الذي هو اثر الايجاب والقبول معاً.

وثالثاً: ان قياس البيع وما يساويه معنى على الوجوب والايجاب قياس مع الفارق فان الوجوب والايجاب من المعاني الايقاعية الاستقلالية التي يكفي في تحققها صرف انشائها من طرف واحد. ولا تحتاج الى انشائين بل يكفيها انشاء واحد والطلب الايجابي من العالي والسافل والمساوي كله من سنخ واحد وهو في الجميع يستلزم تحقق الوجوب من الموجب غايته: ان العقل يلزم بوجوب الامتثال ان كان من العالي تحرزاً من العقاب دون الاخيرين للامن من العقاب فيهما. وهذا امر خارج عن حقيقة الوجوب، اما البيع فهو من المعاني الارتباطية التي لا تحقق حقائقها بصرف انشائها ولا يكفي فيها الانشاء من واحد وما ابعد التفاوت بين العقود والايقاعات... فالبيع واخواته من قبيل الابوة والبنوّة غايته نه اضافة واعتبار ينتزع من عمل انشائي بخلاف الابوّة فانها اضافة تنتزع من امر خارجي غير الانشاء اما الايجاب والوجوب فهما من قبيل العتاق والطلاق التي تنتزع من انشائها من الفاعل القابل في المحل القابل. والبيع يحتاج الى فاعل وقابل في المحل القابل فلو تخيل التراب حنطة وقال: بعتك منّاً من هذه الحنطة وقال المشتري: قبلت لم يقع التمليك الحقيقي وان حصل الايجاب والقبول والتمليك الصوري والنقل الانشائي اللغوي في الايجاب والقبول في المحل القابل عرفاً وعقلاً مستلزم للتمليك الحقيقي والنقل الواقعي كالكسر والانكسار لا ينفك احدهما عن الآخر ابداً لا ذهناً ولا خارجاً نعم الكسر والانكسار من الامور الخارجية التي ليس لها مرتبة إنشاء كالبيع فهما يشابهان العقد واثره اعني ان النقل الحقيقي من جهة، ويختلفان عنه من جهة، وكذا الابوة والبنوّة والخلاصة ان البيع الحقيقي لا ينفك ابداً عن العقد في المحل القابل في نظر الناقل وغير الناقل،.. نعم قد يقع في الاعتبار الغير الصحيح تحقق التملك الحقيقي بدون قبول المالك كما يتملك ارباب النهب والغصب اموال المغصوبين والمنهوبين بمجرد الاستيلاء. وهذا مع انه ليس بيعاً حتى عند الغاصب خارج عما نحن فيه من الاعتبارات الصحيحة، ومما ذكرنا من توضيح حقيقة البيع ظهر لك انه مختص بحسب طباعه وجوهر معناه بنقل الاعيان لا انه اصطلاح من الفقهاء فقط (كما يظهر منه(قدس سره) ) في اول البحث كيف وقد صرح بعده بقليل انه ليس له حقيقة شرعية ولا متشرّعية بل هو باق على معناه العرفي.

ولا يخفى ان البيع المبحوث عن معناه في المقام ما هو عمل البائع لا ما هو عملهما معاً غايته ان عمل البائع وتمليكه العين وتملكه الثمن لا يكون حقيقياً عند العقلاء بل وفي نظره الا بالقبول اما المبادلة بين المالين فهي من عمله فقط والمشتري قد امضى تلك المبادلة ورضي بها، فما اورده بعض اساتيذنا في حاشيته من ان المبادلة من عمل البائع والمشتري والبيع المقصود بالتعريف هو عمل البائع غير سديد وحيث عرفت اختصاص المعرض في البيع بالاعيان وان اطلاقه على تمليك المنافع في كلمات بعضهم وبعض الاخبار كخبر اسحاق بن عمار في بيع سكنى الدار التي لا يعلم صاحبها. وخبر ابي مريم، والسكوني في المدبر يبيع خدمته ولا يبيع رقبته كل ذلك توسع في الاستعمال وضرب من المجاز اما استعمال الاجارة في نقل بعض الاعيان كاجارة الشجرة لتمليك الثمرة والشاة والمرضعة للصوف واللبن ونحوها فهو على حقيقة. لان الثمرة واللبن يعد منفعة للشجرة والشاة حيث يقع عقد الاجارة عليها لا على نفس الثمرة واللبن فيستقلان باللحاظ، فأعلم انهم قد اتفقوا ظاهراً على عدم اختصاص العوض بالاعيان وانه لا اشكال في كونه منفعة سواء كانت محققة قبل المعاوضة او يتحقق اعتبارها بنفس المعاوضة كعمل الحّر لو قلنا: بان منافعة ليست بمال قبل المعاوضة كما هو الظاهر، وعبارة المصباح لا يظهر منها اعتبار تقدم المالية، وكما لا يعتبر في المعوض ان تكون ماليته قبل المعاوضة كما في بيع الكلي في الذمة فكذا في العوض حيث يكون منفعة.

واما الحقوق فهي: على ثلاثة اقسام (منها) ما يقبل الاسقاط والانتقال ويعاوض بالاموال كحق الخيار والتحجير فلا ينبغي الاشكال في صحة جعله عوضاً اذ كل ما يقابل بالمال فهو مال بالضرورة و(منها) ما لا يقبل شيئاً من ذلك كحق الولاية على اليتيم ونحوه ولا اشكال في عدم صحة التعويض به و(منها) ما يقبل الاسقاط دون الانتقال فان كان يقابل بالمال كحق الشفعة لو دفع المشتري ما لا الى الشريك ليسقط حق شفعته فلا مانع من جعله عوضاً في البيع والاّ فلا يصح لعدم ماليته حينئذ نعم جعل جدنا كاشف الغطاء(3) (قدس سره) ــ في شرحه على القواعد الوجه في عدم صلاحية الحق لجعله ثمناً ولا مثمناً ضعف الملكية وعدم تبادره من الملك ولكنه على اطلاقه محل نظر، والحق ان المدار في الحق على المالية فمتى تحققت صح جعله عوضاً والاّ فلا.

اما ما افاده شيخنا المرتضى (قدس سره) بقوله (واما الحقوق الاخر كحق الشفعة وحق الخيار الى قوله: والسر ان الحق سلطنة فعلية لا يعقل قيام طرفيها بشخص واحد.. الخ) فتوضيح مراده ان ما لا يقبل الانتقال من الحقوق لا يصح جعله عوضاً في البيع ضرورة ان البيع تمليك الغير عوضاً ومعوضاً فاذا كان الحق لا يمكن نقله الى الغير فكيف يكون عوضاً ويملك للغير، والتمليك لا يتحقق بدون النقل فحيث لا نقل لا تمليك فلا بيع فان قيل لا يتوقف البيع دائماً على النقل والتمليك فان الكلي يصح بيعه على من هو عليه اتفاقاً مع ان التمليك والنقل فيه غير معقول لأنا نقول لا مانع من كونه تمليكاً اثره السقوط، ولذا جعل الشهيد(4) الابراء بين الاسقاط والتمليك فانه ظاهر في ان الكلي يمكن ان يملك لمن هو عليه فان قيل فليكن جعل الحق عوضاً ايضاً تمليك لمن هو عليه ويكون اثره سقوط الحق كما في الدين فيصح لمن له حق الشفعة مثلاً ان يجعله عوضاً المشتري الذي عليه الحق حق الشفعة ويكون اثره السقوط لانا نقول فرق بين الحق والملك فيعقل ان يكون مالكاً لما في ذمته فيسقط، ولا يعقل ان يتسلط على نفسه، والسر ان الحق سلطنة لمن له الحق على من عليه الحق فهو موقوف على طرفين، ولا يعقل قيامهما بشخص واحد بخلاف الملك فانه لا يحتاج الى من عليه الملك بل هو نسبة بين المالك والمملوك فيصح ان يملك ما في ذمته ولا يلزم اتحاد المالك والمملوك عليه المستحيل ولعله يشير (قدس سره) الى ان انتقال الحق الى من هو عليه من قبيل انتقال العرض وهو مستحيل بخلاف انتقال الملك الى من هو عليه فانه من قبيل تبدل العرض وهو ممكن هذا غاية ما يمكن ان يقال في توضيح مراده وتنقيحه ولكنه واضح الضعف من وجوه ــ وحل هذه العقدة بحيث ينكشف مواضع الخلل فيما افاد (قدس سره) ان الملك: كما لا يحتاج الى من يملك عليه احياناً كما في ملك الاعيان والمنافع فكذلك الحق قد لا يحتاج الى من عليه الحق كحق التحجير وحق الخيار وامثالها، وكما ان الحق قد يحتاج الى من عليه الحق كحق القصاص وحق الجناية وحق الشفعة في وجه فكذلك الملك كملك الكلي في الذمة ونحوه، وكما يصح لحاظ الملك بين المالك والمملوك يصح لحاظ الحق وكما يصح لحاظ سلطنة بين من له الحق على من هو عليه فلا يعقل اتحاد طرفيها في شخص واحد فكذا يصح لحاظ الملك سلطنة فعلية لمن له ملك على من هو عليه فلا يعقل اتحادهما ومنشأ التوهم اخذ الحق بالمعنى المفعولي واخذ الملك بالمعنى المصدري ولو اخذا بنسبة واحدة لم يكن فرق بينهما بالضرورة كيف ولو لم يؤخذ المملوك عليه في بيع الكلي لم يكن هناك مال ولا مملوك اصلاً حتى يصح بيعه وماليته وباعتبار ذمة المملوك عليه والزامه نحقق الكلي فقوام المملوك هنا انما هو بالمملوك عليه لا المالك. فلو اشترى ما في ذمته لزم قيام الطرفين المالك والمملوك عليه بشخص واحد ولزومه ايضاً اظهر من لزومه في الحق ويندفع كل هذه الاوهام بان المصحح في المقامين هو اختلاف الحيثية والاعتبار فباعتبار السبب الاول كان عليه الحق ومملوكاً عليه وباعتبار السبب الثاني صار له الحق ومالكاً ويكون اثر ذلك السقوط فيهما معاً حقاً او ملكاً فتدبره جيداً. والحق ما ذكرناه اولاً من ان الحق ان كان يقابل بالمال ويمكن سقوطه او انتقاله صح جعله عوضاً والا فلا.

وهل البيع وغيره من اسماء المعاملات موضوع الصحيح او الاعم؟ فاعلم اولاً ان هذا من المباحث المستحدثة من زمن الشهيدين وما بعدهما ولم يكن له عند المتقدمين عنوان ولا اثر. وفي الحقيقة ان هذا البحث ساقط من اصله وباطل من ذاته وبيان ذلك: ان من المعلوم ان عامة اسماء الاجناس سواء كانت معانيها من الحقائق الخارجية العينية كالانسان والشجر ونحوهما او من المعاني الجعلية الاعتبارية كالبيع والاجارة والزوجية والملكية ونحوهما انما هي موضوعة للماهيات والمفاهيم الكلية والماهية من حيث هي ليست الا هي: ويستحيل ان تتصف بصحة او فساد ضرورة ان الصحة عبارة عن كون الشيء بحيث يترتب عليه الاثر المطلوب منه وفساده عبارة عن عدم ترتب ذلك الاثر عليه والماهية من حيث هي لا يعقل ان يترتب عليها اثر من الآثار، وانما الاثر للوجود فالاحراق لا يترتب على ماهية النار وانما يترتب على وجودها ومصاديقها وهكذا كل ماهية واقعية او اعتبارية. نعم لما كانت الماهية الاعتبارية لا وجود لها في الخارج الا بوجود منشأ انتزاعها، وليس منشأ انتزاعها سوى الاسباب التي اعتبرها العقلاء محققة لها فالصحّة والفساد انما تعرض على اسبابها اولاً وبالذات وتعرضها ثانياً وبالعرض، والخلاصة ان البيع مثلاً بمعنى تمليك العين بعوض لا يعقل ان يتصف بصحّة او فساد. نعم السبب فيه وهو العقد ان كان بحيث يترتب عليه اثره وهو التمليك كان صحيحاً والا كان فاسداً وهكذا سائر المعاملات انما تكون صحتها وفسادها باعتبار اسبابها كما ان العبادات من الصلاة والصوم والحج ونحوها انما تتصف بالصحة والفساد باعتبار وجودها وبالنظر الى مصاديقها فان كان جامعاً لما اعتبر فيه من اجزاء وشرائط بحيث يترتب عليه الاثر كان صحيحاً والا كان فاسداً واذا اتضح ان الماهيات والمعاني لا تتصف بصحة او فساد وان اسماء العبادات والمعاملات لتلك المفاهيم، والصحة متأخرة عنها رتبة، ظهر لك سقوط النزاع من اصله في ان تلك الاسماء موضوعة للصحيح او الاعم وان مبحث الصحيح والاعم من الابحاث التي هي مضافاً الى عدم الفائدة والثمرة فيه غير معقولة في نفسها. وفساد ما ذكروه من الثمرات لهذا النزاع اوضح من ان تحتاج الى بيان. نعم يمكن ان يقال ان اطلاق البيع في مقام الاخبار ينصرف الى وجود البيع الصحيح أي السبب الجامع لشرائط التأثير اما في مقام الانشاء فالصحة والفساد ينتزعان منه بلحاظ متأخر لا ان الانشاء يتعلق بالصحيح كما يتعلق بالفاسد كما لا يخفى على المتدبر. اما وجه تمسك العلماء قديماً وحديثاً بعمومات المعاملات مثل ــ احل الله البيع ــ فهو بالنظر الى ان البيع بمعنى التمليك لما كان غير فعل اختياري الا بالواسطة كسائر الافعال التوليدية فلا تتعلق الحلية وغيرها من الاحكام به الا بواسطة سببه فيمون مفاد الآية حلية اسباب التمليك، ويدل باطلاقه على حلية كل ما هو سبب للتمليك عند العرف. والمراد بالحلية في مثل هذه الموارد الامضاء والتقرير يعني ان الله انفذ وقرر اسباب البيع التي هي اسباب عند العرف وامضى سببيتها وضعاً وحلية التصرفات في المبيع تكليفاً تابعة لتلك الحلية الوضعية ومنتزعة منها لا انها هي المقصودة بالاصالة والمدلول عليها بالجملة بحيث يكون المراد من البيع المبيع وتكون حليته باعتبار حلية التصرفات فيستلزم خلاف الاصل من وجهين الحذف والمجاز ولا يلزم شيء من ذلك على ما ذكرناه ضرورة ان تعلق الاحكام بالاعيان والافعال التوليدية وارادة اسبابها شائع لا يعد من المجاز اصلاً لعدم العناية والتكلف فيه بالضرورة فحلية البيع وحرمة الربا ووجوب الوفاء بالعقود لا يفهم منها الا ارادة نفوذ العقود العرفية ووجوب الالتزام بها على ما هي عليه عند العرف ومضى سببية كل ما هو سبب عند العرف للبيع ونحوه وعدم سببية الربا للملكية وان كان سبباً عند العرف فليس للشارع في العقد والبيع والربا اصطلاح خاص او حقيقة شرعية وانما له الامضاء والتقرير او عدمه لا غير فكل عقد وكل سبب للبيع بمقتضى هذه الاطلاقات نافذ الا ما قام الدليل على بطلانه.

المعاطات

ومن هنا ظهر لك ان المعاطات بعد تسالمهم على كونها بيعاً عرفاً و صحيحة شرعاً وانها ليست بيعاً فاسداً ولم ينسب احتمال ذلك الا الى العلامة (قدس سره) في النهاية وقد ثبت رجوعه عنه كما انه لا خلاف ايضاً في ان قصد المتعاطين هو التمليك. وحينئذ فتشمله عمومات احل الله البيع وتجارة عن تراض وامثالها. ولكن اتفق الاكثر على الظاهر بل الجميع على ما يقال انها تفيد الاباحة لا التمليك وبهذا اعضلت المسألة وتضاربت الاصول والقواعد واضطربت فيها مذاهب العلماء فبين قائل بالاباحة عامة او خاصة، وبين قائل بالتمليك جائزاً او لازماً كما ان المتأخرين اختلفوا في تحرير محل النزاع عند المتقدمين فبين قائل انه فيما اذا قصد المتعاطيان التمليك وبين قائل كصاحب الجواهر(5) انه فيما اذا قصدا الاباحة.

انتهى ما وجد بخطه دامت افاضاته

بسم الله الرحمن الرحيم

 هذه تقريرات درس شيخنا الامام العلامة المرجع الديني الاكبر آية الله كاشف الغطاء ادام الله علينا ايام افاداته.

بقلم: بعض الفضلاء من تلاميذه ايّده الله تعالى

لا تجوز الصلاة في المكان المغصوب عيناً او منفعة فيما اذا كان ملكاً طلقاً وهذا مما لا اشكال فيه وان امكن القول بجواز الصلاة في كل مكان مملوك او غير مملوك رضي صاحبه او لا لأن حق الصلاة لله الملك الحقيقي مقدم على حق المالك الصوري المحجازي كما لعله يشير اليه في الحديث جعلت لي الارض مسجداً وطهوراً اينما ادركتني الصلاة صليت وغيره والله العالم نعم لا اشكال على المشهور في بطلان الصلاة في المكان المغصوب. وانما الاشكال فيما لو وقعت في حق الغير من غير رضاه وانها هل هي صحيحة مطلقاً، او باطلة كذلك، او يفصل بين الحقوق المالية التي تقبل الاسقاط والمعاوضة والنقل وبين الحقوق الغير مالية التي هي عكس الحقوق المالية وقد يشتبه الامر ولا يفرق بينهما في بعض الحقوق التي يقبل بعضها دون بعض آخر وتنقيح المقام بحيث يرتفع به غواشي الاوهام يحتاج الى بيان الفرق بين الحقوق والاحكام ثم ملاحظة ان الحقوق التي وقعت فيها الصلاة بغير اذن صاحبها هل تكون مما يصدق عليه التصرف العرفي وبعبارة اخرى الصلاة فيها موجبة للتصرف المحرم ام لا فنقول: انّ الحق نحو سلطنة والسلطنة عبارة عن القاهرية والتسلط ولها مراتب كثيرة اعلاها واجلها هو سلطنة الحق تعالى شأنه وقهاريته على مخلوقاته وهو من اعظم الحقوق ولا يتبدل ولا يتغير بحال ابداً وهو ذاتي متأصل واليه ترجع سائر الحقوق بل الحقوق كلها له جلّ شأنه وبسلطنته خلق الخلق والحاصل ان حق الخالفية حق ذاتي غير مجعول وهو ثابت له تعالى في تمام الاحوال وله آثار كثيرة لا تعد ولا تحصى ومن آثاره شكره وحمده وعبادته واطاعته وتسبيحه وتقديسه والقيام بما امر به والانتهاء عما نهى عنه وهذه السلطنة العظيمة سلطنة لاننا لها يد الجعل ولا توجد في غيره تعالى ثم بعد التنزل عن هذه المرتبة هو حق النبوة ثم حق الولاية ثم حق العلماء والمدرس والاب والابن وحق الجار على جاره وجميع هذه الحقوق ترجع الى حقه تعالى في المعنى ولكل واحد من هذه الحقوق آثار كثيرة تترتب عليها ثم ان امهات الحقوق غير حقه تعالى على ثلاثة اقسام لان السلطنة الخاصة الثابتة للانسان اما تكون على انسان آخر كسلطنة النبوة والولاية وغيرهما من الحقوق الى اضعف مراتبها وهو حق مرشد الاعمى وهاديه الى منزله او رافع الحجر عن طريق الآخر واما ان تكون على الاعيان واما على النسب والاضافات وان شئت قلت ان الحق نحو سلطنة انسان على غيره من انسان او اعيان او عقد واضافة ونسبة.

اما الاول فقد يكون منشأه افعال خارجية وامور حقيقية كالهداية والارشاد والتعليم ورفع الحجر وغير ذلك من الافعال الخارجية الجوارحية فان هداية النبي (ص) وارشاده اليه تعالى صار سبباً ومنشئاً لحقه (ص) على العباد وهكذا الولي(ع) والعالم والمعلم الى آخر مراتبه واضعفها وفي مقابل هذه الهداية والارشاد لابد من التشكّر والامتنان والعمل بما يأمره وينهاه وكذا بالنسبة الى غيره (ص) وهذا النحو من الحق اثره انه لا يتبدل ابداً فلا يقبل الاسقاط ولا المعاوضة ولا النقل لان منشأه امر لا يقبل شيئاً مما ذكر بداهة كونه افعال خارجية لا يمكن عودها بعد وقوعها وقد يكون منشأه امور اضافية واعتبارات صرفة ليس لها ما بازاء في الخارج ولكنه مما له منشأ انتزاع محقق فيه لا كأنياب الاغوال مثل حق المولى والزوج على عبده وزوجته فحق المالك والزوج نشأ من الملكية والزوجية اللتين هما من المعقولات الثانوية ليس لهما ما بازاء في الخارج ولكنهما انتزعتا من العقد الخاص الذي صدر عن اهله في محله وبالجملة الحقوق المنتزعة عن المعقولات الثانوية الحاصلة بعد التقابل بينها وبين طرفها التي ليست من الامور الوهمية بل من الامور الواقعية ولها منشأ انتزاع في الخارج وهذا النحو من الحقوق ايضاً لا تقبل النقل والاسقاط والمعاوضة ابداً كالحقوق الاولى نعم يمكن رفع الامور المذكورة بتوسط حل منشأ انتزاعها وهو من المعقولات الثانوية كالملكية والزوجية وحل ذاك المنشأ لا يمكن اولاً وبالذات ايضاً بل يحتاج في حلة الى حل منشأ انتزاعه وهو العقد الصادر عن اهله في محله وحق الزوجية والملكية مثلاً لا يتبدل ولا يتغير الا بتبدل ذاك العقد وانحلاله الموجب لانحلال الزوجية والملكية المستلزم لانحلال هذا الحق هذا بخلاف الحقوق الاولى فان منشأ انتزاعها هو الامور الحقيقية والافعال الخارجية التي ليس لها استقرار وثبات في الخارج حتى يمكن حلها ومن هذا القبيل حق الانسان على نفسه فانه من اهم الحقوق واجلها وهو ايضاً لا يقبل النقل والاسقاط والمعاوضة اصلاً كحق الانسان على الانسان وهو مسلط على نفسه ومختار في حركاته وسكناته الا ان يستلزم المعصية والتجري على المولى الحقيقي.

واما الثاني وهو سلطنة الانسان على الاعيان والاموال فقد يكون السبب والعلة في حصول تلك الاموال هو الامور الاختيارية من تجارة وولاية واجارة وصناعة وقد يكون السبب فيه هو الامور الغير الاختيارية كما في الارث والبذل ومنه تملك الفقراء والمساكين الزكاة والسادات المحترمين الخمس بل اخذ الزوجة النفقة من زوجه وتملكها لها بخلاف انفاق الوالد على اولاده فانهم لا يملكونه ابداً وعلى كلا التقديرين اما تكون الاموال ملكاً طلقاً له بحيث يملكها بجميع انحائها واعتبارياتها واما لا يكون ملكاً طلقاً بل ملكاً محدوداً ومضيقاً ومن هذا القبيل حق الرهن والتحجير والخيار فان حق الراهن مثلاً وسلطنته ما زالت عن ماله بشراشرها بل له اخذه ولو ببيع المرهون فان هذا الحق والسلطنة من شؤون السلطنة المطلقة وحدودها وبالجملة الحق يتبع الملك في الإطلاق والتحديد فالملك ان كان محدوداً فالسلطنة محدودة وان كان مطلقاً فالسلطنة ايضاً كذلك وهذا النحو من الحقوق كلها وبانحائها المختلفة واعتباراتها الملحوظة قابلة للنقل والانتقال والإسقاط والمعاوضة ومن هذا القبيل حق الخيار ايضاً ويتحقق فيها عنوان الغصبية فيمن غصب ملك انسان او منفعته ولو لم يكونا طلقاً بل مضيقاً محدوداً فصلى فيه فتكون صلاته باطلة هذا وقد تنتزع من الحكم التكليفي المتعلق على موضوع خاص لا يصلح للملكية صورة حق وهو ليس بحق واقعاً بل وهو حكم تكليفي محض كما في المعابد والمساجد المحترمة والبقاع المتبركة وكالشوارع العامة كالطرق وسوق المسلمين وبالجملة المشتركات العامة بأنحائها سواءً كانت مشتركة بين الناس والعناصر والطبقات كلها كالطرق والأسواق او مختصة بنوع خاص وعناصر مخصوصة مثل مكة المشرفة والمشعر الحرام ومنى والمساجد او على صنف كالحرم الشريف والمدارس العلمية ومن سبق الى مكان في هذه الأمكنة المباركة وزاحمه آخر واخرجه من مكانه وصلى فيه لا تكون صلاته باطلة وان فعل حراماً لأن الغرض من وضع هذه الأمكنة ليس الا استيفاء الانتفاع وجواز السكنى والتوقف لأجل العبادة اما المساجد فقد الغى الشارع المالية فيها وحررها بل وكذا غيرها من المشتركات العامة فان الغرض من بنائها ووضعها ليس الا انتفاع الاناس بطبقاتهم وباختلاف عناصرهم لا تملكهم العين ولا المنفعة بل لهم جواز الانتفاع ولغيرهم حرمة المزاحمة لما استمر عليها السيرة القطعية من ذمّ العقلاء كل من زاحم آخراً واخرجه من مكانه مضافاً الى ورود اخبار كثيرة من ان اسواق المسلمين كمساجدهم والحاصل بعد القول بأن الغرض منها ليس الا الانتفاع وجواز الدخول والتوقف والخروج لا التملك العيني ولا المنفعتي لا معنى للغصبية ابداً لأنه عبارة عن التصرف بمال الغير من دون اذنه واذا انتفى المالية القائمة بالتمليك العيني او المنفعتي فقد انتفى موضوع الغصبية وعنوانها.

وامّا الموقوفات العامة فعلى قسمين بعضها كالمشتركات العامة ليس الغرض منها الا انتفاع المسلمين على طبقاتهم المتشتتة وبعضها ليس كذلك بل الغرض منها هو تمليك المنافع كالوقف الخاص بل هو وقف خاص ولا ينافيه كثرة الموقوف عليهم والحاصل الوقف الذي هو عبارة عن تحبيس المال تارة يكون قصد الواقف مجرد انتفاع المسلمين كوقف القرآن على الحرم الشريف وكوقف البساتين لانتفاع المسلمين من ثمراتها لا فيما اذا وقفها لأن يتملكوا منافعها فهذا القسم من الوقف هو الوقف العام وان لم يجر عليه اصطلاح القوم وقد يكون قصده هو تملكهم المنافع كما في كثير من الموقوفات فهذا القسم هو الوقف الخاص بالدقة واما الاصطلاح فلا مشاحة فيه والغرض هو عدم تحقق الغصبية في القسم الأول لو دفع بعضهم بعضاً وازاله عن مكانه لعدم المالية التي تحقق عنوان الغصبية وتحققه في القسم الثاني لأنّ المنفعة مال فمن غصبها وصلى فيها بطلت صلاته بلا اشكال.

وامّا الثالث وهو سلطنة الانسان على النسب والعقود والأضافات فقد علم حكمها مما قدمناه من القسمين الأولين لأنها ان رجعت الى السلطنة المالية وحقوقها فيكون كالقسم الثاني من قبولها النقل والاسقاط والمعاوضة كما في جميع السلطنات المتعلقة بالعقود لازمة كانت او جائزة وسواء جعلت السلطنة لكلا الطرفين او لأحدهما فأن في العقود الجائزة لكل من الطرفين سلطنة على حلّ النسبة وان لم ترجع اليها بل كانت السلطنة على امر غير مالي كما في الوكالة والكفالة فيكون كالقسم الأول في عدم قبولها النقل والإسقاط والمعاوضة لأنها على هذا الفرض ليست الا مجرد حكم وهو مجعول شرعي لا يقبل شيئاً مما ذكر بقى في المقام شيء جامع لكلتا الصفتين وهو عقود الأنكحة بانحائها فانها برزخ بين المعاملات والعبادات كما صرح به بعض الاساطين من حيث انها سلطنة انسان على ما يرجع بالآخرة على المال فيقتضي ان تقبل كلاَ من الامور المذكورة ومن حيث انها سلطنة انسان على انسان لا على الاموال فيقتضي عدمه وبعبارة اخرى من حيث ان الغرض منها ليس الا اخذ المال الذي هو عبارة عن المهر فيقتضي دخولها في المعاملات والسلطنة والحاصلة فيها تكون راجعة الى سلطنة مالية ومن حيث انها ليست من جنس المعاملات بل مباينة لها كل التباين فيقتضي عدم قبولها لشيء مما ذكر لكونها سلطنة الانسان على مثله والتدبر في ملاك الانكحة يقتضي هذا الوجه بل المتعين هو هذا الوجه والجهة الملية تبعة محضة ولذا تصح بلا مهر يعتد به بل بقراءة القرآن والغرض منها هو حفظ نظام العالم ورفع نقصانية المرء ودينه لان الرجل بلا زوجة فاقد لاحد طرفيه ولذا قال الشارع من تزوج فقد احرز نصف دينه وهذا لا ينافي خروج بعض الافراد لعارض ولعلة خارجية وكيف ما كان فان فذلكة المقام وخلاصة ما تلوناه من المرام هو ان الحقوق والسلطنة ان تعلقت على المال ولو بوسائط كانت الصلاة فيه بدون اذن مالكه باطله لتحقق عنوان الغصبية كما في الخيار قلنا ان السلطنة تعلقت على فك النسبة لا على استرجاع المال وان تعلقت على نسب وعقود غير راجعة الى المال فلا تجيء فيه قضية غصبية أصلاً لعدم تحقق عنوانها وان شك فيهما أي في كون متعلق الحق مالاً او غير مال فربما يقال بالرجوع الى العمومات الدالة على صحة البيوع والمصالحة ولكنه غير صحيح لكونه تمسكاً بها في الشبهات المصداقية كما لا يخفى والحق هو الرجوع الى الاستصحاب في كل مورد بالنسبة الى اثبات آثارها ففي الشك في قبول الاسقاط وعدمه يستصحب عدمه فلا تجري فيه آثاره وكذا بالنسبة الى المعاوضة والنقل هذا اجمال الكلام في هذا المقام ولتوضيحه وبسطه مقام آخر.

ثم اننا حيث قلنا ان الصلاة في ملك الغير م غير اذنه باطلة لا تصح ابداً بل تحتاج الى رضاء مالكه الكاشف عنه الاذن او شاهد الحال والفحوى وبيان ذلك ان الرضاء حل من حالات النفس وطور من اطواره وهو ليس الا مثل سائر اوصاف النفس القائمة بها والظاهر المبادر منه هو الرضا الفعلي واما التقديري فيأتي بيانه له كواشف ثلاثة على المشهور الاذن الصريح الذي هو اعلى الكواشف واجلها وشاهد الحال واذن الفحوى الذي هو عبارة عن الاولوية القطعية ولكنها غير منحصرة فيها لامكان الكشف عنه بغيرها وبالجملة بعد ان قلنا ان الرافع للغصبية والظلم هو الرضا وهو من حالات النفس فلا يمكن الاطلاع عليها. الا بمؤنة الامارة والكواشف ظهر لك ان الكاشف مقدمة صرفة فلا مانع من تعدده اصلاً اذا عرفت ذلك(6) فاعلم انه وقع الخلاف بين الاكابر والاعلام في توجيه صحة والعبادة والتصرف في الاراضي المتسعة والبعيدة المسافة والانهار الكبيرة حيث استمرت السيرة القطعية على التصرف فيها بلا احتياج الى الاذن من مالكها بل ولا يخطر ببال احد الاستئذان للصلاة والوضوء والشرب فيها وكذا في غيرها من انحاء التصرفات مثل التظليل وغيره والصحة في الجملة مما لا ريب فيه ابداً وانما الكلام في وجهها ومناطها وقد اختلفت كلمات الاصحاب واضطربت في وجهها ويظهر من المستند ان الوجه فيها هو قصور شمول ادلة الغصب على مثل تلك الموارد مثل قوله: لا يحل مال امرء الا بطيب نفسه حيث قصرها على صورة المنع أي العلم بمنع المالك او الظن المعتبر على منعه واما في غير هذين الموردين فمشكوك الشمول والعموم وانت خبير بفساده وانه مستلزم للهرج والمرج في نظام العالم لانه مستلزم لجواز التصرف فيه مال الغير فيما اذا احتمل رضاء مالكه او تساوي الاحتمالان عنده واضعف من هذا ما يقال من ان الملاك في الجواز في الاراضي والانهار هو الاذن التقديري وكما يكفي الفعلي منه وكذلك يكفي التقديري لان قوله: لا يحل مال امرء الا بطيب نفسه اعم من طيب النفس الفعلي او التقديري لانه يستلزم جواز التصرف في مال الغير واخذ امواله لكل من هو محتاج في الواقع على نحو يعلم بان صاحب المال لو اطلع على احتياجه وفقره لرضي بتصرفه في ماله واخذه منه وقد تمسك بعضهم بالعسر والحرج ومع انه مختص بالاحكام الالهية لا يثبت المدعي لكونه اخص منه والذي ينبغي ان يقال في وجه صحة ذلك هو احد امرين.

اما القول بعدم تحقق عنوان التصرف العرفي، او بعدم تحقق عنوان المالية، اما الاول فلما اشرنا اليه من ان الغصب هو التصرف في مال الغير عرفاً بحيث يعد في العرف تصرفاً بالتصرف في هذه الاراضي والانهار لا يعد تصرفاً في العرف لتوسعة المتصرف فيه واما الثاني فلأن الاراضي بانحائها المختلفة وباقسامها المتشتة كانت لمالك الملوك وانّما ملكها العباد بالعرض مثل الحيازة وغيرها فيمكن القول بأن الله تبارك وتعالى الذي هو المالك الملوك الحقيقي لما اباح الأراضي المتسعة والأنهار الكبيرة لعباده ما اذن لهم بالمزاحمة في التصرفات الغير المعتدة بها بل اباحها من هذه الحيثية والجهة لنوع عباده وكذا الأمام (ع) في الأراضي الراجعة اليه من قبل مالكها الأوليّ وهو الله تعالى فانّ الأئمة (عليهم السلام) اباحوها لشيعتهم لأجل انتفاعهم من الأنكحة والعبادة وغيرها وكيفما كان فأنّ اعتبار الرضا المستكشف بالأذن الصريح وغيره في هذه الأراضي والأنهار ساقط للسيرة المستمرة وهل يعتبر الرضاء في الموقوفات كالأموال والأعيان ام لا؟ الحق التفصيل لأن الموقوفات باعتبار تغير حكمها على ثلاثة اقسام واما بالأعتبارات التي لا دخل لها في تغيير حكمها مثل كونها عاماً او خاصاً وغيرهما فلا فائدة للبحث عنها من هذه الجهة، (احدها) هو ان الغرض منها هو سلب المالية بكليتها وجعلها محرراً كما في البيت العتيق والمشاهد المقدسة التي جعلها الله تعالى في اصل خلقتها محررة وكالمساجد التي بناها العباد فهذا القسم منها مما لا اشكال في عدم مدخلية اذن المالك ولا الموقوف عليهم ابداً لعدم لحاظ المالية ولا الملكية هنا اصلاً و(ثانيها) هو كون الغرض منها منفعة الوقوف عليهم مع تحبيس عين المال وتوقيفه كما في الموقوفات التي تعلق غرض الواقف فيها بهذا النحو وهذا القسم من الموقوفات لا بدّ في التصرف فيها من اذن المالك او المتولي او الحاكم الشرعي ولا فرق فيه بين كون الموقوف عليهم هو خصوص الآحاد والأشخاص او هو عموم الأناسي كالقسم الأول وهذا القسم نظير الدار المستأجرة و(ثالثها) هو تحبيس العين وتوقيفها والغاء المنفعة وملاحظة الأنتفاع للأفراد المعينة والأشخاص المخصوصة وبالجملة الغرض منه هو انتفاع نوع واحد كالمدارس العلمية مثلاً فأنّ الغرض من وقفها هو انتفاع الطلاب بالسكنى فيها لطلب العلم بحيث لو زاحمهم غيرهم لا يجوز له ذلك ابداً وبالنسبة الى الأنتفاعات الغير المزاحمة لحقهم فهي داخلة في القسم الأول من انها محررة ومسبّلة لم تلاحظ فيها سلطنة المالك اصلاً لألغائه الأنتفاعات بأسرها (والحاصل) المدار في تغيير الحكم هو قصود الواقفين من تحبيسهم العين وتمليكهم المنفعة او اباحتهم الانتفاع فقط والغاء جهة المالية بالكلية لا خصوصية الموقوف عليهم وعموميتهم ومن هنا ظهر وجه التصرف في مياه الحياض الواقعة في المدارس وغيرها لغير الموقوف عليهم من الأناسي فأنه يتبع قصد الواقف ان علم به من الخارج او حصل الظن المعتبر فيعمل على طبقه والا الأصل هو عدم جواز التصرف من غير احراز الأذن من مالكها او متوليها او ممن له الأذن (وظهر) مما ذكرنا ان التصرف في مال الغير من دون رضاء مالكه حرام والصلاة فيه باطلة الا في الأراضي المتسعة والأنهار العظيمة والموقوفات التي حررت وسبلت لعموم الأناسي او نوع وصنف منهم بل وكذا في بعض الموقوفات الخاصة كالمقابر الموقوفة لأشخاص معينة لكي يدفنوا فيها فأن حرية التصرف فيها بما لا ينافي جهة الوقفية مما لا ريب فيه وليس وجهه الا تسبيل المالك الأنتفاعات الغير المزاحمة لجهة الوقفية وتحريره لها بالنسبة الى عموم افراد البشر ثم الرضاء المعتبر الذي يتوقف عليه التصرّف هو الرضا الفعلي المستكشف عنه بالأذن الصريح او بشاهد الحال او شاهد الفحوى وقد اشرنا الى كل منها في تضاعيف كلامنا واعتبار هذا الرضاء وكفايته في دفع القبح وقطعه العذر في التصرف في أموال الغير مما لا اشكال فيه وانما الكلام في الرضا التقديري والفرضي بحيث لو علمه لرضي به وربما يقال بكفايته تعويلاً على اخبار لا تدل على المطلوب بل ولا صدرت لبيان الأحكام الآلهية ابداً بل انما صدرت لبيان مراتب الكمال والفضيلة من الأخوة الواقعة بين المسلمين وان المسلم الذي يدعي الأخوة لا بد بأن يرضى لإدخال اخيه يده الى جيبه وكيسه وعدم دفعه لها ولو سلم فهذه الأخبار ادّل على الرضا الفعلي من التقديري فتأمل واستدل ايضاً بالسيرة القطعية بحيث يكتفي جميع افراد البشر بالرضا التقديري في تصرفاتهم وعليه نظام معيشتهم.

اقول: الرضا التقديري يتصور على وجوه:

احدها: هو ما لم يجامع المنع ولا الرضا الفعليين وهذا هو القدر المتيقن منه في المقام.

ثانيها: هو ما يجامع المنع الفعلي فهذا يتصور على نحوين لأنه تارة يمنعه لذاته جهلاً بصفاته مثل ان تقول لا تدخل الى داري بحيث جعل المتعلق هو الذات جهلاً بأنه محبه او فيه اوصاف حسنة بحيث لو علم بها لما منعه واخرى يمنعه لذاته جهلاً بذاته كمن تخيل انَّ زيداً يحبه وعمرواً يبغضه فمنعه.

ثالثها: يجامع المنع الفعلي مع دخوله تحت عنوان من له الرضا الفعلي فالأحكام تختلف حسب اختلافه فيمكن القول في الأول بالمنع وعدم كفاية الرضا المقارن له كما يمكن القول بالجواز في الآخرين فان حصل الشك فيرجع الى الأصول العملية لا الى الأدلة الدالة على عدم جواز التصرف في مال الغير الا بعد احراز اذن صاحبه لكونه تمسكاً بها في الشبهة المصداقية والجاري من الأصول هو استصحاب عدم الرضاء وحرمة التصرف فهو يجري بكلا قسميه حكماً وموضوعاً وظهر من جميع ما ذكرنا ان الصلاة في مال الغير من غير رضاه باطلة لا تسقط الأمر اصلاً بل في جميع العبادات بحيث لو تحقق عنوان التصرف في مال الغير لبطلت وهذا المعنى لا يتفاوت بين العبادات ابداً وكذا بين انحاء الصلاة يومية او ليلية فرضية او نقلية بجميع اقسامها وانواعها ولم يخالف فيه احد ولم نستثني منه الاّ موردين:

احدهما: ما استثناه بعض العامة وهو صلاة العيدين والجمعة والجنازة معللاً بأنه لو بطلت صلاة المأمومين للزم سقوط الواجب من اصله وزعم بعضهم ان المسألة داخلة تحت تعارض الأهم والمهم ويمكن تصحيحه بتخصيصه على ما لو جهل الامام الغصبية او صلى في مكان مباح والمأمومين صلوا في المكان الغصبي ائتماماً له وكيف كان لا يتم هذا القول بالنسبة الى صلاة الجنازة لسقوط الوجوب بصلاة الامام فقط فلا يحتاج معه الى المأمومين وكيف كان(7).

ثانيهما: هو صلاة النوافل ذكره كاشف اللثام(8) نقلاً عن المحقق(9) نظراً الى ان الحركات الكونية غير مضرة فيها لعدم كونها من شروطها ولا من مقوماتها بخلاف الفرائض فان الحركات الخاصة المتحدة مع الغصب خارجاً شرط فيها كالوقوف والطمأنينة والركوع والسجود الى غير ذلك من اجزاء الصلاة فالمعتبر في النوافل هو القراءة من حيث هي والتصرف في الهواء مقدمة لها ومن هنا يمكن القول بالصحة فيما لو صلى صلاة الاختيار لان الركوع والسجود والقيام لم تكن معتبرة ولا مأموراً بها ولا اخذت شرطاً فيها حتى يقال بأنها تفسد بفساد شرطها هذا غاية ما يوجه به هذا الكلام ولكن بعد الاحاطة بما قدمناه لا يبقى مجال لهذا الكلام اصلاً لان المناط والملاك على ما قدمناه تفصيلاً في حرمة الغصب هو صدق عنوان التصرف العرفي ومتى تحقق هذا العنوان في نظرهم يكون موجباً لبطلان الصلاة مطلقاً ومعه لا مجال للتلفيقات اصلاً.

(فرع) من دخل ملك الغير باذن صاحبه ثم منعه وهو يريد الصلاة او بعد ان دخل فيها والمسألة ذات صور اربعة لان المنع من المالك اما يصدر قبل الشروع في الصلاة او بعده وعلى كلا التقديرين الوقت اما موسع او مضيق والصورة الواحدة منها وهو ما لو صدر المنع منه قبل الشروع فيها مع سعة الوقت متفق على انه يجب عليه الخروج ويصلي في المكان المباح بل وكذا فيما لو شرع بها والوقت واسع فانه يجب القطع والخروج غاية ما يقال عليه هو حرمة القطع مع الشروع فيها على وجه صحيح ولكنه غير مفيد لان الادلة الدالة على حرمة القطع غير شاملة لامثال هذه المقامات لكونها ضعيفة وقاصرة ولذا يجوز قطعها بعروض ادنى مرجح كقتل حية وفوت امر من الامور اللازمة ولو عادة واما (الصورة الثالثة) وهو ما لو صدر المنع منه والوقت مضيق وهو غير متلبس بها فالمشهور بل الاجماع فيها هو وجوب الخروج والاتيان بها خارجاً جمعاً بين حق الله تعالى وحق العباد فيصلي خروجاً مقتصراً على واجباتها وقد اورد عليها صاحب الجواهر(قدس سره) فما مفاده وهو ان حق الله تعالى بتقدمه واسبقيته مقدم على حق الناس فالصلاة فيه مع الضيق صحيحة ولو منعه فيه ولم يرض بوقوفه لان الامر بالصلاة سابق على منعه فلا يؤثر شيئاً هذا ملخص مرامه والاولى نقل عبارته بلفظها قال فيه بعد تأييد القول المشهور وهو لزوم الاتيان بها وهو خارج لكن عن ابن سعيد(10) انه نسب صحة هذه الصلاة الى القول مشعراً بنوع  توقف فيها ومثله العلاّمة الطباطبائي(11) في منظومته ولعله لعدم ما يدل على صحتها بل قد يدعي وجود الدليل على العدم باعتبار معلومية اعتبار الاستقرار والركوع والسجود ونحو ذلك ولم يعلم سقوطه هنا والامر للخروج بعد الاذن في الكون وضيق الوقت وتحقق الخطاب بالصلاة غير مجد فهو كما لو اذن له في الصلاة وقد شرع فيها وكان الوقت ضيقاً مما ستعرف عدم الاشكال في اتمام صلاته فالمتجه حينئذ عدم الالتفات الى امره بعد فرض كونه عند ضيق الوقت الذي هو محل الامر بصلاة المختار المرجح على امر المالك بسبق التعلق فلا جهة للجمع بينهما بما سمعت بل يصلي صلاة المختار مقتصراً فيها على الواجب مبادراً في ادائها على حسب التمكن لكن لم اجد قائلاً بذلك بل ولا احد احتمله ممن تعرض للمسألة انتهى ما هو المهم من كلامه رفع مقامه وانت خبير بفساد هذه المقالة من وجوه:

اولاً: انها مخالفة للقاعدة المسلمة عند الكل وهو انه لو وقع التزاحم والتعارض بين ماله بدل وبين ما ليس له بدل لا بد من ترجيح ما ليس له البدل وتقديمه على ماله البدل لكونه اخذاً بهما في الواقع وجمعاً بينهما وهو مهماً امكن اولى من الطرح.

وثانياً: يمنع التعارض والتزاحم لان ادلة السلطنة حاكمة وواردة على الادلة الدالة على اعتبار صلاة المختار ورافعة لموضوعها بداهة ان ادلة السلطنة تجعله معذوراً غير مختار وليت شعري كيف يمكن تقدم حقه تعالى على حق العباد وهل هو الا الالتزام لتقيد ادلة السلطنة وهو مخالف للقاعدة المعروفة ضرورة عدم قابلية تقيد السلطنة الثابتة للعباد ابداً بخلاف الادلة الدالة على اعتبار الاجزاء والشرائط.

وثالثاً: ان قياسه بما اذن له وقد شرع فيها ونفى الاشكال فيه مما لا وجه له اصلاً لما يأتي من ان الاقوى فيه ايضاً هو الاتيان بها خارجاً.

ورابعاً: لا يحصل الفرق حينئذ بين ضيق الوقت وسعته فافهم (الصورة الرابعة) ما لو تضيق الوقت وهو قد شرع فيها والمشهور هنا ايضاً هو الخروج مصلياً صلاة المضطر مبادراً في ادائها على حسب التمكن وربما يقال هنا: بالاتمام والمضي فيها استناداً الى امور:

احدها: هو تعارض ادلة السلطنة وادلة الاجزاء والشرائط وبعد التساقط يرجع الى اصالة الصحة.

وثانيها: هو التمسك بالاستصحاب بعد تعارضهما وتساقطهما.

ثالثها: هو قياسه على الميت المدفون في ارض الغير باذنه فان نفوذ امره باخراجه مستلزم لهتك حرمة الميت وهو مخالف للكل ولم يقل به احد.

رابعها: هو التمسك بقوله (ع): (ان الصلاة على ما افتتحت).

خامسها: انه امر بالمنكر فلا ينفذ في حقه وغير ذلك من الوجوه المذكورة و(انت خبير) بفساد كلها وعدم نهوضها حجة له اما (الاول) فلما عرفت بما لا مزيد عليه من انه لا تعارض بين ادلة السلطنة وبين ادلة الاجزاء والشرائط ابداً وان ادلة السلطنة رافعة لموضوعها على انه فاسد في اصله كما حققناه تفصيلاً ومن هنا ظهر فساد القول بالرجوع الى اصالة الصحة كما في الامر الاول او الى الاستصحاب كما في الامر (الثاني) واما (الثالث) وهو قياسه بالميت فهو غريب لان الميت بعد دفنه في الارض بوجه شرعي يكون ذا حق بحيث يكون اعمال السلطنة اضراراً لحقه وهتكاً لحرمته فان حرمة الاموات ازيد من حرمة الاحياء وبالجملة هو قياس مع الفارق واما (الرابع) فهو كما ترى غير ناظر الى موارد قطع الصلاة وعدمه ابداً بل هو مسوق لبيان جواز العدول وعدمه واما (الخامس) فهو اول الكلام لان منكريته غير محرزة ومن هنا ظهر فساد القول به من جهة حرمة القطع لانه مصادرة محضة والحق هو ما ذهب اليه المشهور من الاتيان بها خارجاً وان شرع بها.

ثم اعلم انه قد ظهر مما ذكرنا ان اباحة المكان من الشروط العقلية التي لم يقم دليل لفظي على اعتبارها ابداً كالطهارة والحدث والاستدبار وغيرها من الشروط الشرعية المعتبرة بجعل الشارع واعتباره فشرطيتها حينئذ منتزعة من التكليف المنجز النفسي المستقل وهو حرمة الغصب فلو لم يتنجز ذلك التكليف لجهل او لسهو او لاضطرار او لاجبار مثلاً لم تتحقق تلك الشرطية اصلاً ومن هنا ظهر الحال في صلاة المحبوس في المكان المغصوب فان صلاته صحيحة فيه كصلاته في المكان المباح وذلك لعدم تنجس التكليف المنتزع عنه شرطية الاباحة لاضطراره ولاجباره فيه والنهي عنها تكليف لما لا يطاق وبالجملة فالادلة العقلية والنقلية قاضية بصحة صلاته وكذا سائر تصرفاته العادية التي قضت الحاجة والضرورة اليها بحسب عادة البشر لان اجباره في الكون غير مقيد بشيء آخر وهو مجبور في ذات الكون لا في الكون المخصوص فحينئذ لا يفرق الحال بين قيامه وقعوده وسائر حركاته العادية نعم لا بد ان لا يتصرف ازيد من التصرفات العادية ومن هنا ظهر فساد ما ذهب اليه بعض الاعلام من انه لا يجوز له ان يتصرف ازيد من الكيفية التي كان عليها من اول الدخول الى المكان المحبوس فيه ان قائماً فقائم وان جالساً فجالس بل ترقى وقال لا يجوز له الانتقال الى حالة اخرى في غير الصلاة ايضاً ولقد اجاد صاحب الجواهر (قدس سره) حيث قال فيه بعد نقل هذا القول ولم يتفطن ان البقاء على الكون الاول تصرف ايضاً لا دليل على ترجيحه على ذلك التصرف كما انه لم يتفطن انه عامل هذا المظلوم المحبوس قهراً باشد ما عامله الظالم بل حبسه حبساً ما حبسه احد لأحد اللهم الاّ ان يكون في يوم القيامة مثله خصوصاً وقد صرّح بعض هؤلاء انه ليس له حركة اجفان عيونه زائداً على ما يحتاج اليه ولا حركة يده او بعض اعضائه كذلك بل ينبغي ان تخص الحاجة في التي تتوقف عليها حياته ونحوهما مما ترجح على حرمة التصرف في مال الغير وكلّ ذلك ناش عن عدم التأمل في اول الأمر والأنفة عن الرجوع بعد ذلك اعاذ الله الفقه من امثال هذه الخرافات اقول: ثم استغرب دعوتهم ان الفقهاء على ذلك واستشهد بأقوال العلماء وشدد النكير والغرابة على هؤلاء فراجع.

ثم اعلم ان الشرط المستقل النفسي في المكان هو اباحته فقط اما الشروط التي ذكرها السيد (قدس سره)(12)في العروة من اشتراط كونه في المكان القار وان لا يكون في معرض التلف وان لا يكون معرضاً لعدم امكان الإتمام والتزلزل في البقاء إلى آخر الصلاة وغير ذلك من الأمور التي جعلها من شروط المكان فليس على ما ينبغي بداهة عدم كون شيء منها من شروط المكان فإطلاق الشرط على بعضها لا يخلو من تأمّل بل هي واجبات او محرمات نفسية مقارنة للصلاة لا يوجب فقدها فساداً للصلاة وبعضها يرجع إلى شرط آخر كشرط كونه قاراً بل بعضها راجع إلى شروط اصل الصلاة وبعضها الآخر غير راجع إلى الشرطية ابداً فالبطلان في المكان الغير القار انما هو لأجل الإخلال بالطمأنينة التي شرط فيها وفي معرض التلف لكونه القاء النفس على التهلكة ولا دخل له بالصلاة اصلاً بل هو حرام في جميع الأحوال والحاصل كلّ من كان له ادنى تأمل يعلم بان الأمور المذكورة ليست من شروط المكان بشيء بل بعضها مستلزم للإخلال ببعض الشروط اصل الصلاة فتبطل به وبعضها غير راجع إلى الشرطية اصلاً فلا وجه لبطلانها به مثل اشتراط عدم كونه في معرض عدم امكان الأتمام فأنه لا وجه لبطلانها به فيما اذا صدر عنه النية ومع عدمه يرجع إلى الأخلال بها فمعه تكون الصلاة باطلة للإخلال بها لا له نعم قد وقع الخلاف في الشرط السابع من الشروط المذكورة في العروة وهو اشتراط عدم كونه مقدماً على قبر معصوم بل ولا مساوياً على قول كما في العروة ولو قلنا بشرطية هذا الشرط مستقلاً فأنما هو للنص الوارد في المقام بخلاف سائر الشروط المذكورة فيها فحينئذ ينبغي ان ينظر في الأخبار الواردة في المقام لكي يتضح الحال من ان قبور الأئمة (عليهم السلام)من حيث هي علة الحكم ومناط له او لكون الصلاة امامهم موجبة لهتك حرمتهم سلام الله عليهم.

فنقول: قبل ذكر الأخبار انّ المشهور بين القدماء هو الكراهة ولم ينقل الحرمة من احد إلى زمن والد(13) الشيخ البهائي (قدس سره) وهو ومن تأخر عنه ذهبوا إلى الحرمة حتى صارت في هذا العصر مشهورة وكيف كان لا بد من الرجوع إلى الأدالة والنظر في مداليلها لكي يعلم الغرض منها وأنها مفيدة للحرمة أو الكراهة وعلى الأول هل تكون الحرمة تكليفية أو يعمه والوضعية فينبغي البحث في المقامين المقام الأول في الحرمة وعدمها تكليفاً: فأعلم ان الأخبار الواردة في المقام على طوائف منها ما يدل على حرمة الصلاة بين المقابر مطلقاً ومنها ما ينفي البأس عنها كذلك فيها فتجمع بينهما بحمل الأول على الكراهة وهذا مما لا أشكال فيه وطائفة تدل على حرمة جعل قبور الأئمة (عليهم السلام)بخصوصها مسجداً وقبلة وفي مقابلها اخبار كثيرة متواترة تدل على افضلية الصلاة عند قبورهم (عليهم السلام) وانّ ركعة من الصلاة عندهم يقابل كذا وكذا كما في زيارة مولى الموالي امير المؤمنين (ع) وسيد الشهداء وأئمة البقيع والكاظمية والعسكريين والمشهد الرضوي (سلام الله عليهم اجمعين) وربما يقال بالتنافي بين الأخبار الدالة على عدم جواز جعل قبوره وقبر النبي (ص) مسجداً وقبلة وبين الأخبار المجوزة ولكنه واضح الفساد لأن المراد من جعل قبورهم قبلة ومسجداً هو اتخاذها قبلة وكعبة للعبادة كالكعبة زادها الله شرفاً كما هو ظاهر وطائفة منها تدل على حرمة جعل قبورهم في الخلف بل وفي اليمين واليسار في حال الصلاة منها مكاتبة الحميري التي ذكرها في الاحتجاج و(يب) ووقع الخلاف بين النسختين ولذا توهم بعضهم بأنها روايتان والحق انها رواية واحدة لاستبعاد سؤال الحميري عن حكم الشيء الواحد بسؤالين مع ما هو عليه من العلم والفضل والمعرفة وكان من وكلاء الحجة عجل الله فرجه في الغيبة الصغرى والمروي في (يب) قال كتبت إلى الفقيه (ع) اسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة (عليهم السلام) هل يجوز ان يصلي على القبر ام لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند قبورهم ان يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند رجليه؟ وهل يجوز ان يتقدم القبر ويصلي ويجعله خلفه؟، فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت اما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة بل يضع خده الايمن على القبر واما الصلاة فانها خلفه ويجعله الأمام ولا يجوز ان يصلي بين يديه لأن الأمام لا يتقدم ويصلي عن يمينه وشماله ورواها الطبرسي(14) في الأحتجاج بهذا المتن الا انه قال في آخرها ولا يجوز ان يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا شماله لأن الأمام لا يتقدم ولا يساوى والظاهر بل المقطوع به بعد ادنى تأمل وحدة الرواية اذ من المستبعد ان يكون الحميري قد سأل الأمام (ع) مرتين واجابه (ع) بجوابين مختلفين والقائلون بالكراهة لم يعتبروا هذه الرواية نظراً إلى ضعف سنده ومعارضة نسخة الشيخ (رحمه الله)مع نسخة الطبرسي (رحمه الله) ويؤيد التعبير فيها بالفقيه والمراد به في عرف الرواة خصوص ابي الحسن موسى (ع) والحميري ليس من أصحابه ولكن لا يكاد يتم شيء منها أما الأول وهو ضعف السند لكونها مرسلة فلان ظاهر الشيخ في الفهرست كون الواسطة بينه وبين الراوي جماعة ثقاة وأما الثاني فلما قد ثبت في محله أن الرواية المشتملة على أحكام متعددة لو تعارضت في خصوص بعضها لما سقطت عن الاعتبار بالكلية وفي الجهات الاخرى والأحكام الباقية وأما الثالث وهو التعبير بالفقيه فانه قد يعبر به عن غيره (ع) من الأئمة للتقية وطلب الستر الذي هو في الحجة عجل الله فرجه أشد وأقوى ويؤيد ان المراد به هو الحجة (ع) التصريح به في الاحتجاج ومن هنا ظهر ان الأقوى هو ترجيح رواية التهذيب لو سلمنا التعارض فلا ينافيه ارساله لها والتعبير عن الحجة (ع) بالفقيه كما عرفت وكيف كان فلا ريب في اعتبار هذه المكاتبة وصحة الاعتماد عليها ولا سيما مع اعتضادها بجملة من الأخبار كخبر هشام بن سالم عن ابي عبد الله (ع)في حديث طويل (قال اتاه رجل فقال: يا بن رسول الله هل يزار والدك؟، قال: نعم ويصلى عنده ولا يتقدم عليه). ومفادها على الظاهر عدم جواز الصلاة مع التقدم على القبر ولكن الشأن في تنقيح مفادها ومواردها فأن قوله (ع) يجعله الأمام إلى قوله لأن الأمام لا يتقدم عليه محتمل لوجهين:

الأول: ان يكون المراد يجعله الأمام أي يجعل القبر بمنزلة من فيه فكما انّ نفس الأمام لا يتقدم عليه فكذلك قبره الشريف.

الثاني: ان يكون المراد يجعله بمنزلة امام الجماعة فكما لا تجوز الصلاة جماعة مع التقدم على الأمام فكذلك لا تجوز الصلاة هنا مقدماً على القبر فيكون الغرض مجرد تشيبه القبر بامام الجماعة في عدم التقدم عليه، والأول انسب بالمقام والمورد وهو قبر الأمام المعصوم ولكن يبعده ان المناسب حينئذ عدم جواز التقدم عليه في سائر الأحوال في صلاة أو غيرها وليس الحال في القبر بل ولا في نفس الأمام (ع) كذلك اللهم الا مع الاستخفاف فأنه حرام مطلقاً لكنه خارج عن محل الكلام ويبعد الثاني انه يكون التعليل حينئذ بمنزلة التأكيد بل التكرير لقوله (ع) يصلى خلفه بل لا يظهر للتعليل وجه مناسبة حينئذ بعد تعذر ان يراد انه يجعله كإمام الجماعة في الأئتمام والتابعية والأظهر عندي ارادة الوجه الأول لأنه انسب بالمقام واقرب إلى عموم الشبه ويكون الغرض من التشبيه اشارة في تأكيد الحكم إلى مناسبة لطيفة وهي انه كما ان الأمام (ع) لو كان حاضراً حياً لا تعذر ان تصلي وتدعه خلفك فكذلك قبره فالملحوظ في الحكم ومحط النظر في التشبيه والتنزيل هو خصوص حال الصلاة واما سائر الأحوال فغير ملحوظة كانت كذلك أو لا تكون واما حمله على امام الجماعة فبعيد جداً ولا يظهر من العبارة اصلاً.

ثم ان الكلام يقع في ان النهي هل هو الكراهة أو التحريم والتحريم هل
هو تكليفي أو وضعي ظاهر المشهور حمله على الكراهة بل في الحدائق اني لم
اقف على من قال بالتحريم عملاً بظاهر الصحيحة المذكورة يعني مكاتبة الحميري سوى شيخنا البهائي(15) طاب ثراه ثم اقتفاه جمع ممن تأخر عنه منهم شيخنا المجلسي(رحمه الله)(16)وهو الأقرب عندي اذ لا معارض للمخبر المذكور بل في الأخبار ما يؤيده مثل حديث هشام بن سالم المتقدم (انتهى). اقول: قد عرفت ان المشهور بين القدماء هو الكراهة نظراً إلى ضعف المكاتبة وعدم نهوضها حجة للحرمة فيحمل على الكراهة لأجل التسامح في ادلتها ولكنه قد ظهر لك حقيقة الحال وانها صحيحة معتبرة لا يجوز ان يرفع اليد عنها للأمور المذكورة فاذاً فالأقوى هو الحرمة من حيث التكليف واما حرمته الوضعية فربما يقال بها نظراً إلى ان النهي في الخبر وقع عن الصلاة والنهي في العبادة يقتضي الفساد فيكون التحريم وضعياً بل يمكن دعوى صراحة قوله: لا يجوز ان يصلي بين يديه..الخ فيه ويؤيده ان الأصل في النواهي الواردة في العبادات انها ظاهرة في الغيرية والشرطية لا في النفسية ولكن الأستاذ مد ظله مع قوله به كان مصراً على ظهور الأخبار في النفسية وانها وقعت عنها بحسب الظاهر ولكن المراد به وهو حرمة التقدم فيها لكونه هتكاً لشأنه كيف يجعل وجه الله خلفه ويصلي امامه واختصاصها بها لكونها مقام القرب والإطاعة فتأمل.

(الشرط العاشر) من شروط المكان على ما ذكره في العروة ان لا يصلي الرجل والمرأة في مكان واحد بحيث تكون المرأة مقدمة على الرجل أو مساوية له الا مع الحائل إلى آخر ما ذكره فيها اقول: واعلم انَّ الأخبار في هذه المسألة كثيرة واختلافها هو منشأ اختلاف الأصحاب فبين قائل بالحرمة وهو المشهور بين المتقدمين الا مع الحائل أو فضل عشرة اذرع وبين قائل بالكراهة وهو الأشهر عند المتأخرين وعن الجعفي(17) المنع الا مع الفصل بقدر عظم الذراع وكيف كان فلابد من سرد الأخبار اولاً فنقول: هي على طوائف اربع مطلقة في الجواز ومطلقة في المنع ومفصلة بين وجود الفاصل فيجوز بين عدمه فلا الفاصل في بعضها عشرة فأكثر وفي بعضها شبر وما يقاربه والأولى بين صريحة في الكراهة أو ظاهرة فيها وبين مطلقة في عدم البأس والأقوى هو الكراهة وفاقاً للمتأخرين لان اخبار الجواز صريحة فيه ونص في عدم البأس بحيث لا تقبل التخصيص ولا تتحمل التصرف فيها بنحو من انحائه بخلاف اخبار الحرمة فانها بين ظاهرة فيها وبين ظاهرة في الكراهة فيرفع اليد عن ظهورها لنصوصية تلك الاخبار المجوزة فالمراد بالنهي فيها هو النهي ألتنزيهي ويؤيده اختلاف الأخبار في تعيين مقدار الفاصل فان اختلاف الأخبار في المقادير يكشف عن كراهيتها ومراتبها تختلف شدة وضعفاً كما في تعيين الوقت ومنزوحات البئر ويؤيده وجاهة حمل نصوص المنع على الكراهة التي هي من مراتبه بخلاف ما اذا قلنا بالحرمة فانه يقتضي طرح الأخبار الدالة على الجواز صريحاً. ثم اعلم ان المتبادر من الاوامر والنواهي الواردة في العبادات هو الشرطية والغيرية وكونها مسوقة لبيان التكليف الغيري فالنهي عن الصلاة بحذاء امرأة تصلي ظاهر في المانعية والشرطية مطلقاً ولو في حال الغفلة وعدم الالتفات اللهم الا ان يقال بالمعذورية فيه لحديث الرفع وحديث لا تعاد كما هو كذلك.

وينبغي التنبيه على امور(منها) ان هذا الحكم غير مختص بالرجال بل يعمه والامرأة كما هو ظاهر كلمات الاصحاب وجملة من الأخبار كما هو ظاهر صحيحة محمد بن مسلم ورواية ابي بصير وان كانت هذه الأخبار بحسب الظاهر مسوقة لبيان حكم كل منهما و(منها) لو اقترن الصلاتان بطلتا جميعها ولو تعاقبا اختص المنع باللاحقة دون السابقة وذلك ان المدار على تحقق عنوان القضية المذكورة في الخبر وهي قوله لا يصلي الرجل وبحياله امرأة تصلي ومتى تحققت هذه القضية وحيثما وجدت ولصارت موجبة للمنع (فان قلت) كيف يصدق هذا العنوان على صلاته مع أنها منهية والنهي في العبادة يقتضي الفساد وهو بعد تعلق النهي غير قادر على إتيانها (قلت) والمدار على الصلاة الغير ملحوظة في ضمن النهي وهو قادر عليها لولا هذا النهي فيكون مفاده لا يصلي الرجل صلاة صحيحة لولا هذا النهي ومن هنا ظهر وجه بطلان صلاتهما فيما لو اقترنا لأنه يصدق على كل منهما صلى على حيال الآخر صلاة صحيحة لولا النهي (فأن قلت) يلزم على هذا بطلان صلاة السابق منهما ايضاً بداهة صدق هذا العنوان في حقه فأنه صلى بحيال الآخر ولو استمراراً وهو صلى بحيال من يصلي صلاة صحيحة لولا النهي (قلت) والظاهر من هذه القضايا هو حرمة الشروع فيها والايجاد في الخارج ابتداءاً لا مطلقاً فعلى هذا يكون مفاد القضية لا يصلي الرجل أي لا يشرع فيها و بحياله امرأة مصلية وهذا العنوان يصدق على كل منهما فيما لو افترضنا ولذا تكون صلاتهما باطلة بخلاف فيما لو تعاقبا فأنه لا يصدق على السابق اصلاً بخلاف اللاحق منهما فأنه يصدق عليه كما لا يخفى ومن هنا ظهر وجه الصحة فيما لو حصلت اللاحقة لا عن عمد فأن صلاتها صحيحة للغفلة وكذا صلاة السابقة على ما حققنا لانه ما شرع فيها وبحياله امرأة مصلية بل كان مصلياً وشرع فيها من غير عذر اصلاً ولو عممنا الابتداء أو الاستمرار لكان مشكلاً كما لا يخفى ومنه ظهر عدم الحاجة إلى الجواب عنه بمنع شمول الادلة على هذا المورد، و(منها) حكم الخنثى فيجب عليها الاجتناب دون غيرها كما في اللباس والقول بان الادلة غير شاملة عليها مجازفة لأنها مسوقة لبيان احكام الموضوعات الواقعية والمفروض انها اما داخلة في الذكور أو الاناث بحسب الواقع ونفس الامر كما لا يخفى ثم اذا قلنا بالكراهة كما هو المختار فالامر بالنسبة إلى الفواصل سهل واما اذا قلنا بالحرمة كما عليه المشهور فتزول اذا كان بينهما حائل بلا خلاف للاخبار المستفيضة الدالة على المضي فيها فيما اذا كان بينهما حائل نعم وقع الخلاف في الجملة في اعتبار الحائل على نحو يكون مانعا عن المشاهدة وعدمه والاقوى هو عدمه لصحيحة علي بن جعفر (ع) المروية عن كتاب مسائله عن اخيه موسى (ع) قال: سألته عن الرجل هل يصلح ان يصلي في مسجد حيطانه كوى(18) كله قبلته وجانباه وامرأة تصلي بحياله يراها ولا تراه؟ قال (ع): لا بأس، وخبره الآخر المروي عن قرب الاسناد عن اخيه موسى (ع) المتضمن لنفي البأس فيما اذا كان بينهما حائط قصير أو طويل فان هذين الخبرين صريحان في عدم اعتبار الحائل المانع عن المشاهدة وبهما تقيد الأخبار المطلقة ويؤيده الأخبار الدالة على نفي البأس فيما اذا كان بينهما شبر أو ذراع بناءاً على ان المراد به ما كان ارتفاعه عن الارض بهذا المقدار والحاصل لاريب في عدم اعتبار الفاصل المانع كما لا ريب في ان المتبادر من الحائل هو الحائل الجسماني فلو حصل الفصل بينهما لظلمة أو لعدم الابصار لا يكفي فضلاً عن تغميض عينه على ان القياس كما ترى من العلة المستنبطة كما ذكره في الجواهر وكذا تزول الحرمة فيما اذا كان بينهما مقدار عشرة اذرع كما يدل عليه جملة من الأخبار مضافاً إلى كونه مما لا خلاف فيه، نعم يقع الكلام في ان المدار في ارتفاع الحرمة هو هذا المقدار أو يكفي ولو كان مقدار عظم ذراع أو شبر كما يدل عليهما جملة منها والضابط هو ملاحظة الأخبار ان امكن الجمع بينهما بحيث لم يكن الأخبار الدالة على الازيد منافياً للاخبار الدالة على الاقل لا منطوقاً ولا مفهوماً فيأخذ بكل منهما كما في الواجبات التخييرية والا فيرفع اليد عن الظهور بنصوصية الاخرى وان تساويا فالمدار اما على الطرح والرجوع إلى الاصل الاولي أو القول بالتخيير بملاحظة الأخبار العلاجية المانعة عن الرجوع اليه بعد التساوي هذا كله فيما اذا لم يكن المرجح لاحدها فيؤخذ به ولعل الاخذ بمقدار الزائد هنا هو الموافق للاحتياط ولذا اخذ الفقهاء به والله العالم. ثم هذا كله فيما اذا تحاذى كل منهما بحسب المكان ولا يتقدم احدهما على الآخر في موقفهما أو موضع سجودهما فيعتبر المحاذاة بين الموقفين في حال القيام وبين مسجده وموقفها عند السجود ولو كان بينهما بمقدار العشرة في حال القيام فتباعدا في حال السجود بحيث حصل الفصل بينهما من هذه الحالة ايضاً بهذا المقدار اجزأهما فلو كان احدهما على بناء أو نحوه مرتفع عن طول قامة الاخرى فهو خارج عن منصرف الادلة فيرجع فيه إلى الاصل المقرر عند الشك في المانعية والشرطية نعم يمكن القول بالصدق يميناً ويساراً يعني صدق الصلاة عن يمينه ويساره ولو لم يتحاذى بحسب المكان وبالجملة وان كان يصدق مفردات القضية من اليمين واليسار والحذاء بداهة انتزاع تلك المفاهيم عند تقابل الجسمين باي نحو كان ولكن العمدة والمدار هو على صدق القضية بعد التركيب بحيث يصدق مفاد قوله (ع) لا يصلي الرجل بحيال امرأة تصلي في نظر العرف فلو وقعا في مكان لا يمكن التباعد ولا التقدم يصلي الرجل اولاً ثم تصلي المرأة كما تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم ورواية ابي بصير والظاهر انه على سبيل الاولوية والفضل من باب تقدم من له الفضل على غيره اذ من المستبعد كون تأخيرها لها واجباً شرطياً أو شرعياً تعبدياً كما يشهد لذلك صحيحة ابن ابي يعفور الا ان يتقدم هي أو انت ومن هنا ظهر انه لو ضاق الوقت لا يسقط الصلاة عنهما بل يصليان معاً ولا وجه للقول بالعزيمة اصلاً ثم هل يعم الحكم على الصبيان أو البنات ام لا؟ فربما يقال نعم لورود لفظ البنت في بعض الأخبار ولكنه ضعيف لعدم احراز كونها مصلية فالمدار فيه على الصدق وعدمه (الشرط الثاني) من شروط المكان هو اعتبار طهارته والكلام فيه يقع في مقامين:

المقام الاول: هل يشترط الطهارة فيما عدا موضع الجبهة مما يصلي عليه ام لا؟ وقد حكي عن ابي الصلاح(19) انه اعتبر طهارة موضع المساجد السبعة وعن السيد المرتضى(قدس سره)(20) انه اعتبر طهارة مكان المصلي ويستدل على قول ابي الصلاح بالنبوي (ص) جنبوا مساجدكم النجاسة وهذا كما ترى ظاهر في الاماكن المعدة للصلاة المسماة بالمسجد وعلى فرض العموم لا يعلم منه العموم غايته هو موضع الجباه كما لا يخفى وكذا مفهوم صحيحة ابن محبوب عن الرضا (ع) انه كتب اليه (ع) يسأله عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب اليه ان الماء والنار قد طهراه وهذا كما ترى لو سلم المفهوم لا تدل ازيد من الطهارة في الجملة واما القول المحكى عن السيد (رحمه الله) فأستدل له بالنهي بالصلاة في المجزرة وهي مواطن النجاسة فهو ايضاً كسابقه مضافاً إلى احتمال النهي ألتنزيهي في هذه الموارد غالباً واستدل ايضاً بموثقة ابن بكير عن ابي عبد الله (ع)في الشاذ كونه(21) يصيبها الاحتلام أيصلي عليه؟ قال: لا، وموثقة عمار الدالة على عدم جواز الصلاة في موضع القدر ما دام لم تكن الشمس جففته وان يبس بغير الشمس ايضاً لا يجوز الصلاة فيه ولكن هذين الموثقتين متعارضتان بالصحاح المستفيضة المعمول بها عند الأصحاب والترجيح يكون بها لكونها اكثر عدداً واوضح دلالة واقوى سنداً فلا بد من الأخذ لها والتصرف في ظهور الموثقتين بحملهما على الكراهة لأن استعمال النهي فيها في غاية الكثرة وهذا مما لا شك فيه وانما الكلام في المكان النجس بالنجاسة المسرية فالمشهور بل الإجماع على بطلان الصلاة فيه لطائفتين من الأخبار الطائفة الأولى هي الأخبار الدالة على اعتبار الطهارة في الثوب والبدن فيها فمع السراية يفقد ذاك الشرط كما لا يخفى والطائفة الثانية هي مفاهيم المطلقات الدالة بمنطوقها على جواز الصلاة في النجس اليابس ولدعوى الإجماع والأتفاق وهذا لا كلام فيه على الظاهر وانما الكلام في أنَّ هذا الشرط من شروط المكان من حيث هو هو أو اعتبار لكونه مستلزماً لفقدان الشرط الآخر وهو الطهارة والظاهر من كلامهم هو الثاني والأخبار منصرفة إلى هذا لأجل الأنس والارتكاز من الخارج فانس الذهن بان الطهارة شرط فيها وارتكازه فيه مانع عن اطلاق الادلة وصالح لان يكون بياناً ويشهد على ذلك تعبيرهم بالنجاسة المسرية فحينئذ لو صلى في المجلس المسري لكن بمقدار يعفى عنه فيها أو في دم القروح والجروح أو صلى فيه ولكن ما سرت إلى لباسه وبدنه فالصلاة فيه صحصحة بخلاف ما اذا قلنا انه شرط في المكان مستقلاً فانها تكون باطلة مطلقاً سواء سرت ام لا وسواء كان النجس مما يعفى عنه ام لا واليه ذهب فخر المحققين(22) ويؤيده بان قضية تأنس الذهن لا يوجب الانصراف ابداً لانه مستلزم لتطبيق الادلة بما فيه لا استخراج حكم من الادلة بل الادلة مطلقة فلا استبعاد من ان يكون للمكان النجس بالنجاسة المسرية خصوصية مانعة عنها فحينئذ فما ذهب اليه فخر المحققين (رحمه الله) لا يخلو عن قوة ويؤيده انه كيف يمكن سؤال كبراء الاصحاب عن حكم طهارة اللباس والبدن بعد علمهم به اولاً ولو لم يكن فيه خصوصية زائدة لما وقع التأكيد فيه عن الائمة (عليهم السلام) والصحابة والتجديد بهذه المثابة.

واما المقام الثاني: وهو اشتراط طهارة موضع الجبهة فهو اجماعي على الظاهر ولا ينافيه جواز السجود على النجس اليابس بالشمس عند بعضهم فانه من الممكن تخصيص المورد المخصوص بالادلة الخارجية فتحمل الأخبار الدالة على طهارة ما جففته الشمس على جواز السجود عليه والقول بأنه لا يكشف عن الطهارة بل يمكن ان يبقى على نجاسة ومع ذلك كان السجود عليه جائزاً كما ادعى جماعة من الاصحاب غير مناف للاجماع المدعي اصلاً فان المطلوب هو اثبات الموجبة الجزئية فلا ينافيه السلب كذلك وربما يستدل على طهارته بمفهوم صحيحة ابن محبوب المتقدمة فان قوله (ع) بعد الجواب بان الماء والنار قد طهراه وتعليله هذا كاشف عن اعتبار الطهارة كما لا يخفى ولكنه في غاية الضعف لان الصحيحة في غاية الاجمال من وجوه لا يخفى فالاعتماد بمثل مفهوم هذه الصحيحة أو بغيرها من المطلقات المحمولة عليه لا يخلو من عدم المبالاة والجسارة في الحكم بداهة ان الحمل انما يصح اذا كان اصل الحكم محرزاً قبله فظهر ان المسألة كأنها اخذت عن الائمة (عليهم السلام) يداً بيد حتى وصلت إلى زماننا هذا وهي غير منصوصة بخصوصها هذا وينبغي التنبيه على امور:

الاول: لو كان موضع السجدة بمقدار ما يعتبر فيها طهراً والباقي نجساً فهل يصح السجود عليه ام لا؟ وجهان نظراً إلى ان المسألة لما كانت غير منصوصة بل المدار فيها الإجماع الذي هو من الأدلة اللبّية فلزم الاكتفاء فيها على القدر المتيقن وهو الطهارة في الجملة ونظراً إلى ان عبائر الفقهاء التي كالنص في المقام لما كانت ظاهرة في الاستيعاب بحسب الفهم العرفي فيشترط طهارة الجميع لان المتبادر من طهارة الشيء هو طهارة جميعه بحيث لو كان جزء من أجزائه نجساً لما صدق الطهارة عليه أصلاً الا ترى انه لا يقال لمن صلى في لباس كان خيطه نجساً فضلاً عن طرفه انه صلى في لباس طاهر هذا بخلاف طرف النجاسة فانه لو تحقق طبيعة النجاسة في الخارج ولو كانت الطهارة غالبة عليها لصدق وصف النجاسة فيقال لمن صلى في لباس خيطه نجس انه صلى في لباس نجس كما لا يخفى (ان قلت) فعلى هذا يلزم بطلان الصلاة فيما اذا وقعت السجدة على الأرض والمعادن ولو كانت الارض بمقدار ما يعتبر في السجود عليه مع ان الصحة وعدم البطلان وفاقي وما ذهب اليه احد (قلنا) الفرق بين الطهارة وغيرها ظاهر لان الاول من شروط موضع السجدة وغيرها شروط في اصل السجدة بماهيتها وفرق واضح بين ان يقال يشترط فيما يقع عليه السجود الطهارة وبين ان يقال يشترط في السجدة ان لا تقع الا على الارض أو ما ينبت فيها بحيث ينافي تحقق النجاسة في الاول ولو كانت قليلة ولا ينافي وقوعها عليها مع المعادن وغيرها من الاجزاء الغير الجائزة عليها السجود وحدها كما لا يخفي لمن له ادنى تأمل.

الثاني: لو انحصر مكان السجدة في النجس هل يسجد عليه أو ينتقل إلى بدله وهو الايماء لان انتفاء الشرط موجب لانتفاء المشروط والاقوى هو الاول لان المستفاد من سير مجموع الأخبار هو انتفاض هذه القاعدة في باب الصلاة الا في قضية الحدث لان انتفاء الطهارة بكلا قسميه موجب لانتفاء الصلاة على الاقوى وبالجملة انتفاء وصف الشرط لا يستلزم انتفاء اصل الشرط بماهيته الا ترى غير العالم بالفاتحة على نحو ما اعتبره الشارع يقرأ حسب مقدوره منها لا انها تكون ساقطة في حقه من اصلها.

الثالث: لو صلى في المكان النجس سهواً ثم علم به بعد الصلاة والمسألة مبنية على كيفية اعتبار شرطية طهارة المكان من انها شرط واقعي أو ذكرى اللهم الا ان يقال ان الادلة الثانوية موجبة لصحتها وعدم اعادتها وان كان مقتضى القاعدة الاولية هو الشرط الواقعي كما مر التنبيه عليه غيره مرة.

(الشرط الثالث): ان يكون ما يسجد عليه الانسان ارضاً أو ما انبتت الارض الا اذا كان مأكولاً او ملبوساً والدليل على ذلك كله هو الأخبار المستفيضة منها صحيحة هشام بن الحكم عن ابي عبد الله (ع) قال له اخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز قال (ع) السجود لا يجوز الا على الارض وعلى ما انبتته الارض الا ما اكل ولبس وخبر الصدوق (قدس سره)(23) في العلل مثله بزيادة فقلت له جعلت فداك: ما العلة في ذلك؟ قال (ع) لأن السجود خضوع لله عز وجل فلا ينبغي أن يكون ما يؤكل ويلبس لأن ابناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود ابناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها والسجود على الأرض أفضل لأنه ابلغ في التواضع والخضوع لله عز وجل وخبر الأعمش المروي عن الخصال عن الصادق (ع) في شرائع الدين قال: (لا يسجد الا على الارض أو على ما انبتت الارض الا المأكول والقطن والكتان) وعن الفضل ابي العباس قال: قال ابو عبد الله (ع): (لا يسجد الا على الارض أو ما انبتت الارض الا القطن والكتان) وصحيحة حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (ع) قال: (السجود على ما انبتت الارض الا ما اكل و لبس) إلى كثير من هذه الأخبار مما هو صريح في عدم جواز السجود الا على الارض أو النبات الخارج منه الغير المأكول والملبوس والظاهر ان المسألة اجماعية بل هو من ضروريات المذهب وانما الاشكال في بعض المصاديق والمحققات الخارجية لتي وقع الاشتباه في خروجه عن الارضية فنقول: ان المراد من الارض هو كل ما صدق عليه اسمها في العرف متصلة كانت ام منفصلة والقول: بأن المنفصلة منها لا يصدق عليها الارض كما ترى ولا سيما بعد ورود الاخبار الخاصة الدالة بأن الائمة (عليهم السلام) كانوا يسجدون عليها متصلة و منفصلة وكالاخبار الدالة على افضلية السجود على طين قبر الحسين (ع) والقول: بأن التربة الحسينية (ع) انما خرجت بالنص كما ترى وكيف كان لا اشكال في السجود على الارض المنفصلة مادام يصدق عليها اسمها مع بقائها على حقيقتها وعدم انقلابها إلى حقيقة اخرى وانما الكلام في جملة من الموارد التي يشك في تحقق هذا المعنى واما الاشياء الغير الصادقة عليها اسم الارضية كالمعادن بانحائها المختلفة التي لا شك في انقلابها عن حقيقة الارضية فهو مما لا ريب في عدم جواز السجود عليها لا لكونها معادناً بل لعدم كونها ارضاً في نظر العرف فالتعليل في بعض الاشياء بأنه معدن لا يجوز السجود عليه ليس على ما ينبغي وبالجملة ومن الموارد المشكوكة هو الجص والخزف والنورة والآجر مما هو معلوم الارضية وما الذين يقولون بأنها ارض لا شك في صدقها عليها فلا نزاع ان كانت دعواهم مطابقة للواقع وكيف كان ربما يقال بجوز السجود على تلك الاشياء لأمور: (منها) منع الانقلاب وخروجها عن حقيقة الارض لأجل بعض التغيرات وهي ليست الا مثل ما كانت قبل ان يوقد عليا النار و(منها) التمسك باستصحاب الارضية بداهة ولا اقل من الشك في الانقلاب وعدمه فيستصحب الارضية المتيقنة و(منها) دعوى دلالة صحيحة حسن بن محبوب على ذلك حيث اقتصر الامام (ع) فيها على جواب طهارة الجص وكان جواز السجود عليه كان مفروغاً عنه وانما المانع كان هو النجاسة فأجابه (ع) بأن الماء والنار قد طهراه و(منها) الأخبار الدالة على جواز التيمم بها فان المسألة من واد واحد ولا ينافي ما ذكرنا خبر عمرو بن سعيد الدال على عدم جواز السجود على الصاروج ومنعه عنه لأن الصاروج ليس هو النورة بل مركب منها ومن الرماد فيحتمل ان يكون منعه (ع) للرماد لما نهى عن التيمم عليه في بعض الأخبار معللاً بأنه يخرج من الشجر وليس يخرج من الارض هذا وربما يقال بخروجها عن حقيقة الارض كما يكشف عنه اختلاف الآثار وتبدلت حقيقة الارضية إلى الحقيقة الثانوية ويشهد لذلك اتفاقهم على خروج الرماد عن حقيقتها وعن حقيقة انباتها مع انه احراق كاحراق الجص والنورة والتمسك بالصحيحة غير جائز لما قلنا من انها مجملة من وجوه والملازمة بين السجود والتيمم غير ثابتة والاخبار الدالة على جواز التيمم بهما محتملة فيما اذا كان المراد من الجص والنورة هو قبل الاحراق لا بعده ومن هنا ظهر فساد التمسك بالاستصحاب لتبدل الموضوع كما لا يخفى وبالجملة بعد القول بأن الارضية شرط في صحة السجود فلا بد من احرازها والاحتياط في موارد الاشتباه لما نثبت في محله ان الشك في مصاديق الشروط ومحققاتها موجب للاحتياط هذا بخلاف الشك في مصاديق الموانع واما البلور والزجاج والرمال والرماد فلا اشكال في عدم جواز السجود على شيء منها وهو الظاهر موضع وفاق سواء كان من الأرض واجزائها المحضة ام من غيرها من حجارة أو حصى أو غيرهما من ملح أو غيره لعدم صدق عنوان الأرضية على شيء منها فهذه الأشياء في نظر العرف صارت حقائق مباينة لحقيقة الأرض بل لا يخطر ببالهم انها من الأرض أو غيرها ويشهد لما ذكرنا صحيحة محمد بن الحسين قال: بعض اصحابنا كتب إلى ابي الحسن الماضي (ع)يسأله عن الصلاة على الزجاج قال: فلما نفذ كتابي اليه تفكرت وقلت: هو مما انبتت الأرض وما كان لي ان أسأل عنه قال: فكتب اليّ لا تصل على الزجاج وان حدثتك نفسك: انه مما انبتت الأرض ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان(24)والمراد من مسخهما هو صيرورتهما زجاجاً لا كونهما في الأصل من الممسوخات كما يوهمه ظاهر العبارة ومن هنا حكم بعضهم: بمنع جواز السجود على الرمل ولكنه بعيد جداً كيف وهو ارض والإجماع قائم على خلافه مع بعض النصوص ومما ذكرنا ظهر حال كل ما هو خارج عن حقيقة الأرضية بحيث لا يصدق عليه بحسب العرف ولا يعد من الأرض ولا من نباتها لأن الأدلة كما عرفت جملة منها صريحة في الجواز على العنوانين والمنع عن غيرهما من العناوين المغايرة لهما اللهم الا ان يقوم دليل خاص في الموارد الخاصة فيقتصر عليه لا غيركما في القرطاس والقير ولكن اخبار جواز القير معارضة بما هو اقوى منها وهي غير معمول بها عند الأصحاب فحملها على التقية أو الاضطرار حذراً من الطرح اولى من حمل النهي في تلك الأخبار على الكراهة بعض اعراض الأصحاب عنها وبالجملة اعراض الأصحاب قرينة على وجوب التصرف في اخبار الجواز مع مخالفتها لعمومات الباب الدالة على حصر السجود في العنوانين ولكنه علل في بعض اخبار الجواز بأنه من نبات الأرض ولكنه غير موافق لما هو مترا آمن انظار العرف ثم المراد من المأكول والملبوس هل هو المأكول والملبوس الفعلي أو يعمه والشأني الأقتضائي؟ وعلى كلا التقديرين هل المراد هو المأكول والملبوس بحسب النوع أو يعمه والصنف والأفراد؟ ثم الشيء المأكول أو الملبوس عند قوم هل يحرم عليهم أو على جميع المكلفين؟ وجوه: وأما المأكول والملبوس من غير عادة كما في حال الاضطرار فهو غير مشمول للأخبار قطعاً والظاهر بل المقطوع به هو ان المراد من المأكول المنهي عن السجود عليه ليس هو خصوص المأكول بالفعل بل يعمه والشأني فكل ما اعد لأكل الانسان من الحنطة والشعير واشباههما مما هو غير مأكول بالفعل بحسب العادة بل يحتاج إلى العلاج فلا يجوز السجود عليه قبل نضجها وقبل انفصال قشرها وان كان القشر مما لا يؤكل كالجوز واللوز والسر في ذلك ان القشر غير ملحوظ في حيال اللب باللحاظ الاستقلالي فالسجود على القشر سجود على اللباب لأنه مندك فيها كما لا يخفى نعم بعد الانفصال لا مانع من السجود عليه لعدم دخوله تحت الأدلة وهي منصرفة عنه وقد حكى: عن العلامة (قدس سره) في التذكرة والمنتهى: انه جوّز السجود على الحنطة والشعير قبل الطحن معللاً بكونهما غير مأكولين وان القشر حائل بين المأكول والجبهة ولكن لا يخفى ضعفه لما عرفت من اندكاك القشور في اللباب بحيث لا وجود لها عند العرف وراء وجود اللباب بل اطلاق جملة من الأدلة شامل لها مثل ما في خبر محمد بن مسلم عن ابي جعفر (ع) قال (ع): لا بأس بالصلاة على البواري والخصفة وكل نبات الا الثمرة وفي صحيحة زرارة ولا شيء من ثمار الأرض وقد يتوهم التنافي بين هذه الأخبار الظاهرة في العموم لما يؤكل من الأثمار وما لا يؤكل وبين الأخبار المتقدمة الدالة على منع السجود على المأكول لا غيره من الأثمار وقد يدعى عدم التنافي بين استثناء الثمرة واستثناء المأكول لأن النسبة بينهما العموم المطلق فتخص الثمرة بالمأكول منها وعلى هذا لا حاجة إلى دعوى انصراف المأكول إلى النبات المتعارف، قال الأستاذ مد ظله في كتابته في هذا المقام ما لفظه واجاب استاذنا الفقيه عنه: بأن التنافي في امثال هذه الموارد ينشأ من قبل الحصر المستفاد من الاستثناء لا من الأستثنائين وبيانه ان في المقام طائفتان من الأخبار:

الأولى: ما وقع فيها استثناء ما اكل ولبس مما انبتت الأرض.

والثانية: ما اشتمل على استثناء مطلق الثمرة وكل منها بحسب ما فيها من الأستثناء ينحل إلى عقدين ايجابي وسلبي اما العقد الأيجابي وهو عمدة ما سبق له الكلام فمن الأولى انه يجوز السجود على ماعدا المأكول والملبوس مما انبتته الأرض مطلق الثمرة كانت ام غيرها ومن الثانية انه يجوز السجود على ما عدا الثمرة منه مطلقاً والعقد السلبي من الأولى انه لا يجوز السجود على المأكول والملبوس مما انبتته الأرض ومن الثانية انه لا يجوز السجود على الثمرة ومن الواضح انه لا منافاة بين الأيجابين ولا بين السلبيين وانما التنافي بين العقد الأيجابي من الأولى والسلبي من الثانية بناء على كون الثمرة اعماً مطلقاً من المأكول كما هو المفروض فلا بد في رفع التنافي اما من رفع اليد عن ظاهر الحصر وارتكاب تخصيص آخر في المستثنى منه زائداً على التخصيص الذي تضمنه الكلام أو تقييد الثمرة بما اذا كانت مأكولة ولا شبهة ان الثاني اولى كما انا ان قلنا بأن المأكول ايضاً اعم من وجه من الثمرة لصدقه على الخس واشباهه مما لا يعد في العرف ثمرة لتحقق التنافي بين العقد الأثباتي من الثانية حيث تدل على جواز السجود على ما عدا الثمرة مطلقاً والعقد السلبي من الأولى فلا بد في مقام الجمع اما من تقييد المأكول الذي نهى عن السجود عليه بما اذا كان ثمرة أو تصرف في ظاهر ما دل على انحصار ما هو الخارج عن عموم ما انبتته الأرض بالثمرة اما بأرتكاب التخصيص في المستثنى منه بالنسبة إلى ما عدا الثمرة من المأكول أو التوسع في الثمرة بحملها على ارادة مطلق المأكول وتخصيصها بالذكر للجري مجرى الغالب ولكن يبعد الأول أي تقيد المأكول بكونه ثمرة اطلاق فتاوي الأصحاب المعتضد بظاهر صحيحة هشام المشتملة على التعليل القاضي باناطة المنع بالمأكولية لا بكونه ثمرة كما لا يخفى انتهى ما نقله الأستاذ مد ظله العالي عن شيخه الفقيه الهمذاني (قدس سره)(25) ومما قدمنا ظهر لك ان المدار في جواز السجود وعدمه هو تحقق عنوان الارضية وما انبتته الارض غير المأكول والملبوس على النحو المتقدم ومن هنا ظهر الحال في القطن والكتان لأنهما وان كانا من نبات الارض الا انهما ملبوسان بل الاغلب في نوع الالبسة هو القطن والكتان فلذا يقال ان قدر المتيقن من عنوان الملبوس المستثنى من جواز السجود هو الكتان والقطن مضافاً إلى الأخبار الدالة على عدم جواز السجود عليهما ووقوع التعليل في بعض الأشياء التي منع الشارع عن السجود عليها بأنه من القطن أو الكتان فلا يعارضها ظهور بعض الأخبار في جواز السجود عليها ولو سلم في الترجيح لأخبار المنع لكونها اقوى دلالة واكثر عدداً فلا بد من حمل اخبار المنع على مورد الضرورة أو التقية ولا ينافيه وقوع السؤال في بعضها مقيداً بلا تقية ولا ضرورة بداهة عدم لزوم بيان الحكم الواقعي على الأمام (ع) في مقام التقية بل وقوع السؤال على النحو المذكور يؤكد حملها على التقية كما لا يخفى والحاصل الأخبار الحاصرة جواز السجود على الأرض أو ما انبته الأرض غير المأكول والملبوس حجة في الموارد كلها ولا يرفع اليد عنها الا بالدليل المعتبر الغير المعارض واما الأخبار المعارضة بمثلها فلا يصلح للتقيد ورفع اليد عنها ابداً ولا سيما اذا كانت غير معمول بها ومعرض عنها لدى الأصحاب.

واما القرطاس فقد اتفقت كلمة الأصحاب في الجملة على جواز السجود عليه للأخبار الصريحة في الجواز ولا وجه لرفع اليد عنها بعدما كانت غير معارضة ولا مجملة كما لا وجه لحملها على حال الضرورة بعد ان كانت ظاهرة في العموم وكذا الخدشة فيه من جهة اشتماله على اجزاء النورة أو اخذه من الكتان والأبريسم بداهة صيرورته حقيقة على حدة والأجزاء المادية مندكّة فيه وغير ملحوظة ابداً بل ولا يخطر على بال العرف ولا يرونه الا موضوعاً من الموضوعات الخارجية وحقيقة من الموجودات الإمكانية.


(1) هذا المطلب بقلم الشيخ الأمام دام ظله وهو مختصر ما ألقاه في حوزة الدرس قبل (35) سنة في النجف الأشرف.

(3)الشيخ جعفر بن الشيخ خضر الجناحي النجفي امام الطائفة وشيخها الأكبر من اساطين الدين واركان المذهب وزعيم الشيعة الأعظم وشيخ الفقهاء صاحب كشف الغطاء وغيره من المؤلفات النفيسة. واولاده الأمجاد اسرة عريقة بالعلم والفضيلة ونبغ منهم الفقهاء والأكابر زعماء الدين ورؤساء الأسلام ومنهم اليوم شيخنا الأمام ادام الله ظله الذي يحتاج تأريخ شؤون حياته وترجمته الشريفة إلى تأليف مستقل. وكان بين الشيخ الأكبر وبين معاصره جدنا العلامة الفقيه ميرزه محمد نقي القاضي المتوفي (1222)هـ ــ تلميذ الوحيد البهبهاني (قدس سره) ــ صداقة كاملة وكذا ايضاً بين الشيخ الأكبر وبين تلميذه جدنا العالم الرباني الحاج ميرزه مهدي القاضي الكبير المتوفى (1241)هـ كما يشهد بذلك المراسلات المتوالية بينه وبين الشيخ (قدس سره) الموجودة عندنا بخطه الشريف.

وقد جاء الشيخ الاكبر الى تبريز في اوائل الثورة الروسية حينما تداخلت ايديهم الظالمة على ايران في ايام فتح علي الشاه  القاجاري ليحرض الناس على الدفاع عن البلاد الايرانية واتفق في تبريز لقاء الشيخ (قدس سره) مع جدنا القاضي الكبير واوجد ذلك اثراً عظيماً في النفوس توفي الشيخ (قدس سره) سنة (1228)هـ وممن رثاه بالفارسية هو الشيخ الفاضل علي اشرف التبريزي الطسوجي المتولد (1189)هـ والمتوفي (1268)هـ وانشأ اشعاراً تتضمن تأريخ وفاته ورأيتها بخطه ولا بأس بنقلها في هذا المقام:

جون جناب شيخ جعفر راروان

 

شد بسوى جنة المأوى روان

 

وهن فاحش شد بدين جعفري

دين جعفر راشكستي شد عيان

شد مدارك رامسالك بي سلوك

شد شرايع را قواعد بي نشان

بعد ازآن آوخ مفاتيح ودروس

 

بعد از اين هيهات تحرير وبيان

 

بود تابودش زمين راصد شرف

 

با وجود او بهفتم آسمان

 

بي وجود او نيارم هيج كفت

 

خاك برفرق من واين خاكدان

 

رونق كلشن كجا ماند دكر

 

رخت بر بندد جوكل ازكلستان

 

خواستم تأريخ سال فوت او

 

بالبديهة (أشرف) تأريخ دان

 

بادريغ وحسرت وافسوس كَفت

 

بود دين جعفري رفت از ميان

 

(1228)هـ

وله ابيات اخرى ايضاً في تأريخ وفاته (قدس سره) تركنا ذكرها خوف الأطالة.

(4)ابو عبد الله محمد بن جمال الدين مكي الدمشقي العاملي الجزيني رئيس المذهب وزعيم الملة وافقه فقهاء الأفاق بعد المحقق على الأطلاق وهو رأس المحققين ورئيسهم والف التصانيف الرائقة في الفنون الشرعية وله انظار دقيقة ونظريات بديعة ولد سنة (734)هـ ونال الشهادة في يوم الخميس التاسع من جمادى الأولى سنة= =(786)هـ قتل بالسيف ثم صلب ثم رجم ثم احرق بدمشق في دولة (بيدمرو) وسلطنة (برقوق) بفتوى القاضي برهان الدين المالكي وعباد بن جماعة الشافعي بعدما حبس سنة كاملة في قلعة الشام قدس الله روحه وحشره مع الشهداء والصديقين وحسن اولئك رفيقا.

(8) محمد بن الحسن بن محمد الأصفهاني الشهير بــ(الفاضل الهندي) من اكبر فقهاء الأمامية في القرن الثاني عشر وحيد عصره. واعجوبة دهره له مؤلفات ممتعة منها (كشف اللثام) في الفقه توفي في فتنة الأفغان باصبهان سنة (1137)هـ ــ تلك الفتنة الفجيعة والكارثة المفجعة ــ ودفن في مقبرة تخته فولاد.

(9) الشيخ نجم الدين ابو القاسم جعفر بن الحسن الحلي المحقق اما الطائفة احد اركان الدين شيخ الفقهاء ومربي العلماء الجامع لجميع الفضائل والكمالات الإنسانية صاحب التصانيف الرائقة اشهرها كتاب (شرائع الإسلام) في الفقه توفي في ربيع الثاني سنة (676)هـ.

(10)ابو زكريا يحيى بن احمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد الحلي الهذلي الأمام الفقيه الورع الزاهد المعروف بــ(الشيخ نجيب الدين) ابن عم المحقق وسبط صاحب السرائر ولد سنة (601)هـ، وتوفي سنة (689)هـ، ودفن بالحلة.

(14)احمد بن علي بن ابي طالب الطبرسي من اكابر فقهاء الأمامية وثقاتهم صاحب كتاب الأحتجاج على اهل اللجاج وهو من الكتب المعتبرة انظر (الذريعة) لسيخنا العلامة الطهراني مد ظله ج1 ص281 ط نجف.

و(طبرسي) نسبة إلى (طبرس) وهي رستاق بين اصفهان وكاشان وقم و(طبرس) بالطاء المهملة المفتوحة والباء الموحدة الساكنة والراء الكسورة والسين المهملة معرب (تفرش) الحالية بايران كما عن العلامة المجلسي (رحمه الله ) والقول بأن الطبرسي منسوب إلى (طبرستان) كما هو المشهور اشتباه من بعض السلف ومنه تسرب الوهم إلى= =اكثر الخلف كما حققنا ذلك تفصيلاً في المقالة التي نشرناها في مجلة (العرفان) ــ ص371 ــ 375 ج2 مج 39 ط صيدا. وانظر ايضاً إلى تأريخ بيهق ــ ص242 ط طهران. والى ذيل ذلك التاريخ ص347 ــ 353 والى ما ذكره خطيبنا العلامة الواعظ الجرندابي في تعليقاته على شرح عقائد الصدوق ص59 ط2 تبريز ايران.

(16) المولى محمد باقر بن العلامة المولى محمد تقي المجلسي شيخ الاسلام والمسلمين ورئيس المحدثين صاحب الجامع الكبير (بحار الأنوار) الذي هو بمنزلة دائرة المعارف في جمع شتات الأخبار ومتفرقات الآثار تصدى لمشيخة الاسلام بايران توفي سنة (1111)هـ أو سنة (1110)هـ.

(17) محمد بن احمد بن ابراهيم الجعفي الكوفي ثم المصري المعروف بـ(الصابوني) من قدماء فقهاء الأمامية واعلامهم المشاهير ادرك الغيبتين وله مؤلفات كثيرة في الفقه منها كتاب الفاخر انظر تنقيح المقال ج2 باب الميم ص65 رقم (10291).

(20) ابو القاسم ذو المجدين علي بن الحسين الموسوي الشهير بـ(السيد المرتضى علم الهدى) سيد علماء الامة وزعيم الشيعة الاكبر ومفخرة الامامية جمع من العلوم ما لم يجمعه احد وكان له ثروة طائلة واموال وقرى كثيرة وصنف المؤلفات الرائقة الممتعة سنة (355)هـ، وتوفي سنة (436)هـ، قدس الله روحه.

(21) كلمة فارسية معربة تستعمل في الطراحة التي ينام عليها ومعناها في التركية توشك وتستعمل ايضاً في المتكا (المخدة) والجبة واللبادة ونحوها مما يلبس فوق الثياب. انظر المعجم الفارسي الكبير (برهان قاطع) للشيخ محمد حسين بن خلف التبريزي ص1223 ــ 1224 ج2 والى مادة (توشك) ص534 ــ ج1 ط ــ طهران سنة (1331)هـ.

(23) ابو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي رئيس المحدثين من عظم اركان الدين صاحب كتاب (من لا يحضره الفقيه) الذي هو احد الكتب الاربعة للامامية له نحو من ثلاثمائة مصنف توفي سنة (381)هـ بالري ودفن بها وقبره مشهور يزار ويتبرك به.

(24)اثبتنا الرواية كذلك فأنها هكذا وردت في اغلب نسخ جوامعنا الحديثية الموجودة بأيدينا اليوم وكذا فيما وقفنا عليها من الكتب الفقهية الاستدلالية فقد روى ثقة الاسلام الكليني (قدس سره)في فروع الكافي ج1 ــ ص92 عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين ان بعض اصحابنا كتب الخ ورواها شيخ الطائفة (قدس سره)بأسناده عن محمد بن يحيى ايضاً وروى الشيخ الصدوق (قدس سره)في كتابه العلل عن ابيه محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن السياري ان بعض اهل المدائن كتب إلى ابي الحسن الماضي (ع ) الخ ثم قال الصدوق (رحمه الله )بعد نقل الرواية (ليس كل رمل ممسوخاً ولا كل ملح ولكن الرمل والملح الذي يتخذ منه الزجاج ممسوخان)ويظهر من ذلك ان الرواية هكذا وصلت اليه (قدس سره) ولذا اضطر إلى التوجيه واخذ بعض بظاهر هذه الرواية ولكن حملها المحققون على خلاف ظاهرها من الكراهة بعد ان كان مقتضى الظاهر هو الحرمة ولا سيما بعد وقوع الرمل تعليلاً للنهي عن السجود على الزجاج مع ان النص والإجماع يدلان على جواز السجود على الرمل ومن المعلوم ايضاً كونه من الأرض ودخوله في مسماها بلا شك. ولكني اقول بتوفيق الله تعالى ومنه العميم انه يظهر بعد التتبع والفحص في كتب احاديث اصحابنا الأمامية  ــ ولعله يحصل الاطمئنان بذلك ــ ان في الرواية تصحيفاً في اولها وآخرها اما في اولها فهو ان (ابي الحسن الماضي) انما هو تصحيف (ابي الحسن الهادي) ويعبر بأبي الحسن الماضي على ما هو المشهور عن مولانا الكاظم (ع ) لشدة التقية في زمانه وطغيان بعض الفراعنة في اوانه نعم لشيخنا العلامة المقمقاني (قدس سره)كلام في التعبير عن الأمام (ع ) بـ(الماضي) ذكره في كتابه القيم (تنقيح المقال) ج1 ص189 فراجع. واما التصحيف الواقع في ذيلها فأن الرواية مروية بأختلاف الألفاظ في ذيلها. فقد نقل الشيخ الثقة الجليل بهاء الدين علي بن عيسى الأربلي (قدس سره)في كشف الغمة في معجزات الهادي (ع ) عن الدلائل للحميري ما لفظه (وكتب اليه محمد بن الحسين بن مصعب المدائني يسأله عن السجود على الزجاج قال فلما نفذ الكتاب حدثت نفسي انه مما انبتت الأرض وانهم قالوا لا بأس بالسجود على ما انبتت الأرض قال فجاء الجواب لا تسجد عليه وان حدثتك نفسك انه مما انبتت الأرض فأنه من الرمل والملح والملح سبخ) ورواه الشيخ المؤرخ الكبير المسعودي (رحمه الله ) باختلاف في ذيل الرواية في كتابه اثبات الوصية في معجزات الهادي (ع ) ص189= =طبعة النجف الثالثة عن الحميري عن الحسن بن مصعب المدائني وقال في آخرها (فأنه من الرمل والملح والملح سبخ والسبخ ارض ممسوخة) ورواه الشيخ ابي جعفر الطبري الأمامي في الدلائل عند ذكر معجزات الهادي (ع ) بأختلاف ايضاً ص218 طبع النجف عن المعلى بن محمد البصري عن أحمد بن محمد بن عبد الله قال كتب محمد بن الحسين بن مصعب إلى ابي الحسن (ع ) وقال في ذيل الرواية: (فأنه من الرمل والملح سبخ والرمل المسبخ بلد ممسوخ) وليعلم ان محمد بن الحسين الواقع في طريق الكليني هو محمد بن الحسين بن ابي الخطاب ابو جعفر الزيات الهمداني الثقة الجليل المتوفي (262)هـ بقرينة رواية محمد بن يحيى العطار الأشعري الثقة عنه وكان ابو جعفر الزيات من اصحاب الجواد والهادي والعسكري (ع )والمراد من قوله بعض اصحابنا كتب الخ هو محمد بن الحسين بن مصعب المدائني كما ظهر ذلك من رواية الطبري والحميري بل من رواية الصدوق (رحمه الله )ايضاً ولكن طريق شيخنا الصدوق (رحمه الله ) في العلل ضعيف فأن المراد من السياري الواقع في طريقه هو أحمد بن محمد السياري من اصحاب العسكري (ع ) وهو ضعيف الحديث وما ذكره العلامة النوري (قدس سره) في خاتمة المستدرك من اثبات وثاقته والأعتماد عليه لا يلتفت اليه فأنه اجتهاد في مقابل النص وقد صرح علماء الرجال بتضعيفه وتخليطه.

ثم ان لا شك عند المتأمل ان هذه الروايات المختلفة ذيلها لفظاً كلها رواية واحدة وهي سؤال محمد بن الحسين المدائني عن مولانا الهادي (ع ) وانما جاء الأختلاف من قبل الرواة ومن غلط النساخ ومع هذا الاختلاف والأضطراب في ذيلها بحيث اوجب خفاء الواقع لنا لا يمكن الاستدلال بها على كراهية السجود على الرمل اصلاً بعد عدم امكان الأخذ بظاهرها ولعل مع هذا الاختلاف في ذيلها يظهر ايضاً ان النهي عن السجود على الزجاج انما هو من جهة الملح واستحالته والله العالم.

(25) الحاج آقا رضا محمد هادي الهمذاني من اكابر فقهاء الأمامية في اوائل هذا القرن له مؤلفات ممتعة نافعة في الفقه واصوله وكتابه (مصباح الفقيه) من انفس الكتب الفقهية الاستدلالية خرج منه كتاب الطهارة والصلاة والخمس والزكاة مع حسن التقرير وسلاسة التحرير توفي سنة (1322)هـ.


 

 
امتیاز دهی
 
 

 
خانه | بازگشت | حريم خصوصي كاربران |
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما